عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 02-01-2012, 02:16 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي المطر قد يكون بفضلٍ من الله – تعالى – رحمـــــة.

المطر قد يكون بفضلٍ من الله – تعالى – رحمة، و قد يكون عذاباً وخوفاً ونقمةً - نسال الله العافية – فمن رحمته بعباده :

1. تحقيقٌ لعقيدة التوحيد، وكفر من يقول مُطرنا بنَوْء كذا وكذا:
فعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم ؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب) [1].

فعن أنس - رضي الله عنه - قال أصابنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطر قال: فحسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا : يا رسول الله ! لم صنعت هذا ؟ قال: (لأنه حديث عهد بربه) [3].
وعنه - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أمطرت السماء حَسَرَ عن منكبيه حتى يصيبه المطر، ويقول: (إنه حديث عهد بربه) [4].

وهذا يدل على أن الله - تبارك وتعالى - في السماء، بائنٌ مِن خلقه، مُسْتَوٍ على عرشه، استواءً يليق بجلاله؛ بلا كيف؛ الله الذي بيده الخلق والأمر؛ وأن المطر من عنده - جلَّ في علاه - وأن ليس للكواكب والأنواء فيه مِن شيء؛ وأنها كلها مخلوقة مربوبة لله - تبارك وتعالى-.

قال فضيلة الشيخ علي الحلبي – حفظه الله تعالى -: [والنوء: جمع أنواء، وهي منازل القمر، فمن اعتقد أنه مُطر بنجم كذا أو بنوء كذا، فهذا شرك وكفر، وهذا ما كان يعتقده أهل الجاهلية، وهو الشرك الذي بعث الله الرسل بالنهي عنه ومحاربتِه.

إن ما قلناه عن النوء يلزم منه بيان حكم ما يكثر الكلام حولَه مما يُسمى بالأرصاد الجوية أو تنبؤات الطقس، وحكم الشرع فيه.

فهذه التتبؤات دراسات علمية متطورة تقوم في مجملها على التقاط صور الغيوم وسمكها، مع معرفة حركة الرياح واتجاهاتها، وسرعتها، ثم على ضوء ذلك تَوقُّعُ الحالةِ الجويةِ المستقبيلة لمدة يوم أو أكثر من حيث درجات الحرارة، وكميات الأمطار ونحوُ ذلك.

وتشير الدراسلت العلمية الحديثة إلى احتمالية صدق التنبؤات الجوية لمدة يومين قد تصل إلى 90%، وإذا كانت المدة من خمسة أيام إلى سبعة تهبط إلى نحو 60 %؛ فكما سمعنا أن ما سبق كله قائم على مقدمات تتبعها نتائج، مبنية على توقعات واحتمالات، وهذا كلَّه من الناحية الشرعية جائز ومشروع، ولكن ننبه على أمرين :

الأول: وجوب ربط هذا التوقع بالمشيئة الإلهية، لأن حالاتٍ كثيرةً وقعت في كثير من البلاد جرى فيها خلاف المُتوقَّع، وعكس ما ذكرته الأرصاد الجوية فحصل ما لا تُحمد عقباه.

الثاني: هذه التوقعات ليست من علم الغيب في شيء، إنما هي توقعات مبنية على مقدمات تتبعها نتائج، فلا يجوز إصدارها بصور القطع، ولا يجوز تلقيها بصورة الجزم، وإنما هي نافعة للحيطة والحذر]. ا. هـ. [2].

وللأسف فإنَّ هناك من يطلق النكت على الأحوال الجوية؛ وعلى خبرائها؛ وما فيها من مخالفة لأقوالهم؛ يظنّ أنه لا بأس بذلك؛ وأنه من باب التسلية والمزاح؛ وما علموا أن الأمر خطير جدُّ خطير؛ وذلك نظرًا لما يلي:

1.
أن السخرية والاستهزاء بالأحوال الجوية أمره عظيم وخطره جسيم، وهو في حقيقته سخرية بالله تبارك وتعالى وبآياته الكونية التي لا يملكها إلا هو سبحانه؛ سواءً كانت تقلبات فصولٍ أو مطر ورياح وسحاب وشمس وقمر؛ أو ليل ونهار وغيرها؛ فهي لا تملك لنفسها بنفسها تصرُّفًا ولا تحوُّلًا ولا تستطيع لنفسها ولا لغيرها نفعًا ولا ضرَّا إلا بمشيئة خالقها ومدبِّرها؛ وتجري بأمرٍ من الله تعالى وبقضائه وقدره حتى صارت إلينا؛ لا بأمر علماء الفلك؛ وخبراء الأحوال الجوبة حتى يستهزأ بهم ويُتَهَكَّم عليهم. قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ۞ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ۞ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة القصص: 71 - 73]. سَرْمَدًا: دائِمًا أبدًا.
وفي ذلك كله رحمة من الله سبحانه وتعالى بعباده؛ وحجة منه عليهم؛ ليعلموا أن العبادة لا تصلح إلا لله - جلّ شأنه - مدبِّر الأمر الذي أنعم عليهم بهذه النعم دون غيره؛ وليخلصوا له الحمد والشكر على عموم نعمه عليهم؛ ويفردوه بالعبادة وحده لا شريك له؛ لأنه لم يُشْرِكْهُ في إنعامه عليهم بهذه النعم أحد.

2. أن السخرية والاستهزاء في حقيقته باب من أبواب الإلحاد؛ والاستهزاء بمدبر هذه الآيات الكونية ومسخِّرها، فكل آية من آياته في هذا الكون ما هي إلا مربوبة ومسخرة لله - تبارك وتعالى -؛ لا حول ولا قوة لها إلا بإذن ربِّها وخالقها ومدبرها الله -جل في علاه - يوجِّهها ويسيِّرها كيف يشاء، وهو سبحانه قادرٌ على استمراريتها أو إيقاف حركتها متى شاء؛ بل هو قادر على إخراجها عن طبيعة حركتها المألوفة بإذنه، كما قال تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [سورة الأنعام : 158].
ألا ترى من آيات الله أن الناس ألفوا طلوع الشمس من مشرقها، فإذا جاء وعد الآخرة؛ فإن من علاماتها الكبرى أن تتغير هذه الطبيعة فلا تخرج من مشرقها كالعادة؛ لتطلع من مغربها بإذن ربها -سبحانه وتعالى وحينها لا تنفع توبة.
فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يَوْما: (أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هذِهِ الشَّمْسُ؟) قَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (إِنَّ هذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَىٰ مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً. فَلاَ تَزَالُ كَذٰلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا: ارْتَفِعِي، ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ. فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلعِهَا، ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً. وَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا: ارْتَفِعِي، ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَرْجِعُ. فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا. ثُمَّ تَجْرِي لاَ يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ، تَحْتَ الْعَرْشِ. فَيُقَالُ لَهَا: ارْتَفِعِي، أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ. فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا). فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ؟ ذَلِكَ حِينَ ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا.(5)
وفي رواية: قال أبو ذَرَ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا؛[6] قَالَ: (مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ).[7]


يُتبع - إن شاء الله تعالى-.
__________
[1] (متفق عليه).
[2] انظر: [كتاب أحكام الشتاء ص ( 8 - 12)].
[3] رواه مسلم. وانظر: [مشكاة المصابيح جـ 1 رقم 1501].
[4] أخرجه مسلم. وانظر: [مختصر العلو. ص (93)].
[5] [أخرجه مسلم، حديث (159)]، و [أخرجه البخاري في «كتاب بدء الخلق» باب صفة الشمس والقمر. حديث (3199)].
[6] [سورة يس: 38].
[7][أخرجه البخاري (4803)] و [مسلم (159)].
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس