عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-16-2021, 01:29 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

المجلس الثَّالث






فالصِّيامُ شُعبةٌ عظيمةٌ مِن شُعَبِ التَّقوى، وقُرْبةٌ إلى المولى -عزَّ وجلَّ-، ووَسيلَةٌ قَوِيَّةٌ إلى التَّقْوَى في بَقِيَّةِ شُؤونِ الدِّينِ والدُّنيا.
لأنَّ الآية الكريمة -في آخر آياتِ الصِّيام-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} في جُملة الأشياء، ليس {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} في الصِّيام، التَّقوى لا تكون فقط في الصِّيام دون أن تكون في الصَّلاة، لا تكون في الدُّنيا دون أن تكون في الدِّين، وهكذا.
فالتَّقوى هي نورٌ ساطعٌ على كلِّ مسلم جاء بأسبابِها، وثبتَ على حقائقها.

وقد أشار النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم- إلى بعضِ فوائد الصَّوم في قوله: «يَا مَعْشَرَ الشَّبابِ؛ مَن اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ؛ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؛ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجاءٌ».
الحديث في «الصَّحيحين» من حديث ابنِ مسعود، والباءَةُ: هي النِّكاح، والْوِجاء: هي الصِّيانة والْحِماية.
هذا معنى الحديث.

فَبيَّنَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: أنَّ الصَّومَ وِجاءٌ لِلصَّائمِ..
كما قُلنا؛ الْوِجاء: الصِّيانة والْحِفظ والسَّتر، وما أشبه ذلك.

ووسيلةٌ لِطهارَتِه وعَفافِه؛ وما ذاك إلا لأنَّ الشَّيطانَ يَجري مِن ابنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ..
كما في حديثٍ رواهُ البخاري ومُسلم.

والصَّومُ يُضَيَّقُ تلك المجاري.
هذه الجملة مِن حيث المعنى صحيحة؛ لكن: وردت في حديثٍ ضعيف -ينقلُه بعضُ أهل العلم-، والشيخ ابن باز -رحمهُ الله- لم يَذكر الحديثَ الضَّعيف؛ وإنَّما أشار إلى المعنى الصَّحيح.

ويُذَكِّرُ بِالله وعَظَمَتِه؛ فَيُضعف سُلْطانَ الشَّيطانِ، ويُقوِّي سُلطانَ الإيمانِ، وتَكثُرُ بِسبِبِه الطَّاعات مِن المؤمنين، وتَقِلُّ به المعاصي.
كلُّها نتائجُ خيِّرة، وثمراتٌ مبارَكة، وأعمالٌ صالِحةٌ تُنتِجُها تلكم الأعمالُ الصَّالحة، والمقصودُ -هنا- بذلك: الصِّيام-.
لذلك: نرى في شهر رمضان في النَّاس إقبالًا على المساجد، وإقبالًا على الطَّاعات، وإقبالًا على الصَّلوات، وإقبالًا الأعمال الخيِّرات؛ هذا -كلُّه- من توفيق الله -سُبحانه-، ومن بركات هذا الشَّهر الكريم.
ومِن فوائد الصَّومِ -أيضًا-: أنَّه يُطهِّر البدنَ مِن الأخلاطِ الرَّديئةِ.
ما يكون في الإنسان من أمزِجة وطبائع معيَّنة، وأشياء قد تكون صِحيَّة تُزعِجُه.

ويُكسِبُه صِحَّةً وقُوَّةً، اعتَرَفَ بِذلك الكثيرُ مِن الأطباءِ، وعالَجُوا بِه كثيرًا من الأمراضِ.
حتى ألَّف الْغَربيُّون كُتبًا سَمَّوها: العلاج بالصِّيام، هم لا يعرفون صيام شهر رمضان؛ ولكن: يُريدون الصِّيام؛ وهو الامتناع.
لكن المسلم يمتنِع في شهر رمضان عن الطَّعام والشَّراب ويصومُه لله -مُحتَسِبًا-؛ كما قُلنا في المجلس الأوَّل-: «مَن صامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا»؛ أي: «إِيمَانًا» بهذا الفرض الذي فرضَه الله، و«احْتِسَابًا» للأجر عند الله -عزَّ وجلَّ- بِقَبوله.
هذا فَرْق ما بين المؤمن وغير المؤمن في ذلك.
وهنا لا بُد من تنبيهٍ؛ وهو: ما يتعلَّق برمضان في زمن (الكورونا).
رأينا بعضَ المتصدِّرين للفُتيا -ممَّن هم ليسوا أهلًا-أقولُها بِصراحة-؛ قال: رمضان يُضعف الصَّائم؛ وبالتَّالي الأصل: أن لا يَصوم المسلمون في رمضان!
رجل يَحمل لقَبًا وشهادة، وتَستضيفُه الفضائيَّات في بعض البلاد العربيَّة الإسلاميَّة -للأسف الشَّديد-!
وهذا كلام غير صحيح.
أوَّلًا: الأطباء متَّفقون على أنَّ الصَّيام ممَّا يزيد الْمَناعة، وزيادةُ الْمَناعة مِن أعظم الأسباب الواقِية لموضوع (الكورونا)..مِن أعظم الأسباب الواقِية مِن هذا المرض وانتِقاله. هذه نُقطة.
النُّقطة الثَّانية: النَّاس مُختلِفون، قد يكون -هنالك- إنسان مريض، أو إنسان مَناعتُه ضعيفة؛ فهذا يُشخِّصه الأطباء، وما يُفتي به الطَّبيبُ المسلمُ المتمرِّس؛ يُفتِي به العالِم؛ لأنَّ النبيَّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- قال: «لا ضررَ ولا ضِرار».


انتهى المجلس الثَّالث
رد مع اقتباس