{منتديات كل السلفيين}

{منتديات كل السلفيين} (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/index.php)
-   منبر القرآن والسنة - للنساء فقط (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=49)
-   -   من مقالات فضيلة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في مجلتي: [التمدن الإسلامي والمسلمون]. (https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=57720)

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-27-2014 01:09 AM

من مقالات فضيلة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في مجلتي: [التمدن الإسلامي والمسلمون].
 
من مقالات فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله -تعالى-
في مجلتي: [التمدن الإسلامي والمسلمون]؛ مما كتبه بقلمه بدون تعليقات.

[ 1 ]

حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة "

قال رحمه الله - تعالى – وجعل الفردوس الأعلى مأواه :
[قرأت في الأجزاء (77 - 40) شوال سنة 1378 - من هذه المجلة الكريمة بحثاً من كتاب " المنتقى في تاريخ القرآن " للأستاذ عبد الرؤوف المصري تحت عنوان :

[خرافة الراهب بحيرا]

جاء فيه : " لم يثبت بالسند الصحيح عن الصحابة ولا عن التابعين حادثة بحيرا الراهب (نسطورس)، ولم يثبت بالصحيحين ( كذا ) بأن بحيرا قابل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى في صغره مع عمه أبي طالب في سفره إلى الشام، ولم يشر - صلى الله عليه وسلم- إلى تلك الحادثة لا تصريحاً ولا تلميحاً في جميع أحاديثه وأدوار حياته ، بل كانت حادثة بحيرا غفلة من بعض كتاب السيرة دسها داس لتعظيم شأن النبي في صغره ونقلها أصحاب السير من غير تمحيص " ثم قال : " . . . واعتمدوا على أمشاج من الروايات لا سند لها . . . " .

هذا لب ما جاء في البحث المذكور ويتلخص منه أن الحادثة لم تثبت في الصحيحين ولا في غيرهما عن أحد من الصحابة والتابعين بالسند الصحيح ، وأن كل ما هنالك إنما هو أمشاج من الروايات التي لا سند لها.

سند الحادثة : كيف لا تصح هذه الحادثة وقد رواها من الصحابة أبو موسى الأشعري، ومن التابعين الأجلاء أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله تعالى ، ورد ذلك عنهما بإسنادين صحيحين، وهاك البيان :

أما رواية أبي موسى الأشعري فأخرجها الترمذي في سننه (4/ 496) وأبو نعيم في " دلاثل النبوة " (1/ 53) والحاكم في " المستدرك " (12 / 615 - 616) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6/ 187 - 188/ 1) بأسانيد متعددة عن قراد أبي نوح : أنبأ يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال : خرج أبو طالب إلى الشام ، وخرج معه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فعلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت ، قال : فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال : هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش : ما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجرٌ ولا حجرٌ إلا خرّ ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاماً فلما أتاهم به، وكان هو في رعية الإبل، قال : أرسلوا إليه ، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجد القوم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مالَ عليه). الحديث بطوله.

وحسنه الترمذي وإسناده جيد وقد صححه الحاكم والجزري وقواه العسقلاني والسيوطي وقد بينت صحته على طريقة أهل الحديث قريباً في " مجلة المسلمون " العدد الثامن من سنة 1379 (ص 393 – 397) فليرجع إليه من أراد زيادة في التثبت.

وأما رواية أبي مجلز فأخرجها ابن سعد في " الطبقات الكبرى " قال (1 / 120) : أخبرنا خالد بن خداش : أخبرنا معتمر بن سليمان قال : سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز أن عبد المطلب أو أبا طالب - شك خالد - قال : لما مات عبد الله عطف على محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال : فكان لا يسافر سفراً إلا كان معه فيه، وإنه توجه نحو الشام، فنزل منزله، فأتاه فيه راهب، فقال : إن فيكم رجلاً صالحاً، فقال : إن فينا من يقري الضيف ويفك الأسير ويفعل المعروف، أو نحواً من هذا، ثم قال : إنّ فيكم رجلاً صالحاً، ثم قال : أين أبو هذا الغلام ؟ قال : ها أنا ذا وليه، أو قيل. هذا وليه، قال. احتفظ بهذا الغلام ولا تذهب به إلى الشام، إن اليهود حُسَّد، وإني أخشاهم عليه، قال : ما أنت تقول ذاك ولكن الله يقول، فرده، قال. اللهم إني أستودعك محمداً، ثم إنه مات).

وهذا إسناد مرسل صحيح، فإن أبا مجلز واسمه لاحق بن حميد تابعي، ثقة، جليل، احتج به الشيخان في صحيحيهما، وبقية أصحاب الكتب الستة، وأخذ الحديث عن جماعة من الصحابة منهم : عمران بن حصين، وأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنس، وجندب بن عبد الله، وغيرهم، ومن بينه وبين ابن سعد كلهم عدول ثقات، احتج بهم مسلم في صحيحه .

وإذا تبين هذا يسقط بداهة قول الأستاذ في خاتمة البحث : " إن خرافة بحيرا ابتدعت في القرن الثاني والثالث الهجري، ولم يروها الثقات ".
فقد رواها الثقات من قبل القرن الذي زعم أن الحادثة ابتدعت فيه !.....]

يتبع إن شاء الله - تعالى -.

محمد ناصر الدين الألباني
دمشق
22 / 3 /1379 هـ.

المصدر : مجلة التمدن الإسلامي (25 / 167 – 175).



أم عبدالله نجلاء الصالح 03-27-2014 01:11 AM

حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة " تتمــــّـــــــة.
 

[ 1 ]

حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة ".

شبهاث حول الحادثة وجوابها :
بعد أن أثبتنا معه الحادثة بالحجة العلمية ، لا بد لنا من الإجابة عن الشبهات التي حملت الأستاذ المصري على الطعن في الحادثة واعتبارها من الخرافات التي راجت على أسلافنا جميعاً من كتاب السيرة ! حتى يأخذ البحث مداه العلمي فأقول :

الشبهة الأولى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشر إلى تلك الحادثة لا تصريحاً ولا تلويحاً.

والجواب : إنها شبهة يغني حكايتها عن ردها ، إذ كل من عنده ذرة من علم بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرة غيره من العظماء يعلم أن أكثر هذه السيرة وردت عن أصحابهم متحدثين بما يعلمونه عنهم ، لا بما سمعوه منهم ، ومن هذا القسم الشمائل النبوية ، فهل طعن أحد في شيء من ذلك بعد ثبوت الرواية بها ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يشر إلى ذلك أصلاً ؟!

الشبهة الثانية : قول الأستاذ : " إن بحيرا الراهب كان في القرن الرابع للمسيح ، وادعاء مقابلة بحيرا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - كان في أواخر القرن السادس مع أن بحيرا وجد في القرن الرابع وحادثته التاريخية مشهورة يقصها تاريخ الكنيسة نفسه ... ".

وجوابنا عن هذه الشبهة من وجوه :

الأول : إن الراهب في تلك الحادثة لم يسم مطلقاً في الرواية الصحيحة التي قدمتها وبذلك تسقط الشبهة من أساسها.

الثاني : إن تسمية الراهب بـ ( بحيرا ) إنما جاء في بعض الروايات الواهية ، في إحداها الواقدي وهو كذاب ، وفي الأخرى محمد بن إسحاق صاحب السيرة رواها بدون إسناد ، وهاتان الروايتان هما عمدة كل المؤرخين الذي سموه بهذا الاسم ، فلا يجوز اعتبارهما ورد الرواية الصحيحة بهما كما هو ظاهر ، على أن بعض مؤرخينا كالمسعودي وغيره ذكر أن اسمه جرجيس، فلا إشكال أصلاً .

الثالث : إن هذه الشبهة إنما تقوم على ادعاء الأستاذ أن الراهب بحيرا كان في القرن الرابع من الميلاد ، وهي دعوى عارية عن الصحة إذ ليس لديه حجة علمية يستطع بها إثباتها ، وكل ما عنده من الحجة تاريخ الكنيسة ! فيا لله العجب كيف يثق الأستاذ بهذا التاريخ هذه الثقة البالغة إلى درجة أنه يعارض به تاريخ المسلمين ، وهو يعلم أن تاريخهم - مهما كان، في بعض حوادثه نظر من الوجهة الحديثية خاصة - أصح وأنقى بكثير من تاريخ الكنيسة الذي تعجز الكنيسة نفسها عن إثبات صحة كتابها المقدس الذي هو أصل دينها ، فكيف تستطيع أن تثبت تاريخها الذي هو بحق " أمشاج من الروايات التي لا سند لها " كما قاله الأستاذ نفسه لكن في تاريخ المسلمين لا تاريخ الكنيسة !!

الرابع : إنني رجعت إلى دائرة المعارف الإسلامية تأليف جماعة من المستشرقين ، وإلى دائرة المعارف للبستاني ، وإلى " المنجد " فلم أجدهم ذكروا ما عزاه الأستاذ المصري إلى تاريخ الكنيسة ، بل ظاهر كلامهم أنهم لا يعرفون عنه شيئاً مما يتعلق بتاريخ حياته في أرض العرب ، إلا مما جاء في مصادرنا الإسلامية ، وخاصة ما يتعلق منه بقصة اتصاله بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حسبما تقدم تخريجه ، وإن كانوا يعتبرونها " من الأساطير التي أحاطت بسيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- " حسبما تقدم تخريجه ، كفراً منهم واستكباراً أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبشراً به في الكتب السماوية السابقة ، ومعروفاً عند المؤمنين بها ، ولذلك علق الأستاذ الفاضل المحقق أحمد محمد شاكر على هذه الكلمة الواردة في " دائرة المعارف الإسلامية " بقوله :
" ليست هذه القصص بالأساطير ، بل كثير منها ثابت بأسانيد صحيحة ، وعلم أهل الكتاب بالبشارة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- في كتبهم ثابت عند المسلمين بنص القرآن الصريح ، وليسوا في حاجة إلى افتعال أساطير يؤيدون بها ما أثبته الوحي المنزل من عند الله ، وهو ثابت أيضاً عند المسلمين فيما قرءوه من كتب أهل الكتاب مما بقي في أيديهم من الصحيح من أقوال أنبيائهم المنقولة في كتبهم " .

الخامس : لنفترض أن ما عزاه الأستاذ إلى تاريخ الكنيسة صحيح ثابت ، وهو أن بحيرا الراهب كان في القرن الرابع من الميلاد ، فذلك لا ينفي أن يأتي شخص آخر على شاكلته في الترهب سمي باسمه منذ ولادته على عادة النصارى وغيرهم من التسمي بأسماء الصالحين عندهم ، أو لقب به بعد ، لظهور شبه فيه به، هذا كله جائز ليس في العقل السليم ما ينفيه ، وإذا الأمر كذلك ، فبإمكان الأستاذ أن يعتقد وجود شخصين في زمنين متباينين باسم واحد ( بحيرا ) وبذلك يستطيع أن يوفق بين ثقته بالتاريخ الكنسي ، وثقته بالتاريخ الإسلامي ولا يقع في هذه المغالطة التي كتبها بقلمه : " فكيف التقى الزمان القرن الرابع والقرن السادس والتقى المكانان . . ." !!.

تلك وجوه خمسة في الجواب عن الشبهة الثانية أقواها عندنا الوجه الأول، وسائرها إنما هي بالنظر لترجيح التاريخ الإسلامي على التاريخ الكنسي، ولا حاجة بنا إليها بعد الوجه الأول، وإنما ذكرتها لبيان ما يرد على الأستاذ مما قد يكون غافلاً عنه.


يتبع إن شاء الله - تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-27-2014 01:13 AM

حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة " تتمــــّـــــــة.
 

[ 1 ]

حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة "

الشبهة الثالثة : قول الأستاذ ما خلاصته : " إن الغرض من ذكر خرافة بحيرا الراهب، إنما هو كرد على المبشرين والمستشرقين الذين يدعون بأن هذا الدين الإسلامي من بحيرا الراهب ، وكان يتردد على مكة يعلم محمداً تعاليمه ".

وأقول : لا شك أن الأستاذ المصري يشكر على قصده المذكور، ولكن خفي عليه أن الرد على المبشرين لا يكون برد الحقائق التاريخية، وانكار ثبوتها، بحجة أن الكفار يستغلونها للطعن في الإسلام أو في نبيه - عليه الصلاة والسلام -، بل المنهج العلمي الصحيح يوحي بالاعتراف بالحادثة الثابتة، ثم الجواب عن استغلال المبشرين لها جواباً علمياً صحيحاً، ومن المؤسف جداً أن هذه الطريقة التي جرى عليها حضرة الأستاذ في الرد على المبشرين والمستشرقين، قد أخذ بها كثير من الكتاب المسلمين في العصر الحاضر، لا سيما الذين لا علم عندهم بأدلة الكتاب والسنة، فهؤلاء كلما رأوا مبشراً يورد شبهة على نص إسلامي، أو يستغله للطعن في الدين، بادروا إلى التشكيك في صحته إن كان حديثاً أو سيرة، وإلى تأويل معناه، إن كان لا سبيل إلى إنكاره من أصله كالقرآن، وهذا الأسلوب مع ما فيه من عدم الاعتداد بنصوص الشريعة المعصومة ومعانيها، فإنه في الوقت نفسه يدل على أن هؤلاء الكتّاب قد وثقوا بعلم أولئك الكفار وفهمهم واخلاصهم ثقة عمياء ! مع أن الذي يدقق فيما كتبوه ويكتبونه من البحوث حول الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، يتجل له بوضوح لا وضوح بعده - إلا قليلاً منهم - لا إنصاف عندهم ولا علم، وأنهم كل غرضهم من ذلك تشويه حقاثق الإسلام الناصعة وإبعاد المسلمين عنه، وليس يتسع هذا المقال لضرب الأمثلة على ما نقول، ولكن حسبنا منها هذه الحادثة التي أثبتنا صحتها، فقد علمت مما سبق كيف أن جماعة من أولئك المستشرقين اعتبروها من الخرافات والأساطير، وكيف أن الأستاذ المصري انزلق معهم في ذلك، مع ما فيها من الآيات البينات على التبشير بنبوته - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك أنكرها أولئك الكفار، وأما أخونا المصري فإنما أنكرها متأثراً بوحي خفي من بعض المستشرقين الآخرين الذين زعموا أن الحادثة تدل أن الدين الإسلامي مستقىً من بحيرا الراهب، وأنه كان يتردد إلى مكة يعلِّم محمداً - صلى الله عليه وسلم - تعاليمه ! كما نقله الأستاذ المصري عنهم، وهم بهذا الزعم يرمون إلى أحد شيئين : إما إثباته في قلوب ضعفاء العلم والإيمان منا، وإما حمل مَن كان قوي الإيمان منا على رد الحادثة في سبيل رد هذا الزعم الباطل، وهذا مع الأسف قد حصلوا عليه من بعضهم.

ومن الغرائب حقاً أن هذا الزعم الذي هو موضوع الرد مع أنه باطل في نفسه ولا صلة له بالحادثة مطلقاً، لأن التقاء النبي -صلى الله عليه وسلم - مرة واحدة وفي ساعة أو ساعات محدودة مع الراهب في الشام شيء، وتردد الراهب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - في مكة شيء آخر، وهذا التردد لو ورد شيء، والالتقاء شئ آخر ، ومع أن هذا الزعم لم يخف بطلانه على الأستاذ المصري كما صرح به في بحثه مع ذلك كله فإنه رد الحادثة وحكم ببطلانها ! وهذا تناقض عجيب ، فإنه إذا كان الأستاذ جازماً ببطلان الزعم المذكور ، فلماذا رد الحادثة بعلة الرد على المبشرين الأفاكين، مع أن الرد حصل عليهم كما رأيت بدون رد الحادثة ، بل ألا يكفي في الرد عليهم قول الله - عز وجل - في الرد على سلفهم من أمثالهم من المشركين الأفاكين الذين ادعوا مثل هذا الزعم في حياته ؟! فقال تعالى : {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين * إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم * إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون}.


يتبع إن شاء الله - تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-27-2014 01:15 AM


[ 1 ]

حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة ".

ما وراء إنكار الحادثة : إن أخشى ما أخشاه أن يكون الأستاذ المصري من أولئك الذين لا يصدقون بمعجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- -غير القرآن طبعاً- هذه المعجزات التي تجاوزت المئات، وثبت قسم كبير منها بالطرق المتواترات التي لا يسع العالم بها أن ينكرها ، والذي يحملني على إبداء هذه الخشية أن الأستاذ نقل فصلاً من كلام الدكتور هيكل جاء فيه : " ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- لا يرضى أن تنسب إليه معجزة غير القرآن ويصارح أصحابه بذلك " وأقره الأستاذ عليه، وأتى عليه بمثال فقال عقبه " مثل شق الصدر وغيره ".

ونحن نعلم أن حادثة شق الصدر صحيحة ثابتة في صحيح مسلم وغيره، فإذا كان الأستاذ ينكر ذلك تقليداً منه للدكتور هيكل في القول المذكور، فمعنى ذلك أن الأستاذ ينكر المعجزات كلها مهما كانت أسانيدها صحيحة وكثيرة، وحينئذ فإنكاره لحادثة التقائه -صلى الله عليه وسلم- بالراهب ليس الباعث عليه الرد على المبشرين لأن الرد حصل بدون ذلك كما عرفت، وإنما هو ما قام في نفس الأستاذ من إنكار المعجزات، وبما أن هذه الحادثة تتضمن أكثر من معجزة واحدة كتظليل الغمامة له -صلى الله عليه وسلم- وميل فيء الشمس عليه فلذلك أنكرها الأستاذ.

وإذا كان استنتاجنا هذا صحيحاً، فالكلام حينئذ يأخذ مع الأستاذ مجالاً آخر وهو طريقة إثبات المعجزات كحوادث وقعت أو لم تقع وما هو السبيل إلى معرفة ذلك، فهذا لا مجال للبحث فيه الآن، ولعل الأستاذ لا يحوجنا إلى الولوج فيه، وذلك بتصريحه بتخطئتنا في استنتاجنا المذكور.

ولكن لا بد لي من الإشارة إلى بطلان ما عزاه الدكتور هيكل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يرضى أن تنسب إليه معجزة غير القرآن، فإن هذا مما لا أصل له عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هو من المعاني المخترعة التي أحدثها الدكتور وأمثاله من منكري المعجزات وألصقوها ببعض الآيات القرآنية زاعمين أنها المراد بها ، ليضربوا بها المعجزات الثابتة بحجة أنها مخالفة لنص القرآن !!

ومجال القول في ذلك واسع جداً فأكتفي بالإشارة إليه وأجتزيء بدليل واحد يؤيد البطلان المذكور .

وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحدث أحياناً أصحابه ببعض معجزاته عملاًً بقول الله تبارك وتعالى : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إني لأعرف حجراً كان يسلم علي قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن " رواه مسلم وغيره .فإذا كان - صلى الله عليه وسلم - يحدث أصحابه بمعجزاته ثم يرويها منسوبة إليه أصحابه من بعده ، فكيف يصح أن يقال : إنه كان لا يرضى أن تنسب إليه معجزة ؟!.

وإني قبل أن أنهي هذا البحث لابد من أن ألفت نظر القاريء إلى أمر هام ، وهو أنني حين قرأت بحث الأستاذ وما نقله عن ابن خلدون ومحمد عبده والسيد رشيد رضا والدكتور هيكل من وجوب التدقيق في روايات الحديث والسيرة إذ ليس كل ما فيها صحيحاً ، تساءلت في نفسي : ترى هل دقق هؤلاء في هذه الحادثة فتبين لهم أنها خرافة كما ادعى الأستاذ المصري ؟ فرجعت إلى اثنين منهم من المعاصرين وهما الدكتور هيكل في كتابه " حياة محمد " والسيد رشيد رضا في رسالته " خلاصة السيرة النبوية " فإذا بالأول يذكر هذه الحادثة (112 - 113) كما يذكرها كل المؤرخين، وكذلك فعل الثاني (ص 14-15) دون أن يذكر أو يشير أدنى إشارة إلى ضعفها فضلاً عن وضعها ! والحقيقة أن أحداً لم يصرح -فيما علمت- بأن حادثة بحيرا الراهب خرافة قبل الأستاذ المصري ، والحمد لله لست من " أهل الطرق ولا المتطفلين من بعض من يلبسون العمائم " وقد استندنا فيما أوردنا إلى طرق العلم الصحيح ، ولكن الأستاذ اتبع فيما أنكر ظنوناً وأوهاماً أدت به -ولو مع حسن النية- إلى إنكار حقيقة تاريخية لا شك فيها هي حادثة بحيرا الراهب، فعسى أن الأستاذ المصري يعيد النظر فيما كان كتب فيها على ضوء الحجج التي أوردنا حتى نلتقي في صعيد واحد في ميدان العلم والحق.


محمد ناصر الدين الألباني
دمشق

22 / 3 /1379 هـ.

المصدر : مجلة التمدن الإسلامي. (25 / 167 – 175).



أم عبدالله نجلاء الصالح 03-27-2014 01:34 AM

[2] حديث تظليل الغمام له أصل أصيل
 


[ 2 ]

حديث تظليل الغمام له أصل أصيل

قرأت في العدد السادس من المجلد السادس من مجلة " المسلمون " الغراء كلمة الأستاذ الطنطاوي بعنوان " صناعة المشيخة " فسرني ما فيها من الصراحة والشجاعة في محاربة الباطل الذي انطلى أمره على كثير من الناس فبارك الله فيه وزاده توفيقاً.

بيد أنني استنكرت قوله في التعليق : " وما يقوله القوالون من أنه (المظلل بالغمام) لا أصل له ".

ذلك لأن حديث تظليل الغمام للنبي عليه الصلاة والسلام ثابت في غير ما كتاب من كتب السنة، فكيف يصح أن يقال فيه : " لا أصل له " ؟ نعم لو قال " لا يصح سنده " لكان أقرب إلى الصواب، وأبعد عن الغلو في الخطاب، وإنما قلت " أقرب " لأن الصواب أن الحديث صحيح، وإن ضعفه بعضهم، لأنه لم يأت عليه بحجة مقنعة وإليك البيان :

أخرج الترمذي (4/ 296 بشرح التحفة) وأبو نعيم في (دلائل النبوة 1/ 53) والحاكم (2/ 615 - 616) وابن عساكر في (التاربخ 1/ 187 /1 – 188/1) عن قراد أبي نوح، أنبأ يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه، قال : خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب . . . قلت : فذكر القصة وفيها " فأقبل -صلى الله عليه وسلم- وعليه غمامة تظله، قال : انظروا إليه غمامة تظله ! فلما دنا على القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجية عليه، قال انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه " الحديث بطوله، وفي آخر " وبعث معه أبو بكر بلالاً ".

قلت : فهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح :
أما أبو بكر بن أبي موسى فثقة بلا خلاف واحتج به الشيخان.
وأما يونس بن أبي إسحاق فاحتج به مسلم، وفيه كلام لا يسقط حديثه عن رتبة الاحجاج به، وقد قال الذهبي فيه " صدوق ما فيه بأس ".
وأما قراد، واسمه عبد الرحمن» فثقة أيضاً احتج به البخاري.

قلت : فتبين أن الإسناد صحيح من الوجهة الحديثية، وقد تناقضت فيه آراء العلماء ما بين مفرط ومفرط، فهذا الحاكم يقول فيه : " صحيح على شرط الشيخين " ! وقال الجزري " إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح أو أحدهما ".

وفي الجانب الآخر قول الذهبي في تعقيبه على الحاكم : " قلت : أظنه موضوعاً ، فبعضه باطل ".

فهذا الغلو من القول لا يتفق في ميدان العلم والبحث الحر، فأين الدليل على وضعه بطوله، ومن المعلوم أن الوضع إنما يحكم به إما من جهة السند، وهذا منفي هنا لما علمت من ثقة رجاله، وإما من جهة متنه، وهذا مفقود أيضاً إذ غاية ما يمكن أن ينكر منه ما ذكوه الذهبي في ترجمة قراد أبي نوح من " الميزان " فقال :
" أنكر ما له حديثه عن يونس بن أبي إسحاق . . . ومما يدل على أنه باطل قوله : " وبعث معه أبو بكر بلالاً .. وبلال لم يكن بعد خلق، وأبو بكر كان صبياً ".

وقال في تاريخ الإسلام (1/ 39):

" تفرد به قراد، واسمه عبد الرحمن بن غزوان ، ثقة احتج به البخاري والنيسابوري (1)، ورواه الناس عن قراد وحسنه الترمذي، وهو حديث منكر جداً، وأين كان أبو بكر ؟! كان ابن عشر سنين فإنه أصغر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسنتين ونصف، وأين كان بلال في هذا الوقت، فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث ولم يكن ولد بعد ".

وذكر نحو هذا وأبسط منه ابن القيم في فصل له في هذا الحديث مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق (عام – 5485 / 100 - 103).

قلت : وهذا النقد للمتن لو سلم به لم يقتض الحكم على الحديث كله بالوضع، ذلك لأن رواته ثقات كما عرفت، وحينثذ إنما يجوز أن يرد من حديث الثقة ما ثبت خطؤه ويبقى باقيه على الأصل وهو القبول، ويؤيده أن البزار لما روى هذا الحديث لما روى هذا الحديث لم يسم " بلالاً " وإنما قال : " رجلاً " وعلى هذا يطيح الإشكال الذي اعتمد عليه الذهبي في إنكاره للحديث، ويدل على أن تسمية الرجل بلالاً سهو من بعض الرواة، وهذا لابد من الاعتراف به، إذ الثقة قد يخطيء والجواد قد يكبو.

وتوسط آخرون فحسنوا الحديث كالترمذي، فإنه قال : " حديث حسن غريب ".

وهذا هو الحق عندي لما عرفت من سلامة إسناده من قادح ؟ وما أشرنا إليه من الكلام في بعض رواته لا ينافي القول بحسنه لا سيما إذ علمنا مجيئه من طرق أخرى، فقد قال السيوطي في " الخصائص الكبرى " (1/ 84) :

" قال البيهقي: هذه القصة مشهورة عند أهل المغازي.
قلت : ولها شواهد عدة سأوردها تقضي بصحتها، إلا أن الذهبي ضعف الحديث لقوله في آخره : " وبعث معه أبو بكر بلالاً " . . . وقد قال ابن حجر في " الإصابة " : الحديث رجاله ثقات، وليس فيه منكر سوى هذه اللفظة، فتحمل على أنها مدرجة فيه مقتطعة من حديث آخر وهماً من أحد رواته ".

ثم ساق السيوطي الشواهد التي أشار إليها فليراجعها من شاء فإن الكلام عليها مما يطيل البحث، ولا مجال لذلك الآن.

بقي علينا أن ندفع شبهة أخرى على هذه المعجزة وقد تعلق بها الذهبي أيضاً، فإنه قال عطفاً على قوله السابق في " التاريخ " :

وأيضاً فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة لأن ظل الغمامة تقدم فيء الشجرة التي نزل تحته.

فأقول : إنما يصح هذا الاستشكال لو كان في الحديث التصريح بأن الفيء مال مع بقاء الغمامة عليه -صلى الله عليه وسلم-، وليس في الحديث شيء من هذا، فمن الجائز أنه -صلى الله عليه وسلم- لما جلس عند الشجرة انكشفت الغمامة عنه ووقعت الشمس عليه فمال فيء الشجرة عليه ليظله بدل الغمامة، وعليه فيكون قد ظهرت له -صلى الله عليه وسلم- في هذه القصة معجزتان الأولى تظليل الغمامة له، والأخرى ميل الفيء عليه، وهو - صلى الله عليه وسلم- أهل لذلك ولما هو أكثر منه بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-، نقول هذا وإن كنا لسنا والحمد لله من الذين ينسبون إليه -صلى الله عليه وسلم- ما هب ودب مما لم يصح من المعجزات، فإن فيما صح منها ما يكفي ويشفي والحمد لله.

على أنه ينبغي أن لا ننسى أنه ليس في هذه القصة أن الغمامة كانت تظله دائماً أينما سار وأينما نزل ، فإن هذا باطل قطعاً، فهناك أحاديث كثيرة صحيحة تصرح بأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يستظل بالشجرة والخيام وغيرها، وإنما وقعت هذه المعجزة في خروجه -صلى الله عليه وسلم- إلى الشام.

وخلاصة القول : إن تظليل الغمامة له صلى الله عليه وآله وسلم له أصل في السنة، ولكن في ثبوته ما ألممت به من الخلاف، والراجح عندي الصحة لما سبق، فمن اقتنع بذلك فبها، وإلا فحسبه التوقف وترك الجزم بالضعف، وأما القول بأنه لا أصل له، فلا أصل له.

محمد ناصر الدين الألباني
دمشق
18 ذي القعدة 1378 هـ

المصدر : مجلة المسلمون (6 / 793 – 797).


_______

(1) يعني الإمام مسلماً صاحب الصحيح فإنه من نيسابور ، ولكن قرنه مع البخاري هنا وهم فإن مسلماً لم يخرج له كما أفاده الذهبي نفسه في الميزان.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-27-2014 01:51 AM

حول حديث ( العنان )
 
[ 3 ]

حول حديث ( العنان )

( السؤال ) :

ورد إلى المجلة سؤال من بعض القراء الأفاضل عن صحة الحديث الذي أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره ولفظه :
” عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمرت بهم سحابة فنظر إليها ، فقال : ” ما تسمون هذه ؟ ” قالوا : السحاب ، قال : ” والمزن ؟ ” قالوا : والمزن، قال : ” والعنان ؟ ” قالوا : والعنان – قال أبو داود : ولم أتقن العنان جيداً – قال : ” هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض ؟ ” قالوا : لا ندري. قال : ” بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سموات، ثم فوق السماء السابعة بحر ما بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهن العرش، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك ”.

( الجواب ) :

إن الحديث ضعيف الإسناد لا تقوم به حجة ، وإليك البيان:

تخريجه:

أخرج الحديث الإمام أحمد في مسنده (رقم 0177 و7711) وأبو داود (2/276) وعنه البيهقي في ” الأسماء والصفات ” (ص 399) والترمذي (4/ 205 - 206) وابن ماجة (1/ 83) وابن خزيمة في ” التوحيد ” (ص68 - 69) والحاكم في ” المستدرك ” (2/ 378) والحافظ عثمان الدارمي في ” النقض على بشر المريسي ” (ص 90 -91) والبغوي في تفسيره (8/ 465 - 466) من طرق عن سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن العباس به.
وقال الترمذي: ” هذا حديث حسن غريب “
وقال الحاكم: ” صحيح الإسناد ” ووافقه الذهبي ! وليس كما قالوا.
وقد تناقض الذهبي - كما يأتي بيانه -:

علة الحديث :

وللحديث علتان :
الاضطراب في إسناده ، وجهالة أحد رواته وهو ابن عميرة، فقال الحافظ ابن حجر في ترجمته من ” تهذيب التهذيب ” : ” وعنه سماك بن حرب، وفيه عن سماك اختلاف، قال البخاري لا يُعلم له سماع من الأحنف، وذكره ابن حبان في ” الثقات ”، وحسن الترمذي حديثه (يعني هذا)، وقال أبو نعيم في ” معرفة الصحابة : ” أدرك الجاهلية، وكان قائد الأعشى لا تصح له صحبة ولا رؤية، وقال مسلم في ” الوحدان ” : تفرد سماك بالرواية عنه، وقال إبراهيم الحربي : لا أعرفه ”.

أما العلة الأولى فقد بينها بعض العلماء تعليقاً على التهذيب، فقال:” قال شريك مرة : عن سماك عن عبد الله بن عمارة، وهو وهم، وقال أبو نعيم : عن إسرائيل عن سماك عن عبد الله بن عميرة أو عمير. والأول أصح. وقال أبو أحمد الزبيري : عن إسرائيل عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن زوج درة بنت أبي لهب ”.

وأما العلة الثانية فتتلخص بأن عبد الله بن عميرة مجهول لايعرف، وقد صرح بهذا الحافظ الذهبي فقال في ” كتاب العلو ” (ص 109 الطبعة الهندية) :
” تفرد به سماك بن حرب عن عبد الله ، وعبد الله فيه جهالة ”. وكذا قال في ” ميزان الاعتدال في نقد الرجال ”.

ثم نسي الذهبي هذا كله فوافق الحاكم على تصحيحه كما سبق ، فسبحان من لا ينسى !.
وأما تحسين الترمذي للحديث فمما لا يعتمد عليه لا سيما بعد ظهور علة الحديث، ذلك لأن الترمذي معدود في جملة المتساهلين في تصحيح الأحاديث كالحاكم وابن خزيمة وابن حبان ونحوهم.
ولهذا قال الذهبي في ” الميزان ” (ص 33) : ” لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي ”.

قلت : وكذلك لا يعتمد المحققون من العلماء على توثيق ابن حبان لتساهله في ذلك كما بينه الحافظ ابن حجر في مقدمة ” لسان الميزان ” وزدته بياناً في ردي على الشيخ عبد الله الحبشي (ص 18-21) وخلاصة ذلك أنه يوثق المجهولين حتى الذين يعترف هو بأنه لا يعرفهم فيقول مثلاً في ترجمة سهل : ” يروي عن شداد بن الهاد، روى عنه أبو يعقوب، ولست أعرفه، ولا أدري من أبوه ” !!.

وهذا موضوع هام يجب على كل مشتغل بعلم السنة وتراجم الرواة أن يكون على بينة منه، كي لا يخطيء بتصحيح الأحاديث الضعيفة اغتراراً بتوثيق ابن حبان، كما فعل أحد أفاضل العلماء في تعليقه على المسند، والشيخ الحبشي في ” التعقب الحثيث ” وغيرهما.

وأما طلب السائل شرح هذا الحديث، فلا داعي عندي للإجابة عنه بعد أن بينا ضعفه، بل أعتبر الاشتغال بشرحه مضيعة للوقت، إذ كل ما فيه من بيان المسافة بين كل سماء والتي فوقها، وكذا البحر فوقها والثمانية أوعال كل ذلك لم يرد فيه شيء صالح للاحتجاج به، نعم هناك أحاديث أخرى في تحديد المسافة المذكورة، وهي مع ضعف أسانيدها مختلفة متناقضة، ولا داعي للتوفيق بينها كما فعل ابن خزيمة في ” التوحيد ” والبيهقي في ” الأسماء ” إذ التوفيق فرع التصحيح، وهو مفقود.

وأما قوله في آخر الحديث : ” ثم الله - تبارك وتعالى - فوق ذلك ” فحق يجب الإيمان به لثبوته في آيات كثيرة وأحاديث متواترة شهيرة، وقد ساقها وتكلم على أسانيدها الحافظ الذهبي في ” كتاب العلو ” فليراجعها من شاء الوقوف عليها.

وبهذه المناسبة أرى لزاماً علي أن أقول : إن الإيمان بعلو الله - تبارك وتعالى - على خلقه متفق عليه بين أئمة المسلمين قاطبة وفيهم الأئمة الأربعة، ومن ينكر ذلك من المتأخرين بحجة أن في ذلك تشبيهاً لله تعالى أو إثبات مكان له غفلة منه عن الحقيقة المتفق عليها، وهي أن صفات الله تبارك كذاته من حيث جهلنا بحقيقة ذلك كلها، فإذا كان لا يلزم من إثبات الذات تشبيه، فكذلك لا يلزم من إثبات الصفات تشبيه ومن غاير بين الأمرين فقد كابر أو تناقض، وللحافظ الخطيب كلمة نافعة جداً في هذا الصدد أرى من الضروري نشرها، ولو طال بها الكلام إذا اتسع لذلك صدر المجلة الزاهرة.

قال الخطيب -رحمه الله تعالى-: ” أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه.

والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين - عز وجل - إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو لبيان إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف.

فإذا قلنا : لله تعالى يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول : إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول : إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات الفعل، ونقول : إنما وجب إثباتها، لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى : {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وقوله - عز وجل - : {ولم يكن له كفوًا أحد}.

ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث، ولبسوا على من ضعف علمه بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد ولا يصح في الدين، ورموهم بكفر أهل التشبيه وغفلة أهل التعطيل، أجيبوا بأن في كتاب الله تعالى آيات محكمات يفهم منها المراد بظاهرها، وآيات متشابهات لا يوقف على معناها إلا بردها إلى المحكم، ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع، فكذلك أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - جارية هذا المجرى ومنزلة على هذا التنزيل برد المتشابه منها إلى المحكم ويقبل الجميع.

فتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام :

القسم الأول :
أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها لاستفاضة نقلها فيجب قبولها، والإيمان بها، مع حفظ القلب أن يسبق إليه ما يقتضي تشبيه الله بخلقه، ووصفه بما لا يليق من الجوارح والتغير والحركات.

والقسم الثاني : أخبار ساقطة بأسانيد واهية، وألفاظ شهد أهل العلم بالنقل على بطلانها، فهذه لا يجوز الاشتغال بها والاعتماد عليها.

والقسم الثالث : أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها البعض دون الكل، فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها ليلحق بأصحها أو يجعل في حيز الفساد والبطول ”.

قلت : وهذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه من هذا القسم، وقد نظرنا فيه على ضوء قواعد الحديث فتبين أنه من الفساد والبطول.



محمد ناصر الدين
أبوعبد الرحمن

المصدر: مجلة المسلمون (6/ 688 – 693).



أم عبدالله نجلاء الصالح 03-27-2014 02:27 AM

[ 4 ] حول حديث: يوشك أن تتداعى عليكم الأمم
 

[ 4 ]

حول حديث: يوشك أن تتداعى عليكم الأمم

( السؤال ):

ورد المجلة سؤال من أحد الأساتذة المحامين في بغداد يرجو فيه التحقيق من قبل الأستاذ ناصر الدين الألباني في صحة الحديث المشهور : ” تتداعى عليكم الأمم . . . ” ويقول :

” إنني أرتاب في صحة هذا الحديث لسببين :


الأول : أنه يخبر عن الغيب ، ولا يعلم الغيب غير الله .

والثاني :
يهدف إلى حمل الناس على الرضا بما نحن فيه والبقاء عليه وعدم العمل على تغييره ” .

ثم يستنتج من ذلك أنه : ” لا بد أن يكون الحديث من وضع عدو للإسلام ولدينهم ” .

( الجواب ):

وجواب الأستاذ الألباني :
إن الحديث صحيح بلا ريب ، وهو يخبر عن أمر غيبي بإطلاع الله تبارك وتعالى له عليه ، وهذا أمر سائغ جائز لا غبار عليه بل هو من مستلزمات النبوة والرسالة ، والحديث يهدف إلى خلاف ما ظنه السائل ، هذا مجمل الجواب ، واليك التفصيل :

1- صحة الحديث :


لا يشك حديثي في صحة هذا الحديث البتة ، لوروده من طرق متباينة وأسانيد كثيرة، عن صاحبين جليلين:

الأول : ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

والثاني : أبو هريرة -رضى الله تعالى عنه- الذى حفظ لنا ما لم يحفظه غيره من الصحابة -رضوان الله عليهم- من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فجزاه الله عن المسلمين خيراً.

أما ثوبان -رضي الله عنه- فله عنه ثلاث طرق :

1- عن أبي عبد السلام ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ” يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ” ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : ” بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن ” ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : ” حب الدنيا ، وكراهية الموت ” .
أخرجه أبو داود في سننه (2/10 2) والروياني في مسنده (ج 25/134/2) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عنه ، ورجاله ثقات كلهم غير أبي عبد السلام هذا فهو مجهول ، لكنه لم يتفرد به بل توبع -كما يأتي- فالحديث صحيح .

2- عن أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان مثله .
أخرجه أحمد (5/287) ومحمد بن محمد بن مخلد البزار في ” حديث ابن السمان ” (ق 182-183) عن المبارك بن فضالة ، حدثنا مرزوق أبو عبد الله الحمصي ، أنا أبو أسماء الرحبي به ، وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات ، وإنما يخشى من المبارك التدليس ، وقد صرح بالتحديث فأمنا تدليسه.

3- عن عمرو بن عبيد التميمي العبسي ، عن ثوبان مختصراً .
أخرجه الطيالسي في سنده (ص 123) ، (2/211 من ترتيبه للشيخ البنا) وسنده ضعيف لكنه قوي بما قبله .
فالطريق الثاني حجة وحده لقوة سنده ، وبانضمام الطريقين الآخرين إليه يصير الحديث صحيحاً لا شك فيه .
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد في المسند أيضاً (2/259) عن شبيل بن عوف ، عنه ، قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لثوبان : ” كيف أنت يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم . . . الحديث نحوه وسنده لا بأس به في الشواهد ” ، وقال الهيثمي في ” مجمع الزوائد ” (7/287) : ” رواه أحمد والطبرانى فى الأوسط بنحوه ، وإسناد أحمد جيد ” !
وجملة القول : إن الحديث صحيح بطرقه وشاهده ، فلا مجال لرده من جهة إسناده ، فوجب قبوله والتصديق به .

2- إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن الغيب : من المستغرب جداً عندنا الشك في صحة الحديث بدعوى ” إنه يخبر عن الغيب ، ولا يعلم الغيب إلا الله ” ومن المؤسف حقاً أن تروج هذه الدعوى عند كثير من شبابنا المسلم فقد سمعتها من بعضهم كثيراً ، وهي دعوى مباينة للإسلام تمام المباينة ، ذلك لأنها قائمة على أساس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر كسائر البشر الذين لا صلة لهم بالسماء ، ولا ينزل عليهم الوحي من الله تبارك وتعالى .

أما والأمر عندنا معشر المسلمين على خلاف ذلك ، وهو أنه عليه السلام مميز على البشر بالوحي ، ولذلك أمره الله -تبارك وتعالى- أن يبين هذه الحقيقة للناس فقال في آخر سورة الكهف : {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} وعلى هذا كان لكلامه -صلى الله عليه وسلم- صفة العصمة من الخطأ لأنه كما وصفه ربه عز وجل : {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى} ، وليس هذا الوحى محصوراً بالأحكام الشرعية فقط ، بل يشمل نواحي أخرى من الشريعه منها الأمور الغيبيه ، فهو -صلى الله عليه وسلم- وإن كان لا يعلم الغيب كما قال فيما حكاه الله عنه : {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} ( الأعراف : 187 ) فإن الله تعالى يطلعه على بعض المغيبات وهذا صريح فى قول الله تبارك وتعالى ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول} وقال : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}.

فالذى يجب اعتقاده أن النبى -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب بنفسه ولكن الله تعالى يعلمه ببعض الأمور المغيبه عنا ، ثم هو صلى الله تعالى عليه وسلم يظهرنا على ذلك بطريق الكتاب والسنة ، وما نعلمه من تفصيلات أمور الآخرة من الحشر والجنة والنار ومن عالم الملائكه والجن ونحو ذلك مما وراء المادة ، وماكان وماسيكون ، ليس هو الا من الأمور الغيبية التي أظهر الله تعالى نبيه عليها ، ثم بلغنا إياها ، فكيف يصح بعد هذا أن يرتاب مسلم فى حديثه لأنه يخبر عن الغيب ؟! ولو جاز هذا للزم منه رد أحاديث كثيرة جداً قد تبلغ المائه حديثاً أو يزيد ، هى كلها من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم- وصدق رسالته ، ورد مثل هذا ظاهر البطلان ، ومن المعلوم أن ما لزم منه باطل فهو باطل ، وقد استقصى هذه الأحاديث المشار إليها الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعقد لها بابا خاصا فقال : ” باب ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- من الكائنات المستقبلة فى حياته وبعده فوقعت طبق ما أخبر به سواء بسواء ” ثم ذكرها فى فصول كثيرة فليراجعها حضره السائل إن شاء في ” البداية والنهاية ” (6 / 182 - 256) يجد فى ذلك هدى ونوراً بإذن الله تعالى ، وصدق الله العظيم إذ يقول :
{وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير} وقال : {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم * وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور}
فليقرأ المسلمون كتاب ربهم وليتدبروه بقلوبهم يكن عصمة لهم من الزيغ والضلال ، كما قال -صلى الله عليه وسلم- : ” إن هذا القرآن طرفه بيد الله ، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً ” . (1)

3- هدف الحديث :

عرفنا مما سبق أن الحديث المسؤول عنه صحيح الإسناد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأن ما فيه من الإخبار عن أمر مغيب إنما هو بوحي من الله تعالى إليه -صلى الله عليه وسلم- ، فإذا تبين ذلك استحال أن يكون الهدف منه ما توهمه السائل الفاضل من ” حمل الناس على الرضى بما نحن فيه . . . ” بل الغاية منه عكس ذلك تماماً ، وهو تحذيرهم من السبب الذي كان العامل على تكالب الأمم وهجومهم علينا ، ألا وهو ” حب الدنيا وكراهية الموت ” فإن هذا الحب والكراهية هو الذي يستلزم الرضا بالذل والاستكانة إليه والرغبة عن الجهاد في سبيل الله على اختلاف أنواعه من الجهاد بالنفس والمال واللسان وغير ذلك ، وهذا هو حال غالب المسلمين اليوم مع الأسف الشديد .
فالحديث يشير إلى أن الخلاص مما نحن فيه يكون بنبذ هذا العامل ، والأخذ بأسباب النجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة ، حتى يعودوا كما كان أسلافهم ” يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة ” .
وما أشار إليه هذا الحديث قد صرح به حديث آخر فقال -صلى الله عليه وسلم- : ” إذا تبايعتم بالعينة (2) ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ” . (3)
فتأمل كيف اتفق صريح قوله فى هذا الحديث ” لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ” مع ما أشار إليه الحديث الأول من هذا المعنى الذى دل عليه كتاب الله تعالى أيضاً ، وهو قوله : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

فثبت أن هدف الحديث إنما هو تحذير المسلمين من الاستمرار في ” حب الدنيا وكراهية الموت ” ، ويا له من هدف عظيم لو أن المسلمن تنبهوا له وعملوا بمقتضاه لصاروا سادة الدنيا ، ولما رفرفت على أرضهم راية الكفار ، ولكن لا بد من هذا الليل أن ينجلي ، ليتحقق ما أخبرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى أحاديث كثيرة ، من أن الإسلام سيعم الدنيا كلها ، فقال عليه الصلاة والسلام :
” ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر ” . (4)

ومصداق هذا الحديث من كتاب الله تعالى قوله عز وجل: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.
وصدق الله العظيم إذ يقول : {ولتعلمن نبأه بعد حين}.

أبو عبد الرحمن
محمد ناصر الدين الألباني
المصدر: مجلة التمدن الإسلامي (24 / 421 – 426).


_________

(1) حديث صحيح ، أخرجه ابن نصر في ” قيام الليل ” (ص 74) وابن حبان في صحيحه (ج 1 رقم 122) بسند صحيح ، وقال المنذري في ” الترغيب ” (1 / 40) : ” رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد “.
(2) هي أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشتريها منه نقداً بأقل من الثمن الذي باعها به .
(3) أخرجه أبو داود (2/100) وأحمد (رقم 4825 ، 5007 ، 2562) والدولابي في ” الكنى ” (52) والبيهقي (5/316) من طرق عن ابن عمر ، صحح أحدها ابن القطان ، وحسن آخر شيخ الإسلام ابن تيمية في ” الفتاوى ” (3/32 ، 278) .
(4) أخرجه أحمد (4/103) والطبراني في ” المعجم الكبير ” (1/ 126/2) والحاكم (4/430) وابن بشران في ” الأمالي ” (60 / 1) وابن منده في ” كتاب الإيمان ” (102/ 1) والحافظ عبدالغنى المقدسى في ” ذكر الإسلام ” (126/2) من طريق أحمد عن تميم الداري مرفوعاً . وسنده صحيح ، وصححه الحاكم أيضاً ووافقه الذهبي وقال المقدسي : ” حديث حسن صحيح ” ، وله شاهدان : أحدهما عن المقداد بن الأسود أخرجه ابن منده والحاكم وسنده صحيح ، والآخر عن أبي ثعلبة الخشني أخرجه الحاكم (1/ 488).

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 01:35 AM

[ 5 ] حول المهدي لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -.
 
[ 5 ]

حول المهدي

لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -

كتب بعض القراء الأفاضل إلى هذه المجلة يقول :

" قرأت في الأجزاء (8، 9، 10) بحثاً قيــّماً عن المهدي كتبه الأستاذ ناصر الدين الألباني في باب " الأحاديث الضعيفة والموضوعة ".

وقد كنا قررنا واعتقدنا قبلاً ما كتبه الأستاذ الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره " المنار " (9-499-504) وكذلك ما كتبه الأستاذ محمد عبد الله السمان في كتابه " الإسلام المصفى ".
وإنني متيقن بأن الأستاذ ناصر الدين له علم بما كتباه ، فلذلك أرجو الأستاذ أن يطالع ما كتباه مرة ثانية، ويكتب في المهدي مقالأ ضافياً فإن فيما كتباه ما يخالف ما كتبه الأستاذ ناصر الدين تمام المخالفة " .

أقول في الجواب عن ذلك :

نعم لقد كنت على علم بما كتبه الشيخ رشيد -رحمه الله- وكذا بما كتبه الأستاذ السمان في كتابه الذي أسماه " الإسلام المصفى " !.

وأنا أجزم بخطأ ما كتباه في هذه المسألة لا سيما الأخير فإنه لا علم عنده ، ولذلك أنكر مسائل أخرى هي أقوى ثبوتاً من هذه المسألة ، مثل : خروج الدجال ، ونزول عيسى عليه السلام ، وشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة ، فإن هذه المسائل الثلاث أدلة ثبوتها مقطوع بها لورود الأحاديث المتواترة بتأييدها ، ومع ذلك لم يتورع حضرة الأستاذ السمان من إنكارها !.

وقد سبقه إلى شيء من ذلك السيد رشيد -رحمه الله- فإنه طعن في أحاديث الدجال ، ونزول عيسى عليه السلام، مع أنها أحاديث صحيحة متواترة ، كما صرح بذلك علماء هذا الشأن كالحافظ ابن حجر وغيره، ولا مجال الآن لبيان ذلك فإلى مناسبة أخرى -إن شاء الله تعالى-.

أما مسألة المهدي فليعلم أن في خروجه أحاديث كثيرة صحيحة ، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة ، وأنا مورد هنا أمثلة منها ثم معقب ذلك بدفع شبهة الذين طعنوا فيها فأقول :

الحديث الأول : حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً : " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم ، حتى يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي ، يواطيء اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً ".
رواه أبو داود (2/ 207) ، والترمذي ، وأحمد ، والطبراني في الكبير والصغير ، وأبو نعيم في " الحلية " ، والخطيب في " تاريخ بغداد " من طرق عن زر بن حبيش عن ابن مسعود . وقال الترمذي : " حسن صحيح " والذهبي : " صحيح " وهو كما قالا .
وله طريق آخر عند ابن ماجة (2/ 517) عن علقمة عن ابن مسعود به نحوه، وسنده حسن.

الحديث الثاني : عن علي بن أبي طالب -رضى الله عنه- مرفوعاً نحوه وله عنه طريقان :
أخرج الأول أبو داود وأحمد ، وإسناده صحيح ، وأخرج الآخر ابن ماجة وأحمد ، وإسناده حسن .

الثالث : عن أبي سعيد الخدري ، وله طريقان أيضاً . الأول: أخرجه الترمذي، ، و ابن ماجه ، و الحاكم ، وأحمد ، و حسنه الترمذي ، وقال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا.
وأخرج الطريق الثاني أبو داود ، والحاكم وصححه ، وسنده حسن.

الرابع : عن أم سلمة ، وقد ذكرت لفظه وتخريجه عند الكلام على الحديث الثمانين من المقال العاشر من " الأحاديث الضعيفة " .


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

أبو عبد الرحمن
محمد ناصر الدين الألباني
المصدر : مجلة التمدن الإسلامي (22 / 642 - 646).



أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 01:44 AM

[ 5 ] حول المهدي لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -. تتمـة
 
[ 5 ]

حول المهدي

لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -.

وبقية الطرق قد ذكرها العلماء في كتبٍ خاصة فليراجعها من أراد زيادة الاطلاع [1] وقد قال صديق حسن خان في " الإذاعة " :

" الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياته كثيرة جداً تبلغ حد التواتر وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد ، وقد أضجع القول فيها ابن خلدون في كتابه " العبر وديوان المبتدأ والخبر " حيث قال : يحتجون في الباب بأحاديث خرجها الأئمة، وتكلم فيها المنكرون لذلك، وعارضوها ببعض الأخبار، وللمنكرين فيها من المطاعن، فإذا وجدنا طعناً في بعض رجال الإسناد بغفلة أو سوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث وأوهن منها . إلى آخر ما قال، وليس كما ينبغي فإن الحق الأحق بالاتباع.

والقول المحقق عند المحدثين المميزين بين الدار والقاع، أن المعتبر في الرواة ورجال الأحاديث أمران لا ثالث لهما الضبط والصدق، دون ما اعتبره أهل الأصول من العدالة وغيرها فلا يتطرق الوهن إلى صحة الحديث بغير ذلك ".

ثم قال صديق خان : [وأحاديث المهدي بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره.

وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال ، ويأتم بالمهدي في صلاته إلى غير ذلك ، وأحاديث الدجال وعيسى أيضاً بلغت مبلغ التواتر ولا مساغ لإنكارها كما بين ذلك القاضي العلامة الشوكاني -رحمه الله- في " التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح]. ا . هـ.

قال ( يعني الشوكاني ) : [والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها : خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول.

وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك . انتهى . وقد جمع السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير اليماني الأحاديث القاضية بخروج المهدي وأنه من آل محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنه يظهر في آخر الزمان، ثم قال : ولم يأت تعيين زمنه إلا أنه يخرج قبل خروج الدجال]. انتهى ".


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
________

[1] مثل " العرف الوردي في أخبار المهدي " للسيوطي" ، و الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة " لصديق خان " ، ونحوها.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 02:00 AM

[ 5 ] حول المهدي - تتمــــّــــة.
 
[ 5 ]

حول المهدي

شبهات حول أحاديث المهدي :

هذا ثم إن السيد رشيد أو غيره لم يتتبعوا ما ورد في المهدي من الأحاديث حديثاً حديثاً ، ولا توسعوا في طلب ما لكل حديث منها من الأسانيد ، ولو فعلوا لوجدوا فيها ما تقوم به الحجة حتى في الأمور الغيبية التي يزعم البعض أنها لا تثبت إلا بحديث متواتر !.

ومما يدلك على ذلك أن السيد رشيد -رحمه الله- ادعى أن أسانيدها لا تخلو عن شيعي ! مع أن الأمر ليس كذلك على إطلاقه، فالأحاديث الأربعة التي أوردتها ليس فيها رجل معروف بالتشيع، على أنه لو صحت هذه الدعوى لم يقدح ذلك في صحة الأحاديث لأن العبرة في الصحة إنما هو الصدق والضبط، وأما الخلاف المذهبى فلا يشترط في ذلك كما هو مقرر في مصطلح علم الحديث، ولهذا روى الشيخان في صحيحيهما لكثير من الشيعة وغيرهم من الفرق المخالفة واحتجــّـا بأحاديث هذا النوع.

وقد أعلها السيد بِعِلَّـةٍ أخرى وهي التعارض ! وهذه عِلـّـة مدفوعة، لأن التعارض شرْطُهُ التساوي في قوة الثبوت، وأما نصب التعارض بين قوي وضعيف فمما لا يسوغه عاقل منصف، والتعارض المزعوم من هذا القبيل، وقد أوردت بعض الأمثلة على ذلك في المقال الذي سبقت الإشارة إليه فليراجعه من شاء .

وقد يعل بعض الناس هذه الأحاديث وكذا أحاديث نزول عيسى عليه السلام بعلة أخرى، وهي أنها كانت -بزعمهم- سبباً لحمل المسلمين على الاتكال عليها، وانتظار خروج المهدي، ونزول عيسى عليهما السلام، وعلى ترك الأخذ بأسباب الحياة والقوة والمنعة، ويظنون أن معالجة هذه المشكلة إنما هي بإنكار أحاديثهما !.
وهذا خطأ يشبه معالجة المعتزلة للآيات المتشابهات، والأحاديث التي في معناها، فإنهم اشتهروا بتأويلهم للآيات وردهم للاحاديث الصحيحة التي من هذا القبيل حرصاً منهم -كما زعموا- على التنزيه ودفعاً للتشبيه !.
وأما أهل السنة فكانوا يؤمنون بهذه الآيات والأحاديث على ظاهرها ، ولا يفهمون من ذلك تشبيهاً أو ما لا يليق بالله -تعالى- .

وكذلك القول في أحاديث المهدي، فإنه ليس فيها ما يدل بل ما يشير أدنى إشارة إلى أن المسلمين لا نهضة لهم ولا عز قبل خروج المهدي، فإذا وجد في بعض جهلة المسلمين من يفهم ذلك منها، فطريق معالجة جهله أن يعلم ويفهم أن فهمه خطأ، لا أن نرد الأحاديث الصحيحة بسبب سوء فهمه إياها !.


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 02:06 AM

[ 5 ] شبهات حول المهدي.
 
[5 ]

شبهات حول المهدي

ومن بعض الناس :
أن عقيدة المهدي قد استغلها بعض الدجالين، فادعوا المهدوية لأنفسهم وشقوا بسبب ذلك صفوف المسلمين وفرقوا بينهم، ويضربون على ذلك الأمثلة الكثيرة آخرها غلام أحمد القادياني دجال الهند ، ونحن نقول إن هذه الشبهة من أضعف الشبهات.

وفي رأيي أن حكايتها تغني عن ردها ، إذ أن من المسلم به أن كثيراً من الأمور الحقة يستغلها من ليس أهلاً لها ، فالعلم مثلاً يدعيه بعض الأدعياء وهو في الواقع مم الجهلاء ، فهل يليق بعاقل أن ينكر العلم بسبب هذا الاستغلال ؟!.
بل إن بعض الناس فيما مضى ادّعى الألوهية، فهل طريقة الردّ عليه وبيان كذبه يكون بإنكار الألوهية الحقة ؟!.

ومثال آخر : يفهم بعض المسلمين اليوم من عقيدة " القضاء والقدر " الجبر وأن الإنسان الذي قدر عليه الشر مجبر على ارتكابه ، وأنه لا اختيار له فيه ، وقع في هذا الفهم الخاطيء غير قليل من أهل العلم ، ونحن مع جماهير العلماء الذين لا يشكون في صحة عقيدة القضاء والقدر وأنها لا تستلزم الجبر مطلقاً ، فإذا أردنا أن نصحح ذلك الفهم الخاطيء الملصق بهذه العقيدة الحقة، أفيكون طريق ذلك بإنكارها مطلقاً كما فعل المعتزلة قديماً وبعض أذنابهم حديثاً ؟!.

أم السبيل الحق الاعتراف بها لأنها ثابتة في الشرع ودفع فهم الجبر منها ؟ لا شك أن هذا السبيل هو الصواب الذي لا يخالف فيه مسلم البتة ، فكذلك فلتعالج عقيدة المهدي، فنؤمن بها كما جاءت في الأحاديث الصحيحة ، ونبعد عنها ما ألصق بها بسبب أحاديث ضعيفة واهية خبيثة ، وبذلك نكون قد جمعنا بين إثبات ما ورد به الشرع والإذعان لما يعترف به العقل السليم.

وخلاصة القول : إن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه -صلى الله عليه وسلم- يجب الإيمان بها لأنها من أمور الغيب ، والإيمان بها من صفات المتقين كما قال تعالى : {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب}.

وإن إنكارها لا يصدر إلا من جاهل أو مكابر. أسأل الله تعالى أن يتوفانا على الإيمان بها وبكل ما صح في الكتاب والسنة.

الرابع : عن أم سلمة ، وقد ذكرت لفظه وتخريجه عند الكلام على الحديث الثمانين من المقال العاشر من " الأحاديث الضعيفة " .


أبو عبد الرحمن
محمد ناصر الدين الألباني
المصدر : مجلة التمدن الإسلامي (22 / 642 - 646).



أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 02:24 AM

معنى : " يصلحه الله في ليلة "
 
معنى : " يصلحه الله في ليلة "

سُئل الإمام الألباني -رحمهُ اللهُ-:

ما معنى قولِه -في الحديثِ نفسِه -: «يُصلحُه اللهُ في ليلةٍ»؟.

الشَّيخ: أي: يكونُ متهيِّئًا من النَّاحية النَّفسيَّة؛ هذه ممكن.
كثيرٌ مِن النَّاس لما يَرونَ الفسادَ قد عمَّ وطمَّ؛ ينطوي على نفسِه؛ فاللهُ -عزَّ وجلَّ- يُصلِحُه في ليلةٍ واحدةٍ؛ يعني: أشبه ما يكونُ -بلا تشبيهٍ-: الرَّسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- كان يعتزلُ الكُفَّارَ في الجاهليَّةِ، ويعتزلُ بينه وبين ربِّه في الغارِ، حتَّى نزل جبريلُ -عليهِ السَّلامُ- وقال: {اقْرَأْ} [العلق: 1] إلخ القصَّة.

وجاء له الوحيُ مباشرةً، وأخذ بعد ذلك بالاتِّصال مع النَّاس، وأخذ يدعوهُم إلى عِبادةِ الله -تبارك وتَعالى-.

ولا شكَّ أنَّ أيَّ إنسانٍ مُصلحٍ لا يُمكنُ إلا أن يتشبَّه بالرَّسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فيُمكنُ حينما تشتدُّ ظُلمةُ المجتمعِ أن ينطويَ هذا الإنسانُ بِخُلُقه...إلخ كما يُفكرُ بعضُ النَّاس اليوم، وإن كان لم يبلغْ تلك المنزلةَ، فيصلحهُ اللهُ لأنْ يكونَ قائدًا للأمَّة في ليلةٍ واحدةٍ.
ليس معنى ذلك أن يكونَ فاسقًا، ثم يُصبِح صالحًا.
وليس معنى ذلك أن يكونَ جاهِلًا فيصبح عالِمًا ما بين عَشيَّةً وضُحاها، لا؛ وإنَّما يُصلحُه لِقيادةِ الأمَّة.

[ينظر: «سؤالات الحلبي لشيخهِ الإمامِ الألباني» (1/ 156)].
_________

(1) السَّائل هو تلميذهُ الشَّيخ علي الحلبي -حفظهُ الله-.
(2) يعني: قوله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: «المهدي مِنَّا أهل البيت، يُصلحُه اللهُ في ليلةٍ» خرَّجه الإمام الألباني في «السِّلسلة الصَّحيحة» (2371) عن عليٍّ -رضيَ اللهُ عنه-.



أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 03:51 AM

[ 6 ] عودة إلى السنة.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة

لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -.(1)


كتب الأستاذ الفاضل صديقنا الشيخ علي الطنطاوي مقالاً مسهباًً تحت عنوان :

” مشكلة ” نشره في عدد جمادى الأولى سنة 1375 من مجلة المسلمون.

بدأ فيه فوصف أفراداً من المسلمين جعلهم أمثلة للذين يدعون الإسلام منهم ولا يعملون به ، ثم تعرض لنقد طوائف نعتهم بـ ” الدعاة إلى الله ، الذين نرجوا بهم نصرة الإسلام ، وإعادة أهله إليه “.

فبدأ بنقد ” من يرى الإسلام في اتباع مذهب من المذاهب الأربعة والوقوف عندما أفتى به متأخرو فقهائه ” ثم ثنى بالرد على ” من يدعو إلى العودة إلى السنة ” وأفاض هنا ما لم يفض في رده على غيرهم !.

ثم ختم الشيخ مقاله بما خلاصته : ” وهؤلاء الدعاة مختلفون أبداً ، آخذ بعضهم بخناق بعض ، يتناظرون أبداً ويتجادلون ، يتقاذفون الردود ، لا في مصر والشام والعراق وحدها ، بل في بلاد الإسلام جميعاً . . . والإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- واحد ، له مفهوم واحد ، فعلام هذا الاختلاف ؟ . . . “.

” وأنا لا أقول بتوحيد الأفهام ومنع الاختلاف ، فما أظن أن هذا يكون ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) ، ولكن الذي أقوله هو وجوب الاتفاق على الأسلوب الذي ندعو به إلى الاسلام ، والصورة التي نعرضها له على التلاميذ في المدارس ، والعامة في المساجد ، والأجانب في بلاد الغرب لنقول لهم هذا هو أساس الإسلام ، وهذه أركانه ، وهذا طريق الدخول فيه ، لا نفاجيء واحداً من هؤلاء بالخلاف في فهم مشكلات الآيات ، ولا الاجتهاد والتقليد ، ولا نبدؤهم بمستحدثات المتصوفة وقوانين الطرق ، ولا نحملهم على الآراء الفردية التي لا يقرها الجميع “.

” فما هو الأسلوب ( العملي ) الممكن للوصول إلى هذه الغاية ؟ هل يكون ذلك بمؤتمر لعلماء المسلمين ، أم يتولاه معهد من المعاهد العلمية، أو يقوم به واحد من المسلمين ؟ ما هو الأسلوب ؟ “.

وللجواب عن سؤال الأستاذ نسوق هذا المقال فنقول :

1. لا اتفاق على الأسلوب قبل الاتفاق على الهدف : (الإسلام).

إن الذي يقرأ مقال الشيخ بتدبر وإمعان ، يظهر له أن فيه فجوة تركها الشيخ دون أن يملأها ببيانه ، ذلك أنه بعد أن عرض ” المشكلة ” عرضاً بيناً قفز إلى الدعوة إلى وضع أسلوب عملي للدعوة إلى الإسلام ، والمنطق يشهد أنه كان من الواجب بعد عرض المشكلة التحدث عن طريقة حلها أو على الأقل دعوة العلماء إلى حلها ، ثم بعد ذلك يأتي دور الدعوة إلى وضع أسلوب عملي للدعوة إلى الإسلام ، لأنه من البدهي أنه مادام الدعاة إلى الإسلام مختلفين في فهم الإسلام ذلك الاختلاف الذي وصفه الشيخ وهو في الواقع أكثر مما وصف ! فإنه من غير الممكن أن يتفق هؤلاء على الأسلوب العملي ، كيف وهم لم يتفقوا على فهم الهدف ( الإسلام ) ؟.

ولو فرضنا أنهم اتفقوا على أسلوب ما ، فلن يؤدي بهم إلى الدعوة إلى ” إسلام واحد له مفهوم واحد ” ، بل سيدعو كل منهم إلى الإسلام الذي فهمه هو ، أو تلقاه عن آبائه ومشايخه ، وبذلك تعود المشكلة كما هي دون أن نستفيد من أسلوب الدعوة شيئاً لو تمكنوا من وضعه !.
إذن لا بد من وضع حل لهذه ” المشكلة ” فما هو ؟ وأين هو ؟.


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

http://www.alalbany.net/4933
___________

(1) مقال لفضيلة لشيخ الألباني نشر في مجلة المسلمون (5/ 172 – 176، و 280 - 285، و 463 -470، و 913 -916).

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 04:05 AM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة.

2. حل المشكلة بالرجوع إلى السنة :


لا شك أن المفروض في الدعاة إلى الله تعالى أن يكونوا من أطوع الناس لله تعالى ، وأسرعهم مبادرة إلى تطبيق أحكامه عز وجل، فإذا كانوا مختلفين في فهم الإسلام فمن الواجب عليهم أن يحتكموا إلى ما أمر الله به، من الرجوع إلى السنة، لأنها هي التي تفسر القران، وتوضحه، وتبين مجمله، وتقيد مطلقه، كما يشير لهذا قوله تعالى : {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}.
وقد قال عز وجل : {فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.

فهذه الآية الكريمة صريحة في أن من كان مؤمناً حقاً رجع عند الاختلاف إلى حكم الله عز وجل في كتابه ، وبيان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنته، وأن الرجوع إليهما يرفع الخلاف، فوجب بنص هذه الآية على الدعاة أن يرجعوا إلى السنة الكريمة ليرفعوا الخلاف بينهم.

ومما لا شك فيه أن الرجوع إلى السنة يقتضي العلم بها والمعرفة بما صح منها وما لم يصح ، والدعاة في هذا العصير بين إحدى حالتين:

1. إما أن يكونوا قادرين على الرجوع إليها ، وحينئذ فالطريق سهل بين ليس عليهم إلا سلوكه ، وهم في الغالب لم يفكروا في سلوكه بعد !.

وهنا يقال : كيف يدعو إلى الإسلام من لا يُحَكّمِ الإسلام في نفسه ؟.

2. وإما أن يكونوا عاجزين عن الرجوع إليها بسبب جهلهم بها ، كما هو الغالب مع الأسف على أكثر الدعاة، ففي هذه الحالة عليهم أن يعدوا العدة لتخريج جماعة ، بل جماعات من العلماء ، يتدارسون كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويتفقهون فيهما ، ويصدرون الفتاوى معتمدين عليهما ، كما كان عليه الأمر في عهد السلف الصالح (2) فإذا تحقق هذا – وهو واقع إن شاء الله تعالى ولو بعد حين – نكون قد سلكنا النهج المستقيم للقضاء على الخلاف في فهم الإسلام على الصورة التي عرضها الشيخ الطنطاوي -حفظه الله تعالى- في مقال : ” المشكلة ” وبذلك يمكن حل (المشكلة) التي تقف عقبة في سبيل ” الاتفاق على الأسلوب الذي ندعو به إلى الإسلام “.


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
_______

(2) قال الشيخ محمد الخضري - رحمه الله- بعد أن تكلم عن التشريع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم في عهد الصحابة، ثم في عهد التابعين ، إلى منتصف القرن الرابع :

” الدور الخامس وهو دور القيام على المذاهب وتأييدها . . .

لا شك أنه كان في كل دور من الأدوار السابقة مجتهدون ومقلدون، فالمجتهدون هم الفقهاء الذين يدرسون الكتاب والسنة، ويكون عندهم من المقدرة ما يستنبطون به الأحكام من ظواهر النصوص أو من منقولها، والمقلدون هم العامة الذين لم يشتغلوا بدراسة الكتاب والسنة دراسة تؤهلهم إلى الاستنباط.

أما في هذا الدور فإن روح التقليد سرت سرياناً عاماً واشترك فيها العلماء وغيرهم من الجمهور ، فبعد أن كان مريد الفقه يشتغل أولأ بدراسة الكتاب ورواية السنة اللذين هما أساس الاستنباط ، صار في هذا الدور يتلقى كتب إمام معين ، ويدرس طريقته التي استنبط بها ما دونه من الأحكام، فإذا أتم ذلك صار من العلماء الفقهاء ”.

فلت : ومما لا شك فيه عند غير المتعصب أن هذه الطريقة السلفية هي وحدها الكفيلة بإخراج العلماء الفقهاء حقيقة، كيف لا، والإمام مالك يقول : " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ".

أم تميم 03-28-2014 05:36 PM

بارك الله فيكم على الموضوع الرائع.
في شوق إلى المزيد

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 09:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم تميم (المشاركة 308144)
بارك الله[color="indigo"] فيكم على الموضوع الرائع.
في شوق إلى المزيد

زادك الله فضلاً وعلما، وفيكم بارك الله، ابنتي الحبيبــــــة

" أم تميم".

أسعدني مروركم والدعـــــــاء، فجزاكم الله عني خير الجزاء.

أعانني الله وإياكم يا غاليـــــــة، ورحم الله شيخنـــــا العلامــــــة الهمام، فارس السنة ومحدث العصر

محمد ناصر الدين الألباني

رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنان، وجعل عملنا جميعــــًا خالصــــًـا ابتغاء مرضاته

وابتغاء وجهه الكريم.


أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 10:46 PM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة.

3. هل يَرْضَ الدعاة بهذا الحل ؟.


لكن يبدو للباحث أن كثيراً من الدعاة اليوم لا استعداد عندهم -مع الأسف الشديد- لتقبل الحل المذكور منهجاً للقضاء على الخلاف، مما يحملنا على أن نعتقد أن تحقيق الاتفاق الذي يدعو إليه الشيخ بعيد المنال في الوقت الحاضر، كيف لا.

ونحن نرى حضرته – وهو ممن كنا نظن أنه من أقربهم إلى السنة وأدناهم للتفاهم معه في سبيل الدعوة إليها والعمل بها –، نراه قد حمل في مشكلته هذه على الدعاة إلى السنة حملة شعواء، وهجاهم فيها بما لم يهجُ به القائلين بوحدة الوجود !.

وهذا في الواقع من غرائب الاختلاف ، فبينما يرى دعاة السنة أن ” المشكلة ” لا تحل إلا بتبني الدعاة لدعوتهم حقاً ، إذا ببعض هؤلاء الدعاة يجعلهم من الدعائم التي قامت بسببهم ” المشكلة ” !.

هذا ولما كان في رده عليهم كثير من الأخطاء والآراء التي يفهم منها القراء خلاف ما عليه دعاة السنة، رأيت أنه لا بد من بيان ذلك إظهاراً للحق ودفعاً للتهمة.

راجياً من فضيلة الشيخ أن يتقبل ما عسى أن يظهر له صوابه، وأن يدلنا على ما تبين له خطؤه، سائلاً المولى -سبحانه وتعالى- أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، موافقة لسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.


يُتبع إن شاء الله -تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 10:50 PM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة.

4 - نص كلام الأستاذ الطنطاوي :


” وآخر يرى الإسلام في ترك المذاهب كلها، والعودة إلى السنة، فكل من استطاع أن يقرأ البخاري ومسلم ومجمع الزوائد، وأن يفتش عن اسم الراوي في التقريب أو التهذيب، وجب عليه الاجتهاد، وحرم عليه التقليد.
ويسمون هذا الفقه العجيب الذي يشبه فقه برد (3) (والد بشار) بفقه السنة، لا يدرون أن الوقوف على الأحاديث ومعرفة إسنادها ودرجاتها شيء، واستنباط الأحكام منها شيء آخر، وأن المحدثين كالصيادلة، والفقهاء كالأطباء، والصيدلي يحفظ من أسماء الأدوية ويعرف من أصنافها ما لا يعرفه الطبيب، ولكنه لا يستطيع أن ( يشخص ) الأمراض ويشفي المرضى.
وأن الصحابة أنفسهم لم يكن فيهم إلا مئة ممن يفتي، وأن مئة الألف من المسلمين الذين توفي عنهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا يرجعون إلى هذه المئة، ولا يجتهدون لأنفسهم، وأنه إن لم يطلع الإمام من الأئمة على الحديث من الأحاديث، فإن أتباع مذهبه قد اطلعوا عليه خلال هذه القرون الطويلة، وأنهم كانوا اتقى لله وأحرص على دينهم من أن يخالفوا حديثاً صحيحاً لقول إمام أو غير إمام.
وأن المذاهب لم تأخذ الأحاديث وحدها، بل أخذت الحديث وما قال فيه الصحابي، والتابعي ، ومن بعده، وسجلت هذه الشروح والأفهام المتعاقبة ثم استخلصت منها الحكم، وأن من يترك اجتهادات الأئمة كمن يرى الطيارة وما بلغت إليه بعد الجهود المتتالية والرقي المتسلسل، فيتركها ويعرض عنها، ويحاول الطيران بأجنحة ليركبها لنفسه كما فعل العباس بن فرناس، وإن دعوى منع التقليد في الدين دعوى باطلة، لأن في كل علم أهل اختصاص فيه، وغرباء عنه.
فإذا احتاج الغريب إلى معرفة حكم فيه رجع إلى أهله، كالعامي يحتاج إلى مداواة مريضه، أو عمارة بيته، أو إصلاح ساعته، فلا يستطيع إلا الرجوع إلى الطبيب أو المهندس أو الساعاتي، وتقليده فيما يذهب به إليه اجتهاده ” اهـ.

________

(3) كان بشار - بن برد - يهجو الناس وهو صبي فيشكونه إلى أبيه فيضربه، فلما طال ذلك عليه قال لأبيه : قل لهم إن ابني هذا أعمى، والله يقول (ليس على الأعمى حرج) فقالوا : فِقْهُ بُرْدٍ أشَدُّ علينا من شعر بشار. ” طنطاوي “.


يُتبع إن شاء الله -تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-28-2014 11:12 PM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة.

5. لماذا يدعو دعاة السنة للعودة إلى السنة :


وإني قبل الشروع في بيان ما في كلام الأستاذ الطنطاوي من الأخطاء ، أرى لزاماً علي أن أبين الأسباب التي تحمل دعاة السنة على الدعوة إليها ، وترك كل قول يخالفها فأقول :

أولاً : إنها المرجع الوحيد بعد القرآن الكريم ، وفي ذلك آيات كثيرة معروفة وعلى ذلك إجماع الأمة.

ثانياً : إنها عصمة من الوقوع في الخطأ وأمان من التردي في الضلال كما قال -صلى الله عليه وسلم- في حجة الودع : ” يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه ” (4)، وليس كذلك اجتهادات الرجال وآراؤهم .
ولذلك قال الإمام مالك -رضي الله عنه- : ” إنما أنا بشر أخطيء وأصيب ، فانظروا في رأي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه ” (5) .
وقال شريح القاضي : ” إن السنة سبقت قياسكم ، فاتبعوا ولا تبتدعوا ، فإنكم لن تضلوا ما أخذتم بالأثر “(6).

ثالثأ : إنها حجة ملزمة باتفاق المسلمين ، بخلاف آراء الرجال فإنها غير ملزمة عند السلف(7) وغيرهم من المحققين.
قال الإمام أحمد -رضي الله عنه – : ” رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة كله رأي ، وهو عندي سواء ، وانما الحجة في الآثار (8).

رابعاً : إنه لا يمكن لطالب العلم أن يصير فقيهاً حقاً إلا بدراستها ، فهي وحدها بعد القرآن الكريم تؤهله لأن يستنبط ويقيس قياساً صحيحاً إذا أعوزه النص ، فلا يقع مثلاً في مثل الأخطاء التي يقع فيها الجهال بها ، كقياس الفرع على الفرع، أو الضد على الضد، أو القياس مع وجود النص.

ولهذا قال ابن القيم -رحمه الله- (9) : ” إن أصح الناس قياساً أهل الحديث، وكلما كان الرجل إلى الحديث أقرب كان قياسه أصح، وكلما كان عن الحديث أبعد كان قياسه أفسد “.


يُتبع إن شاء الله -تعالى -.
________

(4) رواه الحاكم في المستدرك (93)، وابن عبد البر في “جامع العلم” (2/24).
(5) ابن عبد البر” (2 – 32).
(6) ابن عبد البر” (2 – 34، 35).
(7)إعلام الموقعين” (1 – 75، 77).
(8) ابن عبد البر” (2 – 149).
(9) إعلام الموقعين” (2 – 410).

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-29-2014 01:27 AM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة

خامساً :
إنه لا يمكن القضاء على ما دخل في المسلمين من البدع والأهواء إلا من طريق السنة، كما أنها سد منيع للوقوف في وجه المذاهب الهدامة، والآراء الغربية التي يزينها أصحابها للمسلمين، فيتبناها بعض دعاتهم ممن يدعي التجديد والإصلاح ونحو ذلك !.

سادساً : إن المسلمين اليوم قد شعروا -على اختلاف مذاهبهم وفرقهم- أن لا مناص لهم من الاتحاد ونبذ الخلاف حتى يستطيعوا الوقوف صفاً واحداً تجاه أعدائهم ، وهذا لا يمكن إلا بالرجوع إلى السنة لما سبق ذكره في الأسباب ( 1، 2، 3).

سابعاً : إنها تقرن مع ما تحمله من أحكام مرغبات في تنفيذها، ومرهبات عن التساهل بها، وذلك أسلوب النبوة، وروح الشرع، مما يجعل أصحابها أرغب في القيام باحكامها من الذين يأخذونها من كتب الفقه العارية عن الدليل، وهذا أمر مشهود ما أظن أن أحداً حتى من المتعصبين للمذاهب ينكره.

ثامناً : إن المتمسك بها يكون على مثل اليقين في الأحكام التي يأخذها منها، بخلاف المقلدين الجهال بها، فإنهم يضلون بين الأقوال الكثيرة المتضاربة التي يجدونها في كتبهم، ولا يعرفون خطأها من صوابها.

ولذلك قد يفتي أحدهم في مسألة بقولين متعارضين، فيقول مثلاً : يجوز ذلك عند أبي حنيفة، ولا يجوز عند صاحبيه، مع أن السنة الصحيحة الصريحة مع أحد القولين، ولكنه لجهله بها يحكي القول المعارض لها، بدون إنكار منه له، ولو بطريق الإشارة، فيلقي بذلك المستفتي في الحيرة !.

بل إن بعضهم يجعل القولين المتناقضين كشريعتين محكمتين يجوز للمسلم أن يأخذ بأيهما شاء ! بل إن بعض الشافعية أجاز لنفسه أن يفتي بالقول الذي يعطى عليه أجراً أكبر !.

تاسعاً: إن السنة تسد الطريق على الذين يريدون أن يتحللوا من الإسلام باسم المذاهب الفقهية نفسها ، ويتخذون من التلفيق باسم المصلحة ما يؤيد حجتهم ! ولا يعجزون أن يجدوا في ثنايا المذاهب في كل مسألة من الممسائل ما يوافق ويؤيد ” مصلحتهم ” المخالفة للسنة (10)، وهم لذلك يحاربون الرجوع إلى السنة ، لأنها تسد الطريق عليهم كما قلنا، وتكشف تسترهم وراء المذاهب و ” سعة الشريعة الإسلامية بسعة الأقوال الكثيرة، والاجتهادات الغزيرة والثروة الفقهية الطائلة التي قًلَّ أن تخرج مسألة عنها ” ؟!. والله أعلم بما يوعون.

فهذه بعض الأسباب التي تحضرني الآن مما يحمل أنصار السنة على الدعوة إليها، وإيثارها على خلافها، فكيف لا يدعون الناس إليها ويرغبونهم في الاهتداء بهديها، والاستنارة بنورها ؟ بل كيف لا يَفْدونَ أرواحهم في سبيلها ؟.

فالعجب ممن يريد أن يصدهم عنها، ويحملهم على تركها إلى التمسك بالمذهب ، مع أن إمامه يأمر بالرجوع لها ، وتسليم القياد لها، هيهات هيهات !.

_________

(10) ولهذا قال سليمان التميمي ( من ثقات اتباع التابعين ومفتيهم ) : (إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ) رواه ابن عبد البر في “جامع بيان العلم” ( 2 / 91 ، 92 ) ثم قال هذا : ( هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً).


يُتبع إن شاء الله -تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-29-2014 01:31 AM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة

6. بيان ما في كلام الأستاذ الطنطاوي من المآخذ :


بعد هذا نعود فنذكر ما بدا لنا من المآخذ في كلام الطنطاوي فأقول :

1. قال الشيخ : ” وآخر يرى الإسلام في ترك المذاهب كلها ، والعودة إلى السنة “.

أقول : أما العودة إلى السنة فحق واجب ، وقد سبق بيان أسباب ذلك في الفصل السابق ، وأزيد هنا فأقول : إنه يجب على كل مسلم أن يستجيب لدعوتهم هذه إن كان مؤمناً حقاً ، فقد قال تعالى} : إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}.
وقال في المنافقين : }وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون{ وقال }وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}.
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة ، وهي معروفة ، وانما أوردنا بعضها للذكرى.

فلا حجة لأحد في أن لا يستجيب لدعوتهم هذه ، فكيف في الإنكار عليهم بسببها ؟.
ولئن كان بعض الناس يزعم أن الدعاة إليها ليسوا أهلاً من الوجهة العلمية للقيام بها – كما قد يشير لهذا قول الشيخ في الفقرة الآتية ، فهذا -لو صح- ليس بمسوغ لهم أبداً أن يردوها عليهم، لأن الحق يجب قبوله، ولا يجوز رده مهما كان مصدر، وهذا شيء بين لا يحتاج إلى تدليل.

ثم إنهم لو كانوا صادقين في ذلك الزعم، لبادروا إلى بيان ذلك للناس، بضرب أمثلة يظهرون بها جهل هؤلاء الدعاة بالسنة وسوء فهمهم لها، حتى يعرفهم الناس ويجتنبوهم ولا يغتروا بدعوتهم إلى السنة ! ولكنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك، ولعلهم لن يفعلوا، والسبب معلوم لديهم ، وعند أهل العلم من غيرهم .!


يُتبع إن شاء الله -تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-29-2014 01:45 AM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة.

7. رأي دعاة السنة في المذاهب :


وأما ترك المذاهب كلها ، فعزو هذا إلى الدعاة إلى السنة لا يخلو مما يوهم خلاف ما هم عليه ، ودفعاً لذلك أرى أنه لا بد من بيان رأيهم في المذاهب وموقفهم منها فأقول :

من المعلوم عند العلماء أن المذاهب الأربعة وغيرها ليست آراؤها متفقة في كل الأحكام الشرعية،
بل هي فيها على ثلاثة أقسام :

1. قسم منها متفق عليه ، كتحريم التشبه بالكفار -مثلاً-.

2. وقسم فيه خلاف ، ولكنه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، مثل أدعية الاستفتاح والتشهد .

3- وقسم فيه اختلاف شديد لا يمكن الجمع بين الآراء المختلفة فيه بوجه من وجوه الجمع المعروفة لدى العلماء، مثل : مس الرجل المرأة ونقض الوضوء به، فإن فيه ثلاثة أقوال مشهورة :

النقض ، وعدمه ، والفرق بين أن يكون المس بشهوة فينقض وإلا فلا.

وإذا كان الأمر كما فصلنا ، فكيف يعزو الشيخ للدعاة إلى السنة أنهم ” يرون ترك المذاهب كلها ” !.

مع أن هذا الترك يستلزم الإعراض عما فيها من الحق المسلم به لديهم ؟!.

أليس هذا من الأدلة الكثيرة على أن الشيخ لا يتحرى الصواب حين يتهم خصومه في الرأي بما هم براء منه ؟.

ولعلم أنصار السنة بما سبق من التفصيل يضطرون إلى أن يبحثوا عن الحق في المذاهب كلها ، ليس خارجاً عنها، ولا في مذهب معين منها، وهذا البحث قد بين لهم فضل أئمة المذاهب، وعلمهم، ودقة فهمهم للكتاب والسنة، وتنبهوا بسبب ذلك لكثير من دقائق المسائل المستنبطة من الكتاب والسنة، فاستفادوا بسببهم علوماً كثيرة في أوقات يسيرة، لولاهم لما وصلوا إليها، فجزاهم الله عن المسلمين خيراً.

ولهذا فإن أنصار السنة أعرف بفضل الأئمة وعلمهم من أتباعهم الذين يقلدونهم على جهل بطرق الاستنباط والاستدلال ، والله تعالى يقول : {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.

هذا، ثم إن الدعاة إلى السنة لما تبين لهم بعد البحث في المذاهب أن فيها الخلاف المذكور في القسم الثالث، لم يجيزوا لأنفسهم أن يتمسكوا بمذهب معين فيها ، لأنهم علموا أن الصواب في الخلاف المذكور ليس محصوراً في مذهب واحد منها.

بل هو مشاع بين جميعها ، فالحق في المسألة الفلانية في المذهب الفلاني ، وفي المسألة الفلانية في المذهب الفلاني وهكذا سائر المسائل ، فلو أنهم تمسكوا فيها بالمذهب لأضاعوا كثيراً من الحق الوارد في المذاهب الأخرى وهذا لا يجوز عند مسلم عارف.

ولما كان لا سبيل لمعرفة الحق مما اختلف فيه الناس إلا بالرجوع إلى السنة على ما بيناه فيما سبق، جعلها الدعاة إلى السنة الأمل الذي يرجعون إليه ، والأساس الذي يبنون آراءهم وأفكارهم عليه .

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنه لما كان الأئمة قد بذلوا جهوداً مشكورة في سبيل توضيح السنة وتقريبها للناس وبيان الأحكام الممكن استنباطها منها، فإن الدعاة إلى السنة لا يسعهم إلا الاستفادة من علمهم والاستعانة بآرائهم على فهم الكتاب والسنة.

وبذلك يجمعون بين المحافظة على الأصل (السنة) وبين تقدير الأئمة قدرهم اللائق بهم، وذلك مما وصى به السلف أتباعهم ، فقال عبد الله بن المبارك -رضي الله عنه-: ” ليكن الأمر الذي تعتمدون عليه هذا الأثر ، وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث “(11).

ذلك رأي الدعاة إلى السنة في المذاهب ، وذلك موقفهم من أئمتها ، فهل فيه ما يحمل المنصف على الطعن بهم والتنفير منهم ؟ أم ذلك ما ينبغي أن يكون عليه كل مسلم عرف الفرق بين كلام المعصوم وكلام غيره ، ثم لم ينس الفرق بين الغاية والوسيلة ؟.


يُتبع إن شاء الله -تعالى -.

________

(11) ابن عبد البر ( 2 / 34، 35).

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-29-2014 01:56 AM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة.

8. التقاء الطنطاوي مع الدعاة إلى السنة في ترك المذهب اتباعاً للسنة:


بعد هذا البيان أستطيع أن أقول : إن موقف الصديق الطنطاوي من المذاهب لا يختلف كثيراً عن موقف دعاة السنة منها ، ذلك لأن الطنطاوي يرى الخروج من المذهب جائزاً ، بدليل إنكاره في مقاله هذا ” مشكلة ” على من ” يرى الإسلام في اتباع مذهب من المذاهب الأربعة والوقوف عندما أفتى به متأخرو فقهائه . . . ” ويؤيد هذا قوله في مقدمة كتاب ” قانون الأحوال الشخصية ” (ص / 6) :

” ومن السياسة الشرعية أن يفتح للناس باب الرحمة من الشريعة ، ويؤخذ من غير المذاهب الأربعة ، ما يؤدي إلى جلب مصلحة عامة أو دفع ضرر عام ”.

وعلى هذه السياسة جرى حضرة الصديق في ” مشروع الأحوال الشخصية ” الذي تحدث عنه في المقدمة المذكورة ، فخالف فيه مذهبه الحنفي في مسائل كثيرة ، أكتفي بذكر مسألتين منها على سبيل المثال :

1. قال الشيخ في المقدمة (ص / 5) : ” وقد عدل المشروع عن المذهب الحنفي الذي يحدد أقل المهر بعشرة دراهم إلى المذاهب الثلاثة التي لا تجعل لأقله حداً ”.

ثم قال فيها (ص / 6 – 7): ” نص أيضاً ( يعني المشروع ) على وقوع طلقة واحدة بالطلاق المقترن بعدد لفظاً أو إشارة أخذاً بما رواه مسلم في صحيحه من أن طلاق الثلاث كان يقع واحداً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلخ . . .) وبرأي ابن تيمية “.

والواقع أن حضرة الشيخ الطنطاوي قد وفق للصواب فيما ذهب إليه في هاتين المسألتين، وقد بين هو في المسألة الأولى خلافه للمذهب الحنفي ، وذهابه إلى المذاهب الثلاثة.

وأما المسألة الأخرى فخلافه فيها أشدّ لأن أحداً من أئمة المذاهب الأربعة، لم يأخذ بحديث مسلم الذي ذكره هو، وان أخذ به غيرهم من الأئمة .

وما ذهب إليه الشيخ في هاتين المسألتين ، هو مذهب الدعاة إلى السنة ، قبل أن يكتبهما الشيخ في مشروعه بسنين .

وقد رأيت أنه في المسألة الثانية إنما ذهب إلى خلاف الأئمة الأربعة أخذاً بالحديث وبرأي ابن تيمية ، وهذا هو عين ما يصنعه الدعاة إلى السنة ، فإنهم يأخذون بالحديث الصحيح مدعمين فهمهم إياه بتبني بعض الأئمة له كابن تيمية ومن قبله من أئمة الفقه والحديث، فما بال الشيخ يُنكر عليهم هذا وهو معهم فيه فعلاً ؟!.

وخلاصة القول : إن الدعاة إلى السنة لا يتركون المذاهب كلها جملة وتفصيلاً ، بل إنهم يحترمونها ويقدرون أئمتها ، ويستعينون بها على فهم الكتاب والسنة ، ثم يتركون من أقوالهم وأرائهم ما تبين أنه على خلاف الكتاب والسنة، وذلك من تمام إجلالهم واتباعهم، كما قال أبو الحسنات اللكنوي في ” الفوائد البهية في تراجم الحنفية ” بعد أن ذكر أن عصام بن يوسف البلخي من أصحاب أبي يوسف ومحمد كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه،

قال أبو الحسنات (ص / 116) : ” يعلم منه أن الحنفي لو ترك في مسألة مذهب إمامه لقوة دليل خلافه لا يخرج به عن ربقة التقليد ، بل هو في عين التقليد في صورة ترك التقليد ، ألا ترى إلى أن عصام بن يوسف ترك مذهب أبي حنيفة في عدم الرفع ومع ذلك هو معدود في الحنفية ”.

قال : ” وإلى الله المشتكى من جهلة زماننا حيث يطعنون على من ترك تقليد إمامه في مسألة واحدة لقوة دليلها ويخرجونه عن جماعة مقلديه ، ولا عجب منهم فإنهم من العوام ، إنما العجب ممن يتشبه بالعلماء ، ويمشي مشيهم كالأنعام“.


يُتبع إن شاء الله -تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-29-2014 01:59 AM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة.

2. ثم قال الشيخ الطنطاوي تفريعاً على ما ذكر في الفقرة الأولى من المقال ، عن الدعاة إلى السنة :


” فكل من استطاع أن يقرأ في البخاري ومسلم ومجمع الزوائد وأن يفتش عن اسم الراوي في التقريب والتهذيب ، وجب عليه الاجتهاد وحرم عليه التقليد “.

أقول : في هذه الكلمة ما يوهم أيضاً خلاف ما عليه الدعاة إلى السنة وإليك البيان :

9. تعريف التقليد وبيان ما يحرم منه وما يجب:

من المقرر عند العلماء أن التقليد هو ” أخذ القول من غير معرفة دليله ” ومعنى ذلك أن التقليد ليس بعلم ، ولذلك جزم العلماء بأن المقلد لا يسمى عالماً (12).

بل نقل الاتفاق على ذلك ابن عبد البر في ” جامع بيان العلم ” (2 / 36 ، 117) وابن القيم في ” إعلام الموقعين ” (3/ 293) والسيوطي وغيرهم من المحققين ، حتى بالغ بعضهم فقال : ” لا فرق بين يهيمة تقلد وإنسان يقلد ” !.

وأطلق بعض الحنفية عليه اسم الجاهل ! فقال صاحب الهداية في صدد الكلام على تولية المقلد على القضاء : ” فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا ، خلافاً للشافعي “ (13).
ولذلك قالوا : إن المقلد لا يجوز له الإفتاء.

فإذا عرف هذا يظهر السبب الذي من أجله حمل السلف على التقيلد والمقلدين وصرحوا بذمه وتحريمه (14)، ذلك لأنه يؤدي بصاحبه إلى الإعراض عن الكتاب والسنة في سبيل التمسك بآراء الأئمة وتقليدهم فيها، كما هو الواقع بين المقلدين، مما هو مشهور عنهم، بل هو ما قرره بعض متأخريهم من الحنفية، فقال الشيخ محمد الخضري في صدد الكلام عن دور التقليد وأهله :

” . . . ولا يستجيز الواحد منهم لنفسه أن يقول في مسألة من المسائل قولا يخالف ما أفتى به إمامه، كأن الحق كله نزل على لسان إمامه وقلبه ! حتى قال طليعة فقهاء الحنفية في هذا الدور وامامهم غير منازع وهو أبو الحسن عبيد الله الكرخي : ” كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ ” وبمثل هذا أحكموا دونهم إرتاج باب الاختيار “(15).

وقد استولى هذا التوجيه الخاطئ على قلوب كثير من المقلدة، لا سيما في الأزمنة المتأخرة ، بحيث صار من المعروف المشهور ردهم السنن الصحيحة اتباعاً للمذهب.

فإذا قيل لأحدهم : هذه المسألة التي ذكرتها خلاف السنة ، بادرك بقوله : أأنت أعلم بالسنة من علماء المذهب ؟! لا يجوز العمل بالحديث لغير المجتهد ! هذا جوابهم جميعاً لا فرق في ذلك بين عاميهم وعالمهم !.

وهم حين يجيبونك بهذا الجواب الذي لا يمكن أن يصدر ممن عرف قدر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأدب معه ، يجهلون أو يتجاهلون أن الحديث الذي لم يأخذ به مذهبهم قد قال به مذهب آخر أو إمام آخر ليس هو دون مذهبهم أو إمامهم.
فالذي ذهب إلى الحديث يكون قد أخذ به وبالمذهب الذي عمل به ، بينما مخالفه إنما يعمل بالمذهب فقط !.

قد يقال : إن المذهب لابد له من دليل ولكنا لا نعلمه، فنقول :إذا كان الأمر كما تقول فكيف يجوز لمسلم أن يترك الدليل الذي عرفه وهو حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لدليل لا يعلمه.

وقد يكون لو علمناه قياساً أو استنباطاً من عمومات أو كليات الشريعة لا ينهض تجاه الحديث إذ لا اجتهاد في مورد النص ، واذا ورد الأثر بطل النظر، واذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ؟.

هذا التقليد الذي هو رد الحديث انتصاراً للمذهب ونحوه هو الذي يحرمه دعاة السنة ، ويدعون المسلمين جميعاً إلى الخلاص منه ، بالرجوع إلى اتباع السنة أينما كانت ، وفي أي مذهب وجدت.

وأما تقليد المسلم من هو أعلم منه حين لا يجد نصاً عن الله ورسوله ، أو حين لا يمكن الفهم عنهما فليس مما نحن فيه ، بل لا يتصور أن يقول بتحريمه مسلم ، لأنه مضطر إليه ، والضرورات تبيح المحظورات ، ولولا ذلك لصار الدين هوى متبعاً -والعياذ بالله تعالى-.

ولهذا ذكر العلماء : ” إن التقليد إنما يباح للمضطر ، وأما من عدل عن الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وعن معرفة الحق بالدليل مع تمكنه منه إلى التقليد ، فهو كمن عدل إلى الميتة مع قدرته على المذكى ، فإن الأصل أن لا يقبل قول الغير إلا بدليل إلا عند الضرورة “(16).


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

__________

(12) انظر “الموافقات” للإمام الشاطبي (4 / 293 ) ، و ” الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم ” للمحقق محمد بن إبراهيم الوزير اليماني (1 / 36 – 38).
(13) ومع الشافعي في هذا جمهور العلماء كمالك وأحمد.
قال ابن الهمام في ” شرح الهداية ” (5/456): ” وقولهم رواية عن علمائنا نص محمد في الأصل أن المقلد لا يجوز أن يكون قاضياً، ولكن المختار خلافه ” كذا قال.
وأنا أتساءل : هل الذي اختار خلاف ما عليه الأئمة المجتهدون مجتهد أم مقلد ؟ فإن كان مجتهداً فمن هو وما دليله ؟ وإن كان مقلداً فكيف جاز له أن يترك تقليد الأئمة وهو خلاف مذهبه؟.
ثم قال ابن الهمام : ” واعلم أن ما ذكر في القاضي ذكر في المفتي فلا يفتي إلا المجتهد وقد استقر رأي الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد ، وأما غير المجتهد ممن حفظ أقوال المجتهد فليس بِمُفْتِ ” !.
(14) وقد عقد الحافظ ابن عبد البر باباً خاصاً بين فيه فساد التقليد وبطلانه، والفرق بين التقليد والاتباع، وقد كنت أود نقله لولا أنني رأيت المقال يطول فمن شاء، فليراجعه في ” جامع بيان العلم ” (2 / 109 – 120)، ولابن القيم في ذلك كلام في غاية التحقيق في “الإعلام”.
(15) تاريخ التشريع الإسلامي (338).
(16) إعلام الموقعين (2 / 344.).

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-29-2014 03:12 AM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة.

10- الفرق بين التقليد والاتباع :


ولا يليق بالعاقل البصير في دينه أن يفهم مما سبق من بيان تحريم التقليد، أن الاجتهاد واجب على كل مسلم مهما كان شأنه في العلم والفهم ، فإنه خطأ بين ، ويظهر أن الشيخ سبق إليه هذا الفهم مما بلغه من تحريم دعاة السنة للتقليد.

فاستلزم من ذلك أنهم يوجبون الاجتهاد على كل مسلم، مهما كانت منزلته في العلم، وذلك واضح من كلمته في هذه الفقرة وهو قوله : ” وجب عليه الاجتهاد وحرم عليه التقليد ” فجعل الاجتهاد مقابل التقليد ! وهذا خطأ بين عندنا، لأن الذي يقابل التقليد المحرم، هو الاتباع الواجب على كل مسلم، وبينهما فرة ظاهر.

قال أبو عبد الله بن خويز منداد البصري المالكي :” التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة، والاتباع ما يثبت عليه حجة.
وقال في موضع آخر : كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ، والتقليد ممنوع “..(17)

وأما الاجتهاد فمن المعلوم أنه ” بذل الوسع لمعرفة الحكم من كتاب الله وسنة رسوله ” ولا شك أنه فرض كفائي لا يجب على كل مسلم، بل لا يستطيعه إلا القليل منهم، بل قد ندر المجتهدون اليوم بسبب غلبة التقليد على العلماء والقيود التي وضعوها للمجتهد.
ومن العجائب أن الذين اشترطوا تحقق تلك الشروط في العالم حتى يسوغ له الاجتهاد هم من المقلدة الذين لا يدينون إلا بما قال إمامهم ! فهم في الواقع متناقضون، يمنعون الاجتهاد ويوجبون التقليد، ثم هم يجتهدون ولا يقلدون، وليتهم إذا اجتهدوا أصابوا الحق ولم يخطئوه !.

ويطول بنا المقام لو أردنا أن نذكر الأدلة على ذلك، فأكتفي بمثال واحد يراجع في التعليق (18).


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

__________

(17) ابن عبد البر في ” جامع بيان العلم ” (2 / 117 ) ، وابن القيم في ” الإعلام ” (3 / 299).
(18) قال الخضري في تاريخ التشريع الإسلامي (ص 358 -359): ” أما في هذا الدور الذي سرت فيه روح التقليد ، فقد جرهم ذلك إلى الدفاع عن مسائل أئمتهم كما قلنا، وطلب منهم الأمراء أن يجولوا أمامهم في ميدان المناظرة، فجرهم ذلك الى ما سخطه الامام الغزالي، والى تعصب كل فريق لما يدافع ويجادل عنه، واعتداده خصماً كما يعبر بذلك عنه. ونزل فريق منهم الى العداء وتبعهم في ذلك العامة.
وكاد يصل به الأمر إلى تحريم أن يقتدي أحد في الصلاة بمخالفه في المذهب اعتماداً على قاعدة لا ندري متى وجدت وهي أن العبرة في الاقتداء بمذهب المأموم لا بمذهب الإمام.
ومن المعلوم أن كثيراً من صلاة الشافعية لا تصح في نظر الحنفي، فإن الشافعي لا يتوضأ من خروج الدم من جسمه لأن ذلك لا ينقض الوضوء عند إمامه.
وكذلك الحنفي لا يتوضأ من مس امرأة أجنبية لأن هذا لا ينقض الوضوء عنده ، وبذلك وأمثاله يوجد الشك في قلب المأموم إذا اقتدى بمخالفه في المذهب.
ولا ندري كيف قالوا ذلك مع تسامح الأئمة في الاجتهاد ، والخلاف، واعتبار أن ما أدى اليه اجتهاد المجتهد واجب أن يعمل به في حقه، ولا يجوز أن يتعداه إلى غيره، فمقتضى تلك النظرية أني أعتبر صلاة كل مجتهد صحيحة.
ويخرج من ذلك أن العبرة في الاقتداء بمذهب الإمام لا بمذهب المأموم ، ولكن التعصبات المذهبية أرادت أن تؤكد الفصل بين الجماعات “.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-29-2014 03:26 AM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة.

والذي أراه أن ( الاجتهاد ) ليس عسيراً كما يظن البعض بل هو ميسور لمن كان عنده أهلية الخطاب ، وفهم أدلة ما يحتاجه من أدلة الكتاب والسنة ، وبتعبير آخر إن الذي عنده أهلية لفهم كتب المذاهب وعباراتهم ، سيما ما كان منها للمتأخرين فإنها تشبه الألغاز أحياناً ، يستطيع أن يفهم كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، فإنهما بدون ريب أبين وأوضح من كل ما سواها من الكلام، خصوصاً إذا استعان على ذلك بكتب أهل العلم من التفسير، وشروح الحديث، وبمبسوطات الفقه، التي تتعرض لذكر أدلة المختلفين، كالمجموع للنووي، وفتح القدير لابن الهمام، ونيل الأوطار للشوكاني ونحوها.

ومن أنفعها كتاب ” بداية المجتهد ونهاية المقتصد ” للعلامة ابن رشد ، فإنه إنما ألفه لإعداد طلاب العلم للوصول إلى رتبة الاجتهاد، كما صرح بذلك في الكتاب نفسه (19).

وخلاصة القول : إن الدعاة إلى السنة لا يوجبون الاجتهاد إلا لمن كان عنده أهلية، وانما يوجبون الاتباع على كل مسلم، ويحرمون -اتباعاً للسلف - التقليد إلا عند الضرورة وعدم الوقوف على السنة، فمن نسب إليهم خلاف هذا فقد تعدى وظلم، ومن طعن فيهم بعد هذا فإنما يطعن في السلف، وفيهم الأئمة الأربعة، وان ادعى أنه سلفي ! إذ ليست السلفية إلا فهم ما كان عليه السلف الصالح، ثم السير على ذلك، وعدو الخروج عنه.

ومما سبق يتبين للقارىء الكريم خطأ قول الأستاذ الطنطاوي في تمام الفقرة الرابعة : ” وإن المحدثين كالصيادلة والفقهاء كالأطباء، والصيدلي يحفظ . . . ” فإن هذه الكلمة على إطلاقها تجرد المحدثين من صنعة الفقه والفهم لما يحملون من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما أنها تجرد أيضاً الفقهاء من العلم والاطلاع على حديثه -صلى الله عليه وسلم-.

ولا يخفى ما في ذلك من الطعن في الفريقين معاً. وأنا لا أنكر أن يكون في الفقهاء من هو أفقه من بعض المحدثين ، كيف وقد أشار لهذا قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور عنه : ” نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره ، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه “(20) ولكن ليس معنى ذلك أنه يسوغ لنا وصف المحدثين إطلاقاً بعدم الفقه ، كما هو ظاهر عبارة الشيخ ، فإن الحديث المذكور صريح في ردها حيث قال : ” رب حامل فقه ليس بفقيه . . . ” فأشار إلى قلة ذلك في المحدثين ، لأن الأصل في ” رب ” أنها للتقليل، وكيف لا يكون الأصل في حق المحدثين ما ذكرناه، وهم ممن عاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله : ” لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك “(21).

قال ابن المديني : هم أصحاب الحديث، والذين يتعاهدون مذهب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويذبون عن العلم، لولاهم لأهلك الناس المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الأرجاء والرأي.(22).


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

__________

(19) قال ابن رشد (2 / 160 – 161) : ” فإن هذا الكتاب إنما وضعناه ليبلغ به المجتهد في هذه الصناعة رتبة الاجتهاد إذا حصل ما يجب له أن يحصل قبله من القدر الكافي له في علم النحو واللغة وصناعة أصول الفقه.

ويكفي من ذلك ما هو مساو لجرم هذا الكتاب أو أقل ، وبهذه الرتبة يسمى فقيهاً لا بحفظ مسائل الفقه ولو بلغت في العدد أقصى ما يمكن أن يحفظه انسان كما نجد متفقهة زماننا، يظنون أن الأفقه هو الذي حفظ مسائل أكثر، وهؤلاء عرض لهم شبيه ما يعرض لمن ظن أن الخفاف هو الذي عنده خفاف كثيرة لا الذي يقدر على عملها !.

ومن البيِّن أن الذي عنده خفاف كثيرة سيأتيه انسان بقدم لا يجد في خفافه ما يصلح لقدمه فيلجأ الى صانع الخفاف ضرورة ، وهو الذي يصنع لكل قدم خفاً يوافقه ، فهذا هو مثال أكثر المتفقهة في هذا الوقت “.

قلت : فليتأمل في كلام هذا الفقيه الذين يخصون المشتغل بحفظ المسائل الفقهية بالسؤال عن أمور دينهم بدعوى أنه فقيه !.
(20) رواه أحمد (5 / 183) والدرامي (1 / 75) وغيرهما، عن زيد بن ثابت ، بسند صحيح.
(21) رواه مسلم (6 / 52 – 53) عن ثوبان ، والبخاري عن معاوية ، وروى الحاكم في ” معرفة علوم الحديث ” (ص 2) بإسناد صحيح كما قال الحافظ في الفتح (13 / 250) عن الإمام أحمد أنه قال في معنى هذا الحديث : ” إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم ” وروى الترمذي وغيره عن ابن المديني قال : ” هم أصحاب الحديث “، وبه جزم البخاري كما في الفتح (1 / 134).
(22) رواه نصر المقدسي في ” الحجة على تارك المحجة ” كما في ” مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة ” للسيوطي (ص/ 48).

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-29-2014 03:31 AM

[ 6 ] عودة إلى السنة - تتمـــّــــة -.
 
[ 6 ]

عودة إلى السنة. (*)

ثم إنما تظهر الفائدة من التفريق بين معرفة الحديث ، وبين استنباط الأحكام منه والتفريق بين المحدث والفقيه في مسألة اختلف فيها الطرفان ودليل كل منهما هو عين دليل الآخر ، وإنما الخلاف في فهمه وتطبيقه.

ففي هذه الصورة يمكن ترجيح رأي الفقيه على رأي المحدث ، وهذا على كل حال بالنسبة للمقلد الذي لا معرفة عنده بطرق الترجيح ! وأما بالنسبة للمتبع فقد يترجح عنده رأي المحدث على رأي الفقيه لأدلة ظهرت له .

وأما إذا كان منشأ الخلاف بين الطرفين إنما هو اختلاف الدليل فأحدها يحتج بالحديث والآخر بالرأي والقياس أو بحديث ضعيف ، فههنا لا تظهر الفائدة من التفريق الذي ذكره الشيخ ، بل تكون النتيجة خلاف ما قصد إليه الشيخ -حفظه الله تعالى-.

ولنوضح هذا بمثال: رجل سها فصلى الظهر خمساً ، فالحنفية تقول إن هذه الصلاة باطلة إن لم يكن قعد قدر التشهد وسجد في الخامسة ، وان كان قعد في الرابعة قدر التشهد فقد تمت له الظهر والخامسة تطوع ، وعليه أن يضيف إليها ركعة ثم يتشهد ويسجد سجدتي السهو ، وهذا يخالف مخالفة ظاهرة حديث الشيخين ، عن ابن مسعود قال : صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر خمساً فقيل له أزيد في الصلاة ؟.

قال : ” وما ذاك ” ؟ قال : صليت خمساً ، فسجد سجدتين بعدما سلم فليس في الحديث ما يقوله الحنفية من إضافة الركعة السادسة ، ولا أنه -صلى الله عليه وسلم- جلس للرابعة.

ولهذا ذهب إلى ظاهر الحديث الجمهور فقالوا : من صلى الظهر خمسا يكفيه سجدتا السهو ، ولو لم يقعد في الرابعة .

فههنا نسأل فضيلة الشيخ : هل الفرق الذي ذكرته له تأثير في هذه المسألة وأمثالها.
بمعنى هل يجوز للمحدث الذي نشأ مثلاً على المذهب الحنفي أن يأخذ بهذا الحديث ولو خالف المذهب، أم تقول : إنه يجب عليه التمسك بالمذهب ولو خالف الحديث بناء على ” إن المحدثين كالصيادلة والفقهاء كالأطباء ” ؟.

فإن قلت بالأول فقد وافقت الدعاة إلى السنة فإنه الميدان الذي يدعون الناس إليه.

وان قلت بالثاني -لا سمح الله- فهو مخالفة للكتاب والسنة ، وخروج عن تقليدك لإمامك الذي أمرك بتقديم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قوله ! كما أنه يلزمك أن تصف الجمهور من الأئمة الذين أخذوا بظاهر هذا الحديث بأنهم كالصيادلة ، والذين خالفوه كالأطباء !!.

أيها الصديق، إن الفهم في الدين ليس محصوراً بطائفة دون أخرى ، فلا يلزم من اختصاص البعض في علم الفقه أن يكون مصيباً في كل ما يستنبطه من الشرع كما لا يلزم من اختصاص الآخر في علم الحديث أن يكون مخطئاً في كل ما يستنبطه منه ، فالمرجع إذن هو الدليل ، فمن قام الدليل على إصابته ومعرفته للحق فيما اختلف فيه الناس كان هو الفقيه سواء كان معروفاً بالتخصص في الحديث أو الفقه.

ولذلك كان الأحرى بك أن ترد على أنصار السنة في بعض المسائل التي تراهم أخطأوا فيها الحق على ما تقتضيه الأدلة الشرعية لا حسبما يلزم من المذهبية الضيقة.

إنك لو قبلت ذلك لظهر للناس أي الفريقين أهدى سبيلا، ولساعد ذلك المسلمين على السير في هذا المنهج العلمي الجديد ، الذي يعين على كشف الحقائق ، وتقريب وجهة الخلاف بين المسلمين ما استمروا فيه.

4. ثم قال الشيخ :

” وإن الصحابة أنفسهم لم يكن فيهم إلا مئة ممن يفتي ، وإن مئة الألف من المسلمين الذين توفي عنهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا يرجعون إلى هذه المئة ولا يجتهدون لأنفسهم ” .

قلت : وهذه هفوة من الشيخ -حفظه الله- ، فمن أين له أنه لم يكن في الصحابة إلا هذا العدد من المفتين ؟!
ونحن نقطع بأنهم كانوا أكثر من ذلك بكثير لأنه اللائق بفضلهم وصحبتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كنا لا نستطيع أن نعين عددهم إلا أنه قد نص من قوله حجة في هذا الموضوع على عدد أكثر مما ذكره الشيخ ، بل جزم بأن كل من تشرف بصحبته -صلى الله عليه وسلم- والتلقي من علمه أفتى الناس ، فقال الإمام ابن حزم (23): ” وكل من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخذ عنه أفتى أهله وجيرانه وقومه ، وهذا أمر يعلم ضرورة ، ثم لم ترو الفتيا في العبادات والأحكام إلا عن مائة ونيف وثلاثين منهم “(24).

(*) مقال لفضيلة الشيخ الألباني رحمه الله - تعالى - نشر في مجلة : " المسلمون " (5/ 172 – 176، و 280 - 285، و 463 - 470، و 913 - 916).


________

(23) الأحكام في أصول الأحكام 5 / 91 – 92.
(24) وأقره على هذا العدد المحقق ابن القيم في ” إعلام الموقعين “، وقد سرد فيه أسماء هؤلاء المحققين من الصحابة فليراجعها من شاء.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-29-2014 01:20 PM

وجوب التفقه في الحديث. مع الترجمــــة.
 
[ 7 ]

وجوب التفقه في الحديث

نرى كثيراً من كتاب المجلات الإسلامية يوردون أحاديث ويرفعونها وينسبونها إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- دون أن يذكروا مصادرها من كتب السنة المطهرة، وعلاوة على ذلك فإنهم يجزمون بعزوها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقد تكون ضعيفة أو موضوعة، وإن منهم لمن يسود صفحات في شرح بعضها، ومنهم يحتج بما هو مقطوع عند المحققين من العلماء ببطلانها على مخالفه في رأيه وهو دخيل في الإسلام، كما وقع ذلك في بعض الأعداد الأخيرة من المجلة.

فإلى هؤلاء الأفاضل وأمثالهم من الخطباء والوعاظ والمرشرين أسوق هذه الكلمة نصيحة وذكرى:

لا يجوز للمسلم أن ينسب حديثأ ما إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد أن يتثبت من صحته على قاعدة المحدثين، والدليل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- : (اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ” رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح كما في ” فيض القدير).

والتثبت له طريقان :

الأول :
أن ينظر الطالب في إسناده ورجاله ويحكم عليه بما تقتضيه قواعد علم الحديث وأصوله من صحة أو ضعف، دون أن يقلد إماماً معيناً في التصحيح والتضعيف، وهذا أمر عزيز في هذا العصر، لا يكاد يقوم به إلا أفراد قلائل مع الأسف.

والآخر : أن يعتمد في ذلك على كتاب خصه مؤلفه بالأحاديث الصحيحة كالصحيحين ونحوهما، أو على أقوال المحققين من المحدثين كالإمام أحمد ، وابن معين، وأبي حاتم الرازي، وغيرهم من المتقدمين، وكالنووي، والذهبي، والزيلعي، والعسقلاني، ونحوهم من المتأخرين.

وهذه الطريق ميسرة لكل راغب في الحق، ولكنه يحتاج إلى شيء من الجهد في المراجعة والتنقيب عن الحديث، وهذا أمر لا بد منه، ولا ينبغي أن يصدف عنه من كان ذا غيرة على دينه، وحريص على شريعته أن يدخلها ما ليس منها.

ولذلك قال الفقيه ابن حجر الهيثمي في كتابه ” الفتاوى المدينية ” (ص : 32) :

” وسئل -رضي الله عنه- في خطيبٍ يرقى المنبر في كل جمعة، ويروي أحاديث كثيرة، ولم يبين مخرجيها ولا رواتها فما الذي يجب عليه ؟.

فأجاب بقوله : [ما ذكره من الأحايث في خطبته من غير أن يبين رواتها أو من ذكرها ، فجائز بشرط أن يكون من أهل المعرفة في الحديث، أو ينقلها من (كتاب) مؤلفه من أهل الحديث، أو من خطب ليس مؤلفها كذلك، فلا يحل ذلك ! ومن فعله عزر عليه التعزير الشديد، وهذا حال أكثر الخطباء، فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها وخطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحادث أصلاً أم لا، فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك ... ].

ثم قال : ” فعلى هذا الخطيب أن يبين مستنده في روايته، فإن كان مستنداً صحيحاً، فلا اعتراض عليه، وإلا ساغ الاعتراض عليه، بل وجاز لولي الأمر أن يعزله من وظيفة الخطابة زجراً له عن أن يتجرأ على هذه المرتبة السنية بغير حق . . “.


محمد ناصر الدين الألباني

المصدر: مجلة التمدن الإسلامي (19/ 529 -530).



****************


[ 7 ]


The necessity of understanding hadith


We found that many of the authors of Islamic magazines mention ahadith and attribute it to the prophet -prayers and peace of Allah be upon him- without mentioning its sources from the books of Sunan. In addition to that, they confirm its attribution to the prophet -prayers and peace of Allah be upon him-, and it could be in fact weak or fabricated. There are among them (i.e the writers) who write pages in its explanation. And among them who use what the hadith scholars agreed upon its fabrication; as evidence. As what happened in some of the last issues of the magazine.
So to those honorable men and their likes from the preachers and the dawah givers, I present you this word as an advice and a reminder:
It is not allowed for a Muslim to attribute a hadith for the prophet -prayers and peace of Allah be upon him- except after he makes sure of its authenticity based on the rules founded by the hadith scholars. And the evidence on that is the prophet -prayers and peace of Allah be upon him- saying: “Fear attributing a saying to me unless you know it, for he who lies on my behalf (attribute a false hadith to me) while he knows, he shall find his place in hellfire.” [Reported by Ibn Aby shaybah with an authentic chain] as mentioned in (Fayd al-Qadeer)
And verifying has two ways:
First: That the student look in the chain of transmission and its men and then judge on it by what the rules of hadith science indicates; whether it is authentic or weak, without following a certain Imam in his authentication or weakening for the hadith. And that is a very rare thing in this age, and only a few people do it unfortunately.
The second: That he rely on a book that its author only wrote authentic hadiths in, such as the two authentic books of hadith and their like. Or he could rely upon the opinion of the hadith scholars like Imam Ahmad, Ibn Ma’een, Aby Hatem Ar-Razy and others from the earlier scholars. Or An-Nawawy, Az-Zahby,Az-zyl’y, Al-Asqalany and the like of the recent scholars.
And this method is easy for the one who desire the truth, but he will need some effort in revising and looking up for the hadith. And this is a must do act, that everyone one who is jealous on his religion and keen on his shari’ah should do, so as not to ascribe to it what is not from it. And that’s why the Jurist Ibn Hajr Al-Haythamy said in this book (Al-Fatawy Al-Madiniyah p.32):
And he was asked -may Allah be pleased with him- about the preacher going up the Menbar (platform) each Friday, and narrating many ahadith without mentioning its sources or narrators, what should he do?
So he answered with his saying: “what he mentioned in his preach of ahadith without mentioning their narrator is allowed, with the condition that he be among the people of knowledge in hadith. Or that he copied them from a book that was written by a hadith scholar. But if he copied them from books that were not written by hadith scholars then it is not allowed! And who did that should be blamed. And that is the condition with most of the preachers now, once they find a preach, they study its ahadith by heart and use it without verifying whether it has an origin or not. So the rulers of every country must prevent its preachers from doing so.”
And then he said: “So every preacher must mention his chain of transmission for his narration, and if it was an authentic one then there is no objection on it, else, it is permissible to object on his saying, and the one in charge is allowed to isolate him from his position as a preacher so as not to dare cross the lines with the exalted Sunnah with no right.”

Muhammad Nasr Ad-Deen Al-Albani
The source: At-Tamdun Al-Islamy magazine. (19/ 530-529


أم عبدالله نجلاء الصالح 03-29-2014 01:51 PM

[8] حول أحاديث ميمون بن مهران
 
[8]

حول أحاديث ميمون بن مهران

ما كتبه فضيلة االشيخ محمد ناصر الدين الألباني بقلمه بدون تعليقات.

قرأت في العدد الرابع من مجلة ” المسلمون ” الزاهرة مقالاً بعنوان : ” مع العارفين – ميمون بن مهران ” جاء في خاتمته (ص 406) أن ميمون ابن مهران روى عن ابن عمر هذه الأحاديث :

1. نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النميمة ، ونهى عن الغيبة والاستماع إلى الغيبة “.

2. قَلَّ ما يوجد في آخر الزمان درهم من حلال أو أخ يوثق به ”.

3. اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ”.

وروى عن ابن عباس مرفوعاً :

1.
من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي ”.

2. اثنان من الناس إذا صلحا صلح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس : العلماء والأمراء ”.

ولما كانت هذه الأحاديث إنما رواها أبو نعيم في ترجمة ميمون بن مهران من ” الحلية ” (4/ 93 - 96) وكانت أسانيدها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل وإلى ميمون بن مهران ضعيفة جداً.

ومن المعلوم أنه لا يجوز أن ينسب إليه -صلى الله عليه وسلم- ما لم يثبت، لهذا كله رأيت من الواجب علي أن أنبه على حال هذه الأحاديث فأقول :

الحديث الأول : في سنده الفرات ابن السائب وقد اتهمه أحمد بالكذب.

الحديث الثاني : في سنده اثنان ضعيفان وآخر مجهول .

الثالث : فيه الفرات بن السائب وقد ذكر آنفاً وفيه أيضاً أحمد بن محمد بن عمر اليمامي وقد كذبه أبو حاتم وابن صاعد وغيرهما وقد أورد هذا الحديث من هذا الطريق وغيره ابن الجوزي في الموضوعات، لكن تيقن السيوطي في " اللآلي المصنوعة " (2/ 330) بأنه حديث حسن صحيح لطرق أخرى ذكرها فلينظر فيها إذا كانت تشهد لقوله أم لا .

الحديث الرابع والخامس : موضوعان فإنهما من رواية محمد بن زياد اليشكري عن ميمون بن مهران ، واليشكري هذا قال الإمام أحمد وغيره : كذاب أعور يضع الحديث، وقد تكلمت عليهما في مقالي الثالث من ” الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة ” وقد نشر في ” مجلة التمدن الإسلامي ”.

المصدر: مجلة المسلمون (6 / 575 – 576).



أم عبدالله نجلاء الصالح 03-30-2014 10:43 PM

نقد كتاب ( التاج ) في الحديث. لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.
 
[ 9 ]

نقد كتاب ( التاج ) في الحديث.

لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -.

منذ بضع سنين جمعني مجلس مع أحد الطلاب للعلم الشرعي فجرى البحث فيه حول بعض السنن النبوية التي هجرها الناس جهلاً بها أو غفلة عنها، ومنها وضع اليدين على الصدر في الصلاة، فذكر الطالب المشار إليه أن من السنة وضعهما تحت السرة .

فقلت له : إنها لا تثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فقال : بلى إنها ثابتة !.

ثم جاءني بكتاب ” التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ” تأليف الشيخ منصور علي ناصف من علماء الأزهر، وأراني فيه (ص 188 جـ 1) الحديث المعروف عن عليّ رضي الله عنه قال : ” السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة ” وقال في تخريجه : ” رواه أبو داود وأحمد ” وعلّق عليه بقوله : ” فالسنة وضعهما تحت السرة . . . “.

فقلت له : إن هذا الحديث ضعيف باتفاق علماء الحديث، فلم يقبل ذلك مني بحجة أن أبا داود سكت عليه، بناء على سكوت المؤلف عليه !.

فقلت : لو سكت أبو داود عليه فلا حجة فيه بعد تبين علة الحديث واتفاق العلماء على تضعيفه، وفي سنن أبي داود كثير من الأحاديث الضعيفة وقد سكت عنها أبو داود، وهو إنما تعهد أن يُبيّنَ ما فيه وهن شديد، وأما الضعيف فقط الذي لم يشتد ضعفه فلم يتعهد بيانه كما هو مشروح في ” مصطلح الحديث ”.

ومع ذلك فإن أبا داود لم يسكت على هذا الحديث بالذات، بل عقبه ببان ضعفه وعلته فقال : ” سمعت أحمد بن حنبل يضعف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ” يعني أحد رواة الحديث، ثم أحَلتُهُ في الاطلاع على تفصيل القول في تضعيف الحديث على كتاب ” المجموع ” للنووي و ” نصب الراية ” للزيلعي، وذكرتُ له أن الأحاديث الصحيحة تصرح بخلاف هذا الحديث، وأن السنة وضع اليدينِ على الصدر لا تحت السرة .

وكنتُ من قبل لا عِلمَ لي بهذا الكتاب (التاج)، فلما أطلعني ذلك الطالب على الحديث المذكور فيه راعني منه سكوت المؤلف عن تضعيف أبي داود للحديث حتى توهم الطالب أنه صالح !.

فكان ذلك حافزاً لي على تتبع أحاديث أخرى منه، فتبينتْ لي أخطاء أخرى كثيرة فيه، فاندفعتُ أدرس الكتاب من أوله حديثاً حديثاً، دراسة فحصٍ وتدقيق إلى آخر الجزء الأول منه، فهالني ما فيه من الأخطاء الفاحشة التي توحي بأن المؤلف - مع احترامنا لشخصه - لا علم عنده بالحديث وعلومه ورواته .


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
المصدر : مجلة المسلمون (6 / 1007 – 1012).


أم عبدالله نجلاء الصالح 03-30-2014 10:47 PM

نقد كتاب ( التاج ) في الحديث. - تتمـــــّــــــة -.
 
[ 9 ]

نقد كتاب ( التاج ) في الحديث.

لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله.

ثم حالت ظروف علمية بيني وبين الاستمرار في نقد (التاج) وبيان أخطائه المتكاثرة المختلفة، ولكني تيقنت من دراستي المشار إليها أن الكتاب لا يصلح أن يعتبر من المصادر الحديثية التي ينبغي الرجوع إليها والاعتماد عليها.

وان كان المؤلف قد زينه بتقاريظ كثيرة ” لحضرات أصحاب الفضيلة علماء الإسلام ” جاء في بعضها : ” إني وجدت الكتاب إلى الخير هادياً وإلى صحيح السنة مُرشداً.

” وفي بعضها : ” إني أعد ظهور هذا الكتاب في هذا الزمن ... معجزة من معجزاته -صلى الله عليه وسلم. إلى غير ذلك مما جاء في تقاريظهم التي تدل على الأقل أن فضيلتهم لم يدرسوا الكتاب دراسة إمعان وتدبر بل مروا عليه مر السحاب.

ولذلك فقد ظللت أنصح كل من يسألني عن الكتاب أن لا يقتنيه، وأن يستعيض عنه بغيره من الكتب الجامعة المؤلفة قبله، فإنها أقل بكثير خطأ منه لا سيما كتاب ” بلوغ المرام ” للحافظ ابن حجر، فإنه على اختصاره منقح مصحح، إلى أن كان يوم الأحد السابع والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 1379 فجاءني أحد الشباب المؤمن المثقف فسألني عن الكتاب ورأيي فيه، فأخبرته به وضربت له بعض الأمثلة فهاله ذلك، وحضني على نشر ما كتبته عن الجزء الأول منه، أو نشر فكرة عامة عن الكتاب حتى يكون الناس على علم بحقيقته لا سيما وقد طبح الكتاب طبعة ثانية ! فوعدته خيراً.

ثم نظرت في الأمر فرأيت أن نشر نقد الجزء الأول كله يقتضي أن أتوجه إلى نقد بقية أجزاء الكتاب الخمسة وهذا يتطلب مني سعة من الوقت والفراغ، وهذا مما لا سبيل إليه ولا يمكن الحصول عليه.

ولذلك فقد بدا لي أن اكتب كلمة جامعة عن الكتاب ألخص فيها رأيي فيه، وأحصر فيها أنوع الأخطاء التي وردت فيه مع ضرب أمثلة لكل نوع منها حتى يكون القاريء الكريم على بينة مما أقول فيه.


والله تعالى يشهد أنه ليس لي غرض من وراء ذلك إلا نصح الأمة وخدمة السنة وتطهيرها من الأخطاء التي قد تلصق بها باجتهاد خاطيء أو رأي غير ناضج .

أسأل الله عز وجل أن يلهمني الصواب في القول والعمل، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-30-2014 10:48 PM

نقد كتاب ( التاج ) في الحديث. - تتمـــــّــــــة -.
 
[ 9 ]

نقد كتاب ( التاج ) في الحديث.

إن الأخطاء الواردة في (التاج) من الكثرة بحيث لا يمكن إحصاؤها في هذه الكلمة، ولذلك فإني أقتصر فيها على ذكر رؤوس هذه الأخطاء وأهمها، فأقول، وبالله أستعين:

أخطاء ( التاج ) بالجملة

يمكن حصر الأخطاء المشار إليها على الوجه الآتي:

1.
تقويته للأحاديث الضعيفة والموضوعة.

2. تضعيفه للأحاديث القوية، وهذا النوع والذي قبله أخطر شيء في (التاج).

3. نقله الأحاديث من كتب أخرى غير الأصول الخمسة التي ألف كتابه منها وخاصة في التعليق عليه، فإنه ينقل فيه ما هب ودب من الحديث، مما لا أصل له البتة في كتب السنة، أو له أصل لكنه منكر، أو موضوع دون أن ينبه عليها ، أو يشير أدنى إشارة إليها !.

4. سكوته عن تضعيف الحديث، مع أن من عزاه إليه قد صرح بضعفه أو أشار إليه ! وليس هذا من الأمانة العلمية في شيء !.

5. عزوه الحديث إلى أحد أصحاب الأصول الخمسة وهو لم يخرجه !.

6. تقصيره في تخريج الحديث، فإنه يعزوه لأحد أصحاب الأصول وهو عند سائرهم أو بعضهم وقد يكون من أصحاب الصحيح، وهذا عيب كبير عند أهل الحديث كما هو واضح.

7. إطلاقه العزو إلى البخاري، وهو يفيد عند أهل العلم أنه عنده في صحيحه، وليس الحديث فيه، بل في غيره من كتبه كخلق أفعال العباد وغيره التي لا يتقيد فيها البخاري بالحديث الصحيح بخلاف كتابه ” الجامع الصحيح ” الذي اشترط أن يورد فيه أصح ما عنده ، فيوهم المؤلف أن الحديث في ” الصحيح ” وقد يكون غير صحيح !.


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-30-2014 10:49 PM

نقد كتاب ( التاج ) في الحديث. - تتمـــــّــــــة -.
 
[ 9 ]

نقد كتاب ( التاج ) في الحديث.

8. إطلاقه العزو للصحيحين وهو يفيد عندهم أنه عندهما متصل الإسناد منهما إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والواقع أنه عندهما مُعَلّق بدون سند فيوهِم المؤلف بذلك أنه صحيح مسند، وقد يكون صاحب الصحيح قد أشار لضعفه، فتأمل كم في هذا الإطلاق من البعد عن الصواب !.
وقد يطلق العزو إلى غير الصحيحين أيضاً، وهذا أيسر، إلا إذا أشار لضعفه وسكت عليه المؤلف !.

9. قوله في الحديث الذي رواه أبو داود ساكتاً عليه ” إسناده صالح ” فيوهم بذلك القراء الذين لا علم عندهم باصطلاحات العلماء أنه صالح حجة أي أنه حسن أو صحيح ، كما هو الاصطلاح الغالب عند العلماء، وهو المتبادر من هذه اللفظة (صالح)، مع أن فيما سكت عليه أبو داود كثيراً من الضعاف.

ذلك لأن له فيها اصطلاحاً خاصاً، فهو يعني بها ما هو أعم من ذلك بحيث يشمل الضعيف الصالح للاستشهاد به لا للاحتجاج كما يشمل ما فوقه، على ما قرره الحافظ ابن حجر، فما جرى عليه بعض المتأخرين من أن ما سكت عليه أبو داود فهو حسن، خطأ محض، يدل عليه قول أبي داود نفسه ” وما فيه وهن شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض ” فهذا نص على أنه إنما يبين ما فيه ضعف شديد، وما كان فيه ضعف غير شديد سكت عليه وسماه صالحاً.

من أجل ذلك نجد العلماء المحققين يتتبعون ما سكت عليه أبو داود ببيان حاله من صحة أو ضعف، حتى قال النووي في بعض هذه الأحاديث الضعيفة عنده : ” وإنما لم يصرح أبو داود بضعفه لأنه ظاهر ” ذكره المناوي، وعليه كان ينبغي على المصنف أن يعقب كل حديث رواه أبو داود ساكتاً عن ضعفه ببيان حاله تبعاً للعلماء المحققين، لا بأن يتبعه بقوله ” صالح ” وإن كان ضعيفاً بيَّنَ الضعف دفعاً للوهم الذي ذكرنا، ولأنه لا يفهم منه على الضبط درجة الحديث التي تعهد المؤلف بيانها بقوله المذكور في مقدمة كتابه ” كل حديث سكت عنه أبو داود فهو صالح ” وسأتبع ذلك في بيان درجة ما رواه بقولي : بسند صالح ” وليس في قوله البيان المذكور، لما حققته آنفاً أن قول أبي داود يشمل الضعيف والحسن والصحيح، فأين البيان ؟!.

10. تناقضه في تقليده لأبي داود في كلمته المذكورة آنفاً، وفي تعهد المؤلف في اتباع ما سكت عليه أبو داود بقوله ” صالح ”، فتراه تارة قد وفّى بهذا التعهد، وإن كان فيه ما سبق بيانه في الفصل الذي قبله، وتارة يسكت عن كثير مما سكت عليه أبو داود خلافاً للتعهد، وفيه الضعيف والحسن والصحيح، وأحياناً يعقبه بقوله : ” لم يبيّنوا درجته ”، ورأيته مرة تعقبه في حديث بأن في سنده ضعيفاً، والحديث صحيح - كما سيأتي بيانه.

11. تقليده للترمذي في التضعيف، مع أن سنده عند التحقيق حسنٌ أو صحيح نظيف، وفي التحسين وهو يستحق التصحيح.

12. مخالفته للترمذي وغيره في التضعيف، فيقوّي ما ضعفوه وهو مخطئ في ذلك !.


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-30-2014 10:52 PM

نقد كتاب ( التاج ) في الحديث. - تتمـــــّــــــة -.
 
[ 9 ]

نقد كتاب ( التاج ) في الحديث.

13. يورد الحديث عن صحابي برواية بعض أصحاب الأصول، ثم يعطف على ذلك فيقول : ” ولأبي داود ” (مثلاً) فيذكر الحديث بلفظ آخر يوهِم أنه عنده عن ذلك الصحابي أيضاً، والواقع أنه حديث آخر عن صحابي آخر !.

وتارةً يقول : ” رواه فلان وفلان ” وتارة يزيد عليه بقوله : ” بسند حسن ”، والواقع أنهما إسنادان وقد يكون أحدها صحيحاً، ولا يخفى ما في ذلك من بخس في الرواية لأن الحديث إما أن يكون ضعيفاً بسنده الأول فيقوى بسنده الآخر، وإما أن يكون حسناً فيرتقي إلى الصحة بالسند الآخر أو صحيحاً فيزداد صحة.

14. يعزو الحديث لجماعة من المخرجين ثم يقول : ” فلان سنده كذا وفلان سنده كذا ” يغاير بين السندين والسند واحد، وقد يكون الأول رواه من طريق الآخر، وهذا من الطرائف !!.

15. يعزو الحديث لأحدهم من رواية صحابي وهو عنده عن غيره أو لا إسناد له به !.

16. يزيد في الحديث من عنده ما ليس عند أحد ممن عزاه إليهم بل ولا عند غيرهم، وتارة يحذف منه ما هو ثابت فيه !!.

17. يطلق العزو للنسائي، وهو يعني به سننه الصغرى المعروفة بالمجتبى كما نص عليه في المقدمة، وكثيراً ما لا يكون الحديث فيه، بل في غيره من كتبه الأخرى مثل ” عمل اليوم والليلة ” و” السنن الكبرى .” !!.

18. تحسينه أو تصحيحه لأسانيد الأحاديث التي يقول الترمذي فيها ” حديث حسن ” أو ” حديث صحيح ” متوهماً أن الترمذي لا يقول ذلك إلا فيما كان سنده حسناً أو صحيحاً !.
وذلك غفلة منه عما ذكره الترمذي نفسه في آخر كتابه ! قال (2 / 340) : ” كل حدث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً ، ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن".

فهذا نص منه على أنه يحسن الحديث الذي فيه ضعيف غير متهم وله طريق آخر ، فتحسين إسناد الحديث حينئذ لقول الترمذي فيه ” حديث حسن ” خطأ واضح، بل لابد من النظر في سنده وأن يعطى له ما يستحق من ضعف أو حسن أو صحة، شأنه في ذلك شأن الأحاديث التي سكت عليها أبو داود، وقد عرفت الحق فيها -كما تقدم-.

19. اعتماده على التوثيق الواهي دون التضعيف الراجح .

________

المصدر : مجلة المسلمون (6 / 1007 – 1012).



أم عبدالله نجلاء الصالح 03-31-2014 12:47 AM

[ 10 ] (حول المهر) بقلم : فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -.
 

[ 10 ]

حول المهر

بقلم : فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

أما بعد فقد قرأت مقال الأستاذ وهبي الألباني المنشور في عدد جمادى الأولى سنة 1381 هـ من مجلة التمدن الإسلامي الزاهرة ، في الرد على الأستاذ محمود مهدي استانبولي في مسألة تحديد المهور ، فرأيته قال فيه ما نصه :

" لقد قرر الأستاذ محمود مهدي أن قصة اقتراح عمر - رضي الله تعالى عنه - ترك التغالى في المهور هى خبر ضعيف، لا يصح الاعتماد عليه، مع أن الخبر قد صححه ابن كثير الذى ذكر الخبر في تفسيره فقال : قال الحافظ أبو يعلى ( بسنده إلى مسروق ) قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال : أيها الناس ! ما إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والصداقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ، ولو كان ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم ، قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش ، فقالت : يا أمير المؤمنين ! نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم ، فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأين ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : ... واءتيتم إحداهن قنطارا ...) الآية.

فقال : اللهم غفراً ، كل الناس أفقه من عمر ، ثم رجع فركب المنبر ، فقال : أيها الناس إني كنت قد نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقاتهم على أربعمائة درهم ، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب ، قال أبو يعلى : وأظنه قال : فمن طابت نفسه فليفعل . إسناده جيد قوي [ابن كثير ج 1 ص 467].

ومن الطبيعي من مثلي أن لا يدخل في نزاع جديد بين الطرفين المختلفين في قصة التحديد المذكور ، لأن للاجتهاد في ذلك مساغاً واسعاً ، ولكلٍ رأيه، لا سيما وهو يشبه من ناحية مسألة تحديد الأسعار التي قال بها بعض العلماء، مع توارد الأحاديث في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أبى أن يسعر للناس حين طلبوا ذلك منه، وقال : " إن الله هو المسعر . . . " فإذا قال الأستاذ محمود بتحديد المهور ، وافترض أنه لم يسبق إليه ، فقد سبق إلى مثله ، بل وإلى ما هو أولى بالمنع منه ، وهو تحديد الأسعار عند من يمنع من تحديد المهور ، كالأستاذ وهبي ، فهل يقول بذلك ، هذا ما لا نظنه به ، ولذلك فإني ما كنت أود منه أن لا يشنع عليه في الرد ذلك التشنيع الذي يشعر الآخرين بأنه إنما حمله عليه التعصب المذهبي . . .


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-31-2014 01:23 AM

[10] حول المهر. بقلم : فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى. تتمة
 

[ 10 ]

حول المهر

بقلم : فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -.


هذا مع علم الأستاذ وهبي - فيما أظن- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يوم الجمعة وقوله -صلى الله عليه وسلم- : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ومع ذلك ، لم نسمع من الأستاذ وهبي ولا من غيره كلمة واحدة في إنكار هذه المخالفة الصريحة للسنة الصحيحة !

قلت : إنني لا أريد الدخول في نزاع جديد في المسألة ، وانما الذي أريد بيانه في هذه الكلمة ، هو بيان ضعف مستند الأستاذ وهبي في تصحيح قصة المرأة تقليداً منه للحافظ ابن كثير ، وأنا وإن كنت أعذر الأستاذ وهبي في هذا التقليد {ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها} فإني في الوقت نفسه ألفت نظره إلى أن التقليد ليس علماً باتفاق العلماء، فلا يصلح إذن اتخاذه حجة للرد على المخالفين .

وهأنذا : أشرع الآن في بيان ضعف ذلك ، مستنداً فيه إلى القواعد الحديثية فأقول :

إن هذا الخبر الذي نقله الأستاذ عن الحافظ ابن كثير يتضمن أمرين:
الأول : نهي عمر عن الزيادة في مهور النساء على أربعمائة درهم .
والآخر : اعتراض المرأة عليه في ذلك وتذكيرها إياه بالآية .

إذا تبين ذلك . فباستطاعتنا الآن أن نقول : أما الأمر الأول فلا شك في صحته عن عمر رضي الله عنه، لوروده عنه من طرق، ولا بأس من ذكرها لما لذلك من فائدة هامة ستتبين للقاريء الكريم فيما بعد :

1.
عن أبي العجفاء قال : " خطبنا عمر رحمه الله فقال : ألا لا تغلوا بصدق النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله ، لكان أولاكم بها النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه ، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية " زاد في رواية : " وان الرجل ليغالي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه ، وحتى يقول : (كلفت لكم علق القربة) (1).

أخرجه أبو داود (2106) والنسائي (2/ 87-88) والترمذي (1/ 308) والدارمي (2/141 ) وابن ماجة (1887 ) والحاكم (2/ 175-176 ) والبيهقي (7/231) والطيالسي (رقم 64) وأحمد (1/ 40 و 48) وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " . وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي .


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
________

(1) أي : تحملت لأجلك كل شئ ، حتى علق القربة وهو حبلها الذي تعلق به.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-31-2014 01:42 AM

[10] حول المهر بقلم : فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -. تتمة.
 

[ 10 ]

حول المهر

بقلم : فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -.

قلت : وهو كما قالوا ، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين ، غير أبي العجفاء ، واسمه هرم ، وهو ثقة كما قال ابن معين والدارقطني وغيرهما ، وقد توبع كما يأتي ، وقد سمعه منه ابن سيرين كما في رواية أحمد .

2. عن ابن عباس قال : قال عمر : لا تغالوا بمهور النساء . وذكر الحديث . رواه الحاكم .

3. عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال : يا أيها الناس لا تغالوا مهر النساء . الحديث . رواه الحاكم .

4. عن شريح قال : قال عمر بن الخطاب : فذكره .

5. عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام على منبره فحمد الله وأثنى عليه فقال : فذكره .
أخرجه الحاكم وقال : " فقد تواترت الأسانيد الصحيحة بصحة خطبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( بذلك )، وهذا الباب لي مجموع في جزء كبير " . ووافقه الذهبي .

قلت : وهذه الطرق جميعها ليس فيها قصة المرأة ومعارضتها لعمر ، وفي ذلك تنبيه لأهل العلم إلى احتمال ضعفها لشذوذ أو نكارة فلننظر في سندها إذن لنتبين مبلغ صحة هذا الاحتمال :

لقد ساق الحافظ ابن كثير إسناد أبي يعلى بتمامه من طريق " ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال " . فذكره ، وقد اختصر إسناده الأستاذ وهبي فلم يحسن .
قلت : وفي هذا السند علل :

1. ضعف مجالد بن سعيد ، ولا أريد أن أطيل على القراء بذكر أقوال العلماء في تضعيفه، وانما أقتصر على ذكر قول حافظين من الحفاظ المتأخرين المحيطين بأقوال المتقدمين ، وهما الحافظ الذهبي والحافظ العسقلاني ، فقال الأول في " الميزان " : " فيه لين " . وقال الحافظ العسقلاني في " التقريب " : " ليس بالقوي ، وقد تغير فى آخر عمره " .

2. الاختلاف في سنده ، فقد رواه ابن إسحاق عن مجالد عن الشعبي عن مسروق ، كما تقدم ، وخالفه هشيم فقال : حدثنا مجالد عن الشعبي قال : خطب عمر بن الخطاب . . . ) أخرجه البيهقي (7 / 233) وقال : " هذا منقطع " .


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.

أم عبدالله نجلاء الصالح 03-31-2014 01:54 AM

[10] حول المهر بقلم : فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -. تتمة.
 

[ 10 ]

حول المهر

بقلم : فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله - تعالى -.

قلت : وذلك لأن الشعبي واسمه عامر ين شراحيل لم يسمع من عمر وادخال ابن إسحاق بينهما مسروقاً مما لا يطمئن القلب له ، لتفرد ابن إسحاق به ، وقد علم كل مشتغل بهذا الفن أن في تفرده نكارة ، قال الذهبي في خاتمة ترجمته : " حسن الحديث ، صالح الحال ، صدوق ، وما انفرد به ، ففيه نكارة ، فإن في حفظه شيئاً ."

قلت : وقد خالفه هشيم، وهو ثقة ثبت كما في " التقريب " وهو قد أرسله، فروايته هي المعتمدة .
ومما سبق يتبين أن في إسناد هذه القصة علتين :

ضعف مجالد ، والانقطاع .

وإذا كان الأمر كذلك ، فقول الحافظ ابن كثير : " إسناده جيد قوي "(1) . غير قوي ، بل هو سهو منه -رحمه الله- لا يجوز لمن يبين له أن يقلده ، لا سيما مع إعلال الحافظ البيهقي إياه بالانقطاع .

وإذا تبين هذا التحقيق للقاريء الكريم ، وتذكر أن خطبة عمر هذه وردت عنه من خمسة طرق ، ليس فيها قصة المرأة ، عرف حينئذ أنها ضعيفة منكرة لا تصح .

ومما يؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي من طريق بكر بن عبد الله المزني قال : قال عمر بن الخطاب " لقد خرجت وأنا أريد أن أنهي عن كثرة مهور النساء حتى قرأت هذه الآية : {وءاتيتم إحداهن قنطارا}.
وقال البيهقي : " هذا مرسل جيد " .

قلت : وهو أصح ، من مرسل ابن إسحاق ، لأن رجاله كلهم ثقات ، وهو بظاهره يبطل قصة المرأة ، لأنه يدل على أن تراجع عمر -رضي الله عنه- عما هم به من النهي إنما كان بقراءته الآية قبيل خروجه إلى الناس ، بينما القصة تقول : إن تراجعه إنما كان بعد خروجه وتذكير المرأة إياه بالآية .

وعلى كل حال ، فهذان المرسلان لا يصحان لإرسالهما وللتعارض الذي بينهما ، ومخالفتهما لسائر طرق الحديث عن عمر ، التي أطبقت على أن عمر نهى عن التغالي في المهور ، ولم تذكر أنه رجع عن ذلك .

وليس في نهي عمر عن ذلك ما ينافي السنة حتى يتراجع عنه ، بل فيها ما يشهد ، فقد صح عن أبي هريرة قال : " جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : إني تزوجت امرأة من الأنصار ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : " هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئاً ؟ " ، قال : قد نظرت إليها ، قال : " على كم تزوجتها ؟ " قال أربع أواق ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- : " على أربع أواق ؟! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل " رواه مسلم .

وإذا تبين أن نهي عمر رضي الله عنه عن التغالي في المهور موافق للسنة.

وحينئذ يمكن أن نقول : إن في القصة نكارة أخرى تدل على بطلانها ، وذلك أن نهيه ليس فيه ما يخالف الآية ، حتى يتسنى للمرأة أن تعترض عليه ، ويسلم هو لها ذلك .

لأن له -رضي الله عنه- أن يجيبها على اعتراضها -لو صح- بمثل قوله : لا منافاة بين نهيي وبين الآية من وجهين.

الأول : أن نهيي موافق للسنة، وليس هو من باب التحريم بل التنزيه .

الآخر : أن الآية وردت في المرأة التي يريد الزوج أن يطلقها ، وكان قدر لها مهراً ، فلا يجوز له أن يأخذ منه شيئاً دون رضاها ، مهما كان كثيراً ، فقد قال تعالى : {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا}.

فالآية وردت في وجوب المحافظة على صداق المرأة وعدم الاعتداء عليه ، والحديث وما في معناه ونهي عمر جاء لتطيف المهر وعدم التغالي فيه ، وذلك لا ينافي بوجه من الوجوه عدم الاعتداء على المهر بحكم أنه صار حقاً لها بمحض اختيار الرجل، فإذا خالف هو، ووافق على المهر الغالي فهو المسؤول عن ذلك دون غيره.

وبعد : فهذا وجه انشرح له صدري لبيان نكارة القصة من حيث متنها، فإن وافق ذلك الحق، فالفضل لله، والحمد له على توفيقه، وإن كان خطأ، ففيما قدمنا من الأدلة على بيان ضعفها من جهة إسنادها كفاية، والله سبحانه وتعالى هو الهادي.

محمد ناصر الدين الألباني
دمشق
6 / 7 / 1381 هـ

المصدر:
مجلة التمدن الإسلامي (28 / 514 – 519).



____________

(1) : وتبعه السيوطي في " الدرر المنثور " (2 / 133).[/COLOR]

أم عبدالله نجلاء الصالح 04-02-2014 11:26 PM

[11] حول رواية بني أمية للأحاديث، وطعن المستشرقين بها.
 
[ 11 ]

حول رواية بني أمية للأحاديث، وطعن المستشرقين بها.

لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى -.

قرأت في المقال الثالث من مقالات " الأعاصير في وجه السنة حديثاً " للأستاذ الفاضل الشيخ مصطفى السباعي ، المنشور في العدد الخامس ، من مجلة " المسلمون " من سنة 1374 هـ. ما نصه :

"وها هي أسانيد الأحاديث محفوظة في كتب السنة، ولا نجد من بين آلاف الأحاديث واحداً في سنده عبد الملك أو معاوية أو يزيد أو أحد عمالهم كالحجاج وخالد بن عبد الله القسري وأمثالهما، فأين ضاع ذلك في زوايا التاريخ لو كان له وجود ؟ ".

أقول : ذكر الأستاذ هذا الكلام في صدد رده ما ادعاه بعض المستشرقين من افتراء ولاة بني أمية الأحاديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شك أن هذا الادعاء باطل عند المتجردين عن الأغراض والأهواء.

ولكن في هذا الكلام بعض الأوهام العلمية، أهمها ما أفاده من أن معاوية ليس له في كتب السنة ولا حديث واحد، ولما كان الواقع خلاف ذلك رأيت من الواجب بيان الحقيقة، فأقول :

إن معاوية بن أبي سفيان له أحاديث كثيرة جداً في الكتب الستة والمسانيد والمعاجم وغيرها من كتب السنة.
ومجموع ما له من الأحاديث ماثة وثلاثون حديثاً، فيما ذكره الخزرجي في " خلاصة تذهيب الكمال " وفي جزء مخطوطه في المكتبة الظاهرية (1) بدمشق أن الحافظ بقي بن مخلد روى له في مسنده مائة حديث وثلاثة وستين حديثاً، وله منها في مسند الإمام أحمد (4 / 91-102) نحو مائة حديث، وفي الكتب الستة نحو الثلاثين، اتفق البخاري ومسلم في صحيحيهما على أربعة منها، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة .


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
________

(1) مجموع (31 – 239).

أم عبدالله نجلاء الصالح 04-02-2014 11:31 PM

[11] حول رواية بني أمية للأحاديث، وطعن المستشرقين بها.
 
[ 11 ]

حول رواية بني أمية للأحاديث، وطعن المستشرقين بها.

لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى -.

وقد يكون من تمام الفائدة أن أسوق بعض أحاديثه الثابتة عنه :

1. " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " متفق عليه .
2. " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " رواه البخاري .
3. " لا توصل صلاة بصلاة حتى تخرج أو تتكلم " رواه مسلم وأحمد.
4. " من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار " رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح .
5. قال معاوية : " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمص لسانه أو قال شفته (يعني الحسن بن علي) عليهما السلام، وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " رواه أحمد بإسناد (صحيح).

وبهذه المناسبة أقول : إن للعلامة أبي عبد الله الوزير اليماني في كتابه الجليل " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم " بحثاً قيماً جداً بين فيه صدق معاوية رضي الله عنه في الرواية.

وقد تتبع فيه ماله من الأحاديث في الكتب الستة فساقها حديثاً حديثاً مع بيان شواهدها من رواية الصحابة الآخرين الذين لا طعن فيهم عند الطاعنين في معاوية من الفرق المخالفة !.

فعسى أن الأستاذ السباعي يرجع إلى هذا الكتاب فيستفيد منه علوماً يغذي بها مقالاته القيمة.

" الأعاصير في وجه السنة حديثاً " بصورة عامة، ومقاله هذا - الذي كتبت حوله هذه الكلمة - بصورة خاصة.

وختاماً أقدم إلى الأستاذ الفاضل شكري على مقالاته التي يخدم بها السنة، مشفوعاً بتحيتي الإسلامية.

المصدر: مجلة المسلمون (5/ 290 - 292 ).




الساعة الآن 10:33 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.