عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-18-2009, 07:51 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

وأيضًا: بعض الناس يُخصِّصون أول المحرَّم بعمرة.


وبعضهم يُرتِّبون دعاءً خاصًّا -أيضًا- مُرتَبطًا بأول السَّنَة.


وكل ذلك لا أصل له.



مع التنبيه إلى: أن هذه البدع قد تتغير، وتتبدل، وتشتهر، أو تندثر باختلاف الزمان والمكان؛ فما قد يكون غير موجودٍ في بلادنا -فهذا مِن فضلِ الله علينا-؛ فإنه موجودٌ في بلاد أخر. ما لم نَرَه، أو نعرفه، أو نحس به؛ قد يَراه غيرُنا، ويُبتلَى به سوانا؛ فالمعافى يحمد الله.




أما (عاشوراء): فقد ورد في فضله أحاديث كثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. منها حديث عائشة في "الصَّحيحين"، قالت: "كان يوم عاشوراء تصومُه قريش في الجاهلية، فلما قَدِم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ صامَه، وأمَر بِصيامه، فلما فُرِضَ رَمضان؛ تَرك يومَ عاشوراء" أي: ترك صيامَه على الوُجوب.


فالرَّاجح: أن (عاشوراء) لما صامَه النبي -عليه الصلاة والسلام-قبل فَرْض رمضان- أنه كان فرضًا؛ وأما بعدَ أنْ فُرِض رمضان؛ فكما في حديثِ عائشة قالت: "تَرَك يومَ عاشُوراءَ"، وتتِمَّة الرِّواية تُوضِّحُها، قالت -رضي الله عنها-: "فمَنْ شَاءَ صامَهُ، ومَنْ شاءَ تَرَكَهُ". إذًا: هو على الاستحباب والتَّخيير، ولكنَّ الاستِحباب أقوى مِن مَحضِ التَّخيير.


وأيضًا في "الصَّحيحين": عن ابن عباس قال: "قَدِم النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- المدينةَ، فرَأى اليهودَ تَصومُ يَومَ عاشُوراءَ، فقال: ما هَذا؟ قالوا: هذا يَومٌ صالِحٌ [وفي رواية: يَومٌ عَظيمٌ]، هذا يومُ نجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى وقومَهُ مِن أعدائِهِم، وأغرَقَ فِرعونَ وقومَه، فَصامَه موسَى" هذا كلام اليهود الذين كانوا يَصومون هذا اليوم؛ فحينئذٍ قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "فأَنا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم".


كلُّ حقٍّ أهلُ السُّنة أولى به، كل حقٍّ أهلُ الإسلامِ أولى به، وفي دينِهم وفي منهجِهم غَناء واستغناء عن يأتُوا بأيِّ شيء مِن خارجِه، وهذا النبيُّ الكريم -عليه الصلاة والسلام- في هذه الأحقيَّة؛ إنما هي بِوَحيٍ من ربِّه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4].


قال: "فَصامَهُ، وأَمَرَ بِصِيامِهِ" وهذا الأمر-كما قلنا-: الأصلُ فيه الوجوب، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، إلى أن فُرِض رمضان؛ فانتَقل الأمرُ مِن الوجوب إلى الاستِحباب.


ومنها -أيضًا-: عن أبي موسى الأشعري قال: كان يومُ عاشُوراءَ تَعُدُّه اليَهودُ عِيدًا، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "فصُومُوا أَنْتُمْ" متفقٌ عليه.


وفي هذا إشارة: إلى أن يوم العيد لا يُصام، إذا كان اليهودُ يَعُدُّونه عيدًا؛ فنحنُ نصومُ؛ مخالفةً لهم في أصل فِعلهم، وفي اعتبار هذا اليوم يومَ عِيد؛ وكل ذلك أهلُ السُّنة أولى به، وأحرصُ عليه، وأدعَى أن يَجمعوا الناس إليه.


وفي "الصَّحيحَيْن" -أيضًا-: عن حُميد بن عبدِ الرحمن: أنه سمع معاوية بنَ أبي سفيان -رضي الله عن معاوية-.. صحابي جليل، مِن كتَبة الوحي، دعا له رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وشَهِد له الصَّحابة، قال ابنُ عباس: "إنَّه لفَقِيه"، ويأتي -اليوم- بعض زعانفة الجهلة المتسلِّقين بالباطل والزُّور والإفك المبين، يَطعن بمعاوية، ويطعن بأَبِيه، ويا ليت -تنزُّلًا- كان الأمر مجردَ طعنٍ قائم على شُبهة؛ لسَهُلت الضلالةُ شيئًا ما -وإن كانت ليست سهلة-؛ لكنهم يوجِّهون إليهم سِهام التَّكفير والخروج مِن هذا الدِّين، ومِن مِلَّة المسلمين! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5]، ثم لا يَزالون ينسِبون أنفسَهم لا أقول إلى السُّنة، ولكن يَنسبون أنفسهم -هؤلاء الضالُّون- إلى هذا الدِّين، ونخشى ما نخشاه أن يكون ذلك السَّهم الذي وجَّهوه إلى معاويةَ وأبيه مُرتدًّا على رقابِهم، وعلى أعناقِهم؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "أيُّما رَجُلٍ كَفَّرَ أَخاهُ المُسلِمَ؛ فَإِنَّها تَصْعَدُ إِلى السَّماءِ، فإنْ لم تَجِدْهُ كَما قَالَ؛ وَإلاَّ حارَتْ إلَيْهِ" أي: رَجعَتْ عَليهِ. وأيُّ فضل أعظم مِن فضلِ هذه الصُّحبة البارَّة لهؤلاء الصحابةِ الأخيار -رضي الله عنهم جميعًا-؟!


ففي "الصَّحيحين": عن حُميد بن عبد الرحمن: أنه سَمع معاويةَ بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- يوم عاشوراءَ عام حَج على المنبر يقول: يا أهلَ المدينة! أين عُلماؤُكم؟ سَمعتُ رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول: "هَذا يومُ عاشُورَاء، ولَم يَكتُبِ اللهُ عَلَيكُمْ صِيامَهُ، وأَنا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ" متفق عليه. هذا حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يَرويه عنه معاويةُ بنُ أبي سفيان -رضي الله عنه-. فقوله: "ولَم يَكتُبِ اللهُ عَلَيكُمْ صِيامَهُ": أي: على وجه الفرض، وهذا كان بعد فَرضِ رمضان.


وفي "الصَّحيحين" -أيضًا-: عن ابن عباس قال: "ما رأيتُ النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-يتحرَّى صيامَ يومٍ فضَّله على غيرِهِ إلا هذا اليَوم -يوم عاشُوراء-، وهذا الشَّهر؛ يعني: شهر رمضان"، انظروا هذا التحرِّي والتَّدقيق من النبي -عليه الصلاة والسلام-.


وفي "الصَّحيحين": عن الرُّبَيِّع بنت معوِّذ -رضي الله عنها- قالت: "أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- غَداةَ عاشُوراءَ" أي: صباحَ عاشوراء "إلى قُرى الأَنصار: "مَن أصْبَحَ مُفْطِرًا" هذا في أوَّل الأمر "فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، ومَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا؛ فَلْيَصُمْ" قالت: فكنا نصومه -بعدُ-، ونُصوِّم صِبيانَنا، ونجعل لهم اللُّعبةَ مِن العِهن -القُطن-، فإذا بَكى أحدُهم على الطعام أعطَيناه ذلك، حتى يكون عند الإفطار". انظروا كيف يحدو الصحابةُ على صغارهم؛ رحمةً وتعليمًا وتربيةً وتعويدًا للخير.


وفي "الصَّحيحين": عن سلَمة بن الأكوع قال: أمر النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- رجلاً مِن "أسلم" -إحدى قبائل العرب- أن أذِّن في الناس: "أنَّ مَن كَانَ أَكَلَ؛ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَم يَكُنْ أكَلَ؛ فَلْيَصُمْ؛ فَإِنَّ الْيَومَ يَومُ عَاشُوراء".


وفي هذا الحديث والذي قَبله دليلٌ على مسألة يكثر الخلافُ فيها، وهي: أن بعضَ الناس في آخر أيام شَعبان، لا يَعرفون أن غدًا رمضان -بداهةً- فينامونَ وهم غير عارِفين، ولا مُرجِّحين أن اليوم التالي رمضان؛ فإذا بهم في الصَّباح -كعادتِهم- يستيقظون، يُفطرون، يأكلون، يشربون.. فإذا ذهبوا إلى العمل أخبرهم زملاؤهم وأصدقاؤهم ورفقاؤهم أن هذا رمضان!


الرَّاجح: أن مَن صار معه ذلك؛ حُكمه كَحُكم عاشوراء؛ يُتم صومَه، ولا شيءَ عليه؛ لأنَّ مناط التكليف: (العِلم والقُدرة)، فإذا تخلَّف أحدُهما؛ لم يكن التكليف قائمًا، وهكذا في هذا المقام -سواء بسواء-.


وأيضًا في "صحيح مسلم": عن أبي قَتادة -رضي الله عنه-: عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "ثَلاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضانُ إِلى رَمَضانَ؛ فَهَذا صِيامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَصِيامُ يَوْمِ عَرَفَةَ: أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ التِي بَعْدَهُ، وَصِيامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ: أَحْتَسِبُ عَلى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ".


وفي "صحيح مسلم": عن عبدِ الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن أهلَ الجاهليةِ كانوا يَصومون يوم عاشوراء، وأنَّ رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- صامَه والمسلمون، قبل أن يُفترض رمضان، فلما افتُرض رمضان؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ عَاشُوراءَ يَومٌ مِنْ أيَّامِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ".
وفي "صحيح مسلم": عن جابر بن سَمُرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يأمرنا بصِيام يومِ عاشوراء، ويَحثُّنا عليه، ويَتعاهَدُنا عِنده".
"يتعاهدنا": هذه سُنَّة -أيضًا- تكاد تكون ضائعة؛ أن يتعاهدَ المسلمُ إخوانَه -في هذه الأيام الفاضلة-؛ أن يُذكِّرهم به، سواء في بيتِه، في سُوقه، في عملِه، في مسجدِه.. أن يُذكِّر إخوانه، وأن يتعاهدهم على هذه الأيام الفاضلة.


قال: "فلما فُرِضَ رَمَضان؛ لَم يَأمُرْنا، ولم يَنْهَنا، ولم يَتعاهَدْنا عِندَه".


"لم يَتعاهَدْنا": على الوَجه الذي فيه ذلك الإلزام، لكن؛ التَّذكير والإرشاد إلى الاستحباب؛ هذا أمر دلَّنا عليه حديثُ أبي موسى، وغيرُه من الأحاديث التي سَبقت؛ وإنما يَروِي كلُّ صحابي ما سَمِع أو رَأى.


و(الأحكام..) وهذه من قواعد العلم: (الأحكام لا تُؤخَذ مُنتزَعةً، مُشقَّقة مِن حديثٍ حديث؛ وإنما تؤخَذُ مجموعةً من مجموعِ الرِّوايات والأحاديثِ الواردةِ عنه -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-).


وفي "صحيح مسلم": عن ابن عباس أنه قال: حين صام رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلَّم- يومَ عاشُوراءَ، وأمَر بِصِيامِه؛ قالوا: يا رسولَ الله! إنَّه يومٌ تُعظِّمه اليهودُ والنَّصارى؟! أشكل ذلك على الصحابة! لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أصَّل في قلوبِ الصحابةِ وعقولِهم أصلاً: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ لَيْسَ مِنَّا"، "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَلَيْسَ مِنَّا"، "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا".. وهكذا في نصوص متعددة، وألَّف فيها العلماءُ كتبًا مستقلةً؛ فأشكل هذا على الصحابة؛ وفي هذا دليل على أهميةِ العلمِ والتَّعلُّم والسُّؤال، حتى مِن الرَّسول -عليه الصلاة والسلام- الذي لا يَنطِق عن الهوى، والمقام مقامُ وحيٍ وتَبليغ؛ لكنه -بالمقابل- مقام سؤالٍ واستِفسار.


قالوا: يا رسولَ الله! إنَّه يومٌ تُعظِّمه اليهودُ والنَّصارى؟!؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذَا كَانَ الْعَامُ المُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللهُ صُمْنا الْيَومَ التَّاسِعَ"، قال ابن عباس: "فلم يأتِ العامُ المقبلُ حتى تُوفِّي رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-"، وفي رواية: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلى قابِل؛ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ" هذه رواية مسلم.


وعن ابنِ عمرَ -في "صحيح البخاري"- قال: "صامَ النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عاشوراء وأمرَ بِصيامِه، فلما فُرِض رمضان؛ تَرَكَه" أي: تَرك الفَرْض، والأمرَ على وجه الافتراض. قال الرَّاوي عن ابن عمر: "وكان عبدُ اللهِ -أي: ابن عمر- لا يَصومُه؛ إلا أنْ يُوافِقَ صَومَه".


ذكر الحافظ ابن حجر -في هذه الجملة-، قال: "كان ابنُ عُمر يَكرهُ تَقصُّدَ عاشوراءَ بالصَّوم، ثم انقرضَ القولُ بِذلكَ"؛ هذا توجيهُ الحافظ ابن حجَر لهذا اللفظ في "صحيح البخاري".


لكن: رأيت في "مصنَّف عبدِ الرزاق" بالسَّند الصَّحيح: عن نافعٍ مولى ابنِ عمر: "لم يَكُنْ ابنُ عمرَ يَصومُ عاشوراءَ إذا كان مُسافرًا، فإذا كان مُقيمًا صامَه".


إذًا: يجبُ أن نَحملَ روايةَ ابنِ عمر أنه كان لا يصومُه إلا أن يُوافقَ صومَه؛ أي: أن يُوافِق ما يَجوز مِن صومِه، أو ما يُستحبُّ مِن صومِه؛ وهو: إذا كان مُقيمًا، أما إذا كان مسافرًا؛ فإنه لا يصومُه.


فالرِّوايات والآثار بألفاظها يوضِّح بعضُها بعضًا.


ومع ذلك: نصَّ الإمام أحمد -رحمه الله- على أنه يُصام عاشوراءُ في السَّفر، لكن؛ على الاستحباب؛ فصيام الفرضِ -فرضِ رمضان- في السَّفر كما قال الصحابة: "كنا نُسافِرُ معَ رسولِ اللهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فمِنَّا الصائمُ، ومِنَّا المُفطِر، فَلَمْ يُنْكِرْ صائِمُنا على مُفْطِرِنا، ولا مُفْطِرُنا على صائِمِنا".




يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس