عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 04-22-2021, 02:37 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس التَّاسع





وقال عبدُ الله بنُ مَسعود -رضيَ اللهُ عنهُ-: «لَقَدْ رَأَيْتُنا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْها..
يعني: صلاة الجماعة.

«..إِلَّا مُنافِقٌ مَعلُومُ النِّفاقِ».
وهذا الأثر رواهُ الإمامُ مسلمٌ في صحيحِه عن ابنِ مسعودٍ -رضيَ الله-تعالى-عنه، وأرضاه-.
والمقصود بذلك: أن الصَّحابة الكرام -رضي الله-تعالى-عنهم-أجمعين- كانوا -جميعًا- لا يَغيبون عن جماعات المساجد، ولكن: المنافِقون هم الذين كانوا يتغيَّبون.
هذا الكلام يُخبر به ابنُ مسعود عن زمن الرَّسول ﷺ، والآن نحن عندما نستدلُّ بهذا الحديث لا يَلزَم منه أنَّ المتخلِّف عن الجماعة -أو الجماعات- يكون منافِقًا؛ وإنَّما المسألة متعلِّقة بمخالَفة النَّص الشَّرعي وأمر النَّبي -صلَّى الله عليه وآلِه وسلَّم-.

فاتقوا اللهَ -عِبادَ الله- في صلاتِكم، وحافِظوا عليها في الجماعة، وتَواصَوا بذلك في رمضان وغيرِه؛ تَفُوزوا بالمغفرةِ ومُضاعفة الأجر، وتَسْلَموا مِن غضب الله -سُبحانه وتَعالى- وعِقابه ومُشابهة أعدائه من المنافقين.
هذا تنبيه جيِّد؛ أنَّ الذي يفعلون هذا الفعل -بالتخلُّف عن الجماعة-؛ هم يُشبِهون المنافقين، ولا نستطيع أن نقول: (هم منافقون).
ولذلك: أرجح الأقوال عند عُلماء الإسلام أن صلاةَ الجماعة واجبٌ على كلِّ قادرٍ مُقيم صحيح يستطيع الذَّهاب إلى المسجد بغير تهاون فيه.

وأهمُّ الأمور بعد الصَّلاة: الزَّكاة؛ فهي الرُّكن الثَّالث مِن أركان الإسلام، وهي قَرينةُ الصَّلاة في كتاب الله- عزَّ وجلَّ-.
نعم؛ كم آية في القرآن الكريم: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ﴾، ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ﴾ وهكذا في نصوصٍ كثيرة.

وهي قَرينةُ الصَّلاة في كتاب الله- عزَّ وجلَّ- وفي سُنَّة رسولِ الله ﷺ؛ فعَظِّموها كما عظَّمها الله.
يعني: الزَّكاة.

وسارِعوا إلى إخراجِها وقتَ وُجوبِها.
لأن تأخيرَها لا يجوز، وإن كان تعجيلُها يجوز.
النَّبي -عليه الصلاة والسلام- ثبَت عنه أنَّه أذِن لعمِّه العبَّاس بتعجيل زكاة سنتَين؛ لكن: تأخيرُ ذلك عن وقتِه؛ لا يجوز.

وسارِعوا إلى إخراجِها وقتَ وُجوبِها، وصَرفِها إلى مُستحقِّيها عن إخلاصٍ لله- عزَّ وجلَّ- وطِيبِ نفسِ وشُكرٍ لِلمُنْعِم- سُبحانه-.
وهكذا كلُّ الأعمال.
كلُّ الأعمال يجبُ أن تكون على إخلاصٍ لله -عزَّ وجلَّ- ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾.
نعم؛ الإخلاص: الشَّرط الأهم والأعظم لأعمال المسلم.
ثم: المتابَعة لسُنَّة رسول الله ﷺ -كذلك-؛ شرطُ لازِم حازِم، لا يجوز التَّخلِّي عنه.

واعلموا أنَّها زكاةٌ وطُهرةٌ لكم ولأموالِكم.
لفظ (الزَّكاة) يَحملُ معنى الطُّهرة، ويَحمل معنى النَّماءِ والبركة.

واعلموا أنَّها زكاةٌ وطُهرةٌ لكم ولأموالِكم، وشُكر لِلذي أنْعَم عليكم بالمال.
ومَن هو؟ إنَّه ربُّ العالمين -سُبحانه وتعالى- ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾.
كم مِن فقير صار غنيًّا!
وبالمقابل: كم من غني صار فقيرًا!
نسأل الله أن يلطفَ بنا وبكم، وأن يُغنيَنا بفضلِه عمَّن سواه.

ومُواساةٌ لإخوانِكم الفقراء؛ كما قال الله- عزَّ وجلَّ-: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزكِّيهِمْ بِهَا..﴾، وقال- سُبحانه-: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَاديَ الشَّكُورُ﴾.
العمل هو شُكرٌ لله؛ ولذلك ربُّنا قال: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ﴾؛ أي: لم تَشكُروا ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

وقال النَّبيُّ ﷺ لمعاذِ بنِ جبلٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- لَمَّا بعثَه لليمن: «إنَّكَ تَأتِي قَوْمًا أهْلَ كِتابٍ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسولُ الله، فَإنْ هُمْ أَطاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَواتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإنْ هُمْ أَطاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإنْ هُمْ أَطاعُوكَ لِذَلِكَ؛ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حَجَابٌ» متَّفق على صحَّته.
هذا الحديث أصلٌ من أصول الدَّعوة الإسلاميَّة، ومن أصولِ التوجيهات النَّبويَّة المحمديَّة؛ وبالتَّالي: فنحن نحرصُ على التَّطبيق النَّبويِّ للإسلام، لِكتاب الله، لِسُنَّة رسولِ الله ﷺ، ونحرص على تطبيق الصَّحابة لكتاب الله، وسُنَّة رسوله -صلَّى الله عليه وآلِه وسلَّم-.

ويَنبغي لِلمسلم -في هذا الشَّهرِ الكريم- التَّوسُّعُ في النَّفقة، والعنايةُ بالفقراءِ والْمُتعفِّفين وإعانتُهم على الصِّيامِ والقيام؛ تأسِّيًا بِرسول الله ﷺ.
قوله: «التَّوسُّعُ في النَّفقة» هذا موجود؛ لكنْ -للأسف!- التَّوسُّع في النَّفقة الذاتيَّة الشَّخصيَّة التي يُنفقُها النَّاس على أنفسِهم، وقليلةٌ -بالمقابل- النَّفقةُ التي يُنفِقُها المسلمون على إخوانِهم الْفُقراء والمساكين والْمُحتاجين -للأسف!-، نعم؛ يوجد؟ يوجَد؛ لكن: ليس بالصُّورة المطلوبة وبالحقيقة المرغوبة.
هذا الذي نطلبُه.
وقولُه: «تأسِّيًا بِرسول الله ﷺ»؛ لأنَّ الرَّسولَ -عليه الصَّلاة والسَّلام- «كان أجْوَدَ ما يكون في رمضان»، وبيَّنَّا -في مجلسٍ مضى- أنَّ الجود ليس -فقط- جُودًا بالمال؛ ولكنَّه جُودٌ بالعلم، جودٌ بالنَّفس، جودٌ بالصَّبر.
وذكرتُ أنَّ الإمامَ ابن القيِّم -رحمه الله-في «مدارج السَّالكين»- تكلَّم عن صفة الْجُود شيئًا كثيرًا -وكثيرًا جدًّا-، ولعلِّي -إن شاء الله- أقرأ شيئًا ممَّا ذَكر في مجلسٍ قادم،وعسى أن يكون قريبًا.

وطلبًا لِمرضاة الله- سُبحانه-، وشُكرًا لإنعامه.
وقد وعدَ اللهُ -سُبحانه-: ﴿وَمَا تُقدِّمُوا لِأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الِله هُوَ خَيْرًا وَأعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وقال -تبارك وتَعالى-: ﴿وَمَا أنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازقينَ﴾.
وفي القرآن الكريم -أيضًا-: ﴿فَهُوَ يُخْلفُهُ﴾.
ثم قال -وقد أتى بالآية-:

وقال -تبارك وتَعالى-: ﴿وَمَا أنفَقْتُم مِّنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازقينَ﴾.
أسأل اللهَ العظيم ربَّ العرش العظيم؛ أن يُوفِّقني وإيَّاكم للعلمِ النَّافع والعمل الصَّالح؛ إنَّ ربي سميعُ الدُّعاء.




انتهى المجلس التَّاسع
رد مع اقتباس