عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 01-17-2018, 03:52 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي أقسام الحديث المقبول والمردود من حيث العمل

أقسام الحديث المقبول والمردود من حيث العمل
(ضمن دورة تدريس علوم الحديث)
الحلقة (17)
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني

نبدأ على بركة الله في هذا الباب بالتالي :

الفصل الأول
أقسام الحديث المقبول
ينقسم الحديث المقبول من حيث العمل به من عدمه إلى خمسة أقسام : المحكم ، والمختلف، والناسخ ، والترجيح بين ما ظاهره التعارض إن لم يُعرف المتقدم من المتأخر ، والتوقف عن الحكم بأحدهما إذا تعذر الترجيح ، وإليك بيان هذه الأقسام :

أولاً : المحكم ، وهو الحديث السالم من المعارضة.
ومثاله : حديث " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"([1]).
فإنه واضح جلي في أن الوضوء شرط لصحة الصلاة ، ولا يتعارض مع غيره من الأدلة.

ثانياً : مختلف الحديث ويسمى مشكل الآثار وهو أن يكون بين الحديثين تنافٍ ظاهراً ، فيجمع بينهما كحديث " لا عدوى ولا طيره "([2]) مع رواية " فِرْ من المجذوم فرارك من الأسد "([3]).

والجمع بين الروايتين :

أن تقول : إنه لا عدوى إلا بإذن الله ، ولكن دفعاً للوسواس نأخذ بالأسباب فنفر من الأمراض التي قد تكون معدية.
أو تقول : لا عدوى مؤثرة بذاتها وطبعها وإنما التأثير بتقدير الله -عز وجل- ، والأخذ بالسبب لا ينافي التوكل على الله .
أو تقول : من خشي العدوى فر منها ولم يقترب ، ومن لم يخش إلا الله توكل عليه ولم يبالِ ، وإن اقترب منها لقوة يقينه أن الله -عز وجل- لا يضيع من لم يخش سواه.
ولا شك أن الجمعين السابقين أولى وأحرى بالعمل والترجيح من الجمع الثالث.
ولا يجوز الجمع بين حديثين : أحدهما صحيح ، والآخر ضعيف.

ثالثاً : الناسخ ، وضده المنسوخ ، وهو كل حديث لم يمكن الجمع بينه وبين معارضه مع علم المتأخر منهما إما بالنص كقوله -صلى الله عليه وسلم- : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"([4]) ، وقوله : " كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدالكم "([5]) ، أو بتصريح الصحابي به كقول جابر كما صح ذلك قال : " كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار "([6]) ، أو بالتاريخ فالأخير ناسخ ، والمتقدم منسوخ كحديث " أفطر الحاجم والمحجوم "([7]) وله في بعض طرقه أنه قال ذلك زمن الفتح وذلك سنة ثمان([8]) ، أو أن يُجْمِعَ العلماء على أنه منسوخ كحديث " من شرب خمراً فاجلدوه ، ثم قال في الرابعة : فاقتلوه "([9]).
والأصل عند أهل العلم : أن الإجماع لا ينسخ لكن يدل على وجود دليل النسخ.
قال النووي : إنه حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه قاله في شرح مسلم([10]) ، وتعقب بأنه لا إجماع إذ قال ابن عمر بالعمل به ، و به قال ابن حزم ، والله أعلم.

رابعاً : الترجيح بين المتعارضين ، إن لم يُعرف المتقدم من
المتأخر. فحينئذ نفزع إلى الترجيح ، ويعمل بالأرجح منهما والأثبت ، كالترجيح بكثرة الرواة أو بصفاتهم العلمية ، أو كون أحدهما أتقن من الآخر أو أحفظ في خمسين وجهاً من وجوه الترجيحات وأكثر كما ذكر أهل العلم.
ومثال ذلك : حديث ابن عباس المتفق عليه : " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج ميمونة وهو محرم".
وقد عارض حديث ميمونة عند مسلم " أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوجها وهو حلال".
فيترجح حديث ميمونة لعدة أمور :

الأول : أنها صاحبة القصة فهي أدرى من ابن عباس بزواجها.

الثاني : أن رواية " أنه تزوجها وهو حلال " جاءت من طرق شتى ، وحديث ابن عباس صحيح الإسناد لكن الوهم إلى الواحد أقرب من الوهم من الجماعة.

الثالث : أنه قد ورد من النهي ما يؤيد قول ميمونة فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- : " لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنكِحُ وَلَا يَخْطُبُ" أخرجه مسلم من حديث عثمان.
وبعضهم جمع غير هذا الجمع ، فقال : يبقى النهي على عمومه ، وزواج ميمونة وهو محرم خاص به -عليه الصلاة والسلام- .
وهذا جمع ضعيف إذ لا قرينة على التخصيص.

خامساً : التوقف عن الحكم بأحدهما ، إذا تعذر الترجيح.
ولا أعرف حديثاً اتفق العلماء فيه على التوقف وعدم الترجيح ، لكون التوقف قد يكون عند آحاد العلماء دون غيرهم إما لنقص علم أو ورع ونحوهما من الموانع التي تمنعه من الفصل في المسألة ، وبالله التوفيق.
_____
([1]) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
([2]) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
([3]) هو الحديث السابق ، والزيادة عند البخاري في صحيحه ( كتاب الطب ، باب الجذام (5/ 2158 رقم 5380).
([4]) أخرجه مسلم في صحيحه ( كتاب الجنائز ، باب استئذان النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (2/ 672 رقم 977) من حديث بريدة.
([5]) هو الشطر الثاني من حديث بريدة السالف الذكر.
([6]) أخرجه النسائي في السنن الصغرى ( كتاب الطهارة ، باب ترك الوضوء مما غيرت النار (1/ 108 رقم 185) .
([7]) أخرجه الأربعة إلا النسائي ، والحديث صحيح.
([8]) كما في المسند حيث جاء عن شداد بن أوس أنه قال : مر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الفتح على رجل يحتجم بالبقيع لثمان عشرة خلت من رمضان وهو آخذ بيدي فقال : "أفطر الحاجم والمحجوم " والحديث صحيح ، على شرط مسلم.
([9]) أخرجه أحمد والأربعة ، والحديث صحيح.
([10]) أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي ، ( المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، مرجع سابق (5/ 218).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس