عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-21-2014, 12:19 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

فالشاهد -أيها الإخوة- أن الفتنة؛ هذا من طبيعتِها أنها تتزيَّن في بداية أمرها، وقال: هذا جهاد! وهذا أمر بالمعروف! وهذا نهي عن المنكر! فيخرج الناس!!
وهنا أبيات جميلة:
يقول ابنُ عُيينة رحمهُ الله عن خلف بن حوشب، قال: كانوا يَستحبون أن يتمثَّلوا بهذه الأبيات عند الفتن؛ قال امرؤ القيس:
الحربُ أول ما تكونُ فتيَّةً ... تسعى بِزينتِها لكلِّ جهولِ
حتى إذا اشتعلتْ وشبَّ ضِرامُها ... ولَّت عجوزًا غيرَ ذاتِ حليلِ
شمطاءَ يُنكَرُ لونُها وتغيرتْ ... مكروهةً للشمِّ والتَّقبيل!
وكان خلف يقول: ينبغي للناس أن يتعلموا هذه الأبيات في الفتنة.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: أخاف عليكم فتنًا كأنها الدخان، يموت فيها قلبُ ارجل كما يموتُ بدنُه!
ويقول حذيفة رضي الله عنه: ما الخمر صِرفًا بأذهب لعقول الرِّجال من الفتنة!
كيف تصنع الخمر بالعقل!؟ تُسكِر الرجل وتُذهب بعقله؛ فكذلك الفتنة!
والملاذ في الفتنة: كتاب الله -جل وعلا-، يعتصم الإنسان بالقرآن؛ لأن القرآن فيه البصيرة، وكما قال الله تعالى: {يا أيها الناسُ قد جاءكم بُرهانٌ من ربِّكم وأنزلنا إليكم نورًا مُبينًا}، والناس يحتاجون في الفتنة إلى النُّور.
عن عبد الرحمن بن أبْزى، قال: قلتُ لأُبَي بن كعب لما وقع الناسُ في أمرِ عثمان: أبا المنذر! ما المخرج؟ قال: كتاب الله؛ ما استبان لك فاعملْ به، وما اشتبه عليك فكِلْهُ إلى عالِمه.
وقيل لحذيفة رضي الله عنه: إن الفتنة وقعت؛ فحدثني ما سمعتَه! قال: أولم يأتكم اليقين؛ كتاب الله -عز وجل-.
والرآن أمرنا في الفتنة بالرجوع إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك بالعلماء الراسخين في العلم؛ كما قال الله -تعالى-: {وإذا جاءهم أمرٌ من الأمنِ أو الخوفِ أذاعوا بهِ ولو ردُّوهُ إلى الرَّسولِ وإلى أُولي الأمرِ منهم} يعني: العلماء {لَعَلِمهُ الذين يستنبِطونه منهم}.
ويقول الحسن البصري -رحمه الله-تعالى-: الفتنة إذا أقبلتْ عرفها كل عالِم، وإذا أدبرتْ عرفها كلُّ جاهل.
فتجد أهلَ العلم في مثل هذه الفتن -في كل زمان- فتاواهم واحدة لا تتغيَّر؛ فيأمرون الناسَ باعتزال الفتنة، يأمرون الناس بالبُعد عن الإفساد، والبعد عن الخروج، وأن يلزم كل مسلمٍ بيتَه، وأن لا يعين في سفك دمٍ مسلم ولو بكلمة؛ فيأمرون الناس بهذا.
بهذا -أيها الإخوة- تُخمد الفتنة، وهذا هو المنهج الشرعي إذا وقعت الفتنة -خرجت جماعة على ولاة أمورهم-مثلًا-؛ فالأصل في هذا أن يُحذَّر الناس من هذا المنهج، ليس من باب المداهنة لولي الأمر -حتى لو كان ظالمًا أو فاسقًا-؛ هذا دين الله؛ لأن بهذا تقع الفتنة والشر المستطير.
فيأمر العلماءُ الناسَ بعدم الخروج على ولاة أمورهم، يُبيِّنون أن هذا من منهج الخوارج، يبيِّنون لهم أن هذا فيه ضياع للدِّين وضياع للأمن، ثم بعد ذلك حتى لو وقع ما وقع؛ يأمرون الجميع بالكفِّ عن القتال وحقن الدماء، يُعظِّمون من شأن الدماء.
بهذا تُخمد نارُ الفتنة؛ بالعُزلة.

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس