عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-06-2011, 01:46 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي [ تفريغ ] نار المحشر - علي بن حسن الحلبي

بسم الله الرحمن الرحيم

نـَارُ المَحشَـرِ

محاضرة
لفَضيلةِ الشَّيخِ عليِّ بنِ حسَنٍ الحلبيِّ
-حَفظهُ اللهُ-


[ضمن سلسلة أشراط السَّاعة الكُبرى-لمشايخ الشام(1)، بتاريخ: 7 جمادى الأولى 1427هـ]
إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بعدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم-، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُها، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أمَّا بعدُ:
يقولُ بعضُ الذين نظموا عقيدةَ أهلِ السُّنَّة نظمًا(2)، قال:
وَكُلُّ مَا صَحَّ مِنَ الأَخْبَارِ ... أَوْ جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ وَالآثَـارِ
مِنْ فِتْنَةِ الْبَـرْزَخِ وَالقُبُـورِ ... وَمَـا أَتَى فِيهَا مِـنَ الأُمُـورِ
وَأَنَّ أَرْوَاحَ الوَرَى لَمْ تُعْدَمِ ... مَعْ كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً فَاسْتَفْهِمِ
إلى أن قال:
طُلوعُ شَمْسِ الأُفْقِ مِنْ دَبُورِ ... كَذَاتِ أَجْيَادٍ عَلَى المَشْهُورِ
وَآخِـرُ الآيَاتِ حَشْـرُ النَّـارِ ... كَمَا أَتَى فِي مُحْكَمِ الأَخْبَـارِ
فَكُلُّهَـا صَحَّتْ بِهَا الأَخْبَـارُ ... وَسَطَّرَتْ آثَارَهَا الأَخْيَـارُ
نارُ المحشرِ مِن علامات السَّاعة الكُبرى، بل هي -على الرَّاجح-كما سيأتي- آخرُ الآيات.
وهذه الآياتُ التي جعلها اللهُ -عزَّ وجلَّ- على أنحاءٍ شتَّى، بعضُها تثبيتٌ، وبعضُها ابتلاءٌ؛ لكنَّ مُجملَها كما هو نصُّ القرآن الكريمِ: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} يُخَوِّف اللهُ بها عبادَه؛ حتى يتَّقوهُ حقَّ التَّقوى، وحتى يَعلَموا أنَّ ما هم عليهِ في هذه الدُّنيا، في عُنفوان قُوَّتهم، وفي طُغيان أنفسِهم؛ لا يجوزُ أن يُقالَ فيه لهم إلا قولُ اللهِ -عزَّ وجلَّ-: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}.
وقبل أن نبدأَ بالبيانِ: نذكُر أنَّ هذه النَّارَ -التي قد صحَّت بها أحاديثُ عدَّةٌ- قد أوَّلها بعضُ المنتسِبين إلى العِلم، وحرَّفها عن مقصودِها الشَّرعي، وعن لفظِها الدِّيني، فقال: (هذه نارُ الفتن)!؛ ويقصدُ بذلك: ما قد يَجري على بعضِ الألسِنة -في بعضِ الأحايين- مِن قولِ القائلِ -مثلًا-: (أنا في قلبي نارُ الشَّوقِ لأخي!) -مثلًا-؛ فيقول: (هذه كهذه)!!
مِن الممكن أن [يأتي] استعمالُ العرب للنَّار على هذا المعنى؛ لكنْ في غير سِياق هذه الأحاديث، التي جاءت بذِكر تفصيلاتٍ لا يمكنُ معها إلا أن تكونَ على الحقيقةِ، ولا يمكنُ معها إلا أن تكونَ واقعًا، وإن كانت لم تقع؛ لكنها ستقعُ -على اليقين-؛ لأنها خبرُ النَّبي الأمين -صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين-.
واللهُ تبارك وتعالى عندما جعل هذه العلاماتِ الكُبرى تخويفًا وتثبيتًا وتربيةً؛ كأنَّها جميعًا؛ بل إنَّها جميعًا توطئةٌ للسَّاعة وما فيها مِن أهوالٍ وما فيها مِن أمورٍ عظام؛ كما قال اللهُ -تباركَ وتَعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}.
هُنا فائدة لُغويَّة -مِن بابِ الاستطرادِ-: قولُه: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ} لا يُقال: رجل مُرضِع، وامرأةٌ مُرضِعة؛ يقال: امرأةٌ مُرضِع؛ لأنَّ الرَّجل لا يُرضِع، لا يُقال: امرأةٌ حامِلةٌ، ورجلٌ حامِلٌ؛ يُقال: امرأة حامِل؛ لأنَّ الرَّجلَ لا يَحمل.
فلماذا جاء -ها هُنا-: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ}؟ هُنا (المُرضِعة): أي أنَّها -في هذا الوقت، وفي هذا الظَّرف- وليدُها مُلتقم ثديَها يرضع؛ فها هُنا تكونُ مرضِعةً، أمَّا إذا لم تكن مُرضعةً وليدَها، ووليدُها مُلتقِم ثديها؛ فلا يُقال: (مرضِعة)؛ وإنَّما يقال: مُرضِع.
فتخيَّلوا في لحظةِ الحنان، ولحظة الشَّفقة، في لحظةِ البِرِّ والعاطفة؛ تذهلُ المرضِعة عن رضيعها -الذي بين يديها-؛ لهَول ما ترَى، ولهَول ما تسمعُ، ولِهَول ما تُعاين وتعايش!
هكذا تأتي أ شراطُ السَّاعة؛ توطئةً لهذا الموقفِ، لهذا الذُّهول، لهذا الأمرِ العظيم الإدِّ الذي لا يَثبُت فيه إلا مَن ثبَّته اللهُ -تباركَ وتَعالى-.


يتبع إن شاء الله

__________________
(1) من هنـا لسماع السِّلسلةِ كاملةً.
(2) وهو العلامة محمَّد بن أحمد السَّفارينيُّ، في منظومته (الدُّرة المُضيَّة في عقد أهل الفِرقة المَرضيَّة). من هنـا لسماعِها.
رد مع اقتباس