عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04-17-2021, 12:50 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس الرَّابع





وقد أخبرَ اللهُ -سُبحانهُ وتَعالى-في كتابِهِ العزيزِ- أنَّهُ كَتَبَ علينا الصِّيامَ كما كَتَبَه على مَن قَبْلَنا.
بِنصِّ القرآن الكريم -كما سيأتي-؛ لكن: أحببتُ أن أقف هنا نُقطة؛ وهي أنَّه -في حُدود ما أعلم-: لم يَثبُت عندنا دليلٌ كيف كان مَن قبلَنا يصومون؛ إلا في حديثٍ واحدٍ: يقول النَّبي ﷺ: «فصْلٌ بين صِيامِنا وصِيام أهلِ الكتاب: أكلةُ السَّحر»؛ يعني: السَّحور.
وهذا فيه بيانٌ لأهميَّة السَّحور، وأنَّ مَن يتهاونُ به؛ فقد أضاع على نفسِه خيرًا كثيرًا.

وأَوضَحَ -سُبحانه وتَعالى- أنَّ المفروضَ علينا هو صِيامُ شَهرِ رَمضانَ، وأخبر نبيُّنا ﷺ أنَّ صِيامَه هو أحدُ أركانِ الإسلامِ الْخَمسة، قال الله -تَعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾.
إمَّا أن يكون الشَّهر تِسعةً وعشرين، وإمَّا أن يكونَ الشَّهر ثلاثين -لا أقل من هذا، ولا أكثر من ذاك-.
إلى أنْ قال- عزَّ وجلَّ-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
نسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم؛ أن يوزِعَنا شُكرَ نِعَمه، وأن يُعينَنا على أداءِ أحكامِه وما أمرنا به، وما أمرنا به رسولُه -عليه الصَّلاة والسَّلام-.

وفي «الصَّحيحين»: عن ابنِ عُمَرَ- رضيَ الله-تعالى-عنهما- قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «بُنِيَ الإسْلامُ على خَمسٍ: شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، وإِقامِ الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وصَومِ رَمضانَ، وحَجِّ الْبَيتِ».
هذا الحديث الذي يتكلَّم عن مَباني الإسلام، ومَباني الإسلام: هي أهمُّ ما فيه مِن واجبات وفرائض.
أيُّها المسلمون! إنَّ الصَّومَ عملٌ صالحٌ عَظيم، وثوابُهُ جَزيل، ولا سيَّما صَوم رَمضان؛ فإن الصَّومَ الذي فَرَضَهُ اللهُ -تَعالى- على عبادِه وجَعَلَه مِن أسبابِ الفوزِ لدَيْه، وقد ثبت في الحديث الصَّحيح.
وهذا الحديث -كما سيأتي- مَرويٌّ في «الصَّحيحَين».
أن النَّبي ﷺ قال: «يَقُولُ اللهُ -تَعالى-: كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثالِها إِلى سَبْعِمِئةِ ضِعْفٍ؛ إلا الصِّيامَ؛ فَإِنَّهُ لِي وَأَنا أَجْزي بِه، إنَّه تَرَكَ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتانِ: فَرْحَةٌ عِندَ فِطْرِهِ، وفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ الْمِسْكِ».
هنا كلمة قالها ابنُ حبان في «صحيحه»، يقول: «شِعارُ المؤمنين في القيامة بِصَومِهم، طِيبُ خُلوفِهم أطيبُ من ريح المسك؛ لِيُعرَفوا بين ذلك الْجَمع بذلك الْعَمل، نسأل الله بركةَ ذلك اليوم».
هذا ما يقولُه الإمامُ ابنُ حِبَّان، ونحن نؤمِّن على دُعائه، ونسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يكونَ لنا نصيبٌ من بركةِ ذلك اليوم.

وفي «الصَّحيح» عن النَّبي ﷺ أنَّه قال: «إذا دَخَلَ رَمضانُ فُتحَتْ أَبْوابُ الْجَنَّة، وَغُلِّقَتْ أَبْوابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ».
و«الصَّحيح» المقصود به -هنا-: البخاريّ ومسلم، والحديث من حديث أبي هُريرة -رضيَ اللهُ عنه-.
والمقصود بـ«الشَّياطِين» -أيُّها الإخوة-: مَرَدَة الجن؛ أي: كِبارُهم -كما في روايةٍ ستأتي-.

وأخرج التِّرمذي، وابن ماجه.
وغيرُهما.

عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قال: « إذا كانَ أوَّلُ لَيْلَةٍ مِن رَمضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وغُلقِّتْ أبوابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْها بَابٌ، وفُتحَتْ أَبْوابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْها بَابٌ، ويُنادي مُنادٍ: يا باغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيا باغَيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَللهِ عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ».
هذا الحديث -أيُّها الإخوة-؛ يقول: «وَللهِ عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»؛ بينما -هنالك- حديثٌ آخر مشهورٌ بين الْوُعَّاظ والعامَّة والدَّهماء: أنَّ «رَمَضان أوَّلُه رحمةٌ، وأوسطه مغفرةٌ، وآخِرُه عِتقٌ من النَّارِ».
وهذا الحديث لا يَصح؛ بل هو مُخالِف لهذا الحديث الصَّحيح.
الحديثُ الضَّعيف يقول: «وآخِرُه عِتقٌ من النَّارِ»، والحديث الصَّحيح يقول: «وَللهِ عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ».
كلمة «عُتَقاءُ مِنَ النَّارِ» إنَّما هي مِن حيثُ عِلمُ الله -عزَّ وجلَّ-؛ وإلا: لا يَعلمُ أحدٌ -في نفسِه- أن اللهَ كَتبه في النَّار حتى يقول: (اللهمَّ! أعتِقني من النَّار)، وقد ورد أثرٌ عن بعضِ السَّلف في النَّهي عن هذه الكلمة.
لكن: وَرد عن عُلماء آخَرين وأئمَّة آخرين من أئمَّة السَّلف أنَّه قال: (اللهمَّ! إن كنتَ كتبتَني شقيًّا؛ فاكتُبني من أهل الجنَّة أو من السُّعداء) -أو بهذا الكلام-، هذا ورد عن بعض السَّلف.
أمَّا موضوع (أعتِقني من النَّار)؛ كأنَّك تَعلم -من نفسِك- أنَّك أَسِيرُ جهنَّم ثم تُريد أن تُعتَق مِن هذا الأسر.
نحن نُحسِّن الظنَّ بالله -عزَّ وجلَّ-، والنَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم- قال: «إذا سألتمُ اللهَ؛ فاسألوه الفردوس الأعلى من الجنَّة».



انتهى المجلس الرَّابع
رد مع اقتباس