عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 04-19-2021, 12:33 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس السَّادس





وثبت عنه ﷺ في أحاديثَ أخرى: أنَّه كان يتهجَّد في بعضِ اللَّيالي بأقلَّ مِن ذلك.
ذكرنا أن (التَّهجُّد) و(قيام رمضان) و(قيام اللَّيل) و(التَّراويح) -كلَّها- أسماء مُتعدِّدة لمسمًّى واحد.
وما يَذكُره أهلُ العلم من التَّفريقات -في الحقيقة- تفريقات غير دقيقة، والله أعلم.

وثَبتَ عنه -أيضًا- ﷺ أنَّه في بعضِ اللَّيالي يُصلِّي ثلاثَ عشرةَ ركعةً يُسلِّم مِن كلِّ اثنَتَيْن.
وذكرْنا أن هاتَين الرَّكعتَين إمَّا أن تكونا ركعتَي سُنَّة العشاء، أو أن تكونا ركعتَي سُنَّة الفجر، وأنَّ المنقول عنه -عليه الصَّلاة والسَّلام- في قيام اللَّيل إحدى عشرةَ ركعة.

فدلَّت هذه الأحاديثُ الصَّحيحةُ عن رسولِ الله ﷺ: على أنَّ الأمرَ في صلاةِ اللَّيلِ مُوسَّع فيه -بِحمدِ الله-، وليس فيها حدٌّ محدودٌ -لا يجوز غيرُه-، وهو مِن فَضل الله -تبارَكَ وتَعالى- ورحمتِه وتيسيرِه على عبادِه؛ حتى يَفعلَ كلُّ مُسلمٍ ما يستطيعُ مِن ذلك، وهذا يَعُمُّ رمضانَ وغيرَه.
وقد ناقشْنا -في المرَّة الماضية- هذا الأمرَ -كما تقدَّم-، وفي نفس الوقت أشرنا إلى شيءٍ آخر وهو: أنَّ الشَّيخ ابن باز نفسَه-رحمه الله- قال: الأفضل الوقوف عند ما حدَّه النبي ﷺ مِن حيث فِعلُه.
لا نستطيع أن نقول: (حَدَّه)، الشَّيخ عبد العزيز -رحمه الله- خالَف هذه -ونحن نحترمه-، ولم يَرتض ِكلمة التَّحديد، وإن كان التَّحديد بالقول أمرًا متَّفقًا عليه، لكن الفعل النَّبوي لم يَزِد على إحدى عشرةَ ركعة.
ثم قال الشَّيخ ابن باز -رحمه الله-تعالى- تحت باب (إرشادات وتوجيهات في إتمام الصَّلوات):

وينبغي أن يُعلمَ: أنَّ المشروعَ للمسلمِ في قيامِ رَمضان -وفي سائرِ الصَّلوات- هو الإقبالُ على صلاتِه، والخشوعُ فيها، والطمأنينةُ في القيام والقعود والركوع والسجود، وترتيلُ التِّلاوة، وعدمُ العجلة؛ لأنَّ رُوحَ الصَّلاة هو الإقبالُ عليها بالقلبِ والقالَب، والخشوعُ فيها، وأداؤُها كما شرع اللهُ -بإخلاصٍ وصِدق، ورغبةٍ ورهبةٍ، وحضورِ قلب-؛ كما قال- سُبحانه-: ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُون . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهم خَاشِعُون﴾، وقال النَّبيُّ ﷺ: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاةِ».
أقول: هذا الذي تقدَّم من كلام سماحة الشَّيخ ابن باز -رحمهُ الله- يُشير إلى أمرٍ مُهم -ومهم جدًّا-، وهو: أنَّ الصَّلاة ليس مقصودُها العجلة، وليس مقصودُها التَّكثير من أعداد الرَّكعات -كما يظنُّ بعضُ النَّاس-؛ ولكن: المقصود الأوَّل منها: الخشوع، والخضوع، والطُّمأنينة، وترتيل التِّلاوة، والتفكُّر في مقام العبد بين يدَي ربِّه.
هذا هو المقصود الأوَّل من الصَّلاة.
أمَّا مَن يستعجل بالصَّلاة استعجالًا كثيرًا -جدًّا-؛ يقول: أنا صلَّيت -ما شاء الله-اليوم- عشرين ركعة -أو أكثر، أو أقل-، دون الطمأنينة التي هي رُكن في صحَّة الصَّلاة، ودون الخشوع والخضوع والتفكُّر والتأمُّل والترتيل والتدبُّر، هذا الذي ينبغي أن يكون في صلاة المؤمن.

وقال لِلَّذي أساءَ في صلاتِه.
حديث المسيء صلاتَه معروف عند أهل العلم.
وبعضُ العلماء -المعاصِرين من أهل العلم- لم يَرْتَح لتسمية هذا الحديث بـ(المسيء صلاتَه)؛ ولكن -الحقيقة- أن الأمرَ كذلك، وهذا اصطِلاح، وهذا لا يَنقص قدر هذا الصَّحابي، والصَّحابة من حيث فضل الصُّحبة كلُّهم في مكانة عُظمى، وإن كانوا -من جهة أخرى- مُتفاوِتين في هذا الفضل.

وقال لِلَّذي أساءَ في صلاتِه: «إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ؛ فأَسْبِغِ الوضوءَ، ثم اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثمَّ اقْرَأْ بِما تَيَسَّرَ مَعَكَ مِن القرآنِ.
جاءت رواية أخرى تقول: (الفاتحة)، هذه نقطة مهمَّة؛ لأن بعض العلماء يقول: هذا الحديث يقول (ما تَيَسَّرَ) فليس من شرط القراءة بالفاتحة.
نقول: ما أُبهِم في نصٍّ أو أُجْمِل؛ يُوضَّح ويُفصَّل في نصوصٍ أخرى؛ كلُّها صحيحةٌ عن النَّبي ﷺ.

ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكعًا، ثم ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيَ قائِمًا، ثم اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذلكَ فِي صَلاتِكَ -كُلِّها-».
والحديث في «الصَّحيحين» من حديث أبي هريرة -رضيَ اللهُ عنه-، وهو -أيضًا- مرويٌّ عن غيره -رضي الله-تعالى- عن جميع الصَّحابة الكرام. رضي الله -تعالى- عنهم وأرضاهم.

وكثيرٌ مِن النَّاس يُصلِّي في قيامِ رمضانَ صلاةً لا يَعقلُها ولا يطمئنُّ فيها؛ بل يَنقُرها نَقرًا!
وذلك لا يجوز؛ بل هو مُنكرٌ، لا تَصحُّ معه الصَّلاة؛ لأنَّ الطُّمأنينةَ رُكنٌ في الصَّلاة لا بُدَّ منه؛ كما دلَّ عليه الحديثُ المذكور -آنفًا-.
يقصِد (حديث المسيء صلاتَه).

فالواجبُ الحذرُ مِن ذلك.
وفي الحديث: عنه ﷺ أنه قال: «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلاتَهِ» قالوا: يا رسولَ الله! كيفَ يَسرِقُ صَلَاتَهُ؟ قال: «لا يُتِمُّ رُكوعَها ولا سُجودَها».
وهذا الحديثُ رواهُ ابنُ حِبَّان في «صحيحه» -بسندٍ حسن-.

وثبت عنه ﷺ أنَّه أمر الذي نَقَرَ صلاتَه أن يُعيدَها.
كما في حديث رواهُ الإمام أحمد: من حديث عليِّ بن شَيبان الحنفيِّ -رضي الله عنه- قال: قدِمنا على رسول الله ﷺ فصلَّينا معه، فلَمَح بِمُؤخَّر عينِه رجلًا لا يُقيم صُلبَه في الرُّكوع والسُّجود، فقال ﷺ: «إنَّه لا صَلاةَ لِمَن لم يُقِم صُلبَه»؛ يعني: ظهرَه؛ لا بُد أن يكون الظَّهر أشبه ما يكون بالزَّاوية القائمة؛ كما ورد في بعض الأحاديث: أن النَّبيَّ ﷺ ركع، قال الرَّاوي: (حتى لو صُبَّ الماءُ على ظهرِه؛ لاستقرَّ).
اللهمَّ! صلِّ وسلِّم وبارِك على رسول الله محمَّد، وعلى آلِه وصحبِه -أجمعين-.


انتهى المجلس السَّادس
رد مع اقتباس