عرض مشاركة واحدة
  #62  
قديم 01-21-2020, 12:10 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي الأحاديث في العمامة

[ 16 ]

الأحاديث في العمامة

بقلم: فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله –تعالى-.


قرأت فى العدد الثامن من المجلد السادس، من هذه المجلة الزاهرة ما كتبه فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الحامد تحت عنوان "العمامة في الإسلام" تعقيبًا على ما جاء في مقال الأستاذ الطنطاوي "صناعة المشيخة"، فرأيت في التعقيب ما يجب أن أبيِّن رأيي في بعض ما جاء فيه، فإن أصبت فمن الله، وان أخطأت فمن نفسي، وأرجو من فضيلة الشيخ وغيره أن يدلني على الخطأ.

1- (السؤال بوجه الله):

قال فضيلة الشيخ (أي الحامد): "والسؤال بالله تعالى لا يجوز وقد بوب الإمام النووي لهذا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة). رواه (أبو داود) . اهـ.

أقول: وفي الاستدلال بهذا الحديث على عدم الجواز نظر من وجهين:

الأول: أنه ضعيف لا يصح إسناده، فإن فيه سليمان بن قرم بن معاذ، وقد تفرد به كما قال ابن عدي في "الكامل" (ق 155/ 1) ثم الذهبي، وهو ضعيف لسوء حفظه فلا يحتج به، ولذلك لما أورد السيوطي هذا الحديث من رواية أبي داود، والضياء في "المختارة" وتعقبه المحقق عبد الرؤوف المناوي؛ بقوله: "قال في (المهذب): فيه سليمان بن معاذ، قال ابن معين: ليس بشيء وقال عبد الحق وابن القطان: ضعيف".

قلت: وقال الحافظ في "التقريب": "سيء الحفظ".

ثانياً: لو صح الحديث لم يدل على ما ذهب إليه فضيلة الشيخ، لأن المتبادر منه النهي عن السؤال به تعالى شيئًا من حطام الدنيا، أما أن يسأل به الهداية إلى الحق الذي يوصل به إلى الجنة، - وهو ما صنعه الأستاذ الطنطاوي - فلا يبدو لي أن الحديث يتناوله بالنهي؟ ويؤيدني في هذا ما قاله الحافظ العراقي: "وذِكر الجنة إنما هو للتنبيه به على الأمور العظام لا للتخصيص، فلا يُسأل الله بوجهه في الأمور الدنيئة، بخلاف الأمور العظام، تحصيلًا أو دفعًا كما يشير إليه استعاذة النبي - صلى الله عليه وسلم- به". نقله المناوي وأقره .

ثالثًا: إنما بوَّب النووي للحديث بالكراهة، لا بعدم الجواز، فقال: "باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله غير الجنة" والكراهة عند الشافعية للتنزيه، فهل عدم الجواز يرادف هذه الكراهة؟ هذا ما لا أعلمه، وفضيلة الشيخ أعلم به مني، والمتبادر عندي من قوله "لا يجوز" التحريم أو الكراهة التحريمية، وحينئذ فنسبة ذلك إلى النووي لا يخفى بُعده.

2- (الأحاديث في العمامة):

ثم قال فضيلة الشيخ (أي الحامد): "وأما العمامة فإنها وإن لم تكن كالعمامة المعروفة في بلاد الشام، لكنها في أصلها سنة عربية قررها الإسلام، وارتضاها في أحاديث كثيرة، وهي وإن كانت بمفرداتها ضعيفة لكنها لتعددها شكلت دليلًا للقول بسنيتها".

ثم ساق الشيخ ثمانية أحاديث في فضل العمامة، وهي كلها ضعيفة كما ذكر الشيخ، ولكنها ضعيفة جدًا تدور جميعها على متروكين وكذابين، وبمثلهم لا ينهض دليل، فقد ذكر النووي في "التقريب"، والسيوطي في شرحه وغيرهما من المحدثين أن الحديث الضعيف إنما يقوى بكثرة الطرق، إذا خلت من متروك أو متهم، وهذه الأحاديث ليست كذلك، وإليك البيان:

الحديث الأول: "اعتموا تزدادوا حلمًا" رواه الطبراني عن أسامة بن عمير.

قلت: فيه عند الطبراني (جـ 1/ 26/ 2) وغيره (عبيد الله بن أبي حميد) وهو (ضعيف جدًا).

قال النسائي: ليس بثقة، وقال أحمد: ترَكَ الناس حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال في موضع آخر: يَروي عن أبي المليح عجائب.

قلت: وهذا من روايته عن أبي المليح! ولهذا قال الحافظ في ترجمته من التقريب "متروك الحديث".

وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق ابن أبي حميد هذا؛ وقال: إنه متروك، وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2 / 295 - 296) بأن له عند الطبراني طريقاً أخرى عن ابن عباس، وسكت عليه فلم يحسن، لأن في سنده عنده في "المعجم الكبير (جـ 3/ 183/ 1) شيخه محمد بن صالح بن الوليد النرسي، ولم أجد له ترجمة فيما لدي من كتب الرجال، وفيه عمران بن تمام وهو آفته، فقد قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 295): "سألت أبي عنه فقال: كان عندي مستورًا إلى أن حدث عن أبي جمرة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث منكر أنه قال: (من إكفاء الدين تفصح النبط، واتخاذ القصور في الأمصار)؛ يعني فافتضح هذا المستور برواية مثل هذا الحديث المنكر، كما قال الحافظ في "اللسان": وحديث العمائم هذا من روايته عن أبي جمرة أيضًا عن ابن عباس! وفيه ما يشهد عليه عندي ببطلانه، ذلك لأن الحلم بالتحلُّم كما يقول -صلى الله عليه وسلم-، فما علاقة العمامة بالحلم؟ وكيف تزد صاحبها حلمًا ؟! نعم؛ لو قال: تزدادوا وقارًا، كان معقولًا.


يُتبع إن شاء الله -تعالى-.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس