عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 06-11-2012, 06:12 AM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم زيد مشاهدة المشاركة
[الـدَّرس التَّـاسـع]
(الجزء الثَّاني)

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
البيت التاسع والعشرون ذكر فيه الناظم قاعدةً، وهذه القاعدة فقهيَّة، وأيضا قاعدة تجري في سُنة الله الكونية في بعض مخلوقاته.
يقول الناظم:
29. [مُعـاجِـلُ] المَحْـظــورِ قَـبْـلَ آنِــهِ ... قَـدْ بَـاءَ بِالخُسْـرانِ مَـعْ حِـرْمـانِـهِ
[مُعـاجِـلُ] المَحْـظــورِ قَـبْـلَ آنِــهِ
أي: قبل وقته.
قَـدْ بَـاءَ بِالخُسْـرانِ مَـعْ حِـرْمـانِـهِ
هذا البيت عبر فيه عن قاعدة دارجة على ألسنة الناس، وهي قاعدة فقهية لها تطبيقات عديدة، وهذه القاعدة تقول: (من استعجل الشيءَ قبل أوانه؛ عوقِب بحرمانه).
لله عز وجل سُنن ولا سيما في التغيير، وله سُنن في مخلوقاته، بعض أنواع النباتات في أثناء نموها ماتت، من استعجل هذه النبة فمسَّها؛ أماتها.
وهنالك أحكام فقهية بعضُها منصوص عليه، وبعضها مستنبط على المنصوص، فثبت عند الإمام الترمذي في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:«القاتِل لا يَرِث».
رجل أراد مالًا وله أب غني، فاستعجل على تحصيل المال فقتل أباه، فهل القاتِل يرِث من مال أبيه؟ الجواب: لا، هذا استعجل الشيء قبل أوانه، وارتكب محذورا وهو القتل، فباء بالخسران في الدنيا والآخرة، وباء بالحرمان، فحُرم الميراثَ، فالذي يَقتل لا يَرِث.
هذا النص ورد في حق القاتل إن كان وارثًا، لكن يا ترى: ما هو حكم القاتل إن كان قد أوصيَ إليه بالمال.
رجل أوصى لآخر بالمال، فقال: لما أموتُ تعطوا فلانا عشرة آلاف دينار، وهذا -فلان- ليس بوارث «لا وصية لوارِث»، وهذه الوصية لا تبلغ أكثر من الثلث، لا يجوز للإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث.
لما مرض سعد بن أبي وقاص، وخشي على نفسه الهلاك الوفاة، ولم يكن عنده ذُكور، وكان عنده إناث، فأراد أن يوصي بمالِه، فمنعه النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فأراد أن يوصي بشطره بنِصفه فمنعه النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فأوصى بثُلثه، فقال له النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- له: «الثُّلث والثلث كثير، إنك أن تذر -تترك- ورثتَك أغنياء خير من أن يتكفَّفوا الناس».
ولذا قال العلماء -وهذا شيء مهم ولعل من يسمع كلامي يستفد منه إن شاء الله فيعبد الله فيتوسع عليه باب الطاعة أو باب من أبواب الطاعة-، قال العلماء: النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال لسعد: «الثُّلث والثلث كثير، إنك أن تذر -تترك- ورثتَك أغنياء» ما يتركه صاحب المال لورثته إن نوى به خيرًا؛ فأجره أعظم عند الله من أجرِ التصدُّق به.
فالذي تتركه لورثتك، الذي تتركه لأولادك وبناتك، وتتقي الله في مقدار كل واحد منهم، لا تقول: أنا كيف أورِّث بنتي وزوجها غريب، كيف يأخذ مالي رجل غريب! ما هو زوجة ابنك غريبة وتأخذ مالك، زوجة ابنك امرأة غريبة عنك وتأخذ مالك أيضا، فأنت تُعطي ابنتك وتعطي ولدك، لا فرق بين الذكر والأنثى إلا فيما فرَّق الله عز وجل من حيث النصيب.
هل دائما المرأة -كما هو شائع على ألسنة كثير من الناس، وبعضهم يناظر ويتكلم كلاما كثيرا- قالوا: الشرع ورَّث المرأة نصف ميراث الذكر! هذه خرافة! هذه أكذوبة! كذبها أعداء الله وراجت على الناس! من قال أن الشرع ورَّث المرأة نصف ميراث الذكر؟ تعرفون [على] هذا دليل؟ أخشى تذكرون: {للذكَرِ مثلُ حظ الأُنثيَين}! هذا في صُورةٍ من الصُّوَر!
لكن أحيانا المرأة ترث أضعاف ما يرث الذكر.
رجل مات وعنده ابنتان وعنده عشرون أخًا، كيف نقسم الميراث؟ الابنتان لهما الثلثان، والعشرون أخا كم لهم؟ الثلث، نصيب البنت مع نصيب الذكر كم؟ أضعاف كثيرة.
أعداء الله يكذبون الكذبة ويشغلون الناس فيها، نصدقها ونشتغل فيها!
كم من خطيب، وكم من مدرِّس يقولون: الشرع أعطى المرأة نصف نصيب الذكر لأنه كذا..!! من قال لك أن أصلا الشرع أعطى المرأة نصف نصيب الذكر، من قال لك هذا!؟
لما يتحدون في القرابة ويكون أولاد ذكور وإناث؛ (فقط) في هذه الصورة -لا غير- تأخذ البنت نصيبًا ويأخذ الذكر نصيبان، فقط في هذه الصورة يأخذ الذكر نصيبين.
أما في صُوَر أخرى البنت تأخذ أكثر من الذكر، ولا يوجد نص في القرآن [...]
أنت يا طالب العلم؛ إن سمعتَ كلمة دقِّق فيها، لا تقطعها عن سياقها، ولا تقطعها عن سباقها، وما تسرح ولا أحد يمشي فيك لا يمين ولا شمال، افهم المسائل بهدوء وروية، وضع الأشياء في نصابها وفي أماكنها.
إيش العدل في الشرع؟ هل أتى الشرع بالمساواة بين الذكر والأنثى؟ لا، الشرع ما جاء بالمساواة بالذكر والأنثى، الشرع جاء بالعدل ما جاء بالمساواة.
فيه فرق بين العدل والمساواة؟ فرق كبير، إيش الفرق بين العدل والمساواة؟
نحن نفخر على الأمم كلها أن الشرع ما ساوى بين الذكر والأنثى، نفخر على الأمم كلها، ونقول: الشرع عدل، أتى بالعدل، العدل أن تضع الشيء المناسب في مكانه المناسب، المرأة مش مثل الذكر، الله قال: {ليس الذكر كالأنثى} ما فيه مساواة.
كيف نساوي بين الذكر والأنثى؟! يمكن عاقل يساوي بين الذكر والأنثى؟! مش ممكن! المرأة غير الذكر، الذكر غير الأنثى، إذا قلنا الذكر كالأنثى؛ خالفنا الفطرة، وخالفنا العقل، وخالفنا العُرف، وخالفنا الشيء الذي في أعماق قلبك، في أعماق كل الخلق، الذكر غير الأنثى، فنحن ما نسوي بين الذكر والأنثى، أبدا لا نسوي، ولا يمكن أن نسوي بين الذكر والأنثى، ولا يمكن عاقل أن يسوي بين الذكر والأنثى، المرأة غير الذكر.
لكن: نحن نعدل، الشرع أتى بالعدل، والعدل إيش؟ تضع الشيء المناسب في المكان المناسب، والله هو الذي خلق {ألا له الخلقُ والأمر}، هو الذي شرع، وهو الذي أمر، فوضع كل شيء سبحانه في مكانه بالعدل، فالشرع أمر بالعدل، ولم يأتِ بالمساواة؛ لأن المساواة بين الذكر والأنثى ليس من العدل.
طيب؛ حتى الأطباء، حتى الصُّوَر الطبقية للعقدل والدماغ، حتى تحليل البول عند الأطباء الذكر ليس كالأنثى، إن حللتَ بول الذكر غير بول الأنثى، إن عملتَ صورة طبقية لدماغ المرأة غير الصورة الطبقية لدماغ.. كيف نقول الذكر كالأنثى! يعني الأمور المشاهَدة المحسوسة الملموسة الداخلة في المختبرات والصُّوَر الطبقية فيه فرق بين الذكر والأنثى!
فهذه المساواة أكذوبة، الطب يُكذِّبها، وكل شيء يُكذِّبها!!
قلنا أن الشرع أتى بقاعدة، وتقول هذه القاعدة: (من استعجل الشيء قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه).
ذكرنا مثل الميراث، من قتل وارثَه؛ فلا يعطى من الميراث: «القاتِل لا يَرِث» -قول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم--.
طيب؛ لو أوصى، رجل أوصى لفلان: إذا مت أعطوه عشرة آلاف دينار، وهو ليس من الورثة له، وعنده أكثر من ثلاثين ألفا، يعني دون الثلث، فالموصَى له تعجَّل، فقتلَ الموصي، فهل يأخذ الموصَى له -القاتِل- لموصيهِ ما أوصى به؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن من تعجل الشيء قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه.
والشرع منع القاتل من الميراث سدًّا لذريعة الاستعجال بالقتل، ومنع [الموصَى له] أن يأخذ المال مِمن قتَلَه وقد أوصى له سدًّا لذريعة القتل.
طيب؛ الإنسان في مرض الوفاة، يزداد قُربا من الله أم يبتعد عن الله؟ يزداد قربا من الله.
رجل بينه وبين أولاده مسائل كثيرة مشاكل ونكد -للأسف-، أو بينه وبين زوجته مشاكل ونكد، وهو في مرض الوفاة، والقرائن قائمة على أنه لا يحب لزوجته أو لأولاده أن يرِثوا، ما يحب أن الأولاد يأخذون الميراث منه، أو أن تأخذ الزوجة ميراثا منه.
وهو في مرض الوفاة دخلت عليه زوجته التي هو غضبان منها غضبا شديدا قال: أنت طالق! والعادة الرجل ما يطلق وهو في النزع، وهو في مرض الوفاة؛ فهل يُعتد بطلاقه ونحرم الزوجة من الميراث؟ أم أنه لا يُعتد؟
جيئ لعثمان برجل طلق زوجته في مرض الوفاة؛ فورَّثها! قال هذا ما أراد الطلاق، هذا أراد حرمان الزوجة.
فسد ذريعة الظلم، ومنع الزوجة من أخذ الميراث.
وكذلك -نسأل الله العفو والعافية- لو ارتد في مرض وفاته حتى يغيظ أولاده ويحرمهم من الميراث، وهو في النزع بدلا من أن يتقرب إلى الله بالطاعات-والعياذ بالله- ارتد، أعلن ردته عن الإسلام، إيش يُعمل فيه؟
يقول الشاطبي: «نعامله بفِعله، ونحكم في ماله بنقيض قصده» إيش يعني؟ نعامله معاملة المرتد، ونعطي أولاده الميراث.
نعامله في الميراث بنقيض قصده، هو يريد أن يرتد من أجل المال أن يحرم الورثة المال؛ فنعطي الورثة المال؛ قياسا على فعل عثمان، وإيش نعمل؟ ونعامله معاملة المرتد «إنما الأعمال بالخواتيم».
لماذا عاملْنا هذا في ميراثه فورَّثنا أولاده وهم مسلمون وهو كافر وأظهر الكفر، لماذا فعلنا هذا؟ لأننا نقول: من استعجل شيئًا قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه.
استعجل بأن يمنع الورثة؛ فعوقب بحرمانه.
ويذكر العلماء أيضا: لو أن رجلا عقد على رضيعة، على بنت صغيرة، هل يصح عقده عليها؟ عند الأئمة الأربعة يصح، لكن لا يجوز أن يدخل بها حتى تحتمل الوطء، حتى تكبر تحتمل الوطء، فيقولون: لو جاءت زوجتُه فأرضعتها، إيش أصبح الحُكم الآن؟ أصبحت الرضيعة هذه إيش؟ ابنتَه! فهل له أن يتزوجها؟ الجواب: لا؛ ليش؟ من استعجل الشيءَ قبل أوانِه؛ عوقب بحرمانه.
فهذه قاعدة تُدلِّل على ضرورة التأني، و«الأناة من الرحمن، والعجلة من الشيطان»، فمع الأناة كما قالوا في المثل: (من تأنى نال ما تمنى)، والزلل والخطأ والمخالَفة دائما تقع مع من؟ مع المتعجِّل ولا سيما من يتعجل في الكلام، قال بعض السلف: الكلمة كالثور تخرج من الجُحر، فإن خرجت فلا تعود.
29. [مُعـاجِـلُ] المَحْـظــورِ قَـبْـلَ آنِــهِ ... قَـدْ بَـاءَ بِالخُسْـرانِ مَـعْ حِـرْمـانِـهِ
بذا نكون قد فرغنا من البيت التاسع والعشرين لنبدأ إن شاء الله في درسنا القادم بشرح قاعدة مهمة وهي: (هل النهي يقتضي الفساد) وهي تحتاج إلى تجميع ذهن، ودقة...

انتهى (الجزء الثاني).
تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة
التاسع الجزء الثاني...
__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس