عرض مشاركة واحدة
  #150  
قديم 12-25-2020, 04:57 PM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي


📚
مكتباتهم في جيوبهم

الجمعة 14 شعبان 1440هـ - 19 ابريل 2019م

حسين علي

عاجلاً أو آجلاً، سوف يأتي علينا اليوم، الذي نتخلص فيه من أكوام الورق، المعروضة في المكتبات العامة، وفي دور العلم والدواوين، وربما لن نجد الورق إلا في المحلات باعتباره صديقاً للبيئة وأضمن صحياً من أكياس البلاستيك!

لقد أصبت بالربكة قبل سنوات، عندما كنت أزور موظفاً في شركة لتوزيع المطبوعات لأطلب منه نسخة أحتاجها من إحدى المطبوعات، فقال لي الرجل بدم بارد: إنه - وهو المسوق للمطبوعات الورقية - تخلى عنها منذ سنوات، وأصبح يطلع على مطبوعاته كلها من جهاز الجوال! وكان متحمساً ليشرح لي الطريقة المثلى للبحث والتنقيب عما يعن لي من أخبار المال والأعمال والسياسة والاقتصاد والأدب والثقافة، ولا حاجة لك بوجود هذا الجهاز لطلب مجلة أو كتاب!

لا أدري لماذا أحسست في تلك اللحظة، بحقد على ذلك الرجل، الذي في لحظة واحدة، أزال هيبة الورق الذي أعشقه وأقلبه بين يدي ذات اليمين وذات الشمال لساعات في كل يوم. ليأتي هذا الرجل ويطلب مني إزاحته عن مكانه لصالح قطعة بلاستيك مشبوهة!

خرجت من عند الرجل مبلبل الخاطر، وجلست عدة أيام أتفكر في أمر أوعية المعرفة. هل الأفضل أن تكون ورقية أم بلاستيكية؟ دون أن أتوصل إلى نتيجة، فقد كنت في قرارة نفسي من عشاق الورق، قراءة وكتابة ومعاملات، وكنت إمعاناً في هذا الارتباط الورقي أعمد إلى تصوير نسخة إضافية من كل ورقة، حتى أضمن عند ضياع واحدة أن تكون لدي نسخة بديلة، وكنت أحرص على أخذ نسخة من كل معاملة من معاملاتي، حتى فواتير الماء والكهرباء كنت أحتفظ بها، ولا أتخلص منها إلا بعد مرور عام على تسديدها، ومثلها شهادات الأبناء العلمية ومعاملاتهم الصحية كانت لها ملفات خاصة، فكيف بالله، بعد ذلك العناء، أقبل أن تكون أموري كافة مصورة ومرتبة في قطعة بلاستيك؟! أما أرتال الكتب التي يزيد عددها على الثلاثين ألف كتاب ومجلة، فكيف يكون وضعي، عندما أعمد في لحظة طيش، إلى التخلص منها، لصالح تلك القطعة البلاستيكية، التي لا تكل ولا تمل ولا تتعب من العمل طوال اليوم، طائفة بطلابها أرجاء المعمورة كافة، لتأمين المعلومات كافة؟ حتى الأقلام بأشكالها وألوانها ودرجات أثمانها، سوف يتعين عليك التخلص منها، ولن تشعر بعد الآن، بتلك الحميمية، وأنت تجعل القلم يجري، وكأنه حصان في مضمار سباق على الورق؛ تلك متعة سيأتي عليك وقت تتخلى عنها طوعاً أو كرهاً لصالح شاشة بلاستيكية، تقدم لك أيضاً، وبكرم حاتمي، الخدمات كافة وأنت تكتب عليها، فهي تصحح الأخطاء، وترتب الأسطر، وتحذف وتضيف وتخزن وترسل. خدمات شاملة. وما كنت تنجزه على الورق في ساعات، سوف تنجزه أمام اللوح البلاستيكي في دقائق!

لكن السؤال الذي يبقى بعد كل هذه النقلات العجائبية، سوف يكون عن مآل مكتبات ورقية عامة، بعضها أنشئت على مساحة كيلومترات وتحتوي أطناناً من الورق، ورق الكتب والمجلات والإعلانات والمعاملات. ما مصير هذه المكتبات؟ أي جهاز بلاستيكي جبار، سوف تستقر في بطنه، ليفرز منها دون كلل أو ملل، خدمات عامة، وعبر أرجاء المعمورة كافة؟
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس