عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 01-20-2016, 08:34 PM
سلاف الخير سلاف الخير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: المملكة الأردنيّة الهاشميّة
المشاركات: 251
Post

بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة الثانية
مذهب أهل الحديث الفقهي
لــِ : فضيلة شيخنا
مشهور بن حسن آل سلمان
-سلَّمه الله-

إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه.

أما بعد،،،

فقد تبيّن معنا بجلاءٍ ووضوحٍ أنَّ مذهباً لأهلِ الحديثِ كان مختصّاً بهم؛ ولكنْ نحتاجُ أنْ نعلمَ منْ همْ أهل الحديث؟ ونذكرُ بعض أعيان الفقهاء ممنْ هم على مذهبِ أهلِ الحديثِ؛ وذلك من خلال أخذ بعض النماذج المذكورة في دواوين كتب الفقه، التي اعتنت بمذاهب العلماء على اختلاف مشاربهم وامصارهم واعصارهم.

لا تفوتني بعض الكلمات المهمات للعلماء في تعريف أهل الحديث، فالشهرستاني مثلاً في كتابه "الملل والنحل" يقول:" وإنّما سموا بأصحاب الحديث لأنّ عنايتهم بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص، ولا يرجعون إلى القياس الجلي ولا إلى القياس الخفيّ ما وجدوا خبراً أو أثراً" ،وهذه ميزة مهمة ستأتي خلال الكلام عن الفَرْق بين مذهب أهل الحديث من جهة ومذهب أهل الظاهر من جهة، قال:" ولا يأخذون بالقياس الجلي ولا الخفي ما وجدوا خبراً أو أثراً "ووجدت بعض متأخري الحنفية كالطحطاوي في حاشيته على "الدر المختار" يقول:" علماء الحديث هم الذين جمعوا صحاح قول النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله وتقريره وسكناته وحركاتهِ وأخذوا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم بإحسان".

هذه ملامح عامة وتأتينا سمات خاصة تميز أهل الحديث عن الفقهاء من جهة، وعن أهل الظاهر من جهة، مع العلم أنني قررت في المحاضرة السابقة أنَّ أصل نشأة الفقه والحديث كانتا مؤتلفتين غير مختلفتين، وأنَّ لحُمة قوية كانت بينهم، وطرأت حوادث واستجدَّت نوازل جعلت أهل الحديث يمتازون عن أهل الفقه .

آخذ بعض النماذج من بعض الكتب الفقهية التي اعتنت بذكر مذهب أهل الحديث،ذكرت لكم أن في "المجموع" للإمام النووي ذكر أهل الحديث وأهل السنَّة في معرض الخلاف قرابة تسعين مرة وهنالك في "المغني" و"المحلى" كذلك ذكر لمذهب أهل الحديث؛ نأخذ مثلاً من "المغني" الجزء الثالث صفحة مئة وثلاثة وسبعين نأخذ مسألة، ونحن لا ندرس مسائل ولكننا نركز على وجود مذهب لأهل الحديث وميزات هذا المذهب، وكيف ينبغي أن نفهم لما تذكر هذه المعلمات والدواوين وأيضا فيها تعميق لوجود مذهب لأهل الحديث فهذه النقولات تخدم الفكرة التي أردتها في المحاضرة السابقة، يقول الإمام ابن قدامة في "المغني" الجزء الثالث صفحة مئة وثلاث وسبعين عند مسألة [ترك الاغتسال من الجنابة في رمضان إلى طلوع الفجر] يقول الآتي؛ يقول ما نصه بحرفه:"وبه قال مالك والشافعي من أهل الحجاز، وأبو حنيفة والثوري من أهل العراق، والأوزاعي من أهل الحديث، وداوود في أهل الظاهر" ،إذاً ابن قدامة ينقل أن داوود من أهل الظاهر غير الأزواعي من أهل الحديث، ولا يخفى على أحد أنّ مذهب أهل الحجاز وقلنا عُمِمّت العبارة ويراد بها أهل المدينة بخاصة إنما هم أهل الحديث، وبرهنا على أنَّ مالكاً والشافعي وأحمد من أهل الحديث، هنا يقول:" وبه قال مالك والشافعي من أهل الحجاز؛ ثمَّ ذكر أبا حنيفة والثوري قال: من أهل العراق؛ ثمَّ قال: وداوود والأوزاعي من أهل الحديث ؛وداوود من أهل الظاهر"؛ فبلا شك أن المالكية والشافعية والحنابلة أصبحوا أصحاب مذهب مستقل، فأصبحت المسائل تنسب إليهم ولا يُراد لمّا يذكر في مثل هذا السياق إخراج المالكية والشافعية من أهل الحديث، لكن أصبحوا مع مضي الزمن يتلقون كلام أئمتهم وأعيان فقهائهم ومتقدميهم بقواعد ،وأصبحت الغفلة تأتي على المتمذهبين وأصبحت تحيط بهم بين الفينة والفينة؛ وأصبحوا ولا سيما مع ابتعاد هؤلاء المنشغلين بالفقه عن الحديث والأثر أصبحوا مأسورين لقواعدهم قائلين بالتقليد لمذاهب أئمتهم.

نأخذ مثلاً "المحلى" في [مدة المسح على الخفين]وقرر في الجزء الثاني صفحة تسعة وثمَّانين لما ذكر أن مدة المسح على الخفين يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر قال:" وهذا قول سفيان الثوري والأوزاعي" انتبهوا يقول والأوزاعي ؛الأوزاعي في القول السابق كان من أهل الحديث هنا يقول:" وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وداوود بن علي وجميع أصحابهم" ثمَّ عقِب ذلك مباشرة قال:" وهو قول اسحق بن راهويه في جملة من أصحاب الحديث"،النقل السابق أفادنا أنَّ الأوزاعي من أهل الحديث؛ هذا النقل أفادنا أن اسحق بن راهويه من أصحاب الحديث، وكان الأوزاعي له مذهب وله تلاميذ، وكذلك كما ذكر الأوزاعي ههنا وهو من أهل الحديث، فهو ههنا يساوي ذكر مالك والشافعي في النقل السابق لما خصوا بمذهب بهم دون ادراجهم تحت أهل الحديث .

نأخذ مثلاً في "المحلى" الجزء الثاني صفحة مئة واثنين وأربعين في [إمامة المرأة للنساء] ذكر مذاهب وقال:" هذا مذهب جمهور أهل الحديث،في الخامس صفحة مئة واحدى عشر لما ذكر السجود في المفصل وقد سمى جماعة من العلماء وذكر من بينهم الأوزاعي وقال بعد ذلك:وهو مذهب أصحاب الحديث .

لا يشك باحث أن هذه النقول وغيرها كثير لما يُذكر أصحاب الحديث بالإجمال ويسبق هذا الذكر بالإفراد مذاهب أناس معينين أنَّ هذا من باب عطف العام على الخاص؛ فلما يقال ومذهب أصحاب الحديث ويذكر قبلهم جماعة من أعيان الفقهاء والعلماء فهؤلاء يكونوا قد دخلوا في أصحاب الحديث والقول وهو مذهب أهل الحديث ؛هذا من باب عطف العام على الخاص وهذا أمر ما ينبغي أبداً أن يُشك فيه .

هنالك نقل في "الإحكام" لابن حزم مهم؛ وينبغي أن نقف عنده قليلاً لنستفيد منه فوائد، وأعيد وأقول أنا لست في مقام تحرير المسائل التي ينقلها ابن حزم أنا في معرض التركيز على مذهب أهل الحديث يقول ابن حزم في الجزء الرابع صفحة مئة وثلاثة وثمَّانين بصدد ذكره الإجماع ومفهوم الإجماع والمراد به يقول ما هو بالحرف يقول الآتي :" فإن قالوا إنما ارادوا أهل السنَّة قلنا أهل السنَّة فرق فالحنفية جماعة والمالكية جماعة والشافعية جماعة والحنبلية جماعة واصحاب الحديث الذين لا يتعدونه جماعة، ففي زمنه وقد شاع التقليد وظهر التعصب، جعل أهل الحديث مقابل المذاهب الأربعة؛ قال فالحنفية جماعة.... والمالكية جماعة والشافعية جماعة والحنبلية جماعة واصحاب الحديث الذين لا يتعدونه جماعة،وبلا شك أن ابن حزم يريد أن يخص أهل الحديث عن غيرهم والذي يتتبع الحركة العلميّة في الأندلس خاصة يجد أن علمين من كبار علماء الأمة علماء الحديث ممن جمعوا الأحاديث النبوية والآثار الصحابية والتابعية؛أحيوا السنَّة في الديار الأندلسية، وجعلوا الأندلس دار حديث بعد أن كان الغالب عليها الإنشغال بالفروع الفقهية .

ويلاحظ أيضاً من تقسيم ابن حزم أن الحنبليّةَ والشافعيّةَ والمالكيّةَ غير أهل الحديث فجعلهم جماعة مقابل جماعة أهل الحديث، ولا يملك المنصف إلا أن يؤيد ابن حزم فيما ذهب إليه؛ وهذا لا يعني ولا بأي حال من الأحوال أن أصحاب هذه المذاهب مالكاً والشافعية وأحمد لا يمكن أن يُقال أن هؤلاء ليسوا من أهل الحديث ولكن يعني أن الذين تعصبوا لهم ؛واختصوا بقواعد لمذاهبهم؛ هم في واد وأصحاب المذهب في واد؛ وقد صر ح الإمام ابن القيم في الإعلام بذلك فقال:" أصحاب أحمد كالبخاري ومسلم وأبي داوود والأثرم هم أقرب إلى مذهب أحمد من متأخري الحنابلة على كثرة خلافهم مع أحمد في المسائل؛ ولكن جمعهم الأصل، أصل النهل والأخذ وطريقة التلقي وقواعد الترجيح وتقديم النقل على الموروث، لأنه جدّت أشياء وظروف ساعدت على فرز مذهب أهل الحديث عن مذهب أهل الفقه ،قلنا المدينة مثلاً بقي العمل موروثاً على ما وجد في زمن الوحي، بخلاف العراق فلا يوجد عمل موروث والعراق فتحت في عصر عمر إذ رمى بالإسلام رمية واسعة للأمام ،ووجد الناس أشياء بعيدة عن الوحي ويعسر ويصعب أن نجد نصاً توافق معاملاتهم وعاداتهم ومستجداتهم فأخذوا فصبغوا تلك الديار بالرأي، وأما في زمن الصحابة والتابعين، وقد سكن الكوفة ألف وخمسمئة صحابي كما ذكر العجلي في "تاريخ الثقات".

وأوسع طبقة في كتاب الطبقات للإمام مسلم طبقة التابعين تابعي أهل الكوفة وتابعي أهل البصرة والذي يفحص أحاديث الصحيحين يجد أن القليل من أحاديث الصحيحين لا يكون التابعي أو تابع التابعي بصرياً أو كوفياً وإن كان شامياً أو مصرياً في الغالب البخاري ومسلم يؤخرون هذه الأحاديث ويجعلونها في آخر الباب، وهذا منهج مضطرب ولا سيما لمسلم وبرز هذا معنا شديداً لما درسنا قرابة تسعمئة حديث من شرحنا -ولله الحمد والمنة- المقام منذ أكثر من خمسة عشر سنة .

فالمطلع على كتب المذاهب يجد فيها كثيراً من التفريعات والافتراضات والمسائل التي لا يشملها نص حديثي مرفوع أو موقوف بل ما خاض بها الأئمة أحمد إن تكلّم تكلم بالدليل إن سئل يجيب بالآثار وإن أجاب بغير الأثر قال أرجو، إن شاء الله، ولم يجزم وكان ذلك للضرورة.

، بعض تلاميذ الأئمة في الطبقة المتقدمة كمالك مثلاً ذكرنا سحنون واسد بن الفرات نجد أن لهم ولعاً شديداً بالتفريع وولعاً شديدا في بناء الأحكام على الأقوال لا على الأدلة النقلية فكانوا بالتفريعات
لعل السبب يعود في ذلك إلى وجود النوازل وكذلك الفقهاء يتابع بعضهم بعضاً وكما قال شيخ الإسلام الناس كأسراب القطا كأسراب الطير يتبع بعضها بعضاً .

نعم وجد في الطبقات الأولى من أصحاب المذاهب ممن ليس لهم كبير انشغال بالآثار والأحاديث والصنعة الحديثية وإنما انصبت عنايتهم بما ورثوه عن أئمتهم ،وقال في مثل هؤلاء ابن خير الاشبيلي في فهرسته صفحة مئة وسبعة قال عن أهل قرطبة قال :"وهؤلاء القرطبيون الذين جاء إليهم بقي بن مخلد وبقي ومحمد بن وضاح كما في تاريخ ابن الفرضي يقول: جعل بقي بن مخلد وابن وضاح القرطبي جعلوا الأندلس ديار سنّة ،بعد أن كانت ديار مذهب" ؛يقول ابن خير: "وهؤلاء القرطبيون كانوا بمعزل عن معرفة الصحيح -أي الحديث الصحيح-أي حديث يوافق المذهب نؤيد المذهب به تقرأ في كتب الفروعية ولا سيما في فقه الحنفية والمالكية فتجد بعض النقولات ليس عليها نور النبوة كأنها مفصلة للمذهب مفصلة تفصيل للمذهب كما يفعل احمد بن عبدالله الجويباري الكذاب وكان يتنقّل بين المحدثين في حلقاتهم فوجد المحدثين مشغولين هل الحسن البصري سمع من أبي هريرة أم لا؟ والجويباري أردني كذاب من أكبر الكذابين وألف في كذبه الإمام البيهقي جزءاً يسر الله لي أن نشرته فلما وجدهم قد اختلفوا هل سمع الحسن من أبي هريرة فقال حدثني فلان عن فلان عن فلان عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" لقد سمع الحسن من أبي هريرة"،على مثل هذا الوزان توجد بعض النقولات درسنا أستاذتنا في الفقه الحنفي فقرأنا الاختيار تقرأ الاختيار تجد أحاديث مصنوعة للمذهب ،فيقول وهؤلاء القرطبيون كانوا بمعزلة عن معرفة الصحيح؛أي الحديث الصحيح لأنهم قد ضرب بينهم وبين الصناعة أي بينهم وبين الصناعة الحديثية بأفذاذ فهم على بعد شديد من السداد .

ومن ههنا بدأ التميّز وأخذ الحديث-أعني أهل الحديث- يتجهون اتجاهاً مستقلاً يكشف عن ذاته ويعلن عن نفسه وبرز للعيان في كثير من البلدان على يد بعض الفرسان في كثير من الأزمان على وجه صبغوا الديار بمذهب الانتصار للكتاب والسنَّة زاحموا فيه المذاهب المتبوعة ولعل بعض الأفراد من العلماء أحيا السنَّة وتعظيمها لا أقول في القلوب فحسب بل عظمّها بإبرازها في واقع الناس، ولذا العالم الذي يجمع بين الفقه والحديث يبقى له ذكر وخلود ولا ينسى؛ والذين انشغلوا بتراث الناس وأقوالهم نساهم الناس ،وهذا على مصداق من قال من السلف:" كل سنّي له نصيب من قول الله --عزَّ وجل-- ورفعنا لك ذكرك وكل بدعي له نصيب من قول الله --عزَّ وجل-- إن شانئك هو الأبتر فكل بدعي له نصيب من إن شانئك هو الأبتر ".

أهل الحديث هم الذين نصروا الإسلام ونصروا السنَّة وهم غرس الله فقد أخرج وابن ماجه في التاريخ الكبير بإسناد صحيح من حديث أبي عنبة الخولاني -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستخدمهم في طاعته إلى أن تقوم الساعة "،فأهل الحديث هم غرس الله خلقهم الله تعالى طوالاً عظاماً أصحاب هيبة كما قال الذهبي في ترجمة مالك قال كانت عليه هيبة وتعدت هيبته من شخصه إلى كتابه الموطأ، فالموطأ عليه هيبة؛ وأصحاب الحديث اصحاب هيبة هم غرس الله --عزَّ وجل-- ولذا ابن المبارك كان يفهم هذا لو بيّت كذاب نية الكذب على رسول الله بالليل لقيض بالنهار من فرسان علماء الحديث ليفضحه هم صنع الله هم غرس الله وهم غرس الله بقضائه القدري الكوني وبقضائه الشرعي ولذا في جامع الترمذي برقم ألفين ومئتين وتسعة وعشرين بسنده الصحيح إلى ثوبان -رضي الله تعالى عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين انتبهوا قال ظاهرين-ظاهرين بحججهم ؛ظاهرين بقوة استدلالهم ما قال ظالمين؛قال ظاهرين لا يزال طائفة من أمتي -وهذه الطائفة لا تنقطع تبقى إلى يوم الدين- لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة " يقول محمد بن عيسى الترمذي على إثر هذا الحديث برقم ألفين ومئتين وتسعة وعشرين يقول سمعت محمد بن اسماعيل يعني البخاري يقول سمعت علي بن المديني يقول هم أهل الحديث "الإسناد كالشمس ترمذي عن بخاري عن علي المديني الترمذي يقول سمعت محمد بن اسماعيل البخاري يقول سمعت عن علي بن المديني يقول :"هم أهل الحديث ".

وهذا مقولة عدد كبير من علماء الحديث منهم يزيد بن هارون وأحمد بن حنبل والإمام البخاري في جمع كبير بل وجدت في الحلية الجزء التاسع صفحة مئتين وثمَّانية وثلاثين بسنده إلى إلى اسحق بن راهويه لما ذكر عليكم بالجماعة قال اسحق الجماعة هم محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه ومن تبعهم؛ فجعل الجماعة شخصاً ولكنه من أهل الحديث؛ وعلي إثر هذا الخبر أسند أبو نُعيم إلى ابن المبارك قال الجماعة هم أبو حمزة السكري وكان محدثاً ثمَّ نقل عن اسحق الجماعة هم محمد بن أسلم الطوسي قال لو سألت الجهال من هم لقالوا جماعة الناس وسوادهم قال:" ولا يعلمون أن الجماعة عالم بأثر النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وطريقه فمن كان معه واتبعه فهو الجماعة؛ ومن خالفه ترك الجماعة"؛ فإذا أردت أن تكون مع جماعة المسلمين فكن من أهل الحديث فهم الطائفة المنصورة وهم الجماعة الذين أمر النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بلزومهم ذكرت لكم أن في تاريخ ابن الفرضي الجزء الثاني صفحة ستمئة واثنين وخمسين في ترجمة رقم ألف وأربعة وثلاثين يقول ابن الفرضي وبمحمد بن وضاح وبقي بن مخلد صارت الأندلس دار حديث نعم يمكن لشخص أو لعدد قليل من أهل العلم الربانيين يغيروا صبغة الدار وينقلوها من صبغة مذهبية إلى صبغة حديثية أو من صبغة بدعية إلى صبغة سنيّة يمكن أن يقال ولا سيما مع النظر إلى انتشار الوسائل الحديثة أنّ هذا العصر الذي نعيش -ولله الحمد والمنة- عصر بدأت تبرز فيه السنن وكان لأشياخ هذا الزمان دور عظيم في ذلك وإن أسند ابن الأعرابي في معجمه عن قتيبة بن سعيد قال مات الشافعي فماتت السنن ومات سفيان فمات الورع ومات أحمد فظهرت البدع، فإن جاز له أن يقول هذا فنحن نقول -ولله الحمد والمنة- في هذا الزمان ابتعد الناس عن المذهبية وأئمة هذا الزمان من أهل الحديث والفقه الشيخ الألباني والشيخ ابن باز والشيخ العثيمين -رحمهم الله تعالى- كان لهم دور كبير في انتصاب سوق السنَّة وانتثار أهل البدع وكسادها وظهور الخير وانحسار الشر .

نقف وقفة يسيرة مع مقولة ابن الفرضي لما قال بمحمد بن وضاح وبقي بن مخلد قال جعلوا الأندلس دار سنّة نقف قليلاً على مذهب بقي نوسع قليلاً مذهب بقي؛ وبقي ولد سنة مئتين وواحد ومات سنة مئتين وستة وسبعين يعني بعد أصحاب المذاهب ، وقد لقي أحمد في قصة جميلة للغاية ذكرها الذهبي في السير وذكرها العليمي في "المذهب الأحمد في ذكر اصحاب احمد" يقول وقد سار على قدمية وعمره عشرون سنة ومكث في الرحلة عشرين سنة فغادر بغداد بعد أن ذهب إلى مصر وكان عمره أربعين سنة،وبدأت الرحلة وعمره عشرين،يقول جئت إلى بغداد فلمّا وصلت إلى أطرافها طرق سمعي خبر فتنة أحمد --فتنة خلق القرآن وأنّه محجور عليه لا يخرج للمسجد ولا للجمعة ولا يدّرس قال فاغتممت بذلك غماً شديداً قال فلما دخلت المسجد الكبير وجدت حلقة علمٍ عالمٌ يُسأل عن الرواة يجرح بعضهم ويزكي بعضهم فنظرت فوجدت فرجة فجلست فيها فقلت لمن بجانبي من الشيخ ؟قالوا أبو زكريا يحيى بن معين قلت يحيى بن معين إمام فسألته عن هشام بن عمار وكنت قد زرته وأكثرت من الأخذ عنه؛ مر بالشام قبل بغداد فقال أبو الوليد صاحب صلاة ثقة،قال ثمَّ قمت وتقهقرت وقلت بقي سؤال فقال لي من في المجلس يا أيها الغريب لا تأخذ شيخنا عنّا، قلت بقي سؤال فقال أسأل فقلت أحمد بن حنبل قال لعله يطعن فيه فأعزي نفسي بطعنه فيه، قال سبحان الله مثلي يسأل عن أحمد؛ أحمد يسأل عني هو إمام المسلمين وخيرهم وأفضلهم فوالله لو أنّه حمل الكبر تحت رداءه ما ضره في دينه شيء قال فزادني غماً قال فسألت عن بيت أحمد فدللت عليه قال فتزييت بزي الشحاد وحملت العصا وأخذت أطرق البيوت وأقول المسألة رحمكم الله حتى طرقت باب أحمد فقال من بالباب قلت طالب علم غريب نأئي الديار قال من أين من افريقيا قلت بل أبعد من الأندلس قال أدخل الدهليز حتى لا يراك الجلاوزة -أي الشرطة- قال فدخلت فكان يملي علي كل يوم بضع أحاديث حتى اجتمع عندي ثلاثمَّئة حديث أملاها علي أحمد في الدهليز، قال فلما مات من امتحنه وعافى الله أحمد ورجع إلى درسه كان الإمام أحمد يقول في أول درس أين بقي فأقول ها أنا قال فيقيمني ويجلسني بجانبه ويشير إلي ويقول هذا طالب علم ،الذي يذل نفسه ليتحصّل على الحق ويتحصّل على ميراث النبوة بقي بن مخلد يقول كما في ترتيب المدارك للقاضي عياض الجزء الرابع صفحة مئتين وتسعة وثلاثين يقول ابن لبابة عنه وأما بقي فكان بحراً يُحسنُ تأدية ما روى ولم يكن يتقلّد مذهباً ينتقل مع الأخبار حيث انتقلت، أين في خبر ينتقل معه ما يقلد أحداً لأنّ العلم لا يقبل الجمود ولا الهمود والعلم بحث، ويقول ابن حزم في رسالة لطيفة له سماها فضل الأندلس وذِكر رجالها يقول فيها في صفحة مئة وتسعة وسبعين عن بقي فصارت تآليف هذا الإمام الفاضل قواعد للإسلام لا نظير له،وكان متخيِّراً لا يقلد أحداً وكان ذا خاصة في الإمام أحمد بن حنبل وجارياً في مضمار أبي عبدالله البخاري وبالحسين مسلم بن الحجاج وبعبدالرحمن النسائي -رحمة الله عليهم- إذاً جعل مذهب بقي كمذهب البخاري ومسلم والنسائي لا يقلد أحداً وإنما يتخيّر من أقوال العلماء على وفق الدليل.

لو قيل لك يا عبدالله أيش مذهب البخاري أيش تقول مجتهد، فقهه في تراجمه لكن كما يقول ابن حجر وهو من أعلم الناس في البخاري :"وجل فقه الإمام البخاري مأخوذ بالبحث والاستدلال لا بالتقليد، إما من الشافعي وإما من أبي عبيد قاسم بن سلام"، مذهبه وافق مذهب هؤلاء بالجملة؛ لكنه لم يقلدهم؛ وهذا مذهب مسلم الحديث والأثر ومذهب اصحاب السنن وابن حبان وابن خزيمة وابن جرير والدارقطني في جماعة آخرين.

يقول ابن العربي في العواصم الطبعة الكاملة منه والتي انتشرت بين الطلبة هي الطبعة الناقصة التي نشرها محب الدين الخطيب هي فصلة في الخلاف بين الصحابة فقط؛ وأما الكتاب مطبوع في الجزائر في مجلدين كتاب العواصم والقواصم لابن عربي المالكي يقول عن بقي:" جاء بعلم عظيم واستأثر بمذهب بإمامته ولم يرَ أن يقلد أحداً فرمته القرطبية عن قوس واحدة ".

المتمذهبون رموا عالماً يدعو إلى الحديث قوس واحدة، إن جلس معهم يناقشهم لا يوجد عندهم شيء إلا قال فلان وقال فلان وهو مليء بالأحاديث والآثار، ولذا لم يعرف أنه قد أُلِّف في الإسناد كمسند بقي ومسند بقي مسند خدم الفقه نعم مسند بقي رتبه على مسانيد الصحابة كسائر المسانيد إلا أنه جعل في كل مسند صحابي جعل الأحاديث على الأبواب الفقهية يعني مسند أبي هريرة ثمَّ في داخل مسند أبي هريرة أحاديث الطهارة أحاديث الصوم وهكذا..ومسنده من أعظم الكتب ،وقد ذكر المباركفوري في مقدمات "تحفة الأحوذي" أن منه نسخة في ألمانيا ،وقد أرسل بعض المطلعين وبعض الباحثين وبعض العلماء بعض العارفين بالمخطوطات إلى ألمانيا ولم يظفروا بشيء لغاية هذه الساعة .

الخلاصة أننا وجدنا في المتأخرين وهذا أمر حقيقة جدير بأن يجمع في كتب الفقهاء؛ في كتب طبقات الفقهاء؛ أنتم تعلمون أن علماء الحنفية لهم مصنفات علماء المالكية لهم مصنفات علماء الشافعية لهم مصنفات في تراجمهم، وجدنا اختيارات توافق أهل الحديث في مذاهب مثلاً بعض المحدثين من الشافعية كان يقول ابن السبكي في طبقات الشافعية كان يقول ولا يرى مذهب الشافعية في القنوت في الفجر لضعف الحديث الوارد في ذلك .

فالمحدث يخالف الإمام ويقول أنا معذور بتركي لقول الإمام والإمام معذور بقوله هذا؛ مخالفة مع أدب العلم ويدّعي عبارات كثيرة في حق جماعات من انصار وأقطار مختلفة في أوقات وأعصار متباعدة وجدنا عبارات كثيرة، أسرد على مسامعكم بعض العبارات التي تشير إلى وجود مذهب لأهل الحديث ممن انتسبوا إلى مذهب الفقهاء ولا يجمد على قول الإمام ولا يجمد على قول المذهب ولكن كان له اختيار فمثلا نجد في حق هؤلاء وكان يذهب إلى الحديث وكان مذهبه النظر في الحديث والتفقه فيه وأنا أنقل بالحرف من بطون كتب تراجم يقول في حق آخر يقول كانت فتيا بما ظهر له من الحديث في حق آخر كان الغالب عليه قراءة الآثار وإليها كان يذهب في حق آخر كان يذهب إلى النظر والآثار، فهذا كله واقع من غير دافع مع عدم الانقطاع وحصول التتابع بين السالف والتابع،ومن ينكر هذا فكأنما ينكر المشاهد المحسوس الملموس، فيوجد مذهب لأهل الحديث بلا شك وليس المنتسبين للشافعية على مدى طبقاتهم واختلاف اعصارهم وأوقاتهم ليسوا سواء؛ وكذلك الحنابلة لكن أصبح الحنبلية كمذهب والشافعية كمذهب، الشافعية المذهب عندهم ما اتفق عليه النووي والرافعي ولو خالف كلام محمد بن ادريس الشافعي المذهب عن الشافعية،المذهب عند المالكية ما اتفق عليه ابن القصار والقاضي عبدالوهاب بن نصر البغدادي وإن خالف مذهب الإمام مالك بن أنس فأصبحت مع تقدم الزمان أصبحت اصطلاحات وأزمة المصطلح قضت على حقائق كثيرة من العلم وهي مازالت بكراً تحتاج إلى معالجة هادفة جادة شاملة، قضت على حقائق في العقيدة؛ أصبح نص المتقدم مأسوراً في اصطلاح متأخر اصطلح أهله عليه بخلاف ما ورد في النص؛ كالتأويل مثلاً؛ في مسلم كان النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده عن عائشة سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن؛ هذا التأويل قطعاً غير التأويل الوارد في كتب التوحيد عند أهل الكلام عند الأشاعرة وهكذا.

فإذاً المحدثون نضر الله وجوههم وحياهم ربي وبياهم وكثّرهم ونصرهم وهو ناصرهم لا محال بأن يجعلهم ظاهرين؛ وسنة الله في كونه تقضي بذلك فما يظهر أحد من بين الفقهاء والعلماء إلاّ ويكون من أهل الحديث فينصر الحديث ويقول بالدليل، تسمع وترى حفظاً وقراءة وتتبعاً واقتناء كتب من أعلام هنا وهناك ما يضرب به المثل ولكن لم يجلعهم الله --عزَّ وجل-- ظاهرين لأسباب حالت ومنعت عن ذلك اقتضتها سنّة الله في كونه وشرعه .

فلله سنة لا يزال هذا الغرس فالله -عزَّ وجل-سبحانه وتعالى خلق أناساً لخدمة علم الحديث ويجمع هؤلاء أن همهم الهميم إحياء علوم السنَّة والحديث والانكباب على كتبها فهم أهل همّة وحرص.

الذي يهمني ألآن أننا ترسمنا مذهب أهل الحديث ولم نرد أهل الحديث فقط أهل أخبرنا وحدثنا وإن كانوا هؤلاء على رؤوسهم ولكن من كان يلزم مذهب الصحابة والتابعين في المعتقد وستأتينا بعض الكلمات المهمات لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى لما نتكلم عن سمات أهل الحديث التي اختصوا بها بين الفقهاء وأهل الظاهر وأنا أريد الاصطلاح المتأخر لما نقول أهل الفقه هم أهل الحديث قطعاً عند العصور الأولى.

بعد هذه النقولات والتعليقات والشذرات والومضات التي فيها شيء من الإفاضات وتحتاج إلى كثير من الإضافات ولكن جمعت ما علق في ذهني خلال بحثي وآثرت أن أتكلم في هذه المادة أقول جمعت ما علق في ذهني على استعجال من غير إمهال وأخشى من الإهمال لضيق الوقت ولقلة الوقت المتاح لمعالجة هذا الموضوع ولا بد لمعالجته على أكثر من محور بقي أن أتكلم في هذه المحاضرة عن أهم سمات أهل الحديث بالنسبة للفقهاء وأهل الظاهر :

أهم سمة تميّز أهل الحديث وقد يتفقون تارة مع أهل الظاهر وقد يتفقون تارة مع أهل الحديث ،هذه السمات الكاشفة المميزة لأهل الحديث عن أهل الفقه وأهل الظاهر أهم السمات أولاً :

رفض التقليد؛ فأهل الحديث لا يقلدون أحداً بعينه بخلاف الفقها يتفقون مع أهل الظاهر في هذا لا يقلدون أحداً بعينه مع الحب والاحترام والتقدير والإجلال لجميع العلماء ومع التبرؤ ممن ينتقص العلماء أو يحوم للحط من قدرهم؛ فأهل الحديث يتبعون الحجة والآثار ويدورون معها حيث دار، فهم لا يخرجون بقول جديد وإنما يتخيّرون إذ لا نعلم حديثاً ثبت عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- إلا وقال به أحد من العلماء؛ والحجة في الحديث وليست الحجة بمن عمل به؛ فالحديث إن لم يُعمَل به لا تُسلَب حجيته؛ ولكن لا نعلم مسألة أو حديثاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقل به أحد من الفقهاء ،وهنا مسألة مهمة لا بد من الإشارة إليها طالب العلم غير الإمام ،الإمام إن بلغ القلتين فزاد لا يحمل الخبث ويتحمل التفرد وطالب العلم في البدايات إن انقدح في نفسه وسمح في خياله حكماً لمسألة على وفق قواعد أهل العلم في الاستدلال أو الاستنباط في إثبات النص أو الاستنباط ولم يجد أحداً سبقه في هذه المسألة ماذا يفعل ؟طالب علم عنده من علم الحديث نصيب من الأصول يُحسن قواعد الاثبات قواعد الاستنباط وهو يبحث وجد أحاديث وجد آثار ثبتت عنده وفققواعد أهل الصنعة استطاع أن يستنبط منها حكماً هذا الحكم لما فتش لم يجد أحد سبقه به ماذا يفعل؟ وهو بعد في بدايات المشاركة في الطلب ،يطوي قلبه عليه ؛ولا يبح به،ويكثر المسائلة عنه،ويسأل ربه بأن يعلمه وأن يسددّه ويصوبّه فإنْ فعل فلا بدَّ أن ينجليَ له الحقّ؛ فمتى انجلى الحق صدع به ودافع عنه؛ ولكن لا يتعجّل، فالحديث حجةٌ بنفسه، ولذا جميع الأئمة كانوا يعرفون هذا وكانوا يقولون بهذا؛ الإمام أبو حنيفة له مقولة عجيبة يقول: "يحرم على مسلم أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين أخذناه" يجب على من يفتي بقولنا أن يرجع إلى أصولنا حتى تبقى أصل النبع يبقى صافياً؛ ولا يصيب الكدر النبع؛ وإن أصاب يصيب التلاميذ والاتباع، وكان مالك يقول كما تعلمون:" كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر" وكان الشافعي يقول إذا صح الحديث فهو مذهبي" وقال جاءه سائل فقال له يا إمام يا أبا عبدالله: النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في كذا كذا وكذا ما قولك أنت؟ فغضب الشافعي رحمه الله وقال يا هذا: أتراني خارجاً من كنيسة ؛أترى على وسطي زنارا؛ تقول لي قال النَّبي-صلى الله عليه وسلم- وما قولك أنت؟ ما قولي إلا قول النَّبي -صلى الله عليه وسلم-" ولست بصدد الإسهاب في مثل هذه الأقوال وقد أسهب وحرر وأبدع في عرض هدم التقليد وضرورة الاتباع صالح الفلاني في كتابه العجيب "إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار وتحذيرهم عن الابتداع الشائع في القرى والأمصار من تقليد الفقهاء والمذاهب والعصبية بين فقهاء الأعصار" الكتاب بهذا العنوان الطويل أبدع -رحمه الله تعالى- تحته في هذا الكتاب في بيان هذه الحقيقة.

أهل الحديث إن لم يجدوا شيئاً في نصوص الوحي والسنَّة أخذوا بأقوال الصحابة، إن وجدوا شيئاً في الكتاب حمّالاً لوجوه جعلوا السنَّة قاضية عليه، إن وجدوا في السنَّة شيئاً حمّالة لوجوه جعلوا فهم السلف قاضياً عليه إن لم يجدوا شيئاً أخذوا بأقوال الصحابة وأقوال الصحابة في الاعتقاد أقوى عندهم من أقوالهم في الفقه وأقوالهم في الفقه على درجات فإجماعهم ليس كالمسألة التي وقع بينهم فيها خلاف والمسألة التي شاعت وظهرت وانتشرت عنهم ليست كالمسألة التي عرفت عن واحد منهم ولم تنتشر.

وذكرت لكم أن الإمام احمد كان إذا وجد خلافاً بين الأصحاب في المسألة قال فيها بعدد الأقوال التي بلغته عن الصحابة والتابعين ،ولذا هذا سر كثرة الأقوال عند أحمد في المذهب ؛فيها أربعة أقوال ستة أقوال بعض المسائل فيها عشرة أقوال عند الإمام أحمد ولما يسأل يعزو كل قول لصحابي أحياناً صحابي وتابعي؛ فكان اجتهاد التابعي عند أحمد معتبراً فقول التابعي في التفسير ابن جرير اعتمده؛ وإن كان الغالب على أقوال الصحابة والتابعين في التفسير كما ذكر الشاطبي في الموافقات وابن القيم في الإعلام غالب أقوال الصحابة والتابعين في التفسير من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، لذا ابن جرير غالباً ما يذكر قولاً يجمع جميع الأقوال التي نقلها عن الصحابة والتابعين .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -في "منهاج السنَّة النبوية" فاعتقاد أهل الحديث هو السنَّة المحضة أول ما يميز أهل الحديث الاعتقاد؛ ولذا أهل الحديث يكتبون معتقدهم تحت عنوان "السنَّة" السنَّة للإمام أحمد وعشرات من أئمة الحديث ألفوا كتاب السنَّة وذكروا تحته المعتقد يقول شيخ الإسلام فاعتقاد أهل الحديث هو السنَّة المحضة لأنه هو الاعتقاد الثابت عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وقال فيه أيضاً وعلماء أهل الحديث أعلم بمقاصد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من اتباع الأئمة بمقاصد أئمتهم" ويقول شيخ الإسلام في "منهاج السنَّة" عن أهل الحديث هم أجل قدراً من هؤلاء -أي الفقهاء- وأعظمهم صدقاً وأعلاهم منزلة وأكثرهم ديناً وهم من أعظم الناس صدقاً وأمانة ًوعلماً" أهل الحديث طلبهم للحديث ديانة؛ طلبهم للحديث عبادة؛ طلبهم للحديث ليعملوا به؛ طلبهم للحديث منهج ليكون في حياتهم؛ ليست مسائل نظرية علمية تصورية؛ كحال الفقهاء الذين يناظرون ويفرّعون ويفترضون ويتخيلون ،وإنما هَمّ علماء الحديث إن طلبوا العلم أن يترجموا ذلك إلى واقع حياتهم؛ فهم يتعبدون الله --عزَّ وجل-- بعلم الحديث؛ وهم لا يتبعون إلا النَّبي -صلى الله عليه وسلم- والآثار؛ لأن هؤلاء هم المزكّون الأخيار على لسان سيد المهاجرين والأنصار -صلى الله عليه وسلم- فهذه هي الميزة الأولى لأهل الحديث .


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


يتبع -إن شاء الله-
رد مع اقتباس