عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 06-06-2012, 10:39 AM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم زيد مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

شـرح
«منظومة القواعد الفِقهيَّة»
-للإمام السَّعدي-
-رحمهُ الله-


[الـدَّرس الثَّـامِن]
(الجزء الأوَّل)

لفضيلة الشَّيخ
مشهور بن حسن آل سلمان
-حفظه الله-


إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شَريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
فلو سأل سائل فقال: هل كان الصحابة والتابعون يعلمون القواعد الفقهية وأصول الفقه؟ إيش تقولون؟ كانوا يعلمون ولا لا يعلمون؟ يعلمون.
وما هي الأدلة على علمهم؟
هل كان ينطلقون في فقههم وفتاويهم من هواء وفراغ أم من علم متين وأساس ركين؟
بلا شك كانوا ينطلقون من قواعد علمية صحيحة.
لكن: لو قال قائل وهو يعيش في بلاد حارة، لا مطر فيها ولا برد، وينظر للناس وعاش بينهم سنة وسنتين، فلم يجدهم يلبسون المعاطف، فقال: أهل هذه البلدة لا معاطف عندهم.
أصاب أم أخطأ؟ العاقل ماذا يقول له؟ يقول: انتظر حتى ينزل المطر ثم تفحص وتعرف الجواب، انتظر حتى ينزل المطر، فإذا نزل المطر ولم يرتدوا المعاطف؛ فحينئذ نفيُك صحيح، أما المطر غير نازل فلا يجوز لك أن تقول إنه لا معاطف عندهم.
فالصحابة نمط حياتهم كانت الأحكام ظاهرة فيه، أعني الأحكام الشرعية من خلال الآيات والأحاديث النبوية، ولما كانت تستجد نوازل، تأتي هبات ريح بارد، أو زخات مطر بين الحين والحين، فكانت تبرز القاعدة، يبرز الأصل، وما عدا ذلك يبقى الناس على الحال الأول الأنور.
إذا عمر -كما عند عبد الرزاق-بإسناد صحيح- لما وقع ميراث الجد والجدة، وقع فيه خلاف كثير، وكان يود لو أنه سأل رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن ذلك، واختلف الصحابة حتى قال علي: من أراد أن يَقتحم براثين النار؛ فليقضِ في الجد والجدةِ في الميراث؛ من شدة خوفهم في المسألة.
فعمر اختلف اجتهادُه في ميراث الجد والجدة، فلما كان يُسأل كان يقول: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي، يعني الاجتهاد لا يَنقض الاجتهاد.
قتادة -كما في «مصنف عبد الرزاق»- كان يقول: كل قرضٍ جرَّ نفعًا؛ فهو باطل. وبعض الناس يرفعه إلى النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بلفظ: «فهو رِبا»، وهو مما لم يثبت عن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وهو من قول قتادة وهو تابعي الجليل.
فالقواعد كانت عند الصحابة وعند التابعين لكن النوازل والمشاكل، وخلاف ما عليه نظام الحياة من تعظيم أمر الله وأحاديث رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كانت بالنسبة إلينا قليلة، وجُل فقه ما في هذه الأيام نوازل، نمط حياتنا نمط حياة الغربيين، فكل ما يجري في الغرب يأتينا، من مسائل اقتصادية، مسائل طبية، نوازل سياسية، اجتماعية، إلى آخره، فلا نجد لها أصولًا عندنا؛ إذ نمط حياتنا غير نمط حياتهم؛ فنحتاج إلى إبراز الأحكام الشرعية من خلال القواعد..
فزخات المطر والريح العاصفة الباردة كثيرة في حياتنا فنحتاج دائما أن نبرز هذه المعاطف التي لم تكن بارزة وكانت موجودة ولم تكن معدومة.
فإياك أن تظن -يا طالب العلم- أن الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم لا يَعرفون الأصول أو لا يعرفون القواعد.
ولذا: الذي يقرأ كتب الحديث -كـ«صحيح البخاري» و«سنن ابن ماجه» و«صحيح ابن خُزيمة» -خاصة- و«ابن حبان» على وجه أخص، و«سُنن البيهقي الكبرى»- يستطيع أن يتلمس كثيرًا من القواعد والمسائل الأصولية والقواعد الفقهية، افحص؛ تجد، والشيء الذي لا تعرفه لا تجهل فتنكره، لا تكن جاهلا.
فبعض الطلبة يقول: ليش أنتم مشغولون بالقواعد؟ القواعد التأصيل؛ حتى نرتقي في هذا العلم خيرَ مرتقى، وحتى نفهم الأمور بجذورها.
أنا لَمّا أدخل بيتًا ولم أر فيه الأساس؛ فلا يجوز لي أن أقول: هذا البيت بُني على غير أساس! وإن كنت لا أرى الأساس بعينيَّ، لكن لولا هذا الأساس؛ ما قام هذا البيت!
فهذه مسألة ينبغي أن تنتبهوا إليها.
آخر ما بلغ بنا المقام في درسنا السابق، شرحنا البيت العشرين والحادي والعشرين من منظومة الشيخ السعدي رحمه الله في القواعد الفقهية.
20. وَالْأَصْـلُ فِي الأَبْضاعِ وَاللُّحُـومِ ... وَالنَّفْـسِ وَالْأَمْــوالِ لِلْمَعْـصُــومِ
21. تَـحْريمُـها حَتَّـى يَجِـيءَ الحِـلُّ ... فَافْـهَـمْ هَـداكَ اللـهُ مَـا يُـمَـلُّ
وقلنا أن الأصل في الفروج -وهي الأبضاع- واللحوم والدماء -دماء المسلمين ودماء أهل الكتاب ودماء المعاهَدين من الكفار- الأصل فيها التحريم حتى يجيء دليل الحِل.
ثم تفريعًا على هذا الأصل -وقد تكلمنا عن هذا طويلا-أيضا قال:
22. وَالْأَصْـلُ فِي عَـادَاتِنَــا الْإِبَـاحَـهْ ... حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
لو أن الشيء المباح لا يكون مباحا إلا بدليل خاص، تعرفون إلى مصحف كم مجلد؟ لعل الكرة الأرضية لا تسع المصحف، إذا كل عادة وكل حركة وكل مشروب وكل مطعوم وكل مُبتكَر وكل مخترع وكل لبس وكل استعمال لا يكون حلالًا حتى يجيء الدليل على الحِل نحتاج إلى مصحف يعيش الإنسان ويموت وهو لم يقرأه وهو لم يمر به.
ولذا وأرجو أن تنتبهوا: النوازل والمسائل والأشياء التي لم تكن موجودة ووُجدت كثيرة لا يُمكن أن تُحصر، والآيات والأحاديث محصورة، صحيح؟
والمحصور يسعُ اللامحصور، المحصور: الآيات والأحاديث، تسع المسائل والمشاكل التي هي ليست بمحصورة، كيف يكون ذلك؟ لأن القاعدة الواحدة من القواعد الفقهية المأخوذة من النصوص مباشرة، أو من معاني النصوص يُفرَّع عليها ألوف مؤلفة من المسائل الموجودة والمسائل التي لم توجد بعد.
حتى تقرأ تحتاج لدليل، وحتى تشم تحتاج لدليل، وحتى تأكل تحتاج لدليل، وتحتاج لدليل على حل كل شيء من المطعومات والمشروبات والفواكه والخضراوات والأعشاب والحيوانات والمِهن والعادات والتقاليد، إذا احتجنا لكل واحدة، لكل مفردة من المفردات لدليل؛ سيكون أكثر من عدد أوراق المصحف! كم أنواع الجبن في العالم؟ كم أنواع الزيتون في العالم؟!
ولذا: الناظم إيش قال؟ قال:
22. وَالْأَصْـلُ فِي عَـادَاتِنَــا الْإِبَـاحَـهْ ... حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
هذا البيت عبَّر الناظمُ فيه على قاعدة مهمة الكل يحفظها وهي أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي التحريم، حتى يأتي ما يصرف الإباحة إلى الكراهة أو إلى التحريم.
فالأصل في الصنائع، جميع أنواع الصنائع الأصل فيها إيش؟ الحل.
العمل في البنك حلال ولا حرام؟ حرام، هل هذا يخالف القاعدة؟ لا، ليش؟
حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
في حديث ابن مسعود عند النسائي: «لعن الله آكل الربا وموكِله» المُوكِل: المُطعِم، والآكل: الذي يأكل، ولعن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في الربا إيش أيضا؟ كاتبَه وشاهدَيه.
طيب؛ إذن: الذي يأكل الربا ويساعد على الربا هذا صارف الإباحة، لو لم يرِد دليل؛ لكانت البنوك حلالا.
الذي يعمل في شركات التأمين حلال ولا حرام؟ حرام، ليش حرام؟ لأن التأمين غَرَر.
وفي «صحيح الإمام مسلم»: عن أبي هريرة قال: «نهى النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عن الغَرَر»، والغَرر ما كانت عاقبته مجهولة.
فالأصل في المِهن الحِل، حتى تصادم نصًّا، فما لم يأتِ دليل من الشرع على حُرمة مهنة من المهن فتبقى هذه المهن من الحل.
نعم في أعراف بعض الناس هنالك مهن تخالف المروءة، وفي أعراف بعض الناس هنالك مهن لا يقع التزاوج بسببها؛ فهذا من موروثهم القَبَلي لا من موروثهم الشرعي.
وهذه الموروثات مع العولمة الجديدة ومع نظام الحياة الجديد أصبحت في خبر كان، فأصبحت ضعيفة وضعيفة جدا.
يعني: بعض العادات لا يناسبون مثلا الغجر، بعض أصناف الناس يُسمَّون الغَجَر ويسمون النوَر ويسمون الكوليَّة في العراق، هذا شأن الأعراف، لكن الله ماذا يقول عز وجل؟ يقول: {إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكم} العبرة بالتقوى، فلا يُحط من قيمة الإنسان بأصله وهو ليس مخيرًا فيه، هذه عادات ما تخالف الشرع، هذه عادات أصلا ما لها صلة بالشرع، فالشرع يقول:
22. وَالْأَصْـلُ فِي عَـادَاتِنَــا الْإِبَـاحَـهْ ... حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
فالأصل في الأشياء الحل، الأصل في الصنائع كلها الحل.
بعض الناس ما يناسب الجزار، ما يناسب الحداد، ما يناسب صاحب الصنعة، هذه عادات لا وزن لها في الشرع، والأحكام الشرعية على خلافها، والعادات محكومة بالشرع وليست حاكمة على الشرع، فلا وزن لها.
فالأصل في الصنائع والأصل في الأعمال العادية من المعاملات من أنواع الرياضات ومن أنواع الذهاب والمجيء والحركات الأصل فيها الحل.
فالأصل في هذه الأشياء والأصل في المشارب ما يُشرب أنواع الأشربة، وفي المطاعم جميع أنواع المطعومات، الأصل فيها الحل.
طيب؛ يا شيخ الخمر؟ نقول: جاء صارف الإباحة.
الخنزير؟ جاء صارف الإباحة.
ما يُسكر من سائل أو جامد، فهذا إيش؟ هذا جاء صارف الإباحة.
ما يشمله النص مباشرة وما في معنى ما شمله النص، هذا فيه صارف الإباحة.
يعني: الحشيش حلال ولا حرام؟ حرام، ليش الحشيش حرام؟
طيب الحشيش ورد في القرآن؟ الحشيش ورد في السنة؟
الذين يُنكرون حرمة الدخان يقول: يا شيخ أنا لا أؤمن بحرمة الدخان حتى تأتيني بآية أو حديث؟!
يا أهبل! يا مسكين! الدخان ما عُرف إلا كولمبس عرف الدخان، بعد النبي، وبعد الصحابة، وبعد التابعين، بعد مئات السنين عُرف الدخان، مثل الحشيش، الحشيش عُرف في القرن السادس الهجري، قبل القرن السادس ما كان فيه حشيش.
فمش متصور شيء عُرف في القرن السادس باسمه نجد له نصًّا قبل ستمئة سنة! لكن نجد معنًى من معاني النصوص.
النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقول -في المتفق عليه من حديث عبد الله بن عمر-، يقول: «كل مُسكر حرام» فكل شيء يُسكر حرام، الحشيش يُسكر ولا لا يسكر؟ يُسكر.
الذي يتعاطى الحشيش -نسأل الله عز وجل لي ولكم العفو والعافية ولذرارينا ولمن نحب- هؤلاء يعلمون هذا الأمر.
فلو سأل سائل فقال: أيهما أشد: الحشيش أم الخمر؟ إيش الجواب؟ أيهما أكثر ضررًا الحشيش أم الخمر؟ إيش الجواب العلمي يا طلبة العلم؟
[مداخلة] أحسنتَ؛ الجواب: التفصيل، كيف التفصيل؟
أثر الخمر على المجتمع أكثر ضررا من أثر الحشيش على المجتمع.
المخمور يؤذي المجتمع أكثر من أذى صاحب الحشيش، وصاحب الحشيش يضر نفسه أكثر من شارب الخمر في ضرره لنفسه، كلاهما حرام، والغالب على متعاطي الخمر ضرر الناس، والغالب على متعاطي الحشيش ضرر النفس؛ لكن هذا حرام، وهذا حرام.
ما نفترض يوجد نص في في حرمة الحشيش، لكن الحشيش ليس بحلال، الحشيش حرام، وسبب حُرمة الحشيش: الضرر؛ النبي يقول: «لا ضرر ولا ضرار»، وسبب حُرمة الحشيش الإسكار، النبي يقول: «كل خمر مُسكر» الخمر معناها: ما خامر العقل، الشيء الذي يُغيِّب العقل، هذا هو الخمر، لذا مش حاجة نقول: أي خمر حرام: خمر العنب، ولا خمر التمر ولا خمر التفاح هو الحرام؟ كل ما خامر العقل فهو خمر، والشرع سكت عن أنواع الخمر، من أي الأنواع مصنوعة الخمر.
فالأصل في الخمر الحرمة، وعلة تحريم الخمر النبي يقول: «كل مُسكر خمر»؛ فالخمر ليس حراما للونه، فلو صار عصير بنفس لون الخمر عصير التفاح يكون حرام ولا حلال؟ حلال، وليس الخمر حرامًا لرقته، وليس الخمر حراما لطعمه، لو غيرنا طعمه بمواد أخرى، حُرمة الخمر من أجل إسكاره «كل خمر مسكر، وكل مسكر حرام» فكل مسكر حرام.
طيب هذا الإسكار سواء كان سائلا أو كان جامدا، سواء يتعاطى عن طريق الشراب، أو يُتعاطى عن طريق المضغ، مثل -نسأل الله العفو والعافية للجميع- مثل ما فيه اليمن اليوم الذي يسمى القات، القات نوع من أنواع الحشيش -ولله الحمد والمنة مُدرج تحت أنواع الحشيش-، والذي يُمسك متلبسا ومعه القات يعاقَب معاقبة من معه الحشيش.
فإذن: الأصل في المطعومات والأصل في المشروبات..
طيب؛ الأصل في الملبوسات؟ بحاجة الشرع يقول لنا كل نوع من القماش حلال، شو أنواع التفاصيل حلال، وأنواع الستائر إيش منها حلال وإيش منها حرام، وأنواع الفُرُش، وأنواع الأغطية وأنواع الفرشات، الشرع يقول هذا؟ ما يقول هذا الشرع، شو الشرع يقول؟ يقول: الأصل في الأشياء الإباحة، كل شيء حلال، «البس ما شئت» كما قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- «وكل ما شئت، واشرب ما شئت، ما لم يكن إسراف أو مَخيَلة».
إذا لبست لباسا طيبا ما تتكبر على الخلق، اعلم أن هذا من فضل الله عليك، ولا تسرف، البس حاجتك، كل حاجتك، ما تسرف في لبسك، ولا تسرف في طعامك وشرابك، ولا تتكبر على الخلق بطعامك وشرابك ولباسك.
«البس ما شئت»، إيش يعني «البس ما شئت»؟ يعني كل أنواع الملبوسات حلال.
«كُلْ ما شئت»؛ إيش يعني «كُلْ ما شئت»؟ يعني كل أنواع المأكولات حلال.
قال: «اشرب ما شئت»، يعني: كل أنواع المشروبات حلال.
أنواع الطبايخ، بدنا يجينا نص حتى تكون حلال؟ لو نفكر في هذه الأشياء التي نمارسها كل يوم، ولو إنسان قلب هذه القاعدة؛ لعلِم الشدةَ والعسر التي تقع في حياة المسلمين.
فمن محاسن دينِنا: أنه يريد منا أن نُعمل عقولنا، يعطينا القاعدة العامة، فكر، عمِّل عقلك.
فكل أنواع الطبيخ حلال، كل أنواع العصير حلال، إلا إن صادم نصًّا.
22. وَالْأَصْـلُ فِي عَـادَاتِنَــا الْإِبَـاحَـهْ ... حَتَّـى يَجِــيءَ صَــارِفُ الْإِبـاحَـهْ
فما لم يأت صارف الإباحة فكل شيء حرام نقول لك هات الدليل، لما تقول لي شيء حرام مِن ملبوس، مِن مطعوم، مِن عادة، مِن مهنة، من حركة، مِن ذهاب، مِن مجيء، مِن جلوس، مِن سفر.. الأصل في الأشياء الحل، أنت إذا سألتني إيش الدليل على الحل؟ تكون مش طالب علم، إذا واحد سألني عن شيء من هذه الأشياء شو الدليل على الحل.. كثير من الناس يقولون: شو الدليل على كذا أنه حلال؟ أقول له: شو الدليل على أن التفاح حلال؟ يستغرب! أقول: سؤالي مثل سؤالك.
إذا بدنا نص من القرآن التفاح حلال، والبرتقال حلال، والتمر حلال، والعنب حلال.. المصحف ما يكفي!
هذا النوع من التشريع يصلح لأناس ما زودهم الله بعقل، يُعملون عقولهم ويفهمون على الشرع.
فالشرع أعطانا ضوابط، أعطانا قواعد عامة، ومن هذه القواعد ينبغي أن نُعمل عقولنا.
طيب؛ إذن هذه الأشياء كلها الأصل فيها الحل، حتى يأتي دليل صريح، أو نص صحيح، أو ما في معنى النص إذا كان له علة، وهذه العلة منصوص عليها، أو في معناه من إلحاق ضرر أو ما شابه.
طيب؛ الأدلة على هذه القاعدة كثيرة جدا، الله عز وجل يقول مثلا في سورة البقرة: {هو الذي خلقَ لكم ما في الأرض جميعا} كل ما في الأرض لكم بحشائشها، واستخدام ما نبت عليها، وكل ما فيها لكم حلال، هذا نص ذُكر في معرض الامتنان، والله عز وجل لا يمتنُّ إلا بحلال.
{هو الذي خلقَ لكم ما في الأرض جميعا} يا أيها الناس كل شيء في الأرض لكم حلال، جعله الله لكم، حتى الأشياء المُرة والأشياء التي لا تُستطعم تكون فيها أدوية.
ويقول الله عز وجل في «سورة الأعراف»: {قُل من حرَّم زينةَ الله التي أخرجَ لعبادِه والطَّيِّبات من الرزق} من الذي حرم الطيبات؟ ومن الذي حرم الزينة؟ كل الزينة الأصل فيها الحل حتى يأتي الدليل على التحريم.
الذهب حرام للرجال، الحرير حرام للرجال، ليش؟ لورود النص.
ما لم يرِد فيه نص؟
طيب؛ الساعة المطلية بالذهب حلال ولا حرام؟
الأحكام الشرعية في الدين تُعلَّق بالحقائق ولا بالأسماء؟ بالحقائق.
طيب؛ الساعة المطلية بالذهب هل هي ذهب؟ هي لونها لون الذهب، هل حقيقتُها حقيقة الذهب؟
لبس شيء لونه لون الذهب حلال ولا حرام؟ حلال، ليس ذهبا، والشيء المطلي بالذهب حلال مش حرام، بناء على أي قاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة.
لو واحد سأل: إيش حكم الساعة المطلية بالذهب؟ أقول له: هذا ذهب؟ يقول: مش ذهب. أقول له: أنا عندي قاعدة الأصل في الأشياء الحل، بدك تحرم أعطيني دليلًا.
إذا أوردتَ علي حديث: «هذان حُرِّما على ذُكور أمتي: الذهب..»؟ هذا ليس بذهب، القاعدة: الأصل في الأشياء الحل.
تقول لي: حرام؛ هات الدليل، ما عندك دليل: الأصل في الأشياء الحل.
لون الذهب ليس حراما، اللون يسمونه المطلي بالذهب اليوم بتعبيرنا، لون الذهب ليس بحرام، الحرام عَين الذهب.
طيب؛ ذهب أبيض؟ ما فيش فرق بين اللون، ذهب أبيض ولا ذهب أصفر ولا ذهب أحمر، ما دام اسمه ذهب؛ حرام، الذهب ألوان.
طيب؛ الشرع حرَّم معدن الذهب ولا حرم لون الذهب؟ معدن الذهب، فإن تعددت ألوان الذهب؛ يبقى حرامًا، وإن وافق معدن آخر لونَ الذهب؛ يبقى حلالا.
فالأصل في الأشياء الحِل، في كل الأشياء الحل {هو الذي خلقَ لكم ما في الأرض جميعا}، {قُل من حرَّم زينةَ الله التي أخرجَ لعبادِه والطَّيِّبات من الرزق} شو الحلال من الرزق المأكول؟ الشيء الطيب، الشيء الخبيث حرام، {ويحرِّم عليهم الخبائث} فكل ما تستخبثه العربُ الأقحاح؛ حرام.
يعني العرب تستقبح تستخبث أكل الأفاعي، وأكل الصراصير، وأكل الحشرات، وأكل الفئران، هذه كلها إيش حكمها؟ هذا حكمها عند جماهير أهل العلم -عدا مالك- حكما الحرمة.
لماذا حرمنا أكل الصراصير وأكل الأفاعي وأكل الضفادع وأكل الجراذين؟ لأن الله يقول: {ويحرِّم عليهم الخبائث}، فما عدَّه العرب -عند نزول القرآن-ومنهم من قيَّد ذلك بقريش- ما عدُّوه خبيثًا فهو خبيث.
وكذلك ما يلحق به في المعنى.
الدخان طيب ولا خبيث؟ خبيث، أصحاب الفطر السليمة والعادات المستقيمة والعقول الصحيحة والأمزجة الهادئة الرقيقة، لا يستطيبون الدخان؛ لذا أكثر من يتأذى من أصحاب الدخان من؟ أكثر من يتأذى من الدخان زوجة المدخِّن، صحيح؟ ولو كان المدخن منصفًا لجعل زوجته تدخِّن قبله حتى لا يؤذيها!
فالدخان خبيث، ودلالة خبث الدخان: يستحيل أن تتعاطى الدخان في المسجد، لكن يمكن للمدخن أن يتعاطى السجارة في الحمام -أجلكم الله-، ويمكن وأنت صائم تأكل التمر وتشرب الماء في المسجد، لكن لو أذن عليك المؤذن وأنت صائم وأنت في الحمام والتمر في جيبك لا تأكل التمر في الحمام، فالذي يسوِّي بين التمر وبين الدخان ظالم، يُخالف الفطرة التي فطر الناس عليها.
فالدخان يشمل الخبث، ويشمل الإيذاء كما في حديث أبي أيوب الأنصاري عند مسلم في «الصحيح» قال: قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» وهو في معنى خُبث رائحة البصل والثوم غير المطبوخين.
وفي «الصحيح»: كان من يأتي للمسجد تنبعث منه رائحة الثوم والبصل يحمله اثنان واحد من قدميه وواحد من [يديه] ويرمون به عند البقيع!
هذه السُّنة لا تفعلوها -يا طلبة العلم- لا تفعلوها! بارك الله فيكم؛ إياكم أن تفعلوا هذه السنة! هي سُنة؛ لكن إياكم أن تفعلوها!
ليش لا تفعلوها؟ عندنا قاعدة جديدة تأتينا، أنتم وحدكم إن شاء الله تعرفونها، لما نتمم القواعد تعرفون هذه الأشياء.
إذن الأصل في كل هذه الأشياء الأصل فيها كلها الحل.
وأما الآيات فكثيرة جدا.. أما الأحاديث فكثيرة جدا، أجتزئ على حديثين:
الأول: ما أخرجه البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص رضيَ اللهُ تعالى عنه قال: قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إن أعظم المُسلمين جُرمًا من سأل عن مسألةٍ؛ فحُرِّمت من أجل مسألتِه».
لذا: ثبت في «الطبراني الكبير» عن عبد الله بن عباس قال: «ما سأل أصحابُ رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- رسولَ الله إلا أربع عشرة مسألة» كانوا يخافون يَسألون، قال: «وكانوا يعجبنا أن يأتي الرجل الأعرابي من البادية فيدخل ويسأل» أما نحن كنا نخاف، هذا الرجل لا يلقي بالا لشيء، كل شيء عنده يسأل، أما نحن لما سمعنا قول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إن أعظم المُسلمين جُرمًا من سأل عن مسألةٍ؛ فحُرِّمت من أجل مسألتِه»؛ أصبحنا ما نسأل، نترك الأمر على ما هو عليه، ما نسأل.
طيب؛ إيش مفهوم الحديث؟ الأصل في كل الأشياء قبل السؤال الحِل، وأنتم -أيها السائلون- إن ضيقتم على أنفسكم ضيق الله عليكم، وإن بقي الأمر ولم تسألوا، بقي الأمر على الأصل في الأشياء الإباحة.
ولذا: عند الترمذي عن سلمان الفارسي قال: قال -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «الحلالُ ما أحل الله، والحرام ما حرم الله، وما سكت عنه؛ فهو عفو» الشيء الذي لم يحلَّل ولم يحرَّم الأصل فيه إيش؟ «وما سكت عنه؛ فهو عفو»، إيش يعني «فهو عفو»؟ ليس بحرام، «ما سكت عنه» ما لم يرِد فيه تحليل ولا تحريم؛ «فهو عفو».
وهذا أصل من أصول قاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة.
فالأصل في الأشياء الإباحة.
طيب؛ النباتات التي لا نعرف حالها؟
إنسان سافر لبلدة من البلاد -مثل أندونيسيا- مليئة بالنباتات، فأراد استخدام النباتات، الأصل إيش في النباتات هذه؟ الحل، سواء كان رجل مريض وُصفت له نبتة ليستخدمها، أو إنسان مكتشف مخترع يريد يستخدم أدوية من هذه النباتات أو ما شابه، الأصل الحِل.
ما ينبت الآن على الجبال من أنواع كثيرة من الأشواك والنباتات، الأصل فيها الحل.
إذا كان عندك أنت من أهل الحلال، وعندك غنم، ما تسأل عن كل نوع إيش يرعى الغنم! يرعى هذا ولا يرعى هذا ولا يرعى هذا! هذا الأمر عسر!
فالأصل في كل هذه النباتات الحل؛ وبالتالي الدواب ترعى من كل شيء، ما فيه مشكلة.
وكم من فائدة من فوائد النباتات لم تُعرف إلا من خلال الدواب، بعض المقوِّيات الجنسية عُرفت من خلال الدواب، لما تأكل منها تصبح عندها شبق، فنظروا فحصوا فأخذوا هذه للبشر.
القهوة البُن أول ما اكتشفت وجدوا بعض الغنم يأكل من شجرة في اليمن وكانت لا تنام لما تأكل، فعلموا أن هذه النبة فيها منبِّهات فأصبحوا يستخدمون البُن للناس.
فالأصل في هذا الرعي كله الحِل، وليس الحرمة، الأصل في كل هذه النباتات الحِل وليست الحُرمة.
فالأصل في كل النباتات المجهولة الحِل.
هذه القاعدة التي ينبغي إن سأل طالبُ العلم وتذكر هذه القاعدة يُحسن أن يسأل إيش الحلال وإيش الحرام.
فما ينبغي لطالب العلم أن يسأل عن أشياء مسكوت عنها في دائرة العفو يقول: إيش الدليل على حِلها؟ بمجرد ما يسأل هذا السؤال تقول: هذا مش طالب علم هذا من عوام الناس! فإذا طلبتَ الدليل؛ طالِبِ الدليل في باب دون باب، في مسائل دون مسائل، ولا تكن من أصحاب المشاكل.
الآن نطالب الدليل نعكس القاعدة، الآن نأتي لقاعدة أخرى نطالب فيها الدليل، فنأتي للقاعدة التي بعدها، القاعدة في بيت رقم (23) يقول الناظم رحمه الله:
23. وَلَيْـسَ مَشْـرُوعًـا مِـنَ الأُمُــورِ ... غَيْـرُ الَّـذِي فِي شَـرْعِنَـا المَـذْكُــورِ
هذه قاعدة مهمة والغفلة عنها مَقتلة، وهي عكس القاعدة الأولى.
القاعدة الأولى: الأصل في الأشياء الحل.
القاعدة الثاني: الأصل في العبادات الحظر، الأصل في العبادات ممنوعة، ممنوع تعبد الله إلا بما ورد، تعبد الله بقلبك بعقلك بكيفك؛ لا!
لو نعبد الله بعقلنا؟ الغائط نجس، والمني طاهر، لازم نتغسل من الغائط ما نتغسل من المني، صحيح؟ لو نعبد الله بعقولنا ليش نتغسل من الطاهر؟ المني طاهر، والغائط نجس، نحن نتغسل من طاهر ونتوضأ من نجس! كما قال علي رضيَ اللهُ تعالى عنه قال: «لو كان الدينُ يُعرف بالرأي؛ لكان باطنُ الخُف أولى بالمسح من ظاهره» أنا أمشي على باطن الخف ولما أمسح؛ أمسح ظاهره! الأمر ليس إليك، هذا إيش الله يحب مش لك، هذا لله عز وجل.
لو كان الأمر بالعقل؛ يأتي آخر النهار والإنسان يتعب في عمله وفي مهنته، وفي الزمن الأول الأنور وقت التنزيل كان الناس يعملون ويتعبون في العمل، يأتي آخر النهار صلاة العشاء: أربع ركعات، وتستيقظ طول الليل وأنت نائم وتصلي ركعتين! كان الأصل أن تصلي وأنت مرتاح أربعة، وآخر النهار تصلي ركعتين.
أنت تعِب وتشتاق للنوم؛ لا، آخر النهار مطلوب منك أن تصلي أربعًا، وأول النهار وأنت قوي تصلي ركعتين! ليش؟ هذا الأمر [ليس لك] هذا الأمر لله، الله كلفك، هكذا أمرَ، ليس لك إلا أن تستسلم.
علَّق الإمام البخاري عن الإمام الزُّهري قال: «مِن الله الرسالة، وعلى الرَّسول البلاغ، وعلى النَّاس الاستسلام».
الرسالة من الله، والرسول إيش عليه؟ يبلِّغ، ونحن إيش المطلوب منا؟ نستسلم، علينا الاستسلام، ونحن مسلمون، وكل الأديان الإسلام، وربنا قال: {إنَّ الدِّين عند الله الإسلام} شو يعني الإسلام؟ المراد بالإسلام الاستسلام، نستسلم لأمر الله، هكذا يا رب تحب؛ سمعا وطاعة، هكذا تريد؛ سمعًا وطاعة، فقلبي وعقلي وأحاسيسي وقوَّتي كلها تخضع لأوامرك، وليس لي أن أخرج عن أمرك، فأنا أستسلم لما تحب.
فالرسالة من الله، والرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مُبلِّغ، والناس عليهم يستسلمون لأمر الله جل في علاه.
لذا يقول الناظم:
23. وَلَيْـسَ مَشْـرُوعًـا مِـنَ الأُمُــور ... غَيْـرُ الَّـذِي فِي شَـرْعِنَـا المَـذْكُــورِ
فالأصل في العبادات: الحظر، ولا يُشرع منها إلا ما شرعه اللهُ تعالى ورسولُه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فما ورد في كتاب الله، وما ورد على لسان رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ هو المشروع، وما لم يرِد مشروع ولا ممنوع؟
يعني: لو جاءنا واحد قال: يا جماعة! خمس صلوات في اليوم والليلة ما تكفي، وزيادة الخير خير، وأنتم تصلون خمس صلوات، أنا بدي أصلي ست صلوات، وأنا الصلوات عندي ستة مش خمسة، وأنتم تصلون خمسة أنا عندي ستة، إيش نقول له؟ أقل الأحوال نقول له: أنت مبتدع! وإذا استحل هذا؛ نقول له: أنت كافر!! دِينك ست صلوات، ديننا خمس صلوات، ديننا غير دينك، أنت لك دين غير ديننا، كل شيء دينه كديننا، كل دينه مثل ديننا، لكن قال: أنا بس بدي أزيد صلاة، أنتم عندكم خمس صلوات، أنا عندي ست صلوات!!
واحد جاءنا قال: يا جماعة! أنا ديني مثل دينكم، كل ما تقولون فيه أقول فيه، حرفًا بحرف، لا أخالفكم في شيء، إلا إني أقول: زكريا عليه السلام مش نبي، كل دينكم أنا وياكم سيان، بس أنتم تقولون زكريا نبي أنا أقول مش نبي، إيش نقول له؟ كافر! لأنه ما استسلم لأمر الله، هذا صار عقله هو الحَكم على الدين، والذي يَكفُر بنبي يَكفر بجميع الأنبياء.
فالشرع لما تجي تثبت نبوة رجل تحتاج لدليل على إثبات نبوته، ولا كل إنسان نبي!! ولا النبي الذي ورد في الكتاب والسنة؟ النبي الذي ورد في الكتاب والسنة.
فلما بيان بن سمعان المجرم كان يقول: الله يقول: {هذا بيانٌ للناس} أنا بيان! بيان اسم رجل كان قديمًا، فجاءنا واحد دجال ادعى النبوة قال: أنا الذي الله عناه في كتابه فقال: {هذا بيانٌ للناس}! كفرتَ!
واحد سمى حاله (لا)!! وقال: النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: «لا نبي بعدي»! قلنا: يا هذا! النبي قال: «لا نبيَّ بعدي» ولم يقل: لا نبيٌّ بعدي! لا النافية ليست (لا) مبتدأ و(نبي) خبر! ما قال: لا نبيٌّ بعدي! قال: «لا نبيَّ بعدي».
فالدجالون والكذابون وأعوان الشياطين الذين ينفخ الشياطين في قلوبهم يأتون شمالا يأتون شرقا، لكن على غير الأصول العلمية.
فإذن: الناظم يقول:
23. وَلَيْـسَ مَشْـرُوعًـا مِـنَ الأُمُــورِ ... غَيْـرُ الَّـذِي فِي شَـرْعِنَـا المَـذْكُــورِ
ما ورد في شرعنا في أمور النبوة، ما ورد في شرعنا من أمور الوحي، ما ورد في شرعنا من العبادات؛ نَقبلُه، وما لم يرِد لا نقبله حتى يأتي الدليل؛ لماذا؟ لأن الله تعالى يقول: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نِعمتي ورضيتُ لكمُ الإسلامَ دِينًا} الدين كامل {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم}؛ فالذي يقول فيه فرض الله يحبه ولم يرِد في كتاب أو سُنة؛ كأنه يقول -إن سلَّمنا أن هذا الأمر يحبه الله كما يقول- كأنه يقول: هذا الأمر يحبه الله، وأنزله على قلب رسوله محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، ومحمد خان الأمانة! وأنا أريد أن أُكمِلها، وقول الله: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم} ليس بصحيح إلا هذا الأمر الناقص، هذا محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- خان الأمانة فيه، فأنا اليوم أُكمِلكم، آتيكم بشيء جديد ما جاء في زمن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-!!
لذا: جاء رجل للإمام مالك بن أنس، وكان بيته بعيدا أمتارا عن ذي الحليفة -آبار علي-، قال له: يا إمام! يا أبا عبد الله! أنا أريد أن أعتمر وأُحرم من بيتي، ما أريد أن أذهب هذه الأمتار وأُحرم من ذي الحليفة!
النبي وقَّت لنا مواقيت الحج والعمرة -المكانية والزمانية-، صحيح؟
يعني: لو واحد قال: أنا بدي أحج في صفر مش في ذي الحجة، أنا الحج اليوم.. بدي أعمل أعمال الحج كاملة غير ناقصة لكن في صفر مش في ذي الحجة؟ نقول له: حالك كحال من يقول: أنا أريد أن أحج في ذي الحجة إلى ماليزيا مش إلى الكعبة!! لا فرق بين هذا وذاك!
فالذي يغير المكان يغير الزمان، والدين كامل.
فجاء هذا الرجل فقال: يا أبا عبد الله -الإمام مالك، إمام دار الهجرة- أنا بيتي بعيد عن ذي الحليفة أمتارا، وأريد أن أُحرم من بيتي للعمرة؟ فقال له الإمام مالك: إني أخشى عليك الفتنة. قال: وأي فتنة هذه؟! إنما هي أمتار أمشيها! قال: يا هذا؛ أما سمعتَ قول الله: {فلْيحذر الذين يُخالفون عن أمرِه أن تُصيبَهم فِتنة أو عذاب أليم} (أمرِه) الهاء، مضاف إليه، على من تعود؟ على رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فلْيحذر الذين يُخالفون أمر رسول الله أن تصيبهم فتنة، فالذي يخالف أمر رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- هذا أصبح فتنة، الفتنة في مخالفة الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
فـ{اليومَ أكملتُ لكم دينَكم} الدين كامل.
عمر -رضيَ اللهُ عن عمر وعن سائر أصحاب رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم--، عمر مُلهم، سمع رجلًا من اليهود -والقصة في «البخاري»- يقول: لو نزلت علينا هذه الآية لاتَّخذناها عيدًا، قال عمر: والله إني لأعلمُ أين نزلت وفيمَ نزلت، والله إنها نزلت يوم الجمعة، في يومِ عيدٍ، في العاشر من ذي الحجة، في العام الذي حجَّ فيه رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
عيد لنا في الأسبوع، وعيد السنة، وآخر الموسم الذي حج فيه النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- نزلت هذه الآية.
ولذا عمر لما كانت تُقرأ عليه الآية: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكم} كان يبكي، وكان يقول -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: «واللهِ ما بعد الإتمام إلا النقصان»؛ بعد التمام النقصان، اليوم أُكمل الدين يبدأ النقص سيظهر في الأمة، أي نعم.
وهذا يطابق كلام النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إنه من يعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ» إيش قال بعدها؟ قال: «وإياكم ومحدَثات الأمور؛ فإن كل محدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».
ماذا يُستفاد من قوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «وإياكم ومحدَثات الأمور؟
يُستفاد من قوله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:«وإياكم ومحدَثات الأمور بأن الأصل في العبادات التوقيف، وأن الإحداث فيها، إيش الإحداث يعني؟ يعني الافتراع والاختراع وأن نتعبد الله بما في عقولنا، أو عاداتنا أو تقاليدنا، أو ما وجدنا عليه الآباء أو الأجداد، أو ما وجدنا عليه أهل العادات والتقاليد، أو ما تمليه علينا السياسات والمصالح، أو الأهواء والمنامات، هذه كلها محدثات أمور، فلما قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «وإياكم ومحدَثات الأمور؛ فإن كل محدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»؛ تبين لنا من هذا الحديث أن الأصل في العبادات التوقيف، والإحداث فيها حرام.
وكذلك يقول الله عز وجل: {أم لهُم شُركاءُ شرعوا لهم من الدِّين ما لَم يأذنْ به الله} دلت الآية أن الذي يُشرِّع الدِّين بغير نصٍّ من كتاب أو سُنة؛ هو شريك لله في التشريع، في التحليل والتحريم!
ولذا: في حديث عدي بن حاتم -وكان نصرانيا- فأُسرت أخته -عدي بن حاتم ذاك الرجل المعروف بالكرم عند العرب- فكان عدي قد هرب، وكان نصرانيًّا، فلما أخبرتهُ أختُه أن النبي رحيم بالناس، وأن من يأتيه فالنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لا يظلمه، فجاء عَدي، وكان في صدره صليب، فجاء للنبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وكان النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقرأ: {اتَّخذوا أحبارَهم ورُهبانَهم أربابًا من دون الله}، فعدي قال -ويعبر عما في قلبه-: ما اتَّخذوهم أحبارًا من دون الله. فقال له النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:«ألم يُحلِّلوا لهم الحرام؟ ويحرِّموا عليهم الحلال؟» قال عدي: بلى. فقال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-:«تلك عبادتُهم إيَّاهم»!
إذن: من شرَع في الدين ما لم يأذن به الله، فاخترع من رأسه عبادات، هذا إيش؟ مُشرِّع! {أم لهُم شُركاءُ شرعوا لهم من الدِّين ما لَم يأذنْ به الله} فدلت الآية على أن الأصل في العبادات التوقيف، ما لك أن تُحرِّم، ما لك أن تقول للناس عبادة كذا مشروعة أو ممنوعة.
وكذلك ورد هذا في عدد كبير من الآثار، فعبد الله بن مسعود رضيَ اللهُ تعالى عنه كان يقول:«اتَّبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفيتم» ما ورد في الكتاب والسنة يكفيكم، فعليكم بالاتباع وإياكم والابتداع، فقد كُفيتم، كل من لا يُغنيه الكتاب والسُّنة ويريد أن يعبد الله من غير دليل؛ هذا ضال؛ بل هذا رأس من رؤوس الضلال.
وكان عبد الله بن مسعود يقول -وهذه قاعدة هنيئة مريئة يهنأ بها السني- كان يقول: «الاقتصاد في سُنة خيرٌ من الاجتهاد في بِدعة»، سُنة قليلة مُباركة خير من اجتهادٍ كثير في بِدعة «الاقتصاد في سُنة خيرٌ من الاجتهاد في بِدعة».
وعند الدارمي عن عبد الله بن عمر رضيَ اللهُ عنهما كان يقول: «كلُّ بدعة ضلالة وإن رآها الناسُ حسنة».
فيه بدعة حسنة في الدين؟ في الدين ما فيه بدعة حسنة.
في الدنيا: الأشياء التي لم تكن في زمن الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ما نقول عنها بدعة؛ نقول عنها : حلال، يعني: المروحة والثريا والسيارة والتخت وما أدري إيش.. هذه الأصل فيها الحِل ولا الحرمة؟ الحِل، ليش نقول عنها بدعة؟
إذا أبيتُم إلا أن تقولوا: فيه بدعة حسنة؟ قولوا: البدعة أصلها حلال! فصار الخلاف شكليًّا، لكن هذه لا تسمى بدعة، البدعة لا تكون إلا في الدين، ولذا قال النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وقال عبد الله بن عمر رضيَ اللهُ تعالى عنهما: «كل بدعة ضلالة وإن رآها الناسُ حسنة» ما فيش في الدين بدعة حسنة.
إذا تقولون عن الباص وعن القطار وعن الطيارة بدعة! هذه ليست في الدين، ننتكلم عن الدين، فالدين كامل، ما يجوز لأحد أن يزيد عليه، ولا يجوز أن يقول: هذا شيء يحبه الله ولم يكن في زمن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
ولذا: كان سعيد بن المسيب يقول:«ما لم يعرفه أهلُ بدرٍ؛ فليس من دين الله في شيء» الذي لا يعرفه أهل بدر ليس من دين الله، لكن أهل بدر لا يعرفون السيارات والطيارات، هذه من الدين -الطيارات والسيارات-؟ ليست من الدين، والنظارات والمكروفونات، ليست من الدين، هذه ليست لها صلة بالدين.
أما تقول لي: فيه عبادة ما كان يعرفها أصحاب النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، أو لا يعرفها أهل بدر؛ فهذا كله بدع.
جاء رجل لعبد الله بن عباس رضيَ اللهُ تعالى عنهما فقال له: أوصني! فقال: «عليك بتقوى الله والاستقامة، اتَّبع ولا تبتدع».
رأى سعيد بن المسيب رجلًا يقوم يصلي تطوعا في وقت غروب الشمس قبل المغرب، وكان شابا، فسعيد أبو محمد سيد التابعين، أخذ بيد الشاب وأجلسه بقوة، هو قام يصلي لله في وقت فيه إيش؟ كراهة، فأخذ بيده وأجلسه، فقال الشاب لسعيد: يا إمام! أيعذبني الله على أن أصلي له؟ معقول الله يعذبني أن أصلي له! استغرب من فعل سعيد، قال: أيعذبني الله لأني أصلي له؟ فقال له سعيد -ونهره- قال: يا هذا! اجلس! إن الله لا يعذبك لصلاتك له، ولكن الله يعذبك لخلافك للسُّنة. الله يعذبك لأنك خالفت السنة، الله لا يعذبك لأنك تصلي له، النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- نهاك أن تصلي في هذا الوقت، فلا تصلي في هذا الوقت.
وكذلك: ابن عمر دخل المسجد، فوجد المؤذن يؤذن ويثوِّب في الأذان، يعني شو يثوِّب؟ قالوا: يقول: الصلاة خير من النوم، في غير وقتها، وقالوا: أنه يؤذن للمسؤولين وللبعيدين وللغافلين ويؤذن لكل واحد على صلة، قالوا هذا التثويب.. فخرج عبد الله بن عمر رضيَ اللهُ تعالى عنه من المسجد وصاح بأعلى صوته وقال: «أخرجتني البدعة» هذا المؤذن بسبب فعله هذا خرجتُ من المسجد.
جاء مؤذن لعبد الله بن عمر وقال: يا عبد الله! إني أحبك في الله، فقال له عبد الله بن عمر: أما أنا والله أشهده أني أبغضك في الله، قال: لم؟ قال: إنك تلحن في أذانك وتأخذ عليه أجرًا. اللحن في الأذان ممنوع في الشرع.
أكثر قصة تُبين أن الأصل في العبادات التوقيف: رجل عطس عن ابن عمر -والقصة عند الترمذي-، لما عطس قال: الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، فقال له ابن عمر: أما الصلاة على رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فحَسنة، ولكن رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ما علمنا أن نصلي عليه في هذا الموطن، ولم يعلِّمنا إلا أن نقول: (الحمد لله على كل حال)، فزجره أن يقول: صلى الله على رسول الله.
فهذه كلها تدلل على قاعدة: (الأصل في العبادات التحريم).
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهى (الجزء الأول) ويتبع (الجزء الثاني).

تفريغ : أم زيد

من هنـا تجميع روابط الدروس المفرَّغة
الثامن........
__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس