عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-19-2014, 04:30 AM
محمود الصرفندي محمود الصرفندي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: الأردن - السعودية - مصر
المشاركات: 511
افتراضي

الحمد لله رب العالمين ؛ وبعد :

1 - قولك : { وكلامه هنا من باب المحاججة , ومن باب التنظير , وإلا فهل هناك عقل قطعي خالف نصا ظنيا ؟! .. لا شك أنه مر بك أن القطعيات والظنيات معاني قائمة في الذهن , وتختلف باختلاف الناس والأشخاص , فما هو قطعي عندك ظني عند غيرك , والكس بالعكس }

الجواب :
الظاهر من شرحك عدم تنبهك أن الدليل العقلي قسيم الدليل السمعي في الدلالة الشرعية - كما أفاده ابن تيمية ، وابن القيم ، وغيرهما - ؛ فظننت أن التقديم يكون للعقلي بكونه عقليا مجردا ، وقد قال ابن تيمية الحفيد : ( وإذا قدر أن العقلي هو القطعي كان تقديمه لكونه قطعياً ، لا لكونه عقلياً .. كما أن جعل جهة الترجيح كونه عقلياً خطأ ) !

فالمقصود : يا أبا الأشبال أن تقديم العقلي لدلالته لا لكونه عقليا مجردا ، فيقدم العقلي القطعي في حال المعارضة بمظنون ثبوتا أو دلالة كما يقدم السمعي على العقلي المظنون ، وإلا فالشرع لا تعارض فيه بين صحيح المنقول ولا صريح المعقول ؛ فإن نزل المنقول عن رتبة الصحة أو كان مظنون الدلالة فإنه يمكن أن يكون في العقل ما ينفيه ، وتقديم دلالته تكون لإعمال صحيح من السمع يقابله أو صريح يوضحه ، وإن كانا ظنيين فالراجح منهما .

وإليك ما قاله ابن تيمية الحفيد - رحمه الله - في " الصفدية " ( 1 / 294 ) : " ومن ذلك أن أحدهم يحتج بكل ما يجده من الأدلة السمعية وإن كان ضعيف المتن والدلالة ويدع ما هو أقوى وأبين من الأدلة العقلية إما لعدم علمه بها وإما لنفوره عنها وإما لغير ذلك " .
وهذا في نوع التقديم لا التعارض !

وإن نشدت النماذج فما عليك إلا النظر في المرجحات عند الأصوليين ، ومباحث الدلالات (!!) أم خفي عليك استعمال الدلالة العقلية فيها واعتمادها في إطار الموافقة بين السمعيات (!!) وعلى ماذا تخرج أداة الترجيح في حال المظنة في الأحكام المختلف فيها ؛ قلي لي بربك ؟!
أليس بالقطع المكتسب أو غلبة الظن وهذا العلم الحاصل بالدلالة العقلية {{ فإن علمتوهن .. }} بالنظر لترجيح الغالب (!) ، وإلا فصريح صحيح السمع الخالي عن المعارض يرفع الاختلاف ومطلب الترجيح !
ألم تقل عن القرائن : (خاصة إن كان من علماء الحديث الذين تقوم عندهم القرائن الكثيرة التي تعضد الظني ليصير قطعيا ! ) ؟!

قال ابن تيمية - رحمه الله - في " درء التعارض " ( 1 / 137 ) : " أنه إذا علم صحة السمع، وأن ما أخبر به الرسول فهو حق، فإما أن يعلم أنه أخبر بمحل النزاع، أو يظن أنه أخبر به .. فإن علم أنه أخبر به امتنع أن يكون في العقل ما ينافي المعلوم بسمع أو غيره .وإن كان مظنوناً أمكن أن يكون في العقل علم ينفيه، وحينئذ فيجب تقديم العلم علي الظن، لا لكونه معقولاً أو مسموعاً، بل لكونه علماً، كما يجب تقديم ما علم بالسمع علي ما ظن بالعقل، وإن كان الذي عارضه من العقل ظنياً، فإن تكافآ وقف الأمر، وإلا قدم الراجح " .


2 - قولك : { ثم بما أنك بدأت تغرق في علم الكلام وما أليه لا شك أنه مر بك أن القطعيات والظنيات... } .

يقال :

ألا تفرق بين علم الكلام (!) والمنطق (!) والفلسفة (!) والاستدلال العقلي (؟!) أم كما قال ابن تيمية حالك : (ممن سمع ذم الكلام مجملا .. وهو لا يعرف تفاصيل الأمور ؟ ) ؟!

فحالك حال كثير من السلفيين اليوم لا يفرق بين هذه المسائل ؛ فسبب الإعراض عن الاستدلال العقلي في الإثبات العقدي - فضلا عن نقد شبه الخصوم ! - ؛ ومن القديم اتهم أهل البدع أهل السنة بالجهل بالطرائق العقلية في الاستدلال بسبب كلمات عن أئمة السنة حملوها مالا تحتمل (!) وتقلد بعض المتأخرين من أهل السنة هذه النظرة لعدم معرفتهم بالاستدلال العقلي - كما سيأتي بيانه - .

كما قال ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 4 / 55 ) : " ولكن وقع اشتراك في لفظ " النظر والاستدلال " ولفظ " الكلام " فإنهم أنكروا ما ابتدعه المتكلمون من باطل نظرهم وكلامهم واستدلالهم فاعتقدوا أن إنكار هذا مستلزم لإنكار جنس النظر والاستدلال " .

وأوضح من ذلك :
قول ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 1 / 136- 137 ) : " مراد السلف والأئمة بذم الكلام وأهله، إذ ذلك يتناول لمن استدل بالأدلة الفاسدة، أو استدل على المقالات الباطلة، فأما من قال الحق الذي أذن الله فيه حكما ودليلا فهو من أهل العلم والإيمان، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل .. فالسلف والأئمة لم يكرهوا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة، كلفظ الجوهر والعرض والجسم وغير ذلك؛ بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه " .

ثم صرح باستعمال الدلائل العقلية - إن احتاج المحاج - التي يستخدمها أهل الكلام إن توجهت بما يوافق الحق ، وعظيم الانتفاع بهذه الطريقة عند من يفهمها .
فقال - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 1 / 137 - 138 ) : " إذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات، ووزنت بالكتاب والسنة، بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة، وينفى الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة، كان ذلك هو الحق ..
إذا عرف المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة وغير عنها لمن يفهم بهذه الألفاظ؛ ليتبين ما وافق الحق من معاني هؤلاء وما خالفه، فهذا عظيم المنفعة، وهو من الحكم بالكتاب بين الناس فيما اختلفوا فيه " .

وذم السلف للكلام على قسمين :
القسم الأول : تارة لما يستعملونه في تقرير العقائد الباطلة ، والآراء العاطلة ، وقد سبق ذكره في كلام ابن تيمية .
والقسم الثاني : يريدون بذم الكلام مقالات الجهمية ؛ كما قال ابن تيمية في " درء التعارض " ( 7 / 275 ) : " وهكذا كلام الإمام أحمد - وغيره من الأئمة - في ذم الكلام، كان متناولاً لكلام الجهمية " .

وقال - أيضا - في " بيان تلبيس الجهمية " ( 3 / 648 ) : " بل هذه هي من أقوال الجهمية ومن الكلام الذي اتفق السلف على ذمه لما أحدثه من أحدثه فحيث ورد في كلام السلف ذم الجهمية كان أهل هذه العبارات داخلين في ذلك وحيث ورد عنهم ذم الكلام والمتكلمين كان أهل هذه العبارات داخلين في ذلك فإن ذلك لما أحدثه المبتدعون كثر ذم أئمةالدين لهم وكلامهم في ذلك كثير قد صنف فيه مصنفات حتى إن أعيان هذه العبارات وأمثالها ذكرها السلف والأئمة فيما أنكروه على الجهمية وأهل الكلام المحدث " .

فأصبح حالك - أيها الحبيب - ممن يعمد إلى مالا يعرفه من المسائل العقلية فينفيها بحجة أنها من علم الكلام كما قال ابن تيمية " فمن الناس من ينكر منها ما لا يعرفه " (!) أو كما قال في " منهاج السنة " ( 5 / 280 ) : " فإن كثيرا ممن سمع ذم الكلام مجملا .. وهو لا يعرف تفاصيل الأمور " (!!) ؛ فلم تفرق بين الاستدلال العقلي ، والكلام المنهي عنه عند السلف ، فاعتبرتها من غير المحتج بها لأنها تشبه كلام المتكلمين فحسب !
قال ابن تيمية - رحمه الله - في " مجموع الفتاوى " ( 11 / 338 ) : " وكذلك كثير من أهل الحديث والسنة قد ينفي حصول العلم لأحد بغير الطريق التي يعرفها حتى ينفي أكثر الدلالات العقلية من غير حجة على ذلك " .
وترك الحجاج العقلية الصحيحة من عزل ولاية العقل في تحقيق الحق ، كما قال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ( 3 / 339 ) : " وقد يقترب من كل من الطائفتين بعض أهل الحديث تارة بعزل العقل عن محل ولايته وتارة بمعارضة السنن به " .

ومثال ذلك :
ما قاله ابن تيمية - رحمه الله - في " بيان تلبيس الجهمية " ( 5 / 83 - 84 ) : " فأما ما يفعله طوائف من أهل الكلام من إدخال الخالق والمخلوق تحت قياس شمولي أو تمثيلٍ يتساويان فيه فهذا من الشرك والعدل بالله وهو من الظلم وهو ضرب الأمثال لله وهو من القياس والكلام الذي ذمَّه السلف وعابوه ولهذا ظن طوائف من عامة أهل الحديث والفقه والتصوف أنه لا يتكلم في أصول الدين أو لا يتكلم في باب الصفات بالقياس لعقلي قط وان ذلك بدعة وهو من الكلام الذي ذمه السلف وكان هذا مما اطمع الأولين فيهم لما رأوهم ممسكين عن هذا كله إما عجزًا أو جهلاً وإما لاعتقاد أن ذلك بدعة وليس من الدين " .

ووصف ابن تيمية هذه المسالك بأنها - كما في " بيان تلبيس الجهمية " ( 5 / 82 ) - : " الطريقة العقلية السلفية الشرعية الكاملة " ؛ ثم وصف استعمال أحمد بن حنبل ، فقال في ( 5 / 83 ) : " فسلك الإمام أحمد وغيره مع الاستدلال بالنصوص وبالإجماع مسلكَ الاستدلال بالفطرة والأقيسةِ العقلية الصحيحة المتضمنة للأَوْلَى " .
أو على تعبير ابن مفلح الحنبلي - رحمه الله - في " الآداب الشرعية " ( 1 / 207 ) : " وقد صنف الإمام أحمد - رحمه الله - ورضي عنه كتابا في الرد على الزنادقة والقدرية في متشابه القرآن وغيره، واحتج فيه بدلائل العقول " .

والغاية من ذلك :
كما قال ابن تيمية - رحمه الله - في " منهاج السنة " ( 2 / 610 ) : " وأكثر الخائضين في الكلام والفلسفة من هذا الضرب: ترى أحدهم يذكر له المعاني الصحيحة بالنصوص الشرعية فلا يقبلونها لظنهم أن في عبارتهم من المعاني ما ليس في تلك، فإذا أخذ المعنى الذي دل عليه الشرع وصيغ بلغتهم، وبين به بطلان قولهم المناقض للمعنى الشرعي، خضعوا لذلك وأذعنوا له، كالتركي والبربري والرومي والفارسي الذي يخاطبه بالقرآن العربي ويفسره فلا يفهمه حتى يترجم له شيئا بلغته فيعظم سروره وفرحه، ويقبل الحق ويرجع عن باطله، لأن المعاني التي جاء بها الرسول أكمل المعاني وأحسنها وأصحها، لكن هذا يحتاج إلى كمال المعرفة لهذا ولهذا، كالترجمان الذي يريد أن يكون حاذقا في فهم اللغتين " .

ودعني - من باب الإلزام - فإن كان العبد الفقير قد بدأ يغرق في علم الكلام على تعبيرك ، أن أوجه لك سؤالا : هل صالح آل الشيخ في الشروح العقدية لقي حتفه في بحر الكلام ؟!

أم كما قال ابن تيمية - رحمه الله - في " منهاج السنة " ( 5 / 280 - 281 ) : " فإن كثيرا ممن سمع ذم الكلام مجملا، أو سمع ذم الطائفة الفلانية مجملا، وهو لا يعرف تفاصيل الأمور: من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والعامة ... تجده يذم القول وقائله بعبارة، ويقبله بعبارة ، ويقرأ كتب التفسير والفقه وشروح الحديث، وفيها تلك المقالات التي كان يذمها، فيقبلها من أشخاص أخر يحسن الظن بهم، وقد ذكروها بعبارة أخرى، أو في ضمن تفسير آية أو حديث أو غير ذلك..
حتى أن كثيرا من هؤلاء يعظم أئمة، ويذم أقوالا، قد يلعن قائلها أو يكفره، وقد قالها أولئك الأئمة الذين يعظمهم، ولو علم أنهم قالوها لما لعن القائل " .

أم طريقة صالح آل الشيخ لا تعتبرونها مخالفة لما تطالبوننا به ؟!

فرحم الله العلم ابن تيمية حينما قال في " درء التعارض " ( 3 / 103 ) : " ومن اتبع ظنه وهواه فأخذ يشنع على من خالفه بما وقع فيه من خطأ ظنه صواباً بعد اجتهاده، وهو من البدع المخالفة للسنة، فإنه يلزمه نظير ذلك أو وأعظم أو أصغر فيمن يعظمه هو من أصحابه " .


3 - قولك : { ثم استغربت تكرارك لكلمة ابن تيمية الحفيد .. خاصة وأنها غريبة في استعمال العلماء , ونادرة الخروج منهم ؛ فلم الإغراب بهكذا ألفاظ } .

قد تقدم القول منك : أن المعارف مما لا يشترك فيها الناس كالقطع والظن ، فكذلك ( الحفيد ) استعملها بعض أشياخنا كصالح العصيمي في كثير من دروسه ، وغيره ممن قالها من الأشياخ (!) وسمعت غير ما مرة من شيخنا أبي عبيدة أن فعل ذلك في أسماء الرجال من التنويع ومعمول به عند المحدثين !
فلا أعلم أنها تثير هذه المشاعر والأحاسيس !


__________________
{ اللهم إني أعوذ بك من خليلٍ ماكر، عينُه تراني، وقلبُه يرعاني؛ إن رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيّئةً أذاعها }

***

{ ابتسم ... فظهور الأسنان ليس بعورة على اتفاق }
رد مع اقتباس