عرض مشاركة واحدة
  #479  
قديم 01-09-2021, 08:06 PM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي



إنجليزية في مكة

الأحد 15 رجب 1439هـ - 1 إبريل 2018م
مركاز

حسين علي حسين

زار «جون فرايار كين» مكة المكرمة في العام 1877م متنكراً بزي حاج هندي، وهو مسيحي إنجليزي والده الكاهن الأكبر لكنيسة كلكتا (إبان الحكم الإنجليزي للقارة الهندية) وقد ذلل له صعاب الدخول إلى مكة انخراطه في خدمة أمير هندي ومع ذلك فقد كشف أمره عدة مرات خصوصاً من قبل أبناء الجاليات غير العربية اعتماداً على لونه وغرابة لهجته وكم من مرة قذف بالحجارة مع ملاحقة ونداء تحريضي عارم، مسيحي، مسيحي! وقد أزعجته ملاحقة العرب والهنود والأفارقة كثيراً، ولم ينقذ حياته إلا لجوؤه إلى حرس من الأتراك حيث نطق الشهادتين لتثبيت إسلامه بعد أن وصلت رشقات الحجارة إلى كل جسمه وقد لزم كين المنزل لمدة ثلاثة أسابيع خوفاً من تصاعد تلك الحادثة، حينذاك سيجد صعوبة في تقديم عذر مقنع لدخوله مكة.

المدينة المنورة كانت المدينة الوحيدة التي امتدحها «كين» (ربما لأن أحداً لم يكشفه فيها) فوصف بشاعرية فائقة ماءها ونخيلها ومنازلها، مع أنه، تبعاً لحالته المرضية، لم يزر المسجد النبوي ومعالم المدينة إلا قبل العودة مباشرة إلى مكة المكرمة، ولم ينس كين أن يتحدث عن اللص الظريف الذي كان يستغل نومهم أو خروجهم للزيارة، فيتسلل ليسرق بعض التمر والنقود، ورغم أنه انتبه له عدة مرات وهو بين اليقظة والمنام، إلا أنه لم يشعره أنه رآه، وهذا اللص الخبير بأماكن التمر والنقود هو صاحب المنزل، وهو لا يختلف عن بعض قواد جمالهم الذين لا يتركون ساعة غفلة دون أن يسطوا هم أو بمساعدة لصوص الطريق على الزاد والرجال والنساء والجمال والحمير والأحصنة!

وقد وصف «كين» الحياة في مكة والطريق من مكة إلى المدينة وما فيه من أهوال ووفيات وسطو وطقس متذبذب وقلة في الماء والزاد، وزاد عليها إصابته بعارض صحي عندما تلقى ضربة عنيفة من الجمل كاد بسببها أن يلقى حتفه ليدفن في الصحراء القاسية، وليكون مصيره كمصير العديد من أفراد قافلته وجمالهم وأحصنتهم وحميرهم، لكن الواقعة الغريبة في رحلته الفضولية إلى مكة، هي سماعه وهو يجلس في صالون حلاقة، عن وجود سيدة إنجليزية، تعيش وحيدة في مكة منذ سنوات، في حريم أحد المنازل، وتعمل في خياطة الملابس لتعيل نفسها، وتذهب يومياً لصلاة الظهر في المسجد الحرام، مرتدية الملابس الساترة للوجه والعينين.

كان اسم السيدة «ماكينتوش» قبل أن تغيره إلى «زهرة». لقاء كين الأول بهذه السيدة الإنجليزية الريفية كان مؤلماً، التقى بها عدة مرات، وفي المرة الثالثة كشفت له عن وجهها، كانت في الأربعين وصار لها عشرون سنة في مكة، أسرت عند حصار مدينة «لكهنو» بالهند «وزوجت مكرهة من أحد قادة المتمردين، لجأ هذا الرجل إلى مكة لأن رأسه مطلوب من الحكومة الإنجليزية، وقد توفي في مكة، لتعيش هي في خدمة أحد البيوت وفي تطريز الطواقي!» مع أنها ابنة طبيب، قضت جزءاً من شبابها في «ديفو نشاير» بجنوب غرب بريطانيا. بدت له المرأة «مستضعفة ومضطهدة». حالما عاد «كين» من رحلة الحج قدم بلاغاً للسلطات البريطانية عن السيدة زهرة، وقد سعت القنصلية البريطانية للقائها بواسطة زوجة القنصل، إلا أن هذه الجهود توقفت بعد مغادرة زهرة إلى الهند، ولقاء مسؤولي مكتب الخارجية بها هناك، حيث رفضت العرض المقدم لها، بالعودة إلى بريطانيا، قائلة أنها تعيش في سلام، ولا ترغب في العودة إلى بريطانيا! بعض الرحالة كان يطلق على السيدة زهرة اسم «فينوس» وبعضهم يصفها بالبيجوم فينوس. من يقرأ سيرة هذه السيدة سوف يجد كماً من الغموض والازدواجية، لكن السؤال، ما هو السر في تفضيل بنت الذوات العيش في بيئة قاسية، وفي شظف من العيش، وفي وحدة بعد العروض التي انهالت عليها من حكومة التاج البريطاني.. إنه الإيمان!.
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس