عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-25-2013, 11:00 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي



مقومات
نجاح الأئمة والخطباء


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}( )

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}( )

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}( )

أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد() ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.

يقول الحق – سبحانه وتعالى - :{ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }( ).

قال ابن جرير الطبري – رحمه الله - :"يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - :{قل} يا محمد، هذه الدعوة التي أدعو إليها ، والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته {سبيلي}، وطريقتي ودعوتي، {أدعو إلى الله} وحده لا شريك له {على بصيرة}، بذلك، ويقينِ عليمٍ منّي به {أنا و}، يدعو إليه على بصيرة - أيضًا – {من اتبعني} وصدقني وآمن بي {وسبحان الله}، يقول له - تعالى ذكره -: وقل، تنزيهًا لله ، وتعظيمًا له من أن يكون له شريك في ملكه، أو معبود سواه في سلطانه:{وما أنا من المشركين}، يقول: وأنا بريءٌ من أهل الشرك به ، لست منهم ولا هم منّي".( )

ولا ريب أن الأئمة والخطباء هم من خواص اتباع النبي – صلى الله عليه وسلم - ، والواجب عليهم أن يتأسوا به ، فإن أعظم أصل في نجاح الدعاة ما تؤسس عليه الدعوة الربانية ، وهو متابعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في دعوته .

ومنطلقاتها الكبار ما بُيِّن في الآية وهي :

أولاً / يجب أن تكون الدعوة الربانية مبنية على الإخلاص لقوله:{أدعو إلى الله}، فهو – سبحانه – المقصود من عمل الداعية، أي: قصد بدعوته أن يتقرب إلى الله ، لذلك ذكر الإمام المجدد في كتاب التوحيد - باب الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله – أن من المسائل المستفادة من هذه الآية : المسألة الثانية : "التنبيه على الإخلاص ، لأن كثيرا من الناس لو دعا إلى الحق ، فهو يدعو إلى نفسه". انتهى . فالواجب على الداعية أول ما يؤسس دعوته على الإخلاص لله – سبحانه وتعالى - .

ثانياً / وكذلك في قوله – تعالى -:{أدعو إلى الله}، بيان الغاية من الدعوة النبوية ،{إلى الله}، أي: إلى توحيده، بإفراده بما يجب له، فلا إله غيره ولا رب سواه.

وهذه الحقوق الواجبة لله وحده هي أصل سعادة العبد ونجاته ولا سبيل للعقل أن يدركها على التفصيل إلا عن طريق الرسالة النبوية . فضرورة العبد في المعاش والمعاد، للسعادة والنجاة، متوقفة على بلوغ الرسالة إليه لضرورة توقف حياة قلبه ونجاته، على الإيمان والتقوى .

لذلك يتعين نشر الدعوة النبوية على فئة من المسلمين - ومن بينهم الأئمة والخطباء – لحاجة العباد إليها - ضرورة -، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " فالنفوس أحوج إلى معرفة ما جاء به وإتباعه منها للطعام والشراب، فإن هذا إذا فات حصل الموت في الدنيا، وذاك إذا فات حصل العذاب " . . . إلى أ ن قال : " فلهذا كان تبليغ الدين من أعظم فرائض الإسلام، وكان معرفة ما أمر الله به رسوله واجبا على جميع الأنام."(مجموعة الفتاوى:1/5).

ثالثاً / أن الوسيلة الصحيحة الموصلة إلى غايتها هي : ( البصيرة ) ، وهي كمال العلم ، لقوله – تعالى - : { على بصيرة } .

وتشمل ( البصيرة ) في الدعوة : العلم بالحق مقترناً بدليله ، ومعرفة حال المخاطب به ، ومعرفة طرق إيصاله إلى المدعوين من جهة الوقت ، وأسلوب الخطاب ونحوها .

وحقيقة البصيرة : هي العلم بكل ما يتوقف عليه نشر الرسالة النبوية كما بلغها النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى العالمين .

ومن هذه الحقيقة الجليلة كان منطلقنا في كتابة هذا البحث بعنوان : " مقومات نجاح الأئمة والخطباء " . مبتغين منه بيان العوامل المفضية بالأئمة والخطباء إلى بلوغ المقصود من وظائفهم الشرعية المناطة بهم .

وهي ثلاثة أنواع من المقومات :

1) مقومات الإعداد
. وتشمل : الإعداد الحسي ، والإعداد المعنوي .

2) مقومات الأداء . وتشمل : مقاصد الخطاب ، وأساليب الخطاب .

3) مقومات الاقتداء . وتشمل : آداب القدوة في نفسه ، وآدابه في عشرته .

وسيأتي – بإذن الله – تعالى – تفصيل ذلك في ثنايا هذا البحث .

رابعاً / يظهر من خلال بيان المقصود من الدعوة النبوية ومعرفة الغاية منها والوسيلة الموصلة إلى ذلك أنها تخالف الشرك لمخالفة الداعي إلى الله للمشركين – غايةً وقصداً ووسيلةً - لأنه قال:{وسبحان الله وما أنا من المشركين} .

ومن هذه المنطلقات تبدأ قوافل الدعاة ، ومنهم : الأئمة والخطباء تجوب الآفاق مبددة ظلمات الجهل والأهواء بأنوار مشكاة الرسالة سالكين درب الأنبياء .

ويا ويح من تخلف عن ركب الدعاة أسيراً لشهوة ، أو مفتوناً بهوى .

وفاز بالوصل من قد جد وانقشعت *** عن أفقه ظلمات الليل والسحب
كم ذا التخلف والدنيا قد ارتحلت *** ورسل ربك قد وافتك في الطلب


( يتبع . . . ) - إن شاء الله - .


رد مع اقتباس