عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04-01-2013, 08:34 PM
أبومسلم أبومسلم غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,410
Lightbulb


وقال رحمه الله...
[ سؤال: شيخنا! أيضاً وردت بعض الآثار عند بعض الأئمة وعن بعض الصحابة كخالد بن الوليد، وبعض الأئمة كالإمام أحمد بكفر شاتم الله أو الرسول واعتبروه كفر ردة فهل هذا على إطلاقه؟ نرجو الإفادة.

الشيخ: ما نرى ذلك على الإطلاق، فقد يكون السب والشتم ناتجاً عن الجهل وعن سوء التربية، وقد يكون عن غفلة، وأخيراً: قد يكون عن قصد ومعرفة، فإذا كان بهذه الصورة عن قصد ومعرفة فهو الردة الذي لا إشكال فيه، أما إذا احتمل وجه من الوجوه الأخرى التي أشرت إليها فالاحتياط في عدم التكفير أهم إسلامياً من المسارعة إلى التكفير.

ويعجبني بهذه المناسبة أن لبعض الفقهاء قول: إذا اتفق تسع وتسعون عالماً على القول بتكفير شخص بسببٍ ما بدر منه من مكفر، وواحد في المائة قال هذا ليس كفراً فإنما هو الفسق، قال: لا يكفر هذا حتى يجمع على تكفيره من المائة مائة، هذا هو الحيطة والحذر الذي يستفاد من مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «من كفر مسلم فقد حار الكفر على أحدهما» والعبارة الأشهر: من كفر مسلماً فقد كفر.

فلذلك ينبغي التحفظ والاحتياط من إطلاق الكفر على مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وبهذه المناسبة أذكِّر بالحديث الصحيح المعروف بأن رجلاً من أصحاب الرسول عليه السلام لقي مشركاً وبَدَءَا بالمبارزة والمقاتلة، فلما صار المشرك تحت ضربة سيف المسلم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فما بالاه بل قتله، فلما بلغ خبره النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غضب غضباً شديداً وأنكر على الرجل المسلم الصحابي الذي قتل ذلك المشرك حينما سمع منه تلك الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله، قال: يا رسول الله! ما قالها إلا فراراً من القتل، قال: «هلا شققت عن قلبه» هنا الشاهد «هلا شققت عن قلبه» ظاهر هذا المشرك الذي كان يقاتل المسلم على دينه في تلك اللحظة التي شعر بأنه أصبح تحت ضربة سيف الصحابي قال: أشهد أن لا إله إلا الله الظاهر أنه ما قالها إلا تقية، لكن مع ذلك اعتد عليه الصلاة والسلام بهذه الكلمة الطيبة ونهى ذلك الصحابي عن فعلته التي فعلها.

إذاً: التكفير أمر صعب جداً، ثم أنا أرى وهذا يوصلنا بطبيعة البحث إلى لفت النظر إلى ما عليه كثير من الشباب المتحمس اليوم من أن يضيع وقته في إطلاق كلمة الكفر على كثير إن لم نقل على كل حكام المسلمين، إنهم هؤلاء كلهم كفار، فشغلوا أنفسهم بإطلاق هذه الكلمة فنحن نقول: إن هؤلاء الذين يُكَفَّرُون قد يكون فيهم من يصلي مثلاً وقد يكون فيهم من يصوم ومن يحج إلى آخره، فهناك ظواهر تدل على إسلامهم، وهناك ظواهر أخرى قد تدل على كفرهم، فما ينبغي نحن أن نسارع إلى تغليب الكفر على الإسلام بخطورة التكفير كما ذكرنا آنفاً، هذا من جهة، من جهة أخرى: ما الذي نستفيده نحن اليوم من تشهير سلاح التكفير على الحكام أو على بعض أتباع الحكام ما دام أننا لا نستطيع أن نعمل شيئاً مما أباحه الرسول عليه السلام في مثل الحديث المعروف حينما قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا» وفي الحديث الآخر: «ما لم تروا كفراً بواحاً» فإذا رأينا الكفر الصريح ونحن لا نستطيع أن نقاتلهم فما الفائدة من إثارة هذا الموضوع سوى تشغيل أنفسنا أولاً بما ليس هو الأهم بالنسبة إلينا كطلبة علمٍ وفِقْهٍ، وثانياً: بما قد يضرنا في حياتنا الإسلامية ثانياً.

إذاً: نحن يجب أن نتورع في استعمال كلمة: «تكفير»، ومن أجل التحذير من فعلة هؤلاء الذين يريد أولئك أن ينزلوا عليهم أحكام الكفر نكتفي بأنهم ضالون، وأنهم قد حادوا عن أحكام الشريعة في كثير منها وفي قليل، فهذا يكفينا أن نقول أن هذا هو الضلال المبين، أما فلان كافر وفلان كافر .. ومن قال كذا فقد كفر إلى آخره.
على هذا نحن نقول بالنسبة لذاك السؤال، أما من صدر منه كلمة الكفر فهو معروف عند المسلمين أنه يستتاب فإن تاب فهذا يدل على أنه لم يكن قاصداً لكلمة كفر، وإن أصر على ذلك قُتل قتل ردة وكفر ولا يدفن في مقابر المسلمين.

مسألة الكفر حقيقة مسألة خطيرة جداً وهنا أذكر بالحديث وأنهي الجواب عن هذا السؤال .. الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً» ..

عفواً هذا لا يهمنا الآن: «كان فيمن قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط فلما حضرته الوفاة جمع بنيه حوله فقال لهم: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: - وهنا الشاهد - فلئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» هذا هو الكفر شك في قدرة الله عز وجل أن يتمكن من تعذيب هذا المجرم الذي لم يعمل في حياته خيراً قط: «قال: ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً» ولتكملة هذه الكفرية ماذا أوصى: «قال: فإذا أنا مت فحرقوني بالنار، ثم ذروا الرماد نصفه في البحر ونصفه في الريح» لماذا؟ في زعمه ليضل عن ربه، الشاهد: فلما مات حرقوه بالنار وأخذوا الرماد نصفه في الريح الهائج والنصف الثاني في البحر المائج، فقال الله تعالى لذراته هذه: «كوني فلاناًَ فكان فلان، أي عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك قال: فقد غفرت لك» هنا الآن نأتي إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48).

هذا أشرك، وقد يقول بعضكم: لا هذا ما أشرك هذا كفر، فأقول بمثل هذه المناسبة: أن الشرك والكفر في لغة الشرع لفظان مترادفان، فكل من كفر فقد أشرك ومن أشرك فقد كفر، وهذا له بحث آخر ولا نخوض فيه الآن، الشاهد: أن هذا الرجل حينما ظهر منه أقول: حينما ظهر منه أنه ينكر قدرة الله على جمعه وعلى بعثه ثم على تعذيبه بناء على أنه لم يعمل خيراً قط لما ظهر منه هذا: هذا كفر، إذاً: ما جوابنا عن قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48) هذا كُفْرٌ، ومع ذلك قد غفر؟ الجواب: إنه كُفْرٌ لم يكن مقصوداً بالقلب، لم يكن معقوداً في القلب وإنما من خوفه من ربه تبارك وتعالى على ما جنت يداه من المعاصي والآثام أوصى بمثل هذه الوصية الجائرة التي ربما لم تقع مثلها في تاريخ هذه الدنيا كلها، ثم أوصى بتلك الوصية إنها كفر وإنها ضلال لكننا نقول: ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، هذه حقيقة يجب أن نستحضرها حتى ما نكون من الخوارج الذين يبالغون في تكفير المسلمين بسبب ارتكابهم لبعض الذنوب والمعاصي، وإن كان بحثنا ليس في الذنب والمعصية وإنما هو في الكفر لكننا نفرق بين الكفر المقصود قلباً وبين الكفر الذي لم يُقْصَد قلباً، وإنما قالباً وفعلاً، هذا ما أردت التذكير به.

" الهدى والنور" (820/ 03: 46: 00) ]

رد مع اقتباس