أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
93457 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-17-2011, 09:09 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
Lightbulb مقالات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في الذبِّ عن التوحيد والعقيدة السلفية




مقالات الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في الذبِّ عن التوحيد والعقيدة السلفية


جمع وترتيب
أبي معاوية مازن بن عبد الرحمن البحصلي البيروتي



إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.
( يا أيُّها الذينَ آمنوا اتَّقوا اللّه حقَّ تُقاتِه ولا تَموتُنَّ إلا وأنتُم مُسلمونَ )،
( يا أيها الناس اتَّقوا ربكم الذي خَلَقَكُم من نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجَها وبَثَّ منهُما رِجالاً كثيراً ونساءً واتَّقوا الله الذي تساءَلونَ به والأرْحامَ إِنَّ اللّه كانَ عليكم رَقيباً)،
( يا أيها الذينَ آمنوا اتَقوا اللّه وقولوا قولاً سَديداً. يُصْلحْ لكُم أعْمالَكم ويَغْفِرْ لكم ذُنوبكم ومَن يُطِع اللّه ورَسولَه فقد فازَ فوزاً عَظيماً ).
أما بعدُ؛ فإنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللّه، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعة ضلالةٌ، وكل ضلالةٍ في النار .

وبعد، فهذه بعض المقالات سطّرتها أنامل الشيخ الأديب الأريب علي الطنطاوي رحمه الله ( ت 1420 هـ ) في الذبِّ عن التوحيد والعقيدة السلفية، وجدتُها مبثوثة في أعداد " مجلة الرسالة " التي أصدر عددها الأول الأستاذ أحمد حسن الزيات بتاريخ 15 - 01 – 1933 ، فارتأيت من الفائدة جمعها ووضعها بين يدي طلبة العلم، وها هو المقال الأول :



المقال الأول
تعليق على ( فائدة الأربعاء )


هذه كلمة صغيرة من باب ما نشره الأستاذ في (فائدة الأربعاء)، وما أفتى فيها ذلك (العالم الكبير) الذي أولع - غفر الله له - بتبرير كل ما تفعل العامة، والاستدلال عليه، والدفاع عنه، ولو كان خطأ محضاً، ولو كان ظاهراً فيه الخروج على مبدأ التوحيد الذي جاء به الإسلام نقياً واضحاً، دأبه في ذلك دأب زميله الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله رحمة واسعة، فإنه كان على علمه وأدبه يذب عن عقائد العامة، ويسخر للدفاع عنها قلمه البليغ، ويناضل عنها ويهجو العلماء المصلحين بالقصائد الطوال، حتى أنه تطاول على علامة العصر السيد رشيد رضا، وعلى شيخه مربي الجيل الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رضي الله عنهما.
وسبب ذلك كله ابتغاء الخطوة عند العامة، والرغبة في نيل احترامها وتقديرها، وإلا فكيف يخفى على مثل الشيخ يوسف النبهاني والشيخ يوسف الدجوي، وهما هما في سعة العلم، وبلاغة القلم، وحدة الخاطر، أن الذي يدعو إليه السلفيون من لدن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى الشيخ محمد عبده والسيد رشيد رضا والشيخ جمال القاسمي - أن الذي يدعون إليه إنما هو الرجوع إلى الكتاب والسنة، ونبذ البدع والخرافات، وطرح الأحكام والاجتهادية التي لم يرد فيها نص ولم يبق إليها من حاجة، وليس على شيء من ذلك رد، ولا للجدال فيه مجال؟
وكيف يخفى على عالم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه ما كان يقاسي من آلام المرض الذي قبض فيه من أن يبين أن الله لعن قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد - وأن المسلمين أمسوا اليوم، وما مسجد من مساجدهم إلا وفيه قبر أو أقيم على قبر، وأكثر هذه القبور لم تصح نسبته إلى صاحبه.

هذا مسجد دمشق الكبير، من يستطيع أن يثبت أن القبر الذي فيه هو قبر سيدنا يحيى عليه السلام،

وقبر سيدنا الحسين في القاهرة من يثبت أنه فيه مع أن رأسه في المشهد المعروف باسمه في مسجد دمشق وجسده في كربلاء؟

وكيف يكون في بيروت مقام سيدنا يحيى وليس في هذا المقام قبر ولا شبهه؟ ولكنهم كرهوا أن يكونوا بمنجاة من مخالفة الحديث، فأقاموا هذا المقام على غير شيء. . . وما الفرق بين وجود القبر وعدمه ونحن نعتقد أنه لا يضر ولا ينفع؟

وكيف يخفى على عالم أن في الحديث الصحيح الذي رواه علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره ألا يدع صنماً إلا كسره، ولا قبراً إلا سواه بالأرض؟ فما بالهم أحرص الناس على تشييد القبور وتعظيمها والوقوف بأعتابها؟ وهل يفعلون ذلك إلا استرضاء للعامة وابتغاء الخطوة عندها؟ فأين إذن أمانة العلم وكرامة العالم، وأين إرث الرسول؟

وأغرب من ذلك وأبعده عن الحق أن من العلماء من يستدل على الخرافة بأحاديث لا أصل لها إرضاءً للعامة.

حدث من أسابيع أن قدم دمشق عالم تركي من علماء إسكندرون، فدخل المسجد فرأى حلقة نبيلة فجلس فيها، وكان المدرس من علماء دمشق المعدودين الذين يقرؤون بين العشاءين، فسمعه يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج كل ليلة من قبره بلحمه ودمه فيدور دورة في الأرض يرى فيها كل شيء ثم يعود إلى قبره. فقال له الشيخ التركي: من أين جئت بهذا؟ فأظهر المدرس الغضب وصرخ: ألمثلي يقال من أين؟ إذا شئت أن تتعلم فتعال إلي في داري أعلمك. فجاءه في داره، فبحث ونقب ثم أتاه بحديث ليس له سند معروف. فقال له: هذا حديث موضوع، فقال المدرس: لا بل هو صحيح، وصرفه من داره. فلما كان الغد دخل الشيخ التركي المسجد ومعه طائفة من الكتب المعتبرة التي تنص على أنه حديث موضوع، فكان جواب الشيخ أن صرخ: نحن ما عندنا وهابية. . نحن ما عندنا وهابية. . نحن من أحباء الرسول. وكرر ذلك حتى جمع عليه العامة فكادوا يبطشون به.

وأشد غرابة من هذه القصة ما أسمعه كل جمعة على كثير من منابر دمشق، من التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره. وما أدري كيف يكون حياً في قبره الحي عندنا هو الذي يأكل ويشرب ويتنفس؟ فهل هو صلى الله عليه وسلم حي في قبره بهذا المعنى؟ وإذا كان حياً فكيف نعتقد أنه مات سنة كذا، وكيف قام من بعده أبو بكر وعمر ومئات الخلفاء؟ وإذا ثبت أنه قد عاش كما يعيش الناس ومات كما يموتون فكيف يكون حياً في قبره إلا أن تكون حياة روحية برزخية لا نفهم ما هي؟ ولا ندرك صلتها بحياتنا الأرضية؟

أما إنه لا بد من تصحيح عقيدة المسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم. والصحيح أنه ليس بشراً كسائر البشر أو فيلسوفاً أو مصلحاً فحسب، كما يريد أن يصوره بعض المستشرقين وأذيالهم من الملاحدة الذين تخرجوا على أيديهم فجاءوا منكرين للوحي، لا يرون فرقاً بين النبي وبين العلماء المصلحين، ويزعمون أن الإسلام إنما خرج من رأس محمد وقلبه.
وليس فوق البشر، كما يتصوره بعض المسلمين القائلين بخرافة حياته في قبره، وعلمه بكل شيء، وقدرته بعد موته على النفع والضرر.
ولكنه بشر مثلنا بنص القرآن، وإنما يمتاز بالعصمة وبالوحي، وبقيامه بالتبليغ عن الله، وقد انقطع الوحي والتبليغ بموته، فمن ادعى أنه رآه صلى الله عليه وآله وسلم في نومه فأمره بكذا أو نهاه عن كذا، يكون إما مجنوناً أو معتقداً نقص الشريعة، أو متلاعباً بالدين. . ومن حسب أنه يمدحه بمثل قوله:


يا أكرم الرسل مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحوادث العمم

فهو على ضلال، لأنه يمدحه بما يهدم التوحيد من أساسه. وإذا كان كفار قريش الذين سماهم الله مشركين وأوجب قتالهم، يدعون الله مخلصين إذا ركبوا في الفلك، ورأوا الشدة، فماذا يكون هذا الرجل الذي يحيق به الحادث العمم فلا يجد من يلوذ به إلا الرسول؟ وينسى الله؟ ونحن نعلم أن النفي والاستثناء من طرق القصر ولذلك كانت كلمة التوحيد لا إله إلا الله؟

وماذا نقول للعلماء الذين يفهمون هذا الأمر الواضح، ثم يقرؤون هذا البيت عند سماعه لأن العامة تعتقد به وتقدسه؟
وماذا نقول للعلماء الذين يحضرون الموالد وأشباهها فيسمعون المغني يتغزل بالرسول، ويذكر الوصال، أي والله، والعين والفم وهاتيك الوقاحات، ويسكتون خوفاً من العامة؟
والذين يجلسون في حفلات الرقص التي تسمى ذكراً، ولا ينكرونها وهم يعرفون بطلانها خوفاً من العامة؟
يا سادتنا العلماء الأعلام، إننا لا نحتاج إلى علم، فإن عندكم منه ما يزيد على الحاجة، ولكنا نحتاج (ولا مؤاخذة) إلى إخلاص وإلى جرأة، وإلى تحرر من التعبد لجماهير الناس، وتخلص من الخضوع للعامة، فإذا وصلتم إلى ذلك لم نختلف ولم نتجادل، لأن المسألة ترد إلى الدليل وأنتم أعرف به منا.
إننا نشكو أموراً كثيرة، وأنتم تعرفون دواءها ولكنكم تخافون العامة. . .
منها العقيدة بالقبور، وسؤال أهلها، والتوجه إليها، وهي عقيدة لا يعرفها الإسلام، بل يعرفها اليونان الأقدمون ويسمونها عبادة الأبطال. ومن شاء فليرجع إلى كتاب تاريخ الحضارة لشارل سينوبوس الذي عربه أستاذنا كرد علي بك وليقابل بين العقيدتين وليقل لي: أما هما من جنس واحد؟
ومنها مسألة السفور، هذه المسألة الاجتماعية الخطرة، التي تعد من الأدواء المعضلة، والعلماء واقفون منها شر موقف، وبيان ذلك أن النساء يمشين نحو السفور بل الحسور والتهتك والعلماء ساكتون لا يعالجون المسألة ولا يحسنون علاجها، فإن تصدي لها مصلح فأحب أن يجد لها دواء، كالسفور الشرعي المحتشم مثلاً - أثاروا عليه العامة، وخطبوا به على المنابر، واتهموه بأنه سفوري مفسد، فإذا كف عن بحثه الإصلاحي عادوا إلى نومهم وتركوا حبل التهتك على غاربه. . . فلا هم يصلحون ولا هم يتركون الناس يصلحون، وأظنهم لا يفكرون في الإصلاح تفكيراً جدياً، وإنما يبتغون الخطوة عند العامة.
ومنها مسألة الطرق الصوفية وما فيها من منكرات.
ومنها خرافات المتصوفة وضلالاتهم كالقول بوحدة الوجود، والقطبانية، وأهل الديوان.
ومنها مسألة المذاهب الفقهية والاجتهاد، والكلام فيها يحتاج إلى فصل بل إلى فصول طوال.
ومنها الرد على الشبه التي يوردها المستشرقون وأمثالهم.
فمن لهذا المسائل إلا أنتم يا سادتنا العلماء؟ من يعالجها؟ من يدرسها؟ كيف تدرسونها وأنتم تحرصون على رضا العامة أكثر من الحقيقة؟
هذه هي المسألة يأيها الأستاذ المدني، ليست محصورة في فائدة الأربعاء ولا فائدة الخميس! فسل إخوانك علماء الأزهر ما هو جوابهم عليها وقل لي، ولك الشكر وعليك السلام .

===============

قال أبو معاوية البيروتي : كتب الشيخ علي الطنطاوي مقالته في مجلة " الرسالة " ( العدد 371 ) ردًّا على مقال لمحمد المدني في عددٍ سابق، عرّف فيه " فائدة الأربعاء "، ناقلاً الكلام عنها من مجلة أخرى، وممّا قال فيها :

( إن كثيراً من أهل قنا وضواحيها وغيرها من البلدان، خصوصاً بعض أهالي جرجا، قد اعتادوا أن يقوموا بعمل فائدة تسمى: (فائدة الأربعاء)، وميعادها قبل الظهر بساعة تقريباً في اليوم المذكور من كل أسبوع بضريح سيدي عبد الرحيم القنوي رضي الله عنه؛ والجميع - يا صاحب الفضيلة - يعتقدون نفعها ويرجون بركتها، وهي مجربة بين الآلاف المؤلفة من المسلمين.
وإلى فضيلتكم كيفية هذه الفائدة .... ) . اهـ إلى آخر الهراء الداعي إلى الشرك والعياذ بالله .

والحمد لله رب العالمين .
المقال الثاني :


عبرة السيرة
بين يدي (العدد الممتاز) من الرسالة

__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-18-2011, 08:11 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,046
افتراضي

ما شاء الله سرني عودتكم أستاذ مازن وجديدك على الدوام رائع..
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-19-2011, 08:10 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي



بارك الله فيك أخي عمر،

وللفائدة :

علي الطنطاوي من العقيدة الأشعرية والماتريدية والصوفية إلى السلفية

http://www.saaid.net/feraq/el3aedoon/18.htm
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-20-2011, 06:48 PM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي





المقال الثاني

عبرة السيرة
بين يدي (العدد الممتاز) من الرسالة
للأستاذ علي الطنطاوي


إن مائة ألف قارئ في مشارق الأرض ومغاربها، سيأخذون (غداً) العدد الممتاز من (الرسالة) وسيقرؤونه وسيحيي في نفوسهم هذه الذكرى العظيمة المحبوبة التي نقف عندها في كل رأس عام هجري، كما يقف المُصْحِر في واحة مخضرة ظليلة. . . ننشق منها عبير المجد، ونتسمع أغاريد النصر، ونتجلى في طلعتها طيف الأيام الباسمة التي كان من قطوفها ألف معركة ظافرة حملت غارها الراية الإسلامية، وألف مدرسة وألف مكتبة نالت فخارها وجنت ثمارها البلاد الإسلامية، وكان من حصادها هذه الحضارة التي نعمت في أفيائها الإنسانية، وكانت إحدى الحضارات العالمية الثلاث بل كانت أسماها (من غير شك) وأحفلها بالعظمة والفضيلة والحق!
نقف كل عام لنحيي ذكرى الهجرة ونحييها، فنكتب فيها ونقرأ ونذكر ونتأمل، ونرتفع على جناح هذه الذكرى إلى جوّ عال من العظمة والفضيلة والشرف، نبقى فيه ما بقي المحرَّم، فإذا مر مر معه كل شيء: صوّخت الآمال، وهجعت الذكريات، وعدنا نتخبط في سوداء اللجة. . . لا نربح من هذه الذكرى إلا ما يسيل على أقلام أولئك الأعلام البلغاء من طرائف البيان يحويها عدد الرسالة الممتاز، ولا نفيد من المحرم إلا ما (قد) نقرؤه في الصحف والمجلات من القصص والقصائد والمقالات. وكثير مما يكتب في العدد الممتاز، وبعض مما ينشر في الصحف والمجلات، قيم ثمين، نعتده ثروة جديدة تضم إلى آدابنا الغنية الحافلة بثمرات القرائح الخصبة الممرعة في الأعصار الطويلة، ولكن ذلك لا يكاد يجدي علينا في نهضتنا إذا نحن لم نحيي هذه الذكرى إحياءً، ونكتبها مرة ثانية على صفحات الوجود، ونأخذ منها عبرة تنفعنا في نهضتنا، وهذا ما أنشئ له العدد الممتاز، وهذا ما يراد من إصداره.
وفي هذه السيرة من القوة والسمو والحياة، ما يغذي عشرين نهضة ويمدها بالقوة، لا تدانيها في هذا سيرة في التاريخ ولا تشبهها، بل إن هذه السيرة أعجوبة التاريخ ومعجزته، وهي خيال بالغت الدنيا في تزيينه وتزويقه، وأودعته مثلها العليا كلها. فجعله الله حقيقة واقعة. .
ولقد قرأت هذه السيرة مرات الله أعلم بعددها، في كتب لا أكاد أحصيها، ثم عدت اليوم أقرؤها لأجد في ثنى من ثناياها قصة مطوية أو حادثة مختبئة، أبني عليها فصلاً أكتبه للعدد الممتاز، وفي ظني أني لن أسير في قراءتها إلا قليلا حتى أملها وأعزف عنها لأني لا أجد فيها - وقد قرأتها حتى حفظتها - خبراً جديداً. . . وأقسم أني لم أسر فيها غير بعيد حتى أحسست بلذة فنية تمتلك عليّ أمري، وتستأثر بنفسي، كاللذة التي أمسها عندما أقرأ الأثر الأدبي البارع لأول مرة، وتغلبني حتى تضطرني أحياناً إلى قطع القراءة لأمسك بقلبي الواجب، أو أمسح عيني المستعبرة، أو أصغي إلى صوت الحق في ضميري، ومنادي الفضيلة في قلبي؛ ثم أسير فيها، فأنتقل من اللذة الفنية، والشعور بالجمال، إلى شيء أعلى من الفن وأسمى من الجمال: أحس بحلاوة الإيمان؛ وإن للإيمان لحلاوة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، فمن عرف درى ما أقول، ومن جهل لم ير إلا حروفاً فارغة من المعنى. . . وإذا جاء الإيمان جاءت معه البطولة بأروع أشكالها، والتضحية بأعجب أنواعها، وجاء معه الصبر والإيثار والقوة والشعور، وكل فضيلة من فضائل البشر. . . وكذلك كانت حياة أصحاب هذه السيرة!
كانت حياةً أسمى وأجمل من كل حياة عرفتها أو قرأت عنها أو تخيلتها: معرفة للغاية التي خلق الله الناس من أجلها، وجهاد في سبيل هذه الغاية، وجرى على هذا الجهاد، وترفع عن خدع الحياة وألاعيبها، واتصال بالله يكاد والله يرفعهم من رتبة الإنسانية إلى رتبة الملائكة ويخرج بهم من ثوب الجسم الماديّ، حتى يكونوا روحاً خالصاً. . .
عرفوا ما هي الغاية من الحياة وفهموها، على حين جهل الناس هذه الغاية فهم يسألون أبداً: لماذا نعيش؟ أو خدعوا عنها بغايات دنيئة قريبة. . . أما هؤلاء الغربيون فحسبوا الغاية من الحياة هي الحياة. جعلوا السبب هو المسبّب، والوسيلة هي الغاية، فعمدوا إلى تَرْفيهِ الحياة، واستخدموا لأجل ذلك ما قدروا عليه، فصارت حضارتهم آلية جامدة، وصاروا لطول ما اشتغلوا بالحديد والنحاس يفكرون بعقول من حديد ونحاس، وانقطعت صلتهم بالروح وانبتّوا مما وراء المادة. . . وأما هؤلاء المشرقيون، من الهنود وأمثالهم، فساروا على الضد، وأهملوا الجسم وعاشوا للروح، فظنوا بأن غاية الحياة الفناء في المطمح الروحي، فقتلوا أجسامهم، وأعرضوا عن دنياهم، وأغرقوا أعمارهم في تأمل لا أول له ولا آخر، ولا جدا منه ولا منفعة. . أما الفلاسفة فكان منهم الماديون الذين بلغ من رقاعتهم أن أنكروا الروح إنكاراً وجحدوا الله، وقال متكلمهم: (إن الدماغ يفرز الفكر كما تفرز الكبد الصفراء. . .) فجعل الفكر مادة سائلة. . . ومنهم الروحيون الذين كانوا أصحّ نظراً، وأدنى إلى الحق، ولكنهم لم يصلوا إليه. . . تساءلوا منذ بدؤوا يفكرون: لماذا نعيش؟ ولا يزالون مختلفين يتساءلون هذا السؤال الذي عرف المسلمون وحدهم جوابه، حين قرءوا قول الله الذي أنزله على عبده ورسوله: (وما خَلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدون)
استدلّ المسلمون بالمخلوق على الخالق، وأرشدهم الله إلى عظمة هذا الكون (المكوَّن) فعرفوا منها ما لم يعرفه أصحاب الفلك من العلماء الماديين، غاية ما يعرف هؤلاء أن بيننا وبين الشمس كذا، وأنها أكبر من أرضنا هذه بكذا، ثم إن من هذه الكواكب كواكب لو ألقيت الشمس فيها لكانت رملة في صحرائها، أو نقطة من مائها، وما بين مشرق كوكب منها ومغربه أضعاف أضعاف ما بين الشمس والأرض، وغاب عنهم ما بعدُ من الكواكب، ووقفت دون رؤيته نظاراتهم ومكبراتهم، وعجزت عن الإحاطة به عقولهم وتصوراتهم، فسموه (فضاء غير متناهٍ)، كما يظنّ الطفل أن البحر لا ينتهي وليس له آخر. . . وهل شيء ليس له آخر، إلا مَنْ هو الأول والآخر؟ أما المسلمون فعرفوا أن وراء هذا الفضاء مخلوقاً عظيماً، يحيط به (كالسقف المرفوع) لا تقاس به هذه الكواكب إلا قياس (المصابيح) إلى السقف، تهون عنده هذه الكواكب العظيمة وتضؤل، لأن له من الكبر والجلال ما لا نجد في لغتنا هذه التي وضعت لهذه الأرض الحقيرة كلمة تدل عليه؛ هذا المخلوق هو السماء الدنيا، ومن فوقها ست سموات أخرى طباقٌ بعضها فوق بعض، ومن فوقها أشياء أجل وأكبر، لا تكاد هذه السموات تعدّ إذا قيست بها شيئاً، هي العرش والكرسي، وهناك الجنة، عرضها السموات كلها والأرض. . . هذه هي المخلوقات، التي كانت بكافٍ ونون، فما ظنك بالمكوِّن الباقي؟ ومن عرف هذا الجلال للمخلوق، كيف يكون إجلاله للخالق؟ وهل يجد لحياته غاية إلا الاتصال به وعبادته؟ وهل يقف به عقله وهمته في هذه الأرض؟. . . أي شيء هي الأرض في هذا الكون؟ ما هي في جنب الله؟
فهموا عقيدة القضاء والقدر أصحّ فهم وأجوده - وعقيدة القدر محنة العقل البشري، تزل فيها العقول الكبيرة وتضل المدارك العالية - فكان فهمهم إياها أعونَ شيء لهم على ما وفقوا إليه من عمل، وأمضى سلاح بلغوا به ما بلغوا من ظفر. عملوا أن كل شيء بخلق الله وبعلمه، ولكن الله لم يضطر أحداً إلى الخير اضطراراً، ولم يجبره على الشر إجباراً، وإنما أعطاه العقل المميز، ودله على الطريقين المختلفين، وقال له: هذا إلى الجنة والسعادة، وهذا إلى النار والعذاب، وتركه وعقله. . . وأنه قدّر الأرزاق فلا زيادة ولا نقصان، وحدّد الآجال فلا تقديم ولا تأخير، فما كان لك سوف يأتيك على ضعفك، وما كان لغيرك لن تناله بقوتك؛ وإذا جاء أجلك فلا تستأخر لحظة ولا تستقدم. رفعت الأقلام وجَفَّت الصحف. . . فمضوا لا يهابون الموت في سبيل الله ولا يخافونه، لأنهم آمنوا إيماناً بأن المرء ليس أدنى إلى الموت، وهو في غمار المعركة الحمراء منه وهو في كسر بيته بين أهله وولده. . .
ولكن المسلمين الأولين لم يلقوا بأيديهم إلى التهلكة اعتماداً على أن الأجل محدود، ولم يُعرضوا عن سنن الحياة التي لا تجد لها تبديلا، بل اتبعوا قوانين الوجود، وساروا على نهج الحق، وحرصوا على الحياة حين يكون الواجب داعياً إلى الحياة، ورضوا بالموت حين يدعوهم الواجب إلى الموت. . . ولم يعرفوا هذا التوكل السخيف، فيناموا ويتقاعسوا عن العمل، لأنهم علموا أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، ولكن الله يرزق الناس بعضهم من بعض. وقرؤوا في القرآن قول الله الذي أنزله على عبده ورسوله: (فإذا عزْمتَ فتوكل على الله) فعزموا على العمل، وتوكلوا فلم يتكاسلوا عنه، ولم يتكالبوا على الدنيا؛ وجدوا كل الجد، ولكنهم لم يطلبوا شيئاً إلا من طريقه المشروع، وعملوا لدنياهم كأنهم يحيون أبداً، ولكنهم عملوا لآخرتهم كأنهم يموتون غدا
عرفوا هذه العقيدة على وجهها، فكانوا أعز الناس على الناس، ولكنهم كانوا أذلهم لله وللمؤمنين؛ وكان منهم أزهد الناس وهو أغناهم، لأن المال كان في يده لا في قلبه؛ وكان منهم الملك الزاهد، والعالم الغني، والفقير العزيز. . . وما شئت من خصلة من خصال الخير إلا وجدتها فيهم
كانوا إذا قرأوا في الصلاة قوله تعالى: (إيّاكَ نَعْبدُ وإيّاكَ نَسْتَعِين) كانوا صادقين، لا يعبدون إلا الله، ولا يستعينون إلا به؛ لا يسألون غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله، ولا يستعينون بالأموات الذين عجزوا عن معونة أنفسهم. ولقد قرأت السيرة وتلوت القرآن، فلم أجد في القرآن إلا أن محمداً صلى الله عليه وسلم بشر كسائر البشر، في تركيب جسمه، وصحته ومرضه وطبيعة فكره، وخطئه وصوابه، ولكن الله اختاره للرسالة الكبرى، فعصمه من كل ما يدخل الخطأ على الرسالة، أو يؤدي إليه، أو يشين الرسول، فكان صادقاً مصدقاً، لا ينطق عن الهوى، ولا يقول (إذا بلغ عن ربه) إلا الحق، ولا يشرع من الدين إلا ما أذن به الله. وكان منزهاً عن الذنوب والمعايب التي لا يليق بصاحب الرسالة أن يتصف بها، فإذا جاوز الأمر تبليغ الرسالة وما يتصل بالدين إلى أمور الدنيا فهو بشر يخطئ ويصيب، وإن كان من أكثر الناس صواباً، وأقلهم غلطاً لأنه كان أكمل الناس عقلاً وأثقبهم بصير؛ ومادام بشراً فإنه يموت إذا جاء أجله. وإنه الآن ميت ليس حياً في قبره كما يظن الجهلة من العوام وأشباه العوام، ويمنعون الناس أن يقولوا إنه ميت، وقد قال الله ذلك في كتابه، وقاله أبو بكر صاحب الرسول وصديقه على منبر الرسول في مسجده، بحضرة أصحابه وعترته. أما الذي قاله عمر ساعة من نهار فإنما كان مصدره الألم المفاجئ، والحب الطاغي على الفكر، فلما سمع من أبي بكر ما سمع، لم تحمله رجلاه فسقط. . . . قرأت السيرة من ألفها إلى يائها، فلم أجد أحداً من المسلمين دعا الرسول أو لجأ إليه إذا حاق به الخطب الذي لا يقدر البشر على دفعه، وإنما كانوا يلجئون إلى الله ويدعونه، لا يقولون مقالة البوصيري :

يا أكرم الرسْل، ما لي من ألوذ به ... سواك. . . عند حلول الحادث العمم!

ولا قول الآخر يخاطب عبد الله ورسوله بهذا الخطاب الذي لا يخاطب به مؤمن إلا الله وحده :

يا أكرم الرسل على ربه. . . . .
عجل بإذهاب الذي أشتكي ... فإن تأخرت فمن أسأل؟

لا يدري من يسأل إذا تأخر رسول الله بإذهاب الذي يشتكي؟ وهو يقرأ كل يوم سبعة عشرة مرة (على أقل تقدير): (إيّاكَ نعبدُ وإيّاكَ نستعين)؟! ولم أجد صحابيًّا لجأ إلى الرسول بعد موته يستشيره في أمر، أو يراه في منام فيبني على رؤياه حكما ويأخذ منها علماً. ولقد اختلفوا على الخلافة والنبي صلى الله عليه مسجّىً في بيته لم يدفن، فما فكروا أن يلجئوا إليه وأن يستشيروه، وهل يستشار الميت؟

صدقوا بإمكان المعجزات والكرامات (وهي ممكنة والإيمان بإمكانها من أصول الدين) ولكنهم لم يكونوا يفهمونها على نحو ما نفهمها اليوم، ولم أجد للصحابة - وهم أفضل المسلمين - مثل هذه الكرامات التي نقرأ حديثها ونسمعه كل يوم. . . ووجدت كتب السيرة كلما تأخر بها الزمن، زادت فيها أحاديث المعجزات حتى بلغت هذه الموالد العامية (مولد البرزنجي وشبهه) التي جاء فيها ما نصه: (ونطقت بحمله صلى الله عليه وسلم كل دابة لقريش بفصيح الألسن القرشية!). . . (وتباشرت به وحوش المشارق والمغارب). . . (وحضرت أمه ليلة مولده آسية ومريم في نسوة من الحظيرة القدسية. . .!)
وقرأت السيرة كلها، ودققت في كل سطر منها فما شممت رائحة اختلاف بين المسلمين، لا في العقيدة ولا في المذهب ولا في الطريقة، وإنما المسلمون كلهم إخوة في أسرة واحدة، عقيدتهم واحدة، عقيدة بلغت من الوضوح واليسر و (البساطة) إلى حيث لا تدع مجالاً لاختلاف. وهل يختلف في أن الواحد يساوي الواحد؟ هذه هي عقيدتنا. . . ولكن المتكلمين أدخلوا فيها مسائل ليست من العقيدة في شيء، وملئوا بها كتبهم التي عقدوا فيها هذه العقيدة حين حشوها بحكاية كل مذهب مخالف والرد عليه. وجئنا نحن نزيد البلاء بلاء حين نحفظ الطلاب هذه المذاهب والرد عليها وقد انقرض أصحابها منذ دهور. . .

أما هذه (الطرق) فليست في أصل ولا فرع، ولا تكاد تمشي مع المأثور من الذكر، وإن أكثرها مسخرة ولهو ولعب: رقص سموه ذكراً، وغناء دعوه عبادة؛ فما أدري أهم أنبياء بعد محمد؟ (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)؟ وإلا فما بال هذه الحمحمات وهذه الدمدمات، وهذه الطامات المخزية التي نشهدها في تكية الدراويش المولوية وأشباهها من دور أصحاب الطرق أو. . . قطاعها!
ولقد قرأت السيرة كلها وأجهدت نفسي لأجد شيئاً من الأشياء، أو مكاناً من الأمكنة قدسه المسلمون وتبركوا به، فلم أجد إلا ما كان من تقبيل الحجر الأسود أو استلامه. وقول عمر: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله قَبَّلك ما قبّلتك). . . وتمنيت أن أرى في السيرة ذكر المحمل الذي صار في مصر من شعائر الحج، يتبرك عظماء مصر بلمس عنان جمله، ويعرض ذلك في (أفلام السينما) على أنه من أركان الحج. وأجد في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان - وهو يعاني آلام مرض الموت - ينهى عن اتخاذ القبور مساجد، فأعجب من حال المسلمين اليوم إذ لا أرى مسجداً كبيراً إلا بني على قبر أو كان فيه قبر. . .
هذا قليل من كثير عرضته مثالاً لما في السيرة من عبرة تنفعنا في نهضتنا، ودرس يفيدنا في حاضرنا. فكرت قبل عرضه وترددت، ثم آثرت إرضاء الحق ومصلحة الأمة، ففتحت هذا الباب لندخل إلى هذه السيرة العظيمة فلا نخرج منها إلا بالحياة والعز والمجد، والمزايا التي تعيد للأمة الإسلامية مكانتها في الدنيا!

(بيروت)
علي الطنطاوي


================

" مجلة الرسالة " ( العدد 243 )
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11-25-2011, 03:11 PM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي




المقال الثالث
عصفور من الشرق
تأليف الأستاذ توفيق الحكيم
للأستاذ علي الطنطاوي


( قال أبو معاوية البيروتي : بعد أن أثنى الشيخ علي على القصة من الناحية الأدبية ، قال رحمه الله : )
أما ما يتصل بالدين، فهو أن الأستاذ ينظر إلى السيدة زينب نظر المسيحيين إلى القديسين والشفعاء، فيسميها حامية، وينسب إليها الضر والنفع، ويطلب منها ويتوسل إليها؛ وهذا كله مخالف لروح التوحيد الذي جاء به الإسلام، فليس في الإسلام حماة ولا وسطاه بين الله وعباده، ولا ينفع ولا يضر إلا الله، وإذا كان الله يقول لرسوله الأعظم: (ليس لك من الأمر شيء) وإذا كان النبي يقول لابنته فاطمة: (يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من الله شيئاً) فماذا تصنع السيدة زينب للأستاذ الحكيم؟ وكيف تحميه من الله الذي لا يشفع عنده واحد إلا بإذنه، فهل أذن لها الله بحماية الناس، أم إن من الناس قوماً (شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)؟
أما ما يعود إلى اللغة، فشيء يعرفه الناس من لغة الأستاذ، لا حاجة إلى بيانه
هذا وإني أهتبل هذه الفرصة لأرفع إلى الأستاذ الكبير تحياتي وإكباري

=================

" مجلة الرسالة " ( العدد 259 )
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-01-2011, 07:54 PM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي




تعقيب
للأستاذ علي الطنطاوي


كتب كاتب في مجلة أسبوعية أن (السيدة نفيسة) التي ينسب إليها القبر المعروف في مصر ليست إلا الست نفيسة زوجة مراد بك آخر المماليك، وجاء في مقالته استطراد إلى ذكر الثورات المصرية قر فيه أنها قامت كلها باسم الدين، وأثار ذلك طائفة من القراء فكتبوا إليه محتجين مصححين، وهاج كاتباً من الكتاب فرد عليه، مبيناً أن القبر للسيدة نفيسة النسيبة الشريفة الثابت نسبها إلى سيدنا علي، منكراً أن تكون ثورة مصر قامت باسم الدين. . . الخ.
ولست معقباً على هذا من جهة التاريخ، لأن من الواجب أن لا نخلط بين امرأتين بينهما ألف سنة. . . وأن نحقق القول في المساجد والقبور وسائر الآثار، وان نمحص أسباب الثورات ونعرف حقيقة الدوافع إليها، ولكني معقب عليها من جهة الدين.
والدين - كما افهمه - لا يبالي أكانت صاحبة القبر السيدة نفيسة العلوية، أم الست نفيسة المرادية، ولا ينفعها عند الله أن تكون الأولى أن كانت سيئة العمل، ولا يضرها أن تكون الثانية أن كانت صالحة السيرة، لأن ميزان الله غير موازين البشر، والله لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأنساب، وإنما ينظر إلى القلوب والى الأعمال، فبالأعمال بعد الأيمان، تتفاوت أقدار الناس في الآخرة، ولو كان للنسب ثقل في ميزان الله ما رجح سلمان (الفارسي) وصهيب (الرومي) وبلال (الحبشي) وخف أبو لهب بن عبد المطلب العربي القرشي الهاشمي عم النبي!
والناس لا ينفعهم في أخراهم أن يكون هذا القبر، لهذه أو لتلك، أو لأي إنسان ممن خلق الله، أو يكون قبراً خالياً ليس فيه أحد، لأن الإسلام يأبى عبادة الأموات، وينكر تعظيمهم، ويسد الذرائع إليها، ولذلك منع رفع القبور وزخرفتها والمغالاة فيها، فضلاً عن اعتقاد النفع والضرر بها وبأصحابها.
ودين الإسلام أساسه التوحيد، ومنه أن تعتقد أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، لا أعني ما يدخل في الأسباب المعروفة والعلل الظاهرة، إذ لا ينكر نفعها ولا ضررها، فالطعام نافع والسم ضار، والطبيب نافع والجاهل ضار. . . والناس كلهم والأشياء جميعها منها ما يضر ومنها ما ينفع، في حدود سنن الله في هذا الكون، وطبيعته التي طبع الوجود عليها، ولكن أعني ما رواء هذه الأسباب والعلل، إذ رب مرض يستشير أكابر الأطباء، ويجلب أندر العقاقير، ويحظى بكامل العناية، ثم يموت، وآخر أصابه مثل مرضه فبرئ بأيسر العلاج، وأقل الجهد، فالطبيب دال، ولكن الله الموصل، والرسول هاد مرشد، ولكن الله هو الهادي الموفق لا تباع الرشاد، وفي الوجود شئ يدخل في طاقة الإنسان، وأشياء لا تدخل في طاقته، فإذا فعل كل ما يقدر عليه، ولم يبقى عليه إلا الالتجاء لقوة خفية قادرة على ما تقدر عليه قوته، فعليه بالالتجاء إلى الله وحده، واعتقاد أن هو الذي يضر وينفع، فإن التجأ إلى غيره، إلى نبي أو ولي، حي أو ميت، يؤمن به يستطيع أن يعينه هذه المعونة الغيبية، فهذا هو الشرك الذي جاء الإسلام لإبطاله!
أما ما يعتقده العامة من أن هؤلاء الصالحين مقربون إلى الله أكثر منا، فهم يتخذونهم وسائل، فلا بأس بذلك ما دامت بعيدة عن المعونة الغيبية، داخلة في نطاق الأسباب والعلل، كالتوسل بدعاء الصاحين. وقد توسل عمر يوم الاستسقاء بدعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتوسل بالنبي نفسه، مع أنه أفضل من العباس ومن سائر البشر.
ومهما قيل في مسألة التوسل التي طال فيها الخلاف وكثر الجدال، ولم يبق فيها جديد يقال، فليس في القائلين بالتوسل، ولا في المانعين له، ولا في المتوقفين فيه، من يقر ما يرى في مصر عند قبر سيدنا الحسين، أو قبر السيدة زينب، والسيدة نفيسة، والإمام الشافعي، وعند كل قبر قائم في مصر، عليه قبة، وله مزار.
إن الذي يصنع عند هذه القبور يجاوز الحد الذي جوزه القائلون بالتوسل من العلماء، ويطغي حتى ليوشك أن يجاوز. . (لقد كدت أقول) الإسلام!
وأن من أوجب الواجبات على العلماء منعه وإزالته، حتى لا يظن بعض الشباب أن هذا هو الدين، فيؤثروا الإلحاد على هذا (الدين. . .) الخرافي! وهذا الذي صار!!
أما الكلام في الثورة والدين، وفرح الكاتب الثاني بضبطه رفيقه متلبساً بجريمة القول فيه، وفزع الكاتب الأول من نسبة هذا القول إليه، فهو دليل واحد من آلاف الدلائل على ما أنهت إليه صورة الدين في نفوس بعض المتعلمين. فقد استقر فيها أن الدين شيء عتيق لا يليق بالمتعلم أن يتمسك به، أو يتكلم باسمه إلا إذا لاق به أن يدع السيارة والطيارة ويركب الحمارة، وأن يترك عمارة إيموبليا ويسكن في منزل خرب، وأن يعدل عن مطعم سن جمس إلى وليمة في قرية يأكلون فيها الرز بالأصابع. . .
وأن الدين لا يجوز إدخاله في العلم ولا في السياسة ولا في الحياة اليومية.
وسبب ذلك كله جريمة أجرمها العثمانيون، هي أنه لما كان عهد البعث (الرونسانس) في أوربة، وهبت أوربة لتسابقنا بعد أن كنا نحن السابقين، لم تجارها الدولة العثمانية في هذا الطريق الجديد، ولم تقبس من هذه النار، ولم تستضيء بهذا الضوء، ولو هي فعلت (على ما كنا عليه من بقايا الحضارة الأولى) لبقينا نحن السابقين، فكان من نتيجة هذا الإهمال، أن وقفنا والدنيا تمشي، ثم صرنا وراء الدنيا؛ لا لأنا تأخرنا بل لأن الدنيا تقدمت، وغداً المسلمون دون الغربيين في الأخلاق وفي الصناعة والثقافة وفي القوة، وبقى فقهاؤنا يقرءون الفقه الذي وضعت أحكامه لعصر ما قبل البعث (الرونسانس) مع أن مصادر الفقه تصلح لكل زمان ومكان ونحن ملزمون بالمصادر لا باجتهادات الفقهاء، والشباب يتعلمون ما عند أوربا وأميركا من العلم ومن المذاهب السياسية والاجتماعية، ثم يتلفتون إلى العلماء يسألونهم عن حكم الشرع فيها، فلا يلقى العلماء أمامهم إلا هذه الكتب التي ألفت لغير هذا الزمان يعودون إليها فلا يرون فيها شيئاً من ذلك ولا يعرفون اقتباس الأحكام من مصادرها، وأصولها، فينصرف الشباب وقد أيقنوا أن الدين قاصر، وأنه لا يصلح لهذا الزمان.
ثم ينظرون حولهم فيرون هذه الخرافات والأوهام، وهذه البدع والضلالات المنسوبة كلها إلى الدين، من غير أن يجهر أحد بإنكارها وإعلان براءة الدين منها، فيزداد ظنهم بالدين سوءاً، ويعودون إلى الغرب فيتلقون عن كل شئ، حتى القواعد التي وضعت للديانة المسيحية ومنها (فصل الدين عن السياسة)، مع أن من أول ما ينبغي الاتفاق عليه في الجدل معاني الألفاظ، فما معنى الدين عند من وضعوا هذه القواعد؟
إن معناه (الأحكام التي تحدد صلة الإنسان بربه) والدين بهذا المعنى لا دخل في السياسة ولا في العلم، وهو شئ شخصي بين العبد وربه، ومن هنا سارت الكلمة المشهورة: الدين لله والوطن للجميع.
نحن لا ننازع في هذا، ولكن موطن النزاع ومكان الخلاف هو: هل الإسلام دين فقط، موضوعه الصلة بين الإنسان وربه، أو أن فيه ما يحدد صلات الناس بعضهم ببعض، حقوقياً وأخلاقياً؟ وصلات الدول بعضها ببعض خاصة وعامة؟
أليس في الإسلام أخلاق، وحقوق، خاصة وعامة ودولية، وهل يجب الفصل بين هذه القواعد الحقوقية التي تبدو عند المقابلة والمقارنة أعدل وأحكم من القواعد الحقوقية الموضوعة، هل يجب الفصل بينهما وبين السياسة؟ وكيف؟ ولماذا؟
هذه هي المسألة.
فمن يثبت لنا من الدين نفسه، أنه قاصر على المسجد والعبادة وأن سورة الأنفال وسورة براءة مثلاً ليستا من القرآن، وأن آلاف الأحاديث التي اعتمد عليها الفقهاء في المعاملات لست من الدين؟ وإذا كان ذلك كله من الدين، فمن يثبت لنا كيف تكون الأمة مسلمة وهي تتمسك ببعض الدين وتترك بعضه؟
هذا وأنا لا أدعو إلى أن نأخذ الأحكام المدونة في كتب الفقه كما هي فنجعلها قانوناً ملزماً لا تبديل له ولا تغيير، ولو كانت أحكاماً اجتهادية مبنية في الأصل على عرف أو مصلحة مرسلة أو استحسان. لا، ولا أدعو إلى تحقيق ذلك بثورة مدمرة، ومظاهرة صاخبة نكتفي بأن نصيح فيها: القرآن دستورنا، الإسلام دين ودولة، لا، بل بأن ينقطع نفر من أهل العالم إلى كتب الدين والى قوانين الدول، والى تعرف حاجات العصر، ونظريات علمائه، ثم يعدوا مشروعات هذه القوانين. وهذا العمل وأن كان صامتاً خفياً، لا يعرف صاحبه ولا يطبل حول أسمه بالطبول، فهو العمل النافع، وهو كالأساس للبناء العظيم، يختفي الأساس في الأرض فلا يظهر ولكن لولاه ما قام البناء.
وملاك المر تعريف الشباب بالإسلام، و (وترجمة) كتبه إلى لسانهم، لأن الإسلام في ذاته قوة هائلة، سره فيه، وفيه دلائله، فمن عرفه على حقيقته لم يستطع إلا أن يكون مسلماً، فإذا كان العلماء حريصين حقاً على ازدهاره، وعودة أهله إليه، ورجوع الأمة الإسلامية إلى مجدها، فهذا هو الطريق.
(القاهرة)
علي الطنطاوي

===============

" مجلة الرسالة " ( العدد 752 )
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-27-2011, 08:04 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي



رد الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله تعالى- المختصر على كتاب ((شرح كلمات الصوفية , والرد على ابن تيمية)).لمحمود محمود غراب!


قال - رحمه الله تعالى - في كتابه ((فتاوى علي الطنطاوي)) :
جاءتني رسالة من محمود محمود غراب ، يقول فيها :
أبلغني من أثق بأمانته أن إذاعة المملكة العربية السعودية قد أذاعت حديثا لكم تجيبون فيه على سؤال من علم الحروف ، وكان مما أوردتموه استطرادا في إجابتكم أن الشيخ محي الدين بن العربي كان ممن تكلم عن هذا العلم , وأنه أي محي الدين بن العربي جاء في كلامه عن وحدة الوجود بكفر وشرك أشد من شرك الجاهلية .
أنا لا أتعرض عن إجابتكم عن علم الحروف , ولا عن فتواكم , ما دمتم ترون أن عندكم الأهلية في التكلم عن علم قيل فيه من أهله : أنه من خصوص علم الأولياء , أي من علوم الأسرار الخاصة بأهلها , إلى أن قال : وأنه واضح من فتواكم أنكم لا تعلمون شيئا عما تعتبرونه فلسفة ابن العربي في وحدة الوجود ! ولما كان الدين النصيحة فإني أنصحكم يا سيدي بقراءة كلام ابن عربي في وحدة الوجود ، في كتاب لنا نشر حديثا تحت اسم ((شرح كلمات الصوفية , والرد على ابن تيمية)).
وقد أرسلت من هذا الكتاب إلى كل جامعة في المملكة العربية السعودية ثلاث نسخ للدراسة والنقد إلى آخرها...

ثم جاءني الكتاب الذي أشار إليه وهذه تعليقاتي أولا على هذه الرسالة ثم أذكر تعليقي على بعض ما جاء في الكتاب :
1. أنا في العادة أهتم بالسؤال أكثر من اهتمامي بالسائل ولكنني أشير هنا , إشارة فقط , إلى إنني ابن دمشق وإنني منذ تعلمت القراءة والكتابة , أي منذ أكثر من سبعين سنة أعيش بين العلماء ، وأبي كان من كبار علماء دمشق , وكان أمين الفتاوى فيه .
وأعرف العلماء جميعا معرفة لقاء أو سماع ,فما عرفت في دمشق عالما ولا طالب علم بهذا الاسم!
وربما كان اسما مستعارا تستر به من كتب هذه الرسالة.
2. ليس في الدنيا شيء اسمه (( علم الحروف)) إلا أن يكون المقصود به معانيها اللغوية، ومواقعها من الكلام، على ما جرى عليه العرب في لسانهم ككتاب ((المغني)) لابن هشام مثلا ، أما علم الحروف الذي يدعيه غلاة الصوفية ، فلا مستند له من نقل ولا عقل .
3- قوله : (( إن هذا العلم من خصوص علم الأولياء ، أي من علوم الأسرار الخاصة بأهلها)) ، هذا القول مردود من وجهين:
الأول: أن تعريف الأولياء عند عوام الناس ، وعند غلاة المتصوفة تعريف مخالف للقرآن ، فالله تعالى يقول: (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا يحزنون )) ، ثم عرف الله بهم تعريفا جامعا مانعا فقال: ((الذين آمنوا وكانوا يتقون)).
فالأولياء، بالتعريف القرآني، هم المؤمنون الأتقياء ، فالصحابة هم الأولياء، والتابعون من الأولياء ، والأئمة الأربعة المتبعون من الأولياء ، لا الذين يعدهم جماعة المتصوفة ، أو الذين كتب عنهم الشعراني مثلا في " الطبقات الكبرى " .
والوجه الثاني : أن الله شرع شرعا واحدا ، رسالة عامة للإنس والجن ، ليس فيها أسرار خاصة بناس دون ناس ! ما عندنا دين للخاصة ، ودين للعامة ، ولكنه دين للناس جميعا .
4- قول صاحب الرسالة الشيخ محيي الدين بن العربي فيه غلط أيضا من وجهين :
الأول : أنه كتب محي بياء واحدة ، مع أن لقبه محيي ( بيائين) اسم فاعل من أحي يحيي ، ولو كتبناه بالحروف اللاتينية ، لكان أقرب إلى الصواب ، لأنه يقرأ عندئذ " موهي الدين ! " وما جاء به هذا الرجل يوهي الدين ولا يحييه .
والوجه الثاني : أن علماءنا يفرقون بين ابن العربي وابن عربي ، فالأول هو : الإمام المجمع على إمامته ، صاحب : " أحكام القرآن " وصاحب " العواصم من القواصم " ؛ والثاني : ابن عربي هذا الذي اختلف العلماء فيه ، وحكم جلتهم - لا ابن تيمية وحده - بأن أقواله المروية في كتبه كفر بلا شك .
5- ولقد كنت قديما أصدر قديما سلسلة بعنوان " أعلام التاريخ " أصدرت منها جزأين قبل أن أشتغل في المملكة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، جعلت الأول مباحث عامة في هذه الأمور المختلف فيها ؛ فكان مما قلت فيها عن ابن عربي : إن الله يوم القيامة لا يسألني ، ولا يسأل غيري عن ابن عربي ولا غيره ، ولكن يسألني عما أقول وعما أفعل ، فإذا قلت الباطل أو كتبته أو نشرته أكون مسؤولا عنه عند الله .
وأقول : الذي فيكتب ابن عربي وابن سبعين والحلاج وما نقل عن أبي يزيد البسطامي ، وأمثال هؤلاء كفر لا شك فيه !.
أما قائل هذا الكلام فالله أعلم الآن بحاله ومآله ، فإن تاب منه ، ورجع عنه ومات على الإيمان غفر الله له ، وإلا فأمره إليه .
أما قوله في الرسالة من لا أعرف شيئا عن ابن العربي ، وعن عقيدة وحدة الوجود ! فأخبره - ولا فخر في ذلك - أن الذي جلب كتاب " الفتوحات " من قونيا ونقله من النسخة المكتوبة بخط ابن عربي نفسه والمحفوظة الآن في قونية هو : جدنا الذي قدم من طنطا إلى دمشق 1250 هـ ، فإن كان أخطأ في ذلك ، فأسأل الله المغفرة له ، وإنني قابلت مع عمي الشيخ عبد القادر الطنطاوي نسخة " الفتوحات " المطبوعة على هذا الأصل المنقول صفحة صفحة ، كما قابلت معه بعد ذلك كتاب المواقف للأمير عبد القادر الجزائري ، وهو من جنس الفتوحات ، وقرأت (مع الأسف لا مع الفخر ) من كتب الصوفية ما لم يسمع به هذا الغراب فضلا عن أن يقرأه ، وأنا أستغفر الله الآن على ما أنفقت من عمري في قراءة هذه الضلالات .
أما قوله في الرسالة : إنه أرسل نسخا من الكتاب إلى جامعات المملكة ، وأرسل نسخة خاصة إلى سماح الشيخ ابن باز ، فا الله أعلم بحقيقة ما قاله ، وأنا أشك في ذلك ، لأنه لو أرسل مثل هذه الرسالة إلى السكوت عنه بل لردوا عليه ، وما أسهل الرد عليه وهدم ما بناه.
6 - أما انتشار التصوف الآن الملاحظ في الشام وغيرها ، بل في أميركا وفي أوروبا ، فمرده إلى انغماس الناس في المادة ،و إلى افتقارهم إلى الروح لقد أحسوا بذلك ، فهم يقبلون على
كل ما يتصل بل لأمور((المهاريجي)) التي وصل إلينا طرف من
خبرها.
7 - وهو ينصحني في الرسالة ويقول بأن الدين النصيحة يقول ((فأنا أنصحك يا سيدي بقراءة كلام ابن عربي في وحدة
الوجود في كتاب لنا (انظروا تواضع هذه الصوفي لم يقل لي بل قال لنا )نشر حديث تحت اسم ((شرح كلمات الوفية والرد على ابن تيمية)). الدين النصيحة حقا ، وأنا أنصح لا بقراءة
كلام ابن عربي وغيره بل بالرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله، لأنهما هما الأصل وكل ما خالفهما باطل. أما ملاحظاتي على الكتاب فكثير جداً ، الكتاب وصل إلي ,وأستطيع أن أقول إنني قرأ ت كتباً كثيرة, مما كتب غلاة الصوفية , فما
وجدت كتاباً أصرح , بل أقول ما وجدت كتاباً أوقح من الكتاب. وإذا كان الزبال يدور على البيوت والحارات فيجمع
القمامة التي تطرح من كل بيت ، فصاحب هذا الكتاب دار
على المكتبات فجمع الأقوال المخالفة للدين ، التي يسمونها ((الشطحات))، وأودعها كتابه هذا !!
أعطيكم مثالاً لهذه الكلمات الصوفية التي يشرحها: يقول في أول الكلام: إنه ما ألف هذا الكتاب لرفع الخلاف بين الصوفية وغيرهم فإن الله ((ما رفع الخلاف في الحكم الظاهر، بل بقيت مذاهب مختلفة ؛ فكيف يتصور أن يرتفع الخلاف في الترجمة عن علوم الأذواق التي لا تحد معانيها حدود الألفاظ والأرقام ، ولا تسمو إليها الضمائر والأوهام! ، ولا يترجم عنها لسان لأنها ذوق وجدان!!)).
هذا كلامه!!
أولا : من أخطر ما جاء به الصوفية أنهم جعلوا الدين دينين! : جعلوه شريعة وحقيقة ! ، فالشريعة عندهم كما فسرها صاحب هذا الكتاب أحكام محدودة وضيقة!! ، والحقيقة هي المجال الواسع ، وهي الطبقة الأعلى ! ، مع أن الله تعالى إنما أنزل جبريل على محمد - عليه الصلاة والسلام - بالقرآن الذي هو الشريعة ، والرسول - عليه الصلاة والسلام - بلغ أصحابه القرآن ، وما جاء به من بيان لم يصدر إلا عن وحي من الله ، وهو السنة الصحيحة ، فالكتاب والسنة هما الدين كله ، وما خالفهما ليس من الدين .
ثانيا : العلم إنما يبنى على الحقائق لا على الأوهام .
لقد عرف العلم كثير من العلماء والباحثين من قديم الزمان ، ولعل أقرب تعريف إلى الواقع هو تعريف سارتون الأميركي الذي عرّف العلم بأنه : " مجموعة معارف محققة ومنظمة " ؛ لما قال : " مجموعة " ، خرجت المعارف الفردية ، ولما قال : " معارف " ، خرجت المشاعر والأذواق! ، ولما قال : " محققة " خرجت النظريات والافتراضات ، ولما قال : " منظمة " خرجت المعلومات المبعثرة المتفرقة ، ولا يضرنا أن نأخذ هذا التعريف من أميركي نصراني ، فإن الحكمة ضالة المؤمن ، حيثما وجدها التقطها ، لأنه أحق بها وأهلها .
وهو في هذا التعريف موافق لما هو في كتبنا ، ولما قال علماؤنا.
ثالثا: إذا كانت هذه الأذواق التي سماها علما لا تحد معانيها الألفاظ والأرقام ، والإنسان إنما هو حيوان ناطق ، يعبر عما في نفسه بالألفاظ ، فكيف ينقل هذا العلم من واحد إلى آخر إذا كانت الألفاظ لا تستطيع أن تحده ؟!!!
وإذا كان هذا العلم لا تسمو إليه الضمائر ولا الأوهام ، فما الذي يبقى ؟!! ما الذي يبقى إذا لم يكن في هذا العلم حقائق تعبر عنها الألفاظ ، حتى ولا أوهام وخيالات ربما يصورها الفن والشعر والبيان ؟!!! ما الذي يبقى ؟!!
هل يبقى إلا ما يحس به السكران أو الحشاش ، أو ساكن مستشفى الأمراض العقلية ؟!!!
رابعا : يقول في هذا الكتاب نقلا عن أبي يزيد البسطامي ، أن من كلامه : " حدثني قلبي عن ربي !!" .
هذه الكلمة شائعة بين غلاة المتصوفة ، فإذا كان يأخذ العلم عن ربه رأسا !! أليس في ذلك إلغاء للرسالة ، ولِما نزل به جبريل ؟!!! والله - عزوجل - يقول : (( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ))الآية.
في هذا الكتاب من الكلمات الصوفية التي يشرحها ويزعم أنه يرد بها على شيخ الإسلام ابن تيمية : أن أبا يزيد البسطامي يقول في ص153 : ( أخذتم علمكم ميتا عن ميت ، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت !!).
أي : أننا أخذنا علومنا عن الأئمة وقد ماتوا ، وهم أخذوا عن التابعين وقد ماتوا ، والتابعون قد أخذوا عن الصحابة وقد ماتوا ، والصحابة أخذوا عن رسول الله وقد مات ، بنص القرآن - عليه الصلاة والسلام - أي انتقل إلى الرفيق الأعلى ، وهم أخذوه رأسا - كما - يدعي عن الله !!! أليس في هذا ما يلغي الشريعة ؟. في صفحت 178 من الكتاب يقول : أنه
قرأ على أبي يزيد ((إن بطش ربك لشديد )) فقال : بطشي أشد وفي ص \ 184 أن أبا يزيد البسطامي ، قال :
(( أنا الله ))، وقال (( إ ني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني )).
هذه الكلمات كلها، وفي الكتاب ما هو أفظع منها ، يشرحها
هذا الغراب مؤلف الكتاب ، يشرح هذه الكلمة فيقول : ((أي أن العبد إذا أعتق نفسه من الرق مطلقا ، يقيم من نفسه في حال كون عينه في قواه وجوارحه ، إذا كان في هذه الحال ، وكان هذا نعته ، كان سيدا وزالت عبوديته مطلقا ، لأن العبودية هنا راحت ، إذ لا يكون الشيء عبد نفسه ، فهو كما قال أبو يزيد في تحقيق هذا المقام مشيرا تاليا : إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني )).
يا أيها القراء ! ناشدتكم الله ، هل قال أبو جهل ، وهل قال أبي بن خلف ، وهل قال مشركو مكة مثل هذا القول ، أو قالوا بعضه ، أو اقتربوا منه؟!!
لقد كان كفرهم بالنسبة لهذا كفرا بدائيا بسيطا ، وهذا كفر معقد مركب!!.
أنا لا أريد أن أرد على كل ما جاء في هذا الكتاب ، ففي الـ ص 185 منه هذا البيت المشهور ، جاء به محرفا يقول :
وفي كل شيء له آية تدل على أنه (عينه!!)
إذا كان النصارى جعلوا الله ثالث ثلاثة ، فكم زاد هذا الغراب عن الثلاثة ؟!! إذا جعل كل شيء هو عين الله .
إذا كان من يدعي بأنه هارون الرشيد! أو أنه هتلر! أو أنه أمير المؤمنين! ، يحوله طبيب الأمراض العقلية إلى شهار في الطائف ، أو إلى القصير في الشام ، أو إلى العباسية في مصر ، أو إلى العصفورية في لبنان ، أو إلى ديورن في ألمانيا ، فأين يوضع أبو يزيد البسطامي ، وهذا الغراب الذي ينعب بشرح كلماته ؟!!
ثم تبلغ به الوقاحة ، وقلة الحياء ، وصفاقة الوجه أن يرسل منه - إن صدق - نسخا للشيخ ابن باز ولكل جامعة في المملكة !.
القط إن قضى حاجته حفر في التراب ، فستر ما يخرج منه ، ومؤلف هذا الكتاب - كائنا من كان - يكشف للناس هذا الكفر كله !
لو أنه جعل موضوع هذا الكتاب في الدعارة والفسق بأبشع أشكالها لكان أقل ضررا مما جاء فيه ، لأن الدعارة والفسق معصية ، وكبيرة من أكبر الكبائر ، أما هذا فكفر ، كفر شر من كفر أبي لهب وأبي جهل ، ما قال مثله فيما نعلم إلا فرعون ، ولكن فرعون ما وجد في أيامه غرابا آخر يشرح قوله ويفلسفه ، ويحاول أن يبرره .
أنا لا أريد من هذا أن أرد على ما في هذا الكتاب ، فأمره أظهر من أن يحتاج إلى رد ، ولكن أنبه المخدوعين بالتصوف من أن يصلوا إلى مثل هذا .
التصوف إذا كان المراد منه -كما يقول أوائلهم ممن كان أيام الجنيد وقبل الجنيد - إذا كان مقيدا بالكتاب والسنة كما جاء مثلا في كتاب " مدارج السالكين " لابن القيم ، إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة الصحيحة ، وكان يؤدي إلى تصفية النفس والبعد عن الرياء ، وتصحيح الإيمان ، فنقبله ولو سميناه بهذا الاسم الغريب علينا : اسم التصوف .
كلمة الصوفية على الصحيح من أصل يوناني ، وليست كلمة عربية ، لكن ما انتهى إليه المتصوفة من القول بوحدة الوجود ، وما دعوه (الحقيقة المحمدية) ، والقول بأن الدين منه ما هو شريعة ظاهرة ، ومنه ما هو حقيقة ، والشريعة مردها إلى الكتاب والسنة ، والحقيقة مردها إلى الأذواق والخواطر والخيالات ، ولو كانت خيالات الحشّاشين! وأوهام السكارى!! ، وما أدى إلى القول بالقطبانية ، وما جاء به الشعراني في كتابه " الطبقات الكبرى " مثلا ، فهذا كفر لاشك فيه ، ومن شك في أنه كفر يكون كافرا .
فأنا أنصح - ما دام الدين النصيحة - من وقع في يديه هذا الكتاب ، وأمثال هذا الكتاب ، أن يحرقه لئلا يتعدى ضرره إلى غيره .
والعجيب أن الكتاب مطبوع طبعة أنيقة ! ، على ورق صقيل ! ، وأن ثمن النسخة الواحدة - كما كتب على غلافه - ثمن النسخة 66 ليرة سورية(1).
وهذه أول مرة نسمع فيها بأن من حكم عليه بالسجن يدفع أجرة الدخول إلى السجن !! ، فهذا إنما يشتري بهذا المبلغ بطاقة دخول إلى جهنم !!.
فليستغفر الله مؤلف هذا الكتاب ، وليستغفر الله من يذهب هذا المذهب ، ولنرجع جميعا إلى القرآن الذي أنزله الله ، بشرط أن نفسره التفسير الذي لا يخالف المأثور عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ولا يخالف قواعد العرب ومصطلحاتهم في لسانهم ، لأن القرآن إنما أنزل بلسان عربي مبين ، وإذا ورد تفسير في حديث صحيح نقف عنده ، ولا نجاوزه ن ولا نعمد إلى هذه التفسيرات ، تفسيرات بعض الصوفية الذين أخرجوا الألفاظ عن معناها ، وبدلوا المصطلحات العربية ، وجاؤوا بشيء لا يطابق النقل ولا العقل . هذه هي النصيحة.
يا أيها الناس نحن في زمان فاسد ، فينبغي أن نحافظ على عقيدتنا ، وعلى إيماننا ؛ .. نعم حصوننا مهددة من الداخل ومن الخارج .
الله حافظ دينه بلا شك ، ولكن ينبغي أن نحفظ نحن أنفسنا لئلا نخرج عن جادة الدين من حيث لا نشعر ، فقد ورد أن من علامات آخر الزمان أن الرجل يصبح مؤمنا ، ويمسي كافرا(2) ، إن حدود الإيمان والكفر قد تداخلت وخفيت على كثير من الناس ، وصارت للشيطان مداخل خفية لا نكاد ننتبه إليها .
فمن أراد سلامة دينه فليبتعد عن هذا الكتاب و عن أمثاله ، وليتمسك بكتاب الله ، وبما صح من سنة رسول الله ، وبما استنبطه العلماء المحققون منهما ، والعض عليهما بالنواجذ . هذه نصيحتي ، وهذا ردي على ما جاء في الرسالة والكتاب ]اهـ.

---------------
(1) قبل أن يهبط سعر الليرة ، ولست أدري هل خلت دمشق من العلماء ، حتى صار هذا الغراب شيخا يدرس ويؤلف ؟!! إذا كان الغراب دليل قوم ...
(2) إن الله لا يقبض العلم انتزاعا منصدور العلماء ، ولكن يقبض العلماء ، أو يبعدهم عن أوطانهم ، فيتخذ الناس أئمة جهالا يفتون بغير علم ، فضيلون ويضلون أتباعهم .


===============

نقله علي الفضلي
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12-28-2011, 11:45 PM
سعيد الحسباني سعيد الحسباني غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الإمارات العربية المتحدة
المشاركات: 361
افتراضي

جزاك الله خيرا
استفدت كثيرا من هذا الجمع
__________________
قال تَعَالَى:
" نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ"
[الحجر:50,49]
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 01-01-2012, 08:24 AM
أبو معاوية البيروتي أبو معاوية البيروتي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: بلاد الشام
المشاركات: 7,435
افتراضي



وإياك أخي سعيد،

وانظروا - للفائدة - معركة الشيخ مع فرقة التيجانية في الشام وفضحه لعقائدها الضالة في مذكراته ( 7 / 75 - 84 ) .
__________________
.

((تابعوا فوائد متجددة على قناة التليغرام)) :

https://telegram.me/Kunnash
.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 01-01-2012, 09:15 AM
خالد الشافعي خالد الشافعي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
المشاركات: 12,479
افتراضي

رحم الله الشيخ علي الطنطاوي
وكتبه في غاية الروعة وخاصة ذكرياته
ولا أدري يا أبا معاوية هل نقول لك الطنطاوي الصغير أو خليفة الطنطاوي ؟
وأنت الوحيد المكثر من تراث الطنطاوي من خلال اطلاعاتي القصيرة على ما يكتب عن الطنطاوي .

نحسبك كذلك والله حسبك ولا نزكي على الله أحدا .
__________________
رقمي على الواتس أب
00962799096268
رأيي أعرضه ولا أفرضه ،
وقولي مُعْلم وليس بملزم .
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:25 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.