عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-02-2017, 03:52 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي علــــــم الكــــــلام وَفِرَقــُــــه.

علــــم الكــــلام وَفِرَقــُــهْ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد :

علم الكلام : هو علم حادث في الملّة، قام ووضعت أصوله وقواعده الأولى في عهد المأمون، بعدما حدث الخلاف في تفاصيل العقائد بعد ترجمة كتب اليونان الفلسفية وغيرها من عقائد المجوس، والصابئة، والنصارى الباطلة، إلى اللغة العربية، مما دعا إلى تأثر الزنادقة بهم، ووقوع الخصام، والمناظرات، والجِدالات حول ذات الله - تبارك وتعالى - وأسماءه الحسنى وصفاته العلى، وقضاءه وقدره، وغيرها، ما بين نفي وإثبات، فتنوا في فهمها وتفسيرها، فصرفوا الألفاظ عن مرادها بلا دليل، وجادلوا فيها وأوّلوها تأويلا باطلا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - : [إن الجدال في علم العقائد يسمّى كلاما] ا هـ. انظر : [درء التعارض 1/ 160].

وتسمية العقيدة "بعلم الكلام" : تسمية بدعية باطلة، بل هي مُجحِفة في حق العقيدة السنية المبنيّة على الأدلة المُرْضية .

حقيقته : محاولة إثبات العقائد الفاسدة بطرق عقلية، أو سمعية، أو وجدانية جدلية، وأصول فلسفية منطقية، وهو قائم على محاكاة فلاسفة اليونان في الجدل والتقرير.

ويُعبّر أهل الكلام عن أشياخهم من الفلاسفة بالحكماء والعقلاء !!. فُتنوا في التفسير، فصرفوا الألفاظ عن مرادها بلا دليل، وأوّلوها تأويلا باطلا، وخاضوا في مسائل سكت عنها الشارع الحكيم، وطرحوا السنن والآثار جانبًا فيما نطق به الشرع، وأبانَ عنه وجلاّه، فخلت مصنفاتهم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

فَعِلْمُ كلامِهم هذا له من اسمه أعظم نصيب، فهو مجرد كلام، لا يفيد، بل يضر القلوب ويمرضها، ويزرع فيها الشك، والإرتياب، والإلحاد، والإضطراب.

ندم من ندم من أتباعه وتاب من تاب وأناب، ولا تزال فِرقًا من أفراخهم يبثون عقيدتهم الفاسدة.

وممن تاب، أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري - رحمه الله تعالى -، فقد نشأ مُعتزليًا وبقيَ على ذلك أربعين عامًا ثمَّ رجع بفضل الله - تعالى - عن ذلك قبل وفاته، وصرَّح بتضليل المعتزلة، وبالغ في الردِّ عليهم، وتوفي (324 هـ).

قال العلامة الآلوسي : [... قال في كتابه "الإبانة عن أصول الديانة" الذي هو آخر مؤلفاته بعد كلام طويل : [الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها : التمسك بكتاب الله - تعالى - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه "أحمد بن حنبل" نضَّرَ الله – تعالى - وجهه قائلون، ولمن خالف قوله مُجانِبون]. ا هـ.

ومن ينتسبون إليه ويسمون أنفسهم بالأشاعرة هم فِراخُ أتباعه، تاب وليتهم اقتدوا به في توبته.

وفي الرد على من شكَّكوا في توبته قال الإمام القاضي كمال الدين أبو حامد محمد بن درباس المصري الشافعي (659) هـ. في رسالته (الذب عن أبي الحسن الأشعري) : [فاعلموا معشر الإخوان ... بأن كتاب "الإبانة عن أصول الديانة" الذي ألفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، هو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده، وبما كان يدين الله - سبحانه وتعالى - بعد رجوعه عن الاعتزال بمن الله ولطفه وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف ما فيه، فقد رجع عنها، وتبرأ إلى الله - سبحانه وتعالى - منها.
كيفَ وقد نصَّ فيه على أنه ديانته التي يدين الله - سبحانه - بها، وروى وأثبت ديانةَ الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضي، وقول أحمد بن حنبل - رضي الله عنهم - أجمعين، وأنه ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله...]. انظر : [رسالة الذب عن أبي الحسن الأشعري لابن درباس (ص 107)].

والإمام أبو عبدالله محمد بن عمر الرازي – رحمه الله تعالى - (544 ــ 606 هــ) قال بعد أن أقرّ على نفسه خطأه واضطرابه لخلطِهِ الكلام بالفلسفة، وأخبر عما انتهى إليه أمره في علم الكلام : [لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا].

وعاد إلى الطريقة القرآنية، وضرب مثلا بمنهج القرآن في الصفات فقال : [ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن. أقرأ في الإثبات : {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه 5] . و {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [سورة فاطر 10]،
وأقرأ في النفي :
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [سورة الشورى 11]. و {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}. [سورة طه 110].

ثم قال في حسرة وندامة : [ومَن جرَّبَ مثل تجربتي عَرَفَ مِثلَ مَعْرِفَتي] انتهى كلامه. [انظر الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -].

وقال أيضا :

نهاية إقدام العقول عقـــــــــــــال **..** وأكثر سعي العالمين ضــــلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا **..** وحاصل دنيــانا أذى ووبـــــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا **..** سوى أن جمعنا فيـه قيل وقالوا
فكـــم قـد رأينـــا رجالا ودولـــــة **..** فبادوا جميعــا مسرعين وزالوا
وكــــم من جبـــال علا شرفاتـها **..** رجــال فزالــوا والجبــال جبـال.

وقال الآخر منهم : [أكثر الناس شكًا عند الموت أصحابُ الكلام] ا هـ. انظر : [فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – 5/ 10].

وقال الجويني – رحمه الله تعالى – : وهو من الجهابذة الذين اشتغلوا بعلم الكلام محذِّرًا من الاشتغال به : [يا أصحابنا ! لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ، ما اشتغلت به].
وقال عند موته متندّمًا متحسِّرا : [لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني الله برحمته فالويْل لابن الجويني، وها أنذا أموت على عقيدة أمي، أو قال على عقيدة العجائز]. ا هـ. انظر : ["العقيدة في الله" للشيخ عمر الأشقر - رحمه الله تعالى - (ص 40)].

قال الشيخ عمر الأشقر - رحمه الله تعالى - : [نحن بحاجة إلى رجال عقيدة لا إلى رجال فلسفة، نحن نريد أقوامًا يعالجون داء هذه الأمة وبلاءها، ولن يفعل ذلك أصحاب الفلسفة والرأي]. ا هـ. انظر : ["العقيدة في الله" للشيخ عمر الأشقر - رحمه الله تعالى - (ص 40)]..

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبصّرنا بالحق، ويردّنا إلى ديننا ردًا جميلا، وما ذلك على الله بعزيز.


من محاضرات اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني رحمه الله - تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح

يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

_________
المراجع :
1.
[العقيدة في الله]. للشيخ عمر الأشقر - رحمه الله تعالى -.
2. [مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -].
3. [المقدمة الرشيدة في علم العقيدة ص 38 – 41] للشيخ الدكتور محمد موسى نصر - حفظه الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس