عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 09-29-2011, 08:05 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

لقد أجرَوا أربعَ تجارب في عيادةٍ أمريكيَّة تُدعى (أكبر) حول القُرآنِ الكريمِ وتأثيرِه في تخفيفِ اضطِراب النُّفوسِ وتوتُّرها، جاؤُوا بجماعاتٍ مِن المرضَى نفسِيًّا، مِن المُتوتِّرين والمضطربِين باطنيًّا، وجرَّبوا عليهم عِدَّةَ تجارب.
فالتَّجربةُ الأولى: جعلوهُم في صمتٍ تامٍّ، وهُدوءٍ كامل، ثم نظرُوا إلى المؤشِّر هل يشيرُ إلى تخفيفٍ عنهم؛ فما وجدوا نتيجة؛ بقوا مرضَى كما دخلوا!
ثم جرَّبوا تجربةً ثانية: فأسمعوهم كلامَ العربِ مُجوَّدًا، كلام العربِ مَتلُوًّا، ثم نظروا إلى المؤشِّر؛ فلم يسجِّل نتيجة!
ثم جرَّبوا تجربةً ثالثة: حيث أسمعوا المرضى القُرآنَ الكريم؛ فكان المؤشِّر يُسجل نجاحَ ستِّين بالمائة من التَّخفيف مِن توتُّرهم -رغم أنهم ما يفهمون عنه-!
ثم جربوا تجربةً رابعة: حيث أسمعوا المرضى القُرآنَ الكريم، بعدما شرحُوا لهم تلكَ الآياتِ شرحًا وافيًا، فأسمعوهم القُرآنَ الكريمَ؛ فإذا بالمؤشِّر يُسجِّل نجاحَ ثمانٍ وتسعينَ بالمائة؛ حيث لانت أنفسُهم واستراحتْ قُلوبهم، وأخذوا يشعُرون باطمئنانٍ تامٍّ، وتخفَّف عنهم التَّوتُّر بالنِّسبة المئوية التي ذُكرتْ!
فيا سُبحان الله! لا عجبَ من ذلك؛ فإن الله -تبارَكَ وتَعالى- هو الذي قال: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}، وهو الذي قال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}.
قد يقولُ قائلُكم: كيف يشفيهم القُرآنُ الكريم، وقد ذكر اللهُ -تَعالَى- أنَّ هذا القُرآن شفاءٌ للمؤمنين لا للكافرين -وهم كافِرون-؟!
نقولُ لكم: هذا صحيح -انطلاقًا من الآيتين السَّابقتين-؛ لكن: ماذا تقولون في قولِ الله -عزَّ وجلَّ-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} -والخطاب لجميع النَّاس-لمؤمنِهم، وكافِرهم- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }؛ فهذه الآيةُ تقرِّر أن القُرآنَ الكريم شِفاء لصدور النَّاس؛ أي: أنَّ القُرآن الكريم يُمكن أن يستفيدَ منه جميعُ النَّاس -المؤمن، والكافر-؛ لكنَّه -في الحقيقةِ- هُدى ورحمةٌ للمؤمنين؛ لم؟ لأنهم شرحوا صدورَهم بعد أن سمِعوه.
وهكذا كلُّ كافرٍ يَشرح صدرَه لكلامِ الله -عزَّ وجلَّ-؛ يهديه اللهُ -تباركَ وتَعالَى- به، بل كم مِن كافرٍ ما أسلمَ إلا لما سمع القُرآنَ الكريم.
فالقُرآن الكريمُ هدايةٌ لجميع النَّاس، شفاءٌ لجميع النَّاس، كما قرَّرت هذه الآية الكريمة.
ولذلك قال الله -تَعالَى- بعدها-: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
قال ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهُما-: «{قُلْ بِفَضْلِ اللهِ} أي: بالإسلام، {وَبِرَحْمَتِهِ} أي: بالقُرآن»؛ يعني: افرحوا -يا عبادَ الله- أن جعلكم اللهُ -تَعالَى- مُسلمين، وهداكم في هذا الخبرِ العظيم، وفتح عَليكم أبصارَكم في هذه الظُّلمات المُدلهمَّة.. أي: بالإسلام، ثم افرحوا برحمةِ اللهِ التي هي القُرآن الكريم.
وهكذا يفرحُ كلُّ مؤمنٍ بالقُرآن الكريم؛ لأنه يجدُ فيه راحتَه، يجدُ فيه طُمأنينتَه، يجدُ فيه ما يُريد.
وهكذا نجحتْ هذه العمليَّات -جميعًا-.
وقد ذكر ابنُ كثيرٍ -عليهِ رحمةُ اللهِ-: أنَّ إبلًا مِن خَراج العراق، أتَوا بها لِعمرَ بنِ الخطاب -رضي اللهُ-تَعالَى-عنهُ-، فلما عدَّ الإبلَ وجد عددَهم أكثرَ من العددِ المسجَّل في الرِّسالة، فحمِدَ الله -عزَّ وجلَّ-، وكان معهُ أحدُ خدمِه فحمِد الله، وقال: هذا من فضلِ الله ورحمتِه، فقال له عمرُ: كذبتَ؛ ليس هذا! يعني: هذا العددُ الكثيرُ من الإبل ليس من فضلِ الله ورحمتهِ التي أراد الله -عزَّ وجلَّ- في قوله: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}؛ إنما هذا مِمَّا يجمعون؛ لأنَّ الله -تَعالَى- قال: {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
فلاحِظوا كيف خاف عمرُ -رَضِي اللهُ-تَعالَى-عنه- أن تكونَ هذه النِّعمة التي أنعم اللهُ -تَعالَى- بها عليهِ مِن كثرةِ عددِ الإبل في دولة الإسلامِ أن تكونَ نِقمةً عليه، فلا يستطيعُ شُكر الله -عزَّ وجلَّ-؛ فجعل فضلَ اللهِ ورحمتَه أعظمَ مِن هذه المادَّة التي يُعطاها الإنسان؛ فهكذا يفهم الراسِخون في العلمِ كلامَ الله -عزَّ وجلَّ-.
الخُلاصةُ: أن هذه الطَّريقةَ التي اتُّخذتْ للدَّعوةِ إلى الله -عزَّ وجلَّ- بالأناشيدِ؛ ليستْ من دِين الله في شيءٍ؛ وإنَّما هي (محدَثة)؛ بل إنَّها تقليدٌ للنَّصارى الذين عجزوا عن إقناعِ النَّاسِ بدِينهم الباطل، خاصَّة عند ظُهور الثَّورةِ الشيوعيَّة البلشفيَّة، حيث مسحت الإيمانَ مِن القُلوب، وخرج النَّاسُ من دِين النَّصارى أفواجًا، ليكبُّوا ديانتَهم في الإلحادِ والكُفر بالله -عزَّ وجلَّ-، فلجأ أهلُ الكنيسةِ -كما حدث في أمريكا لأوَّل مرَّة- أن أعلنوا صلاةَ يوم الأحدِ بالكنيسة مع حفلٍ راقص! وإنَّما لجؤُوا لهذه الطَّريقة؛ لاجتذابِ النَّاس الذين فرُّوا من العبادةِ والكنيسة؛ لأنهم لم يجدُوا جَدوى الطُّرق الشرعيَّة -التي يحسبونها شرعيَّة!-؛ فلجؤوا إلى ما لجأ إليه كثيرٌ مِن إخوانِنا اليوم مِن دعوة النَّاس عن طريق الأناشيد!!
وقد سُئل الإمامُ ابنُ تيميَّة -عليهِ رحمةُ اللهِ- عن شيخٍ دعا جماعةً من قُطَّاع الطَّرق والسُّرَّاق وشَرَبة الخمور عن طريق هذه الأناشيد والقصائدِ الرَّبَّانيَّة، وكان لا يستعملُ معها سِوى الدُّف، فقال السَّائل: لقد حَسُن حالُ هؤلاء الشَّباب، وأصبَحوا مِن أصلحِ النَّاس؛ بل لقد أصبحوا يتورَّعون من الشُّبُهات، ويُؤدُّون المفروضات، ويجتنبون المحرَّمات، فسأل: هل هذا السَّماع -الذي استعمله الشَّيخ- جائز أم لا؟
قال ابنُ تيميَّة -عليهِ رحمةُ الله-: «ما يراهُ الناسُ مِن الأعمال مُقرِّبًا إلى الله ولم يشرعهُ الله ورسولُه؛ فإنَّه لا بُدَّ أن يكونَ ضررُه أعظمَ مِن نفعِه؛ وإلا فلو كان نفعُه أعظمَ غالبًا على ضررِه؛ لم يُهمِله الشَّارع؛ فإنَّه -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم- حكيمٌ لا يُهمل مصالحَ الدِّين، ولا يُفوِّت المؤمنين ما يُقرِّبهم إلى ربِّ العالمين.
إذا تبيَّن هذا؛ فنقولُ للسَّائل: إن الشَّيخ المذكورَ قصدَ أن يُتوِّب المجتمِعين على الكبائرِ فلم يُمكنه ذلك إلا بِما ذَكره مِن الطَّريقِ البِدعي؛ يدل أن الشيخَ جاهِلٌ بالطُّرقِ الشَّرعيَّة التي بها يتوبُ العُصاة، أو عاجزٌ عنها؛ فإنَّ الرَّسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- والصَّحابةَ والتَّابعين كانُوا يَدْعون مَن هو شرٌّ مِن هؤلاء -مِن أهلِ الكُفر والفُسوق والعِصيان- بالطُّرقِ الشرعيَّة التي أغناهم اللهُ بها عن الطُّرقِ البِدعيَّة.
فلا يجوزُ أن يُقال إنَّه ليس في الطُّرق الشَّرعيَّة التي بعث اللهُ بها نبيَّه ما يتوبُ به العُصاة».
لذا أذكرُ مقولتَه -في موطنٍ آخر-عليهِ رحمةُ اللهِ-؛ فيقول: «وأما سماعُ المُكاءِ والتَّصدية -وهو الاجتماع للقصائد الرَّبانيَّة-سواء بكفٍّ، أو بقضيبٍ، أو بِدُفٍّ، أو كان مع ذلك شبَّابة-؛ فهذا لم يفعله أحدٌ من الصَّحابة -لا مِن أهل الصُّفَّة، ولا مِن غيرهم-؛ بل ولا مِن التَّابعين، بل القُرون المفضَّلة التي قال فيها النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-: «خير القُرون الذين بُعثتُ فيهِم، ثمَّ الَّذين يَلونَهُم، ثمَّ الَّذين يَلونَهُم»، لم يكن فيهم أحدٌ يجتمع على هذا السَّماع -لا في الحجازِ، ولا في الشَّام، ولا في اليمن، ولا العِراق، ولا مِصرَ، ولا خُراسان، ولا المغرب-؛ وإنما كان السَّماعُ الذي يجتمعون عليه سماعَ القُرآن، وهو الذي كان الصَّحابة -مِن أهل الصُّفَّة وغيرِهم- يجتمعون عليه، فكان أصحابُ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم- إذا اجتمعوا أمَرُوا واحدًا منهم يقرأ، والباقي يستمعون».
وقال -أيضًا-: «وبهذا السَّماع هدَى اللهُ العبادَ، وأصبح لهم أمر المعاش والمعاد، وبه بُعث الرَّسول -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-، وبه أَمَر المهاجِرين والأنصارَ والَّذين اتَّبعوهم بإحسان، وعليه كان يجتمع السَّلف».
وقال: «ولم يكن في السَّلف الأوَّل سَماعٌ يجتمع عليهِ أهلُ الخير؛ إلا هذا».
ولقد صدق -عليهِ رحمةُ اللهِ-؛ فإنَّ الصَّحابة -رضيَ اللهُ عنهُم- كانُوا إذا سافَروا لا يجتمعون إلا لهذا السَّماع؛ بل ويجتهدون فيه أيَّما اجتِهاد، فلقد قال النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم-: «إنِّي لَأعرفُ أَصواتَ رفقةِ الأشعَريِّينَ بِالقُرآن حين يَدخُلون اللَّيلَ، وأعرفُ مَنازِلَهم بأصواتِهم بالقُرآنِ باللَّيلِ، وإن كنتُ لم أرَ مَنازِلَهم حينَ نَزَلُوا بالنَّهار» -متَّفق عليه-.
فسُبحان الله! النَّبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يعرف منازلَ الأشعريِّين -رضيَ اللهُ عنهُم- بِرفعِهم لأصواتِهم عند تلاوةِ القُرآن -وهم في سفرٍ، وإذا نزلوا-أيضًا-من سفرٍ-؛ لا كما يفعلُ بَنُو زمانِنا ممَّن يزعمون الدَّعوة إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ- اليوم، فقد عرفنا منازِلَهم في أسفارِهم، لا يرفعون أصواتَهم إلا بالنَّشيد، وإن رفعوا أصواتَهم بالقُرآنِ الكريم؛ ففي زمنٍ قليل!!
نسأل الله -تَعالَى- الهداية.....


تم التفريغ بحمدِ اللهِ -تَعالى-



رد مع اقتباس