أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
38664 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > ركن الإمام المحدث الألباني -رحمه الله- > فوائد و نوادر الإمام الألباني -رحمه الله-

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 11-07-2009, 08:48 PM
عبيد المهيمن الهلالي عبيد المهيمن الهلالي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 112
افتراضي

أقدم لكم هذا البحث للشيخ بن حنفية العابدين -حفظه الله- وهو يعبر عن رأيه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الدافع إلى كتابة هذه الصفحات، هو الخلاف الواسع الذي نجم حول صوم السبت إذا وافق يوما من الأيام المفردة التي حض النبي على صومها،كيوم عرفة وتاسوعاء وعاشوراء ونحوها، أو كان في جملة أيام يندب صومها، كالستة من شوال، والثلاثة أيام من كل شهر، وما إليها.
وقد أثار هذا الاختلاف الذي لم يكن يذكر؛ بعض إخواننا الشباب الذين نأنس منهم الخير، ونشهد حرصهم على إحياء السنن وإماتة البدع، وعنايتهم بأقوال أهل العلم، والعمل على نشرها .
وقد كان العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -حفظه الله - قد ذهب في بعض فتاويه المسجلة على الأشرطة إلى القول بعموم النهي عن صوم يوم السبت في غير الفرض، متصلا كان بغيره من الأيام أو منفصلا، معتمدا على حديث الصماء-رضي الله عنها- الذي سأتحدث عنه، فكانت هذه الفتوى معتمد الشباب، لكنهم لم يكتفوا بالبلاغ، بل اشتط بعضهم فشدد النكير على من صام يوم السبت، وألزموا من دخل في الصوم بالإفطار، فوقع كثير من الناس في حيرة .
وإذا كان الشيخ الألباني قد ترجح عنده عموم النهي عن هذا الصوم؛ كما هو ظاهر الحديث؛ فإنه عالم يحترم قوله، وهو لم يرم إلى إلزام الناس بفتواه، بل إنه قد قال فيها: "ليس لأحد أن يفرض رأيه على المسلمين، بل يعرض ما عنده من العلم، فمن اقتنع لزمه أن يلتزم ما اقتنع به"، فجزاه الله خيرا، فإن هذا دأب العلماء، وقد قال مالك بن أنس-رحمه الله تعالى-لأبي جعفر المنصور حين عرض عليه تعميم موطئه وإلزام الناس به :"يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الناس قد سبقت لهم أقاويل، وسمعوا أحاديث وروايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وعملوا به، ودالوا له، من اختلاف أصحاب رسول الله وغيرهم،وإن ردهم عما اعتقدوا لشديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم".
إن صوم يوم السبت حتى ولو استقام القول لمن ذهب إلى عموم النهي؛ ليس منكرا من المنكرات الظاهرة، حتى تحشد الجهود لمحاربته، ويشنع على الذين يصومونه، فلم لا نفرق بين المسائل التي (يسوغ) الاختلاف فيها، ولا يستصوب فيها الإنكار،كهذه المسألة التي ليس من السهل تبين وجه الصواب فيها، لدقة مسالك الإستدلال عليها، وبين غيرها من المسائل التي لا يكون فيها للمخالف إلا شبهة أو هوى؟.
إن من اقتنع بفتوى عالم عليه أن يقيمها في نفسه طاعة لربه، وإن سئل قال إن العالم الفلاني أفتى بكذا، ولا ينبغي له أن يتجاوز بها هذا النطاق، فإنه إذا لم يكن للمفتي أن يلزم المستفتي بفتواه، فكيف يسوغ ذلك للناقل المخبر؟، أو لا ترى أن مسائل كثيرة لا خلاف معتبرا فيها بين العلماء، ومع ذلك يسلك في بيانها أهل العلم سبيل الإقناع والتلطف وحسن العرض والصبر على المخالف؟.
لقد كتبت الصفحات الآتية، قبل أن أستمع إلى فتوى العلامة الألباني، فلما تيسر لي ذلك لم أعثر فيها إلى ما يحوجني إلى إعادة النظر فيما كتبت، لأن ما اعتمد عليه، قد أتيت على ذكره وأنا بصدد افتراض ما قد يعترض به على ما أوردته، وما ورد من إشارات إلى الشيخ فمعتمدي فيها-إلا قليلا- ما ذكره في كتابه (إرواء الغليل) وهو يفصل القول في تخريج حديث عبد الله بن بسر في النهي عن صوم السبت .
ومعتمد الشيخ فيما ذهب إليه ظاهر الحديث، وحمل ما ورد من عمومات أخرى عليه لكونه خاصا، أو ترجيحه لكونه حاظرا على الأدلة الأخرى لأنها مجيزة، وأبى أن يقيد النهي في الحديث بما قيده به معظم العلماء، لعدم وجود القيد، وقرر أن الحديث لا يطعن فيه بعدم معرفة من لم يعمل به، وهذه الأسس القول بها راجح عند أهل الأصول إجمالا، لكن في تطبيقها على موضوعنا-باستثناء الأخير-مقالا.
وقد سجلت أن الشيخ الألباني لم يشر في فتواه ولو أدنى إشارة إلى حديثي أم سلمة و عائشة-رضي الله عنهما-في صومه السبت مضموما إلى غيره كما سيأتي، وحديث عائشة في صحيح الجامع الصغير، وحديث أم سلمة حسنه الشيخ كما هو في هامش إرواء الغليل، وإثبات أحد الحديثين كاف في معارضة حديث النهي، لكن حديث أم سلمة أقوى من حديث عائشة في هذه المعارضة، بل إن الشيخ قد نفى أن يكون هناك ما يدل على صوم السبت مع الأحد إطلاقا، قال ذلك وهو بصدد مناقشة حديث جويربة- رضي الله عنها- في النهي عن صوم الجمعة منفردا، وما فيه من معارضة لحديث النهي عن صوم السبت، وهذا سهو منه بلا ريب .
وإنما أشرت إلى هذا لأن ثبوت صومهللسبت فعلا، يؤثر على نظرة العالم إلى النهي عن صومه قولا، وتكون غالبا مخالفة لها في حال عدم ثبوته، فلعل الشيخ الألباني قد ناقش علاقة الحديثين المذكورين بحديث النهي في شريط آخر لم أطلع عليه، ومع هذا الإفتراض؛ فإنني أرى أن كل من صحح حديث أم سلمة لا يستقيم له أن يستدل بحديث النهي على عموم المنع من صوم يوم السبت، كما لا يتأتى الإستدلال به لمن قيدوا النهي بالقصد إلى صومه، وهم جمهور أهل العلم محاولين طاعة الأدلة جميعا.
ومما أثار انتباهي أيضا أن العلامة الألباني كان يرى جواز صوم السبت مضموما إلى غيره كما عليه الجمهور في الوقت الذي كان مترددا أو مائلا إلى تضعيف حديث أم سلمة المعارض ظاهرا، ثم انتقل إلى القول بعموم النهي عن هذا الصوم حين استقر فيما يبدو على تصحيح المعارض المذكور .
ولعلك أيها القارئ الكريم تنتبه إلى أن القول بعموم النهي لضعف المعارض أو عدم وجوده هو الأقوم قيلا والأهدى سبيلا، أما إذ أثبتنا المعارض؛ فإن فرص تعميم النهي ضئيلة لتعدد الاحتمالات وكثرة الاعتراضات :
فقد تعدل دلالة النهي من الحرمة إلى الكراهة رعاية لدلالة الفعل المعارض.
أو يقال بالنسخ إن علم التاريخ .
أو يحمل الفعل المعارض على الإختصاص .
أو يلجأ إلى الترجيح .
لكن الشيخ الألباني اختلف هذا فيما يظهر لي عنده، إذ تراجع عن الأمرين معا: جواز صوم يوم السبت في النفل مطلقا، وتضعيف المعارض .
تستنتج هذا إذا قارنت فتواه المسموعة بكلامه في الإرواء حين ضعف حديث أم سلمة، ثم ذكر أنه إذا ثبت؛ فلا يلزم أن يكون معارضا، لإمكان حمله على أنه قد صامه مع غيره، هذا معنى كلامه، وهذه مفارقة تستغربها إذا استوعبت ما تقدم .
غير أنه ليس عيبا أن يعدل العالم فتواه، وما عنده من العلم، ما دام الدليل رائده، وطلب الحق هدفه، وغير خاف أن كثيرا من أهل العلم لهم في مسائل عدة قولان بل أقوال، مما يدل على حيويتهم وخضوعهم للحق متى تبين لهم، فإن العلم لا يلتقي مع الجمود، لكن ما أحوج أقوال أهل العلم المختلفة إلى التمحيص، والترجيح، ببيان الموافق منها للحق من المخالف له .
إنني أحرص على الإشارة إلى أن هذه الصفحات وإن كان فيها ما يخالف ما ذهب إليه العلامة الألباني في المسألة، إلا أنها لم تكتب للرد على فتواه كما سبق بيانه، وإنما جاءت مساهمة في دفع الاضطراب الذي تسبب فيه من لم يحسن الإستفادة مما بلغه من العلم وفتاوي العلماء، وللشيخ الألباني في نفوسنا مكانة العلماء على كل حال، فلا مناص لنا من أن نعرف له حقه، لأننا إن لم نفعل تعرضنا لهذا التهديد الذي في قوله- عليه الصلاة والسلام - :"ليس منا من لم يجل كبيرنا،ويرحم صغيرنا،ويعرف لعالمنا حقه".
لكن حقوق العلماء ليس منها التعصب لهم، إن لم يك منافيا لها،كما يعرفه أولو الألباب، والحمد لله رب العالمين.
حديث النهي عن صوم يوم السبت
نص الحديث:
عن عبد الله بن بسر عن أخته أن رسول اللهقال:"لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة، أو عود شجرة فليمضغه".
رواته:
رواه أحمد وأصحاب السنن، وابن حبان والحاكم، واللفظ لأبي داود، وسها الدكتور القرضاوي فعزاه في كتابه (فقه الصيام) لمسلم.
معاني المفردات:
-اللحاء بكسر اللام: قشر الشجر
-فليمضغه: من مضغ إذا لاك الشيء بأسنانه، وهو من بابي نصر وفتح
التراكيب:
- قوله: "إلا فيما افترض عليكم"؛ استثناء مفرغ، وهو استثناء من عموم الأحوال، لكن لما كان الصوم لا يخرج عن قسمين:هما الفرض والتطوع ولا ثالث،كان النهي شاملا للنفل بكل صوره، ومجيزا للفرض بكل صوره .
- وقوله: "فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة"، توكيد لدلالة النهي، وهي التحريم، مانع من احتمال النهي الكراهة التنزيهية، لأن المكلف قد أمر بالإفطار ولو على شيء لا يعد غذاء، حتى يخرج عن الصوم ظاهرا قال الحافظ العراقي: "هذا من المبالغة في النهي عن صومه، لأن قشر شجر العنب جاف لا رطوبة فيه ألبتة بخلاف غيره من الأشجار"، نقله المناوي ، قلت: وقد تنازل في هذه المبالغة إلى عود الشجرة الذي قد يكون أجدى من قشر العنب.
ما يؤخذ من ظاهر الحديث، بقطع النظر عن المعارض
1 - المستثنى منه :
قوله:"لا تصوموا يوم السبت"، دلالته صريحة في النهي عن صوم يوم السبت في غير الصيام المفروض، وهو يشمل ما إذا صيم هذا اليوم منفردا أو متصلا بما قبله أو بما بعده لعدم وجود الدليل المقيد، قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله - :"لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى، إذ لا إفراد فيه، فاستثناؤه دليل على دخول غيره" ، انتهى .
وفي إطلاقه بأن الصوم المفروض لا إفراد فيه كلام، إذ يدخل القضاء والنذر، وقد يكون كل منهما مفردا .
2- المستثنى :
قوله:"إلا فيما افترض عليكم"، يشمل صوم رمضان، وقضاءه، وصوم الكفارات لاشتراكها في وصف الافتراض، وهل يشمل الصوم المنذور؟ الظاهر أن العالم بالنهي لا ينعقد نذره، ولا يجوز من ثم له صومه، لقوله عليه الصلاة والسلام :"من نذر أن يطيع الله فليطعه،ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" .
وقد ألحق بعض العلماء بالمستثنى ما إذا وافق يوم السبت صوما مسنونا، كيوم عرفة، أو عادة جرى عليها الشخص، كأول الشهر ونحو ذلك، والاستثناء كما تقدم لا يتناول غير الفرض، وإنما ألحق ذلك بالمستثنى من قيد النهي عن صوم السبت بالقصد إلى صومه، ولا دليل على هذا القيد في الحديث .
هذا تقرير معنى الحديث باختصار، وهو عمدة من منع صوم السبت مطلقا، في غير الفرض، ولا أريد به أن هذا هو الحكم الشرعي في المسألة كما أراها.

أقوال العلماء في سند الحديث:
رجال سند الحديث هم رجال البخاري، فقد قال الحاكم: "هو على شرط البخاري"، وأقره الذهبي، ووافقهما الألباني .
سبب ضعفه عند من ضعفه:
لقد أعل هذا الحديث بأمرين:
الأول: معارضة كثير من الأحاديث القولية والفعلية له، وسيأتي الكلام على هذه المعارضة إن شاء الله .
والثاني: اضطراب سنده، حيث اختلف فيمن روى عنه عبد الله بن بسر،كما اختلف في الراوي عنه .
فقد جاء الحديث عن عبد الله بن بسر عن أخته،كما هو عند أحمد وأصحاب السنن، وقيل عن عبد الله بن بسر دون ذكر من فوقه،كما هو عند ابن ماجه وأحمد في روايتين أخرييين وابن حبان، وقيل عن عبد الله عن أبيه،كما هو في المعجم الكبير للطبراني، وقيل عنه عن الصماء عن عائشة،ذكره الحافظ في التلخيص .
ثم إن الصماء في علاقتها بعبد الله خلاف: فقيل هي أمه، وقيل أخته، وقيل بل عمته، وقيل خالته، ولما كان عبد الله وأخته وأبوهما صحابة، فإن هذا الإختلاف لا يقدح في الحديث، كما قال الحافظ عن عبد الله وأخته .
وقال في الجمع بين بعض الأوجه الأخرى: "ويحتمل أن يكون عند عبد الله عن أبيه، وعن أخته، وعند أخته بواسطة، وهذه طريقة من صححه".
فأما الإختلاف في الصماء من حيث علاقتها بعبد الله، فلا يضر أيضا، إذا ثبتت الصحبة، والأوجه المذكورة في الإضطراب ليست كلها معتبرة حتى يطعن بها في الصحيح .
وقد عقب الحافظ على ما حاوله من الجمع بين التباين الذي أورده بقوله: "ولكن هذا التلون في الحديث الواحد، بالإسناد الواحد، مع اتحاد المخرج، يوهن راويه، وينبئ بقلة ضبطه، إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث، فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه، وليس الأمر هنا كذا، بل اختلف فيه أيضا على عبد الله بن بسر أيضا".
وقد بين الشيخ الألباني أن هذا الإضطراب في سند الحديث من النوع الذي يتأتى معه الترجيح، لأن ثلاثة من الثقات قد اتفقوا على راوي الحديث عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء، فلا يضرهم من خالفهم، وهم دونهم عددا وضبطا.
وأما الإختلاف الذي أشار إليه الحافظ؛ فقد اعتبره الألباني مما لا قيمة له تذكر، لأنه من طريق الفضيل بن فضالة، وهو لا يقرن في الثقة والضبط بثور بن يزيد، لأنه ليس بالمشهور، بل لم يوثقه غير ابن حبان، وقد قالوا إنه متساهل في التوثيق، ، وما قرره الألباني من تصحيح الحديث حق، وقد اطلعت فيما بعد على ما يدل على تصحيح الحافظ للحديث الذي لم يكن جازما بتضعيفه.
المثبتون للحديث والمضعفون له:
- من المثبتين للحديث أبو داود والترمذي وابن حبان وابن خزيمة والدارقطني وابن السكن والحاكم والذهبي والنووي وغيرهم .
- ومن المضعفين له الزهري، فإنه كان إذا ذكر له أنه نهي عن صيام يوم السبت يقول: "هذا حديث حمصي"، رواه أبو داود .
وقال الطحاوي:"إن الزهري لم يعده من حديث أهل العلم" .
- ومنهم مالك فقد قال عن الحديث: "هذا كذب"، رواه أبو داود أيضا، وسياق قول مالك هذا لا نعلمه، فقد يكون مقصوده وصف الحديث بذلك، لكونه لم يثبت عنده، وقد يكون المقصود وصف الحكم المستفاد منه، لأنه يراه شاذا أو منسوخا، وعلى كلا الاحتمالين فإن الكذب كثيرا ما يراد به الخطأ، كما ذكره العلماء، وله أمثلة عديدة في صحيح البخاري وغيره، ومنها المرفوعة، وهي لغة أهل الحجاز، إذا عرفت هذا فإن قول العلامة الألباني عن قول مالك-رحمه الله ـ إنه "أبعد منه عن الصواب وأغرق في الإسراف" ، ليس كما ينبغي .
وقال ابن العربي : "قال ابن أبي أوس: سئل مالك عن صيام يوم السبت، فقال:"إن هذا الشيء ما سمعت به قبل، وقد كنت سمعت في يوم الجمعة ببعض الكراهية، فأما يوم السبت فلا".
وقول مالك هذا يدل على أنـه قد بلغه حديث النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم، فمن ذهب إلى أنه لا يرى كراهته؛ فإن عليه أن يجيب عن قوله هذا، فإنه ظاهر في كراهته صومه، بخلاف من ذهب كالقاضي عياض إلى أن مالكا يوافق الجمهور في صوم الجمعة على انفراد، لكون مذهبه كراهة إفراد يوم بالصوم على الإطلاق، فكيف إذا انضم إلى ذلك النهي؟ .
- ومنهم الأوزاعي، فقد روى عنه أبو داود أنه قال: "ما زلت له كاتما حتى رأيته انتشر" .
- ومنهم يحي بن سعيد القطان، فقد قال الإمام أحمد: "كان يحي بن سعيد ينفيه، وأبى أن يحدثني به، وكان سمعه من ثور، فسمعته من أبي عاصم" .
ولا ريب ان هذا الصنيع من هذين العالمين ليس كتمانا للعلم الواجب تبليغه، بل الظاهر أنهما كانا يريان في الحديث شيئا مما تقدم كالشذوذ، أو المخالفة، وموقفهما هذا شاركهما فيه كثير من العلماء في أحاديث معينة، لما خشوه من آثار إفشائها،كسوء الفهم، واستغلال المبتدعة لها، منهم مالك وأحمد وغيرهما، ولهم في النبيقدوة و في الصحابة أيضا .
- ومنهم النسائي، قال الحافظ في التلخيص: قال النسائي:"حديث مضطرب"،وقال: "أكثر النسائي من تخريج طرقه وبيان اختلاف رواته".
- ومنهم الطحاوي كما في شرح معاني الآثار.
- أما الإمام أحمد فله فيه قولان حسب تفسير أصحابه، والراجح أنه يثبته كما سيأتي .
القائلون بنسخه
قد يكون الحديث صحيحا ومع ذلك يكون منسوخا، فإن النسخ فرع الصحة، والعلماء الذين بلغهم هذا الحديث ولم يأخذوا بما فيه من إطلاق، سبب ذلك أحد أمور ثلاثـة :
- إما تضعيفهم له بالاضطراب،كما سبق .
- وإما لكونه شاذا مخالفا لجمهور أحاديث صيام النافلة .
- وإما لأنه منسوخ، وممن صرح بالنسخ أبو داود في سننه .
قلت: ويمكن اعتبار موقف كل من يحي بن سعيد والأوزاعي ردا للحديث بالشذوذ، وكذلك قول مالك:"هذا كذب"، فإنه متأخر فيما يبدو عن قوله الذي أثبتناه نقلا عن ابن العربي، فإنه إنما نفى فيه سماعه الحديث، ولم يتعرض للحكم عليه .
دلالة الحديث عند جمهور العلماء:
الحديث ظاهر الدلالة على النهي عن صوم يوم السبت في غير الفرض بإطلاق كما تقدم، غير أني لم أجد من العلماء الذين تيسر لي الاطلاع على أقوالهم؛ من ذهب إلى القول بالمنع بإطلاق، إلا ما أشار إليه الطحاوي في شرح معاني الآثار إشارة مقتضبة .
بل إن العلماء على تقييد المنع إما بصوم هذا اليوم منفردا، وإما بالقصد إلى صومه وتحريه، وأنت خبير بأنه لا يلزم من صومه منفردا القصد إلى صومه، كأن يصام لأنه يوم عرفة أو عاشوراء، وإنما يثبت القصد إذا صيم لأنه يوم السبت، فهذا يصدق على فاعله أنه متحر، ومعنى ذلك أ ن صوم هذا اليوم إذا انتفى القصد إليه باعتباره يوم السبت، جائز عند العلماء، كما يجوز عندهم صومه إذا لم يكن منفردا .
قال الترمذي عقب إيراده الحديث: "ومعنى كراهته في هذا؛ أن يخص الرجل يوم السبت بصيام، لأن اليهود يعظمون يوم السبت".
ومع أن أبا داود يرى أنه منسوخ، فقد ترجم عليه بقوله: "النهي عن أن يخص يوم السبت بصوم"، وهذه الترجمة لا تتعارض في نظري مع القول بالنسخ الذي ذهب إليه، بل مقصوده تقرير معنى الحديث الذي فهمه هو فيما لو لم يكن منسوخا كما هو الراجح عنده، اعتبارا بالنصوص المعارضة، وهذا أمر دقيق فانتبه إليه، ولهذا ترجم بعده بقوله: "باب الرخصة في ذلك"، وروى تحت الترجمة حديث جويرية بنت الحرث أن النبيدخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة؛ فقال: "أصمت أمس؟، قالت: لا، قال: "أتريدين أن تصومي غدا"، قالت: لا، قال: "فأفطري" .
ثم دعم ما ذهب إليه بأقوال الأوزاعي وابن شهاب ومالك وقد تقدم ذكرها ، فكأنه يريد أن يقول لو لم يكن منسوخا؛ لكان ينبغي أن يفهم النهي فيه على هذا النحو، فهو دائر بين النسخ، والتخصيص، والله أعلم .
وبنحو هذا ترجم المنذري في كتابه الترغيب والترهيب، قال:"،،،وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم، أو السبت"، ثم قال: "وهذا النهي عن إفراده بالصوم، لما تقدم في حديث أبي هريرة: لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوما قبله، أو يوما بعده"، فجاز إذا صومه"، وإلى هذا مال ابن القيم في زاد المعاد، والشوكاني، والمباركفوري وغيرهم كثير .
وقد اختلف أصحاب الإمام أحمد في تفسير كلامه فقد قال أبو بكر الأثرم: "سمعت أبا عبد الله يسأل عن صيام يوم السبت يتفرد به، فقال:"أما صيام يوم السبت يتفرد به؛ فقد جاء في ذلك الحديث"، وبعد أن ذكر موقف يحي بن سعيد المتقدم؛ قال الأثرم: "وحجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر".
لاحظ أن السؤال إنما كان عن صومه منفردا، فأجاب بالحديث، وإجابته به تدل على أخذه به في المنع مما سئل عنه، أعني صومه منفردا، والأثرم فهم أنه لم يأخذ بما دل الحديث عليه لكونه شاذا .
قال الإمام ابن تيمية:"واحتج الأثرم بما دل من النصوص المتواترة على صوم السبت"، وبين عدم إمكان حمل النهي على الإفراد، ثم قال: "فيكون الحديث إما شاذا غير محفوظ وإما منسوخا، وهذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه كالأثرم وأبي داود".
ولا يخفى أن المراد من قول ابن تيمية هنا؛ هو توجيه قول هذا الفريق من أصحاب أحمد، وهو لا يقصد بالشذوذ مخالفة الثقة من هو أوثق منه، أو أكثر عددا، كما هو اصطلاح علماء الحديث، بل يريد مخالفة حديث النهي عن صوم السبت لأحاديث كثيرة، سأشير إليها فيما بعد إن شاء الله .
والمقصود أنه لم يرد بالشذوذ ما أشار إليه العلامة الألباني حين علق على قوله قائلا: "ذلك أن الحديث صحيح من طرق ثلاث كما سبق تحريره، فأنى له الشذوذ"؟، وقد جاء هذا من عدم وقوفه على سياق الكلام كله، وإلا فإن ابن تيمية من المثبتين للحديث الموافقين للجمهور في أن المراد القصد إلى صومه، فقد قال عنه إنه جيد الإسناد، كما يأتي، والمقصود أن الذي يظهر من إجابة الإمام أحمد أنه يحتج بالحديث، يدل على ذلك قوله:قد جاء في ذلك الحديث، ويدل عليه سعيه في الحصول عليه، حين أبى يحيى أن يحدثه به، فأخذه من أبي عاصم، وعليه يكون النهي عنده مقيدا بالإفراد، لأن السؤال كان عنه .
قال الإمام ابن تيمية مرجحا هذا الوجه: "وأما أكثر أصحابنا ففهموا من كلام أحمد الأخذ بالحديث وحمله على الإفراد، إلى أن قال: "وهؤلاء يكرهون إفراده بالصوم عملا بهذا الحديث، بجودة إسناده وحملوه على الإفراد".
والغرض من سوق هذه النقول؛ بيان أن العلماء الذين أخذوا بالحديث حملوا النهي فيه على الإفراد، ويظهر أنهم لا يريدون الإفراد مطلقا، بل الإفراد المتحرى، فيخرج ما إذا صيم لموافقته يوما حض الشارع على صيامه، وقد تتساءل أيها القارئ الكريم عن مستند أهل العلم في تقييد النهي بما قيدوه به مع أنه مطلق لا دلالة على هذا القيد في الحديث .
والجواب أن الدافع لهم إلى هذا أمران:
أولهمـا: محاولتهم طاعة الأدلة جميعا بقدر الإمكان، عن طريق الجمع بينها، فإن هذا مقدم على غيره من الترجيح والنسخ، كما عليه جمهور أهل الأصول .
وثانيهما: نظرهم إلى العلة التي من أجلها كان النهي عن صوم يوم السبت، فأما الجمع فسيأتي الكلام عليه بما يفيد أنه متعذر .
وأما العلة؛ فإن مذهب الجمهور يشير إلى أنهم يرون أنها تعظيم اليهودله، وقد صرح بذلك الترمذي كما سلف، فمن صامه شاركهم في هذا التعظيم، ولما كان إفراد السبت بالصوم يقوى معه احتمال التعظيم؛ قيدوا النهي به، لكنه إذا أفرد لموجب آخر اقتضى صومه، كأن يوافق يوم عرفة أو عاشوراء؛ أمن هذا الاحتمال؛ فقالوا بالجواز، وهذا أقصى ما يمكن من التحري والاحتياط لأحكام الله تبارك وتعالى، فلله درهم، فلننظر الآن في مدى صواب تعليل النهي بالتعظيم
علة النهي عن صوم يوم السبت:
يؤخذ مما قاله أهل العلم في علة النهي أن لهم فيها مذهبين:
المذهب الأول: أن النهي معلل بمخالفة اليهود، حيث قال بعضهم إن اليهود يمسكون في هذا اليوم تعظيما له، والصوم في معنى الإمساك، فجاء النهي عنه .
وقيل إنما نهي عن صومه لأنه عيدهم، والعيد معظم عند أصحابه، فصومه مشاركة لهم في هذا التعظيم .
وكل من هذين القولين يجعلان القصد من النهي الدعوة إلى مخالفة الكفار كما هو معلوم من عمومات كثيرة في القرآن، وأدلة مستفيضة من السنة عامة وخاصة، ولا يخفى عليك أن هذه العلة تنتفي إذا صام المكلف السبت مضموما إلى غيره، أو صامه منفردا دون أن يتحراه، وإذا انتفت العلة انتفى المعلول، وهو النهي، ونظير هذا من صلى تحية المسجد عند طلوع الشمس أو عند غروبها، أو ركعتي الطواف أو غيرهما من ذوات الأسباب، فإن الراجح من قولي العلماء في ذلك الجواز.
والمذهب الثاني: أن النهي عن صوم السبت؛ معلل بالموافقة لأهل الكتاب-اليهود-، لا بالمخالفة لهم، وهذا إنما كان في الزمن الأول الذي كان النبي يجنح لموافقتهم فيما لم يؤمر فيه بشيء، لأنهم أهل كتاب، ومما يدل على ذلك؛ ما صح عن ابن عباس-رضي الله عنهما-من قوله: "كان النبي يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يِؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، فسدل النبيناصيته ثم فرق بعد" ، وذلك لكونهم أقرب إلى الحق من المشركين الذين لا مستند لهم من الوحي .
وقد أشار كتاب الله إلى هذا الأمر في فاتحة سورة الروم، حيث قال تعالى:غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنينإلى قوله تعالى:ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله،فجعل انتصار الروم على فارس من النصر الذي يفرح به المومنون، لأنه غلبة من له كتاب على من لا كتاب له .
وتعليل النهي عن صوم يوم السبت بالموافقة لأهل الكتاب؛ يعني أنه منسوخ بأوامر المخالفة لأهل الكتاب والمشركين وغيرهم من أهل الأهواء عموما، ويدعمه صومه-عليه الصلاة والسلام-السبت والأحد خصوصا، لاسيما وقد علل صومهما بأنهما يوما عيد عند المشركين وهو يحب مخالفتهم، فقد كان يعجبه موافقتهم، ثم انتهى إلى عكسها .
وقد يطوف بخلدك أيها القارئ تساؤل مفاده أن التعليل بالموافقة يعني ان النبي كان يوافقهم على تعظيم يوم السبت فكيف يستقيم هذا القول؟.
والجواب أنه قد سبق قول ابن عباس في ذلك فلا وجه للاعتراض، ثم إن هذا النهي منسوخ، شرع لمصلحة كانت يومئذ تربو على المصلحة المترتبة على المخالفة، فضلا عن كونه لا يختص بمسألتنا هذه، وقد قيل:
الشيب كره،وكره أن نفـارقـه * فاعجب لشيء على البغضاء محبوب

الموازنة بين تعليل النهي بالموافقة والمخالفة:
تعليل النهي عن صوم السبت بالموافقة لليهود مسلك قوي واضح يفضي إلى الجزم بأن هذا النهي منسوخ، ولا يضر بعد ذلك الاختلاف في الناسخ، وإن كان الراجح أنه حديث أم سلمة-رضي الله عنها-المتضمن صوم النبيللسبت والأحد، وتعليله هذا الصوم بحبه مخالفة الكفار، فإن تعليل الصوم بالمخالفة يدل بالمفهوم على أن النهي عن صومه معلل بالموافقة، وذلك لتعذر تعليل الفعل والترك بالعلة نفسها، ولما كانت المخالفة شرعا محكما، والموافقة شرعا منسوخا، كان حديث النهي هو المتقدم، فيكون هو المنسوخ .
قال الحافظ معلقا على قول أبي داود بالنسخ:"ولا يتبين وجه النسخ"، ثم قال: "يمكن أن يكون أخذه من كونه كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر، ثم في آخر أمره قال: خالفوهم، فالنهي عن صوم السبت يوافق الحالة الأولى، وصيامه إياه يوافق الحالة الثانية، وهذه صورة النسخ".
وفضلا عما تقدم، فإن في بعض الأحاديث ما يدل على أن الصوم هو المتأخر، ولهذا قلت في المقدمة إن كل من صحح حديث أم سلمة لا يستقيم له الاستدلال بالنهي، لا بحمله على العموم كما عليه فتوى العلامة الألباني، ولا بتقييده بالانفراد، أو عدم القصد، كما عليه جمهور أهل العلم، فهذا البيان فيه مقنع لمن ألقى السمع وهو شهيد، لكنني رغبت في استجلاء الأمر وتوضيحه بهذا الحوار الذي أرجو أن يتسامح عما فيه من تكرار نظرا للحاجة إليه:
- فإن قلت: من أين لك أن تعلل النهي عن صوم السبت بالموافقة؟
- فالجواب أن هذا التعليل المستنبط؛ دل عليه التعليل المنصوص في حديث أم سلمة الآتي ذكره .
و"عيدية" يوم السبت عند اليهود مستقرة، حين كان النهي عن صومه هو الشرع، وحين أصبح صومه هو الشرع .
- فإن قلت: إن الشارع قد دأب في كثير مما حث على صيامه من الأوقات أو نهى عنه، على التعليل، مظهرا للحكمة، مبرزا لعظم الثواب والأجر، وللمضار والمفاسد، فكيف لم يعلل النهي عن صوم السبت ؟.
- فالجواب أن الشارع قد علل الفعل ـ أعني صومه  السبت والأحد - فيؤخذ منه تعليل الترك، أعني النهي .
ولا ريب أن كثيرا مما حض الشارع على صومه أو نهى عنه قد علله، فقد علل النبيصوم الإثنين بأنه ولد فيه وأنزل عليه فيه، وعلل صومه وصوم الخميس؛ بأن الأعمال تعرض فيهما على الله تعالى، وعلل إكثاره من الصوم في شعبان بغفلة الناس عنه، وتمنى صوم تاسوعاء لمخالفة اليهود، وصام السبت والأحد لمخالفة اليهود والنصارى، وبين عظم أجر يوم عاشوراء بأنه يكفر ذنب سنة، وأن صوم يوم عرفة يكفر سنتين، وشبه صوم رمضان وإتباعه ستة من شوال، وكذا صوم ثلاثة أيام من كل شهر؛ بصوم الدهر في الثواب، وبين أن أفضل الصوم؛ صوم يوم وإفطار يوم، وهو صوم داود-عليه الصلاة والسلام ـ وأن من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه من النار سبعين خريفا، فهذا فيما صامه، أو حث على صومه .
فأما ما نهى عنه؛ فقد بين أن يوم عرفة وأيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى، وهذا كالنهي عن صومها، وعلل النهي عن صوم الدهر بتضييع كثير من الحقوق، وبانتفاء فائدة الصوم .
لكن الشارع قد لا ينص على العلة إما لظهورها، وإما لغير ذلك من المعاني، ولأن أوامر الله ونواهيه واجبة الامتثال علم المكلف العلة والحكمة أو جهلها، فلم يعلل النهي عن صوم العيدين، ولا النهي عن إفراد الجمعة بالصوم - والحديث المتضمن تعليل النهي عنها بالعيدية؛ سكت عليه الحافظ، واستنكره الألباني - وذلك إما لوضوح المعنى عند المخاطبين، إذ كانوا يعلمون أنه عيـد، والأعياد لا تصام، أو لأن وصف(العيدية)نفسه يشعر بالعلة .
لكن اعتبار الجمعة عيدا ثابت بالنصوص، منها قول النبي: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون".
والمقصود من هذا أن عدم التنصيص على العلة عن صوم السبت، قد يكون من هذا القبيل، فإن المسلمين كانوا يعلمون أنه عيد اليهود، وقد أشير إليه في كل من سورتي الأعراف والنحل المكيتين، وفي سورتي البقرة والنساء المدنيتين
بل إن عدم التنصيص على العلة هو عين الحكمة، لأن الحكم المعلل بها عارض مؤقت، ولأن النبي يغلب على موافقته لأهل الكتاب أن تكون أفعالا،كما عبر عن ذلك ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله السابق: "كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه"، عكس المخالفة فإنها دعوة بأقواله، ومما رسة بأفعاله، ولما شرع صوم عاشوراء عبر النبي-عليه الصلاة والسلام-عن ذلك بقوله لليهود:"نحن أولى بموسى منكم "، فهذه موافقة لا بد منها، إذ أن الحق لا يترك لمجرد فعــل المخالف له، ولما كانت موافقتهم في صوم عاشوراء دائمة، عللت، وإنما تمت مخالفتهم فيها بإضافة التاسع .
- ومما يدل على أن تعليل النهي بالموافقة هو الصواب؛ أن الصوم أظهر في المخالفة من عدمه، فلو كانت المخالفة هي العلة لأمر بصومه، ولأن الأصل أن العيد لا يصام، واليهود لم يكونوا يعظمون السبت بالصوم، بل بأمور أخرى كما قال أهل العلم .
- ومما يضعف تعليل النهي بالمخالفة؛ أن يوم الأحد هو عيد النصارى، ويوم السبت عيد اليهود، والجمعة للمسلمين، كما قال النبي-عليه الصلاة والسلام-"نحن الآخرون السابقون يوم القيامة،بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا،وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه،فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع:اليهود غدا والنصارى بعد غد" .
فلو كانت علة النهي عن صوم السبت هي المخالفة؛ لكان متجها أن ينهى عن صوم يوم الأحد؛ كما نهي عن صوم السبت، لحاجة المسلمين إلى مخالفة أهل الكتاب قاطبة، لأنها الشرع الباقي المحكم، ولا أعلم أنه قد ورد نهي عن صوم يوم الأحد، والله أعلم .
- فإن قيل: إذا كان الأمر كما تقول، فلم لم ينه عن صوم يوم الأحد موافقة للنصارى مؤقتا؛ كما وافق اليهود مؤقتا ؟.
- فالجواب أن اليهود هم الذين كانوا يخالطون المسلمين ويساكنونهم، فاحتيج إلى اشتراع تلك الموافقة المؤقتة لهم، بخلاف النصارى فلم يكونوا مجاورين للمسلمين ولا مخالطين لهم، حتى يحتاج إلى إظهار موافقتهم، فهذا في جانب الموافقة .
لكن لما كانت المخالفة هي الشرع الباقي، وكان المسلمون في حاجة إليها مع اليهود والنصارى على السواء، سن رسول الله صوم الأحد بفعله مخالفة لهم .
- فإن قيل:فأمره - عليه الصلاة والسلام - بصوم عاشوراء حين قدم المدينة، هل يعلل بالموافقة، أم بالمخالفة؟ .
- فالجواب: أن الكلام في هذا الأمر يحتاج إلى بسط للإحاطة به، وتوجيه اختلاف الأخبار الواردة فيه، وإذا كان لا بد من الجواب؛ فإن صوم عاشوراء يعلل بالموافقة أيضا، يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: "نحن أولى بموسى منكم"، ويدل عليه أيضا تمنيهصوم يوم التاسع قبل أن يموت بعام، كما هو في صحيح مسلم، فتمنى مخالفتهم بإضافة هذا اليوم إلى عاشوراء، أو صومه وحده .
- فإن قيل: كيف يكون النهي عن صوم يوم السبت معللا بالموافقة، والأمر بصوم يوم عاشورا معللا بها أيضا، وهما متضادان، وقد سبق أن منعت هذا ؟.
- فالجواب: أن اليهود كانوا يصومون يوم عاشوراء، ولم يكونوا يصومون يوم السبت، فكانت الموافقة في كل منهما بحسب المقام، والعلة وإن اتفقت؛ فقد اختلف المعلول، فالسبت منهي عن صومه، وعاشوراء مأمور بصومها .
- فإن قيل: إذا كان قد أمر بصوم عاشوراء للموافقة، كما نهى عن صوم السبت لأجلها، فلم لم ينه عن صوم عاشوراء للمخالفة، كما صام السبت والأحد لأجلها؟.
- فالجواب: أن يوم عاشوراء يختلف عن يوم السبت، فإنه يوم معظم، وتعظيمه معلوم عند غير اليهود، وقد كانت قريش تصومه، بل صامه النبيفي مكة، وقد فسرت الليالي العشر(وهو تفسير مرجوح) في سورة الفجر المكية بعشر المحرم، فلهذا كانت المخالفة بصوم التاسع، أو صومه مع العاشر، أو مع الحادي عشر كما في بعض الآثار، أما السبت فعيد لليهود أحدثوه بعد أن ضلوا عن الجمعة ضلال النصارى عنها، فاقتضى الشرع الباقي صيامه مخالفة لهم .
- فإن قيل استطرادا: كيف وافقهم في صوم يوم عاشوراء ولم يوافقهم على اتخاذه عيدا ؟.
- فالجواب: أن موافقتهم هنا كموافقتهم في صوم السبت، ليست في كل شيء، وأمر العيد قد بت فيه بأبي هو وأمي حين قدم المدينة،ولهم يومان يلعبون فيهما،فقال: "قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر والأضحى"، فانتهى بذلك التشريع في مسألة العيد، فإن الأعياد لا هوادة فيها، إذ أن لكل قوم عيدهم،ولهذا يشدد العلماء النكير على من اتخذ عيد غير المسلمين عيدا،وبهذا يستبين أن اتخاذ عاشوراء يوما لإظهار السرور، وتشبيهه بالعيد في بعض الأمور، قد يكون بقية من فعل اليهود، كما أن إظهار الحزن فيه والأسى من ابتداع الروافض، ولو افترضنا اعتضاد الأخبار الضعيفة الواردة في التوسيع على العيال فيه بعضها ببعض مما يكسبها قوة، كما قال المنذري وغيره؛ لكان الأولى اعتبارها من مرحلة الموافقة المنتهية .
فهذا ما أردته من بيان رجحان تعليل النهي عن صوم يوم السبت بالموافقة لليهود، مما يعني أنه منسوخ كما ذهب إليه أبو داود وغيره، فلله الحمد والمنة، ورغم أنني أعتبر هذا كافيا في الدلالة على ما قصدته؛ فإني أورد حديثي عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما-المشار إليهما آنفا، لكونهما معارضين لحديث النهي، استكمالا للموضوع .
دراسة التعارض بين القول والفعل
عن كريب أن ابن عباس وناسا من أصحاب رسول الله بعثوني إلى أم سلمة أسألها: "أي الأيام كان رسول الله  أكثر لصيامها؟"، قالت: "يوم السبت والأحد"، فرجعت إليهم فأخبرتهم، فكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم إليها فقالوا: بعثنا إليك هذا في كذا، وذكر أنك قلت كذا، فقالت: "صدق، إن رسول الله أكثر ما كان يصوم من الأيام السبت والأحد، ويقول إنهما عيدان للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم".
رواه النسائي والبيهقي وابن حبان والحاكم وعزاه ابن تيمية إلى ابن أبي عاصم، وقال الحاكم إسناده صحيح، ووافقه الذهبي، واختلف كلام العلامة الألباني في الحكم عليه، فأدرجه في الضعيفة، كما رجح ضعفه في الإرواء، لكنه حسنه في تعليقه على صحيح ابن خزيمة، وقال في الإرواء إن التحسين أقرب، وسكت عليه الحافظ في الفتح، وفي التلخيص الحبير، وبلوغ المرام، غير أنه عزاه في الفتح لأبي داود، وهو ليس في كتاب الصوم منه، فلعله في نسخة أخرى، لكن أبا داود روى عنها من طريق هنيدة الخزاعي عن أمه، قالت: "دخلت على أم سلمة فسألتها عن الصيام، فقالت: كان رسول الله  يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أولها الإثنين والخميس"، والحديث كما ترى يشمل صوم السبت، لأنها ذكرت الإثنين أول الثلاثة التي أمرت بصيامها، وبعدها الثلاثاء والأربعاء، وذكرت الخميس وهو أول الثلاثة الثانية، وبعده الجمعة والسبت، لكنه ليس في صحيح أبي داود للألباني .
وعن عائشة -رضي الله عنها-قالت: "كان رسول الله  يصوم من الشهر السبت والأحد والإثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس"، رواه الترمذي عن خيثمة عنها، وقال حديث حسن، وذكر أن عبد الرحمن بن مهدي رواه عن سفيان ولم يرفعه، وكأنه لذلك لم يصححه،كما نقله المناوي في فيض القدير، وإذا سلم الإسناد، ولاسيما ثبوت سماع خيثمة من عائشة، أو جاء الحديث من طريق آخر؛ فإن الرفع من الثقة زيادة يتعين قبولها، وقال الحافظ: "روي موقوفا، وهو أشبه" .
والحديث في صحيح الجامع الصغير للعلامة الألباني، وهو مغن عن حديث أم سلمة في خصوص صوم السبت، وإن كان الأول أقوى دلالة منه، لاشتماله على التعليل بالمخالفة، التي اعتمدت عليها في القول بالنسخ .
ولا يخفى على من أمعن النظر أن حديث أم سلمة في صوم النبي السبت والأحد؛ لا تستقيم أي محاولة للجمع بينه وبين حديث عبد الله بن بسر في النهي عن صوم السبت، بخلاف حديث عائشة كما سيتضح لك .
فأما قول الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن حديث أم سلمة هذا، وحديث عائشة قبله: "ليسا بحجة على من كره صوم السبت وحده، وعلل ذلك بأنهم يتركون فيه العمل، والصوم مظنة ذلك" ، قلت: لا يكون فيهما حجة؛ لو سلم تعليل النهي بما ذكره، وقد تبين لنا أنه لا يسلم من اعتراض .
وقد اعتبر الحاكم حديث أم سلمة معارضا لحديث النهي حيث قال: "وله معارض بإسناد صحيح"، ثم أورده .
وقال الألباني عقب ذكره قول أبي داود بالنسخ: "ولعل دليل النسخ عنده حديث كريب مولى ابن عباس"، ثم قال: "ولو صح لم يصح أن يعتبر ناسخا لحديث ابن بسر، ولا أن يعارض به كما ادعى الحاكم، لإمكان حمله على أنه صام مع السبت يوم الجمعة، وبذلك لا يكون قد خص السبت بصيام، لأن هذا هو المراد بحديث ابن بسر كما سبق عن الترمذي".
وهذا أمر كان الشيخ الألباني يراه من قبل، ثم ذهب إلى المنع مطلقا، لكن قوله: "لإمكان حمله على أنه صام مع السبت الجمعة "، لا حاجة إليه، فإن الحديث محتمل احتمالا ظاهرا صوم النبي السبت مقرونا بالأحد .
وقوله باختصار: "لم يصح أن يعتبر ناسخا"؛ ليس كما ينبغي، فإن الصوم معلل بالمخالفة، فيكون النهي معللا بالموافقة، ولا يمكن تعليل النهي والفعل بها كما سبق .
على أن الوجه الذي قال به كثير من العلماء، أعني حملهم النهي على الإفراد لا يستقيم أيضا، لأنهم إنما قالوا بذلك فيما يبدو فرارا من القصد إلى هذا الصوم، وهذا منقوض بالنص على القصد إلى صومه كما في الحديث: "وأنا أريد أن أخالفهم"، بل لو قال أحد إن صوم السبت في حديث أم سلمة في حكم المفرد، لتوفر القصد إلى صومه وتحريه هو والأحد، لما كان بعيدا عن الصواب، لأن ما رتب على الإفراد من القصد قد توفر .
- فإن قيل: لم لا يحمل النهي عن صوم السبت على الإفراد، بدليل صيامه مع غيره في حديث عائشة نصا، وفي حديث أم سلمة على أحد الاحتمالين، وقد جمع بمثل ذلك بين حديث النهي عن صوم الجمعة وصومهلها؟ .
- قلت:حديث النهي عن صوم الجمعة جاء مقيدا بإفرادها بذلك، فلما جاء الخبر بصومهلها؛ ساغ حمله على صومها مقرونة بغيرها تقييدا للفعل بالقول، لأن به يتم الجمع بين الدليلين، أما النهي عن صوم السبت فلا يمكن ذلك فيه، للتصريح بالقصد إلى صومه في حديث أم سلمة، وقد سبق أن الدافع للجمهور إلى حمله على الإفراد الهروب من القصد .
ثم إن يوم الجمعة عيد المسلمين، فجاء النهي عن إفراده بالصوم لما فيه من التحري، فإذا ضم غيره إليه زال ذلك، ولأن سبب النهي عن صوم يوم السبت غير سبب النهي عن صوم يوم الجمعة .
- فإن قلت: فهل يؤخذ من قولك جواز صوم يوم السبت على انفراد لتوفر القصد إلى صومه في حديث أم سلمة؟ .
- فالجواب نعم، بل يستحب صومه منفردا، ومضموما إلى الأحد بقصد مخالفة اليهود والنصارى، تأسيا بالنبي .
قال العلامة الكحلاني:"وحديث الكتاب دال على استحباب صوم السبت والأحد مخالفة لأهل الكتاب، وظاهره صوم كل على الانفراد والاجتماع".
قلت: وإنما الممنوع أن يصام يوم السبت تعظيما له، لكون ذلك مخالفا لما شرع صومه له، وهو مخالفة اليهود، والله أعلم .
- فإن قيل: فقد روى الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن الصماء أنها دخلت على رسوليوم السبت، وهو يتغدى، فقال: " تعالي فكلي"، فقالت: "إني صائمة"، فقال لها: "صمت أمس؟"، فقالت: "لا"، قال: "فكلي، فإن صيام يوم السبت لا لك ولا عليك"، فما تقول في هذا؟ .
فالجواب أن الحديث فيه مجهول، كما أن فيه ابن لهيعة، ولو صح لكان حجة للجمهور الذين ذهبوا إلى اعتبار حديث النهي محكما من جهتين:
أولاهمـا: تقييد الإطلاق الذي في حديث النهي، يؤخذ ذلك من سؤاله إياها: "هل تريدين أن تصومي غدا؟، وقوله: "هل صمت أمس؟.
وثانيتهما: صرف النهي عن التحريم إلى الكراهة، يؤخذ ذلك من قوله عن صوم السبت منفردا: "لا لك ولا عليك"، فإنه لو كان محرما يكون عليها .
وقدقال الإمام ابن تيمية عن هذا الحديث: "وهذا وإن كان إسناده ضعيفا، لكن تدل عليه سائر الأحاديث" ، يريد أن التقييد الذي في هذا الحديث؛ تدل عليه سائر أحاديث صيام النافلة .
- فإن قيل: فلم لا يقدم حديث النهي وهو حاظر، على حديث الصوم وهو مجيز، فإن الحظر مرجح على الإباحة، إذ أن خطر مواقعته أعظم من أجر الصوم، وهو لا يرقى إلى أكثر من الندب، وتركه لا إثم فيه؟ .
- والجواب: أن هذه أقوى حجج من تمسك بالنهي، فإن هذا الترجيح حق، وإن كان جانب الإذن يقوى بمرجح آخر، هو إرادة المخالفة، لكنها لا تصل بالصوم إلى الوجوب، إذ لا قائل به فيما أعلم، ولو وصلت به إليه؛ فإن المحظور يقدم عليه عند فريق من العلماء، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ومن العلماء من اعتبرهما سواء كابن حزم والباجي، لكن العلاقة بين الحديثين؛ لا تصل دراستها إلى مرحلة الترجيح، بل تنتهي في مرحلة النسخ، وهو مقدم عليه عند جمهور العلماء متى قام الدليل عليه، وقد علمت أن دليله قوي في فقرة الموازنة المتقدمة بين تعليل النهي بالموافقة والمخالفة .
ومما يزيده قوة أن كريبا قال عن الصحابة الذين أرسلوه إلى أم سلمة يسألها: "فكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم إليها فقالوا"،،،الخ فإن الظاهر أن سبب إنكارهم عدم فشو هذه السنة، لكونها فعلت متأخرة، شأنها شأن تمني صيام اليوم التاسع .
ومن ذلك ما ورد في بعض طرق هذا الحديث من قول أم سلمة: "ما مات رسول الله حتى كان أكثر صيامه السبت والأحد"، فإنه ليس المقصود بقولها: "ما مات" أنه فعل ذلك قبل أن يموت، فإن هذا لا يتصور غيره، بل المقصود أنه فعله بعد أن لم يكن يفعله، أو أنه فعله متأخرا، فهذا مؤشر قوي على تأخر هذه السنة، والله أعلم .
- فإن قيل: فلنحمل حديث صوم السبت على أنه من خصائصهلأنه فعل مخالف للقول الموجه للأمة، وقد ذهب جمهور الأصوليين إلى أن القول الشامل للنبي عليه السلام وأمته بطريق الظهور إذا خالفه الفعل، سواء تقدم عليه أم تأخر، دل ذلك على اختصاص الفعل به، وإن شمله القول بطريق التنصيص؛ دل الفعل المخالف على النسخ في حقه،كما أشار إليه الشوكاني في إرشاد الفحول، وبعض مؤلفاته الأخرى .
- فالجواب: أن المانع من ذلك أمران: عام يتناول كل محاولة للجمع بين الأدلة على هذا النحو، وخاص بمسألتنا هذه .
فأما الخاص: فإن القاعدة المذكورة لو سلمت؛ فإنها لا تسلم هنا لتعليل الصوم بالمخالفة، وهي مقصد شرعي عام للنبيوأمته، فيمتنع الاختصاص .
وأما العام: فإن الأصل في أفعاله ه الإئتساء، ما لم تكن طبعية جبلية، أو يدل الدليل الخالص من شوب المعارضة على الاختصاص، ولا شيء من ذلك يتوفر هنا، فكيف والأمر يتعلق بعبادة معللة بأمر يشترك فيه المسلمون قاطبة، ونبيهم أول المسلمين ؟.
ثم إن العدول بفعل المعصوم عموما، وفي العبادات خصوصا، عن كونه تشريعا للأمة، كما دلت عليه أدلة الإئتساء العامة إلى الاختصاص لمجرد شبهة التعارض أمر خطير، حتى وإن قال العلامة الشوكاني-رحمه الله-وهو الذي بالغ في تطبيق هذا الأمر، وذكر أن كثيرا من الناس يغفلون عنه في مجال الترجيح، وقال:"إنه قد استراح بملاحظته من النصب في جمل من المسائل التي عدها الناس من المعضلات" .
لا يخفى عليك أيها القارئ الكريم أن زوال الإشكال بأمر ما، أو الاستراحة من النصب به، لا يلزم منه أنه صواب، والاستراحة متيسرة بما هو دون هذا الأمر الخطير، كاعتبار الفعل المخالف للقول صارفا له عن الدلالة الحقيقية من الوجوب والتحريم، إلى غيرها من الندب والكراهة، كما أن الفعل المخالف إذا كان على وفق البراءة الأصلية؛ فإن الظاهر أن القول من أمر أو نهي وارد عليه، فهو الشرع المحكم .
ويكفي أن تعلم أن تطبيق هذه القاعدة لو طرد لألغيت دلالات الأفعال في عشرات المسائل، وقد كنت غير مرتاح إليها منذ حين، ثم قرأت للشيخ أحمد شاكر-رحمه الله-في تعليقه على"الروضة الندية"لمحمد صديق خان قوله: "ما زعمه الشارح تبعا للمؤلف في نيل الأوطار من أنه تقرر في الأصول،الخ.. دعوى لا دليل عليها، ومرجعها إلى ادعاء الخصوصية في بعض أفعاله، وهي لا تقبل ممن يدعيها إلا بدليل صريح".
- قلت ويحضرني من المسائل التي تشملها هذه القاعدة حسب القائلين بها صوم الجمعة منفردا، والتغليس بالصبح، والصلاة بعد العصر، وترك الوضوء مما مست النار، والشرب في حال القيام، واختناث الأسقية، واستقبال القبلة بالبول والغائط، واحتجام الصائم، ونحوها .
إن الداعي إلى الخير، أول الفاعلين والمنتهين، أو هكذا ينبغي أن يكون، فكيف إذا كان رسولا من رب العالمين أفعاله تشريع للناس أجمعين؟، قال تعالى حاكيا قول عبده ورسوله شعيب-عليه السلام-لقومه: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه" .
مخالفة النهي عن صوم السبت لأحاديث صيام التطوع:
إن الإشارة إلى هذه الأحاديث لا أقصد بها إلا مزيد توكيد لما قررت، ومزيد اطمئنان لمن لا زال مرتابا في الأمر، ودلالة هذه الأحاديث آتية مما فيها من عموم وإطلاق على مشروعية صوم السبت في التطوع، وهي تدل من صومه على نوعين:
أ - صومه في جملة أيام محددة، في الشهر أو الأسبوع .
ب - احتمال صومه منفردا لموافقته يوما حث الشارع على صومه.
وهذا الذي يؤخذ من هذه الأحاديث؛ هو قول الجمهور من أهل العلم، لكن ليس فيها صوم السبت منفردا، لكونه يوم سبت، إلا ما يؤخذ من حديث أم سلمة، باعتبار الاحتمال الذي فيه، مع توفر القصد إليه كما أسلفت .
وإنما أخرت هذه المسألة لأن من ذهب إلى القول بالنهي مطلقا يمكن أن ينازع بأن هذه الأحاديث ليس فيها إلا العموم أو الإطلاق ،وهما قابلان للتخصيص والتقييد، كما هو الأمر عند جمهور أهل الأصول، ومع التسليم من حيث المبدأ بقاعدة التخصيص هذه، فإنني ألفت الانتباه إلى أمرين، يعكران على تطبيقها هنا:
الأول: أنه ليس من السهل أن نخصص بحديث النهي نصوصا في غاية الصحة، دالة بما فيها من عموم وإطلاق على جواز هذا الصوم، مع أنها على كثرتها لم ترد فيها أدنى إشارة إلى استثنائه كما سيأتي .
والثاني: أننا إذا قمنا بهذه العملية؛ فسنضطر إلى تخصيص كل الأحاديث التي جاء فيها ذكر أزمنة صوم التطوع مبهمة، أعني غير مبينة اليوم من الأسبوع، الأقوال والأفعال والإقرارت على السواء، وإذا علمنا أن بعض هذه الأحاديث كحديث صوم عاشوراء متواتر في خصوص صوم معين، فكيف بالتواتر المعنوي الحاصل بمجموع هذه الأحاديث، ومن هنا تكون هذه المسألة غريبة في مجال التخصيص غرابتها في مجال الفتوى .
وقد يقال: إن الآحاد وإن كان كثير من العلماء أبى أن يخص بها المتواتر فإن علماء آخرين يرون تخصيصه به، وإذا صلح الدليل للتخصيص؛ فلا عبرة بعدد النصوص التي يمكن أن يخصصها .
والجواب: ما هذا المخصص الذي في ثبوته ما تقدم من خلاف، ثم لا ترد أدنى إشارة إليه بمخصص متصل، ضمن نصوص لو اعتبرنا الصحابة الذين رووها لبلغوا العشرات، إنه أمر يدفع الباحث المنصف إلى الجزم بشذوذ هذا النهي لهذه المخالفة، كما قال بذلك فريق من العلماء، متى لم يستيقن النسخ الذي هو الحق، وهذه بعض تلك الأحاديث، وقد اكتفيت بالإشارة إليها، دون إثباتها بلفظها :
1 - حديث صيام عاشوراء، وقد رواه أزيد من ثمانية من الصحابة، وكان النبي يطلب فضله، ويتحرى صومه، بل أمر من كان أفطر بالإمساك بقية يومه، واستمر الأمر على ذلك وجوبا ثم استحبابا تسع سنوات، وليس بعيدا أن يوافق صوم عاشوراء يوم السبت، ومع ذلك لم ترد أدنى إشارة إلى استثنائه، أو الإخبار بأنهم لم يصوموه فيما أعلم .
2- حديث فضل صوم يوم عرفة، ولم يأت النهي عن صومه إلا بالنسبة للحاج، وإني أرى أن النهي عن صوم عرفة إذا وافق السبت، لو كان شرعا محكما؛ أولى من النهي عن صوم الحاج له، لأن تكرره في حياة المسلم في غير الحج؛ أكثر بكثير من تكرره في الحج، وما تعم به البلوى أولى بالنهي من غيره، وهذه دقيقة فتأملها، أما النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة؛ فقد رواه أحمد وأبو داود وغيرهم من حديث أبي هريرة،وفيه مهدي الهجري وهو مجهول .
لكن روى الشيخان عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول اللهوفيه: أنها أرسلت إليه بقدح لبن فشربه.
3 - قوله عليه الصلاة والسلام-لرجل :"أما صمت سرر هذا الشهر؟قال:"لا"،قال:"فإذا أفطرت فصم يومين"،وفي رواية يوما .
و السرر إذا قرئ بفتحتين فإن معناه آخر ليلة يستسر فيها الهلال بنور الشمس، وهو على هذا معارض بالنهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، وبالنهي عن صوم يوم الشك، وعلى أنه بضم ففتح، فهو جمع سرة، فيوافق الحديث الذي فيه الحث على صوم الأيام البيض، ومما يرجحه ما في إحدى روايات مسلم: أصمت من سرة هذا الشهر؟ وقد حمله بعض العلماء على أنه كان للرجل صوم منذور، فلعله تركه امتثالا للنهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، فهو مخصص به، وموضع الاستدلال فيه أنه لم يبين له أن عليه أن لا يصوم السبت .
فهذه ثلاثة أحاديث في استحباب صوم يوم منفرد في العام أو في الشهر، ولا بد أن يوافق يوم السبت، وليس فيها استثناء .
- فإن قيل: إن الجمعة منهي عن صومها منفردة، وهي أيضا لم تستثن في هذه الأحاديث، فلنجعل عدم استثناء السبت من هذا القبيل، والجمهور على أنها لا تصام منفردة ؟.
-فالجواب من وجهين:
أولهما: أن الجمعة ليست كالسبت، فإنها عيد المسلمين، والمرء أدرى بعيده، وبما يجري فيه من غيره، وهي وإن خفي إفرادها بالصوم على بعض الصحابة كأبي الدرداء وغيره، فإنه قد ثبت في غير ما خبر تذكير بعضهم بعضا بذلك المنع، فقد حلف جابر - رضي الله عنه - على ثبوت خبر النهي .
ومهما يكن فإن هذا الخفاء لا يقارن بخفاء النهي عن صوم يوم السبت حتى ينقض به، وزيادة على هذا الفارق المؤثر، فأين هي الأخبار التي نهى فيها الصحابة بعضهم بعضا عن صوم السبت قياما بواجب التبليغ ؟.
وثانيهما: أن الجمعة وإن جاء النهي عن صومها على انفراد مطلقا، فقد دل الدليل على مشروعية صومها إذا وافقت يوما حض الشارع على صومه، من ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - :"لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم".
فدل على أن المقصود بالنهي عن إفرادها بالصوم التحري، يؤيده أن الصحابة قد شكوا في صوم النبي  يوم عرفة في حجة الوداع، وقد كان يوم جمعة، ولم يتأكدوا من عدم صومه؛ إلا بعد أن أرسلت إليه أم الفضل، أو ميمونة بنت الحارث ـ رضي الله عنهما ـ بحلاب فيه لبن فشربه، ولولا أنهم كانوا يرون جواز صوم يوم عرفة إذا وافق الجمعة ما شكوا، ولاحتج بعضهم بما علم من نهيه السابق .
على أن هذا النقض لو استقام؛ لم يتأت الاعتراض به إلا بالنسبة للأيام المفردة التي حض الشارع على صومها في العام أو في الشهر، وهي قليلة، فما يصنع بالأحاديث الكثيرة التي فيها الحض على صوم أكثر من يوم، بعضها متتابع، وبعضها يحتمل التفريق، وصوم يوم الجمعة ضمنها جائز بالاتفاق للنص عليه، بخلاف صوم يوم السبت، فإنه غير جائز عند من اعتمد العموم .
ومن هذه الأحاديث:
4- الأحاديث التي فيها صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهي أقوال وأفعال، منها صومه  ثلاثة أيام من غرة كل شهر، ولا بد أن يكون في هذه الأيام السبت، والنبي أولانا بمخالفة اليهود لو كان النهي لأجل المخالفة، أو كان شرعا باقيا .
وورد الحض على صوم ثلاثة أيام من كل شهر، فقيل هي من الثالث عشر إلى الخامس عشر متتابعة، وقيل من غير تحديد زمن معين، وقيل غير ذلك، وقد اختلف العلماء في تحديدها على أقوال، وكيفما كان الأمر؛ فلا بد أن يكون فيها السبت أحيانا .
5 - حديث إتباع رمضان بستة أيام من شوال، والإتباع المذكور محتمل للتتابع والتفريق، وإذا صيمت متتابعة؛ كان فيها السبت أحيانا ولا بد.
6- الحديث الذي فيه الحض على العمل الصالح في الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، ومن العمل الصالح الصوم، وهي تسعة أيام، وفيها السبت دائما ولا بد .
7ـ الحديث الذي فيه أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم،والعشر الأول منه لها ميزة على باقيه،ولم يأت فيه استثناء .
8 ـ حديث النهي عن صوم يوم الجمعة،إلا مقرونة بما قبلها أو بما بعدها،والذي بعدها السبت،وقد قال-عليه الصلاة والسلام-لإحدى زوجاته، وقد كانت صائمة: أتريدين أن تصومي غدا؟فلما قالت لا،أمرها بالإفطار،وهو يعني أنها لو قالت نعم،لتركها صائمة،فتصوم السبت.
9 ـ حديث صومهشعبان إلا قليلا، ولابد أن يكون فيه السبت.
10 ـ ومثله حديث سرده-عليه الصلاة السلام-الصوم،والسرد المتابعة،وقد جاء فيه أنه من كثرة صيامه كانوا يقولون لا يفطر.
11 ـ حديث حمزة بن عمرو الأسلمي،الذي قال إني أسرد الصوم،أ فأصوم في السفر؟،فقال:"صم إن شئت وأفطر إن شئت"،ففوض إليه ولم يقيده بشيء،وإذا قيل إن التفويض إنما كان في صوم رمضان والكلام ليس فيه،قيل إنما قال في سؤاله إني أسرد الصوم،وهذا يشمل الفرض والنفل.
12 ـ حديث أفضل الصوم صوم داود-عليه الصلاة والسلام-كان يصوم يوما ويفطر يوما، وهو في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .
13 ـ حديث من صام يوما في سبيل الله،باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا، وهو مطلق.
فهذه بعض الأحاديث الواردة في صوم التطوع، ولم ترد فيها أدنى إشارة إلى استثناء صوم السبت، فزال كل لبس، والحمد لله .
الخــــاتمة:
بعد انتهائي من كتابة هذا، وقفت على كلام للحافظ وهو بصدد شرح حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في "باب الفرق" من كتاب اللباس، من صحيح البخاري، يؤخذ منه أمور كنت ذكرتها في هذا البحث، فرأيت من المفيد أن أورد بعضها في الخاتمة تدعيما لما ذهبت إليه، والراجح أنها أقوال الحافظ الأخيرة، لوجود إشارات إليها في مواضع أخرى، ليس معها الجزم الذي هاهنا، مما يدل على أنها هي مستقر قوله في هذه المسألة، سواء تعلق الأمر بتصحيح حديث الصماء الذي سبق وصف الحافظ له بالاضطراب، مع بعض التردد، أو اعتبار الحكم المأخوذ منه منسوخا، ولهذا فإني ألخص ما كان منها ذا علاقة بالموضوع، لعلها تكون سببا في ازدياد اطمئنان القارئ، وهي دليل آخر على أن العلم لا يعرف الجمود، وأن التعامل مع نصوص الكتاب والسنة لا غنى عنه ولا بديل، إلا أن يضطر المسلم إلى غيره، ومن هذه الأمور:
- أنه يرى ثبوت حديث النهي عن صوم السبت الذي سبق أن نقلت قوله باضطرابه، لأنه اعتبره هنا منسوخا، كما أنه يثبت حديث أم سلمة وقد ذكرت من قبل أنه سكت عليه .
- أنه يرى حديث النهي عن صوم السبت منسوخا، وناسخه عنده حديث أم سلمة، فقد قال عاطفا على ما ذكره من الأمور التي رآها منسوخة: "ومنها فيما يظهر لي النهي عن صوم يوم السبت"، إلى أن قال: "وناسخه حديث أم سلمة،،،".
- أنه يرى جواز إفراد يوم السبت بالصوم، قال: "ويستفاد من هذا؛ أن الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت، وكذا الأحد؛ ليس جيدا، بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة"، إلى أن قال: "وأما السبت والأحد فالأولى أن يصاما معا وفرادى، امتثالا لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب"، قلت:واقتداء بالدليل الخاص، فإنه مقدم في الاستدلال على العموم الذي ذكره وأقوى منه .
- اعتبر أن صوم يوم عاشوراء كان موافقة من النبيلأهل الكتاب، ثم انتهى إلى مخالفتهم نوع مخالفة، بصوم يوم قبله أو بعده، فهو نظير صوم يوم السبت، لكن بغضافة يوم إليه .
- ثم قال في ختام شرحه لخبر ابن عباس: "وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب، فزادت على الثلاثين حكما، وقد أودعتها كتابي الذي سميته (القول الثبت في الصوم يوم السبت) .
فهذا مجرد التقاء في الاسم، ولا أعلم ما إذا كان هذا الكتاب موجودا أو لا، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علما، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليه .
وكتبه بن حنفية العابدين
ابن محي الدين
عفا الله عنه
__________________
قال الإمام مالك {العلم نور لا يأنس إلا بقلب تقي خاشع}
رد مع اقتباس
  #32  
قديم 11-10-2009, 04:53 PM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

الحديث الذي ورد فيه النهي عن صوم يوم السبت هل فيه تخصيص ( 00:08:24 )
مناقشة الشيخ الألباني مع الشيخ عبد المحسن العباد وغيره حول صيام يوم السبت. ( 00:33:19 )

كلام ماتع للشيخ الألباني -رحمه الله-
من هنا بارك الله فيكم:
http://www.alathar.net/esound/index....740&coid=75943
__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس
  #33  
قديم 12-12-2009, 08:28 AM
أبوعبدالسلام أصيل أبوعبدالسلام أصيل غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 12
افتراضي مشاركة مفيدة جدا

من موسوعة فإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ : للاخ الباحث أبو سند محمد حفظه الله فقد أجاد وأفاد

حكم صيام يوم السبت

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ

لقد تنازع أهل العلم سلفاً وخلفاً ، في حكم صيام يوم السبت , وإذا كان الأمر كذلك ، فالواجب رده إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, لقوله سبحانه و تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء 59 ], ولأن كل واحد يرى الصواب معه وجب الرجوع في ذلك إلى حكم بينهم و الحكم في مثل هذا لا يكون إلا كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , ومن أجل ذلك كله كان هذا البحث في هذه المسألة.


وهذا البحث هو عبارة عن ما يشبه المناظرة بين من يقول بعدم جواز صيام يوم السبت , وبين من يرى ان صيامه جائز - على اختلاف بين القائلين في ذلك فمنهم من يرى انه جائز مطلقا ومنهم من يرى انه يكره منفردا- فسوف نطرح قول القائل بحرمة صيامه ثم نطرح رد من يقول بخلاف ذلك



حوار بين القائلين بجواز صيام السبت وبين المانعين


القائلون بالنهي مطلقا قالوا : إن صيام يوم السبت لا يجوز مطلقا , سواء أكان مفرداً , أو وافق عادة للصائم , أو وافق أيام فاضلة , وسواء صام يوماً قبله أو بعده.

و الدليل على ذلك هو الحديث الصحيح الصريح المروي عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ) , فهذا الحديث يدل على تحريم صيام يوم السبت بثلاثة مؤكدات:

الأولى : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ) , والأصل في النهي التحريم ما لم يصرف إلى الكراهة أو الإباحة و لا صارف.
الثانية :قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) , و إلا تفيد الحصر فلا يدخل غير المحصور و هو قوله افترض عليكم و هو رمضان و الكفارات و النذور و القضاء , وكل ما فرض صيامه فلو صادف السبت احد هذه المفروضات فلا مانع من صيامه.
شدة النهي على صيام هذا اليوم حيث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ) , فأوجب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاكل في هذا اليوم والأمر بإفطاره يفيد الوجوب ولو بلِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ , ومن المعلوم أن لِحَاءَ العِنَبَةٍ أَوْ عُودَ الشَجَرَةٍ لا يغني من الجوع وإنما ليبين انه قد افطر هذا اليوم , قال الحافظ العراقي: (هذا من المبالغة في النهي عن صومه؛ لأنَّ قشر شجر العنب جاف لا رطوبة فيه ألبتة بخلاف غيره من الأشجار)انتهى.



القائلون بالجواز قالوا : أن المستدل بالسنة النبوية يجب عليه أن يوفر شرطين حتى يكون إستدلاله صحيحاً وشروط الاستدلال بالسنة النبوية هي:

1- صحة الدليل - ومعنى صحة الدليل هي سلامته من العلل - وبهذا يجب على المستدل بسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يثبت صحة ما استدل به إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إذ كما هو معلوم فإن هناك من الأحاديث ماهو صحيح , ومنها ما هو ضعيف.

2- صحة الاستدلال - ومعنى صحة الاستدلال أن لا يحمل الدليل مالا يحتمل , إذ يجب أن يكون الدليل يتحمل ما استدل به عليه.
وحديثكم هذا مطعون فيه من الوجهين (من حيث صحته - ومن حيث دلالاته على حرمة صيام السبت) , ولا يثبت به حكم.

القائلون بالنهي قالوا : بل هذا الحديث صحيح , ودلالته على الحرمة ظاهرة , و لقد اعترض على هذا الحديث بإعتراضات عند تأملها تجدها لا تثبت فاتوا بما عندكم من الاعتراضات وسوف نفندها بإذن الله تعالى.


هذا الحديث كذب

القائلون بالجواز قالوا :هذا الحديث كذب , : ولقد قال عنه الإمام مالك: هذ حديث مكذوب.


القائلون بالنهي قالوا : إن الإمام مالك رحمه الله تعالى لم يبين سبب طعنه في هذا الحديث , ولهذا قال الإمام النووي : (لا يقبل هذا منه -يعنى الإمام مالك- وقد صححه الأئمة)انتهى.


قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الحاشية : (قال عبد الحق: ولعلّ مالكاً إنما جعله كذباً من أجل رواية ثور بن يزيد الكلاعي؛ فإنه كان يُرمى بالقدر؛ ولكنه كان ثقة فيما يروي؛ قاله يحيى وغيره؛ وروى عنه الجلة مثل: يحيى بن سعيد القطان وابن المبارك والثوري وغيرهم)انتهى.


و قد صحح هذا الحديث الترمذي و الذهبي و الحاكم و النووي و أبو داوود و ابن خزيمة و ابن حبان و ابن السكن و الضياء المقدسي و ابن قدامة و ابن الملقن و الألباني , رحمهم الله جميعا.


هذا الحديث مضطرب


القائلون بالجواز قالوا: هذا الحديث مضطرب , قال النسائي : هذا الحديث مضطرب قد اختلف فيه على وجوه من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ :

o من حديث بْنِ بُسْرٍ عن أخته الصماء.

o من حديث الصماء عن عائشة رضي الله عنها.

o من حديث ابن بسر عن أمه.

o من حديث ابن بسر عن أبيه.

o من حديث ابن بسر مرفوعا.

ولهذا أعله النسائي بالاضطراب.

القائلون بالنهي قالوا : بل الحديث صحيح وعلة الاضطراب لا توجد في هذا الحديث ولهذا قال الالبانى : في " الارواء 960 " :
(هذا الحديث صحيح وغير مضطرب لان الاضطراب عند أهل العلم على نوعين:


أحدهما : الذي يأتي على وجوه مختلفة متساوية القوة ، لا يمكن بسبب التساوي ترجيح وجه على وجه.

والآخر : وهو ما كانت وجوه الاضطراب فيه متباينة بحيث يمكن الترجيح بينها فالنوع الأول هو الذي يعل به الحديث . وأما الآخر ، فينظر للراجح من تلك الوجوه ثم يحكم عليه بما يستحقه من نقد.

فالنوع الأول هو الذي يعل به الحديث وأما الآخر فينظر للراجح من تلك الوجوه وهذا الحديث من هذا النوع فقد اختلف في سنده على ثور على وجوه هي :

الوجه الأول : ماخرجه أبو داود (2421) والترمذي (1 / 143) والدارمى (2 / 19) وابن ماجه (172) والطحاوي (1 / 339) وابن خزيمة في (صحيحه) (2164 ) والحاكم (1 / 435) والبيهقي (4 / 302) وأحمد (6 / 368) والضياء المقدسي في (الاحاديث المختارة) (ق 114 / 1) ، عن سفيان بن حبيب والوليد ابن مسلم وأبي عاصم ، بعضهم عن هذا وبعضهم عن هذا وهذا ، والضياء أيضا في (المنتقى من مسموعاته بمرو) (ق 34 / 1) عن يحيى بن نصر كلهم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الحديث.
فذكر الجميع الحديث كاملا إلا الترمذى ذكره دون زيادة (إِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ).


الوجه الثاني : عنه عن خالد عن عبد الله بن بسر مرفوعا ليس فيه (عن أخته الصماء) . رواه عيسى بن يونس عنه وتابعه عتبة بن السكن عنه أخرجه ابن ماجه وعبد بن حميد في (المنتخب من المسند) (ق 60 / 1) والضياء في (المختارة) (106 / 2 و 107 / 1) عن عيسى ، وتمام في (الفوائد) (109 / 1) عن عتبة.


الوجه الثالث : عنه عن خالد عن عبد الله بن بسر عن أمه ، بدل ( أخته ) . رواه أبو بكر عبد الله بن يزيد المقري سمعت ثور بن يزيد به . أخرجه تمام أيضا.


الوجه الرابع : وقيل عن عبد الله بن بسر عن الصماء عن عائشة . ذكره الحافظ في (التلخيص) (200) وقال : (قال النسائي :

حديث مضطرب) . فان الوجه الأول اتفق عليه ثلاثة من الثقات ، والثاني اتفق عليه اثنان أحدهما وهو عتبة بن السكن متروك الحديث كما قال

الدارقطني فلا قيمة لمتابعته . والوجه الثالث ، تفرد به عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة ولكن أشكل على أنني وجدته بخطى مكنيا بأبى بكر ، وهو إنما يكنى / صفحة 120 / بابى عبد الرحمن وهو من شيوخ أحمد . والوجه الرابع لم أقف على اسناده . ولا يشك باحث أن الوجه الاول الذي اتفق عليه الثقات الثلاثة هو الراجح من بين تلك الوجوه ، وسائرها شاذة لا يلتفت إليها . على أن الحافظ حاول التوفيق بين هذه الوجوه المختلفة فقال عقب قول النسائي (هذا حديث مضطرب) : (قلت : ويحتمل أن يكون عبد الله عن أبيه ، وعن أخته ، وعند أخته بواسطته وهذه طريقة من صححه ، ورجح عبد الحق الرواية الاولى وتبع في ذلك الدارقطني) . قلت وما رجحه هذا الامام هو الصواب ان شاء الله تعالى.
ثم وجدت لثور بن يزيد متابعا جيدا , فقال الامام احمد (6-368) (6-369) ثنا الحكم بن نافع قال : ثنا اسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدى عن لقمان بن عامر عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن اخته الصماء.
وهذا اسناد جيد رجاله كلهم ثقات فإن إسماعيل بن عياش ثقة في روايته عن الشاميين وهذه منها . فهذا يؤيد الوجه الاول تأييدا قويا ، ويبطل إعلال الحديث بالاضطراب إبطالا بينا ، لانه لو سلمنا أنه اضطراب معل للحديث فهذا الطريق لا مدخل للاضطراب فيه . والحمد لله على توفيقه ، وحفظه لحديث نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء ما يؤيد الوجه الثاني من وجوه الاضطراب ، فقال يحيى بن حسان : سمعت عبد الله بن بسر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكره مختصرا دون الزيادة.

أخرجه أحمد (4 / 189) والضياء في (المختارة) ( 14 / 1) . قلت : وهذا سند صحيح رجاله ثقات ، ويحيى بن حسان هو البكري الفلسطيني , وتابعه

حسان بن نوح قال : سمعت عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ترون يدي هذه ؟ بايعت بها رسول الله وسمعته يقول

: فذكره بتمامه . أخرجه الدولابي في (الكنى) (2 / 118) وابن حبان في (صحيحه) (940) وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (9 / 4 / 1) والضياء في

(المختارة) (106 / 1 - 2). ورواه أحمد في (المسند) (4 / 189) من هذا الوجه ولكن لم يقل : (سمعته) ، ووإنما قال : (ونهى عن صيام . . .) . وهو

رواية للضياء أخرجوه من طريق مبشر بن اسماعيل وعلى بن عياش كلاهما عن حسان به . وخالفهما أبو المغيرة نا حسان بن نوح قال : سمعت أبا

أمامة يقول سمعت رسول الله : فذكره . أخرجه الروياني في (مسنده) (30 / 224 / 2 ) : نا سلمة نا أبو المغيرة . قلت : وهذا سند صحيح ، رجاله

كلهم ثقات رجال مسلم غير حسان بن نوح وثقه العجلى وابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات وقال الحافظ في (التقريب) : (ثقة) . / صفحة 123 / قلت : فإما أن يقال : ان حسانا له إسنادان في هذا الحديث احدهما عن عبد الله بن بسر ، والاخر عن أبى أمامة ، فكان يحدث تارة بهذا ،

وتارة بهذا ، فسمعه منه مبشر بن إسماعيل وعلي بن عياش منه بالسند الاول ، وسمعه أبو المغيرة - واسمه عبد القدوس بن الحجاج الخولاني - منه بالسند الاخر ، وكل ثقة حافظ لما حدث به. واما أن يقال : خالف أبو المغيرة الثقتين ، فروايته شاذة ، وهذا أمر صعب لا يطمئن له القلب ، لما فيه من تخطئة الثقة بدون حجة قوية . فان قيل : فقد تبين من رواية يحيى بن حسان وحسان بن نوح أن عبد الله بن بسر قد سمع الحديث منه صلى الله عليه وسلم ، وهذا معناه تصحيح للوجه الثاني أيضا من وجوه الاضطراب المتقدمة ، وقد رجحت الوجه الاول عليها فيما سبق ، وحكمت

عليها بالشذوذ ، فكيف التوفيق بين هذا التصحيح وذاك الترجيح ؟

والجواب : ان حكمنا على بقية الوجوه بالشذوذ وإنما كان باعتبار تلك الطرق

المختلفة على ثور بن يزيد ، فهو بهذا الاعتبار لا يزال قائما . لما وجدنا الطريقين الآخرين عن عبد الله بن بسر يوافقان الطريق المرجوحة بذاك
الاعتبار ، وهما مما لا مدخل لهما في ذلك الاختلاف ، عرفنا منهما صحة الوجه الثاني من الطرق المختلفة . بعبارة أخرى أقول : ان الاضطراب المذكور وترجيح أحد وجوهه إنما هو باعتبار طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن ابن بسر ، لا باعتبار الطريقين المشار إليهما بل ولا باعتبار طريق لقمان بن عامر عن خالد بن معدان ، فانها خالية من الاضطراب أيضا وهى عن عبد الله بن بسر عن اخته الصماء ، وهي من المرجحات للوجه الاول ، وبعد ثبوت الطريقين المذكورين ، . . يتبين أن الوجه الثاني ثابت أيضا عن ابن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم باسقاط أخته من الوسط . والتوفيق بينهما حينئذ مما لابد منه وهو سهل ان شاء الله تعالى ، وذلك بان يقال : ان عبد الله بن بسر رضي الله عنه سمع الحديث أولا من أخته الصماء ، ثم سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة . فرواه خالد بن معدان عنه على الوجه الاول ، ورواه يحيى وحسان عنه على الاخر وكل حافظ ثقة ضابط لما روى)انتهى كلام الالبانى رحمه الله تعالى.


والخلاصة أن الحديث صحيح خالٍ من الاضطراب


هذا الحديث منسوخ


القائلون بالجواز قالوا : إن هذا الحديث منسوخ قال ابن حجر في التلخيص: (وادَّعى أبو داود: أنَّ هذا منسوخ؛ ولا يتبين وجه النسخ فيه؛ قلت: يمكن أن يكون أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر، ثم في آخر أمره قال: خالفوهم؛ فالنهي عن صوم يوم السبت يوافق الحالة الأولى، وصيامه إياه يوافق الحالة الثانية؛ وهذه صورة النسخ، والله أعلم )إنتهى.

ثم ذكر في الفتح سبب نسخَه فقال: (وصرح أبو داود بأنه منسوخ؛ وناسخه: حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول: "أنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم" وفي لفظ: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صيامه السبت والأحد؛ أخرجه أحمد والنسائي، وأشار بقوله: "يوما عيد" إلى أنَّ يوم السبت عيد اليهود والأحد عيد النصارى، وأيام العيد لا تصام، فخالفهم بصيامه)إنتهى.

لكنَّ رأيَ ابن رشد في بداية المجتهد أنَّ ناسخَه غيرُ ذلك إذ يقول: (قالوا : والحديث منسوخ؛ نسخه: حديث جويرية بنت الحارث: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: "صمت أمس؟" فقالت: لا، فقال: "تريدين أن تصومي غداً؟"، قالت: لا، قال: "فافطري)إنتهى.



إذن فالحديث منسوخ بأمرين :

o الامر الاول : حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول: (أنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم).

o الامر الثاني : حديث جويرية بنت الحارث: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: (صمت أمس؟" فقالت: لا، فقال: "تريدين أن تصومي غداً؟"، قالت: لا، قال: "فافطري) البخاري , وفي معناه حديث أبي هريرة (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده) متفق عليه.



القائلون بالنهي قالوا : أما الامر الاول : وهو حديث أم سلمه رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم اكثر ما كان يصوم من الأيام السبت والأحد).


فيمكن الاجابة عليه من وجهين:

الوجه الاول: هذا الحديث ضعيف , وذلك لجهالة حال راويين عبدالله بن محمد بن عمر وأبيه، ولم يتابعا.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد: (وفي صحة هذا الحديث نظر؛ فإنه من رواية محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: وقد استنكر بعض حديثه)انتهى.
وهذا الحكم- ضعف الحديث - هو ما استقرَّ عليه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.

الوجه الثاني : وعلى فرض صحة الحديث فلا معارضة , لأن حديثها رضى الله عنها فعل , وحديث النهي قول , والقول مقدم على الفعل كما هو مقرر في علم الأصول , كما قد يقال ان صيام السبت والاحد يحتمل الخصوصية بالرسول صلى الله عليه وسلم , كما ان حديث أم سلمه رضي الله عنها إباحة وحديث النهى حظر , والحظر مقدم على الإباحة كما هو مقرر في علم الأصول , نقول هذا على فرض صحة هذا الحديث و الأمر ليس كذلك فالحديث ضعيف ولا يصح ان يكون ناسخا لحديث ابن بسر الصحيح.


o وأما الامر الثاني : حديث جويرية بنت الحارث أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: (صمت أمس؟ فقالت: لا، فقال: "تريدين أن تصومي غداً؟"، قالت: لا، قال: فافطري)البخاري.

قال الألباني :(من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت و هذا فرض لينجو من إثم مخالفة الإفراد ليوم الجمعة فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبت :إلا فيما افترض عليكم، و لكن هذا إنما لمن صام الجمعة و هو غافل عن النهي عن إفراده ، أما من كان على علم بالنهي فليس له أن يصومه لأنه في هذه الحالة يصوم ما لا يجب أو يفرض عليه - فلا يدخل - و الحالة هذه تحت العموم المذكور و منه يعرف الجواب عما إذا اتفق يوم الجمعة مع يوم فضيلة فلا يجوز إفراده كما لو وافق ذلك يوم السبت لأنه ليس ذلك فرضاً عليه)انتهى.

فإن لم ترضوا بهذا الجمع: فاعلموا أنَّ الأدلة متعارضة؛ وحينئذ لا بدَّ من التسليم لقواعد الترجيح: كقاعدة "المنطوق مقدَّم على المفهوم" ؛ فحديث جويرية مسوق أصلا في حكم صوم يوم الجمعة؛ أي في متى يشرع صومه؟ فكان قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (إلا يوماً قبله أو بعده)، فجواز صوم يوم السبت فى هذا الحديث يؤخذ تبعاً من قوله (أو بعده)، أما لو نظرنا إلى حديث النهي عن صيام يوم السبت علمنا أنَّ الحديث مسوق أصلا في حكم صوم السبت؛ متى يشرع صومه؟ فكان قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (إلا فيما افترض عليكم)؛ والمسوق أصلا مقدَّم على المسوق تبعاً، فحديث جويرية يدل بدلالة المفهوم، أما حديث النهي فيدل بدلالة المنطوق , والمنطوق مقدم على المفهوم كما لا يخفى في علم الاصول.
و حديث أبي هريرة رضى الله عنه الكلام فيه مثل الكلام في حديث جويرية بنت الحارث , فإما ان يجمع بينها بما تقدم , وإما ان يرجح بالقواعد السالفة الذكر.
وبهذا يتبين ضعف دعوى النسخ ويتبين أن الحديث خالٍ من هذه العلة .


هذا الحديث شاذ


القائلون بالجواز قالوا : أن هذا الحديث شاذ , قال شيخ الإسلام ابن تيميه :(إنه لا يكره صوم يوم السبت مفردا وإن الحديث شاذ أو منسوخ).
فقد صرح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجواز صيام يوم السبت بل بإستحبابه كما في:

o حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: <span style='color:Red'>(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر: السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر: الثلاثاء والأربعاء والخميس)أخرجه الترمذي وحسنه.

o حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول: (أنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم).

o حديث جويرية بنت الحارث: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: (صمت أمس؟ فقالت: لا، فقال: "تريدين أن تصومي غداً؟"، قالت: لا، قال: فأفطري) البخاري , فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تريدين أن تصومي غداً؟") فاليوم الذي بعده هو السبت , وحديث ابي هريرة (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده) متفق عليه.
كما ان الحديث مخالف لعموم الاحاديث الدالة على استحباب صيام بعض الايام والتي قد يقع السبت فيها ومنها:

o إفطار يوم وصوم يوم , قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا)متفق عليه , وقد يوافق السبت يوم الصيام.

o صيام ثلاثة أيام من كل شهر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ)متفق عليه , وهذا مطلق بأن يصوم أي ثلاثة أيام من الشهر , والسبت أحدها.

o صيام الست من شوال قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)مسلم , وقد يوافق السبت واحداً منها.



o صيام أكثر شعبان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ)البخاري , والسبت داخل فيه.

o يوم عرفة عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)مسلم , و يمكن أن يصادف يوم سبت , وهذا ينطبق على صيام عاشوراء فقد يصادف يوم السبت أيضا.


o صوم الأيام البيض عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا صُمْتَ شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ)صححه الألباني.فقد يوافق احد هذه الايام يوم سبت.


فهذه الأحاديث تدلّ على استحباب صيام هذه الأيام؛ ولا بدّ أن يقع فيها يوم السبت؛ فلماذا لم يستثن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم منها يوم السبت؟

بمعنى آخر: أنَّ يوم السبت لا بد أن يوافق صيام يوم وإفطار يوم، أو يوم عرفة أو عاشوراء أو تاسوعاء، أو يوافق صيام ست من شوال،أو شهر شعبان؛ ولا شكَّ في ذلك؛ فلماذا لم يستثن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من تلك الأيام المستحب صيامها صيام يوم السبت؟ لماذا لم يرد عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنَّه قال بعد أن ذكر تلك الأيام المستحبة: (إلا إذا كان يوم السبت؛ فلا تصوموه)؛ والقاعدة الأصولية معروفة: "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة"؛ فالوقت وقت بيان؛ فلماذا لم يبين النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ذلك لأمته.

القائلون بالنهي قالوا : أما بخصوص حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر: السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر: الثلاثاء والأربعاء والخميس)أخرجه الترمذي.
قال العظيم آبادي في عون المعبود [7/50]: ((وقد طعن في هذا الحديث جماعة من الأئمة مالك بن أنس وابن شهاب الزهري والأوزاعي والنسائي، فلا تغتر بتحسين الترمذي وتصحيح الحاكم)انتهى.

فالحديث له علتان:

1- الوقف.

2- الإرسال.

فالحديث لا يصح مرفوعاً ولا موقوفاً. ولقد ضعفه للالباني رحمه الله تعالى.

وأما بخصوص حديث أم سلمة , وحديث جويرية بنت الحارث , وحديث ابي هريرة فقد تمت الاجابة عليه عند الكلام على الاعتراض على الحديث بانه منسوخ فلا داعى لمعاودتها.

أما عن باقي الاحاديث الدالة على استحباب صيام بعض الايام والتي قد يقع السبت فيها فالجواب عليها يكون بسؤال لكم فنقول:
ماذا لو وافق يوم العيد يوم الخميس أو يوم الاثنين ؟؟ ، وقد جاء عَنْ مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ انْطَلَقَ مَعَ أُسَامَةَ إِلَى وَادِي الْقُرَى فِي طَلَبِ مَالٍ لَهُ فَكَانَ يَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ لِمَ تَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ)صححه الألباني , فيومي الاثنين والخميس يستحب فيهما الصيام , ولقد مر معنا كيف كان الصحابة يحافظون على صيامهما رغم كبر السن , فهما يومان تعرض فيهما الاعمال , فماذا لو وافق أحد هذين اليومين يوم عيد - عيد الفطر أو عيد الاضحى- فهل ستقولون بصيام ذلك اليوم لما فيه من الفضل الكبير , ام تقولون بإفطار ذلك اليوم؟

القائلون بالجواز قالوا : نقول بعدم جواز صيام ذلك اليوم رغم ما فيه من الفضل المذكور , وذلك لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صيام يومى العيد لما جاء عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ (هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ وَالْيَوْمُ الْآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ)متفق عليه.

القائلون بالنهي قالوا : وجوابنا كجوابكم وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن صيام يوم السبت , وذلك لما جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ) , بل نحن نقول ان النهي الوارد في صيام يوم السبت آكد من النهى الوارد في صيام يومي العيد , فعند النهى عن صيام يومي العيد قال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ(هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا) , أما عند نهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام السبت فقد أكدها بثلاثة مؤكدات هي:

الأولى :قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ) , و الأصل في النهي التحريم

الثانية: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) , و إلا تفيد الحصر فلا يدخل غير المحصور

الثالثة: شدة النهي على صيام هذا اليوم حيث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ...).


فالسبب الذي قلتم فيه بعدم جواز صيام يوم العيد اذا وافق يوما يستحب صيامه هو نفس السبب الذي قلنا به بعدم جواز صيام يوم السبت اذا ما وافق يوما يستحب صيامه.

ثم إنَّ هذه الأدلة الدالة على استحباب تلك الأيام عامة؛اى أنَّها على مدار أيام السنة؛ وحديث: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) خاص في حكم صيام يوم السبت؛ فيكون الجمع أنَّ هذه الأيام يشرع صيامها على مدار أيام السنة إلا في أوقات النهي؛ ومنها يوم السبت , فتكون هذه الاحاديث عامة وخصصت بحديث السبت فيحمل العام على الخاص وهذه طريقة الجمع بين الأدلة .

القائلون بالجواز قالوا : ان تشبيهكم يوم السبت بيومي العيد غير صحيح ، فالفرق بين النهي عن صيام يومي العيد ويوم

السبت من أوجه وهي:

أولاً:أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كان يصوم يوم السبت والأحد ويعزو ذلك إلى حبه مخالفة أهل الكتاب ، وهذه العلة لم توجد في يومي العيدين.

ثانياً:لم يرد عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أو أحد من أصحابه أنهم صاموا يومي العيدين، بخلاف يوم السبت فثبت أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - أمر بصيامه لمن صام الجمعة ولم يصم الخميس.

ثالثاً:النهي عن صيامهما قد شاع وذاع في الأخبار ،و مجمعٌ على حرمة صيامهما , أما السبت فمختلف فيه.
فهذه الفروق تَرُدُّ على من أراد التسوية بين النهي عن صيام يومي العيدين وبين النهي عن صيام السبت.


القائلون بالنهي قالوا : اما بخصوص الفوارق بين يوم السبت ويومي العيد ،فهى على النحو الاتي:

oاما عن صومه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يوم السبت والأحد ويعزو ذلك إلى حبه مخالفة أهل الكتاب فهذا الحديث سبق الاشارة عليه , خلاصته أن هذا الحديث ضعيف.

oوأما أنه لم يرد أن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أو أحدا من أصحابه صاموا يومي العيدين، بخلاف يوم السبت فثبت أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - أمر بصيامه لمن صام الجمعة ولم يصم الخميس , فنقول أما أمره بصيام يوم السبت لمن صام الجمعة فهذا صحيح , وهذا داخل في استثناء الحديث , لانه كما سبق الاشارة من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت و هذا فرض لينجو من إثم مخالفة الإفراد ليوم الجمعة فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبت :(إلا فيما افترض عليكم).

oوأما بخصوص ان النهي عن صيام يومي العيد قد شاع وذاع في الأخبار فهذا غير لازم , فان الكثرة ليست معيارا للصحة وعدمه فهذا خروج عن الموضوع ؛ واما ان يومي العيد مجمعٌ على حرمة صيامهما ,وان السبت مختلف فيه فان هذا الأمر يجر إلى أمر أعظم منه ألا وهو عدم العمل بدلالة النص إلا إذا اجتمع أهل العلم على القول به ، وهذا يعني تعطيل العمل بالكثير من النصوص لعدم الإجماع عليها ؛ ذلك لأنَّكم فرقتم في الحكم بين حالتين متشابهتين لا لشيء إلا لكون إحداهما مجمعٌ عليها والأخرى مختلف فيها.

ثم هل تصوم اليوم الثالث عشر من أيام التشريق باعتبار أنه أول الأيام البيض؟


القائلون بالجواز قالوا: لا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام التشريق وذلك لما جاء عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَرَّبَ إِلَيْهِمَا طَعَامًا فَقَال (كُلْ فَقَالَ إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ عَمْرٌو كُلْ فَهَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا وَيَنْهَانَا عَنْ صِيَامِهَا)صححه الألباني .

القائلون بالنهي قالوا : وجوابنا كجوابكم وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن صيام يوم السبت , وذلك لما جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ......الحديث).

لطيفة :ثم إن الذي نهانا عن صيام يوم السبت , هو الذي استحب لنا صيام بعض هذه الأيام التي ذكرتموها , {وَهُوَ اللّهُ لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الاُولَىَ وَالاَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص70 .]

وإنما كان الأمر بإفطار يوم السبت إذا ما وافق صيامه يوم فضيلة بسبب دليل شرعي يحتم علينا هذا الإفطار , وليس عن هوى نفس , فإذا كان الأمر كذلك فإن <span style='color:Red'>(من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه)صححه الألباني , وعليه فإننا نقول إن الله سبحانه وتعالى بكرمه ومنّه سيعوضنا خيراً مما هو مذكور في فضلية صيام الأيام المذكورة سابقاً , وذلك بنص الحديث الشريف : (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه).
وخلاصة الامر ان هذا الحديث صحيح سندا وغير شاذا متنا.</span>


لا يوجد احد من السلف قال بحرمة صيام يوم السبت


القائلون بالجواز قالوا : لا يوجد أحد من السلف قال بحرمة صيام يوم السبت , وإنما الخلاف بين العلماء في هذه المسألة منحصر بين القول بكراهة صيام السبت في التطوع منفرداً و بين القول بجواز صيامه منفرداً،ولا يوجد قول ثالثاً في المسألة سوى القولين السابقين،فمن قال بقولكم في هذه المسالة , ومن فهم من السلف أن هذا الحديث يدل على حرمة صيام يوم السبت.

القائلون بالنهي قالوا : إن الاجابة على إشكالكم هذا من أوجة:

الوجه الاول : لقد قررنا سابقا أن هذا الحديث ظاهر الدلالة على النهى عن صيام يوم السبت , , فقد أكِّد بثلاث مؤكدات:

الأولى : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ) , والأصل في النهي التحريم ما لم يصرف إلى الكراهة أو الإباحة و لا صارف.


الثانية : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) , و إلا تفيد الحصر فلا يدخل غير المحصور و هو قوله افترض عليكم.

الثالثة : شدة النهي على صيام هذا اليوم حيث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ).

وقد بين شيخ الإسلام ان الحديث لا يحتمل الا النهي ولهذا قال في [الإقتضاء (ولا يقال: يحمل النهي على إفراده: لأنَّ لفظه "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" والاستثناء دليل التناول، وهذا يقتضي أنَّ الحديث يعم صومه على كل وجه؛ وإلا لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى فإنه لا إفراد فيه، فاستثناؤه دليل على دخول غيره، بخلاف يوم الجمعة فإنه بين أنه إنما نهى عن إفراده، وعلى هذا: فيكون الحديث إما شاذاً غير محفوظ، وإما منسوخا؛ً وهذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه)انتهى.

كما قرر ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في حاشيته على سنن أبي داود (قوله في الحديث: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" دليل على: المنع من صومه في غير الفرض مفرداً أو مضافاً؛ لأنَّ الاستثناء دليل التناول، وهو يقتضي: أنَّ النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض، ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد؛ لقال: "لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" كما قال في الجمعة!!، فلما خصَّ الصورة المأذون في صومها بالفرضية علم تناول النهي لما قابلها)انتهى.

وبعد ان توصل ابن القيم رحمه الله الى فهم الحديث حيث يوضح ان الحديث (يقتضي: أنَّ النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض) , يذهب إلى جواز صيام يوم السبت في غير الفرض؛ ويعلل ذلك فيقول (وقد ثبت صوم يوم السبت مع غيره بما تقدم من الأحاديث وغيرها؛ كقوله في يوم الجمعة "إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" فدلَّ على أنَّ الحديث غير محفوظ وأنه شاذ!!)انتهى.

فهذا ابن القيم يحكم على الحديث بالشذوذ لمعارضته لِما ذكر من أحاديث؛ ولولا ذلك لقال بظاهر الحديث وهو المنع من صومه في غير الفرض مفرداً أو مضافاً، كما أشار هو في أول كلامه.

كما ان الحافظ العراقي يوضح ان الحديث ظاهر الدلالة على النهى بل يقول:(هذا من المبالغة في النهي عن صومه؛ لأنَّ قشر شجر العنب جاف لا رطوبة فيه ألبتة بخلاف غيره من الأشجار)انتهى.

فالحديث يدل دلالة واضحة على ان المقصود من النهي هو تحريم صيام يوم السبت وانما قالوا بخلاف ذلك لحكمهم على الحديث بالشذوذ او النسخ وقد بينا سابقا ان الحديث خالٍ من هذه العلل.

فاذا تقرر ذلك وجب الاخذ بالحديث وإن لم يعرف أن أحداً عمل به , فالحديث حجة بنفسه لا يحتاج إلى الاحتجاج به أن يعرف أن أحد من الأئمة عمل به.

قال الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة (لا يضر الحديث ولا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من الفقهاء ، لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود)انتهى.

وقال ابن حزم في الإحكام (فكل من أداه البرهان من النص أو الإجماع المتيقن إلى قول ما ، ولم يعرف أن أحداً قبله قال بذلك القول ففرض عليه القول بما أدى إليه البرهان ، ومن خالفه فقد خالف الحق ومن خالف الحق فقد عصى الله تعالى ، ولم يشترط تعالى في ذلك أن يقول به قائل قبل القائل به ، بل أنكر على من قاله إذ يقول عز وجل حاكيا عن الكفار منكراً عليهم أنهم قالوا : ((مَاسَمعْنَا بـِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ))ص7 , ومن خالف هذا فقد أنكر على جميع التابعين وجميع الفقهاء بعدهم ، لأن المسائل التي تكلم فيها الصحابة رضي الله عنهم من الاعتقاد والفتيا ، فكلها محصور مضبوط ، معروف عند أهل النقل من ثقات المحدثين وعلمائهم ، فكل مسألة لم يرد فيها قول عن صاحب لكن عن تابع فمن بعده ، فإن ذلك التابع قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله بلا شك ، وكذلك كل مسألة لم يحفظ فيها قول عن صاحب ولا تابع وتكلم فيها الفقهاء بعدهم فإن ذلك الفقيه قد قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله)انتهى.

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (إذا كان عند الرجل الصحيحان أو أحدهما أو كتاب من سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موثوق بما فيه فهل له أن يفتي بما يجده ؟، فقالت طائفة من المتأخرين : ليس له ذلك لأنه قد يكون منسوخاً أو له معارض أو يفهم من دلالته خلاف ما دل عليه فلا يجوز له العمل ولا الفتيا به حتى يسأل أهل الفقه والفتيا . وقالت طائفة بل له أن يعمل به ويفتي به بل يتعين عليه كما كان الصحابة يفعلون إذا بلغهم الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحدث به بعضهم بعضاً بادروا إلى العمل به من غير توقف ولا بحث عن معارض ولا يقول أحد منهم قط : هل عمل بهذا فلان وفلان ، ولو رأوا من يقول ذلك لأنكروا عليه أشد الإنكار وكذلك التابعون وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة بحال القوم وسيرتهم وطول العهد بالسنة ، وبعد الزمان وعتقها لا يسوغ ترك الأخذ بها والعمل بغيرها ولو كانت سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان أو فلان لكان قول فلان أو فلان عياراً على السنن ، ومزكيا لها ، وشرطاً في العمل بها ، وهذا من أبطل الباطل وقد أقام الله الحجة برسوله دون آحاد الأمة وقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبليغ سنته ودعا لمن بلَّغها ، فلو كان من بلغته لا يعمل بها حتى يعمل بها الإمام فلان والإمام فلان لم يكن في تبليغها فائدة وحصل الاكتفاء بقول فلان وفلان)انتهى.

وقال أيضا في إعلام الموقعين (فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال كذا وكذا ، يقول من قال بهذا ؟ ويجعل هذا دفعاً في صدر الحديث أو يجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل وأنه لا يحل دفع سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل هذا الجهل ، وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة ، هذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله ودعم عمله بمن قال بالحديث ، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان . ولا يعرف إمام من أئمة الإسلام البتة قال : لا نعمل بحديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نعرف من عمل به)انتهى.

وقال في كتاب الروح (فلا تجعل جهلك بالقائل به حجة على الله ورسوله ، بل اذهب إلى النص ، ولا تضعف واعلم أنه قد قال به قائل قطعاً ولكن لم يصل إليك)انتهى.

الوجه الثاني نقول ان من السلف من قال بظاهر الحديث هو راوي الحديث نفسه عبدالله ابن بسر , وهو ما أخرج الإمام النسائي في سننه الكبرى (3/213 برقم2785) من طريق معاوية بن يحي أبي مطيع، قال: حدثني أرطاة، قال: سمعت أبا عامر قال: سمعت ثوبان مولى النبيّ صلى الله عليه وسلم وسئل عن صيام يوم السبت، قال: سلوا عبد الله بن بسر، قال: فسئل، فقال: (يوم السبت لا لك ولا عليك).

و لفظة (لا لك ولا عليك) لا تعني الجواز؛ ولهذا وضع الإمام النَّسائي هذا الأثر الموقوف تحت باب: (النهي عن صيام يوم السبت).
ثم إنَّ لفظة (لا لك ولا عليك) تشابه لفظ حديث: <span style='color:Red'>(مَنْ صام الدهر فلا صام ولا أفطر)صححه الألباني؛ مع أنَّ صيام الدهر منهيٌ عنه بنصِّ قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد)مسلم. وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم (من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا - وعقد تسعين)صححه الألباني.

قال العثيمين في شرح كتاب بلوغ المرام : (ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ مَنْ صام الدهر فلا صام ولا أفطر , فلا صام نفي ، والظاهر أنه خبر محض لا يُقصد به الدعاء والمعنى أنه لم يحصل على أجر الصوم فلا هو الذي حصل له الأجر بالصيام ولا الذي حصلت له الراحة بالفطر).

ثم ذكر الشيخ رحمه الله فـوائـد الحـديــث فقال: (النهي عن صوم الدهر واختُلف في العلة , قيل : لأنه سيصوم أيام التشريق والعيدين وإذا أفطرها فلا يصدق عليه أنه صام الأبد لأنه أفطر من الأبد خمسة أيام وحملوه على أن المراد من صام الأيام المحرمات لكنه ضعيف جدا ولا ينبغي أن يعول عليه لأن صيام الأيام المحرمة ممنوع وإن لم يصم الأبد. والصحيح أن من صام الأبد سوى الأيام المحرمة فلا يحصل له الثواب لأنه لا بد من ترك أشياء يقوم بها يمنعه الصيام من القيام بها كحق الزائر والبدن والأهل , لو نذر صيام الدهر كله فالنذر محرم لا يجوز الوفاء به فليفطر ، وإذا أفطر فعليه الكفارة لأنه فوت ما نذر ... ولهذا كان الراجح أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به وفيه كفارة يمين)انتهى.

قال الألبانى رحمه الله تعالى (عندما سئل راوي الحديث عن صيام يوم السبت فقال: صيام يوم السبت لا لك ولا عليك , فهدا أقتباس منه من قوله صلى الله عليه وسلم فيمن صام الدهر لا صام ولا أفطر , فهل تأمرون صائم الدهر أن يصوم , أم بأن يفطر؟ لا شك بأن القول بالإفطار. فما أظن أن القول بصيام الدهر صحيح لأن النبى صلى الله عليه وسلم , ذكر أنه صام مع العلم بقوله صلى الله عليه وسلم بمن صام الدهر لا صام ولا أفطر , كذلك فإن صيام الدهر مرجوح كذلك فعندما نعود إلى قول الراوي عن صيام يوم السبت لا صام ولا أفطر فماذا نفهم من هذا الحديث ؟ هل نفهم منه أنه يحض على صيام يوم السبت أم على إفطاره؟ ونقول على أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق أبلغ وأفصح وآكد للنهى من قول هذا الراوي , لكن الراوي تفنن في التعبير ولفت النظر إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم من صام الدهر فلا صام ولا أفطر تفنن فى التعبير أي ليس له أجر وليس له ثواب هذا الكلام من هذا الراوي أنا في الحقيقة مما يفيدني جداً ويفضل إفطاري على صيام الآخرين ذلك لأن هذا الصحابي يقول صيام الآخرين كصيام الدهر لا صام ولا أفطر أما أنا فأترك صيام يوم السبت لله والله يعوضني خيراً منه)انتهى.

هذا وقد جاء الحديث عن صحابى آخر وهو أبي أمامة رضى الله عنه , والحديث في السلسلة الصحيحة رقم(3101) , عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(لا تصم يوم السبت إلا في الفريضة، ولو لم تجد إلا لحاء شجرة فأفطر عليه) , قال الشيخ الألباني: (وإذا عرفت ما تقدم؛ فمن الظلم للسنة والانحراف عنها أن يبادر بعض المعاصرين إلى الشك في صحة هذا الحديث بل الجزم بضعفه، فضلاً عن القول بأنه كذب! والله المستعان)انتهى.

فهذا الحديث لم يرو من آل بسر فقط كما يظن , بل شاركهم في روايته الصحابي أبي أمامة رضي الله عنه. </span>

الوجه الثالث : ما نقل عن بعض الأئمة من وجود اختلاف بين العلماء ومنهم من قال بالنهى مطلقا عن صيام يوم السبت


ومن هذه الاقوال:

o ما نقل الطحاوي في كتابه شرح معاني الأثار (فذهب قوم إلى هذا الحديث ، فكرهوا صوم يوم السبت تطوعا . وخالفهم في ذلك آخرون ، فلم يروا بصومه بأسا وكان من الحجة عليهم في ذلك ، أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم الجمعة إلا أن يصام قبله يوم ، أو بعده يوم , وقد ذكرنا ذلك بأسانيده ، فيما تقدم من كتابنا هذا ، فاليوم الذي بعده ، هو يوم السبت , ففي هذه الآثار المروية في هذا ، إباحة صوم يوم السبت تطوعا ، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا الحديث الشاذ ، الذي قد خالفها)انتهى.

فقوله (فذهب قوم إلى هذا الحديث ، فكرهوا صوم يوم السبت تطوعا . وخالفهم في ذلك آخرون ، فلم يروا بصومه بأسا) , تدل على ان هناك من العلماء من قال بالنهى مطلقا.

وكلمة فكرهوا في كلامه رحمه الله تعالى هى كراهة التحريم لا التنزيه وذلك لأمور هى:


الامر الاول : وضوح معنى الحديث على النهى مطلقا , كما وضحناه سابقا.

الامر الثاني: أن الطحاوي نفسه يعرف أن الحديث ظاهر الدلالة على النهى حيث قال (ففي هذه الآثار المروية في هذا ، إباحة صوم يوم السبت تطوعا ، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا الحديث الشاذ ، الذي قد خالفها)انتهى.

فهو يحكم على الحديث بالشذوذ لان هناك احاديث تجيز صيام السبت , وهذا الحديث يخالفها اى يحرم صيامه , فحكم عليه بالشذوذ.


الامر الثالث :أن الاحناف اذا اطلقوا الكراهة فإنهم يريدون بها الكراهة التحريمية.

قال الالبانى فى تخذير الساجد (والكراهة عن الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم كما هو معروف لديهم)انتهى. وكما هو معلوم فالطحاوى كان حنفي المذهب.

الامر الرابع: أن السلف الصالح عامة كانوا يطلقون المكروه على كراهة التحريم , وأحيانا كانوا يقصدون بها كراهة التنزيه ولكن كانوا أكثر ما يطلقونها على الشيء المحرم فكانوا يطلقون المكروه على الشيء المحرم تورعا إذ الأصل عندهم في كلمة مكروه هي للتحريم.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله ، ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حصل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فقط ، وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ لا ينبغي في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث)انتهى.

وقال في بدائع الفوائد (وأما لفظة يكرهه الله تعالى ورسوله أو مكروه فأكثر ما تستعمل في المحرم وقد يستعمل في كراهة التنزيه)انتهى.

فاذا كانت اكثر ما تستخدم للتحريم كما قال ابن القيم وانها قد - وقد تفيد التقليل- تستخدم للتنزيه أفمن العدل أن نحملها على التحريم أم على التنزيه ؟, أعتقد أن حملها على التحريم هو الصواب الذي لا يقول بخلافه عاقل , ويزيده أن لفظ الحديث المقصود ظاهر الدلالة على التحريم , ويزيده ايضا ما يظهر من كلام الطحاوي السابق انه كان عالما بمراد الحديث ولذلك حكم عليه بالشذوذ لمخالفة الاحاديث المبيحة لصيام السبت , فهذه القرائن الثلاثة توضح وضوحا لا مجال للشك فيه على ان ما قصده الطحاوي من كلمة الكراهة هي الكراهة التحريمية.

نقول هذا مع اننا قد قلنا سابقا في الوجه الاول أن الحديث حجة بنفسه لا يحتاج إلى الاحتجاج به أن يعرف أن أحد من الأئمة عمل به , بل ونقول ان من اهل العلم من عمل به ولكن لم نعرفه وهذا عين ما قاله ابن القيم في غير هذه المسألة (واعلم أنه قد قال به قائل قطعاً ولكن لم يصل إليك)انتهى.

o و ما نقل عن الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى في شرحه على زاد المستنقع (وأما السبت فقيل إنه كالأربعاء والثلاثاء يباح صومه. وقيل إنه لا يجوز إلا في الفريضة. وقيل إنه يجوز لكن بدون إفراد)انتهى.

ويزيد الامر وضوحا من أن الخلاف المقصود من كلام الشيخ العثيمين كان بين العلماء السابقين والمعاصرين وذلك عندما سئل الشيخ رحمه الله عن حكم صيام يوم السبت نفلاً أو فرضاً في غير رمضان , فقال (لا بأس به وأن الحديث الوارد فيه حديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة ومن شرط العمل بالحديث أن لا يكون شاذاً لأن عدم الشذوذ شرط لصحة الحديث ولكونه حسناً وما ليس بصحيح ولا حسن لا يجوز العمل به وإلى هذا ذهب جماعة من العلماء السابقين والمعاصرين ومنهم من قال إن صومه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ومنهم من فصل أو فرق بين أن يصومه منفرداً أو يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله)انتهى.

o ما نقل عن ابن رشد في كتابه بداية المجتهد حيث قال : (وأما الأيام المنهي عنها، فمنها أيضا متفق عليها، ومنها مختلف فيها. أما المتفق عليها فيوم الفطر ويوم الأضحى لثبوت النهي عن صيامهما. وأما المختلف فيها فأيام التشريق ويوم الشك ويوم الجمعة ويوم السبت والنصف الآخر من شعبان وصيام الدهر).

إلى أن قال: (وأما يوم السبت، فالسبب في اختلافهم فيه اختلافهم في تصحيح ما روي من أنه عليه الصلاة والسلام قال "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" أخرجه أبو داود، قالوا: والحديث منسوخ، نسخه حديث جويرية بنت الحارث "أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: صمت أمس؟ فقالت: لا، فقال: تريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا، قال: فأفطري)انتهي كلامه.

القائلون بالجواز قالوا: نريد ان نعرف احدا بعينه من السلف قال بهذا القول؟

القائلون بالنهي قالوا : الجهل بالقائل لا يُغيِّر من المسألة شيئاً بعد أن ثبت الخلاف فيها، فليس معرفة القائل هو الأصل أو المراد وإنَّما معرفة أنَّ المسألة من مسائل الخلاف هو المراد. فليس من الواجب علينا ان نعرف أسماء المخالفين , فالمهم ان هناك من السلف من قال بذالك وهذا هو المطلوب , بل لعلَّ الجهل بالقائلين بالخلاف خير للباحث من حيث التجرد للحق ودفع الهوى الخفي من التعصب للقائل دون الحق.




وأخيراً اقول هذا ما بدا لى فان كان الصواب فمن الله وحده وان كان غير ذلك فمني ومن الشيطان

فالخير أردت وخدمة الدين قصدت , وما توفيقـي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنبت , رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ



وآخر القول نقول

كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

(وكان بعضهم يعذر من خالفه في المسائل الاجتهادية، ولا يكلفه أن يوافقه فهمه)
رد مع اقتباس
  #34  
قديم 02-15-2010, 06:31 PM
ابو اميمة محمد74 ابو اميمة محمد74 غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: المغرب
المشاركات: 13,664
افتراضي

للرفع رفع الله قدركم
__________________
زيارة صفحتي محاضرات ودروس قناة الأثر الفضائية
https://www.youtube.com/channel/UCjde0TI908CgIdptAC8cJog
رد مع اقتباس
  #35  
قديم 10-31-2011, 02:24 AM
محمد هاني محمد محمد هاني محمد غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 23
افتراضي

للفائدة ............
رد مع اقتباس
  #36  
قديم 10-31-2011, 09:16 AM
محمد أبو إلياس الأثري محمد أبو إلياس الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 822
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد هاني محمد مشاهدة المشاركة
للفائدة ............

والمناسبة أيضا
بوركت أخي محمد
__________________
قال الشيخ عبد السلام بن برجس-رحمه الله-:"وقد بلينا في هذه الأزمان من بعض المنتسبين إلى السلفية ممن يغلون في الحكم على الناس بالبدعة، حتى بلغ الأمر إلى التعميم في التبديع على كل المجتمع، وأن الأصل في غيرهم البدعة حتى يتبينوا في شأنهم، وهؤلاء جهال بالشريعة، جهال بعبارات العلماء في البدع وأهلها، فلا عبرة بقولهم، بل هو هباء لا وزن له، وقد أجاد العلامة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد في نصحهم والتحذير من منهجهم في كتابه "رفقا أهل السنة بأهل السنة" نسأل الله تعالى السلامة من الغلو كله" اهـ "بحوث ندوة أثرالقرآن الكريم في تحقيق الوسطية" ص:218.
رد مع اقتباس
  #37  
قديم 10-31-2011, 10:35 AM
حامد بن حسين بدر حامد بن حسين بدر غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 1,115
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محب أهل الحديث مشاهدة المشاركة
لو تفيدنا بالإجابة على هؤلاء الطلبة بذكر سلف الشيخ الألباني في هذه المسألة وبارك الله فيك.


[الإجابة موجودة ضمناً في كلام أخينا خالد: {لكن الحقيقة أن المسألة خلافية كما قال ابن رشد المالكي في بداية المجتهد و غيره} وليتك تراجع ما أحالك عليه. (مشرف)]

مجاهد وطاووس وابراهيم النخعي وابن معدان -التابعي- راوي الحديث كما أفاد بذلك البدر العيني -رحمه الله- (ذكر ذلك الشيخ مشهور -مؤخراً-) ، وللفائدة كتاب البدر العيني على شرح معاني الآثار للطحاوي مطبوع في تسعة عشر مجلداً
__________________
قال العلامة صالح آل الشيخ: " لو كان الفقه مراجعة الكتب لسهل الأمر من قديم، لكن الفقه ملكة تكون بطول ملازمة العلم، بطول ملازمة الفقه"
وقال: "ممكن أن تورد ما شئت من الأقوال، الموجودة في بطون الكتب، لكن الكلام في فقهها، وكيف تصوب الصواب وترد الخطأ"
"واعلم أن التبديع والتفسيق والتكفير حكم شرعي يقوم به الراسخون من أهل العلم والفتوى ، وتنزيله على الأعيان ليس لآحاد من عرف السنة ، إذ لا بد فيه من تحقق الشروط وانتفاء الموانع، حتى لا يصبح الأمر خبط عشواء ،والله المستعان"
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:22 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.