عرض مشاركة واحدة
  #47  
قديم 11-27-2009, 12:35 AM
يوسف الجزائري يوسف الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 195
Post شـرح كتـاب الحـجّ (47)

شـرح كتـاب الحـجّ (47)


البـاب الرّابـع عـشـر:

14-( التّرغيب في الصّلاة في المسجد الحرام، ومسجد المدينة، وبيت المقدس، وقباء ).


· شـرح التّبـويـب:

فإنّ المساجد عموما لها من الفضل العظيم، والمقام الكريم ما الله وحده به عليم، فهي أشرف البلاد، وأحبّها إلى ربّ العباد.

ومن بين بيوت الله الّني زادها الله تشريفا وتعظيما، وتمجيدا وتكريما: المساجد الثّلاثة، ومسجد قباء.

وهذه الفضائل أنواع ثلاثة:

النّوع الأوّل: فضائل تشترك فيها المساجد الثّلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النّبويّ، والمسجد الأقصى – أعاده الله للمؤمنين بخير –.

والنّوع الثّاني: فضائل ثبتت للمسجدين: الحرام، والنّبويّ فقط.

النّوع الثّالث: فضائل ثبتت لمسجد بعينه خاصّة.

وهذا ما سوف نراه إن شاء الله في شرح أحاديث الباب وهي خمسة عشر حديثا.

الأحكام الّتي تشترك فيها المساجد الثّلاثة:

- أوّلا: المضاعفة: ويدلّ عليها الأحاديث التّالية:

· الأحاديث الأربعة الأولى:


1171-عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )).

[رواه مسلم والنسائي وابن ماجه].

1172-وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا )).

رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحه" وزاد:

" يَعْنِي فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ ".

والبزّار، ولفظه: أنّ رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:

(( صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَسَاجِدِ، إِلاَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ، فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ مِئَةَ صَلاَةٍ )).

[وإسناده صحيح أيضا].

1173-وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِئَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ )).

[رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين].

1174-وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )).

[رواه البخاري-واللّفظ له-، ومسلم، والتّرمذي، والنّسائي، وابن ماجه].

· شــرح الأحاديث :

هذه الأحاديث تدلّ على أنّ الأجر يُضاعف في المساجد الثّلاثة، وسيأتي حديث فضل الصّلاة في المسجد الأقصى.

ويندرج تحت هذا مسائل:

( المسألة الأولى): مقدار المضاعفة.

مجموع ما تدلّ عليه هذه الأحاديث أنّ:

أ‌) صلاةً واحدة في المسجد النّبويّ خير من ألف صلاة في غيره.

ب‌) وصلاة واحدة في المسجد الحرام أفضل من مئة صلاة في المسجد النّبويّ، أي: أنّها تفضل مئة ألف صلاة في المساجد الأخرى.

ت‌) وصلاة واحدة في المسجد الأقصى أفضل من خمسمائة صلاة، لما رواه الطّبرانيّ والبزّار بإسناد جيّد عن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ

صلّى الله عليه وسلّم: (( فَضْلُ الصًّلاَةِ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ أَلْفِ صَلاَةٍ، وَفِي مَسْجِدِي أَلْفُ صَلاَةٍ، وَفِي مَسْجِدِ بَيْتِ المَقْدِسِ خَمْسُمِائَةِ صَلاَةِ )).

ومثله جاء عن جابر رضي الله عنه.

وسيأتي دفع ما يُعارض هذا في شرح الحديث التّاسع من هذا الباب.

( المسألة الثّانية ): هل المضاعفة تشمل الفريضة والنّافلة معاً ؟

اختلف العلماء في المراد بالصّلاة المضاعفة، أهي الفريضة، أم الفريضة والنّافلة ؟ قولان:

القول الأوّل: مذهب الجمهور، وهو أنّ المراد جميع الصّلوات سواء الواجبة فرضا أو نذرا، أو النّافلة. [" المعني " (3/251)، و" الأمّ " (1/98)

(2/107)، و" جواهر الإكليل " (1/246)، و" حاشية الدّسوقيّ " (1/399)، و" حاشية قليوبي وعميرة " (1/2/76)، و"الفروع" لابن مفلح

(1/598)].

واستدلّوا بأنّ اللّفظ: (( صَلاَةٌ )) مطلق، ولم يقيّد بفريضة ولا غيرها.

القول الثّاني: وهو مذهب الحنفيّة، أنّ المراد صلاة الفريضة فقط [" شرح فتح القدير "(3/96)، و" حاشية ابن عابدين " (2/524)] وبه قال الزّركشيّ

في " إعلام السّاجد " (246) وهو من الشّافعيّة].

واستدلّوا بما رواه البخاري ومسلم- واللّفظ للبخاري - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قال:

(( ... صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ )).

والخطاب موجّه إلى أهل المسجد النّبوي. فلو كان فضل الصّلاة عامّا في النّافلة لما رغّب أصحابه رضي الله عنهم والنّساء خصوصا في الصّلاة في البيوت.

ويؤيّد ذلك أنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يتطوّع في المسجد إلاّ نادرا.

وهذا القول هو الأوجه، والله تعالى أعلم.

( المسألة الثّالثة ): هل المضاعفة تشمل جميع الحسنات ؟

أكثر العلماء على هذا القول، واستدلّوا:

- بقول الله تعالى:{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ } [آل عمران:96]، قال القرطبيّ: " جعله الله مباركا لتضاعف العمل فيه،

فالبركة كثرة الخير ".

- وببعض الأحاديث الضّعيفة، بل والموضوعة، كالحديث الّذي رواه البزّار عن ابن عمر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( رمضان بمكّة

أفضل من ألف رمضان بغير مكّة
)).

وكالحديث الّذي رواه الحاكم في "المستدرك" والبيهقيّ عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( حسنات الحرم: الحسنة بمائة ألف

حسنة
))، وصحّحه الحاكم، وقال الذّهبي رحمه الله (1/460): " ليس بصحيح، وأخشى أن يكون كذبا "، وضعّفه البيهقيّ.

- واستدلّوا بالقياس على الصّلاة، فقالوا: ما تضاعف الأجر إلاّ لبركة المكان والزّمان، فيقاس على الصّلاة غيرها.

والصّواب – والله أعلم – أن يقال: إنّ المضاعفة حاصلة عموما، دون تخصيص بعدد معيّن، من باب أنّ الله يكون أقرب إلى من اقترب إليه، وجاور حرمه،

ونظيره حمايته لأهل الحرمين من فتنة المسيح الدجّال، فإنّه يدخل كلّ مدينة وقرية إلاّ مكّة والمدينة.

ولكن هل المضاعفة تشمل السّيّئات أيضا ؟

هذا ما سوف نراه إن شاء الله لا حقا.

( يتبع )
رد مع اقتباس