عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-29-2021, 02:07 PM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,070
افتراضي

.
- تعليقُ التمائمِ، أو الكفِّ أو الخرزِ والوَدَعِ، أو الخيط أو القفل والمفتاح، أو أَيِّ شيءٍ بقصدِ دفعِ الضرِّ أو العين والحسد، أو لجَلبِ الحظِّ أَو الأحلامِ السعيدة. قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ عَلَّق تَميمةً فقد أَشرك) وفي رواية: (مَن تَعلّقَ تَميمةً فلا أَتمَّ اللهُ له، ومَن تَعلق وَدَعةً فلا وَدَع اللهُ له) رواهما أحمد بإسناد حسن.
وسببُ كونِها من الشرك لأَنه إثباتُ سببٍ لم يجعلْهُ اللهُ سببا، وإِثباتُ الأَسبابِ المؤثرةِ وكونِ الشيءِ سببًا لا يَجوزُ إلا من جهةِ الشرع، أَو أنْ يكونَ سببا قد ثبت بالتجربةِ الواقعةِ أنه يؤثرُ أثرا ظاهرا لا خَفيا.
ثم إنها سببٌ لتعلقِ القلبِ بغير الله، فقد يوافقُ قدرا بأَنْ يحصلَ الشفاءُ عندها، فيتعتقد أنها سبب، فيتعلق قلبه بها، وقد يتعلق قلبُه بها دون ذلك.
أما التمائمُ التي يُكتبُ عليها آياتٌ من القرآن فأَجازها البعضُ، لكن الأَكثرَ على منعِها؛ سَدًّا للذريعة؛ ولأَنَّ الناسَ في الغالبِ يلتفتون إِلى الظاهر أَكثرَ، فيَرَوْنَ أَنها مجردُ تَميمةٍ لا آياتٍ قرآنية، فيُفتح الباب بذلك لتعليقِ أَيِّ تَميمةٍ؛ ولأنه لم يردْ فيه دليلٌ، إنما التعوُّذُ والاستشفاءُ بالقرآن يكون بقراءته والنفثِ على الجسد، أو القراءةِ مع المسح باليد، فالقرآن يُنتفعُ بقراءته لا بمجردِ التعليق.
ومثلُ التمائم لُبسُ الحلقةِ النحاسية أو المُمَغنطةِ بدعوى أنها تزيلُ آلامَ المفاصل عن طريق امتصاصِ الكهرباء الزائدةِ من الجسم، ولم يثبتْ طِبيا أَنّ لها هذه الخاصيةَ. فتكونُ هذه الدعوى من أبوابِ الشرك كذلك؛ لأَنه إثباتُ سببٍ لم يجعلْهُ اللهُ سبباً شرعيا ولا قَدَريًا، ومَن فعل ذلك فقد طرقَ بابا من الغيبِ ليس له إِليه سبيل.
وفي حديثٍ فيه ضعفٌ أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يدِه حلقةٌ من نحاس فقال: ما هذه؟ قال من الواهنة. قال: انزِعْها فما تزيدُك إلا وهنا.

- الرُّقيةُ بما لا يُعلمُ معناه. والرقيةُ هي التعويذُ بكلامٍ على المُصاب. وشروطُ الرقيةِ الجائزةِ من غير القرآنِ والسُّنة: أَن تكونَ بكلامٍ عربيٍّ، أو ما يُفهمُ معناه، وأَلا يكونَ فيها شركٌ، وأَلا تكونَ على اسمِ غيرِ الله، وأن لا يعتقدَ أنها تنفعُ بذاتها.
قال صلى الله عليه وسلم: (اعْرضوا عليَّ رُقاكُم؛ لا بأْسَ بالرُّقى ما لم يكُن فيه شِركٌ) رواه مسلم. والكلامُ الذي لا يُفهم معناه لا يُؤمنُ أَن يكونَ فيه شركٌ. وفيما ورد من الرقيةِ الشرعية غُنْيةٌ.


- نِسبةُ الفضل في حدوث النِّعَمِ لغير الله تعالى، أو نسبةُ حدوثِ الفعلِ لغير الخالق. جاء في الحديث أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال على إِثر نزول مطر: (أَتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أَصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ؛ فأَما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوءِ كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمن بالكوكب) رواه البخاري.
واليوم الناس، وبسببِ سَطوةِ الإعلام، صاروا يُعلقون قلوبَهم في نزولِ المطر على المنخفض الجوي، وإن كان هو من جملة الأسباب، ويُستبشر به بإحسانِ الظنِّ بالله بأن يغيثَنا به، كما قال تعالى: {وَهُو الذي أَرسلَ الرياحَ بُشرًا بين يَدَي رحمتِه وأَنزلنا من السماءِ ماءً طَهُورا}، لكن الناس يَغفلون عن نِسبةِ الفضل إلى خالق الأسبابِ ومُقَدّرِ آثارِها بعلمِه ومُجريها بمشيئتِه، فكأنهم بلسان الحال يطلبون نزولَ المطر وينتظرون الإِغاثةَ منه، وهذا فيه شَبهٌ بأحوالِ الجاهليةِ في الاستقساءِ بالنجوم، من جهةِ التعلقِ بالسببِ، وإن كانت النجومُ ليست سببا لنزول المطر، لكن هي كانت في اعتقادِهم كذلك.
وكذلك قولُهم: لولا مَهارةُ الطبيب لَما شُفي المريضُ، أو: لولا الكلبُ لأَتى اللصُّ، وما شابه من هذه الأقوال التي تَنسبُ الفضلَ لغير الله. والصوابُ أَن يُقال: لولا تيسير الله لفلان .. وما شابه من الألفاظ.

- التسويةُ في المشيئةِ بين الخالق والمخلوقِ، والمخلوقُ وإن كان له إرادةٌ ومشيئةٌ لكنها لا تَنفُذُ إلا بإذن الله {وَمَا تَشاؤُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ}. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له ما شاء الله وشئت: (أَجعلتني للهِ نِدًّا؟! بل ما شاءَ اللهُ وحدَه) وفي حديث آخر: (لا تقولوا ما شاء الله وما شاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده.) وفي رواية: (ما شاء الله ثم شئت).
ومن الأخطاء في هذا البابِ قولُهم: شاءتِ الأقدارُ، أو: شاءتِ الظروفُ وما شابه من هذه الألفاظ، فهذا لا يجوز؛ لأنّ الظروفَ محلٌّ للحوادث والأَقدار هي ما قدَّره الله، فلا مشيئةَ لهما. وأَقبحُ من ذلك ما يجري من عبارات فيها اعتراضٌ على القدر مثلُ قولِهم عند وقوع ما لا يشتهون: هذا من سُخريةِ الأَقدار. وفي هذه العبارة من السوءِ ما فيها.

- التعلق بالأسباب دون التوكل على الله. والمسلم يأخذ بالأسباب ولا يتركْها لكن يعلق قلبَه بالله وحدَه غيرَ معتمدٍ على السبب، قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الذِي لا يَمُوتُ}، وقال: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فطُلب منهم الأخذُ بالسببِ والتوكلِ على الله وحدَه.
والمتوكلون على الله حق التوكل يدخلون الجنة بغير حساب كما في الحديث المتفق عليه: قال عليه الصلاة والسلام: (يدخلُ الجنةَ مِن أُمتي سبعونَ أَلفا بغير حساب) قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: (هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون). فمن صفاتهم أنهم لا يسترقون، أي لا يطلبون الرقيةَ من غيرهم؛ وهذا لكمال توكلِّهم؛ فإِنّ النفسَ تتعلقُ بالرقيةِ والراقي أكثرَ من تعلقِها بالطب؛ لِما في الرقيةِ من خفاءِ السببِ، وهذه طبيعةٌ بشرية، لذلك كان طلبُ الرقيةِ ينافي كمالَ التوكل، وهو مكروه، وليس حراما. وكذلك الكَيُّ؛ ففيه كراهةٌ كذلك؛ لِما فيه من تعلقِّ القلب؛ لأنه سبب مُؤثرٌ في الغالب الأَعمِّ، فكُرِه لأَجل أَن فيه ما يتعلق الناس به، ولِما فيه من الإيذاء بالنار. أَما التطيرُ فسبق الكلام عليه. فميزَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بهذه الخصال المتوكلين على الله حقَّ التوكل.
والبعضُ يقيسُ على قوله عليه الصلاة والسلام: (قل: ما شاء الله ثم شئت) فيقول: توكلتُ على اللهِ ثم عليك. وهذا خطأٌ؛ لأَنَّ التوكلَ عبادةٌ قلبيةٌ، وهي تَعلُّق القلبِ باللهِ اعتمادا وتسليما وتفويضا والشعور بالافتقار واللجأ إليه سبحانه، فلا يجوزُ صرفُها لغير الله، وقد ذكر الله عن موسى عليه السلام: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ، فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} ولم يقولوا: ثم عليك، مع أن موسى عليه السلام مُؤيدٌ بالمعجزات.
ولكن أنت تُوَكِّلُ إنسانا في أمرٍ، وفرقٌ بين التوكُّل والتوكيل. فأنت تُوكِّلُه بإنجاز أمر فيما يقدرُ عليه، فأنت تُنِيبُه عنك في أمرٍ، وهذه في الحقيقةِ استعانةٌ به فيما يقدر عليه، لكن لا تتوكلْ عليه اعتمادًا وتعلقاً قلبيا؛ لأنه لن يقدرَ على إنجازه إلا بإذن الله، فأنت تجعلُه من جملةِ الأسباب، وتعلقُ قلبَك بالله.
ومن الأخطاءِ في باب التوكل الاعتماد على الثقةِ بالنفسِ والركونِ إليها.
وهذا خطأ؛ لأن الثقةَ خُلاصةُ التوكلِ ولُبُّه كما ذكر ابنُ القيم في "مدارج السالكين". وقد سُئل الشيخ محمد بن إبراهيمَ رحمه الله عن حُكم من يقول: تَجبُ الثقةُ بالنفس؟
فأجاب: لا تَجبُ ولا تجوز الثقةُ بالنفس. في الحديث: (وَلاَ تَكِلْني إلى نَفْسِيْ طرْفَةَ عَيْن) مَنْ يقوله؟! أَخشى أَن هذه غلطةٌ منك؟! لا أَظن أَن انسانًا له عقلٌ يقولُ ذلك، فضلاً عن العلم. انتهى من "فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ".
والمطلوب من المسلم أن يستعينَ بالله ولا يعجز ولا يتكاسل كما في الحديث: (فاستعن بالله ولا تعجز).

- التسويةُ في أَعمالِ القلوب التي يجوز صرفُها لغير الله بين الله تعالى وبين غيرِه، كالمحبةِ والخوفِ والرجاءِ والرغبةِ والتعظيمِ، وهذه الأعمال وإن كان يجوزُ صرفُها لغير الله، لكن ينبغي ألا يكونَ على وجهٍ لا يليق إلا بالله، وضابطُ التفريق بين ما يجبُ لله وما يجوزُ لغير الله هو أَنّ هذه الأعمالَ تكونُ جميعاً لله على وجهِ التَعبُّدِ والكمالِ والدوام، وعلى وجه الاضطرارِ والشعور بالحاجةِ والافتقار. أما للمخلوق فتكونُ بقدرٍ ولسبب، قدرٍ لا يتجاوزْ فيه حقَّ المخلوق فيصيرَ غُلوا فيه، وسببٍ في المخلوق يُجيزُ صرفُها له، كمحبةِ ذَوي الأَرحامِ، وتعظيمِ ذَوي الجاه وأهل الفضلِ والإصلاح.
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.

- استيلاءُ حبِّ الدنيا على القلب، قال عليه الصلاة والسلام: (تَعِس عبدُ الدينار والدرهم والقطيفةِ والخميصة؛ إِنْ أُعطيَ رضيَ، وإِن لم يُعطَ لم يَرضَ) رواه البخاري.
وهذا حالُ مَن تعلَّق قلبُه تعلقَّ العبوديةِ بما لا غِنى له عنه من أحوال المَعاشِ، فكيف بمن تعلقَّ قلبُه بأَمرٍ لا يحتاجُه أَصلا، كمن يُعلق قلبَه بفريقٍ رياضي إلى درجةِ الوَلَه؟!

- التحاكمُ للقوانين الوضعية، أو لآراء الرجال، والإِعراضُ عن حكم الله، وعدم الرضا به. قال تعالى: {إن الحكم إلا لله} وقال: {أَفَحُكمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنزلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ}، وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا}، وكلُّ تَحاكُمٍ إِلى غيرِ شريعةِ الله فهو تحاكمٌ إلى الطاغوت.
لكن قد يكون الناس اليومَ مضطرين للجوء للمحاكم الوضعيةِ لأَخذِ حقوقِهم، فعندها على المسلم حتى يسلمَ قلبُه عليه أَن لا يكونَ راضيا بها، ولا يلجأَ إليها إلا للحاجةِ لأَخذِ حقِّه، وإن حُكِم له بشيءٍ زائدٍ عن حقِّه، كما يحصلُ عند تحايلِ المحامين على القانون، فلا يأخُذْهُ ولا يقبلْ إلا بما يوافقُ الشرعَ.

- الغُلوُّ في الأَنبياءِ والصالحين، في حياتِهم أَو بعدَ موتِهم، وعملُ التصاويرِ لهم وبناءُ المساجد والقِبابِ على قبورِهم، والاعتقادُ فيهم ما لا يليقُ بهم من التعظيم، ونسبةُ النفعِ والضُّرِ وما هو من خصائص الله وحدَه لهم. وقصدُ قبورهم للدعاءِ أو الطوافِ بها أو الذبحِ أو الاعتكافِ عندها، أو التبركِ بها أو النذرِ لهم، وسؤالِهم الشفاعةَ، أو جعلِهم وسيلةً للتقربِ إلى الله. ويزداد الإثم إن كان فيه شدُّ الرحال.
قال الله تعالى عن المشركين: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}.
وقال في حقِّ من يتخذونهم أولياءَ من دون الله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} وقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} فنفى عنهم ملكَ أَدنى شيءٍ، ونفى عنهم الشِّركَ في أَيِّ شيءٍ، ونفى عنهم الإعانةَ لله عز وجل، ثم نفى عنهم الشفاعةَ إلا بإذن الله.
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: مسجدِ الحرام ومسجدِ الأقصى ومسجدي) متفق عليه.
وفي الحديث: (اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد؛ اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). رواه مالك في الموطأ وهو مرسل، لكن تلقاه أهل العلم بالقبول. وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري.
والغلو في الصالحين وعمل التصاوير لهم هو منشأ الشرك، كما حصل في قوم نوح، فقد روى البخاري عن ابن عباس أنه قال في أصنام قوم نوح وُدّ وسُواع ويَغوث ويَعوق ونَسر أَنها أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ.
ولذلك جاء الوعيد الشديد في البناء على القبور وفي التصاوير، قال عليه الصلاة والسلام عن اليهود والنصارى: (إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم في مرض موته يحذر من هذا الأمر: (لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ)، فقالت عائشة رضي الله عنها: (لولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا). متفق عليه. وعن أَبي الهيّاج الأَسدى قال: قال لي علي بنُ أبي طالب: أَلا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن لا تدعَ تمثالا إِلا طمستَه ولا قبرا مشرفا إلا سويته. رواه مسلم.


- تتبعُ آثارِ الأنبياءِ والصالحين أو أَماكِنِ المناسباتِ الدينيةِ كالمعارك الإسلامية واتخاذُها مَزاراتِ، فتُقصدُ للزيارةِ تبركا وتذكرًا لهم، فتصبحُ مع الأيامِ مقاماتٍ شركيةٍ يفعل عندها كما يُفعل عند قبورِ الصالحين من الشرك. وكان الصحابةُ يَنهَوْن عن ذلك. روى ابنُ سعدٍ عن نافعٍ قال: كان الناسُ يأتونَ الشجرةَ التي يُقالُ لها: شجرةُ الرضوان فيُصلون عندها، قال: فبلغ ذلك عمرَ بن الخطاب، فأَوعدَهم فيها وأَمر بها فقُطعتْ. وإسناده حسن.
وعن المعرور بن سُويد قال: خرجنا مع عمرَ في حجةٍ حجَّها .. فلما قضى حجَّهُ ورجع والناسُ يبتدرون، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجدٌ صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: هكذا هلك أهلُ الكتاب اتخذوا آثارَ أنبيائهم بِيَعًا، مَن عَرَضت له منكم فيه الصلاةُ فلْيُصلِّ، ومن لم تعرِضْ له منكم فيه الصلاةُ فلا يُصلِّ. رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.
وعن سعيد بن أَبي سعيد المقبُري أَن أَبا بَصرةَ لقيَ أَبا هريرةَ وهو مقبلٌ من الطور، فقال: لو لقيتُك قبل أن تأتيَه لم تأتِه؛ إِني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تضربُ أَكبادُ المَطِيِّ إِلى ثلاثة مساجد: المسجدِ الحرام ومسجدي هذا والمسجدِ الأقصى) رواه أبو يعلى، وإسنادُه صحيح.


- تصوير ذواتِ الأرواح؛ فهو أَحدُ أصلي الشرك كما سبق. وهذا أَحدُ سَبَبَي دخولِ التصوير في أَبواب الشرك، والسببُ الآخرُ أَن فيه مضاهاةً لخلق الله، كما في الحديث القدسي: (وَمَن أظلمُ ممَّن ذهب يخلقُ خلقاً كخلقي، فليخلقوا ذرةً، أو لِيخلقوا حبةً، أو لِيَخلقوا شعيرةً) متفق عليه).
وتصوير ذوات الأرواح يكون بالنحت أو بالرسم، وهذا مجمع على تحريمه، فينبغي التنبه لهذا الأمر وتنبيه الأبناء وتربيتهم تربية إيمانية؛ فإن فيه وعيدا شديدا قال عليه الصلاة والسلام: (أَشَدُّ الناس عذاباً يومَ القيامةِ المصورون) رواه مسلم.
أما الصور الفوتوغرافية ففيها خلافٌ بين أهل العلم المعاصرين، والمسلم الحريص يحتاطُ لدينِه.
وأُنَبِّهُ على أَمرٍ مهِمٍّ: وهو أنه لو قلنا بجواز الصورِ الفوتوغرافية، إلا أنه يجب الحذرُ والانتباه لمسألةِ نَشْرِ صُورِ المشايخ وأهل العلم والفضلاء بعد موتِهم والتباكي عليهم بذكرِ محاسِنهم؛ فإِنَّ هذا فيه مُشابهةٌ لفعل قومِ نوح، الذي هو أَصلُ مَنشأ الشرك كما في حديث ابن عباس. وهو خطأٌ يقع فيه كثير من طلاب المشايخ ومحبيهم بدافع المحبة لهم وتذكرهم. ومن الوفاء للمشايخ نشر علمهم والدعاء لهم وذكر محاسنهم، وليس من الوفاء لهم نشر صورهم؛ إذ الصورة لا تزيدهم رفعةً ولا تفيد علما. ويزداد الأمر سوءا إن كان هذا الشيخ يرى حرمة هذه الصور.
وتعليقُ الصور على الجدران فيه نوعُ تعظيمٍ لها، وفيه مشابهةٌ لما يفعله المشركون بأصنامهم وآلهتم من الاهتمام والتعظيم.
أما لعبُ الأطفالِ التي على هيئةِ ذواتِ الأرواح ففيها خلافٌ، لكن مع القول بالجواز فلا يجوز جعلُها أو وضعُها في موضع الاحترام؛ فلا تُعلقْ، ولا تُصمدْ على الرفِّ على وجهٍ فيه رفع لشأنها؛ إنما هي للّعِب والامتهان، فإذا وُضِعت على تلك الهيئةِ لم تعُدْ لعبا، ولا فرق حينئذٍ بينها وبين التماثيل.

يتبع ...
__________________
.
(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ)
رد مع اقتباس