عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 03-23-2012, 04:25 PM
خالد بن إبراهيم آل كاملة خالد بن إبراهيم آل كاملة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 5,683
افتراضي

السؤال 451: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكاسيات العاريات: {إلعنوهن فإنهن ملعونات} فهل يكون اللعن على مسمعهن أم سراً؟
الجواب: قال صلى الله عليه وسلم: {صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، قوم معهم سياط وأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها} وفي رواية عند أحمد: {إلعنوهن فإنهن ملعونات}، هذا حديث عظيم وجليل وواقعنا شاهد عليه، وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الظلم السياسي والفساد الخلقي قرينان ووجهان لعملة واحدة، فمتى وجد الظلم السياسي يكون معه الفساد الخلقي فإن الإنسان المغموس في حمأة الشهوة المشغول بالنظر لتبرج النساء فإنه لا يجرأ أن يقول للظالم إنك ظالم، ولا بد أن يعاقب بأقوام معهم سياط يجلدون الظهور، والإشارة في الحديث ظاهرة وذكر هذين الصنفين في الحديث ليس من عبث إنهما وحي من الله عز وجل.
أما اللعن فإن من فقهه أمور فإن الشرع أمر الناظر أن يلعن هذه المرأة حتى يدرأ عن نفسه شرها فإنك لا تستطيع أن تدرأ شر هذه المرأة المبترجة عن نفسك إلا إن قلت في نفسك واستشعرت بقلبك إن هذه ملعونة، فكيف يتمتع فيها الناظر؟
وللإنسان أن يقول هذا بلسانه على مسمع منها لكن إن ترتب على إسماعها فتنة فلا تسمعها درا للفتنة أمام إن لم يترتب فتنة فأسمعها ولا حرج في ذلك، وهذه المرأة الملعونة بعينها ولا يلزم من لعنها هذا أنه يحكم عليها من أهل النار إنما يحكم عليها اللعن مادامت على هذا الحال ولعنها بمعنى الدعاء عليها، فكما قال ابن تيمية : فإن النصوص التي ورد فيها اللعن في الشرع قسمان، قسم بمعنى الدعاء على الإنسان وقسم بمعنى تقرير الخروج والحرمان من رحمة الله، وقصة الرجل المسيء لجاره لا تخفى فقد صح أن رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فأرشده إلى أن يخرج متاعه إلى قارعة الطريق فأصبح الناس يمرون ويستفسرون من الرجل عن ماله فلما كان يخبرهم بالخبر كان الناس يلعنون الجار المسيء حتى رجع وتاب، فلعن المعين بمعنى الدعاء عليه لا حرج فيه.
السؤال 452: هل هذا الحديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في نفر من أصحابه فوجد ريحاً فقال ليقم صاحب هذا الريح فليتوضأ، فلم يقم أحد حتى قالها ثلاثاً، ثم قال: {إن الله لا يستحي من الحق} فقال العباس: ألا نقوم كلنا يا رسول الله فنتوضأ قال {قوموا كلكم فتوضؤوا}؟
الجواب: هذا الحديث خرافة والناس يظنون في القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب الوضوء من اكل لحم الجزور وإنما أوجبه على الجميع على الرجل الذي أخرج الريح، وهذه القصة باطلة وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أكل لحم جزور فليتوضأ} وهذه قصة لا وجود لها في كتب السنة.
وقد ذكر شيخنا رحمه الله، قصة شبيهة بها ولم يعزها إلا لابن عساكر في "تاريخ دمشق" ووجدتها عند أبي عبيد في الطهور، وفي مصنف عبد الرزاق وهي من مرسل مجاهد، وفيها أصل بن أبي جميل وهو ضعيف، فالقصة ضعيفة لأمرين لواصل ولأنها من مرسل مجاهد، وذكرها شيخنا في السلسلة الضعيفة (برقم 1132) وقال معقباً عليها: وهذه القصة مع أنه لا أصل لها في كتب من السنة ولا في غير من كتب الفقه، والتفسير، فيما علمت فإن أثرها سيء جداً في الذين يروونها فإنها تصرفهم عن العمل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكل من أكل لحم الجزور وكل من اكل من لحم الإبل أن يتوضأ كما ثبت في صحيح مسلم فهم يدفعون هذا الأمر الصحيح الصريح لأنه إنما كان ستراً على ذلك الرجل لا تشريعاً وليت شعري كيف يعقل هؤلاء مثل هذه القصة ويؤمنون بها مع بعدها عن العقل السليم والشرع القويم، فإنهم لو تفكروا فيها قليلاً لتبين لهم ما قلناه بوضوح فإنه مما لا يليق به صلى الله عليه وسلم أن يأمر بأمر لعلة زمنية ثم لا يبين للناس تلك العلة حتى يسير الأمر شريعة أبدية كما وقع في هذا الأمر، فقد عمل به جماهير من أئمة الأحاديث والفقه فلو أنه صلى الله عليه وسلم كان أمر به لتلك العلة المزعومة لبينها أتم البيان حتى لا يضل هؤلاء الجماهير باتباعهم للأمر المطلق لكن قبح الله الوضاعين في كل عصر ومصر، فإنهم من أعظم الأسباب التي أبعدت الكثيرين من المسلمين عن العمل بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن جماهير العاملين في هذا الأمر الكريم ووفق الآخرين للاقتداء بهم، في ذلك الأمر فالقصة رغم شيوعها وذيوعها بين الناس فإنها لا أصل لها والراجح عند أهل العلم ،أنه من أكل من لحم جزور فعليه الوضوء والله أعلم..

السؤال 453: ما حكم من لم نذبح له عقيقة ممن سنه فوق البلوغ؟
الجواب: إن شاء ذبح العقيقة عن نفسه إن كان ذلك بمكنته، ولا يدخل عليه حرج بذلك، فقد صحح بعض الحفاظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عق عن نفسه بعد النبوة ،لكن ليس هذا على وجه الإلزام، وإن كان هذا واجباً محدداً بين طرفين قضاؤه يحتاج إلى أمر جديد، فإن فعله صلى الله عليه وسلم هو الأمر الجديد، ولكن فعله يدلل على السنية لا الوجوب.
والواجب على الوالد أن يذبح عن ولده إن كان مستطيعاً في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين، فإن فاتت هذه الأوقات، فإن كان جاهلاً بالتوقيت فيعذر بالجهل فيذبح، في أقرب وقت، وإن لم يكن جاهلاً فله أن يذبح، لكن ذبحه اللاحق ليس كذبحه السابق، ولا يحتاج في هاتين الحالتين إلى أمر جديد، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيه إذن عام، فأصبح فعله صلى الله عليه وسلم إذن لمن فاته التوقيت بعامة.
ويعق عن الذكر بشاتين وعن الأنثى بشاة، على الراجح لقوله صلى الله عليه وسلم: {عن الذكر شاتان وعن الأنثى شاة}، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين، كل منهما بشاة، فقال الشوكاني يجمع بين قوله وفعله، فأصل السنة شاة وتمامها شاتان، لكن روى النسائي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن بكبشين أملحين، وعن الحسين بكبشين أملحين، وهذا أصح طرق الحديث، فوافق قوله صلى الله عليه وسلم عمله، فالأصل في العقيقة عن الذكر أن تكون شاتين فإن لم يقدر إلا بواحدة فلا حرج، ولا مانع بأن يعق الجد عن المولود كما فعل صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين.
والعقيقة تكون بالأنعام ولا يجوز الشركة فيها، فلو أن اثنان اشتركا بجمل فهذا غير جائز على الراجح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كل مولود مرتهن بعقيقته}، فكل واحد له دم مستقل وعقيقة خاصة، فلا يوزع الدم بين اثنين، والعقيقة إن تعينت ثم فقدت فلا بد من العقيقة ولا يسقط، إلا إن كان الأب لا يستطيع إلا هذه المفقودة، فليس عليه العقيقة لعدم استطاعته لا لأن التي ضاعت قد أجزأت ولا يوجد سن معين للعقيقة، لكن يستحب أن نقتدي بفعله صلى الله عليه وسلم فتكون العقيقة كبشاً مليحاً أقرناً، ويستحب في الشاتين عن الذكر أن تكونا متساويتين لقوله صلى الله عليه وسلم: {عن الذكر شاتان متكافئتان}، وما قيده الشرع في الأضحية من السن والعيوب لا نقيسها على العقيقة فكل منهما باب بوحده، والله أعلم...

السؤال 454: ما حكم الحناء للرجال؟
الجواب: الحناء للرجال جائز، في حالة وممنوع في حالة ثانية، فإن كان استخدام الحناء للرجال من باب التجمل فهذا لا يجوز لأن الدلة والنعومة من سمات النساء، قال الله عز وجل: {أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} فالمرأة تنشأ في الحلية والزينة والتنعم والدلال.
أما استخدام الحناء للرجل على أنها علاج فلا حرج في هذا، فإن الحناء تستخدم، مثلاً لعلاج تشقق الجلد، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع مجموعة من النساء وكن يضعن أيديهن في ماء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع على إثرهن يده، فمدت امرأة يدها فرآها خشنة، فاستغرب النبي صلى الله عليه وسلم من خشونة يدها، وقال: {يد امرأة أم يد رجل؟} فقالت: يد امرأة، فقال لها صلى الله عليه وسلم: {اختضبي} أي تحني، فإن كان الحناء للزينة فهو للنساء فحسب، وإن كان للتطبب فهو جائز على حد سواء للرجال والنساء والله أعلم...

السؤال 455: هل يجوز للمسلم أن يصل أمه الكافرة؟
نعم ، إن كان الأبوان أو أحدهما مشركين فيجوز للابن أن يصلهما، وقال الله عز وجل، في سورة لقمان: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً}، فقد أمر الله الابن في هذه الآية إن كان أبوه يأمره بالشرك أن يحسن إليه وأن يبره، وقد أخرج الشيخان في صحيحهما عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: ((قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: {نعم صلي أمك})) فمن كان كافراً ثم امتن عليه بالإسلام فلا يقطع والديه، بل عليه أن يحسن إليهما، وأن يتودد لهما، وأن يطمع في إسلامهما، وأن يحرك العاطفة التي في قلوبهما نحوه نحو الدين، وأن يريهما أنه بإسلامه ازداد إحساناً لهما، وهذه طاعة من الطاعات.
وليس عقوق الأب المشرك كعقوق الأب المؤمن، وليس عقوق الأب المسلم الصالح كعقوق الأب المسلم الفاسق، وليس عقوق الأب الصالح العالم كعقوق الصالح الجاهل، فقد تزدحم الحقوق في حق الشخص الواحد، فالجار مثلاً له حق، فإن كان صالحاً فله حقان، وإن كان صالحاً وذا رحم فله ثلاثة عقوق، وهكذا فالوالد له حق، فإن كان مشركاً ينقص من حقه لكن يبقى أباً له، بر وصلة..

السؤال 456: من بدأ بتحية المسجد فأقيمت الصلاة ماذا يفعل؟
الجواب: إن كنت في بداية صلاتك فقد تزاحم أمران: سنة وفريضة، فاترك السنة للفريضة، فعند تزاحم الأمور يقدم الأهم، فمن أخطاء كثير من الناس من يدخل المسجد بعد بدء الصلاة في الركعة الأولى فيبدأ بدعاء الاستفتاح، وقد يركع الإمام وتفوته الفاتحة، فالأولى أن يبدأ بالفاتحة، إلا أن غلب على ظنه أنه يدرك الفاتحة، فيبدأ بدعاء استفتاح قصير ولا يطيل، فإن دعاء الاستفتاح سنة والفاتحة ركن، أما إن كنت في نهاية الصلاة كأن تكون في سجود الركعة الثانية وتستطيع أن تتم صلاتك وتدرك تكبيرة الإحرام فلا حرج.
أما كيفية الخروج من الصلاة النافلة إذا أقيمت الصلاة ففيها خلاف بين العلماء هل يسلم ويخرج من الصلاة، أم يخرج من غير سلام؟ والخلاف مبني على فهم قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة}، ومكمن الخلاف في قوله: {فلا صلاة} هل [لا] نافية أم ناهية؟ فإن كانت لا النافية فلا داعي للسلام لأن صلاته أصبحت غير منعقدة، كمن دخل في الصلاة ثم تذكر أنه غير متوضئ فهذا يخرج من الصلاة بغير سلام لأن صلاته ما انعقدت أصلاً، فتسليمه وعدمه سيان، لأنه بعد تذكره ليس في صلاة، فإن كان الشرع أبطل الصلاة، فلا داعي للتسليم، لأن التسليم من أعمال الصلاة.
أما إن كانت لا في الحديث ناهية، بمعنى أنها تنهاك أن تكمل الصلاة فسلم، وقد صح عند البخاري أن الرجل الذي صلى خلف معاذ لما أطال معاذ الصلاة أنه سلم وصلى منفرداً فهو قد سلم لأن صلاته قد انعقدت.
وعندي الأمر واسع، والخلاف في مثل هذه المسائل الذي لا يعضده عمل السلف، ولم يشتهر عمل السلف لا في هذا ولا في هذا، يبقى فيه نوع سعة، والله أعلم..

السؤال 457: هل يجوز لقوم أكلوا جميعهم البصل أو الثوم أن يصلوا جماعة؟
الجواب: ينظر في الجماعة إن كانت خارج المسجد فيجوز وإن كان في المسجد فلا أرى ذلك جائزاً، لأن المسجد يجمعهم ويجمع غيرهم، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من أكل البصل والثوم والكرات فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى فيه بنو آدم} والمساجد من مظنة وجود الملائكة فيها، لأن فيها ذكر لله سبحانه وتعالى، أما إن كانوا في غير المسجد، وكان يؤذي بعضهم بعضاً فهذا أمر محتمل، أما أن يؤذوا غيرهم ممن لم يأكلوا البصل مثلهم، فلا.
وقد كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شموا رائحة الثوم والبصل من رجل فكان رجلان يحملانه إلى جهة البقيع، واليوم عندنا شيء آخر غير البصل والثوم، وهو الدخان فهو شر منهما والمدخن آثم لوجوده، في إضاعة المال وفي إلحاق الضرر بولده وأهله ونفسه، وفي إيذاء إخوانه المصلين والملائكة إن أتى المسجد وهو حديث عهد بالدخان.

السؤال 458: ما حكم كثرة الحلف لاسيما للبائعين، وهل تجب عليهم الكفارة؟
الجواب: من حلف وعقد قلبه، أكثر الحلف أم لم تكثر، فتجب في حقه الكفارة، وعلى كل يمين حلفه كفارة، وأما إن كان لغواً، يجري على لسانه من غير تعقيد قلب فلا كفارة عليه لقول الله عز وجل: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}، فالعبرة بتعقيد اليمين في القلب، وحتى عقد اليمين في القلب فيجب فعله، فإن رأى الحالف غيره خيراً منه فله ذلك بشرط الكفارة، والأصل أن يحفظ الإنسان يمينه لقوله تعالى: {واحفظوا أيمانكم}.
وكثرة الحلف عادة قبيحة ذكرها الله عز وجل من صفات أهل النار فقال: {ولا تطع كل حلاف مهين}، فكثرة الحلف ليست من صفات المؤمنين، وإن كان الحلف بالله جائزاً، لأنه تعظيم له سبحانه، لكن الإكثار منه على كل شاردة وواردة، وأن يكون شيئاً دارجاً على اللسان فهذا أمر ليس بحسن، لاسيما من قبل التجار، ولاسيما إن كان المقصد من الحلف ترويج السلعة فهذا أمر مذموم، وقد صح عند الحاكم في "المستدرك" عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة ....} وذكر الذين يحبهم، فقال أبو ذر: من الثلاثة الذين يبغضهم الله، فقال صلى الله عليه وسلم: {المختال الفخور والبخيل المنان والبائع الحلاف} والحلاف على وزن فعال، وهي صيغة مبالغة فهو كثير الحلف.
وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: مر أعرابي بشاة، فقلت: تبعها بثلاثة دراهم؟ فقال: لا والله، ثم باعها بثلاثة دراهم، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {باع آخرته بدنياه}، وكم من إنسان يحلف ألا يبيع ثم يبيع، وأخرج الشيخان في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب}، فمن أسباب عدم الكسب الحلف، وفي رواية عند أبي داود: {الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة} فالحلف يمحق البركة، وأخرج مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: {إياكم وكثرة الحلف فإنه ينفق ثم يمحق}، فهذه نصوص صريحة في عدم جواز كثرة الحلف على السلعة .
ومن مظنة كذب التجار اليوم كثرة الحلف، فإن رأيت تاجراً يكثر الحلف، فإنه يقوم في قلب صاحب الفراسة والفطنة أنه يكذب، ولو كان صادقاً ما احتاج لهذا الحلف، فإن أردت أيها التاجر أن تروج سلعتك فاذكر محاسنها، وأصدق في وصفها، وأترك الحلف الكاذب الذي يمحق البركة، وما أحوجنا في هذه الأيام للبركة، فما أكثر الأشياء وما أقل بركتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونحن بحاجة من الخطباء والوعاظ إلى بيان أسباب وجود البركة وأسباب نزعها من الأشياء فإن التاجر لا يرى بركة في تجارته على كثرتها، والأب لا يرى بركة في أولاده على كثرتهم، فما أحوجنا إلى أن ننتبه لهذه الأمور.

السؤال 459: هل يجوز للمسلم أن يفرح بما وقع بأعداء الله من الكفار من مصائب ونكبات وإن كان ذلك بسبب ظلم واعتداء وقع عليهم؟
الجواب: على هذا السؤال عند العز بن عبد السلام رحمه الله، في كتابه "قواعد الأحكام" (2/397) وهو كلام علمي محرر بعيد عن كل شر.
قال رحمه الله: (لو قتل عدو الإنسان ظلماً وتعدياً فسره قتله وفرح به، هل يكون ذلك سروراً بمعصية الله أم لا؟ قلت: إن فرح بكونه عصي الله فيه فبئس الفرح فرحه، وإن فرح بكونه تخلص من شره، وخلص الناس من ظلمه وغشمه، ولم يفرح بمعصية الله بقتله، فلا بأس بذلك؛ لاختلاف سببي الفرح، فإن قال: لا أدري بأي الأمرين كان فرحي؟ قلنا: لا إثم عليك، لأن الظاهر من حال الإنسان أنه يفرح بمصاب عدوه لأجل الاستراحة منه، والشماتة به، لا لأجل المعصية، ولذلك يتحقق فرحه وإن كانت المصيبة سماوية، فإن قيل: إذا سر العاصي حال ملابسته المعصية هل يأثم بسروره أم لا؟ قلت: إن سر بها من جهة أنها معصية آثم بذلك، وإن سر بها من جهة كونها لذة لا تنفك من فعل المعصية، فلا يأثم إلا إثماً واحداً، والإثم مختص بملابسة المعصية، والله تعالى أعلم) أ.هـ.
ونفهم من كلامه أنه لا يجوز للمسلم أن يفرح بالمعصية والظلم، وإنما يفرح بخلاص الناس من شر الظالم والمعتدي، ورحم الله العز، ورحم الله علمائنا فما تركوا لنا شاردة ولا واردة إلى يوم الدين إلا بينوها وفصلوها.

السؤال 460: ما هو التنكيس المكروه في القراءة للمصلي أو الإمام؟
الجواب: العلماء مختلفون في التنكيس، والتنكيس في القراءة هو أن تقع القراءة على غير ترتيب المصحف، وهذا هو المكروه عند الشافعية فهم يرون كراهة قراءة سورة قبل سورة ترتيبها متأخر عنها، فلو أن الإمام مثلاً قرأ في الركعة الأولى [الضحى] وفي الثانية [النازعات] فهذا عند الشافعية مكروه، لأن فيه تنكيساً، والصواب أنه مكروه ولا تنكيس فيه، وهو مكروه لأن الركعة الثانية تكون أطول من الأولى، والسنة أن تكون الأولى هي الأطول، فهو عند الشافعية مكروه من وجهين.
أما عند الجماهير فالتنكيس المكروه هو أن تقع القراءة في الركعة الأولى، من آخر السورة أو وسطها، وتكون في الركعة الثانية من أول السورة، وسبب هذه الكراهة مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الشائع الذائع عند الناس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بدأ بقراءة سورة في الركعة لم يركع حتى يتمها ومن أجل ذلك، لما صلى ذاك الفلاح خلف معاذ رضي الله عنه، مجرد ما بدأ معاذ بقراءة البقرة، فارق معاذ وصلى وحده، لأنه يعلم أن معاذ سيتمها ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الاقتصار في القراءة على أواخر السورة وإن كانت الصلاة بها صحيحة وكان من هديه صلى الله عليه وسلم المفقود عند الأئمة هذه الأيام، أنه كان يقرأ بالركعتين، بسور متشابهة، السورة ونظائرها، مما هما في نفس المعنى، وهذه سنة تكاد تكون مهجورة ولا يقدر عليها إلا من كان متمكناً من حفظه.
ومن قرأ وطول الاولى اكثر من الثانية ، وقرأ في الاولى سورة طويلة ، ثم في الثانية قرأ بسورة أخرى قبلها ، فالراجح ان هذا ليس بتنكيس مكروه، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم قيام الليل وابتدأ بالبقرة ثم ثنى بالنساء ثم رجع الى ال عمران . ثم ايضا ذاك الرجل الذي كان يستفتح صلاتة ب " قل هو الله احد " ثم يقرأ ما تيسر ، فشكوه الى رسول الله عليه السلام فسألة عن سر فعلة هذا فقال : أني احبها ، فقال له صلى الله عليه وسلم : " حبك اياها أدخلك الجنة" فأقره على فعله.
السؤال 461: هل زيارة القبور للنساء حرام؟
الجواب: المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والذي أراه راجحاً في المسألة مذهب المالكية، وهو أنه يجوز للمرأة أن تزور القبور بشرط عدم الإكثار، مع تحقق سائر الشروط الشرعية، أعني: أن تضبط نفسها فلا تشق ثوبها ولا تخدش وجهها، ولا تنوح، ولا تتزين، وتخرج بلباسها الشرعي.
والنبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور ،وزوارات على وزن فعالات فهي صيغة مبالغة المراد بها الإكثار، والنبي صلى الله عليه وسلم منع من زيارة القبور ثم أجاز ذلك علل ذلك بعلة يشترك فيها الرجال والنساء، فقال: {ألا إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر بالآخرة}.فالتذكير بالآخرة علة مشتركة بين الرجال والنساء، فينبغي على المنع بالقيد المذكور وهو [زوارات] وهن المكثرات من الزيارة، فالأصل في المرأة أن تبقى في بيتها ولا تخرج ولا تكثر من الزيارة، لكن لو وقعت فلتة بالشروط الشرعية، مع عدم إكثار فلا أرى في ذلك حرجاً والله أعلم..

السؤال 462: ما حكم زواج المسيار؟
الجواب: زواج المسيار من الاسم لا مثيل له في الشرع، وقد فضل الله الرجال بما أنفقوا وبما يتحملون من تبعات والنفقة حق شخصي يجوز للمرأة أن تتنازل عنه والمبيت حق شرعي يجوز للمرأة أن تتنازل عنه دون مقابل، ولا يجوز أن تبيعه لكن لها أن تتنازل عنه، فلما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن سائر أزواجه بأن يتطبب عند عائشة، وكانت عائشة رضي الله عنها عالمة بالطب واللغة والفقه والحديث والأحساب والأنساب على صغر سنها، وكانت مرجعاً لكبار الصحابة.
فزواج المسيار إن كان فيه إعلان وإشهار وإذن ولي الأمر وشاهدين ودفع مهر وتنازلت المرأة عن حقها في المبيت في البيت وعفها الزوج، وتنازلت عن حقها في النفقة، فهذا جائز، وسبب زواج المسيار تسلط النساء، فالعصر للنساء، وإن جاز لأحد أن يطالب بحقه فللرجال أن يطالبوا بحقوقهم في هذه الأزمان، فبقوا يقولون ويرددون ويطالبون بحق النساء، حتى أصبحت المرأة كما نرى، حتى على إطار السيارة، يروجون للإعلان له بصورة المرأة العارية، فأصبحت سلعة وأصبحت مهانة، وكم تأثرت لما قرأت عن واحدة من ممثلات هوليود كيف كانت تصرخ بالمخرج وتقول له: كفاكم جشعاً وتجارة بأجسادنا، فالنساء العاقلات بدأنا يفهمن هذا، وأن دعاة تحرير المرأة يريدون أن تتعطل مهمتهن التي خلقهن الله لها.
فزواج المسيار إن وجدت الشروط، وأهمها الإعلان، والحد الواجب في الإعلان، كما يقول جماهير الفقهاء، أن يشهد اثنان من الثقات العدول، ألا يتواطئا على الكتمان فزواج المسيار عندها، والأحسن من زواج المسيار التعداد، وتعداد الزوجات من الأمور المهمة الي ينبغي أن تشيع وتنتشر، لاسيما في هذه الأزمان لكن ينبغي أن يكون بدافع من تطبيق الشرع، فإن آبائنا وأجدادنا ظلموا الدين لما عددوا، فالواحد منهم كان يعدد حتى ينتقم والمفلح مع زوجته ينبغي أن يعدد وأن يضرب مثلاً، والمسألة فقط تكدير خاطر ساعات وأيام وهذه هي ضريبته فقط، ولا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، أن يهنأ الرجل في نهاره وليله مع زوجتين.

السؤال 463: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن لم يخش المسلم العنت على نفسه قدم العلم والجهاد على النكاح) فهل هذه القاعدة أو المقولة خاصة بشيخ الإسلام نفسه باعتبار الظروف التي كان يعيش فيها من العلم والانشغال بالجهاد، وقلة الفتن في زمانه مقارنة بزماننا، أم هي عامة على الجميع وخاصة طلبة العلم؟
الجواب: قرر شيخ الإسلام هذا لغيره لا لنفسه، فهو يقرر أن من انشغل بالعلم الشرعي والجهاد في سبيل الله، واشتغل بمصالح المسلمين العامة وخدمتهم ولم يخش على نفسه العنت، ولم تنازعه شهوته، فهذا في حقه الانشغال بمصالح المسلمين أولى من النكاح، فلا نقول إن هذا حكم خاص بشيخ الإسلام.
والعلماء يقولون: إن أحكام النكاح تعتريها الأحكام الخمسة فقد يكون واجباً في حق بعض الناس وقد يكونا مندوباً وقد يكون مباحاً وقد يكون حراماً، والأصل في جل صوره عدا الاستثناءات أنه يدور بين الوجوب والندب، وعند العلماء المتزوج خير من الأعزب، وهذا تفضيل بالجملة لا على الأفراد، فقد يوجد شخص أعزب خير ملء الأرض من المتزوجين، لكن المتزوجون بالجملة خير، لأن المتزوج إن مات يترك وراءه من أبواب الخير ما لا يعلمه إلا الله، فالولد الصالح هو المبتغى من الزواج، فكل ما يفعله الولد من خير يكتب في صحيفة الأبوين، والذي يموت وهو غير متزوج فقد غلق وراءه كثيراً من أبواب الخير، ومن يموت له ولد يصبر على ذلك بنى الله له بيتاً في الجنة، والأولاد فرط فمن مات له أولاد وصبر فهم يأخذون بيده ويدخلونه الجنة، فالمرأة التي فقدت ثلاثاً من الولد قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: {لقد احتذرت بحذار من النار} فمثل هذه الأجور ليست لغير المتزوج.
والمتزوج نفسه لا تنازعه، يعبد الله بإتيانه أهله، وبنقفته عليهم، والمتزوج يتجمل بزوجته، كما قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، واللباس يستخدم زينة ويقي الحر والبرد، فالزوجة زينة للرجل يتزين بها عند الأقارب والمحارم لاسيما إن كانت صالحة، والبعض يترك الزواج ويقول أريد أن أكون طالب علم، فنقول له: اختر طالبة علم فإنها تعينك في الطلب، فمن أسباب تقدم طالب العلم أن يتزوج فتسكن نفسه، بشرط أن يحسن الاختيار.

السؤال 464: ما حكم صيام رجب، وهل فيه طاعة معينة مرغب فيها؟
الجواب: الله خالق الزمان والمكان والإنسان، والله يصطفى ويختار ما يشاء فقال تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} والله خلق الإنسان واختار الأنبياء من بني الإنسان واختار من بين الأنبياء الرسل واختار من بين الرسل أولي العزم واختار من بين أولي العزم محمداً صلى الله عليه وسلم وخلق المكان واختار المكان واختار مكة والمدينة وبيت المقدس من بين سائر الأمكنة، وخلق الزمان واختار، واختار من بين سائر الأيام يوم الجمعة واختار من بين أيام السنة يوم النحر، فأحب الأيام على الله على الإطلاق يوم النحر ثم يوم القر، وخلق الله الأشهر واختار، واختار من بين الأشهر أشهر الله الحرم، ففضلها على غيرها من الشهور، قال تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم}.
فجعل الله من بين الأشهر الأشهر الحرم وهي أربعة، ثلاثة سرد وواحد فرد، فثلاثة تأتي متتابعة وهي: محرم وذو القعدة، وذو الحجة، والفرد هو رجب، وشهر رجب كانت العرب وخصوصاً مضر، تعظم هذا الشهر فكانت العرب توقف القتال فيه، وكانت القبائل تمسك عن القتال وقد قالوا: إن رجب مأخوذ من الترحيب والترحيب هو التعظيم، وكانت العرب تصوم هذا الشهر كرمضان، وكانوا يتقربون إلى الله فيه بالذبح، والذبيحة التي تذبح في هذا الشهر كانت تسمى العتيرة، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يذبح فإن له ذلك، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {على كل أهل بيت في رجب ذبيحة}، فهذه ذبيحة لمن شاء فهي عادة جاهلية أقرها النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان بعض الناس في زمن التابعين يردون الصيام في رجب، بل كان بعضهم يبدأ الصيام في رجب، ولا ينتهي إلا بعد انقضاء رمضان، وقد ثبت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صام شهراً بتمامه إلا رمضان، وثبت أن عمر رضي الله عنه كان يضرب أيدي الرجبيين وهم الذين يصومون شهر رجب كاملاً تعظيماً له، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما عند الفاكهي بإسناد لا بأس به أنه قال: {لا يصم أحدكم رجب حتماً كرمضان ولكن يصوم ويفطر}، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كره للرجل أن يصوم رجب بتمامه.
وشهر رجب من الأشهر الحرم، وصح عن ابن عباس وقتادة أن الأعمال الصالحة في الأشهر الحرم، فليكثر منه، وما أطلقه الشرع نطلقه وما قيده الشرع نقيده، فالشرع ما حث بشيء بعينه من الطاعات في رجب إلا أنه عظمه وجعله من الأشهر الحرم، فمن كانت له عادة من قراءة للقرآن أو قيام لليل أو الصدقة أو الذكر أو صلة الرحم، وما شابه، فليكثر منها في الأشهر الحرم، ولو تقصد الإنسان صيام الاثنين والخميس أو قيام الليل ابتغاء تعظيم الأجر فلا حرج ولا ضير.
لكن لا يجوز أن نخص عبادة بعينها، أو أن نفعل طاعة لها، رسم معين وكيفية وهيئة معينة لم تثبت في شرع الله في هذا الشهر، وقد كان لتعظيم العرب لهذا الشهر فرصة للوضاعين والكذابين ومجال فسيح لهم، لوضع الأحاديث وذكر الأكاذيب والأباطيل والترهات وإلصاقها بهذا الدين، وإلحاقها بسيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، فقد وضع الكذابون صلاة تسمى صلاة الرغائب وقد وضعها رجل نابلسي في بيت المقدس صلاها هو وآخر، ثم اشتهرت وذاعت، وقال أبو شامة المقدسي في كتابه "الباعث": (لما زرت بيت المقدس جائني هذا النابلسي واستتابني وأشهر توبته من هذه الصلاة التي كذبها ووضعها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زالت هذه الصلاة تصلى إلى هذه الأيام.)
والكذب خفيف وبيء، والحق ثقيل مريء، فالكذب والباطل ينتشر انتشار النار في الهشيم، وهذه الصلاة تؤدى في ليلة أول جمعة من رجب، فتصلى اثنتي عشرة ركعة، ويقرأ في كل ركعة سورة القدر ثلاث مرات، وسورة الإخلاص اثنتي عشرة مرة، ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية سبعين مرة، وعلى زعم واضعها يقول: بعد الصلاة الدعاء مستجاب، وهذا كذب، ويؤيد هذا الحسن والواقع والأحاديث، وقد نصص على وضع هذه اصلاة العلماء الربانيون التقات.
وكذلك اعتقاد أجر معين في رجب بصيام أيام معينة كما يتداول عند العوام أن من صام اليوم الأول له أجر ثلاث سنوات، وفي الثاني أجر سنتين والثالث أجر سنة، وما بعده أجر صيام يوم بصيام شهر، فهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من صام أول رجب ومنتصف رجب وآخر رجب عن النار احتجب}، وهذا كذب وافتراء بلا مراد، وكذلك زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي}، وهذا الحديث عند الديلمي وإسناده ضعيف جداً ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلم يثبت في رجب فضل معين، وقد ألف الحافظ ابن حجر كتاباً بديعاً سماه "تبيين العجب لما ورد في رجب}، وقرر فيه أنه لم يثبت في فضل رجب حديث واحد، وقد ألف ابن دحية كتاباً سماه "أداء ما وجب في وضع الوضاعين في رجب" وألف علي القاري رسالة بعنوان "الأدب في رجب" وغيرهم من العلماء ألفوا مصنفات وزيفوا كثيراً من الطاعات وبينوا وهائها، وبينوا كثير من الأحاديث المكذوبات على سيد البريات عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات، فلم يثبت في رجب إلا الترغيب في العتيرة، فمن أراد أن يذبح شاة فله ذلك.
ومن الأباطيل التي تكون في هذا الشهر الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج وقيام ليلها وصيام نهارها وهذا لم يثبت فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل الراجح أن الإسراء والمعراج لم يكن أصلاً في رجب كما ذكر الإمام النووي وكذلك العمرة لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في رجب، وإن كان ابن عمر يقول ذلك، فإن عائشة كانت تقول: ماذا يقول أبو عبدالرحمن فوالله إن النبي صلى الله عليه وسلم ما اعتمر في رجب قط.
ويحسن بالإنسان في هذا الشهر المعظم ويجدر به أن يتفقد نفسه، ويهيئها للإقبال على رمضان، فيأخذ بعزائم هذه النفس بأن تتقدم إلى الخير تقدماً بطيئاً عميقاً ولكن لا يطو قلبه على أجر معين، ولا يصنع طاعة لم تثبت في دين الله، وعموم الطاعات محببة في هذا الشهر لأنه من أشهر الله الحرم، والعاقل ينتبه لهذه المواسم فيكثر فيها من الطاعات المحببات التي تقرب من رب البريات.

السؤال 465: هل هذا حديث: {الحج ممحقة للفقر}؟
الجواب: هذا الحديث بهذا اللفظ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويغني عنه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: {تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر نفياً}.
فإن من أسباب الغنى أن يبقى الرجل متابعاً بين الحج والعمرة دائماً فإن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، وكلامه وحي يوحى قد قال ذلك وضمنه، ولذا لما سئل بكر بن عبد الله المزني التابعي الجليل رحمه الله، سئل عن رجل عليه دين هل له أن يحج؟ فقال: (نعم فإن الحج أقضى للدين}، أي من سبب قضاء الدين الحج، ثم ذكر الحديث، وقد صح في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله: {أيما عبد أصححت له بدنه، ووسعت له رزقه، ولم يفدني كل خمس سنوات مرة فهو محروم}، فأقل المتابعة بين الحج والعمرة، أن يحرص المسلم على أن يحج أو يعتمر في كل خمس سنوات ولو مرة، ومن تيسر له دون ذلك، فهذا حسن، والله أعلم.

السؤال 466: هل يجوز للمرأة أن تقبل يد حماها؟
الجواب: الحمو في الشرع يطلق على قريب الزوج بإطلاق، ولذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إياكم والدخول على النساء} قال رجل: أرأيت الحمو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: {الحمو الموت} والمراد بالحمو في هذا الحديث أخو الزوج فأخو الزوج يدخل ويخرج على زوجة أخيه حال غيابه دون ريبة ولا أحد يلتفت له، فهذا هو الموت، وكم نسأل على الهاتف من المتدينات أن أخا زوجها دخل عليها وفعل كذا وكذا، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.
أما والد الزوج فهو بمثابة الأب، وزوجة الابن بمثابة البنت، فيجوز للمرأة أن تصافح والد زوجها ويجوز لها أن تقبل يده، إن كان صاحب فضل، فتقبيل يد صاحب الفضل وصاحب العلم أمر مشروع بشرط ألا يكون شعاراً وديدنأ، إنما يقع فلتة.
وقد ألف ابن المقرئ الحافظ " من وفيات القرن العشرين" جزءاً سماه (الرخصة في تقبيل اليد) وألف بعض الغماريين كتاباً سماه "إعلام النيل في جواز التقبيل" وألف ابن الأعرابي تلميذ أبي داود صاحب السنن كتاباً سماه "القبل والمعانقة" وأوردوا فيها كثيراً من الأحاديث والآثار ومن بين ما ذكروا أن ابن عباس لما كان يطلب العلم عند زيد بن ثابت، أراد مرة أن يغير ابن عباس لشيخه ركوبه فلما أراد زيد أن يركب ووضع يده فإذا بابن عباس يقبلها فيقول زيد لابن عباس: ماذا فعلت؟ فيقول ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فيباغته زيد مرة ويقبل يده فاستغرب ابن عباس وقال: لماذا فعلت هذا؟ قال زيد: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا، صلى الله عليه وسلم، فأن نحب الصلحاء والعلماء من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه ديانة نتقرب بها إلى الله عز وجل، كيف لا، والله يقول: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}.
وفي هذه الحادثة إشارة إلى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته بينهم من التعظيم والاحترام والتبجيل ما يرد على أباطيل الشيعة، الذين يقوم في ذهنهم أن هناك نزاعاً وخصومة بين قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، والصواب أن العلاقة بين الصحابة والقرابة علاقة احترام وتعظيم وتبجيل وليست علاقة شتم ونزاع وخصومة، ونبرأ إلى الله عز وجل من هذا.
وتقبيل الرأس كذلك لأهل الفضل والعلم لا حرج فيه كتقبيل اليد بشرط ألا يكون شعاراً أما وضع اليد على الجبين بعد التقبيل فسئل عنها سفيان فقال: هذه السجدة الصغرى، وكان العلماء ينهون عن وضع اليد على الجبين، بعد التقبيل، والله أعلم.

السؤال 467: هل صيام الإثنين والخميس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما الحكمة فيه؟
الجواب: بلا شك فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام يومي الإثنين والخميس، وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم الإثنين فقال: {ذلك يوم ولدت فيه}، فالاحتفال بميلاده على هذا النحو احتفال مشروع، فمن أراد الاحتفال المشروع بميلاده صلى الله عليه وسلم فليصم الإثنين.
وأما سبب صيامه صلى الله عليه وسلم الإثنين والخميس فإن الأعمال ترفع إلى الله في هذين اليومين، وصيام الإثنين والخميس يعدل صوم شعبان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام شعبان،وكان يقول في سبب ذلك: {إن الأعمال ترفع إلى الله في شعبان وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم}، وصرح النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال ترفع إلى الله في يومي الإثنين والخميس والظاهر أن الرفع يكون على أكثر من حال، فالرفع للأيام في الإثنين والخميس، ثم يكون رفع آخر للسنة في شعبان، والله أعلم..

السؤال 468: هل يقع الطلاق بعيداً عن المرأة؟ وما حكم من يحلف بالطلاق وهل الطلاق يمين؟ وعليه كفارة، وهل طلاق الحامل جائز ؟
الجواب: الشرع يريد للإنسان أن يعيش حياة مثالية، لكن هذه المثالية لا تتعارض مع طبيعة ولا تتناقض مع طبيعة الإنسان الخطاء، فهي مثالية تناسب طبيعة الإنسان من الخطأ والنسيان وما شابه، ولذا أذن الشرع بالفراق بعد الزواج، وجعل الشرع الفراق تارة بيد الزوج، وتارة بيد الزوجة، فإن كان الفراق بيد الزوج فهو الطلاق، وإن كان الفراق بيد الزوجة فهو الخلع، فللمرأة أن تختلع من زوجها إن كانت لا تستطيع أن تقيم دينها، والخلع والطلاق أمور استثنائية وليست هي الأصل، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {المختلعات هن المنافقات}، وقال أيضاً: {وكسرها طلاقها}، والشيطان يفرح للطلاق.
والشرع لما أذن للزوج أن يتخلص من زوجته أمر بالإحسان وجعل لذلك قواعد يغفل عنها المطلقون، فلا أظن اليوم أن طلاقاً يقع إلا والمطلق آثم، فإن أغلب طلاق الناس اليوم ردود فعل نفسية ويقع بعدم ترتب وعجلة لأتفه سبب وهذا في الشرع غير جائز.
والطلاق في الشرع قسمان، باتفاق العلماء: طلاق سني وطلاق بدعي، والطلاق السني أن يطلق الرجل زوجته في طهر لم يجامعها فيه، والطلاق البدعي أن يطلق الرجل زوجته وهي حائض، أو في طهر قد جامعها فيه، فأغلب الطلاق يكون والزوجة منفعلة نفسياً لاسيما في حال الحيض، ولذا الزوج الموفق ينبغي أن يراعي زوجته مراعاة خاصة في فترة حيضها، لأنها مريضة تنزف ولذا منع الشرع الزوج أن يطلق في الحيض.
وأغلب النساء إما أن تكون حائضاً وإما أن تكون طاهراً ويكون الزوج قد جامعها في ذاك الطهر، فإذا أراد الزوج أن يطلق زوجته طلاقاً سنياً فإن كانت حائضاً ينتظر حتى تطهر، وإن كانت طاهراً وجامعها في ذاك الطهر فإنه ينتظر متى ينتهي طهرها، ثم تحيض، ثم تطهر ثم يطلقها، فإن وقع الطلاق لم يأذن الشرع للمرأة أن تخرج من بيت زوجها في فترة الطلاق لمدة ثلاث حيضات، فتقضي عدتها في بيت زوجها، وتظهر زينتها ومفاتنها وعورتها على زوجها، ومتى وقع مس بشهوة أو قبلة بشهوة أو جماع انتهت العدة، ورجعت زوجة، فحتى لا يقع الطلاق يحتاج ألا يمس ولا يقبل زوجته بشهوة، أو يجامعها مدة ثلاث حيضات، فباغتسالها من حيضتها الثالثة وارتدائها ثيابها تصبح أجنبية عن زوجها أما وهي تغتسل وقبل أن ترتدي ثيابها له أن يقول لها : أرجعتك.
فبالله عليكم أيكون حال الطلاق اليوم على ما هو عليه لو أن الناس اتبعوا تعاليم دينهم؟ فالطلاق اليوم حالة مرضية عنترية موجودة بسبب نقص الرجولة فعندما يشعر أن رجولته قد خدشت تصيبه العنترية فيطلق، فهكذا طلاق المسلمين اليوم، فهو بعيد بعد الأرض عن السماء عن شرع الله عز وجل، والطلاق يقع دون إسماع الزوجة، لكن بشروط.
ومن الأفكار التي ينادى بها اليوم بصوات خافتة، وستظهر بقوة غداً وإن غداً لناظره لقريب، التقنينات التي تدعو ألا يعتد بالطلاق إلا على مسامع القاضي وهذا معارض للشريعة، لأن الشرع قلل من تدخل القاضي فيما بين الزوجين، لأنه يوجد ما بين الأزواج ما ينبغي ألا يطلع عليه أحد،حتى القاضي، لكن القوانين اليوم توسع من تدخل القاضي فيما بين الزوجين، ومن هذا التوسع المقترح، والذي أرجو الله أن يموت في مهده وألا يكلل بالنجاح، ألا يعتد القاضي بالطلاق، إلا إن كان على مسمعه فمن طلق في المحكمة فيقع الطلاق، وإن طلق خارج المحكمة فلا يقع، وهذا ليس من دين الله في شيء، فإنه لا يشترط لإيقاع الطلاق إسماع القاضي ولا إسماع الزوجة.
أما الحلف بالطلاق، فإن كثيراً من الأزواج إذا أراد أن يؤكد شيئاً أو يشدد في دعوة فلابد أن يقول: علي الطلاق، وهو يقول: أنا لا أريد الطلاق فإذا كان لا يريد الطلاق فلا يقع الطلاق، فهذا يمين وعليه كفارة اليمين، وهذا حاله كمن حلف على حرام كالمرأة التي نذرت أن تطوف بالبيت حاسرة الرأس، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكفر عن يمينها فاليمين الحرام إن عقد القلب عليه فعليه كفارة.
لكن الحلف بغير الله حرام، فقد صح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من حلف بغير الله فقد أشرك}، وصح عن بعض السلف أن كان يقول: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقاً، فالذي يحلف الطلاق ولم يرد الطلاق عليه الكفارة ولا تحسب طلقة.
أما طلاق المرأة وهي حامل فهو سني وليس بدعي، لأن الجنين الموجود في البطن يردع الوالد ويزجره عن أن يتعجل، وبعض العوام يعتقد أن المرأة إن كانت حاملاً لا يمضي عليها الطلاق، وهذا خطأ، فالحامل تطلق على كل حال وإن طلقها وكان قد جامعها من قريب، فطلاق الحامل سني دائماً.

السؤال 468: يقول بعض الأطباء: إن المرأة تأخذ الإبر لزيادة الهرمونات الذكرية عند الجنين حتى يخرج الجنين ذكراً، هل هذا الكلام والفعل يجوز؟
الجواب: إن ثبت هذا في العلم، وما ترتب عليه من محظورات من مثل كشف العورة وما شابه، فلا أر ىفي هذا حرجاً، وهذا لا يتنافى مع سنة الله، فإن اكتشفنا سنة الله في الولد أو المطر، واستطعنا من خلالها أن نحصل ما يأذن الله لنابه فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
والأمور بيد الله عز وجل، كما قال تعالى: {يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً} وهذه قدرة الله عز وجل والأسباب هذه قد تقع وقد لا تقع، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يكون الولد من جميع الماء ولو أن أحدكم أهرق ماءه على صخرة وشاء الله أن يكون الولد لكان}، وكم من إنسان يحرص ألا يأتيه الولد ويأتيه الولد، وكم من إنسان يحرص على الولد ولا يأتيه، فسبحان الله، وهذا حتى ينكسر القلب أمام الرب عز وجل، ويبقى لعبد يشعر أنه بحاجة إلى ربه ويتضرع ويتوجه إليه بالسؤال بصدق وإخلاص.

السؤال 469: من كفر عن يمينه بالإطعام أو الكسوة هل ينال أجر الصدقة أم ينال أجر ناقل الصدقة؟
لا ينال بها أجر المتصدق ولا أجر حامل الصدقة، فهذه عبادة خاصة فرضها الله عليه وأداها فهي عبادة مستقلة قائمة برأسها لها أجرها غير عبادة الصدقة أو ناقل الصدقة، والله أعلم...

السؤال 470: من وشم على جسده ثم تاب ماذا عليه؟
الجواب: الوشم كانت تفعله العرب زينة، وفيه استخدام النار، ففيه تعذيب للنفس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لعن الله الواشمة والمستوشمة}، فالذي يفعل له والفاعل كلاهما ملعون.
ومن ابتلي بمثل هذا العمل، وكان في بدنه وشم، فليستر هذا الوشم لأنها علامة فجور وفسق وخروج على أمر الله عز وجل، وليس ملزماً بأن يزيله ويعذب نفسه مرة أخرى وليتب إلى الله وليندم ولا يعود فإن توفرت شروط التوبة فالحمد لله.

السؤال 471: ما رأيك بكتاب "أفعال الرسول" وكيف نفرق بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم الخاص به، وبين فعله الذي هو تشريع للأمة؟
الجواب: كتاب "أفعال الرسول" للأستاذ محمد الأشقر كتاب جيد، وهو أطروحة دكتوراة له في الأزهر، وهو كتاب جمع فأوعى كل ما يخص أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وقرر فيه جواب السؤال السابق.
فقد قرر أن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم أنها تشريع عام للأمة ما لم تقم قرينة أو يأت دليل على أن هذا الفعل خاص به، فمثلاً عدد أزواجه صلى الله عليه وسلم فهو خاص به، لأن الله قال: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} وصح في مسند أحمد وغيره عن غيلان بن أسلم الثقفي أنه لما أسلم كان تحته عشرة نساء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم آمراً: {اختر أربع وفارق سائرهن}، فلو كان أكثر من أربع جائزاً لما أمره أن يفارق سائر النساء عدا الأربع، فالقاعدة : أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم تشريع للأمة حتى تأتينا أدلة بأن هذا العمل خاص به.
وقد ألف جمع من العلماء في خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بينهم : العز بن عبدالسلام في كتابه "بداية السول في خصائص الرسول" واليسوطي في كتابه "الخصائص الكبرى" وهو مطبوع في مجلدين كبيرين، وهو من أوعبهم فاستوعب فيه كل ما كان خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم..

السؤال 473: ما حكم شركات التأمين؟
الجواب: التأمين نمط غربي دخيل علينا، وما أجمل ديننا، فهنالك من التعاليم الشرعية في دين الله عز وجل، ما تجعلنا لا نحتاج إلى التأمين.
وأحسن شيء للتأمين في شرع الله أن يقف معك أقاربك العصبة، فمن تجتمع معه إلى الجد السادس يكون بينكم شركة تأمين جبرية على رغم أنوف الجميع، فإنهم يتحملون معك الدية، ولا بد أن يقفون معك وتقف معهم.
ولما دخل العجم دين الله عز وجل، ولم يكن يوجد لهم من القرابة كان من الترتيبات الإدارية لملهم هذه الأمة عمر رضي الله عنه، كان له ترتيب بأن نقل الدية من العشيرة والعصبة إلى الديوان، ودون الدواوين لأهل المهنة الواحدة.
وشركات التأمين كلها مردها إلى شركات قليلة موجودة في ديار الغرب، وجلها في بريطانيا، فهذه الشركات الموجودة هي عبارة عن سماسرة بينك وبينها فهم يعملون عملية تسمى رد التأمين، فأنت لما تؤمن عندهم يؤمنون على تأمينك عند هذه الشركات فمرد التأمين لشركات قليلة جداً، وأغلب مكاسب الشركات قائم على الكذب والدجل، لأنهم أعرف بقوانين الشركات العالمية.
وهذه الشركات لا يشك عاقل في حرمتها لأسباب، من أهمها: لو أنك نظرت إلى الذين يؤمنون معك في هذه الشركات لوجدتهم الخمارات والمراقص والملاهي الليلية فأنت وهؤلاء شركاء في شركة التأمين، فأنت تدفع وهم يدفعون، فجل شركائك في هذه الشركة حالهم قائم على الرذيلة والخنا والمعاصي نسأل الله أن يحفظنا وأن يعصمنا منهم.
ثم إن هذه الشركات في حقيقة أمرها قمار، فواحد قد يدفع لها سنوات طويلة ولا يأخذ شيئاً، وآخر قد يدفع مرة واحدة ويأخذ الألوف، والفصل بين الأخذ وعدمه إنما هو بطريق الحظ والصدفة، وهذا هو عين القمار، فالقمار المحرم في الشرع مبدأ، وليست العبرة بالوسيلة، فقد يلعب الأولاد القمار وهم يلهون فيما بينهم في بعض لعبهم، وقد يلعب الكبار القمار بواسطة مسابقة (المليون درهم) مثلاً، أو بواسطة بطاقة (شوت) أو ببطاقة (اليانصيب) فتشتري بطاقة بدينار حتى تحصل مبالغ طائلة، فهذه كلها قمار، والقمار صورة مختلفة والعبرة بالمبدأ، فالذي ينظر إلى طبيعة العقود بين المؤمنين وبني شركات التأمين يجدها قماراً.
وشركات التأمين تتعلق بفتاوي بعض العلماء في هذا العصر كالشيخ مصطفى الزرقاء رحمه الله، فإنه يقول: إن التأمين له أصل في الشرع، وقد توجد شركة تأمين وفق الشرع، وقد توسع رحمه الله في موضوع الغرر، فالغرر عنده أوسع في نظره من سائر العلماء، ومع ذلك فهو لا يخبر هذه الشركات التأمينية الموجودة اليوم، فقد سألته قبل وفاته عمن يوزعون فتاويه في التأمين، فقال: هذه الشركات الموجودة اليوم أنا لا أقر بحلها، وأفتي بحرمتها، لكني عندي تصور لشركة من الممكن أن تكون شركة تأمينية حلالاً.
فالشركات التأمينية الموجودة اليوم كلها حرام، والحرمة تجتمع فيها من أكثر من وجه، والواجب على المكلف أن يتركها ولا يتعامل معها، إلا إن كانت إجبارية كحال أصحاب السيارات اليوم، فمن اضطر للتأمين فليؤمن بأقل محذور فالضرورات تبيح المحذورات والضرورات تقدر بقدرها، والله أعلم...

السؤال 474: ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: {إن الملائكة لا يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة}؟
الجواب: الصورة هنا في الحديث ليس المقصود بها التمثال، لأنه جاء في رواية عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير}، فالنبي صلى الله عليه وسلم فرق بين التماثيل والتصاوير فالصورة والتمثال والكلب في البيت تمنع دخول الملائكة.
والمراد بالملائكة هم ملائكة الرحمة، وليست الملائكة التي تحفظ الإنسان ولا التي تكتب الحسنات والسيئات ولا ملك الموت لأننا بالمشاهدة نعلم أن ملك الموت يقبض روح من يوجد في بيت فيه صورة أو كلب، فهذا الحديث من العام المخصوص فالمقصود ملائكة الرحمة التي لا توجد الشياطين معها، والملائكة الذين يتلمسون حلق الذكر التي أصبحت كثير من بيوت المسلمين محروماً منها، فلا يجد الرجل الراحة في بيته ولا يطيق الجلوس فيه، لأنه بيت لا يذكر الله فيه، ثم بعد ذلك كل يبكي ومنزعج مما يحصل بالمسلمين، فو الله إن الذي يحصل بنا قليل فالأصل أن نعظم الله في بيوتنا وأن نقيم دين الله في بيوتنا فعند ذلك يمتن الله علينا بأن يهيء لنا أن نقيم دينه في مجتمعاتنا، فالكل منا يبكي على الدين ويولول، أما العمل فيهدم الدين.
والدين بناؤه ليس بالقول، إنما بالعمل، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته والزوجة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والعبد راع في مال سيده، فالمطلوب أن نطهر بيوتنا من موانع دخول الملائكة، حتى نهنأ في بيوتنا، ونقيم دين الله عز وجل.
وإذا كان الكلب والصورة تمنع دخول الملائكة فمن باب أولى أن ما هو أكبر من ذلك كالزنا والخمر والنظر إلى العاهرات في الفضائيات والتلفاز أن يكون مانعاً من دخول الملائكة فكيف حال بيوت الملسمين الآن والحالة هذه؟ فعلينا أن نراجع حساباتنا وأن نتقي الله ربنا، وأن نبتعد عما يسخطه سبحانه، وأن نحقق عبودية الله عز وجل وتكون عبودية حقيقية وليست صورة فقط، فعندما نشعر بلذة الطاعة والعبادة.
أما الصورة المضطر إليها الإنسان، كالمعاملات الرسمية، فهذه جائزة للاضطرار وما عداها فإنها داخلة في عموم النهي عن التصاوير فإن الألف واللام للجنس، وسواء كانت معلقة أو غير معلقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ولم يقل: التصاوير المعلقة مثلاً، فإنها جميعاً تمنع من دخول الملائكة.

السؤال 475: هل تطلق المرأة إذا أتاها زوجها في الدبر؟ وما حكم من أتى امرأة أجنبية عنه في دبرها؟
الجواب: لا تطلق الزوجة إذا أتاها زوجها في الدبر، وهذه خرافة شائعة عند الناس ولها أثر سلبي خطير عند بعض النساء، فبعض النساء تظن أنه إن أتاها زوجها في الدبر أنها تطلق، فتصبح تتساهل في الزنا، لأنها تعتبر معاشرة زوجها لها زنا، فما أسهل أن تزني والشر لا يأتي إلا بشر.
وإتيان المرأة في دبرها حرام وكبيرة من الكبائر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: {ملعون من أتى امرأة في دبرها}، وقال أيضاً: {إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في محاشهن}، فيحرم على الرجل أن يتمتع بزوجته بحلقة الدبر بالإيلاج، وما عدا ذلك فحلال.
فالزوجة لا تطلق بهذا الفعل، لكن إن أصر الزوج على ذلك وأجبرها فيقول العلماء: لها أن ترفع أمرها للقاضي وتشكوه لأنه يجبرها على فعل الحرام، فالقاضي يعمل على التفريق بينهما بسبب إجبارها على هذا العمل المحرم أما بمجرد الفعل فلا تطلق.
أما من أتى امرأة أجنبية عنه في دبرها فهو زانٍ وعليه حد الزنا، لعمومات القرآن، فربنا قال: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً}، فسمى الزنا فاحشة، وقال الله عن قوم لوط: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين}، فسمى فعل قوم لوط فاحشة، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كتب الزنا على ابن آدم ولا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اليدين البطش [أو قال اللمس]، وزنا الشفتين التقبيل، وزنا الرجلين المشي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه} فالفرج هو الذي يصدق الزنا، والدبر فرج.
ومنهم من قال: من أتى المرأة من الدبر يعامل معاملة اللائط فيرمى من أعلى مكان، وهذا شر من الجلد، ومنهم من قال: يحرق بالنار، ويروى هذا عن أبي بكر وعلي وسعد بن أبي وقاص وعن الضحاك، وغيرهم، والخلاصة أن هذا من الزنا، والله أعلم..

السؤال 476: يقول صلى الله عليه وسلم: {من أدرك مع الإمام تكبيرة الإحرام أربعين يوماً كتبت له برائتان براءة من النار وبراءة من النفاق}، فهل السفر والمرض يقطع التتابع في إدراك تكبيرة الإحرام؟
الجواب: والله إن هذا لمشروع مهم، أن يقوم به كل واحد منا ولو مرة في حياته، فيلقى ربه وقد افتدى نفسه من النار والنفاق بوعد من الصادق المصدوق والصالحون قديماً كان الواحد منهم يشتري نفسه من الله مراراً وتكراراً فكان الواحد منهم يتصدق بمقدار ديته، وهي إثنا عشر ألف درهم، فيتصدق بها ويقول: اشتريت نفسي من الله، فترى في التراجم يقولون: اشترى نفسه من الله مرة أو اشترى نفسه من الله مرتين، أو ثلاثاً وهكذا...
أما بالنسبة لجواب السؤال فمن كان يحسب وجاءه مرض أو طرأ له سفر، فالمريض والمسافر معذوران في إدراك الجماعة، فنقول له بناءاً على أشباه المسألة ونظائرها : إذا كان في الفريضة معفو عنك هذا التتابع فمن باب أولى أن يكون معفو عنك في باب الفضيلة، فمن حسب عشرة أيام ومرض يومين، فبعدها يحسب الحادي عشر ولا يستأنف وكذلك المسافر، ولا أرى في هذا حرجاً، وأرى هذا القول قوياً.
أما بالنسبة للمرأة في هذا الأمر، فلا يمنع أن نقول إن هذا الحكم خاص بالرجال لكن للمرأة من الفضيلة في الصلاة في حجرتها أفضل من الصلاة في فناء بيتها، وفناء بيتها أفضل من الصلاة في المسجد، فأمر المرأة قائم على الستر، وقد صح عن أمهات المؤمنين أنهن بعد الحج لازمن حصرهن وما فارقنهن وهذا معنى قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن}.
وحتى يتم لك هذا الأمر عليك أن تسمع وراء الإمام تكبيرة الإحرام مدة أربعين يوماً متواليات، وذلك للصلوات الخمس، فإن فاتت واحدة تبدأ من جديد، وإن فاتت الصلاة بسبب النوم أيضاً تبدأ من جديد لأن عذر النوم ليس كالمرض، والسفر فإنه يمكن تداركه والله أعلم ....

السؤال 477: هل يشترط رؤية المنام عند الاستخارة؟ وهل يثبت حكم شرعي في الرؤيا؟
الجواب: المنامات لا تنبني عليها أحكام فقهية، وللمنامات مدخل كبير للشيطان وقد يلعب الشيطان بالإنسان في النوم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {الرؤيا ثلاثة، من الرحمن ومن الشيطان وحديث نفس}.
وكل رؤيا يمكن أن يكون للشيطان فيها نصيب، إلا صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي}، ودققوا في قوله في أول الحديث: {من رآني}، وفي آخره: {فإن الشيطان لا يتمثل بي}، فقد ترى صورة النبي صلى الله عليه وسلم وتسمع صوت الشيطان، فإن العصمة في الصورة صورة النبي صلى الله عليه وسلم وليس في السماع سماع صوته صلى الله عليه وسلم، فبعض الناس يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي كذا وكذا، ويكون الذي قاله ما له وجود في الدين، فالرؤيا تكون حقاً، لكن الصوت الذي سمعه من الشيطان.
لكن لو أن الصورة التي رأيتها ليست صورة النبي صلى الله عليه وسلم وألقي في نفسك أنه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا شيطان، لأنه لا يستطيع أن يتمثل صورة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية، أما صورة أخرى يتمثلها الشيطان ويلقي في نفسك أنه النبي فهذا ممكن، بل ممكن أن يتمثل الشيطان للإنسان في المنام ويلقي في قلبه أنه رب العزة، فكما أنه في عالم المشاهدة هناك من يقول أنه رب العزة، كالدجال، فلا يبعد في المنام أن يأتي شيطان من الشياطين ويقول للرائي: أنا رب العزة، فيظن إن كان جاهلاً أنه رأى الله، والله عز وجل على خلاف ما يتصور وما يتخيل الإنسان، وعلى خلاف ما يرى الإنسان في المنام {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
وأصدق الناس رؤيا أصدق الناس حديثاً، ومن كان صادقاً في كلامه، فإن رؤياه تصدق ويراها في الواقع، وأن ترى في الواقع ما ترى في المنام، هذه علامة خير، وهذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {الرؤيا جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة}.
والرؤيا لا يثبت بها حكم شرعي وإنما يستأنس بها، ولا يوجد صلة بين صلاة الاستخارة وبين الرؤيا، فلا يشترط لكل من استخار أن يرى رؤيا، لكن من استخار ثم نام فرأى ما يسر فهذه علامة خير، وعلامة انشراح صدر، ولكن لا تلازم بين الاستخارة وبين المنام.
والاستخارة تكون لما يرى أن له في هذا الأمر مصلحة، لأن في الحديث: {إذا هم أحدكم بالأمر ....} والإنسان لا يهم بالأمر إلا إن رأى أن له فيه مصلحة، وتكون الاستخارة في الأمور الدنيوية المباحة، لا في الأمور الشرعية، كأن يستخير أن يصوم أم لا، أو أن يصل رحمه أم لا، ولا تكون في الحرام..
وأيضاً تكون الاستخارة في الأمور التي يكون قادراً عليها، فلا يستخير على الزواج من إنسانة معينة، وهو ليس عنده مقدرة على الزواج، فيستخير الإنسان بعد أن يكاد يفعل، وكل المقدمات تأذن له بالفعل، فيستخير ويمضي بالفعل ولا يتردد، فإن يسر له الأمر فهذا من بركة الاستخارة، وإن لم ييسر له الأمر، وصرف عنه فهذا من بركة الاستخارة.
أما الخرافة القائمة في أذهان الناس أن المستخير ما لم ير، فلا تصح استخارته، فهذا ما أنزل الله به من سلطان، بل يترجح عندي أنه لا يشرع تكرار الاستخارة في الأمر الواحد، فلا يستخار على الشيء الواحد أكثر من مرة. والدعاء في صلاة الاستخارة، يكون بعد السلام على الراجح، والله أعلم ...

السؤال 478: ما عدة المرأة المتوفى عنها زوجها قبل الدخول؟
الجواب: المرأة التي طلقت ولم يدخل بها، فطلاقها مباشرة يصبح بائناً بينونة صغرى، فمن طلق زوجته قبل الدخول بها، فلا تحل له حتى يعقد عليها من جديد.
والخلاف بين العلماء: هل إن طلق ثم عاد وكتب كتابه عليها هل هدمت الطلقة الأولى أم لم تهدم؟ والراجح عندي أن العقد الجديد لغير الداخل يهدم الطلقة الأولى، وتبقى له طلقتان، لأن العقد وسيلة للوطء وأن الرجعة غير متحققة عنده.
فمن طلق زوجته قبل أن يدخل بها فإنها مباشرة تحل لغيره، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً}.
أما المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها فإنها تعتد بإجماع العلماء وعدتها أربعة أشهر وعشراً، فيحرم عليها أن تختضب، وأن تكتحل وأن تتطيب وأن تلبس المنمق من الثياب ويحرم على الراغبين بالزواج منها، أن يصرحوا بالخطبة لكن يجوز التعريض، لقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء}.

السؤال 479: هل الطلاق البدعي يقع؟
الجواب: الطلاق البدعي هو أن يطلق الرجل زوجته وهي حائض أو يطلقها وهي طاهر، ويكون الزوج قد جامعها في هذا الطهر، أو وهي نفساء، فهذا طلاق بدعي محرم، فالمرأة ليست كأثاث البيت تخرجه متى تشاء وتدخله متى تشاء.
ووقع خلاف بين أهل العلم، هل يقع الطلاق البدعي أم لا؟ فاختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن حزم قبلهما وبعض أهل العلم، أن الطلاق لا يقع، واختيار جماهير أهل العلم أن الطلاق البدعي يقع، وهذا الذي أراه صواباً لما أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (حسبت علي بتطليقة)، لما طلق زوجته طلاقاً بدعياً، فأعلم الناس بهذا الأمر ابن عمر، فلذا الراجح أن الطلاق البدعي يقع..

السؤال 480: هل أهل البدع مخلدون في النار أم يخرجون منها كأهل المعاصي من الموحدين؟
الجواب: البدعة قسمان: بدعة مكفرة وبدعة مفسقة، فمن كان عنده بدعة عقدية مكفرة فهذا كافر مخلد في النار.
وأهل البدع في الجملة ليسوا كفاراً ولذا فهم لا يخلدون في النار، إنما يعذبون في النار حتى يطهرون، ثم مآلهم الجنة والله أعلم...

السؤال 481: الذي يفطر في رمضان عامداً متعمداً يوماً واحداً ماذا عليه؟
الجواب: الناظر في كتب المطولات في هذه المسألة كالمجموع مثلاً يجد عجباً في حق من أفطر يوماً من رمضان عامداً متعمداً فمنهم من يقول: عليه أن يصوم شهرين متتابعين ومنهم من يقول عليه أربعة أشهر، ومنهم من يقول يصوم شهراً، ومنهم من يقول يقضي فقط.
والصواب على حسب القواعد المتبعة في الأصول أن من أفطر يوماً عامداً متعمداً فيكثر من صيام التطوع واليوم الواحد لا يجزئه ،لأننا لا نعلم من الشرع كفارة له، كمن فاتته صلاة عن عمد يكثر من صلاة التطوع فيكثر من التطوع والندم والتوبة فلا نقول يقضي ما فاته ويذهب الوزر وانتهى الأمر ، لا.
والقاعدة في هذه المسألة أن الواجب المحدد بين طرفين إن فات، فقضاؤه يحتاج إلى أمر جديد وليس قضاؤه بواجب بالأمر الأول ولا نعرف أمراً جديداً فكل ما قيل في هذه المسألة من أن عليه صيام شهر أو شهرين أو سنة، وغير ذلك لا دليل عليه.
ومن أخطأ في شيء فعليه أن يتقي الله فيه، فمن أخطأ في السرقة وتطفيف المكيال، وأكل المال بالباطل نقول له أكثر من الصدقة، ومن أخطأ في الزنا وأمور النساء نقول له غض بصرك وابتعد عما يثير شهوتك وهكذا من فرط في الصيام، نقول له: أكثر من صيام التطوع ومن فرط في الصلاة نقول له أكثر من صلاة التطوع والله أعلم...

السؤال 482: ما رأيك في الأحزاب الدينية؟
الجواب: لا نعرف في الدين إلا حزباً واحداً وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه: {أولئك حزب ألا إن حزب الله هم المفلحون}، فلا نعرف في الشرع أحزاباً والمسلم أخو المسلم شاء أم أبى.
والواجب على المسلمين الاجتماع لا الافتراق والحب والبغض والولاء والبراء يكون على مقدار الدين والعلم والتقوى، فكلما ازداد الإنسان علماً وديناً وجب على سائر المسلمين أن يكون مقدماً عندهم في الحب والولاء وكلما نقص دينه وخف ورعه وقل علمه، فحينئذ يقل الحب والولاء بمقدار النقص في التقوى والعلم.
وعلى هذا فإن أولياء أمور المسلمين الذين تجب عليهم طاعتهم هم العلماء والأمراء فمن أتاه الله علماً فهو ولي أمر ومخالفته حرام في الشرع.
والحب والبغض في الشرع يكون على حسب التقوى والورع وقد يجتمع في الشخص الواحد حب وبغض، فأحب شيئاً من خصاله وأبغض شيئاً، وقد يجتمع في شخص واحد ولاء وبراء، فأواليه في أشياء وأعاديه في أشياء ولذا أمرنا أن نقول حقاً وأن نصنع عدلاً ولا نعرف ميزاناً في الإسلام غير هذا الميزان.
ولما حصل نزاع بين رجل من الأنصار وآخر من المهاجرين أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أجاهلية وأنا بين ظهرانيكم}، فعد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك جاهلية مع أن المهاجرين والأنصار اسمان شرعيان مذكوران في كتاب الله في سياق المدح، في قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ورضي الله عنهم ورضوا عنه}، فإذا قال الإنسان : يا للـ ، واستنصر بعشيرته أو بحزبه أو بأصحابه على أخيه ولم يكن من ميزان الدين فهذه جاهلية .
ونحن لا نعرف في ديننا شيئاً يجمع المسلمين إلا الدين نفسه، فالقريب من الدين في العلم والعمل هو الواجب أن يكون قريباً من قلوب الناس وتأييدهم وحبهم والبعيد عن الدين في العلم والعمل يكون بعده عن حبهم وقلوبهم وتأييدهم بمقدار بعده فلا نعرف ميزاناً غير ذات الدين.
أما أن يجتمع كل مئة أو كل ألف أو ألفين على رجل وكل واحد منهم يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، ليشد الناس إليه فهذا القول فيه تجميع والفعل فيه تفريق، والعبرة بالحقائق لا بالأسماء فلا نعرف في ديننا تقسيمات وتحزبات يوالون ويعادون عليها، نعم كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أنصار ومهاجرون لكن هذين الإسمين لا يؤثران عليهم ولما كادا أن يؤثرا عليهم لما قال رجل يا للأنصار، والآخر يا للمهاجرين، عده النبي صلى الله عليه وسلم جاهلية، فإن أصبح الولاء والبراء على أسماء وإن كانت شرعية، فإن الشرع من هذا بريء ونسأل الله العفو والعافية.

السؤال 483: هل تجوز صلاة المرأة وهي تلبس الإشارب مع الجلباب وحجم شعرها وأذنيها ظاهر من وراء الإشارب، وإن لم تر البشرة؟
الجواب: الواجب على المرأة إن صلت فضلاً عن إذا خرجت، الواجب عليها أن تلبس لباساً سابغا، فلا يظهر شيء من بشرتها، ولا تلبس شيئاً يحجم عضواً من أعضائها.
فلما تلبس المرأة ما يسمى اليوم بالإشارب، ويظهر حجم الأذنين وشكل الشعر، هذا اللباس غير شرعي، ومن تفعل ذلك آثمة ولباسها هذا غير واف ولا كاف.
واللباس الشرعي أن تلبس المرأة خماراً، والخمار ما يخمر الرأس أي يغطيه، ولا يلزم أن يغطي الوجه، ويكون هذا الخمار سادلاً فلا يحجم شيئاً من أذنيها، ولا عظم كتفيها، ويغطي جيبها، وهو فتحة الصدر، وهذا يكون شبيهاُ بما نسميه اليوم بالبرنس، وهو غطاء الرأس الذي يمتد من الرأس وينزل على الكتفين فيغطي حجم الأذنين والشعر ويكون سادلاً على الصدر، وهذا من معاني قول الله عز وجل: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير التابعي الجليل، رحمه الله تعالى، قال في قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}، قال: (يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار، ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها قناع فوق الخمار، وقد شدت به رأسها ونحرها), والقناع يكون فوق الإشارب، فإن الإشارب وإن كان سميكاً فإنه يظهر حجم الشعر والأذنين، فقد صح عند البيهقي وأحمد والضياء، بإسناد حسن عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة، مما أهداها إليه دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {مالك لم تلبس القبطية؟}، فقلت: كسوتها امرأتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {مرها فلتجعل تحتها غلالاً فإني أخاف أن تصف عظامها}.
فلو كست وغطت لون البشرة ووصفت العظام وحجمتها فهذا فيه مخالفة، فالإشارب لا يعتبر ساتراً ومن تلبس الإشارب وإن لبست الجلباب دون البرنس فهي آثمة، للآية كما فهمها سعيد بن جبير وغيره وللحديث.

السؤال 484: كيف يحرج على الجن الذي يظهر على شكل أفعى في البيوت، وكم يفعل ذلك؟
الجواب: الجن من عقيدتنا، وربنا عز وجل خص سورة للجن في القرآن، ومن أنكر الجن فهو كافر لأنه أنكر شيئاً من القرآن الكريم.
والجن على ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقسام: قسم يحلون ويظعنون، وقسم يطيرون في الهواء، وقسم على شكل حيات وأفاعي، وهذه الأفاعي تكون في البيوت، وكانت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم مسكونة بالجن، وكان الجن فيها يظهر على شكل أفاعي، فقد صح عن مسلم عن نافع قال: كان ابن عمر يقتل الحيات كلهن، حتى حدثنا أبو لبابة بن عبد المنذر البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جنان البيوت، فأمسك فهناك جنان في البيوت يظهر على شكل أفاعي، وفي رواية عند أبي داود عن أبي لبابة قال: نهى عن قتل جنان البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنها اللذان يخطفان البصر، ويتبعان ما في بطون النساء، فهذان النوعان أذن بقتلهما، وأما ما عداها من الأفاعي فلا تقتل إلا بالتحريج.
وهناك قصة في صحيح مسلم فيها عبرة، ولها صلة بهذا الموضوع فعن أبي السائب أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته قال: فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت، فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلي أن أجلس، فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: كان فيه فتى حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوماً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة}، فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به، وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح، فانتظمها به، ثم خرج، فركزه في الدار، فاضطربت عليه، فما يدري أيهما كان أسرع موتاً، الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقلنا له: ادع الله يحييه لنا، فقال: {استغفروا لصاحبكم}، ثم قال: {إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان}.
والتحريج كما قال الإمام مالك يكفيه أن يقول له: أحرج عليك بالله واليوم الآخر ألا تبدو لنا ولا تؤذينا، وقال غير مالك: يقول لها: أنت في حرج إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالطرد والتتبع، ومنهم من قال: هذا لا يكون إلا في المدينة النبوية فقط، دون غيرها، والصواب أن هذا يكون إذا علمنا بالأمارات والقرائن، أن الجن موجود، فهذا يحرج عليه، إلا الأبتر، وهو مقطوع الذنب، وإلا ذو الطفيتين، وهي أفعى يكون على ظهرها خطان أسودان، فهذان الصنفان يسقطان الحمل، ويذهبان البصر، لشدة السم الذي فيهما، فيقتلان على أي حال.
وأما حيات البيوت، فلا تقتل إلا بعد التحريج، كما قال أبو لبابة لابن عمر، لما كان يتتبع الحيات ليقتلها، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذوات البيوت وهي البيوت التي يكون فيها حيات معروفة غير الصنفين المستثنيين فهذه لا تقتل إلا بعد التحريج لمدة ثلاثة أيام وليس ثلاث مرات، والله أعلم.

السؤال 485: هل يجوز التصدق عن الميت الذي لم يكن يصلي؟
الجواب: الذي لا يصلي ليس بكافر، على مذهب جماهير العلماء، إن لم يكن جاحداً للصلاة، أما إن جحدها فهو كافر، فالجحود أشد من الترك، لأن فيه شيئاً زائداً على الترك، فمن يشرب الخمر مثلاً ويقول: هي حرام، فهذا فاسق، أما من لا يشربها ويقول هي حلال وقد عاش في بلاد الإسلام فهذا كافر.
والمشهور عن الإمام أحمد أنه كان يكفر تارك الصلاة، على أي حال، لكن قد نقل المرداوي صاحب كتاب "الإنصاف" عن الإمام أحمد أن أصح قوليه أنه لا يكفر تارك الصلاة، والأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي ومالك لا يكفرون تارك الصلاة.
وقد رويت مناظرة بين الشافعي وأحمد حول تكفير تارك الصلاة وإن كان في سندها انقطاع، لكنها متينة وقوية من حيث المعنى، أوردها السبكي بإسناده في كتابه "طبقات الشافعية الكبرى" فقال: اجتمع الشافعي وأحمد، فقال الشافعي لأحمد: يا أبا عبد الله بلغني أنك تكفر تارك الصلاة، فقال أحمد: نعم، وأخذ بسرد الأحاديث التي استدل بها، فقال الشافعي لأحمد: تارك الصلاة كافر، فبم يسلم؟ فقال أحمد: يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فقال له الشافعي: هو يقولها، فسكت أحمد قليلاً، ثم قال: يصلي، فقال الشافعي رحمه الله: إن الله لا يقبل صلاة الكافر، فسكت أحمد رحمه الله.
فهذه المناظرة فيها قوة نفس المناظر، ولذا قال غير واحد: لما كان الشافعي يناظر رجلاً كان كأنه أسد يريد أن يأكل الذي أمامه، فما كان أحد يقوى على مناظرته، ومن يقرأ كتاب "آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم الرازي، لما يقرأ مناظرات الشافعي لغيره يستغرب من قوة عارضة الشافعي، رحمه الله..
فتارك الصلاة ليس بكافر، إن لم يكن جاحداً، فيجوز التصدق عن الميت التارك للصلاة،وهذه الصدقة تكون من ماله أو من مال ولده، والله أعلم...

السؤال 486: هل يجوز للعالم أو الواعظ أن يعظ على المنبر في غير يوم الجمعة؟
الجواب: يجوز للعالم أو الواعظ أو المدرس في غير يوم الجمعة أن يصعد المنبر وأن يخطب، وليس المنبر ليوم الجمعة فقط، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة: قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الفجر، ثم صعد المنبر، فخطنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى بنا الظهر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، فنزل فصلى بنا العصر، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن إلى قيام الساعة، فأعلمنا أحفظنا.
وهذا كان في غير االجمعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر بعد صلاة الفجر، وبقي للمغرب، وهو يحدث أصحابه عن الفتن فيجوز لطالب العلم أو العالم أن يصعد المنبر في بعض الأحايين ويدرس وهو على المنبر، ولا حرج في ذلك، والله أعلم..

السؤال 487: هل هذا حديث: {استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود}، وما المقصود منه؟
الجواب: هذا الحديث حسنه شيخنا الألباني رحمه الله، والعلماء قديماً بينهم خلاف فيه.
وبعض الناس يستدل بهذا الحديث على العمل السري، وعلى التحزبات السرية، ويقول: نبدأ بالدعوة سراً كما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة سراً ثلاث سنوات، وهذا كلام باطل، ما أنزل الله به من سلطان، وديننا كامل ولا يوجد في ديننا شيء فيه سر، وصح عند أحمد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: {إذا رأيتم أناساً يجتمعون على سر في دين الله فاتهمهم}.
فالدين ليس فيه أسرار، الدين: قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدين يقال لكل البشر، ومات صلى الله عليه وسلم والدين كامل، وهذا الحديث الذي يستدل به أهل التنظيمات على السرية، استدلالهم به باطل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: {فإن كل ذي نعمة محسود}. فمقصود الحديث أن صاحب النعمة من أسباب درء الحسد عنه، وعدم الإصابة بالعين أن لا يظهر النعمة.
وهذا لا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده}، فصاحب النعمة يتنعم بها، وتظهر عليه، لكن لا يغالي في ظهور النعمة، وإن تفرس في بعض الناس أنهم أهل حسد، وأصحاب عيون فارغة ولا يتقون الله، فلا يظهر هذه النعمة عليهم، ويظهر النعمة على من يثق بدينه، ولا يحسد، ويرضى بقدر الله عز وجل، فلا تعارض بين الحدثين، والله أعلم....

السؤال 488: هل يجب على المرأة غسل الجمعة؟ ومتى وقت الغسل؟
الجواب: المسألة تحتاج لتأمل ونظر، فإن ذهبت للصلاة في المسجد فالقول بالوجوب قوي، أما إن بقيت في بيتها فالخلاف يشتد.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {غسل الجمعة واجب على كل مسلم}، وهناك لفظ آخر صحيح: {غسل الجمعة واجب على كل محتلم}، والنساء يدخلن في خطاب الرجال، وأما إذا خاطب الشرع النساء فإن الرجال لا يدخلون معهن إلا بقرينة، أما في خطاب الرجال فإنهن لا يخرجن إلا بقرينة.
فمن أعمل اللفظ ووقف عنده، وهذا حال المحققين من العلماء في العبادات خاصة، كالصلوات والطهارات، فمن أعمل اللفظ، قال: المرأة تلحق بالرجل، قلبي يميل لهذا.
أما من نظر للمعنى، وأن الأصل في ذلك الاجتماع، وقد ألحق بعض العلماء الاجتماعات العامة بالجمعة، من حيث الاغتسال فمتى حصل اجتماع عام فيسن للإنسان أن يغتسل فمن نظر للمعنى، قال: ليس على المرأة غسل الجمعة، والراجح الأول.
والغسل يبدأ من بعد صلاة الفجر حتى الصلاة، وإلحاق ليلة الجمعة به فالموسع للمعنى يلحقه به، والشرع ألحق أشياء بأشياء لقربها منها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة المغرب بأنها وتر النهار، مع أن صلاة المغرب في الليل، لكن لقربها من النهار ألحقت به، فكذلك من ألحق الغسل ليلة الجمعة به، لكن أن يقع الاغتسال يوم الجمعة فهذا أفضل، والله أعلم...

السؤال 489: هل هذا حديث: {لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين} وما معناه؟
الجواب: هذا حديث ثابت في الصحيحين، وفي بعض طرقه: {لا يلدغ المؤمن من حجر واحد مرتين}.
فالأصل في المؤمن أن يكون فطناً آخذاً بالأسباب رابطاً إياها بالمسببات والنتائج، وخير من يوقعنا على معنى هذا الحديث سيرته صلى الله عليه وسلم فسيرته مليئة بفطنة المؤمنين ونور بصيرتهم وصدق فراستهم.
وأضرب على ذلك مثالاً واحداً فما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم في ساعات كانت أشد ما يمكن أن تكون عليه وعلى صحبه، وهي الساعات العصيبة التي قضاها صلى الله عليه وسلم ومن معه في غزوة الخندق فقد تألب في هذه الغزوة على المسلمين المشركون بسائر أصنافهم، واختلاف اتجاهاتهم، فاجتمع عليهم الشر كله، فاجتمع عليهم المنافقون في المدينة، وهذا أخبث وأخسأ أنواع الكفر، واليهود في شمال المدينة وكفار قريش في جنوبها فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم مطوقاً من كل ناحية فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم كما يقولون: بين فكي كماشة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، لكن أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم، يأخذ بالأسباب فيدبر ويخطط ويقاوم العدو بما معه، وكثير من المسلمين في هذه الأيام أصابتهم السذاجة فيظنون أن المهدي لما يظهر في آخر الزمان أن بيده عصا سحرية يقتل بها ويحارب، لكن الحقيقة أن المهدي يتسلح بسلاح العصر، ويخطط كما يخطط أهل العصر، فهو بشر من الناس يأخذ بالأسباب كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن غافلاً عما يجري حواليه.
وبعد غزوة الخندق لم يجتمع عليه الكفار أبداً، ولو اجتمعوا عليه لوقع في مثل هذا المحذور، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقع في مثل هذا المحذور، فبعد هذا الاجتماع لكفار، فكر النبي صلى الله عليه وسلم وتأمل ووضع الأشياء في أماكنها، ومن بين ما ألهمه الله عز وجل، من أسباب حتى لايقع عليه هذا المحذور ثانية، ولا يلدغ من هذا الجحر مرة ثانية، صلح الحديبية ومن يقرأ تفسير قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً} يجد أن الفتح المبين هو صلح الحديبية.
وصلح الحديبية في الظاهر أدخل على المسلمين شر، وفي الباطن خير عميم، وكان سبباً من أسباب انتصار المسلمين وكسر شوكة المشركين، على سائر شاراتهم وأسمائهم وألوان كفرهم.
فلما عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلحاً كان يعلم مع من يعقد، فالذي يفي بعهده إن عاهد هو العربي، ويستحيل أن ينقض عهده، فلذلك عقد النبي صلى الله عليه وسلم العهد مع العرب الأقحاح الذين يحفظون العهد والوعد، وفي فهمي وتدقيري أن صلح الحديبية كان بين عينيه، وما خرج من المدينة إلا إليه، ولم يخرج معتمراً، وإن أظهر الاعتمار، فخرج بسلاح خفيف، والكفار الآن بين أمرين، أن يمنعوهم أو أن يقبلوهم.
والعربي كما يقول ابن خلدون: عنجهي بطبعه ما لم يسوسه الدين، فالعربي من غير دين عنجهي، وفيه كبر ويركب رأسه، وقد يصل ركوبه رأسه إلى حماقة، وقريش حريصة على أن تظهر أن مكة ليست لهم فقط، وإنما هي موئل الحجيج، ولهم في هذا مكاسب كثيرة، فلا يستطيعون أن يردوا المسلمين حجاجاً أو معتمرين، وأيضاً لا يستطيعون أن يقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق في الخيار إلا يبقوا على عنجهيتهم، أو يعقدوا عقد فيبقوا على ما هو متعارف عليه بين الأمم من أن مكة هذه موئل لجميع الناس في الحج والعمرة، فيحصلوا ما يريدون ولا يستطيعون ذلك إلا أن يبرموا عهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والقصة معلومة، وكيف أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم على أي شيء نعطي الدنية من ديننا، لكن كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على الصلح وقد جاء أكثر من طرف من الكفار حتى جاءه رجل وعلم أنه صاحب سياسة وود، وأنه جاء للحوار، فأبرم معه العقد ورجع.
وبهذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد كسر أحد فكي الكماشة، وهو كفار قريش وتفرغ بعد ذلك لليهود والمنافقين، ثم بعد ذلك يأتي مكة فاتحاً، فصلح الحديبية هو الذي فتح مكة.
إذاً فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب و{لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين}، هذه سنة لله شرعية، فينبغي للمسلمين أن يسلكوا سنة الله الكونية، فتتوائم سنة الله الشرعية مع سنة الكونية، وألا يكونوا أغبياء، فلا ينتبهوا للأخذ بالأسباب، فينبغي أن نفهم دين الله عز وجل، ونعمل له على حسب ما يتيسر لنا من الأسباب، والمؤمن إن كان فطناً ذكياً صاحب فراسة فإنه لا يلدغ من حجر مرتين، وإن لدغ من حجر واحد مرتين فإنه ينتفي عنه كمال الإيمان، والحديث على ظاهره ولا يحتاج أكثر مما ذكرنا، والله أعلم...

السؤال :490: هل يكتب للمريض أجر عمله وهو صحيح ؟
الجواب : نعم فإن مرض الإنسان ، سواء شاخ وكبر وأصبح هزيلاً، أو مرض مرضاً عارضاُ ، وكان مثلاً يقوم الليل ، ويصوم النافلة ،فإن الأجر والقلم يبقى على ما كان عليه. ومن فضل الله ورحمته أنه يكتب له في مرضه خير أجر كان بعمله في صحته،كما صح عند أحمد من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : {إذا اشتكى العبد المسلم قال الله تعالى للذين يكتبون : اكتبوا له أفضل ما كان يعمل } وفي رواية أخرى عند أحمد : {إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ، ثم مرض ، قيل للملك الموكل به : اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً } وفي رواية أخرى صحيحة على شرط الشيخين عند أحمد : { ما من مسلم يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة الذين يحفظونه أن اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير ما كان يعمل}.
فينبغي لذلك للسليم أن يغتنم صحته قبل مرضه وينبغي للشاب أن يغتنم شبابه قبل هرمه. ((ونعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) فهاتان نعمتان جليلتان عظيمتان من الله على العبد ؛ أن يكون صحيحاً سليماً وأن يكون عنده الفراغ . وما أكثر الفراغ هذه الأيام وما أكثر أسباب اللهو وإضاعة الوقت .
وكان قديماً الذي يضيع ماله سفيهاً يحجر عليه، والمال إن ذهب قد يعود، ولكن الأشد سفهاً الذي يضيع وقته ؛ فإن الوقت إن ذهب لا يعود أبداً.وإن أردتم أن تعرفوا دين الرجل وعقله ، فانظروا استغلاله وقته، فإن كان يستغل وقته فهو يحفظ رأسماله، وإلا فاغسل يدك منه . فمن ضيع وقته يقتل نفسه . وكان الحسن يقول : (( أدركت أقواماً أحرص على أوقاتهم من حرصكم على دنانيركم ودراهمكم )) وكان يقول (( ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا مضى يوم مات بعضك )) فاليوم الذي يمضي يموت منا، فنتقدم إلى الآخرة وإلى الموت شئنا أم أبينا كل يوم .

السؤال491؟ هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى تغطية الإناء الذي فيه طعام أو شراب ؟
الجواب: نعم، الأصل في المسلم إن بات فلا يجوز له أن يترك الآنية التي فيها الشراب ، أو الصحاف التي فيها الطعام إلا وهي مغطاة . ولو وضع في الثلاجة فأرجو أن تكون بمثابة الغطاء.
وتغطية الإناء ليلاً واجب ، وهذا خير للمسلم في دينه ودنياه والأحاديث الصحيحة صريحة في ذلك . فقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب ، وأطفئوا السراج ؛ فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح باباً ولا يكشف إناء ......} وفي حديث آخر في مسلم أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم : { غطوا الإناء، وأوكوا السقاء ؛ فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء} ولعل في هذا سراً عجز عنه الأطباء ، ولعلهم يعرفونه في يوم من الأيام. ولعل هذا سبب لحصول الداء في أول أمره،الذي لم يكن قد عرف من قبل.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم، على هذا الأمر تأكيداً شديداً، فقال: {فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً ، ويذكر اسم الله فليفعل } وهذا خير للمسلم في الحال والمآل، والمعاش والمعاد ، والله أعلم .

السؤال 492؟ أيهما أفضل : الاجتماع على الطعام ، أم الافتراق، وإذا أخذ الآكل نصيبه بصحن ولعق لإناء، أليس هذا أفضل ؟
الجواب : السائل استشكل أمرين الأول : أنه إذا أجتمع أناس على إناء كبير فيه طعام فهذا فيه خير ، لكن لا نستطيع أن نلعق الطعام، أما لو أخذ كل واحد نصيبه بإناء صغير فإن كل واحد يستطيع أن يلعقه ، وهذا خير ، والإناء الذي يلعقه صاحبه يستغفر له كما صح عن رسول اله صلى الله عليه وسلم وهذه البركة حتى نلمس ثمارها في حياتنا .
والأحسن من ذلك أن نسكب في إناء كبير بمقدار بحيث لو اجتمع عليه هؤلاء يلعقونه ، فنجمع بين البركتين وبين السنتين . فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عند أبي يعلى ، أنه قال : {أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي } واخرج أبو داود ابن ماجة عن وحشي ، رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لعلكم تأكلون متفرقين } فقال هذا الرجل : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه ؛ فإنه يبارك فيه} فالسنة أن نسكب بمقدار الحاجة وأن نجتمع على الطعام ، فنتحصل على ثمرتين وبركتين وطاعتين حث عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلماء الاجتماع يقولون : إن من الأمور التي لها أثر على الأخلاق أنواع الطعام والشراب. فالعائلة الواحدة لما تجتمع على طعام واحد تتفق أخلاقها . أما هذه الأيام فأفراد العائلة الواحدة كل يأكل وحده وقد يأكلون من أصناف عديدة ، فتختلف أخلاقهم، وهذا العمل مما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، من أننا سنتبع سنن من قبلنا ، فإنه من عمل أهل الكتاب ، فهم لا يجتمعون وكل يأكل وحده .
وإن من علامات الساعة أن يكثر الطعم ولا يذكر اسم الله عليه . فالسنة الاجتماع وذكر اسم الله على الطعام أما عند الضرورة إن أخذ الرجل مقداره بإناء فلا حرج فقد أخرج الإمام البخاري بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم، : {إذا أتى أحدكم خادمه الطعام فإن لم يجلسه معه ، فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين؛ فإنه ولي حره وعلاجه } فإن لم يجلس الخادم معه فإن يناوله بيده أكلة، فهذا لا حرج فيه عند الحاجة، وإلا فالأصل الاجتماع ولعق الإناء . والله أعلم.

االسؤال493: إذا استيقظ الواحد من نومه لصلاة الصبح ،وكان جنباً، والوقت ضيقاُ لرفع الجنابة، فماذا يفعل ؟
الجواب : هنا تزاحمت أمور، والأصل تقديم الأهم فالمهم. ولا يوجد في هذه المسألة نص في إثبات الأهم، فالمسألة قائمه على الاجتهاد .
فإن كان الوقت ضيقاً عن صلاة الجماعة، فإن مذهب جماهير العلماء أن الصلاة على طهارة تامة، أعني بغسل، مقدمة على الصلاة في جماعة بطهارة غير تامة، أي بتيمم، فالتخلف عن الجماعة والصلاة بطهارة تامة مقدم ، والخلاف في هذه المسألة ضعيف وشاذ .
أما الخلاف المعتبر عند العلماء في هذه المسألة في ترتيب الأولويات في لو أنه اغتسل فإن الوقت يفوته، فرخص غير واحد من أهل العلم بالتيمم ضرورة لرفع الحدث الأكبر والوضوء لرفع الحدث الأصغر. والخلاف في هذه المسألة مشتهر بين العلماء، ولم يثبت فيها نص، وترتيب الأولويات عند زحمها للنظر فيه مجال، والخلاف فيه واسع، والله أعلم

السؤال494:إذا دخل رجل المسجد مسبوقاً بركعة، وقد سهى الإمام وصلى خمس ركعات في صلاة رباعية , فهل على هذا المسبوق أن يأتي بركعة بعد تسليم الإمام، أم يكفيه أنه أتم أربع ركعات ؟
الجواب: ذكر هذه المسألة ابن النفور في كتابه المسمى "الفواكه العديدة والمسائل المفيدة" ومن حسنات هذا الكتاب، أنه يذكر في آخر كل باب مسائله المشكلة, ولما ذكر السهو قال: ومن المسائل المشكلة ، لو أن الإمام سهى فهل المسبوق يعقد بها ركعة أم لا ؟
وهذه مسألة ما قام عليها دليل خاص، ولا نقل عن الصحابة والتابعين فيما نعلم، والذي أراه إعمال الاستصحاب استصحاب الأصل، وهو أن الواجب عليه أربع ركعات، فلذا فإنها تجزئه، وتبرأ ذمته بما أدى ، فالذي أدركه من صلاته هو الواجب عليه، ولا شيء عليه. وكذلك لو كان مسبوقاً بركعتين وسهى الإمام بركعة زائدة فإنه يأتي بركعة والله أعلم .


السؤال : 495؟ يقولون في علم التخريج : رجاله ثقات، رجاله رجال قوي، الصحيح وإسناده صحيح، وجوده فلان، فما معنى هذه العبارات, وهل يحتج بها أم لا ؟
الجواب: التفصيلي يطول، لكن باختصار أقول : هذه العبارات كثيرة الدوران في كتب الحديث، وهي مذكورة بكثرة في الكتب التي حوت ألوفاً مؤلفة من الأحاديث، لاسيما الأحاديث التي هي خارج الصحيحين، والتي يعسر الحكم عليها بالتفصيل والتأهيل وإنما ينظر في إسنادها على وجه في نوع عجلة. وأكثر من هذه العبارات اثنان من العلماء كل منهما تابع الآخر، وهما : الإمام المنذري في كتابه المفيد النافع "الترغيب والترهيب"، والثاني : الإمام الهيثمي صاحب كتاب "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد"، الذي جمع فيه الزوائد على الكتب الستة الموجودة في مسند أحمد ، ومسند البزار وأبي يعلى، وفي معاجم الطبراني الثلاثة وعرض الكتب الستة على الكتب الستة , فأثبت الزوائد وأسقط المتكرر، فخرج معه ألوف مؤلفة, وهو مطبوع في عشر مجلدات . ولو أراد أن يخرج كل حديث تخريجاً مؤصلاً ومفصلاً لاحتاج معه الأمر إلى وقت طويل جداً.
والحافظ والمخرج مع كثرة ترداده ، وبتوفيق الله له أولاً وآخراً، ومع كثرة النظر في الرجال فإنه يعرف بالنظر في الإسناد أن هذا الإسناد رواته ثقات، وهل المدلس عنعن أم صرح بالتحديث، فيحكم حكما أولياً عجلاً على الإسناد .
فعندما يقول المخرج : رجاله ثقات يعني أن رجال الإسناد هذا غير مغموز فيهم, اجتمع فيهم شيء من ضبط مع عدالة ودين. وبادئ ذي بدء الحكم على الحديث صحيح حتى يثبت عندنا انقطاع، أو علة خفية وما شابه .
وقوله : رجاله رجال الصحيح يعني هذا الإسناد أخرج البخاري ومسلم أو أحدهما لكن مع مراعاة وملاحظة شيء واحد، وهو أن شيوخ هؤلاء ( الطبراني وأبي يعلى , وأمثالهم ) هم في طبقة أصحاب الصحيحين، فعندما يقول : رجاله رجال الصحيح يكون هذا بغض النظر عن الطبقة التي هي دون أصحاب الصحيحين لأنهم في طبقة البخاري ومسلم, فشيوخ الطبراني مثلاً يعاصرون البخاري ومسلم، فالمراد ما بعد الشيخ، أما ما قبل الشيخ فيستحيل أن يكون البخاري أو مسلم قد أخرج له ؛ لأنه إما مثله أو دونه إلا أحمد فإنه من طبقت شيوخ البخاري ومسلم، أقدمهم وفاة فلما يقال أخرجه أحمد ورجاله الصحيح ، فالمقصود كل السند .
أما إسناده قوي وإسناده جيد, مرتبة هي عند علماء التخريج فوق مرتبة الحسن ودون الصحيح . فالحسن في حفظه وضبطه شيء، لكن بعض الرواة يكون مغمزاً في ضبطه لكن الغمز خفيف ؛ فيكون أرفع من الحسن وأدنى من الصحيح ، فيقال فيه :إسناده قوي أو إسناده جيد
و إسناده صحيح يعني : اجتمع فيه ضبط جيد وعدالة في الرواة،مع الفحص عن التدليس, واللقيا بين الراوي والمروي عنه ، وهو أقوى شيء يحتج به. والذي يقال فيه إسناده جيد أقوى يحتج به . وكذلك يقال فيه رجاله رجال الصحيح أو رجاله ثقات يحتج به مع مزيد فحص، فالحكم الأولي صحيح ؛ لمن يحتاج إلى مزيد دراسة وتمحيص وتفتيش. والأضعف من هذا أن يقال : رجاله وثقوا ، أو رجاله رجال الصحيح إلا فلان وهو ثقة ، كما يقول الهيثمي أحياناً، وهذه العبارة لما يكون نزاع شديد بين العلماء في توثيقه ، ولم يوثقه إلا متساهل في التوثيق،كابن حبان مثلاً فيكون ثقة على ذمة من هو معروف من أئمة الجرح والتعديل بالتساهل في التوثيق .
أما جودة فلان، هذه كلمة دقيقة، ولا يستطيع أن يقولها إلا متبحر في العلم، وتعب تعباً شديداً وفحص ومحص وتأنى وتثبت. فعندما يكون عندنا حديث يكون ورد على أكثر من شكل، سواء في الإسناد أو المتن، وروي على ألوان وضروب، وبينها اختلاف، فمثلاً تكون قطعة من الحديث عزاها النبي صلى الله عليه وسلم لربه ، وهو ما يسمى بالحديث القدسي ، والقطعة الأخرى من الحديث حديث نبوي، أو حديث قسم منه مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، وقسم آخر موقوف على صحابي كله حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فيأتي بعض المدققين يمحص ويفصل ، فيفرق بين المرفوع والموقوف ،وبين الحديث النبوي والحديث القدسي، فمن فصل وميز يقال عنه جوده . فالمجود هو الذي يأتي بالحديث على حقيقته، وصورته.
والتجويد لا يستلزم منه التصحيح. قد يكون كثير من الرواة رووا الحديث مرفوعاً للنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو في حقيقة أمره كلام لتابعي . مثل الحديث المشهور على ألسنة كثير من الناس اليوم: {رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر} وعند الفحص عنه نجد في ترجمة إبراهيم ابن أبي عيلة، التابعي الشامي، في "تهذيب الكمال" يقول : أخرج النسائي في الكني ، ويسوق هذا الحديث من كلام إبراهيم بن أبي عيلة بإسناد نظيف غاية، فالراوي الذي أتى بالحديث على حقيقة أمره بعد الفحص هو الذي يقال فيه جوده ، فلا يلزم من القول: جودة فلان أن يكون مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه العبارات يكثر تردادها في الكتب،وتلزم معرفتها طلبة العلم ؛ لأنها كلام المتخصصين ويحتاجها طلبة العلم.

السؤال 496؟ ما حكم الاشتغال بالوظائف أو الشركات الجمركية ؟
الجواب أما الشركات فلا حرج ؛ لأنها وسيلة لتخليص حقك فلا فرق بين أن تخلص البضاعة بنفسك أو أن تخلصها بوكيل، فالمخلص الذي يعمل في الشركة هو وكيل عنك ، وحكم الوكيل هو حكم الأصيل ، فإن منعنا الوكيل لإخراج البضاعة نمنع الأصيل أن يخرج بضاعته، ولا وجه لهذا الكلام أبداً ولا وزن له من الناحية الفقهية .
أما أن تفرض الدولة الضرائب على الناس فبعض أهل العلم يحرم ذلك إلحاقاً بالمكوس فالمرأة الغامدية ، لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، من يلعنها بعد أن رجمت نهاه وقال له : {لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له } فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ، صاحب المكس أشد من صاحب الزنا.
وبلا شك إن أخذ أموال الناس دون رضاهم حرام وقد ثبت عن جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله: {لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ولو كان عوداً من أراك} وهذه الجمارك تدفع من غير طيب نفس ومن غير إذن .
لكن العلماء المحققون لهم رأي في هذه المسألة، كالشافعي في "الموافقات" فقد يحث المسألة بحثاً أصولياً، مقيماً إياه على المقاصد، فقال : إن الشرع يمنع التعسف في استعمال الحق، وإن الشرع يقدم الحق العام على الحق الخاص، وإن الإنسان متى أمسك وتضرر غيره من عوام الناس، فهذا الإمساك ليس بصواب. فمثلاً إن وجد قطعة أرض لا يكون طريقاً للمسجد إلا من خلالها، فإنها تنزع من صاحبها رغماً عن أنفه، والنبي صلى الله عليه وسلم ، يقول: {رحم الله الأشعرين إنهم كانوا إذا أرملوا( أي فقروا) جمعوا طعامهم وأموالهم وقسموه بينهم بالسوية}. فأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك.
وإذا الدولة احتاجت ولا تستطيع أن تقوم بالأعباء الواجبة عليها، ولا أن تخدم الناس خدمة العامة، فأخذت من الناس مقدار الضرورة، وصرفته في حق عوام الناس فالأخذ بالمقدار، والعطاء لسائر الناس ، فالجمارك والضرائب حينئذ مشروعة وليست بممنوعة على قول غير واحد من المحققين ، هذا الذي أراه صواباً . والله أعلم


السؤال497: يقول بعضهم: إن طالب العلم إذا سمع شرحاً لكتاب ما، لأحد العلماء على الأشرطة كاملاً، مع أنه لم ير ذلك الشيخ، أو العالم، فهل يحق لذلك الطالب أن يقول عن ذلك الشيخ: قال شيخنا فلان، مع أنه ما جلس في مجالسه، وإنما سمع منه على الأشرطة؟
الجواب: للعلماء مشارب ومذاهب في تعليم الطلبة، فالعراقي مثلاً كان يعلم صهره وتلميذه الهيثمي فأرشده إلى فكرة الزوائد، فكان صاحب فكرة كتب الزوائد للهيثمي هو العراقي، فلا يلزم من الشيخ أن يقرأ عليه الكتاب، حتى يقول عنه الطالب : شيخي، وأبو حنيفة كان من منهجه في تعليم الطلبة السؤال والجواب، فيضع الإشكال ثم يجيب ثم يضع الإشكال على الجواب، وهكذا، وكان صاحب حجة.
فالعلماء لهم أساليب والنبي صلى الله عليه وسلم قال: {طلب العلم فريضة} وما حدد الوسيلة فالواجب على الصغير والكبير والذكر والأنثى والعالم والجاهل والقارئ والأمي أن يكون طالب علم، فالوسيلة ما حددت، والطلب هو الفرض ولذا يجوز للإنسان أن يقول: قال شيخنا فلان إن استفاد منه، وعرف فقهه معرفة خاصة، وإن لم يلقه ونجد من العلماء المتأخرين من يقول قال شيخنا ابن تيمية ويكون بينه وبين ابن تيمية أربعمائة سنة، فالذي يمعن الذهن من فقه ابن تيمية؟
والمهم في هذا الباب ألا يقع تلبيس ولا تدليس وألا يتشبع الإنسان بما لم يعط، فإن أردت أن تقول: قال شيخنا، وأنت لم تلقه وأوهمت سامعك أن لك به خاصة وأنك جثوت على الركب بين يديه، فهذا هو الممنوع أي التدليس والتلبيس وليس الممنوع التعظيم والتبجيل، فإنه إن كان مراد القائل التعظيم والتبجيل لمن استفاد منه، فهذا أمر حسن، لكن قل حقاً، واصنع عدلاً، فلا تلبس على السامع وتشعره أنك من خواص تلاميذه، وأنك رحلت إليه وما شابه، وإلا فهو من باب توقير العلماء، وتبجيلهم، والله أعلم....
__________________

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.


To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس