{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   منبر اللغة العربية والشعر والأدب (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=9)
-   -   من أمثال العرب ... (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=13894)

طارق ياسين 02-24-2017 03:34 PM

.
· قِفِ الحمارَ على الرَّدْهةِ ولا تَقُلْ له سَأْ.

قال العسكري:

معناه: إِذا أَرَيتَ الرجلَ رُشدَه فلا تُكْرِهْهُ عليه؛ فقد فعلتَ ما وجبَ عليك، كالحمار إِذا وقَفْتَه على الرَّدْهةِ؛ فإِنه يَشربُ إِنْ كانت به حاجةٌ إِلى الشربِ ومِن غيرِ زَجْرٍ.

(سَأْ): اسمُ صوتٍ يُزجرُ به الحمارُ لِيَحتَبسَ، أَو يُدعى ليَشربَ، أَو ليمضيَ.
وسَأْسَأْتُ بالحمارِ: إذا دعوتُه ليَشربَ.
و(الرَّدهةُ) نُقْرَةٌ في صخرةٍ يَجتمعُ فيها ماءُ السماءِ، والجمعُ رِداه.

طارق ياسين 04-29-2018 03:48 PM

• أَوْفَى مِنَ السَّمَوْأَلِ.


قال مَعمرُ بنُ المثنى:


أَوفياءُ العربِ في الجاهليةِ ثلاثةٌ: السَّمَوْأَلُ بنُ عادِيا، والحارثُ بنُ ظالمٍ المُرِيُّ، وعُمَيْرُ بنُ سَلمى الحَنفي.
ضُربَ بالسموأَلِ المثلُ في الجاهلية والإسلام. وضُرب بالحارث بنِ ظالمٍ في الإسلام.
وكان الذي شَهرَ وفاءَ السموأَلِ أَنه أَجارَ قَطِينَ(1) امْرئِ القَيْسِ بنِ حُجر وأَدْرُعَه وكُراعَه(2) حين توجَّه إِلى الروم, فلما مات امرُؤ القيس بأَنْقَرَةَ بعث ملكٌ من ملوكِ غسانَ -وهو عمرُو بنُ هندٍ، وهو ابن المنذر- إِلى السموأَلِ فيما استودعَه امرؤُ القيسِ, فأَبى أَن يُسلِّمَه، وبعث إِليه جيشاً عليهم رجلٌ من أَهل بيتِه يُقال له: الحارثُ، وكان السموأَلُ يَنزلُ حِصناً يقال له: الأَبْلَقُ الفَرْدُ(3)، من أَرضِ تَيماءَ، فلما أَحسَّ بهم أَغلقَ حِصنَه، وكان له ابنٌ؛ إِما في سفرٍ، وإِما في صيدٍ، فجاء وهو لا يعلمُ أَنه قد أُطيقَ بأَبيه، فأَخذَه الحارثُ فقال: إِنْ سَلَّمتَ إِليَّ الوديعةَ خلَّيْتُ عن ابنِك، وإِلا قَتلتُه، فأَبى أَن يسلمَّها، فأَخذَ الحارثُ ابنَه وصرَعَه ثم ناداه: أَشْرِفْ فانظرْ فَوَاللهِ لأَقْتُلَه أَوْ لَتَدْفَعَنَّ إِليَّ الوديعةَ، فقال: الغَدرُ طَوقٌ لا يَبْلَى، ولابني هذا إِخوةٌ، وأَنا أَرجو أَنْ يَعْقِبَنيهِ اللهُ، فقَتَله، فقال السموأَلُ:


وَفَيْتُ بأَدْرُعِ الكِنْدِيِّ إِنـــــي ... إِذا عـــــــــاقــــدتُ أَقواماً وَفَــيْــتُ
بَنـى لي عــادِياً حِصناً حَصيناً ... وعـــــــيناً كـــلمـــ‘ا شِئتُ اسْتَقْيْتُ
رفيعاً تَـــزْلَقُ الـــعِقبانُ(4) عــــنه ... إِذا مـا نـــابَني ضَــــيْمٌ أَبَيْتُ
وأَوصى عادياً قِدْماً(5) بأَنْ لا ... تَهدمَ يا سموأَلُ ما بنيتُ
وكم من مُخبرٍ لي ليس يدري ... أَوَرْدٌ لونُ جِلدي أَم كُمَيْتُ
__________
(1) القَطينُ: الخدمُ والأَتْباعُ والحَشَم، وقَطِينُ الدارِ: أَهلُها، وقَطينُ اللهِ: سُكَّانُ حَرَمِه. ( للواحد والجمع، أَو جمعُه قُطُن).
(2) جاء في "المصباح المنير": وقيل لجماعةِ الخيلِ خاصةً: كُراع.
(3) جاء في "القاموس": الأَبْلَقُ الفَرْدُ: حِصْنٌ للسَمَوْألِ بنِ عادِيا، بناهُ أبوهُ أَو سُليمانُ -عليه السلام- بأرْضِ تَيْماءَ، وقَصَدَتْهُ الزَّبَّاءُ فَعَجَزَتْ عنهُ وعنْ ماردٍ فَقَالَتْ: تَمَرَّدَ مارِدٌ وعَزَّ الأَبْلَقُ. وجاء في "نهاية الأرب": سمي بالأبلق الفرد لأنه كان مَبنياً بحجارةٍ مختلفةِ الألوان.
(4) جمع عُقاب، وهو طائر من الجوارح معروف. قال الجوهري: وجمع القِلَّة أعْقُب؛ لأنَّها مؤنثة، والكثيرُ: عِقْبان.
(5) قال الجوهري: يُقالُ: قِدْماً كان كذا وكذا، وهو اسمٌ من القِدَمِ. جُعِلَ اسماً من أَسماءِ الزمان.

طارق ياسين 05-02-2018 07:20 PM

• وقد تُخرجُ الحاجاتُ يا أُمَّ عامرٍ... كَرائمَ من ربٍّ بهنَّ ضَنينُ
يقالُ فيمن اضْطُرَّ لبيعِ ما يحتاج إِليه.
قال في "الصحاح": ضَنِنْتُ بالشيء أَضَنُّ به ضِنًّا وضَنانَةً، إذا بخِلتُ به، فأنا ضَنينٌ به.
جاء في العقد الفريد:
قيل لأَعرابيٍّ -وقد أَدخلَ ناقتَه في السُّوقِ ليبيعَها-: صِفْ لنا ناقتك،
قال: قال: ما طَلَبْتُ عليها –قَطُّ- إلا أَدْرَكتُ، وما طُلِـبْتُ إلا فُتُّ.
قيل له: فلِمَ تبيعُها؟
قال: لِقولِ الشاعرِ.. فذَكرَه..

طارق ياسين 05-04-2018 04:23 PM

.
• الشجاع مُوَقَّى والجبانُ مُلَقَّى.


قال اليُوسيُّ في "زهر الأكم":


معناه: إنَّ الشجاعَ معَ إِقدامِه وتَعاطيه المَهالكَ بنفسِه، محفوظٌ غالبا. والجبانُ مع كَثرةِ حَذَرِه هالكٌ.
قال البَكريُّ: وهذا كما رُوي عن أَبي بكر وعن عليٍّ-رضي الله عنهما-: احرصْ على الموتِ تُوهبْ لكَ الحياةُ.

وقال الشاعر:


تَأَخَّرتُ اسْتَبْقي الحياةَ فلم أَجدْ ... لِنفسي حياةً مثلَ أنَّ أَتقدَّما


قلت: ومثلُه شاع اليوم في أَلْسِنةِ العامة يقولون:
متى طلبَ الرجلُ أَنْ يَموتَ لم يَجِدْ قاتلا.

طارق ياسين 05-09-2018 02:01 PM

• قَدْ قِيل ذلك؛ إِنْ حقاً وإِنْ كَذِباً.


يُضرب في العارِ والقَالةِ السيئةِ وما يُحاذر منها، وإِنْ كانت باطلاً.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لِعُقبةَ بنِ الحارثِ -رضي الله عنه- لما سأَله عن حالِه عندما ادَّعتِ امرأَةٌ أَنها أَرضعَتْهُ هو وزوجتَه، فقال له: كيف وقد قيل؟!


قال الميداني:
قالوا: إِنَّ أَولَ من قال ذلك النعمانُ بنُ المنذر اللَّخميُّ للربيعِ بنِ زيادٍ العَبْسيِّ، وكان له صديقاً ونَديماً.
وإِنَّ عامراً مُلاعبَ الأسِنَّةِ، وعَوفَ بنَ الأحوص، وسُهَيلَ بنَ مالكٍ، ولبيدَ بنَ رَبيعةَ، وشَمَّاساً الفَزَاريَّ، وقِلابةَ الأَسَدِيَّ، قَدِمُوا على النُّعمانِ، وخَلَّفُوا لَبِيداً يَرعى إِبلَهم، وكان أَحْدثَهم سِنّاً، وجعلوا يَغْدُونَ إِلى النعمانِ ويَرحون، فأَكرمَهُم وأحْسَنَ نُزُلَهم، غيرَ أَنَّ الربيعَ كان أَعظمَ عندَه قَدْراً، فبَينما هم ذاتَ يومٍ عند النعمانِ إِذ رَجزَ بهمُ الربيعُ وعابَهُم وذكرهم بأَقبحِ ما قَدَرَ عليه، فلما سمعَ القومُ ذلك انصرفوا إِلى رِحَالهم، وكلُّ إِنسانٍ منهم مُقْبِلٌ على بَثِّهِ، ورَوَّحَ لبيدٌ الشَّوْلَ(1) ، فلما رأَى أَصحابَه وما بهم من الكآبةِ سألهم: مالكم؟ فكتَمُوه،
فقال لهم: والله لا أَحفظُ لكم مَتَاعاً، ولا أسْرَحُ لكم إِبِلاً أَو تُخْبِرُونى بالذي كنتم فيه!
وإِنما كَتَمُوا عنه لأَنَّ أُم لبيدٍ امرأَةٌ من عَبْسٍ، وكانت يتيمةً في حَجْرِ الرَّبيع.
فقالوا: خالُكَ قد غلبنا على الملكِ، وصَدَّ بوجهِه عنا، فقال لبيدٌ: هل فيكم مَنْ يكفيني وتُدخِلونني على النعمانِ معكم؟ فواللاَّتِ والْعُزَّى لأَدَعَنَّهُ لا ينظرُ إِليه أَبداً،
فخلفوا في إِبلهم قِلابةَ الأَسدي،
وقالوا لبيدٍ: أَوَعندك خيرٌ؟
قال: سَتَرون،
قَالوا : نَبُلُوك في هذه البَقْلةِ -لِبقلةٍ بين أَيديهم دقيقةِ الأَغصانِ، قليلةِ الأَوراقِ، لاصقةٍ بالأَرضِ، تُدعى التَّرَبَةُ- صِفْها لنا واشْتُمْها،
فقال: هذه التربةُ التي لا تُذْكي ناراً، ولا تُؤْهلُ داراً، ولا تَسُرُّ جاراً، عُودُها ضَئيلٌ، وفرعُها كَلِيلٌ، وخيرُها قليلٌ، شَرُّ البقولِ مَرْعىً، وأَقصرُها فَرْعاً، فَتَعْساً لها وجَدْعاً(2)، القَوْا بي أَخا عبسٍ أَرُدُّه عنكم بتَعْسٍ، وأَدعه من أَمرِه في لَبْسٍ،
قَالوا: نُصْبِحُ فنرى رأينا،
فَقَال لهم عامرٌ: انظروا هذا الغلامَ؛ فإِنْ رأَيتموه نائماً فليس أَمرُه بشيءٍ، وإِنما يتكلم بما جاء على لسانِه، ويَهذي بما يَهْجِسُ في خاطرِه؛ وإن رأَيتموه ساهراً فهو صاحبُكم!
فرمَقُوه فرَأَوْهً قد رِكبَ رَحْلاً حتى أَصبحَ، فخرج القومُ وهو معهم حتى دخلوا على النعمانِ وهو يتغدَّى، والربيعُ يأْكلُ معه،
فقال لَبيدٌ: أَبَيْتَ اللَّعنَ! أَتأْذَنُ لي في الكلامِ؟
فأَذِن له، فأَنشأَ يقولُ:


يَا رُبَّ هَيْجَا هيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَهْ ... أكُلَّ يَوْمٍ هامَتي مُقَرَّعَهْ
نَحْنُ بَنُو أُمِّ البَنِينَ الأرْبَعَةْ ... وَنَحْنُ خَيْرُ عامرِ بنِ صَعْصَعهْ
المُطْعِمُونَ الجَفْنَةَ المُدَعْدَعَهْ(3) ... وَالضَّارِبُونَ الهَامَ تَحْتَ الخَيضَعَهْ(4)
يا واهبَ الخَيْرِ الكَثِيرِ مِنْ سَعَهْ ... إليكَ جَاوَزْنَا بلاداً مَسْبَعَهْ(5)
نُخْبر عَنْ هذَا خَبِيراً فَاْسمَعَهْ ... مَهْلاً أبيْتَ اللَّعْنَ لاَ تَأْكُلْ مَعَهْ
إنَّ اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ ... وَإنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا إصْبَعَهْ
يُدْخِلُها حَتَّى يُوارِى أشْجَعَهْ(6) ... كأنَّهُ يَطْلُبُ شَيئاً أَطْمَعَه


ويروى: " ضَيَّعَهْ "
فلما سمع النعمانُ الشعرَ أَفَّفَ ورفع يَدَه من الطعام،
وقال للربيع: أَكذاك أَنت؟
قال: لا واللاتِ لقد كذبَ ابنُ الفاعلةِ،
قال النعمان: لقد خَبُثَ عليَّ طعاميَ!
فغضب الربيع وقام وهو يقول:


لئن رَحَلْتُ رِكَابِى إنَّ لي سَعَةً ... مَا مِثْلُها سَعَةٌ عُرْضَاً وَلا طُولاَ
وَلَوْ جَمَعْتُ بنى لخمٍ بأسْرِهم ... مَا وَازَنُوا رِيشةً مِنْ ريشِ سَمْوِيلاَ
فَابْرقْ بأَرضِكَ يانعمانُ مُتَكِئاً ... مَعَ النِّطاسِيِّ طَوْرَاً وَابنِ توفيلا


وقال: لا أَبرحُ أَرضَك حتى تبعثَ إِليَّ مَنْ يُفتشني فتَعلمَ أَنَّ الغلامَ كاذبٌ.
فأَجابه النعمانُ:

شَرِّدْ بِرَحْلِكَ عَنِّي حَيثُ شِئتَ ولا ... تُكْثِرْ عليَّ وَدَعْ عَنْكَ الأباطِيلا
فَقَدْ رُميتَ بِداءٍ لسْتَ غاسِلَهُ ... مَا جاوَزَ النِّيلَ يَوْماً أهْلُ إِبليلا(7)
قَدْ قيلَ ذلك إِنْ حَقّاً وإِنْ كَذِباً ... فما اعتذارُك مِن شَيءٍ إذا قيلا


قوله: " بَنو أُمِّ البَنينَ الأَربعة " هم خمسةٌ: مالكُ بن جعفر مُلاعبُ الأَسِنة، وطُفيل بن مالك أَبو عامر بنُ الطفيل، وربيعةُ بنُ مالك، وعُبَيْدةُ بن مالك، ومعاويةُ بنُ مالك، وهم أَشرافُ بَني عامرٍ، فجعلهم أَربعةً لأَجل القافيةِ.
و " سَمُويل " أَحَدُ أَجدادِ الربيع، وهو في الأَصل اسمُ طائرٍ.
وأَراد بالنِّطاسيِّ رومِيًّا يُقال له: سرحون.
و" ابن توفيل " رُوميٌّ آخرَ كانا يُنادمان النعمانَ.
____________
(1) قال الجوهري: والشَوْلُ أيضاً: النُوقُ التي خفَّ لبنها وارتفع ضَرعُها وأتى عليها من نِتاجها سبعة أشهر أو ثمانية، الواحدة شائِلةٌ، وهو جمع على غير القياس. يقال منه: شَوَّلَتِ الناقة بالتشديد، أي صارت شائِلَةً.صحاح.
(2) الجَدْعُ: القطع.
(3) المُدَعْدَعة: المملوءة.
(4) قال الجوهري: وأمَّا قول لبيد:
... والضاربونَ الهامَ تحت الخَيضْعَهْ
فإنَّ أَبا عُبيدٍ حكى عن الفراء أَنَّها البيضةُ. وحكى سَلَمَةُ عن الفراء أَنَّه الصوتُ في الحرب.
(5) أَرضٌ مَسْبَعة: كثيرة السِّباع.
(6) قال الجوهري: والأَشاجِعُ: أُصولُ الأَصابِعِ التي تتصل بعَصَبِ ظاهرِ الكفِّ، الواحدُ أَشْجَعٌ.
(7) النيل: من قرى الكوفة. وإبليل من قرى مصر.

طارق ياسين 07-17-2018 02:25 PM

• لا أَخافُ إِلا من سَيْلِ تَلْعَتِي.


يُضربُ في شكوى الأَقرباءِ.


جاء في "أَمالي القالي":
عن ابنِ الأَعرابيِّ قال: من أَمثالِ العربِ: ( لا أخاف إلا من سيل تلعتي ) أَي: إِلا من بَني عمِّي وقَرابتي.
قال: والتَّلْعَةُ مَسيلُ الماءِ إِلى الوادي؛ لأَن مَن نزل التَّلعَةَ فهو على خطرٍ؛ إِن جاء سيلٌ جرفَ بهم. وقال: هذا وهو نازلٌ بالتلعةِ، أَي: لا أَخافُ إِلا من مَأْمني.


وأما قولهم:
• فلانٌ لا يُوثَقُ بِسَيْلِ تَلْعَتِه.
فهذه تُضرب لمن لا يُوثَقً بما يقولُ وما يجيء به.

طارق ياسين 07-17-2018 02:30 PM

ما عِقالُكَ بِأُنْشُوطة.


الأُنشوطةُ: هي العُقدةُ التى تَنْحلُّ إِذا مُدَّ طرفُها، كعقدة التَّكَّةِ، وهي أُفعولة، من أُنْشِطتْ، أَي: حُلَّت.
يُضربُ لتَمَسُّكِ الرجل بإِخاءِ صاحبِه.


قال أبو عبيد بن سلام:
وذلك لأَنَّ الأُنشوطةَ يسهلُ انحلالُها، يقول: فليس إِخاؤُه كذلك، ولكنه عَقْدٌ مؤكدٌ، وهذا نحوُ قولِ ذي الرُّمَّةِ:


وقد عَلِقَتْ مَيٌّ بقلبي علاقةً ... بطيئاً على مَرِّ الشهور انحلالُها


قال الأَصمعيُّ: ومن أَمثالِهم في بِرِّ الرجل بصاحبه أَنْ يقال: أُمٌّ فرشت فأَنامت.
قال الأَصمعيُّ: فإِذا أرادوا: إِنّه لا يُخالفه في شيءٍ قالوا: هو حبلُ ذِراعُك.
قال: والحبل: عِرقٌ في اليدِ.
ومن أمثالهم في هذا قولهم: بين العصا ولِحائها.

طارق ياسين 07-29-2018 06:32 PM

• غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَعِيرِ وَمَوْتٌ في بيْتِ سَلُولِيَّةٍ!


يُضربُ في اجتماع خَصْلَتينِ إِحداهُما شَرٌّ من الأُخرى.


قال الميداني:
ويروى: (أَغُدَّةً) و(مَوتاً) نَصْباً على المصدر؛ أَي: أَؤُغَدُّ إِغْدَاداً وأَموتُ موتاً؟ يُقال: (أَغَدَّ البعيرُ) إِذا صار ذا غُدَّةٍ، وهي طاعونةٌ.
ومَن روى بالرفع فتقديره: غُدَّتي كغُدةِ البعيرِ ومَوتي موتٌ في بيتِ سَلوليةٍ.
وسَلُولٌ عندَهم أَقلُّ العربِ وأَذَّلُّهم، قال شاعرٌ يذكرُ ذِلَّةَ سَلُولٍ:


إلى الله أَشْكُو أننَّي بتُّ طَاهِراً ... فَجَاء سَلُولي فبَالَ عَلى رِجْلي
فقلت اقطعُوهَا بارَكَ الله فيكُمُ ... فإنِّي كَريمٌ غيرُ مُدْخِلِهَا رَحْلي


وهذا من قولِ عامرِ بنِ الطُّفَيْلِ لما قَدِمَ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وقدم معه أَرْبَدُ بنُ قيسٍ أخو لَبيدِ بنِ ربيعةَ العامريِّ الشاعرِ، أَخوه لأُمِّهِ، فقال رجل: يا رسولَ الله هذا عامرُ بنُ الطُّفَيلِ قد أقبل نحوكَ فقال: دعْهُ؛ فإِنْ يُردِ اللهُ –تعالى- به خيراً يَهْدِهِ.
فأَقبل حتى قام عليه فقال: يا محمدٌ مالي إِن أَسلمتُ؟ قال: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم،
قال: تجعلُ ليَ الأَمرَ بعدَك؟
قَال: لا؛ ليس ذاك إِليَّ؛ إنما ذاك إِلى الله –تعالى- يجعلُه حيث يشاءُ،
قال: فتَجْعَلُني على الوَبَرِ وأنت على المَدرِ؟
قال: لا،
قال: فماذا تجعلُ لي؟
قال -صلى الله عليه وسلم-: أَجعلُ لك أَعِنَّةَ الخيلِ تَغزو عليها،
قال: أَوَ ليس ذلك إِليَّ اليومَ؟
وكان أَوصى إِلى أَرْبدَ بنِ قيسٍ: إِذا رأَيْتَني أُكلمه فَدُرْ من خَلفِه فاضرِبْه بالسيفِ. فجعل عامرٌ يُخاصمُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ويراجعُه فدار أَربدُ خلفَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِيضربَه، فاخترط من سيفِه شِبراً ثم حبَسَه اللهُ –تعالى- فلم يَقدرْ على سَلِّهِ، وجعل عامرٌ يُومئُ إِليه، فالتفتَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فرأَى أَربدَ وما يصنعُ بسيفِه،
فقال -صلى الله عليه وسلم-: اللهم اكفِينِيهِما بما شِئتَ،
فأَرسل اللهُ –تعالى- على أَرْبدَ صاعقةً في يومٍ صائفٍ صاحٍ فأَحرقتْهُ، وولَّى عامرٌ هارباً، وقال: يا محمدُ دعوتَ ربَّك فقتل أَربدَ، واللهِ لأَملأَنَّها عليك خيْلاً جُرْداً وفِتياناً مُرْداً،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: يمنعُك الله –تعالى- من ذلك وابنا قَيْلَةَ -يريدُ الأَوسَ والخزرجَ- فنزلَ عامرٌ ببيتٍ امرأَةٍ سَلُولَّيةٍ، فلما أَصبحَ ضَمَّ عليه سلاحَهُ وخرج وهو يقول: واللاتِ لَئِن أَصْحَرَ محمدٌ إِليَ وصاحبُه -يعني ملكَ الموت- لأَنْفُذَنَّهما برمحي، فلما رأَى اللهُ –تعالى- ذلك منه أَرسل مَلكاً فلَطَمه بجناحِه فأَذرأَه في الترابِ، وخرجتِ على ركبتِه غُدَّةٌ في الوقتِ عظيمةٌ فعاد إلى بيتِ السَّلوليةِ وهو يقول: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البعيرِ وموتٌ في بيتِ سَلوليةٍ! ثم مات على ظهرِ فرسِه.اهـ.

وقد رثاه أخاه لبيد ومما قاله فيه البيت المشهور:


ذهب الذين يُعاشُ في أَكنافِهم ... وبقيتُ في خَلَفٍ كجلدِ الأَجربِ


وقصة عامر وأَربدَ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- رواها الطبراني والبيهقي.

طارق ياسين 08-07-2018 11:49 AM

• إِنّ الغنيَّ طويلُ الذَّيلِ مَيَّاسُ.


المَيَّاس: المَيَّال، ماسَ في مِشيتِه يَميسُ، إِذا تَمايلَ.


ومعنى المثلِ كما قال الميداني: أَي لا يستطيعُ صاحبُ الغِنى أَنْ يكتمَه. وهذا كقولِهم: (أَبَتِ الدَّراهمُ إِلا أَنْ تُخرجَ أَعناقَها) قاله عمرُ -رضي الله عنه- في بعضِ عُمَّالِه.


قلت: رواه الدِّينَوريُّ في "المجالسة" عَنْ عَاصِمٍ قال:
كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِذَا بَعَثَ عَامِلًا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا: أَنْ لا يَرْكَبَ الْبَرَاذِينَ، وَلا يَلْبَسَ الرَّقِيقَ، وَلا يَأْكُلَ النَّقِيَّ، وَلا يَتَّخِذَ بَوَّابًا وَلا حَاجِبًا.
قَالَ: وَمَرَّ بِبِنَاءٍ يُبْنَى بِحِجَارَةٍ وَجَصٍّ، فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا؟ فَذَكَرُوا أَنَّهُ لِعَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ عَلَى الْبَحْرَيْنِ؛ فَقَالَ: أَبَتِ الدَّرَاهِمُ إِلَّا أَنْ تُخْرَجَ أَعْنَاقُهَا. وَقَاسَمَهُ مَالَهُ، وَكَانَ يَقُولُ: لِي عَلَى كُلِّ خَائِنٍ أَمِينَانِ: الْمَاءُ وَالطِّينُ.
قال الشيخ مشهور: إسناده ضعيف.

طارق ياسين 11-16-2018 08:41 PM

• مَقْتَلُ الرَّجُلِ بَيْنَ فَكَّيْهِ.

قال الميداني:
المَقْتلُ: القَتْلُ، وموضِعُ القتل أيضاً. ويجوزُ أَن يُجْعلَ اللسانُ قَتْلاً؛ مبالغةً في وَصْفِه بالإِفضاءِ إليه.
ويجوزُ أنْ يُجعلَ موضعَ القتلِ، أَي: بسببِه يحصلُ القتلُ. ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى القاتل، فالمصدرُ يَنوبُ عن الفاعلِ، كأَنه قال: قاتِلُ الرجلِ بين فَكَّيْهِ.
قَالَ المُفَضَّلُ: أَول من قال ذلك أَكْثَمُ بنُ صَيْفي في وصيةٍ لِبَنيهِ، وكان جمعهم فقال:
تَبارُّوا؛ فإِنَّ البِرَّ يَنْمِي(1) عليه العددُ، وكُفُّوا أَلسِنتَكم؛ فإِنَّ مَقْتَلَ الرجل بين فَكَّيه. إِنَّ قولَ الحقِّ لم يَدَعْ لي صديقاً. الصدقُ مَنْجَاة. لاَ يَنْفَعُ التَّوَقِّي مما هو واقع.
في طلب المَعالي يكون العَنَاءُ. الاقتصادُ في السعي أَبْقَى للجِمام(2). مَنْ لم يَأْسَ على ما فاتَه ودَّعَ بدَنَه، ومن قَنَعَ بما هو فيه قَرَّتْ عينُه. التقدُّم قبل التَّنَدُّمُ.
أُصْبحُ عندَ رأْسِ الأَمر أحبُّ إلي من أن أُصبحَ عند ذنَبِه. لم يَهِلكْ من مالك ما وَعَظَك. ويلٌ لعالِمِ أَمرٍ
مِنْ جاهلِه. يتشابه الأَمرُ إِذا أقبلَ، وإِذا أدْبَرَ عرفَه الكَيِّسُ والأحْمَقُ.
البَطَرُ عند الرخاءِ حُمْقٌ، والعجزُ عند البلاءِ أمْنٌ.
لاَ تَغْضَبُوا من اليَسيرِ؛ فإنه يَجني الكثيرَ. لاَ تُجيبوا فيما لاَ تُسْأَلون عنه، ولا تضحكوا مما لاَ يُضْحَكُ منه.
نِعمَ لَهْوُ الغِرَّةِ المِغْزَلُ. حِيلَةُ مَنْ لاَ حيلَةَ له الصبرُ.
إن تَعِشْ تَرَ ما لم تَرَهْ.
المكثارُ كحاطِبِ ليلٍ. مَنْ أكثرَ أسْقَطَ. لاَ تجعلوا سِراً إِلى أَمَةٍ. فهذه تسعة وعشرون مثلاً منها [ ما ] قد مر ذكره فيما سبق من الكتاب ومنها ما يأتي إن شاء الله تعالى
وقد أحسن من قَالَ : رَحِمَ اللهُ امرأ أطْلَقَ ما بين كَفَّيْه وأمسَكَ ما بين فكيه ولله در أبى الفَتْح البُسْتى حيث يقول في هذا المثل :
تَكَلَّمْ وسَدِّدْ ما استَطَعْتَ فَإنما ... كلامكَ حَيٌّ وَالسُّكُوتُ جَمَادُ
فَإنْ لم تَجِدْ قَوْلاً سَدِيداً تَقُولُهُ ... فَصَمْتُكَ عَنْ غَيْرِ السَّدَادِ سَدادُ
واحْتَذَاهُ القاضي أبو أحمد منصور بن محمد الهروى فَقَالَ :
إذَا كُنْتَ ذَا عِلْمٍ وَمَا رَاكَ جَاهِلٌ ... فأعْرِضْ فَفِي تَرْكِ الجَوَابِ جَوَابُ
وَإنْ لم تُصِبْ فِي القَوْلِ فَاسْكُتْ فإنما ... سُكوتُكَ عَنْ غَيْرِ الصَّوَابِ صَوَابُ
وضمن الشيخ أبو سهل النيلي شرائطَ الكلام قولَه :
أوصِيكَ فِي نَظْمِ الكلام بخَمْسَةٍ ... إنْ كُنْتَ لِلْمُوصِي الشَّفيقِ مُطِيعَا
لاَ تُغْفِلَنْ سَبَبَ الكلام وَوَقْتَهُ ... وَالكَيْفَ وَالكَمْ وَالمكَان جَمِيعَا
_______________
(1) يكثر. يُقال: نما يَنْمي نَمَاءً، من باب (رمى)، ويَنمو نُمُوًّا من باب (قعد).
(2) مِلْءُ القَدَح.

طارق ياسين 01-24-2019 10:42 PM

. على يَدَيْ عَدْلٍ.


قال ابنُ السِّكِّيت: هو العَدْلُ بنُ جَزْءِ بنِ سَعدِ العشيرة. وكان على شُرطةِ تُبَّعٍ، وكان تُبَّع إِذا أَراد قتل رجلٍ دفعه إِليه. فجرى به المثلُ في ذلك الوقت، فصار الناس يقولون لكل شيءٍ قد يُئِس منه: هو على يَدَيْ عَدْلٍ.
وقد استخدم هذه العبارة أهل الحديث في تجريح بعض الرواة، قال ابن حجر: وظن بعضُهم أَنها من أَلفاظِ التوثيق فلم يُصِبْ.

طارق ياسين 02-12-2020 07:23 PM

.
- لقد كنتُ وما يٌقادُ بيَ البعيرُ.
يضرب لمن يَذل بعد العزّ. أو لتغير الأحوال.
وقال الميداني: يَضربُه المُسِّنُ حين يَعجَزُ عن تسيير المركوب.

وأولُ من قَاله سَعد بن زيد مَناةَ، وكانت تحتَه امرَأةٌ من بني تغلبَ فولدت له صَعْصَعةَ أبا عامر وولدت له هُبَيْرةَ بن سَعْد، وكان سعدٌ قد كبِر حتى لم يُطِقْ ركوبَ الجمل إلا أن يُقادَ به، ولا يملكُ رأسَه، فكان صعصعةُ يوما يقودُه على جملِه فقال سعد: قد كنتُ لا يقاد بيَ الجمل. فأرسلها مثلاً.

قال أبو عبيد: وقد قال بعض المعمَّرِينَ:

أصبحتُ لا أَحملُ السِّلاحَ ولا ... أملكُ رأسَ البعيرِ إن نَفرا
والذئبُ أخشاهُ إن مررتُ به ... وحدي وأخشى الرياحَ والمطرا
من بعد ما قوةٍ أصِيب بها ... أصبحتُ شيخاً أُعالجُ الكِبرا

ومن أمثالهم في الذل بعد العز:
كان حماراً فاسْتأْتَن. أي صار أَتانا.

طارق ياسين 01-08-2021 04:04 PM

. إِحْدى حُظَيّاتِ لُقمانَ.

يضرب لمن عُرِف بالشر فإذا جاءت هَنَةٌ من جنس أفعاله قيل: إِحدى حُظَياتِ لقمانَ، أي إِنها فَعْلَة من فَعَلاَته.
والحُظَيَّةُ تَصغيرُ حَظْوة، وهي سَهمٌ صغيرٌ قدرَ ذراعٍ.
ولقمانُ هو ابنُ عادٍ. وحُظَيّاتُه: سِهامُه ومَراميه.

جاء في "زهر الأكم":
وذكروا في أَصل ذلك أَنَّ لقمانَ تزوج امرأةً طلقها رجلٌ يقال له عمرو، فكانت تُكثرُ أَن تقولَ: لا فتىً إلاّ عمرو. فإذا سمع منها لقمانُ ذلك اغتاظ، فقال: والله لأَقتُلَنَّ عمراً!
فنَهَتْهُ المرأةُ عن ذلك وقالت له: والله لإِنْ تعرَّضتَ له ليقتُلَنَّك! فذهب لقمانُ حتى صعِدَ سَمُرةً عند مُستقى عمرٍو لإبله، واتخذ فيها عُشا، وترصد عَمرا ليصيبَ منه غِرةً. فإذا بعمرٍو أَورد إِبلَه، فتجرَّدَ وأَكَبَّ على البئرِ يَسقي إِبلَه، فرماه لقمانُ من فوقه بسهمٍ وأَصابَ ظهرَه.
فقال عمرٌو: حَسِّ! إِحدى حُظَيّاتِ لقمانَ، فانتزعه ورفع رأسَه إلى السمُرة فإذا لقمان،
فقال له: انزلْ،
فنزل فأراد قتلَه فتبَسّم لقمانُ،
فقال: أَضاحكٌ أنت؟!
قال: والله ما أضحك إلا من نفسي، أَما إِني قد نُهيتُ عما ترى!
قال: ومن نهاك؟
قال: فلانةٌ،
قال : فإن وَهَبْتُك لها لَتُعْلِمَنَّها بذلك؟
قال: نعم!
فخلّى سبيلَه.
فأتاها لقمانُ فقال: لا فتَىً إلا عمرٌو،
فقالت: لقد لقيتَه؟
قال: نعم، لقد كان كذا وكذا، وأراد قتلي ثم وهبني لك،
فقالت: لا فتىً إلا عمرو،
قال: صدقتِ.
.

وعمرو هذا هو عمرو بن تِقْنٍ الذي قيل فيه: أَرمى من ابنِ تِقْنٍ.
قال أبو عبيد: وهو عمرو بن تِقن الذي قيل فيه: لا فَتًى إِلاَّ عَمْرو

وقيل فيه أيضا: أَعقلُ من ابنِ تِقْنٍ.

قال الميداني:
وكان من عادٍ من عُقلائِها ودُهاتها، وكان لقمانُ بنُ عادٍ أراده على بيعِ إِبِل له مُعجبةٌ، فامتنع عليه، واحتالَ لقمانُ في سرقتِها منه، فلم يُمكِنْه ذلك ولا وجد غِرَةً منه. وفيه قال الشاعر:

أتَجْمعُ إنْ كُنْتَ ابنَ تِقْنٍ فَطَانَةً ... وتُغْبَنُ أحْيَاناً هَنَاتٍ دَوَاهِيا

طارق ياسين 01-09-2021 07:41 PM

.
مَنْ يُـرِ يَوْمَاً يُرَ بِهِ.
يُقال في دَوْلِ الدّهر، وانقلاب الأحوال.
ويقال: أَرَى اللهُ بفُلانٍ: أي نَكَّلَ به.

قال المُفضَّل بنُ سَلَمة: أول من قال ذلك كَلْحَبُ بن شُؤْبُوب الأَسدي، وكان يُغير على طيٍّء وحدَه، فدعا حارثةُ بنُ لَأْمٍ الطائيُّ رجلاً من قومه يُقَال له عِتْرِم، وكان بطلاً شجاعاً،
فقال له: أَما تستطيع أن تكفيني هذا الخبيثَ؟
فقال: بلى.
ثم أَرسل معه عَشَرةً من العيون حتى علموا مكانَه، وانطلق إليه الرجلُ في جماعةٍ فوجدوه نائماً في ظل أَراكةٍ، وفرسُه مشدودٌ عندَه، فنزل عنده الرجلُ ومعه آخرُ إليه، فأخذ كلُّ واحد منهما بإحدى يَديه فانتَبه فنزع يدَه اليمنى من مُمْسِكها وقبض على حَلقِ الآخر فقتله، وبادر الباقونَ إليه فأخذوه وشَدُّوه وَثَاقاً،
فقال لهم ابن المقتول، وهو حَوْذَةُ بن عِتْرِم: دعوني أقتُلُه كما قتل أَبي،
قالوا: حتى نأتيَ به حارثةَ،
فأبى فقالوا له: والله لئن قتلته لَنقتُلَنّك.
وأتَوْا به حارثةَ بن لَأمٍ فقال له حارثةُ: يا كَلْحبُ، إن كنت أَسيراً فطالما أسَرتَ!
فقال كلحب: من يُرِ يوماً يُرَ به. فأرسلها مثلاً.
وقال حَوْذَةُ لحارثةَ: أَعطِنيهُ أَقتُلْه كما قتل أبي،
قال: دونَكَهُ.
وجعلوا يكلمونه وهو يُعُالج كِتَافَه حتى انحلَّ، ثم وثب على رجليه يجاريهم، وتَواثَبُوا على الخيلِ واتّبعوه، فأَعجزهم،
فقال حَوْذةُ في ذلك:

إلى اللهِ أشكو أَن أَؤوبَ وقد ثوى ... قتيلاً فأَوْدى سيِّدُ القومِ عِتْرِمُ
فمات ضَياعاً هكذا بيدِ امرئٍ ... لئيمٍ فلولا قيل ذُو الوَتْرِ مُعَلَمُ (1)

فأجابه كَلْحَبُ:

أَحَوْذَةُ إِن تَفخرْ وتزعُمُ أنني ... لئيمٌ فمِنِّي عِتْرِمُ اللؤمِ أَلأَمُ
فأُقسِمُ بالبيتِ المحرَّمِ مِن مِنىً ... أَلِـيَّةَ بَرٍّ صَادِقٍ حينَ يُقسِمُ (2)
لَضَبٌّ بِـقَفْرٍ مِن قِفارٍ وضَبةٌ ... خَمُوعٌ ويَرْبُوعُ الفَلا منك أَكرَمُ (3)
فهل أنت إلا خُنْفساءُ لئيمةٌ ... وخالُك يَرْبُوعٌ وجَدُّك شَيْهَمُ (4)
أتوعِدُونِي بالمنكراتِ وإنَّني ... صَبورٌ على ما نابَ جَلْدٌ صَلَخْدَمُ (5)
فإن أَفْنَ أَو أُعَمّر إلى وقتِ مدةٍ ... فأَنِّي ابنُ شُؤبُوبٍ الجَسُورُ الغَشَمْشَمُ
(6)

________
(1) مات فلانٌ ضَياعاً وضِيَعاً، وضِيَعَةً، أَي غيرَ مُفْتَقَدٍ ولا مُتَعَهَّدٍ.
ووَتَرَهُ يَتِرُهُ وَتْراً وَتِرَةً، فهو مَوْتورُ، وهو الذي قُتل له قتيل فلم يُدرك بدمِهِ.
(2) الأَلِيَّة: اليمين.
(3) القفر: الأرض الخلاء، والجمع قِفار. والخَموع: التي بها عرج.
(4) الشيهم: الذكر من القنافذ.
(5) الصلخدم: الشديد من الإبل.
(6) الغَشَمْشم: الذي يركب رأسه لا يٌثْنيه شيءٌ عما يريد ويَهوى.

طارق ياسين 01-13-2021 01:14 AM

.
. أَوْسعتُهم سَبّاً وأَوْدَوُا بالإبل.
يضرب لمن يتهدد ويتوعد وليس على عدوه منه ضرر.
أَوْدَوا بالإبل: أي ذهبوا بها. ويقال: أَوْدى به الدهرُ إذا هلك.

قال الميداني:
يقال: وسِعه الشيءُ أي أحاط به وأوسَعْتُهُ الشيءَ إذا جعلته يَسَعُه. والمعنى كَثَّرْتُه حتى وسِعه فهو يقول: كثرت سبَّهُم فلم أدَعْ منه شيئاً.
وحديثُه أن رجلاً من العرب أُغيرَ على إبله فأُخذت، فلما توارَوْا صعد أَكَمَة وجعل يشتمهم، فلما رجع إلى قومه سألوه عن ماله فقال: أوسَعتهُم سَبّاً وأَوْدَوا بالإبل.

قال الشاعر:

وصِرت كَرَاعِي الإبل قال تَقَسَّمت... فأوْدَى بِهَا غيري وَأوْسَعْتُهُ سَبّاً

ويقال: إن أول من قال ذلك كعبُ بن زهير بن أبي سُلْمى وذلك أن الحارثَ بن وَرْقاء الصَّيْداوي أَغارَ على بني عبد الله بن غَطَفان واستاق إبلَ زهير وراعيَه، فقال زهير في ذلك قصيدته التي أولها:

بان الخَليطُ ولم يأوُوا لمن تركوا ... وزوَّدوك اشتيِاقاً أيَّـةً سَلكوا

وبعث بها إلى الحارث فلم يردَّ الإبلَ عليه فهجاه فقال كعب: أوسعْتُهم سبّاً وأوْدوا بالإبل، فذهبت مثلاً.

قال ابن عبيد: ومن هذا قولهم: محا السيفُ ما قال ابنُ دارةَ أجمعا.
وهو سالم بنُ دارةَ من بني عبد الله بن غَطَفان، وكان هجا بعضَ بني فَزَارةَ ففتك به بعضُهم، فضربه بسيفه فقتله، فقيل فيه هذا المثل. يقول: إنَّ الحقيقةَ إنّما هي بالفعل لا بالقول.

قال الأصمعي: ومن أمثالهم في هذا قولهم: حَلبَتْ حَلْبتَها ثم أَقلعت.
يضرب للرجل يَجلُبُ ويَصْخَبُ ساعةً ثم يسكت من غير أن يكون منه في ذلك أكثر من القول.

قال في "مختار الصحاح": جَلَبَ على فرسه يجلُب جَلَباً بوزن يطلب طلبا: صاح به من خلفه واستَحثّه للسبق.

طارق ياسين 01-13-2021 07:09 PM

.
رُبَّ مَملولٍ لا يُستطاعُ فِراقُه.
يُضرب فيما لا بدّ لك مصاحبته مع كراهيتك له.

دخل أبو الأسود الدُّؤليُّ على بعضِ إِخوانِه فرأى عليه ثوباً قد خَلُقَ،
فقال له: يا أبا الأسود: أما آن لهذا الثوبِ أن يُبدّل؟
فقال: رُبَّ مَملولٍ لا يُستطاعُ فِراقُه.
فبعث إليه صديقُه ذلك بعدِّة أثوابٍ، فقال أبو الأسود يمدحه:

كَساكَ ولم تَسْتَكْسِهِ فشكَرتَهُ ... أَخٌ لَكَ يُعطيك الجزيلَ وناصرُ
وإِنَّ أَحقَّ الناسِ إِنْ كنتَ شَاكراً ... بشُكرك مَن أَعْطاك والعرضُ وافرُ

طارق ياسين 01-13-2021 11:49 PM

.
يا ماءُ لو بِغيرِك غصِصْتُ.
أي لو غصِصْتُ بغير الماء أنقذته بالماء، فاذا غصِصتُ بالماءِ فلا حيلةَ. يضرب فى ابتلاء الرجل بمن كان يرجو منه الإغاثة.
وقال أكثم بن صيفي في نحو هذا: من فسدت بطانته كان كمن غَصَّ بالماء.
وقال عدي بن زيد:

لو بغيرِ الماءِ حلقي شَرِقٌ ... كنتُ كالغصّانِ بالماء اعتصاري

قال أبو عبيد البكري: والاعتصار: الملجأ والحِرز وهو العَصَرُ والعُصْرة.
قال الأصمعيَّ: هذا من أشرف أمثال للعَرب. يقول: إنّ كلَّ من شَرِق بشيءٍ يستغيث بالماء، ومَن شرق بالماء لا مُستغاث له.

وقال الآخر:

كنت من كُربتي أَفِرُّ إليهم ... فهمُ كُربتي فأَين الفِرارُ

ومثله قول العبّاس بنٍ الأحنف:

كيف احتراسي من عدوِّي إذا ... كان عدوي بين أَضلاعِي

وقال آخر:

مَن غَصَّ داوَى بُشربِ الماء غُصته ... فكيف يَصنع مَن قد غَص بالماءِ


قال ابن قتيبة: ويقولون: غَصَصْتُ باللقمة، والأجودُ غَصِصْتُ.

طارق ياسين 01-15-2021 10:14 PM

.
مَن يَرَ الزُّبدَ يَخَلْهُ مِن لبنٍ.
ويروى: من يَرَ الزبدَ يعلمْ أَنه من اللبن.
قالوا: إنَّ رجلاً سأل امرأةً فقال: هل لَبِنَتْ غنمُك؟
فقالت: لا.
وهو يرى عندها زُبْداً.
فقال: مَنْ يَر الزُّبدَ يَخَلْه من لَبنٍ.
يُضرب للرجل يريد أن يُخفيَ ما لا يخفى.
وقوله: لَبِنَتْ، أي نزل اللبنُ في ضَرعِها.
وفي "الصحاح": يقال: لَبِنَتِ الشاةُ لَبَناً، أي غَزُرَتْ. وناقةٌ لَبِنَةٌ: غزيرةٌ.
.

طارق ياسين 01-17-2021 08:38 PM

.
سَمْنُكُمْ هُرِيقَ فيِ أَدِيمِكُمْ.
يضرب للرجل البخيلِ يُنْفِقُ مالَه على نفسه ثم يريد أن يمتنَّ به.
وهو نحو قول الحُطيئةَ:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

وقال آخر:
تَرَّحلْ فما بغدادُ دارُ إقامةٍ ... ولا عندَ من أضحى ببغدادَ طائلُ
محل أناسٍ سمنُهم في أَديمِهم ... فكلُّهم من حيلةِ المجد عاطلُ
ولا غَرْوَ أَن شلتْ يدُ المجد والعلى ... وقلَّ سماحٌ من رجالٍ ونائلُ
إذا غَضْغَضَ البحرُ الغُطامِطُ ماؤُه ... فغيرُ عجيبٍ أن تَغيضَ الجداولُ

قال اليوسي: الأديمُ هنا فسره بعضُهم بالزِّق، وأَنكر ذلك آخرون وقالوا: الأَديم هنا الطعامُ المأدوم؛ فعيل بمعنى مفعول، فيقال: أَديمٌ ومأدوم، كما يقال: قتيل ومقتول. وعلى كل حال فمعناه أنَّ خيرهم موقوف عليهم وفضلهم راجعٌ إليهم، فيضرب للبخيل ومن لا يتعداه خيرُه، ومن ينفق على نفسِه دون غيره. وقد يقال: سمنُكم هُريق في أَيديكم، وهو معناه.

طارق ياسين 01-19-2021 12:32 AM

.
لقد ذَلَّ مَن بالتْ عليه الثعالبُ.
يضرب للذليل المُستضعف.

قال راشد بنُ عبدِ ربِّه رضي الله عنه:

أَرَبٌّ يَبولُ الثُّعلُبانُ برأسِه ... لقد هان مَنْ بالتْ عليه الثَّعالبُ

ذكر الجواليقي بإسناده أنّ راشد بن عبدِ ربِّه، وهو أَحدُ الوفدِ الذين قدموا على رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- يومَ فتح مكةَ من بني سُليم فأسلموا، وكان راشد يسدُن صنما لبني سُليم، فرأى يوماً ثُعلبانا يبول عليه فقال: أرب يبول الثُّعلبانُ برأسِه.. البيتَ، ثم شدَّ عليه فكسره، ثم أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال له: (ما اسمك)
فقال: غاوي بن عبد العزى..
فقال: (أنت راشد بن عبد ربه)
فأَسلم وحسن إسلامُه، وشهد الفتحَ معَ النبي صلى الله عليه وسلم.

جاء في "أسد الغابة":
راشد بن حفص. وقيل: ابن عبد ربِّه السُّلمي، أو أُثيلةَ، ذكره مسلم بن الحجاج في الصحابة.
كان اسمه ظالماً، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم راشداً. وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:" ما اسمك"؟
قال: غاوي بنُ ظالم.
فقال: "أَنت راشد بن عبد الله".
وكان سادنَ صنمِ بني سُليم الذي يدعى سُواعاً.
روى عنه أولاده، قال: كان الصنم الذي يقال له سواع بالمعلاة، وذكر قصة إسلامه وكسره إياه، وقال: كان اسمي ظالماً، فسماني النبي راشداً.

قال ابن قتيبة: (وَثَعْلَبٌ) يكون للذكر والأنثى حتى تقول (ثُعْلُبَانٌ) فيكون للذكر خاصّة.. وبعضُهم يقول للأنثى: ثَعْلَبَةٌ.

طارق ياسين 01-20-2021 11:19 PM

.
وقعوا في حَيْصَ بَيْصَ.
أو: ترْكتهم في حَيْصَ بَيْصَ. ويقال: حِيصَ بِيصَ.

قال العسكري: إِذا وقعوا في أَمرٍ يَنْشَبُ بهم. ولم نعرف تفسير حَيْصَ بَيصَ.

وقال الميداني: الحَيص: الفرار، والبَوْص: الفَوْت. وحَيْص من بناتِ الياء، وبَيْص: من بنات الواو، فصُيِّرت الواو ياء ليزدوجا.
يُضرب لمن وقع في أمرٍ لا مَخلصَ له منه؛ فِراراً أو فَوْتا.

قال أمية بن أبي عائذ الهذلي:

قد كُنتُ خَرَّاجاً وَلُوجاً صَيْرفا ... لم تَلْتَحِصْنِي حَيْصَ بَيْصَ لَحاصِ
والالْتِحاص: الاضْطِرار.
وقال ابن السِّكِّيت: وقولُه: لم تلتحصني: أَي لم أَنشَبْ فيها، ولَحاصِ: فَعال منه.

طارق ياسين 01-21-2021 11:01 PM

.
عندَ جُهَيْنةَ الخبرُ اليقينُ.
يُضرب في معرفةِ الشيءِ حقيقةً.

جاء في مجمع الأمثال:
قال هشام بن الكلبي: كان من حديثِه أَنَّ حُصَيْنَ بنَ عَمْرو بنِ مُعاويةَ بنِ كِلابٍ خرج ومعه رجلٌ من جُهَينةَ يقال له: الأخْنَسُ بن كعب. وكان الأَخنسُ قد أَحدثَ في قومه حدَثاً فخرج هارباً، فلقيه الْحُصَيْنُ فقال له: مَن أنت ثكلتك أمك؟
فقال له الأخنس: بل من أَنت ثكلتك أُمك؟!
فرددا هذا القول حتى قال الأخنس بن كعب: فأخبرني مَن أنت وإِلاَّ أنقذتُ قلبَك بهذا السنانِ!
فقال له الحصين: أنا الحُصينُ بنُ عمرو،
فقال له الأَخنسُ: فما الذي تريد؟
قال: خرجتُ لِما يخرجُ له الفِتيانُ،
قال الأخنس: وأنا خرجتُ لمثل ذلك،
فقال له الحصين: هل لك أن نتعاقدَ أَن لا نلقى أحداً من عشيرتِك أَو عشيرتي إلا سلبناه؟
قال: نعم.
فتعاقدا على ذلك وكِلاهما فاتِكٌ يَحذرُ صاحبَه!
فلقيا رجلا فسلَباه فقال لهما: أَلكما أَن تردَّا عليَّ بعضَ ما أَخذتُما مني وأَدُلكما على مغنمٍ؟
قالا: نعم،
فقال: هذا رجلٌ من لَخْم قد قدِم من عند بعض الملوك بمغنمٍ كثيرٍ وهو خَلْفي في موضع كذا وكذا، فردَّا عليه بعضَ ماله وطلبا اللَّخْميَّ فوجداه نازلا في ظل شجرةٍ وقُدَّامَه طعامٌ وشرابٌ، فَحَيَّيَاه وحَيَّاهما وعرض عليهما الطعامَ، فكره كُلُّ واحدٍ أَن ينزلَ قبلَ صاحبِه فيَفْتِكَ به، فنزلا جميعاً، فأكلا وشربا مع اللخميِّ، فانطلق الأَخنسُ لبعضِ حاجتِه فلما رجع وجد اللخميَّ يتَشحَّطُ في دمِه، فقال الجُهَني -وقد سَلَّ سيفَه لأَن سيفَ صاحبِه كان مَسلُولا- : وَيْحَكَ فتكتَ برجلٍ قد تحرَّمْنَا بطعامه وشرابِه!!
ثم خرجا فشربا ساعةً وتحدثا، ثم إِن الحُصينَ قال: يا أَخا جهينةَ أَتدري ما صعلةُ وما صعل؟
قال الجهني: هذا يوم شُرْب وأكل،
فسكتَ الحُصين حتى إذا ظن أَن الجُهنيَّ قد نسيَ ما يُرادُ به قال: يا أَخا جهينةَ هل أنت للطيرِ زاجرٌ؟
قال: وما ذاك؟
قال: ما تقول هذه العُقابُ الكاسرُ؟
قال الجُهَني: وأين تراها؟
قال: هي ذِه، وتطاوَلَ ورفع رأسَه إلى السماء فوضع الجهني بادرةَ السيف في نَحرِه..!
فقال: أنا الزاجرُ والناحِرُ. واحتوى على متاعِه ومتاعِ اللَّخْميِّ وانصرف راجعاً إلى قومِه.
فمر بِبَطْنينِ من قيسٍ يقال لهما: مَراح وأَنمارُ، فإذا هو بامرأةٍ تَنْشُدُ الحصينَ فقال لها: من أَنتِ؟
قالت: أنا صخرةُ امرأةُ الحصينِ،
قال: أَنا قتلتُه!
فقالت: كذبتَ؛ ما مِثْلُك يقتلُ مثلَه! أَما لو لم يكنِ الحيُّ خِلواً ما تكلمتَ بهذا.
فانصرف إلى قومِه فأصلحَ أَمرَهم، ثم جاءهم فوقف حيثُ يُسمِعُهم وقال:
وكم من ضَيْغَمٍ وَرْدٍ هَمُوسٍ ... أَبي شِبْلَينِ مسكنُه العرينُ
وكم من فارسٍ لا تَزْدريه ... إذا شَخصتْ لموقِعِه العيونُ
عَلَوْتُ بياضَ مَفْرِقِهِ بِعَضْبٍ ... فأضْحى في الفَلاة له سُكونُ
وأَضْحَتْ عِرْسُه ولها عليه ... بُعَيْدَ هُدُوءِ ليلتِها رَنِينُ
كصخرةَ إذا تُسائلُ في مَرَاحٍ ... وأنمارٍ وعلمهُما ظُنُونُ
تُسائِل عن حُصَيْنٍ كلَّ رَكبٍ ... وعندَ جُهينةَ الخبرُ اليقينُ
فَمن يكُ سائلاً عنه فعندي ... لِصاحبِه البيانُ المُسْتَبينُ
جُهينةُ مَعْشَرِي وهم مُلوك ... إذا طلبوا المعالِيَ لم يَهونوا

الضَيْغَم: الأسد، وكذلك الوَرْد، قيل له ذلك للونه، والهَموس: الأَسدُ الخفيُّ الوَطءِ. والعَضْبُ: السيف القاطع.
.

طارق ياسين 01-23-2021 07:22 AM

.
قد نَهَيتُك عن شَرْبةٍ بالوَشَلِ.
الوَشَلُ: الماء القليل. ووَشَلَ الماءُ وَشَلاناً، أي قَطَرَ.
يضرب فى النهيِ عن سؤالِ اللئيمِ.
.

طارق ياسين 01-23-2021 08:26 PM

.
إذَا كُنْتَ فيِ قَوْمٍ فَاحْلُبْ في إنَائِهمْ.
يضرب في الأمر بالمُوَافقة.
قال الشاعر:
إذا كُنْتَ في قَوْمٍ عِدىً لَسْتَ منهمُ ... فكُلْ ما عُلِفْتَ مِنْ خَبِيثٍ وَطَيِّبِ

وقال آخر:

إِن تُلْقِكَ الغُربةُ في مَعشَرٍ ... تطابَقُوا فيك على بُغضِهمْ
فَدارِهِم ما دُمتَ في دارهم ... وأَرْضِهم ما دمت في أَرضِهم

طارق ياسين 01-27-2021 12:18 AM

.
أتاك ريَّانُ بِلَبَنِه.
يضرب مثلا للرجل يعطيك لا من جود وكرم، لكن استغناءً؛ لكثرة ما عنده.
قال أبو تمام:
... ما كلُّ جُودِ الفتى يُدني من الكرمِ.

طارق ياسين 01-27-2021 10:09 PM

.
المِكْثارُ كَحاطبِ ليلٍ.
قال أبو عبيد: وإنما شُبِّهَ بحاطبِ الليل لأنه ربما نَهشَته الحيةُ ولدغتُه العقربُ في احتطابِه ليلاً، فكذلك المِكثارُ ربما يتكلمُ بما فيه هلاكُه.
يضرب للذي يتكلم بكل ما يَهجُس في خاطره .

قَالَ الشاعر :

احْفظْ لسانَك أيها الإنسان ... لا يقتُلَنَّكَ إنَّه ثُعبانُ
كم في المقابرِ مِنْ قتيلِ لسانِه ... كانت تَخافُ لقاءَه الأَقرانُ

وقال آخر:

دَعْ خَبْطَ عشواءَ في ليلاءَ مظلمةٍ ... هاجتْ أَفاعي رَقشا بين أَحجارِ

يُضرب على الوجهين: للمُخلّط في كلامِه، والجاني على نفسِه بكلامِه.

طارق ياسين 01-29-2021 09:14 PM

.
قالوا في الذل:
أذَلُّ من وَتدٍ بقاعٍ.
وقالوا: أَذَلُّ مِنْ حِمَارٍ مُقَيَّدٍ.

قال الشاعر فيهما:

إنَّ الهَوانَ حمارُ الأهْلِ يعرفُه ... والحرُّ ينكرُهُ والجَسْرَةُ الأُجُدُ
ولا يُقِيمُ بدَارِ الذُّلِّ يعرفُهَا ... إلا الأذَلاَّنِ عَيْرُ الأهْلِ وَالوَتِدُ
هذَا على الْخَسْفِ مَرْبُوطٌ برُمَّتِهِ ... وذا يُشَجُّ فلا يأوِي لَهُ أحَدُ

الجَسْرةُ: الناقة الشديدة.
والأُجُد: الناقةُ القويةُ المُوثّقةُ الخَلْقِ. ولا يقال للجمل أُجُدٌ. ويقال: الحمدُ لله الذي آجدَني بعد ضعفٍ، أَي قوّاني.

وقال عبد الرحمان بن حسان بن ثابت الأنصاري يُهاجي عبدَ الرحمن بنَ الحكمِ بنِ العاصي الأُموي:

فأما قولُك الخلفاءُ منا ... فهم منعوا وَريدَك من وَداجِ
ولولاهم لكنت كحوتِ بحرٍ ... هوى في مُظلِمِ الغَمرات داجي
وكنتُ أَذلَّ من وتدٍ بقاع ... يُشجَّجُ رأسُه بالفِهْرِ واجي

وداج: مصدر ودَجه، أي قطع ودَجَه، والودَج: أَحد الوَدَجين، وهما عِرقان غليظان عن يمين ثغرةِ النحر ويسارِها.
الفٍهر: الحجر مِلءُ الكف.
واجي: أَصلُه واجىء، من الوَجْء، وهو الضرب والدقُّ.

قال الجوهري: الوتِد بالكسر، وبالفتح لغةٌ.

طارق ياسين 01-30-2021 05:20 PM

.
لو اقْتَدَحَ بالنَّبِع لأَوْرَى نَاراً.

يُضرب لمن يُوصَفُ بجَوْدَة الرأي والحِذْقٌ بالأمور.
الاقتداح هو استخراج النار من العود الخاص في ذلك. ويسمى الزَّنْد، وهو الأَعلى، والسُّفلى تسمى الزَّنْدةُ وفيها ثُقبٌ.
والنَّبْعُ: شجرٌ يكون في قِمةِ الجبلِ لا نار فيه، وتتخذ منه السهام والقِسِي.
ويقال: أَورى الزَّندُ، إذا خرجت نارُه.

طارق ياسين 02-02-2021 03:26 PM

.
الصَّبِيُّ أَعْلَمُ بمَضْغِ فِيهِ.

قال الزمخشري في "المستقصى":
أَي لا يتناولُ إِلا ما يقدرُ على مَضغِه. يُضربُ في إِقدام الرجلِ على مبلغِ وُسْعِه.

وقال الميداني:
يُضربُ لمن يُشَارُ عليه بأَمرٍ هو أَعلم بأَنَّ الصوابَ في خلافِه.
وروى أَبو عبيدة: (بِمَصْغَى فيه) - بالصاد غير المعجمة - من صَغِيَ يَصْغَى إِذا مال، أَي: يعلمُ كيف يميل بلُقمتِه إِلى فيه، كما قيل: أهْدَى من اليدِ إِلى الفَمِ.
وروى أَبو زيد: (الصبيُّ أَعلمُ بمَصْغَى خَدِّه) أَي يعلم إِلى مَن يميلُ، ويذهب إِلى حيث ينفعه، فهو أعلم به وبمن يشفق عليه.

طارق ياسين 02-05-2021 03:44 PM

.
ظَمأٌ قامحٌ خيرٌ من رِيٍّ فاضحٍ.

قال الخليل: القامحُ والمُقامِحُ من الإبل: الذي قد اشتَدَّ عطشُه حتى فَترَ لذلك فُتُوراً شديداً.
ويقال: القامحُ الذي يَرِدُ الحوضَ ولا يشرب.
يُضرب في القناعةِ وكِتمان الفاقةِ.
ويروى: ظمأٌ فادحٌ خير من رِيٍّ فاضح.
الفادح: المُثقلُ، يقال: " فَدَحَه الدَّينُ " أي أَثْقَله، والفَضحُ والفُضوح: انكشافُ الأمر وظهورُه.
يقال: فَضَحَ الصبحُ، إذا بدا، و: افتضح فلان، إذا انكشفت مَسَاويه، و: فضحه غيرُه، إذا أظهر مَقَابِحَه.

طارق ياسين 02-08-2021 11:58 AM

.
هذه صفقةٌ لم يَشهدْها حاطبٌ.
هو حاطب بن أبي بَلْتَعَهَ -رضي الله عنه- وكان حازماً، وباع بعضُ أهلِه بيعةً غُبِنَ فيها حين لم يَشْهَدْها، فضُرِب هذا المثلُ لكلِّ أَمرٍ يُبْرَمُ دون صاحبِه.

طارق ياسين 02-14-2021 10:31 AM

.
إِنّ الشقيَّ ترى له أَعلاما.

ومعناه: إن علاماتِ شقاءِ الشقيِّ باديةٌ عليه. والفُرس تقول: الدَّيوثُ يُعرفُ من بعيد.
ومما بسبيل ذلك قولهم: وعلى المُريبِ شواهدُ لا تُدفع.

وقول الآخر:

إنَّ الأُمورَ إذا دنتْ لزوالِها ... فعلامةُ الإِدبار فيها تظهرُ

طارق ياسين 02-21-2021 11:45 AM

.
يحملُ شَنٌّ ويُفَدّى لُكَيْزٌ.

قال المفضل: هما ابنا أفصَى بنِ عبدِ القَيْس، وكانا معَ أُمِّهما في سفرٍ، وهي ليلى بنت قُرَّانَ –وضبطه بعضهم: فَرَان- حتى نزلت ذا طُوىً، فلما أرادت الرحيلَ قالت: يا لُكَيزُ قُمْ فَدَيْتُك حتى ترحل!
وقالت لشَنٍّ: تعالَ فاحْمِلْني،
فحملها وهو غضبانُ، حتى إذا كانوا في الثَّنِيَّةِ رَمى بها عن بعيرِها فماتت،
فقال: يَحْمِلُ شَنٌّ ويُفَدّى لُكيزٌ! فأرسلها مثلاً
يضرب للرجلين يُهان أحدُهما ويُكرم الآخر.
ويضرب أيضاً في وضع الشيء في غير موضعِه.

ومثلُ هذا قولُ الشاعر:

وإذا تكونُ كريهَةٌ أُدْعى لها ... وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدعى جُندَبُ

وهو من شواهدِ سيبويه، واختُلف في قائله، والأَشهرُ أَنه لضمرةَ بنِ جابرٍ الدارمي.

طارق ياسين 02-27-2021 03:50 PM

.
أُرِيها السُّهى وتُريني القمرَ.
السُّهى: كوكبٌ صغير خِفيٌّ في نجوم بناتِ نَعش.
قال الزمخشري: وأَصلُه أن رجلا كان يكلمُ امرأةً بالخِفيِّ الغامض من الكلام، وهي تكلمه بالواضح البين، فضرب السهى والقمر مثلا لكلامه وكلامِها.

يُضرب لمن اقترح على صاحبه شيئا فأجابه بخلاف مرادِه.
ويُتَمثل به في الخطأ.

قال العسكري: لما كان أيام الحجاج شُكي إِليه خرابُ السواد، فحرم لحومَ البقرِ ليكثرَ الحرثُ، فقال بعض الشعراء:

شكونا إِليه خرابَ السَّواد ... فحرّم علينا لحومَ البقر
فكان كما قيل من قبلنا ... أُريها السُّها وتريني القمر

والسواد هو سواد العراق، وهو ما يحيط بها من الضياع، سماه المسلمون بذلك لما افتتحوا العراق؛ لسواده بالزروع والنخيل على خلاف جزيرة العرب، فكانوا إذا اقتربوا من مكان به زرع قالوا: ما هذا السواد؟ أي الاخضرار.

طارق ياسين 03-06-2021 10:16 PM

.
ما يَدري أَيُخثِرُ أَمْ يُذيبُ.
يضرب في اختلاَط الأمر.

قال البكري: وأصله في الزُّبد يُذابُ فيَفسُد على صاحبِه، فلا يدري أَيجعلُه سمناً أم يتركه زُبداً. ومنه قول بشر بن أبي خازم:

وكُنتم كذاتِ القِدرِ لم تَدرِ إِذْ غلتْ ... أَتُنزِلُها مذمومةً أَم تُذِيبُها

وقَالَ الأَصمعي : أصل هذا أنّ المرأةَ تَسْلأُ السمنَ فيرتَجِنُ، أي يختلط خاثره برقيقه، فلاَ يصفو، فتَبْرَمُ بأَمرها؛ فلا تدري أتوقِدُ هذا حتى يصفوَ؛ وتخشى إن أوقدَتْ أَن يحترقَ، فلا تدري؛ أَتُنزلُ القدرَ غيرَ صافية، أم تتركها حتى تصفوَ. وأنشد أبن السكيت:

تَفرّقتِ المُخَاضُ على يَسارٍ ... فما يَدري أيخُثِرُ أمْ يُذيبُ

وفي معناه أنشد ابن الأعرابي:

أَعْيَيْتَـني كلَّ العَيا ءِ فلا أَغَرُّ ولا بَهيمُ

يقال: سَلأْتُ السمنُ واسْتَلأْتُهُ، وذلك إذا طُبِخَ وعولِجَ، والاسم السِلاءُ بالكسر.

طارق ياسين 03-09-2021 09:44 PM

.
ما يُعْوَى ولاَ يُنْبَحُ.

أي لاَ يُعْتَدُّ به في خير ولا شر؛ لضعْفِه.
يُقَال: نَبحَ الكلبُ فلاَناً ونبح عليه. ولما كان النُّبَاح متعدياً أجرى عليه العُوَاء، فقيل: ما يُعْوَى ولا يُنْبَح ازدواجا، أي لا يُكلم بخير ولا بشر؛ لاحتقاره.
ويروى: "ما يَعْوِي ولا يَنْبَحُ" على معنى: لا يبشر ولا يُنْذِر؛ لأن نُباحَ الكلب يبشر بمجيء الضيف، وعُواء الذئب يؤذِن بهجوم شره على الغنم وغيرها.

طارق ياسين 03-28-2021 10:51 AM

ملكْت فأسْجِحْ.

الإِسْجاحُ حُسنُ العفوِ. أَي ملكت الأمرَ عليَّ فأَحْسِن العفوَ عني. وأَصلُه السهولةُ والرفق يُقال: مِشيةٌ سُجُح أي سهلة.
قال أبو عبيد: يروى عن عائشةَ أَنها قالت لعليٍّ -رضي الله عنهما- يومَ الجمل حين ظهرَ على الناس فَدَنا من هَوْدجها ثم كَلَّمها بكلام، فأجابته: ملَكت فأسجِحْ، أي ملكت فأحسن. فجهزها عند ذلك بأَحسنِ جهازٍ وبعثَ معها أربعين امرأةً حتى قدمت المدينة.

قلت: قد قالها النبي صلى الله عليه وسلم لسلمةَ بنِ الأكوع في غزوة ذي قُرد، لما طارد جماعةً من المشركين راجلا فتمكن من متاعهم، وأراد مواصلةَ اللَّحاقِ بهم؛ فقال له -صلى الله عليه وسلم-: (يا ابنَ الأَكوع مَلكت فأَسْجِحْ). متفق عليه.

طارق ياسين 04-03-2021 10:08 PM

.
رُبَّ أَكْلَةٍ تمنعُ أَكَلاتٍ.
يُضربُ مثلا للخَصلةِ من الخير تُنالُ على غيرِ وجهِ الصوابِ، فتكونُ سببًا لمنع أَمثالِها.
وأوّلُ مَن قاله عامرُ بن الظَّرِبِ.
وأصلُه أن رجلا أَكلَ طعاما كثيرا فبَشِمَ، فترك الطعامَ أَياما.

ونَظَمه شاعرٌ فقال:

ورُبَّتَ أَكْلَةٍ مَنعت أَخاها ... بلَذَّةِ ساعةٍ أكَلاتِ دَهرِ
ورُبَّتَ طالبٍ يَسعى لشيءٍ ... وفيه هلاكُه لو كان يدري

وقال آخر:

كم أَكلةٍ عَرَّضت للهُلْكِ صاحبَها ... كَحَبّةِ الفخِّ دَقَّتْ عُنُقَ عصفورِ
لَلُـقمةٌ بجَـريشِ المِلْحِ تأكـلُـهـا ... أَلــذُّ من تـمـرةٍ تُـحشى بزُنْبـورِ

وقال آخر:

واليأْسُ عمّا فات يَعقُبُ راحةً ... وَلرُبَّ مَطعمةٍ تعود ذُبّاحا

بَشِمَ: أُتْخِمَ من كَثرةِ الطعام، وسَئِم منه.

طارق ياسين 07-12-2021 06:20 PM

.
سُرِقَ السَّارقُ فَانْتحرَ.
يقال: " انْتَحَرَ الرجلُ " إذا نَحَر نفسَه حزنا على ما فاته.
وأَصلُه أن سارقاً سرق شيئاً فجاء به إلى السوقِ ليبيعَه، فسُرِقَ فنَحر نفسَه حزناً عليه،
فصار مثلاً للذي يُنتزعُ من يدِه ما ليس له فيَجزَعُ عليه.

طارق ياسين 08-04-2021 05:58 PM

.
رُبَّ زارِعٍ لِنفسِهِ حاصِدٌ سِواهُ.

قال ابنُ الكلبي: أَوّلُ مَن قال ذلك عامرُ بن الظَّرِب؛ وذلك أنه خطبَ إِليه صَعْصَعةُ بنُ معاويةَ ابنتَه،
فقال: يا صعصعةُ إِنك جئْتَ تشترِي مني كَبِدي، وأَرحمَ ولدي عندي، منعتُك أو بعتُك؛ النكاحُ خيرٌ من الأيْمَةِ، والحسيبُ كُفْءُ الحسيبِ، والزوجُ الصالحُ يُعدّ أبا، وقد أنكحتُك خَشيةَ أن لا أَجدَ مثلَك.
ثم أقبل على قومِه فقال: يا معشرَ عَدْوَان! أَخرجتُ مِن بين أَظهرِكم كريمَتَكم على غير رَغْبةٍ عنكم، ولكن مَنْ خُطَّ له شيءٌ جاءَه، رُبَّ زارعٍ لنفسِه حاصدٌ سواه، ولولا قَسْمُ الحظوظِ على غيرِ الجُدودِ ما أدرك الآخِرُ من الأَولِ شيئاً يعيش به، ولكن الذي أَرسلَ الحياةَ أنبتَ المَرْعَى ثم قسَمه أكْلاً؛ لكل فَمٍ بَقْلَةٌ، ومن الماء جُرعةٌ، إنكم ترَوْن ولا تعلمون، لن يرى ما أصِفُ لكم إلا كلُّ ذي قلبٍ وَاعٍ، ولكل شيءٍ راعٍ، ولكل رزق ساعٍ، إِما أكْيَسُ وإما أحْمَق، وما رأيت شيئاً قطُّ إلا سمعت حِسَّه، ووجَدْتُ مَسَّه، وما رأيت موضوعاً إلا مصنوعاً، وما رأيت جائيا إلا داعيا، ولا غانما إلا خائبا، ولا نعمةً إلا ومعها بؤسٌ، ولو كان يُميتُ الناسَ الداءُ لأَحياهم الدواءُ، فهل لكم في العلم العليم؟
قيل: ما هو؟ قد قُلتَ فأصبتَ، وأخبرتَ فصدقتَ!
فقال: أُموراً شَتَّى، وشيئاً شيا، حتى يرجعَ الميتُ حياً، ويعودُ لاشيءٌ شيئاً؛ ولذلك خُلقتِ الأرض والسماء، فتولَّوْا عنه راجعين،
فقال: وَيْلُمِّها، نصيحةً لو كان مَنْ يقبلهاَ.


الساعة الآن 12:47 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.