عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 10-18-2010, 01:41 AM
محمد لبيب
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

و هذه تعليقاتي السّابقة أضعها بين يدي الموضوع حتى يسهل مراجعتها :
التعليق الأوّل:
نسأل الله تعالى أن يُبارك في جهود الشّيخ عبدالعزيز بن ندى العتيبي و أن يزيده من فضله .
الذي فهمته من مقال الشّيخ عبد العزيز هو إنكاره على سيّد وضع مصطلح التّمييع في غير موضعه ، و جعله مصطلحا حادثا لم يُسبق إليه .( أو إنكاره استبدال المصطلحات الشرعية بمصطلحاته الحادثة)
لا أنّه يُنكر مصطلح التّمييع و ما تولّد عن حروف : ( م ي ع أو م ا ع ) .
و لم يتّضح لي بعدُ ما وجه الإنكار على سيّد قطب إذ أن القاعدة تقول : لا مشاححة في الاصطلاح .
كما أن لمصطلح التمييع و الميوعة أصل في اللغة و في الشرع .
فلو أنّ الشيخ عبد العزيز بدأ بمصطلح : التمييع ، فعرّفه و ضبطه أو نفاه بالأدلّة اللغويّة ، لاتّضح لي ما خفي عليّ .
و كما هو معلوم فالحقائق اللغويّة مختلفة عن الحقائق الشّرعيّة و أيضا العرفيّة .
و الأصل في النّصوص الشرعية من كتاب أو سنّة تقديم الحقائق الشّرعيّة ، هذا فيما كان فيه نصّ ، لأنّ اللغة العربية في حقيقتها لا تختلف عن الحقيقة الشرعيّة إلا فيما أظهره الشرع وبيّنه .لما تقدّم من أدلّة ذكرها الشيخ ، كتعريف الظلم بشيئ خاصّ و هو : الشرك في قوله تعلى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ:(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ".
فبيّن النبي صلى الله عليه و سلم أن معنى الظم هنا لم يكن عاما ، بل هو مخصوص .
و كذلك -مثلا- استعمال بعض المحدثين لمصطلح الحديث المعلل و المعلول ، هو خطأ في اللغة كما بيّنه بن الوزير ، و لكن هكذا جرى الاصطلاح .
و هناك اختلافات ظاهرة بين المصطلحات العلمية غير اللغوية و مصطلحات اللغة العربية .
ممكن هذا يرجع إلى أصل اللغة هل هي متولّدة و اصطلاحية أم أنّها متوارثة و لها أصول من بدايتها .
و لكن التولّد بعدها حاصل .
و قد ذكر شيخ الإسلام بن تيميّة أن المصطلحات تُستنكر لما حملته من معان لا لذاتها-بمعناه-( والله أعلم).
و على كلّ حال فمصطلح التمييع له أصله في اللغة :
جاء في تهذيب اللغة للازهري : يُقال ماع الشئ وتمّيع إذا ذاب.ومنه ححدديث عبد الله حين سئل عن المُهْل فأذاب فضَّة فجعلت تمَّيع وتلوَّن،وقال هذا:من أشبه ما أنتم راءون بالمُهْل: وقال غيره:يقال لناصية الفرس إذا طالت وسالت.مائعة.ومنه قول عَدِىّ:
يهزهز غصنا ذا ذوائب مائعا
وسُئل ابن مسعود عن قول الله جل وعزّ: )كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ( فدعا بِفِضّةٍ فأَذابَها، فجعلتْ تميَّعُ وتَلَوَّنُ، فقال: هذا من أَشبهِ ما أَنتم راءُون بالمُهْل.
و قال :وفي حديث ابن عمر أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن،فقال:إن كان مائعا فأرِقه،وإن كان جامِداًفألْقِ ما حوله.

و جاء في أساس البلاغة :
م ي ع
السمن جامدومائع، وقد ماع يميعن وأمعته إماعة. وهو في ميعة الشباب. والفرس في ميعة حضره وهي أوله وأنشطه. وتطيب بالميعة. والفضّة تتميع في البوطة.
ومن المجاز: السراب يميع: يجري وينبسط.
وماعت ناصية الفرس: سالت. قال عديّ:
مضمّم أطراف العظام محنّباً ... يهزهز غصناً ذا ذوائب مائعاً
و جاء في صحاح اللغة :
ميع
المَيْعُ: مصدر ماعَ السمنُ يَميعُ، إذا ذاب. والمَيْعُ: سيلان الشيء المصبوب. وقد ماعَ الشيءُ يَميعُ، إذا جرى على وجه الأرض. وتَمَيَّعَ مثله. والمَيْعَةُ: النشاطُ، وأوَّل جريِ الفرس، وأوَّل الشباب، وأوَّل النهار. والمَيْعَةُ أيضاً: صمغُ يسيل من شجرٍ ببلاد الروم، يؤخذ فيُطبخُ، فما صفا منه فهو المَيْعَةُ السائلةُ، وما بقي منه شِبْه الثَجيرِ، فهو المَيْعَةُ اليابسةُ.
و هناك كثير من كتب اللغة ذكرت هذا اللفظ و بيّنت دلالاته اللغويّة .
و لا يُعاب على أهل فنّ جاؤوا بلفظ لغوي واستعملوه لأجل غرض علميّ ، فيصطلحون عليه فيما بينهم ، كلفظة السنة و لفظة حديث ، ولفظة : مسلسل ، و غيرها ، وقد تكون هناك مناسبة معروفة بين اللغة و المصطلح المتولّد و قد لا تكون هناك مناسبة معلومة .
و لو أتينا إلى مصطلح التّمييع لوجدنا مناسبته اللغوية مع الاصطلاحية معلومة ، و هي الاشتراك في : الانحلال و الذوبان و التداخل و الاندماج ، كالتعايش .
و هذا كلّه إذا كان على حساب الحقّ ، قد نستعمل معه لفظة تمييع ، أي ذوبان أهل الحقّ في اهل الباطل ، أو العكس .
و تعايش أهل الحق مع أهل الباطل دون نكير و العكس .
و كلّ ذلك ضدّ عقيدة الولاء و البراء ، و متضاد مع عمل القلب : الحب في الله و البغض في الله .
و هناك ضوابط معلومة عند أهل العلم يتقيّد بها المسلم حتى لا يميّع دينه ، و كما قال تبارك و تعالى في كتابه عن الكفار ، مخاطبا نبيّه صلى الله عليه وسلّم : ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) قال السعدي -رحمه الله-:
وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسكت عن عيب آلهتهم ودينهم، ويسكتوا عنه، ولهذا قال: { وَدُّوا } أي: المشركون { لَوْ تُدْهِنُ } أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، { فَيُدْهِنُونَ } ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه.
و الذي فهمته من عنوان الشيخ : أن هذه الألفاظ شرعيّة و حصلت من سيد -غفر الله له- جناية عليها
و هذه الجناية على هذه الألفاظ جاءت من خطأ أسلوب سيّد قطب البلاغي .
هذا من العنوان ، و داخل النص : فهمت أن استعمال سيد أصلا خطأ .
و لعلّ الشّيخ عبد العزيز -حفظه الله- يزيد الأمر توضيحا ، .و يبيّن كيف حصل ذلك .
و جزاه الله خيرا .
ملاحظة : جعلت تعليقي على شكل استشكالات حتى نستفد أكثر في بيان هذه النقطة .
التّعليق الثّاني:
جزاك الله خيرا أخي أحمد على هذا الاتصال .
أنا أودُّ من الشّيخ أن يقرأ مداخلتي و يُعلّق عليها ، فقد ذكرت أن لكلمة تمييع أصل في اللغة و في استعمال الشّرع من الجهة اللغويّة .
كما الألفاظ غير المنصوص عليها شرعا لا يمكن أن نستبدلها بما هو مشروع ، لقيام الأدلة على المصطلحات الشّرعيّة ، غاية ما في الأمر هو : مخاطبة النّاس بألفاظ تُقرّب لهم المعاني ، و ذلك لأجل إحداث الناس بعض الأشياء التي شوّهت الحقّ و جعلته غلوّا و تطرّفا !.
و كما كان يقول الإمام أحمد لمّا تكلّم في الصفات بأشياء لدفع زيغ الجهمية : تكلموا تكلّمنا ، سكتوا نسكت .
و من ذلك في باب الأسماء و الصفات : الكلام عن الجهة و عن المكان (بهذه الالفاظ ذاتها) ، و توقّف قبول معناهما على بيان المعنى الصحيح منهما .
و من تلك المصطلحات الحادثة أيضا بعد زمن القرون المفضّلة : السلفيّة ، و مصطلح : العقيدة ، فهل نجد لهما أثارة عند السلف؟.
مع أنّ السلفيّة جاءت مكان : الإسلام و مكان أهل السنة و الجماعة و أهل الحديث و الفرقة الناجية و الطائفة المنصورة ...إلخ
و العقيدة بهذا اللفظ ليس عليها دليل شرعي من كتاب أو سنة ، فقد كانت كتب العقائد تسمى : الفقه الأكبر -عند الأحناف- و بكتب السنة ، وبالتوحيد و غيرها ...
و كذلك : تفسير معنى الاستواء بالاستقرار و إثبات الاستقرار ، و كذلك : لفظة : ( بذاته ) ، كما قال بعض أهل العلم : ( هو تعالى فوق عرشه بذاته ) .
قال الشّيخ الألباني رحمه الله في كتاب :( مختصر العلوّ) : ( قلت : و من هذا العرض يتبيّن أنّ هاتين اللفظتين : ( بذاته ) و ( بائن ) لم تكونا معروفين في عهد الصّحابة رضي الله عنهم ، و لكن لمّا ابتدع الجهم و أتباعه القول بأنّ الله في كلّ مكان ، اقتضى ضرورة البيان أن يتلفظ هؤلاء الأئمة الأعلام ، بلفظ : ( بائن ) دون أن يُنكره أحد منهم .
و مثل هذا تماما قولهم في القرآن الكريم أنّه مخلوق ، فإنّ هذه الكلمة لا تعرفها الصّحابة أيضا ، و إنما كانوا يقولون فيه : كلام الله تبارك و تعالى ، لا يزيدون على ذلك ، و كان ينبغي الوقوف فيه عند هذا الحدّ ، لولا قول جهم و أشياعه من المعتزلة : إنه مخلوق ، و لكن إذا نطق هؤلاء بالباطل ، و جب على أهل الحقّ أن ينطقوا بالحقّ و لو بتعابير و ألفاظ لم تكن معروفة من قبل ، و إلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سُئل عن الواقفة الذين لا يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق ، هل لهم رخصة أن يقول الرجل : ( كلام الله ) ثمّ يسكت ؟! لولا ما وقع فيه النّاس كان يسعه السكوت ، و لكن حيث تكلموا فيما تكلموا ، لأي شيئ لا يتكلّمون ؟!
سمعه أبو داود منه كما في مسائله ( ص:263-264).
انظر مختصر العلو صفحة : 16-17.
و منه إطلاق العلماء على بعض أهل البدع -كما تقدّم- : الواقفة ، و المفروض أن يُقال : مُبتدعة .
و كذلك في باقي الأسماء و النحل ، لأجل التبيان و التعريف لا لأجل التبديل بالمصطلحات الشرعية ، إذْ كلّ هؤلاء يحقّ عليهم وصف البدعة .
و منه المُميّعة ، فقد احتاج النّاس اليوم لمّا كثر دُعاة التّقريب و التّآخي مع أهل الباطل ، إلى بيان حالهم ، فقالوا هذا تمييع و فاعله : مُميّع ، و منهجهم منهج : تمييع ، و تلفيق ، و انحلال و دعاة التسامح و دعاة اللملمة -كما صرح بها أحدهم-.
و هذا لا يقضي على لفظ بدعة أو كفر أو غيرها ، وإنما يوضّح هذا المنهج الجديد الذي انتشر في الآونة الأخيرة بكثرة و قوّة !.
نعم ؛ قد استعلمه بعضهم لأغراض شخصيّة ، أو لأجل الانتقام ، أو وقوعا في أهل الحقّ ، فميّع لفظ التّمييع ، و جعله سائغا حتّى في أهل الحقّ ، و هذا مردود عليه بالأدلّة ، و بيان الحقّ ، وضوابط أهل الحقّ ، كما يفعل الحدّاديّة و من انتكس بهم مع الدعاة السلفيين ، و كما يفعل اليوم : كثير من المتعصّبة الغلاة في باب التجريح مع خيرة العلماء السلفيين .
فبيان حقائق المصطلحات و ضبطها و مكان استعمالها هو الأولى .
و لُغة العصر مُحكّمة ، وإلا مع من سنتحدّث ، و لمن سنبيّن !؟.
هذا ما عندي الآن باختصار ، وأكرر :
أرجوا من فضيلة الشّيخ أن يقرأ مشاركتي و يُعلّق عليها ، حتى نستفيد منه أكثر .( كما أرجو أن يسجّل معنا هو وغيرهم من المشايخ حتى نتعلم منهم العلم و الأدب).
و جزاه الله خيرا .
التّعليق الثّالث:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسين نزال
الذي فهمتُه من مقال الشيخ العتيبي حفظه الله هذه الإشارات:

أولا: أن هذا المصطلح حادث ولم يستعمله الأئمة إلا في الفقه في مسألة المياه (المائعات)! (وهي لفتة سمعتها من أحد الفضلاء)أخي الفاضل ياسين : ما هو المانع الشّرعيّ في ذلك ، و ما هو دليل التّفريق!؟ و قد أثبتّ فوق وجود مصطلحات نحن بحاجة إليها حتى في باب الاسماء و الصفات !؟
ثانيا: أن بعض المنتسبين إلى السلفية يستعملون هذا المصطلح تجاه بعض إخوانهم: كقولهم مميع في المنهج؛ مما يدل على تأثرهم بكتابات سيد قطب؛ سواء اجتهادًا أو تقليدًا! :، أخي الفاضل ياسين : دورنا مع كلّ هذا ضبط المصطلحات لا نفيها !.
ثالثا: قاعدة (لا مشاحة في الاصطلاح) صحيحة إذا لم تغير منهجا أو تكون ذريعة إلى تغييره؛ وإلا فلماذا ننكر على من يزيد في قسمة التوحيد: (توحيد الحاكمية)!
ولماذا لا نقول: تقسيمهم صحيح ولا مشاحة في الاصطلاح؟!!
أخي الفاضل ياسين : لا حاجة لنا بهذا التّقسيم ، فهو موجود أو مُتجاذب بين توحيد الألوهية و توحيد الربوبية و حتى قل الأسماء و الصفات ، و القاعدة تمنع : الدّور في التعريفات !
و من الجهة اللغوية فيه ما فيه !.( مصطلح الحاكمية)..مع أنّ بعض أهل العلم السلفيين نطقوا بذلك ايضا !...و لكن قصد الخوارج غير قصد أتباع السلف الصالح !
و لذلك نحن لم ننكر تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام كما فعل بعضهم!، فهل سيُنكره من أنكر إحداث المصطلحات في الشريعة ؟، .وهذا في العقيدة وليس في الفقه .
والله تعالى أعلم.
ملاحظة : هناك من العلماء السلفيين من أطلق لفظة التّمييع ، مثل الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله ، وغيره ...
و هذا لفظ اشتهر أيضا بين علمائنا (السلفيون ).
و جزاكم الله خيرا .
التّعليق الرابع:
أخي الفاضل ياسين : توحيد الاتباع يخصّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم ، فلا متبوع بحقّ و إطلاق في التّشريع إلا النبيّ صلى الله عليه وسلّم ، و هذا التّوحيد للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم رفع رايته أهل العلم في مقابل التّقليد الأعمى .
كما قال بن القيم : توحيدان لا غنى للعبد عنهما : توحيدُ المُرْسِلِ بكسر السين ، و توحيدُ : المُرْسَلِ بفتح السين .
كما يقول بن القيّم أيضا : توحيد المعرفة و الإثبات و توحيد القصد و الطلب ، توحيد خبري و توحيد طلبي .
و أنا لا أنكر التقسيمات الاصطلاحيّة التي جاءت لأجل البيان أو ردّ المقالات الباطلة .
و هذه الأمور جاءتنا عن طريق الاستقراء لنصوص الشّرع ، و ليس فيه ما يمنعها ، إلا أن يكون ذلك بحجّة: التوقيف .
أمّا كون المصطلح في باب الأحكام حادث : فنقول : و ما يضرّنا حدوثه ؟.
و هو يأتي كبيان للمصطلحات الشرعيّة .
كان تقول : المنهيات في باب الأحكام هي : الكفر و البدعة و المعصية .
و الواقع فيها يُسمى: كافر أو مبتدع أو فاسق ، بحسبه و شروطه .
و نقول بدعة فلان كانت في : القدر أو في التجهّم أو الاعتزال أو في الخروج أو في التّمييع ...
و قد تكون بعض هذه البدع كفرا ، كما قد يكون التمييع كُفرا ...
فبعض النّاس يتقرّب إلى الله تعالى ب: منهج اللّملمة و التّجميع و التكتيل دون نظر إلى الفوارق العقديّة ، مع أنّه تربّى على العقيدة الصّحيحة و في بلاد التّوحيد ، فلا تجده لا قدري و لا معتزلي و لا خارجي و لا أشعري ...و لكنّك تجده يُقرّ هؤلاء باعتبارهم جميعا مسلمين و يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ، كمنهج الإخوان مثلا ، منهج تمييعي و منهج تلفيقي ، كما كان يقول الشّيخ الألباني رحمه الله : جمّع ثمّ ثقّف ثمّ : لا ثقافة !.
فهؤلاء : منهجهم ميّع الحقّ ، هذا بهذا الاعتبار لم نجده في الفرق الإسلاميّة السابقة !.
لم نجد من جمع كلّ هذه الطّوائف على عُجرها و بُجرها !.
فاستحقّ أن يأخذ إسم : منهج التّمييع !.
و هذا المنهج : يقضي على عقيدة الولاء و البراء ، و التي تجدها حتى عند بعض الطّوائف الضّالّة !.
و يقضي على ما تولّد عن عقيدة الولاء و البراء : مثل مبدأ الهجر و التحذير من الأخطاء( الردّ على المخالف عموما و على أهل البدع خصوصا ) ..إلخ .
أمّا كون هذا التعليق سابق لأوانه فلا : لأنّ المفروض قبل نفي المصطلحات أو اثباتها ، تبيينها و تحديد معانيها ، أو التدليل على ما ينقضها أساسا !.
و هذا ما يمهّدُ لفهم الموضوع أكثر .
و الله تعالى أعلم .
التعليق الخامس:
الاستشكال يبقى قائما أخي أحمد -حفظك الله-.
و الشّيخ حفظه الله تكلّم عن مسألة المشاحة في الاصطلاح فقط -من مجموع ما طرحته - و حتى هذه فيها جلبة .
و بقيت الاستشكالات الأخرى .
و أنا أنتظر حتى يُتمّ الشّيخ مقاله ، حتى أقول ما عندي .
و هذا اللفظ ليس وليد من تأثّر بكتابات سيّد فقط ، بل هناك من أهل العلم من كان سلفيا من بدايته و لم يتأثّر بسيّد ، ومع ذلك ذكر هذا المصطلح .
فمنهم على سبيل المثال :
الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله .
الشيخ الألباني رحمه الله .
الشيخ علي الحلبي حفظه الله .
الشيخ فركوس الجزائري حفظه الله -
و الشيخ العباد حفظه الله .
و الشيخ مقبل رحمه الله .
و الشيخ النجمي رحمه الله .
و أيضا كرد على سؤال عند الشيخ الفوزان أقرّ وجود تمييع في العقيدة .
و هذا الاصطلاح قد انتشر بين السلفيين و تداولوه أيما تداول و سدّدوا معناه و قوّموا من أخطأ في استعماله على غير الوجه الصّحيح ، فالتمييع عندهم ما كان مخالفا للكتاب و السنة(من جهة التسامح الديني ) لا ما خالف الحزب أو الشّيخ فلان أو المفكّر علان !!.
فقط : البعض استعمله في غير موضعه ، و عمّمه على إخوانه ، ولكن قبل سنوات كان المقصود بينهم مُشتركا!.
و قد عرفنا أنّ كلّ من ردّ على سيّد قطب ممّن خاطب إخوانه بهذا المصطلح ، قد استعمله بكثرة ! :
منهم الشيخ ربيع و الشيخ عبيد في مقال جناية التمييع !!!! و من كان معهم في هذا الباب ، و نحن لا نوافقهم في تطبيقاتهم الأخيرة -خاصة بعد وفاة العلماء المشاهير الكبار-، و نحن نردّ عليهم أخطائهم ، ونبيّن جناية(تمييع )و تعميم مصطلح التمييع على السلفيين بغير حقّ !.
التعليق السادس:
قال بعض مشايخ اليمن المعروفين :
السؤال التاسع :
هل مصطلح التمييع مصطلح قطبي ؟
الجواب :
مصطلح التمييع الآن حاصل بين الناس , فبعض الناس لا تعرف له اتجاهاً , إن جاء عند الحزبيين صار معهم , وإن جاء إلى أهل السنة صار معهم – ذو وجهين – ومن كان هذا حاله ربما أطلق عليه بعض المتأخرون [ مميع ] وهكذا تجده متأرجحاً , لا هو ثابت على السنة ولا هو أيضاً ذهب إلى أهل الأهواء , مثل هذا يسمونه [ مميع ] أي يجعلوا المسألة عبارة عن همزة وصل للآخرين , ويجعل المسألة ليست ذات أهمية وما إلى ذلك , فهو مصطلح لا غبار عليه , سهل , المصطلحات لا محظور فيها لاسيما ما لم تتعارض مع الشرع .انتهى ....
قال شيخ الإسلام بن تيميّة رحمه الله :
وأما الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول أقر به وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره.
ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه أو جمال عبر بغيرها أو بين مراده بها، بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي، فإن كثيراً من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة، حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره فضلاً عن أن يعرف دليله، ولو عرف دليله لم يلزم أن من خالفه يكون مخطئاً بل يكون في قوله نوع من الصواب، وقد يكون هذا مصيباً من وجه، وقد يكون الصواب في قول ثالث.
مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيميّة : علّق عليه :محمد رشيد رضا.( صفحة:87 جزء:3)طبعة لجنة التراث العربي .
و قال رحمه الله : قِيلَ: هَذِهِ أَلْفَاظ مُجْمَلَةٌ لَمْ يَرِدْ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا، وَلَا نطق أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ بِإِثْبَاتِهَا وَلَا نَفْيِهَا، فَإِنْ كَانَ مُرَادُك بِقَوْلِك إنَّهُ متحيز، أنه مُحِيط بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ أو يفتقر إليها، فالله تعالى غني عن كل شيءٍ لا يفتقر إلى العرش ولا إلى غيره من المخلوقات، بل هُوَ بِقُدْرَتِهِ يَحْمِلُ الْعَرْشَ وَحَمَلَتَهُ، وكذلك هُوَ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى الْكَبِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مُتَحَيِّزًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُك بأَنَّهُ بَائِنٌ عَنْ مَخْلُوقَاتِهِ عَلي عَلَيْهَا فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ فوق سماواته على عرشه بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ.(المسائل و الأجوبة الجزء الأول ، صفحة :148)تحقيق:أبو عبد الله حسين بن عكاشة، طبعة: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر - القاهرة.
أمّا ما نقله الشيخ عبد العزيز هنا : فيفسّره :
ألفاظ القرآن والحديث إذا عرف معناها الشرعي لم يُحتج إلى اللغوي وفيه الرد على الخوارج والمرجئة..
فقد قال شيخ الإسلام تحت هذا العنوان الطويل :
ومما ينبغي أن يُعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم؛ ولهذا قال الفقهاء:
((الأسماء ثلاثة أنواع)):
نوع يُعرف حده بالشرع؛ كالصلاة والزكاة.
ونوع يُعرف حده باللغة؛ كالشمس والقمر.
ونوع يُعرف حده بالعرف؛ كلفظ القبض، ولفظ المعروف في قوله: {وعاشِروهُنَّ بِالمَعْروفِ}، ونحو ذلك...(المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، تحقيق علوي السقاف،دار الهدى للنشر والتوزيع - الرياض:الجزء الأول ، صفحة : 74.
و العرف ما اصطلح عليه الناس وفق معطيات معلومة اقتضت ذلك .
و يُبيّن ذلك قول شيخ الإسلام :
وَهَذَا وَاقِعٌ لِطَوَائِفَ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَآخَرُونَ يَتَعَمَّدُونَ وَضْعَ أَلْفَاظِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ عَلَى مَعَانِي أُخَرَ مُخَالِفَةٍ لِمَعَانِيهِمْ ثُمَّ يَنْطِقُونَ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مُرِيدِينَ بِهَا مَا يَعْنُونَهُ هُمْ وَيَقُولُونَ : إنَّا مُوَافِقُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَلَاحِدَةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ والْإسمَاعِيليَّة وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنْ مَلَاحِدَةِ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ مِثْلِ مَنْ وَضَعَ " الْمُحْدَثَ " وَ " الْمَخْلُوقَ " وَ " الْمَصْنُوعَ " عَلَى مَا هُوَ مَعْلُولٌ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا وَيُسَمِّي ذَلِكَ " الْحُدُوثَ الذَّاتِيَّ " ثُمَّ يَقُولُ : نَحْنُ نَقُولُ إنَّ الْعَالَمَ مُحْدَثٌ وَهُوَ مُرَادُهُ . (مجموع الفتاوى ج:1 ، صفحة :243).
و قال أيضا :
وَإِذَا حَصَلَ مِنْ مُسْلِمَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عَلِمُوا مَا عِنْدَهُمْ بِلُغَتِهِمْ وَتَرْجَمُوا لَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ انْتَفَعَ بِذَلِكَ فِي مُنَاظَرَتِهِمْ وَمُخَاطَبَتِهِمْ كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍوَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ وَغَيْرُهُمْ يُحَدِّثُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحِينَئِذٍ يُسْتَشْهَدُ بِمَا عِنْدَهُمْ عَلَى مُوَافَقَةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْهٍ وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ .
وَالْأَلْفَاظُ الْعِبْرِيَّةُ تُقَارِبُ الْعَرَبِيَّةَ بَعْضَ الْمُقَارَبَةِ كَمَا تَتَقَارَبُ الْأَسْمَاءُ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ . وَقَدْ سَمِعْت أَلْفَاظَ التَّوْرَاةِ بِالْعِبْرِيَّةِ مِنْ مُسْلِمَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَوَجَدْت اللُّغَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ غَايَةَ التَّقَارُبِ حَتَّى صِرْت أَفْهَمُ كَثِيرًا مِنْ كَلَامِهِمْ الْعِبْرِيِّ بِمُجَرَّدِ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ . وَالْمَعَانِي الصَّحِيحَةُ إمَّا مُقَارِبَةٌ لِمَعَانِي الْقُرْآنِ أَوْ مِثْلُهَا أَوْ بِعَيْنِهَا وَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي خَصَائِصُ عَظِيمَةٌ . ( المجموع المجلّد :4 صفحة:110)
و كذلك نقل شيخ الإسلام رحمه الله عن الطوائف الضالة و الملاحدة و الفلاسفة تغيير معاني كلمة : التوحيد .
فكان المقصود هو : اتّباع المعنى القرآني لكلمة التّوحيد ، لا تفسيرها بتفاسير عقلية أو عرفية تخالف الحقّ ، ولذلك قلت سابقا: ينبغي تقديم الحقيقة الشرعية على الحقيقة اللغوية و العرفية عند التّعارض .
قال شيخ الإسلام في المجموع _(م:5ص:37):
وَالْمَقْصُودُ هُنَا : التَّنْبِيهُ عَلَى أُصُولِ " الْمَقَالَاتِ الْفَاسِدَةِ " الَّتِي أَوْجَبَتْ الضَّلَالَةَ فِي بَابِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ مَنْ جَعَلَ الرَّسُولَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْهِ وَلَا جِبْرِيلُ - جَعَلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالسَّمْعِيَّاتِ وَلَمْ يَجْعَلْ الْقُرْآنَ هُدًى وَلَا بَيَانًا لِلنَّاسِ . ثُمَّ هَؤُلَاءِ يُنْكِرُونَ الْعَقْلِيَّاتِ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَجْعَلُونَ عِنْدَ الرَّسُولِ وَأُمَّتِهِ فِي " بَابِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " لَا عُلُومًا عَقْلِيَّةً وَلَا سَمْعِيَّةً ؛ وَهُمْ قَدْ شَارَكُوا الْمَلَاحِدَةَ فِي هَذِهِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهُمْ مُخْطِئُونَ فِيمَا نَسَبُوا إلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى السَّلَفِ مِنْ الْجَهْلِ كَمَا أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ التَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ وَسَائِرُ أَصْنَافِ الْمَلَاحِدَةِ . وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ " أَلْفَاظِ السَّلَفِ " بِأَعْيَانِهَا " وَأَلْفَاظِ مَنْ نُقِلَ مَذْهَبُهُمْ " - إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ بِحَسَبِ مَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَوْضِعُ - مَا يُعْلَمُ بِهِ مَذْهَبُهُمْ .انتهى.
و قال أيضا :
قُلْت : وَلْيَعْلَمْ السَّائِلُ أَنَّ الْغَرَضَ " مِنْ هَذَا الْجَوَابِ " ذِكْرُ أَلْفَاظِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ نَقَلُوا مَذْهَبَ السَّلَفِ فِي هَذَا الْبَابِ ؛ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْ قَوْلِهِ - مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ - يَقُولُ بِجَمِيعِ مَا نَقُولُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ ؛ وَلَكِنَّ الْحَقَّ يُقْبَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ ؛ وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ فِي كَلَامِهِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ ؛ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ : اقْبَلُوا الْحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ بِهِ ؛ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا - أَوْ قَالَ فَاجِرًا - وَاحْذَرُوا زيغة الْحَكِيمِ . قَالُوا : كَيْفَ نَعْلَمُ أَنَّ الْكَافِرَ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ ؟ قَالَ : إنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا أَوْ قَالَ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ .(المجموع :م:5،ص:101).
و كثيرا ما نجد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ينهى عن الألفاظ المشتبهة ، التي يحصل بسببها الخلاف .
و ما نحن فيه ليس من ذلك القبيل / ومع ذلك فشيخ الإسلام دلّنا حيث وجود الخلاف في تلك الألفاظ أن لا نحكم إلا بعد الاستفسار عن مقاصد المتكلّمين منها ، فنحكم من خلال مقاصدهم !.
أما ما كان من الألفاظ فيه بيان للحقائق أو تقسيم أو تصنيف بحقّ فهذا لا ضير فيه .
و لذلك أطلق على مجموعة كبيرة من الطوائف ألقابا و أسماء ، حتّى يُصنّفها و يُبيّن أمرها للنّاس ، و كلّ هذه الطّوائف تدخل في حيّز البدع ، دون أن تقضي تلك الألفاظ على مصطلح البدعة .
خاصّة إذا وجدنا في كلام المتكلّم : النطق بلفظ البدعة و الكفر و الفسق ، فنعلم أنّه لا يريد من ذلك ذاك المُراد، و الله أعلم .
و لينظر المجموع المجلد السابع صفحة :658، مسألة اللفظ بالقرآن ، وما حدث بين أهل السنّة في ذلك ..
و أيضا يأتي الغلط من : قَوْمٌ اعْتَقَدُوا مَعَانِيَ ثُمَّ أَرَادُوا حَمْلَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا...كما قال شيخ الإسلام رحمه الله .
و لكن اللفظ الذي يبيّن و يشرح بعض الأمور التي جاءت في الكتاب و السنّة ليس من ذلك القبيل و ليس فيه ضرر ، كما هو حال أهل التّفسير .
و قد يقع شيئ من ذلك بالستقراء ، كمن قسّم التّوحيد إلى ثلاثة أقسام للتسهيل و بيان المعنى .
و المقصود أنّ الالفاظ التي وردت في الكتاب و السنّة لا ينبغي تغيير اصطلاحها الذي جاءت لأجله ، وقد أعطيت مثالا في تفسير الظلم بالشرك سابقا ..
فهذه لا تُغيّر و ينبغي تربية الاجيال على تلك المعاني القرآنيّة الصّحيحة .
أمّا ما لم يرد لا في كتاب و لا في سنّة ، فقد بيّنه شيخ الإسلام ...
و الله تعالى أعلم .
التعليق السابع:
و أنقل هنا كلام شيخ الإسلام رحمه الله( و الذي نقله الشّيخ عبد العزيز حفظه الله ) بسياقه حتّى يتّضح المعنى منه :
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالْهِبَةَ وَنَحْوَهَا لَمْ يَحُدَّ الشَّارِعُ لَهَا حَدًّا ؛ لَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا نُقِلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ عَيَّنَ لِلْعُقُودِ صِفَةً مُعَيَّنَةً مِنْ الْأَلْفَاظِ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ قَالَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : مِنْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالصِّيَغِ الْخَاصَّةِ ؛ بَلْ قَدْ قِيلَ : إنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِمَّا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ الْقَدِيمَ وَإِنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ . وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ بِحَيْثُ يُقَالُ : إنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُسَمُّونَ هَذَا بَيْعًا وَلَا يُسَمُّونَ هَذَا بَيْعًا حَتَّى يَدْخُلَ أَحَدُهُمَا فِي خِطَابِ اللَّهِ وَلَا يَدْخُلُ الْآخَرُ ؛ بَلْ تَسْمِيَةُ أَهْلِ الْعُرْفِ مِنْ الْعَرَبِ هَذِهِ الْمُعَاقَدَاتِ بَيْعًا : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي لُغَتِهِمْ تُسَمَّى بَيْعًا ،وَالْأَصْلُ بَقَاءُ اللُّغَةِ وَتَقْرِيرُهَا ؛ لَا نَقْلُهَا وَتَغْيِيرُهَا ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ كَانَ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ . فَمَا سَمَّوْهُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَمَا سَمَّوْهُ هِبَةً فَهُوَ هِبَةٌ .
و لندقّق في قوله رحمه الله : (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ كَانَ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ . ).
و هذا تتمّة النّقل الثّاني عن شيخ الإسلام رحمه الله بسياقه و سباقه :
وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَجَبَ حَمْلُ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى عُرْفِهِمْ فِي خِطَابِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفُهُمْ مُوَافِقًا لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ . فَإِنْ كَانَ مُوجَبُ اللُّغَةِ عَوْدُ الشَّرْطِ إلَى الطَّبَقَاتِ كُلِّهَا فَالْعُرْفُ مُقَرِّرٌ لَهُ . وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ مُوجِبَ اللُّغَةِ قَصْرُهُ عَلَى الطَّبَقَةِ الْأَخِيرَةِ كَانَ الْعُرْفُ مُغَيِّرًا لِذَلِكَ الْوَضْعِ .
وَكَلَامُ الْوَاقِفِينَ وَالْحَالِفِينَ وَالْمُوصِينَ وَنَحْوِهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقَائِقِ الْعُرْفِيَّةِ دُونَ اللُّغَوِيَّةِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ : هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْعُرْفِ وَالْأَصْلُ تَقْرِيرُ اللُّغَةِ لَا تَغْيِيرُهَا فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ مَفْهُومُ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ . .
فما معنى تقرير اللغة ؟...و ما معنى : تغيير اللغة ؟.
التّقرير كما هو ملاحظ من السياق له علاقة بالعرف ، أي العرف قد يأتي على المعنى اللغوي فيقضي عليه في الحكم (أي اللفظ)، لأنه له علاقة بالوضع كما في كلام شيخ الإسلام .
و لكنّه لا يُغيّر اللفظ الأصلي ..و لذلك قال : فالعُرفُ :مقرّر له ..و قال : مغيّرا للوضع و لم يقل مغيّرا للّغة( اللفظ) ، أي للمعنى الذي وُضع له اللفظ .
و لذلك يختلف ذلك من مكان لآخر !..بحسب العرف ، كمن يحلف أن لا يأكل اللحم ، و لكنّه في المساء جاء و أكل الحوت أو السمك ، باعتبار اللحم عندهم هو : غير البحري ! ، فهل يُكفّر !؟.و هذا يساوي كلامه :(وَكَلَامُ الْوَاقِفِينَ وَالْحَالِفِينَ وَالْمُوصِينَ وَنَحْوِهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقَائِقِ الْعُرْفِيَّةِ دُونَ اللُّغَوِيَّةِ ).
و لذلك القاعدة تقول : الحقيقة العُرفيّة مقدّمة على الحقيقة اللّغويّة عند التّعارض ...و منهم من يقول : العادة مُحكّمة .
و هذا ما يُثبت تغيير الوضع لا تغيير اللغة .
أما النقلين الأخيرين فقد ظهر معناهما بالنقول السّابقة .

و الله تعالى أعلم .
التعليق الثامن :
أخي الفاضل أحمد :أوّلا أعتذر عن التّأخّر ، ذلك بسبب انقطاع النّت عندي !.
و جوابي هو :
من فسّر الآية بما تفضّلت ؟!.
أي :هل من استعمل مصطلح التّمييع فسّر الآية بذلك ؟ !.
هل تستطيع أن تُفسّر الآية بقولك :ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم المبتدعون؟. "
مع أنّ المبتدع أيضا يحكم بغير ما أنزل الله !.
و لكنّ الآية دلّت على معنى عامّ ..فسق و كفر و ظلم .
و نحن إذ نصطلح على لفظة التمييع فإننا نريد بها معنى خاصّ !.
و هذا المعنى راجع إلى تعريف التّمييع .
و قد بيّنت من قبل أنّ هذا المصطلح مستعمل عند العلماء فيمن أراد انحلال اهل الحق في أهل الباطل أو العكس ، دون نكير ...و من هذا الوجه فالمميّع لا يحكم بما أنزل الله !..و لكن لا نستطيع تفسير الآية بذلك ، كما أنّنا لا نستطيع تفسير الآية بـ: فأولئك هم المبتدعون!.
فلا نترك المعنى العام لأجل معنى خاصّ ليس لنا عليه دليل في تفسير الآية !.
و لذلك لمّا توفّر عندنا الدّليل على تفسير الظّلم بالشّرك في الآية السّابقة ، صرنا إليه ، و هو تفسير نبيّنا صلى الله عليه وسلّم ..فالظلم أعمّ من الشّرك ، و لكنّه هو المقصود في تلك الآية : بالنّصّ !.
و هذا دليل على تغيّر الوضع !.
و لكن لو لم يكن هناك دليل على تفسير الظلم بالشّرك ، فإنّ الظّلم يشمل الشّرك و يشمل غيره ، فالتّخصيص يُخرج أجزاء العموم كلّها و يُبقي على ما نصّ الدليل على فرد من أفرداه ، و التخصيص يُضعف دلالة العموم!.
و مع هذا فهذه مصطلحات منصوص عليها لا نغيّر لفظها و لا نستبدله ، ولكن قد يتغيّر وضع لفظها !.
و مصطلح التّمييع نستطيع كذلك تغيير وضعه ، خاصّة أنه غير منصوص عليه بالمعنى الذي اصطلح عليه أهل العلم : فوضعوه فيمن سبق ذكرهم !.
و قضيّة الاصطلاح قضيّة واسعة جدّا ، وليس لأحد المنع إلا بالدّليل !
و قد سبق الكلام على هذا.
و قد ذكرت أمثلة لذلك : كلفظة : عقيدة ، و منهج يُراد به شيئا مخصوصا ، و : لفظة سيّاسة ، بل بعضهم يقول أنّ أصلها غير عربي أصلا !..قال الشّيخ مشهور -حفظه الله-:السّياسة في القرآن ، وهل هي لفظة عربية أم معربة ؟.
:لم يرد في القرآن ذكر للفظة ( السياسة ) ، إذ هذه اللفظة مُعرّبة على رأي ابن كمال باشا (ت:940 هـ) ؛ فإنه قال في كتابه :( تحقيق تعريب الكلمة الأعجميّة) ما نصّه: ( السّياسة ) معرّب ( سَهْ يَسَا) ، و هي لفظة مركبة من كلمتين :
أولهما : أعجميّة ، و الأخرى : تُركيّة ؛ فإنّ ( سَهْ ) بالعجميّة : ثلاثة ، و و ( يَسَا ) : بالمُغل : الترتيب : فكأنه قال : التّراتيب الثّلاثة .
ثمّ نقل تفسير ذلك ..
ثمّ قال :
تحقيق التّعريب :
افاد صاحب ( دراسات في تأصيل المعربات و المصطلحات ) (ص:131-132)أنّ لفظة ( سياسة ) بمعنى /استصلاح الخلق بإرشادهم إلى ما فيه مصلحتهم ، أو المنهج المتّبع في تدبير مرافق الحياة العامة ، و منها : السّياسة المدنية ، والسياسة التربوية ، و سياسة السوق الحرة .
أقول : إنّ اللفظ -بمفهومه الحديث- مولّد توليدا معنويا ، و المولّد على ما جاء في ( المعجم الوسيط) المولّد من الكلام : كلّ لفظ كان عربي الأصل ثمّ تغيّر في الاستعمال ، أو هو اللفظ العربي الذي يستعمله الناس بعد عصر الرواية ).
ثمّ قال :
السياسة عربية: اللفظ عربي فصيح ، و هو ساس الناس يسوسهم سياسة :ورد في جمهرة اللغة لابن دريد (ت:321):و سُسْتُ القومَ و أسُسُهم سياسة ، و كذلك الدّواب.
و قبل ذلك ذكر -حفظه الله-ورود السياسة -ليست بلفظها-في السنة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ ) .
و معنى تسوسهم : أي يتولن أمورهم كما تفعل الأمراء و الولاة بالرعية ، والسياسة القيام على الشيئ بما يُصلحه -قاله النووي-انتهى : انظر السياسة التي يريدها السلفيون :(5-8)
مع أنها في الاستعمال العربي جاءت لعدة أشياء !.
و قد اختلف -فيما أعلم- أهل العلم في وضع حدّ لهذا المصطلح ، رجع كتاب الشيخ مشهور صفحة:13.
و راجع صفحة :(27 منه ) قوله : إن مصطلح (السّياسة) لا يحمد بإطلاق ، ولا يُذم بإطلاق .( وانظر أيضا :صفحة :30منه للفائدة ).
و أيضا : لفظة : حديث ،شاذّ ، و لفظة : زنديق ، و زنادقة ، فلسفة و فيلسوف و متفلسف ، ولفظة : عقلاني ، وأهل الرّأي ، و ظاهري ، و غيرها من الالفاظ الكثيرة .
فائدة أخرى مهمّة جدّا حول : قول:( لا مُشاحة في الاصطلاح) من نفس الكتاب ، صفحة: (57)...و ذلك كردّ على من أنكر عليه ....
قال : ...فتقسيم الجهاد إلى :( طلب و دفع ) لا دليل عليه -هكذا قلتُ !-، كتقسيمات العلوم و اللغة ، و كتقسيمات أنواع التّوحيد ، و كتقسيمات التلاوة و التجويد .
و لكن ...ما حكم هذا التّقسيم ؟ هل هو مردود أم مقبول ؟.
يُقال-ها هنا -: ( لا مُشاحة في الاصطلاح ) ! .
و قال صفحة :74: إنّ العبرة -كما يُقرّره الفقهاء -بـ( الحقائق و المعاني ) لا بـ ( الألفاظ و المباني) ، و عليه ؛ فلا ضير في عدم استخدام القرآن للفظة (السياسة) ، ولا يدلّ ذلك -بداهة- على ذمّها ، و لم يترك القرآن أصول النظر -على اختلافها- بما في ذلك السياسة -إلا و قد رسمه و نصّ على كلّياته ؛ فهو لم يترك الحكام ولا المحكومين هملا ، و لم يهمل وقائع الحياة ، و لم يتركها بلا حلول و لا أحكام ، و فقهاء الإسلام لم يدعوا من وقائع الحياة شيئا إلا نزّلوه على مقتضى أحكامه و أحكام السنّة النبويّة على وفق تطبيق السّلف الصّالح ، واجتهاداتهم المنتزعة من نصوص الوحيين الشريفين .
و من البديهي أنّ الإسلام جاء :دعوة ربّانيّة هادية ، ومنقذة للبشريّة من التّخبّط و الضّياع التي انحدرت إليه قبل البعثة المحمدية .
قال في صفحة :133: إنما سمّي الزّنديق زنديقا ؛ لأنّه وزن دقيق الكلام بمخبول عقله ، وقياس هوى طبعه ، وترك الأثر و الاقتداء بالسنن ، وتأوّل القرآن بالهوى ، فسبحان من لا تُكيّفهُ الأوهام .قاله الذهبي في السير : (13/332)في ترجمة سهل بن عبد الله التستري-انتهى- ، فانظر كيف حصل هذا المعنى! ، و كيف شاع بعد ذلك !. و ما هو أصله؟.
و الله تعالى أعلم .
التعليق التّاسع:
أخي الفاضل عمر الكرخي حفظك الله :
أنا في أوّل تعليق لي على الحلقة الأولى من موضوع الشّيخ عبد العزيز ، قد استفسرت عن مُراد الشّيخ ، ولذلك أتممت تعليقاتي ، و في تعليقاتي فيما أحسب جواب عن استفسارك .
و لذلك كنت قلت سابقا : أن لفظ تمييع لم يُستعمل مكان لفظ بدعة ! ، و لا لفظ فسق و لا لفظ كُفر !.
بل هو من بعضهم جاء من باب الإخبار و البيان ، و لغة العرب واسعة !.
و بعضهم أطلقه على من أصّل أصولا كانت سببا في ضعف الولاء و البراء ، وقاضيّة على مبدأ الردّ على المُخالف ، و أصل هجران أهل البدع و غيرهم ممن يستحقّ الهجر ، و قاضية على منهج التّصفية و التّربية عموما ، منهج قائم -كما قال عائض القرني هداه الله : على اللملمة !.
و هذا المنهج أصبح مدرسة قائمة ، فقد كان من قبل بعضهم يقول : أنا من دعاة التّيسير ! ، ولكنّ دعوته تلك لم تتوقّف عند تتبّع الرّخص ، أو التّيسير في جانب من الدّين قد قال به بعض العلماء -وهذا هكذا أيضا خطأ بإطلاق!-.
فتوسّعت هذه المدرسة في هذا الباب حتّى جمعت إليها -بمنهج تيسيرها -كلّ من انتسب إلى الإسلام ، فتجعله :من حقّه الخلاف و المُخالفة ، ولا فرق بينه وبين أيّ مسلم آخر مادام مُسلما إسما ، و لو وقع منه بعض الشركيات أو الغلو في الأولياء أو الوقوع في البدع ، بل تهجّم هذا المنهج على منهج الحقّ ، ورماه ب: تفريق المسلمين ، وأنّ أصحابه دسيسة على الإسلام ، أو أذناب الحكام و عملاؤهم ، وأنّهم يحاربون الصحوة -التجميع-....إلخ.
و قد توافق على هذا المنهج بعض الجماعات ، وأشادت كلّ جماعة برؤوس الجماعة الأخرى ، لأن الوحدة على هذا المنهج قائمة دون نكير ...كمنهج الإخوان المسلمين و منهج الدعوة والتبليغ و منهج السرورية و القطبيون و غيرهم ..
فقد رأيتهم يقولون في بعض المحافل التي جمعتهم و من القرني و الجفري !!! :نحن لا ننكر على من هو يدعوا إلى الله تعالى ، فكلّ على ثغرة !.
هذا المنهج الجديد الذي جمع كلّ تلك الأطياف : هو منهج التّمييع ، و بعض أهل العلم يسمّيه :بالتفلّت و الانفلات !..و سمّيه ما شئت ، إذا كان هذا التّصنيف يخدُم الحقيقة الواقعيّة المرّة !.
و هؤلاء هم المُميّعون الحقيقيون ، لا معاشر السلفيين الذين يُحاربون التمييع الحقيقي و يُحاربون ضدّهُ : الغلو و الغلاة على مختلف أصنافهم ( و منهم : غلاة التكفير و غلاة التّبديع ).
و منه : فمُميّع لا يُساوي بالضرورة : مُبتدع ولا كافر و لا فاسق ، و لكنّه قد يكون كذلك !.
فقد يكون من المميّعة : مبتدعة حقيقيون ، وقد يكون فيهم من انبهر بهذا الزيف و اغترّ بتلك التهويلات ...و قد يكون من المميّعة: كفارٌ حقيقيون ، يتلاعبون بثوابت الدّين و تأصيلاته الأصيلة ، والقائمة على البراهين الشّرعيّة ، ويُساوون بين الحقّ و الباطل ...و قد يكون من المميّعة : فساق حقيقيون : يتّخذون من هذا المنهج وسيلة لقضاء شهواتهم و أغراضهم الدنيوية الدّنيئة ....
و هؤلاء الذين أتحدّث عنهم : منهم دعاة التقريب (مع أهل البدع و غيرهم )، و دعاة التّسامح (مع أهل البدع و غيرهم ) : كما يفعل : الدكتور القرضاوي و سلمان العودة و أتباعهما !!!.
و لذلك فهم لهم اليوم : هيئة إعلامية عالمية في الإمارات !!!، يشارك فيها أعضاء من مختلف دول العالم ، على مختلف النحل !.
هذا التّكتيل الذي كان يسعى إليه المنهج الإخواني في بدايته قبل انقسامه ، و هو اليوم يسعى للمّ الشمل و لملمته لأجل التصدّي للتّحدّيات الرّاهنة و القائمة !!!.
من هنا و بين هؤلاء ضاع الحقّ الذي يحمله أهل السنّة !.
أما جعل الشيخ عبد العزيز :أسماء الذم والمدح في العبادات والعقائد توقيفية : فهذا ما كنت أبنت عنه في تعليقاتي فلا أعيد .
أما جواب استشكالك أخي الحبيب عمر -مع أني أجبت عنه من قبل-:أنك لا تستطيع أن تقول عن المبتدع: مميع -مثلاً- ولا عن الكافر ولا عن الفاسق ولا عن المنافق ولا ... ولا ... إلى آخر الأسماء الواردة في الشرع.
فهذا ليس على إطلاقه ، و هو مربوط بما سبق آنفا ، فكذلك لا تستطيع أن تقول عن المبتدع -بإطلاق-كافر ، و لا العكس ، و لكن قد يكون الكافر مبتدعا بدعة تُخرجه من الإسلام بعد إقامة الحجة ، و قد يكون المبتدع واقعا في بدعة مكفّرة تُخرجه من الملّة و العياذا بالله -بعد إقامة الحجّة- و كذلك قل في الفسق و غيرها ، فبينهم عموم و خصوص وجهي !.

و لذلك مميّع لا تساوي يالضرورة كافر و لا مبتدع و لا فاسق ..لكنّها في التّصنيف-على تأصيلات المميّعة- تساوي: كلّ مميّع مبتدع و ليس كلّ مبتدع مميّع !.
فكثير من المبتدعة -كما سبق وأن أشرت إليه-يعقدون على مذهبهم الولاء و البراء !.
و قد ضربت على ذلك أمثلة في التصنيف : كزنديق ، فيلسوف ، ملحد ، مرجئ ، حروري ، تكفيري ، خارجي ، مميّع ، ...
فهؤلاء كلّهم : يدخلون في حكم المبتدعة ، لا أنّهم هم البدعة في حدّ ذاتها برسمها واسمها و معانيها ، لأنّ البدعة أعمّ بكثير ...
أمّا قولك أخي الفاضل عمر :
ومن الأسباب (الهامة) التي تجعلنا نقول هذا القول: أنه إن رُمِيَ شخص ما بالتمييع -مثلاً- فلن تستطيع أن تعرف حكمه الشرعي! ، ولو رُفِعَ الأمر إلى القضاء فلن يستطيع أن يحكم في أمره؛ فقد لا يصرّح الرامي بحقيقة قصده؛ فيزعم أنه إنما أراد أنه مائع في كلامه أو ما شابه!.
فهذا غير صحيح ، فالمميّع نعرف حكمه ، أوّلا من حال الرّجل ، و ثانيا من سياق الكلام الذي ورد فيه ذلك اللفظ ...
و إذا ما ضُبط و عُلم لفظ التمييع ، و ما هو مقصد القائل منه ، فإننا نحكم عليه و العُهدة على القائل ، هذا فيمن غابت عنا حقيقته .
و لذلك في مثل هذه الألفاظ يقرّر شيخ الإسلام : أنه ينبغي معرفة مقصد المتكلّم ...
و عدم تصريح القائل بقوله لا ينفي الألفاظ و المصطلحات ..فكثير منها هي الألفاظ التي يتلاعب بها الناس ، ولكن يُغيرون وجهة مقاصدهم ، ....!.
و القاضي قد يحكم بما هو معلوم مشهور من تلك اللفظة بين الناس أو بين المتخاصمين في بيئتهما .
كأن يقول له : أنت حبشي ، ويقصد بذلك فرقة الأحباش !، فقد يُغيّر قصده و يقول : كنت أقصد :الحبشة ! مثلا لا حصرا ، أو يقول له : أنت غالٍ و يقصد به الغلو لا الغلاء !.
فالقضاء له طرق لمعرفة تلك الحقائق .
و مخاطبة من يفهم هذه المصطلحات على قدر عقول الناس و مداركهم و فهومهم ، فقد تقول لبعض الناس : أنت حروري أو مرجئ أو حزبي أو ....و لا يعرف معنى ذلك !.
بل هذه التّصانيف التي نعلم كثيرا منها الآن : قد لا يعرفها كثير من قضاة العصر !.
أما معاناتنا من مثل هذا المصطلح أخي الحبيب : فقد عانينا أيضا من مصطلح الرمي بالإرجاء و لم يكن صحيحا اتجاهه إلينا ، و قد رُمي الأفاضل : بالعمالة و الخروج و الإخوانية ! و غيرها ...فهل سنوقف تلك المصطلحات لأننا عانينا منها ؟.
و لذلك قلت في تعليق سابق : ينبغي تقويم المصطلحات و تصحيح وجهتها لا هدمها و نفيها ، و قد كان على أرض الواقع حقيقة !.
أما قول شيخنا الحبيب في هذه المسألة : فأرجو منك أن تسأله بنفسك حتّى نأخذ قوله مباشرة ..
و مع ذلك فقد أثبت هذا القول عن غيره من أهل العلم .
و أزيد هنا : الشّيخ عبد العزيز الرّيّس -حفظه الله و وفّقه-.
و الآن أعود إلى أخي الفاضل أحمد -حفظكما الله-:
أخي الفاضل: من سياق كلامي تعلم قصدي من سؤالي !.
فأنا لم أقل أنّك أنت الذي فسّرت ، بل سؤالي متوجّه إلى من ننتقده في هذه اللفظة ، هل فسّر الآية يالتمييع !؟.
و ذلك بهذا السؤال أكون قد أجبتك -تلميحا- عن سؤالك السابق !.
و نعم؛ قد يكون جواب السؤال سؤال ! ، فإن من أساليب اللغة العربية : أن يكون السؤال تقريريا و قد يكون استفهاميا ، و هذا موجود في الكتاب و السنة !.
و سؤالي تقريري .
أمّا قولك :أين أقوال أهل العلم المعتبرين من أمثال محمد بن إبراهيم وابن باز والألباني والعثيمين .
فهذا سؤال عجيب و الله ، ذلك أنّ الحقّ ليس محصورا في هؤلاء الأئمّة ، و قد نشأت كثير من المصطلحات بعد وفاة الصّحابة رضي الله عنهم و لم يُنكر أحد !.
و عدم الكلام لا يُفهم منه أيضا نفي الألفاظ !.
بل أقلب القول : من من العلماء المعاصرين نفى هذا اللفظ و حذّر منه ، مع أننا نقلنا أن الأصل عدم المنع في اللغة و النقل وارد هنا ، أي نقل وضع اللفظ من معنى لآخر !.
و قولك :
هل كان الانحلال أعني انحلال بعض أهل الحق في أهل الباطل موجودا قبل أم أنه طرأ في العصور الحالية ؟.
أقول : بهذه الصّورة قد بيّنت ذلك في تعليقي على كلام أخينا الفاضل عمر ، و هو قيام منهج بذاته يحمل تلك المواصفات فاقتضى التصنيف !.
أما عدم كلام أهل العلم ، فلكلّ عُذره و اختصاصه ، فهل تستطيع أن تُثبت لي لفظة : قُطبي و سروري من كلام هؤلاء الأفاضل !؟
مع أن الشيخ بن عثيمين و الشيخ بن باز و الشيخ الألباني كانوا على قيد الحياة لمّا انتشرت هذه المصطلحات !.
لذلك نقول جوابا على سؤالك : أم أن الدين غير الدين ؟ الدين هو الدّين ، والاجتهادات تتغيّر من عالم لآخر !.
و الحقّ ليس محصورا في أشخاص بأعيانهم ، فمن أظهر لنا خطأه عاملناه بما ظهر لنا !.
و رفع الملام عن الإئمّة الأعلام واجب.
أمّا قولك:انحلال أهل الحق بأهل الباطل هل هو من قبل العادات أو العبادات ونحن متفقون أنه من الأعمال التي تلحق العبادات والأصل فيها المنع حتى يرد الدليل فليس لأحد أن يصطلح فيها مصطلحا من عنده .
من أين أتيت بهذا الأصل و قد أثبت لك في تعليقاتي السابقة ما يثفنّدُه ، أي أصل المنع في الاصطلاحات !...و المسألة في المسمّيات اللغويّة و تغيير وضعها أو بيان الاشتراك اللغوي في معاني قائمة بالأمور الحادثة !
و على ماذا يدل التصنيف السابق الذي ضربته لك مثال !؟.
الحاجة دفعتنا للتصنيف ، لا هواية قائمة في أنفسنا !.
و بيان الحقّ ألجأ كثيرا من علمائنا إلى أقوال لم يقل بها السلف ، ذلك لظهور بدع جديدة أو مقتضيات عارضة ليست أصليّة !.
أما قولك :
أسماء الذم توقيفية تؤخذ من الشرع وليس من اصطلاح البشر .
أريد واحدا من أهل العلم قرّر ذلك .
و ما هو مقصودك بأسماء الذّم ، ومن سبقك بهذا الاصطلاح !؟
على أن لفظة : الخوارج و المرجئة والشيعة و الجهمية و القدرية و جماعة التبليغ و و جماعة الإخوان المسلمون ، حزب التحرير ، و جبهة الإنقاذ ، و القطبيون ،والسروريون و غيرها ...تُعتبر من أسماء الذّم لا من أسماء المدح !..و هي من اصطلاحات البشر لا من اصطلاحات الشّرع !.
قولك :
3. استدلالك بمصطلح السياسة
في غير محله لأن السياسة في الأصل داخلة في عادات الناس وليس في عباداتهم فليصطلحوا ما أرادوا .
بل في محلّه ، و هو إثبات الصطلاح و تغيير الوضع العربي و غيرها من الأمور التي دفعتني للاستدلال به !-كما هو مُبيّن في تعليقي -.
و هي من الأمور الشّرعيّة ، و قد ألّف فيها أهل العلم كتبا ، كيف لا و تعريفها نابع من الشّرع !.
فقط راجع تعليقي السابق !.
و أمّا التعليق العاشر فهو تعليقي اليوم .
رد مع اقتباس