أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
69503 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-05-2011, 09:59 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين والرد على شبه المخالفين

البراهين
على ألا بدعة حسنة في الدين
والرد على شبه المخالفين
جمع /أبي معاذ السلفي
( السني الحضرمي )
1430هـ

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدr ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
فإنه لا يخفى على متمسك بالسنة أن من أهم ما دعا إليه الرسول r بعد التوحيد التمسك بالسنة ومحاربة البدع، ومن الأدلة على ذلك تحذير الرسول r من البدع في خطبة الحاجة التي كان يبدأ بها خطبه عليه الصلاة والسلام، وهي التي بدأت بها مقدمتي لهذه الرسالة والحمد لله.
ورغم ذلك كله فإن الناظر في أحوال الأمة الإسلامية يجد أن البدع قد انتشرت فيها وللأسف في مجال العقيدة والعبادات والمعاملات المختلفة، ومن أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار تلك البدع اعتقاد الكثير أن البدع تنقسم إلى قسمين!! بدع سيئة وبدع حسنة!!
وقد واجه كثير من أهل العلم جزاهم الله خيراً تلك البدع فحذروا منها في خطبهم وكتبهم بل ألفوا كتب خاصة في التحذير من البدع عموماً، ومن بعض البدع خصوصاً.
وقد وفقني الله وله الحمد والمنة بجمع بعض الفوائد من بعض تلك الكتب في هذه الرسالة والتي رأيت من المفيد أن أجمعها حتى يسهل مراجعتها، وحرصت قدر الإمكان أن تكون سهلة العبارة، وسميت هذه الرسالة بـــ «البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين والرد على شبه المخالفين».
وفي ختام هذه المقدمة أسأل الله أن ينفعني بهذه الرسالة؛ ومن يطلع عليها، كما أسأله أن يجعل جميع أعمالي خالصة لوجهه الكريم؛ موافقة لهدي نبينا محمد r.
وصلى الله على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ملاحظة: قد عزوت بعض الأحاديث والآثار إلى مصادرها الأساسية بواسطة بعض المراجع، وذلك بسبب عدم توفر تلك المراجع الأصلية عندي أثناء جمع مادة هذه الرسالة، ورأيت أنه من الأمانة العلمية أن أبقيها كما هي.
وأرجو ممن كان عنده ملاحظة أو فائدة ألا يبخل بها على أخيه وجزاكم الله خيراً.

وكتبه / أبو معاذ السلفي
( السني الحضرمي )





مدخل:
معنى البدعة
(قال الإمام الطرطوشي- /– في «الحوادث والبدع»(ص40):
«أصل هذه الكلمة من الاختراع، وهو الشيء يحدث من غيرِ أصلٍ سبق، ولا مثال احتذي، ولا ألف مثله.
ومنه قوله تعالى:بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض ]البقرة:117[، وقوله:قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ]الأحقاف:9[؛ أي: لم أكن أول رسول إلى أهل الأرض».
أما تعريف البدعة شرعاً فهي:
«طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الطريقة الشرعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية».
كذا اختاره الإمام الشاطبي في «الاعتصام» (1/51)، وهو من أجمع تعاريف «البدعة» وأشملها)( 1 ).
وبهذا التعريف خرجت البدع الدنيوية كالسيارات، والطائرات، وأشباه ذلك، وهي التي تقبل التقسيم إلى الأحكام الخمسة «الوجوب - التحريم - الاستحباب - الكراهة- الإباحة» لا البدعة الدينية، وسيأتي زيادة بيان لذلك فيما بعد إن شاء الله.
الفصل الأول:
البراهين على أن كل بدعة ضلالة وليس فيها شيء حسن
إن تقسيم البدع إلى حسنة وقبيحة، تقسيم لا مستند له في الشرع، وكيف يكون له أصل وهو ينافي صريح القرآن وصحيح الأحاديث؟!
وهاك البيان على وجه التفصيل:
(* البرهان الأول: إن من أصول الدين الواجب اعتقادها، ولا يصح إيمان المرء دونها، أن الإِسلام دين أتقن الله بناءه وأكمله، فمجال الناس التطبيق والتنفيذ «السمع والطاعة» وهذا أمر أدلته ظاهرة)( 1 ).
(يقول الله تعالى ممتناً على عباده:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً ]المائدة:3[.
فهذه الآية الكريمة تدل على تمامِ الشريعة وكمالها، وكفايتها لكل ما يحتاجه الخلق الذين أنزل الله قوله فيهم:وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ]الذاريات:56[.
يقول الإمام ابن كثير- /– في «تفسيره» (2/19):
«هذه أ كبر نعم الله تعالى على هذه الأمة، حيث أ كمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليِه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلاَ ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه».
فأي إحداث أو ابتداع إنما هو استدراك على الشريعة، وجرأة قبيحة ينادي بها صاحبها أنَّ الشريعة لم تكف، ولم تكتمل!، فاحتاجت إلى إحداثه وابتداعه!!
وهذا ما فهمه تماماً أصحاب النبي rوالأئمة من بعدهم؛ فقد صح عن ابن مسعود t أنه قال:«اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم، وكل بدعة ضلالة» ( 1 ).
وروى البخاري عن حذيفة بن اليمان tانه قال:«يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً».
وخلاصة القول:«إن المستحسِن للبدعِ يلزمه عادة أن يكون الشرع عنده لم يكمل بعد، فلا يكون لقوله تعالى:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ معنى يعتبر به عندهم»( 2 ).
«فإذا كان كذلك؛ فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله: إن الشريعة لم تتم، وإنه بقي منها أشياء يجب استدراكها؛ لأنه لو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه؛ لم يبتدع، ولا استدرك عليها، وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.
قال الإمام الشوكاني في «القول المفيد» (ص38) مناقشاً بعض المبتدعين في شيء من آرائهم:«فإذا كان الله قد أكمل دينه قبل أن يقبض نبيه r فما هذا الرأي الذي أحدثه أهله بعد أن أكمل الله دينه؟!
إن كان من الدين في اعتقادهم؛ فهو لم يكمل عندهم إلا برأيهم (!) وهذا فيه رد للقرآن!
وإن لم يكن من الدين؛ فأي فائدة في الاشتغال بما ليس من الدين؟!
وهذه حجة قاهرة، ودليل عظيم، لا يمكن لصاحب الرأي أن يدفعه بدافع أبداً، فاجعل هذه الآية الشريفة أول ما تصك به وجوه أهل الرأي،وترغم به آنافهم وتدحض به حججهم».
إذ «كل ما أحدث بعد نزول هذه الآية؛ فهو فضلة، وزيادة، وبدعة» ( 1 )) ( 2 ).
* البرهان الثاني:(إنَّ النبي rكان لزاماً عليه أن يقوم بحق الرسالة، فيبلغ الإسلام غير منقوص قال تعالى:وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ]النحل:44[ ولقد فعل r وإلا فما بلغ رسالته - وحاشاه - فما أنتقل إلى جوار ربه راضياً مرضياً إلا والدين كامل لا يحتاج إلى زيادة) ( 3 ).
وقد أشار إلى ذلك رسول الله rبقوله:«إنه لم يكن نبي قبلي إلاَ كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم» رواه مسلم.
وأخرج الطبراني في «معجمه الكبير» (1647)بسند صحيح عن أبي ذر الغفاري t قال: قال رسول الله r:«ما بقي شيء يقّرب من الجنة ويباعد من النار؛ إلا وقد بُينَ لكم» .
وقال أيضاً r:«قد تركتكم على البيضاء،ليلها كنهارها،لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» رواه ابن ماجة ( 4 ).
وقد صح عن عائشة ك أنها قالت:«من حدثك أن النبي rكتم شيئاً من الوحي فلا تصدقه، إن الله تعالى يقول:يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه ]المائدة:67[» رواه البخاري مسلم.
ولهذا لما قال بعض المشركين لسلمان الفارسي t:«إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخراءة؟
قال: أجل، أمرنا أن لا نستقبل القبلة، وأن لا نستنجي بأيماننا، ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار، ليس فيها رجيع ولا عظم» رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة.
وقال ابن الماجِشون: سمعتُ مالكاً يقول:«من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة؛ فقد زعم أن محمداً rخان الرسالة؛ لأن الله يقول:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فما لم يكن يومئذٍ ديناً؛ فلا يكون اليوم ديناً» ( 1 ).
* البرهان الثالث: إنَّ التشريع حق لرب العالمين، وليس من حق البشر، (لأن الله الذي وضع الشرائع، ألزم الخلق الجري على سنتها، وصار هو المنفرد بذلك؛ لأنه حكم بين العباد فيما كانوا فيه يختلفون.
ولو كان التشريع من مدركات الخلق لم تتنزل الشرائع، ولم تبعث الرسل، وهذا الذي ابتدع في دين الله قد صير نفسه نداً لله، حيث شرع مع الله، وفتح للاختلاف باباً ورد قصد الله في الانفراد بالتشريع)(2) قال الله عز وجل:اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ]الأعراف:3[.وقال تعالى:أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ]الشورى: 21[ .وقال عز وجل:وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ]الأنعام:153[.
قال الإمام مجاهد- /- وهو من كبار التابعين في تفسير قول الله تعالى:وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ:«البدع والشبهات»(3).
وقال :«من أحدث في أمرِنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد» متفق عليه.
وقال رسول الله r:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»رواه مسلم.
(والرسول rوهو من هو معرفة وحكمة وعلماً لم يكن يحكم باستحسانه ويشرع بنفسه؛ قال تعالى:إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه ]النساء:105[، وقال الله عز وجل:وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ]النحل:44[؛ وقال:وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ]النجم:3- 4[)(1). وقال الله تعالى:قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي... ]الأعراف:203[.وقال تعالى:اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ]الأنعام: 106[.
وقد ذم النبي r قوماً يفعلون أمورا ًلم يأمرهم بها الله ولم يحثهم عليها رسول الله r ففي«صحيح مسلم» عن عبدالله بن مسعود tقال: قال رسول الله r:«ما من نبي بعثه الله في أمة قبل، إِلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره.ثم إِنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بِقلبه فهو مؤمن؛ وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل».
(فمن ابتدع عبادة من عنده- كائناً من كان -؛ فهي ضلالة تُرد عليه؛ لأن الله وحده هو صاحب الحق في إنشاء العبادات التي يتقرب بها إليه.
لذا؛ فإن صحة الاستدلال بالقواعد العلمية تقتضي أن نقول كما قال العلامة ابن القيم في كتابه «إعلام الموقعين» (1/344):«ومعلوم أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا تأثيم إلا ما أثم الله ورسوله به فاعله، كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله،
ولا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه الله، فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمرِ، والأصل في العقود والمعاملات الصحة( 1 ) حتى يقوم دليل على النهي».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- /– في «مجموع الفتاوى» (31/35):
«باب العبادات والديانات والتقربات متلقاة عن الله ورسوله، فليس لأحد أن يجعل شيئاً عبادة أو قربة؛ إلا بدليل شرعي».
وقال الإمام ابن كثير- /- في «تفسيره» (4/401) مناقشاً مسألة إهداء ثواب القراءة للموتى، حيث جزم بعدم وصولها،معللاً سبب المنع:«إنه ليس من عملهم، ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله rأمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ، ولو كان خيراً؛ لسبقونا إليه.
وباب القربات يقتصر فيه على النصوص، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء» وعلى هذا جرى السلَف الصالح  من الصحابة والتابعين)(2):
(فعن علي بن أبي طالب tقال:«لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله rيمسح على ظاهر خفيه» رواه أبو داود(3) .
وقال عمر بن الخطاب tلما قبل الحجر الأسود:«إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله rيقبلك؛ ما قبلتك» رواه البخاري ومسلم.
وقالت امرأة لعائشة ك: أتقضي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟
فقالت ك:«أحرورية أنت؟ كنا نحيض في عهد النبي rفلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله» رواه البخاري ومسلم.
وروى الترمذي (‎2738)، والحاكم ‎(4/265-266) وغيرهما بسند حسن عن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر ب، فقال: الحمد لله، والسلام على رسوله!
قال ابن عمر:«وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله r علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حال».
فهذه أحاديث نبوية وآثار سلفية من صحابة كرام، تبين المنهج الصحيح في تلَقي الشرع، وأنه لا مجال لتحسين العقل فيه، أو لتزيين الرأي به، وأن مورد ذلك كله النصوص الشرعية.
ولهذا قال الإمام الشافعي /في كلمته المشهورة التي نقلها عنه أئمة مذهبه وعلماؤه كالغزالي في «المنخول» (ص374)، والمحلي في «جمع الجوامع-2/395 بحاشيته»: «من استحسن فقد شرع») ( 1 ).
* البرهان الرابع: إنَّ الابتداع (إتباع للهوى لأن العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة؛ وأنت تعلم ما في أتباع الهوى وأنه ضلال مبين.
ألا ترى قول الله تعالى:يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ]ص:26[.
فحصر الحكم في أمرين لا ثالث لهما عنده، وهو الحق والهوى، وعزل العقل مجرداً
إذ لا يمكن في العادة إلا ذلك.
وقال:وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ]الكهف:28[ فجعل الأمر محصوراً بين أمرين، إتباع الذكر؛ وإتباع الهوى، وقال:وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّه ]القصص:50[)(1).
وقال الله عز وجل:ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ]الجاثية:18[.
وعن عبد الله بن مسعود ٍ tقال:«خطَّ رسول الله rلنا خطاً، ثم قال:«هذا سبيل الله»، ثم خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله وقال:«هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إِليه» وقرأ:وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» رواه احمد والحاكم(2).
وقال عبدالله بن مسعود t:«إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأمر» أخرجه اللالكائي في«شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (1/96).
* البرهان الخامس: إنَّ الإخلاص لا يكفي في العمل حتى يكون متقبلاً لأن (دين الإسلام مبني على أصلين: أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نعبده بما شرعه من الدين، وهو ما أمرت به الرسل)(3).
فشروط العمل الصالح المتقبل هي: أولاً: الإخلاص.
وثانياً: متابعة الرسول r.
قال الفضيل بن عياض- /-:«إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً؛ لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل والخالص إذا كان لله ﻷ والصواب إذا كان على السنة»(1).
وقال الإمام ابن كثير- /– في «تفسيره»(1/572) عند تفسير قوله تعالى:وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ]النساء:125[:«أي أخلص العمل لربه ﻷ فعمل إيماناً واحتساباً وَهُوَ مُحْسِنٌ أي اتبع في عمله ما شرعه الله له وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق، وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما أي يكون خالصاً صواباً والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون متابعاً للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة، وباطنه بالإخلاص فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد... الخ».
والأدلة على هذين الشرطين كثيرة: فمن أدلة وجوب إخلاص العبادة لله قوله تعالى:وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ]البينة:5[.
وجاء رجل إلى النبي rفقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر؛ ما له؟ فقال رسول الله r:«لا شيء له» فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله r:«لا شيء له»ثم قال:«إن الله لا يقبل من العمل؛ إلا ما كان له خالصاً،وابتغي به وجهه» رواه النسائي(2).
ومن أدلة وجوب متابعة الرسول r:قوله تعالى:قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‎]آل عمران:31[.
وقال تعالى:وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ]الأعراف:158[.
وروى البخاري ومسلم عن انس tانه قال:جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي r يسألون عن عبادة النبي rفلما أُخْبِروا بها، كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي r؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا؛ فأنا أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله rفقال:«أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله؛ إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني».
وقد صح عن معاوية tأنه كان يستلم أركان الكعبة الأربعة، فقال له ابن عباسب:«إنه لا يستلم هذان الركنان»، فقال معاوية:«ليس شيءٌ من البيت مهجوراً» رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.
وزاد أحمد: فقال ابن عباس ب:لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ  فقال معاوية t:«صدقت».
(ولا أدل على ذلك من قصة عبدالله بن مسعود tلما جاء إلى أولئك القوم المتحلقين في المسجد، ومعهم حصى، يعدون بها التكبير والتهليل والتسبيح، فقال لهم t:«فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامنٌ أن لا يضيع من حسناتكم شيءٌ، ويحكم يا أمة محمدٍ! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم rمتوافرونَ، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملةٍ أهدى مِن ملةٍ محمدٍ أو مفتتحو باب ضلالةٍ».
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن؛ ما أردنا إلا الخير.
قال:«‏وكم من مريدٍ للخيرِ لن يصيبه» رواه الدارمي في «سننه»(1/68-69) وأبو نعيم وغيرهما، وسنده صحيح.
قلت: فهذه قصة جليلة، ترى فيها بجلاء كيف كان علماء الصحابة  يتعاملون مع العبادات بوسائلها ومقاصدها ونيات أصحابها، وبيان ذلك فيما يلي:
أ - قوم يذكرون الله تعالى، تكبيراً، وتهليلاً، وتسبيحاً.
ب - استعملوا في ذكرهم حصى كـ (وسيلة) لعد هذا التكبير والتسبيح.
ج - نياتهم في عملهم هذا حسنة، يريدون به عبادة الله، وذكره، وتعظيمه.
د - ومع ذلك؛ أنكر عليهم ابن مسعود هذا العمل ضمن هذه الوسيلة؛ لأنه لم يعهد عن رسول الله r؛ رغم وجود المقتضي له في عصره.
هـ - رتب على عملهم المحدث هذا الإثم لمخالفتهم السنة، ومواقعتهم البدعة.
و - لم يجعل - t- حسن نياتهم سبيلاً للتغاضي عن عملهم، أو دليلاً على صحة فعلهم، إذ النية الحسنة لا تجعل البدعة سنة، ولا القبيح حسناً، بل لا بد أن يكون مع النية الحسنة والإخلاص: موافقة للسنة، ومتابعة للسلف) ( 1 ).
وعن سعيد ابن المسيب- /-: أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثرَ من ركعتين، يكثر فيهما الركوع والسجود، فنهاه! فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟!
قال:«لا ولكن يعذبك على خلاف السنة»( 2 ).
قال الألباني- رحمه الله- في «الإرواء»(2/236):«وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب /، وهو سلاح قوي على المبتدعة الذين يستحسنون كثيراً من البدعِ باسم أنها ذكر وصلاة، ثم ينكرون على أهل السنة إنكار ذلك عليهم، ويتهمونهم بأنهم ينكرون الذكر والصلاة!! وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك»اهـ.
وقال( 1 )رجل للإمام مالك: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟
قال: من ذي الحلَيفة، من حيث أحرم رسول الله r.
فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر.
قال: لا تفعل؛ فإني أخشى عليك الفتنة.
فقال: وأي فتنة في هذه؟! إنما هي أميال أزيدها!!
قال: وأي فتنةٍ أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلةٍ قصر عنها رسول الله r؟ قال تعالى:فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  ]النور:63[.
فهذه الأدلة تدل على أن إخلاص أولئك في نيتهم لم يمنع الرسول rولا الصحابة ولا التابعين ومن تبعهم من الإنكار عليهم بسبب عدم متابعتهم في أعمالهم تلك للرسول r.
* البرهان السادس: إن الأدلة الصحيحة جاءت بذم البدع مطلقاً، ولم تقسم البدع إلى بدع حسنة مستحبة و إلى بدع سيئة مكروهة:
قال رسول الله r:«أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ، وشر الأمور محدَثاتها، وكل محدَثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة؛ «وكل ضلالةٍ في النار»» أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي والزيادة له.
وقال r:«فإن من يعش منكم؛ فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة»أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم ( 1 ).
وقال r:«من أحدث في أمرِنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد»متفق عليه.
وقال r:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»رواه مسلم.
(فهذه الأحاديث لم تفرق في الحكم بين بدعةٍ وبين بدعةٍ أخرى، فالنكرة إذا أضيفت؛ أفادت العموم، والعموم لا يخص إلا باستثناء، وأين الاستثناء هنا؟! - وما قد يظنه البعض دليل على الاستثناء سيأتي الجواب عنه فيما بعد إن شاء الله - وهذا ما فهمه السلف الصالح : فعن عبد الله بن عمر ب قال:«كل بدعةٍ ضلالة وإن رآها الناس حسنة» ( 2 ).
وقال عبد الله بن مسعود t:«أيها الناس! إنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة؛ فعليكم بالأمرِ الأول»(3).
كلاهما أخذ معنى (البدعة) على عمومه، دون تفريق بين ما يسمى بدعة حسنة أو بدعة سيئة! وهو الذي لا ينبغي سواه)(4).
(وقد ثبت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي؛ إذا تكررت في مواضع كثيرة وأوقات متفرقة وأحوال مختلفة، ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها العام المطلق.
وأحاديث ذم البدع والتحذير منها من هذا القبيل، فقد كان النبي r يردد من فوق المنبر على ملأ من المسلمين في أوقات كثيرة وأحوال مختلفة أن «كل بدعةٍ ضلالة» ولم يأت في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية من العموم فيها، فدل ذلك دلالة واضحة على أنها على عمومها وإطلاقها.
وقد اجمع السلف الصالح على ذمها وتقبيحها والهروب عنها وعمن اتسم بشيء منها، ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا استثناء، فهو- بحسب الاستقراء- إجماع ثابت يدل دلالة واضحة على أن البدع كلها سيئة ليس فيها شيء حسن)(1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في«مجموع الفتاوى»(10/370):«إن المحافظة على عموم قول النبي r:«كل بدعةٍ ضلالة» ‏متعين وأنه يجب العمل بعمومه».
* البرهان السابع:(إن معرفة البدعة المدعى حسنها متعذرة، لأن الأمر قد يكون ظـاهره طاعة وهو معصية وقد يكون الأمر بالعكس وقد يحسن كثير من العقول بمجردها أن تصلي الظهر خمساً عند النشاط والرغبة في مناجاة الله ويحسن أن تصلي ركعة عند التعب والإعياء وتراكم الأشغال وهكذا يقال في سائر الفروض.
فيقال لمحسني البدع أنتم في حاجة شديدة أن تميزوا البدعة الحسنة من القبيحة، ونحن على اتفاق أنه ليس كل ما ظـاهره طـاعة يكون في الواقع طـاعة، ولا كل ما ظـاهره معصية يكون في الواقع معصية، وغـاية الأمر أن يكون هذا المحدث المبتدع دائراً بين أن يكون حسناً مثاباً عليه، وأن يكون قبيحاً معاقباً عليه، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن تدعوا أنه من القسم الأول إلا بدليل خارج، والدليل إذا كان من الكتاب؛ أو السنة الصحيحة؛ أو الإجماع؛ فما هو من البدعة، فظهر أن القول بالبدعة الحسنة باطل لتعذر معرفتها.
وسر البرهان أننا نقول لمن أشار إلى عمل محدث وقال هذه بدعة حسنة: من أين عرفت أنها حسنة ولعلها قبيحة؟
وكم نشاهد من الأعمال ما نظنه حسناً وهو قبيح، فمثلاً ما يدريك لولا ما جاء في «صحيح مسلم» عن عقبة بن عامر tأنه قال:«ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله r ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا؛ حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» أن الصلاة بعد صلاة الفجر وقبل غروب الشمس وفي وقت الظهيرة غير جائزة؟
وما يدريك لولا ما جاء في«الصحيحين»عن عائشة ك أنها قالت:«أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر» أن إتمام الصلاة في السفر غير جائز، وأن الفاعل لذلك معذب؟وقد قال بتعذيبه كثير من العلماء.
وما يدريك لولا قول الرسول rبعد أن توضأ ثلاثاً ثلاثاً:«هكذا الوضوء، فمن زاد علَى هذا فقد أساء وظلم»( 1 ) أن الزيادة في الوضوء كأن يغسل المتوضئ خمساً لا تجوز، وما يدريك لولا ما جاء في«صحيح مسلم» عن ابن عباس بأن رسول الله r قال:«ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً» أن قراءة القرآن في الركوع والسجود غير جائزة بل مكروهة؛ والإمام أبو حنيفة قائل بذلك؟ وكثير في الشريعة ما نظنه طاعة يثاب عليه وهو معصية يعاقب عليه وكذلك العكس)(1).
قال عبدالله القصيمي في كتابه «شيوخ الأزهر والزيادة في الدين»(20-21):
«خاطبت يوماً شيخاً من شيوخ الأزهر الذين يقولون: إن في الدين بدعة حسنة؛ قلت له:
ما الفاصل بين البدعة الحسنة والبدعة القبيحة الذي يعتمد عليه المسلم فيأخذ الحسن ويترك القبيح؟
فامتقع لونه وقال (وليته ما قال): البدعة الحسنة هي الجائزة ديناً، والقبيحة هي الممنوعة ديناً!
قلت له: ما صنعت شيئاً، بأي شيء نعرف الجائزة والممنوعة؟ وهو سؤالي.
فامتقع أكثر وقال: الجائزة هي الحسنة، والممنوعة هي السيئة!!
قلت له: هذا هو الدور الممنوع لدى المعممين كافة، إذ لا نعرف الحسن إلا بكونه حلالاً، ولا الحلال إلا بكونه حسناً، ولا القبيح إلا بكونه حراماً، ولا الحرام إلا بكونه قبيحاً.
ثم نشط عقله من عقاله وقال: البدعة الحسنة التي لا ضرر فيها، والقبيحة هي ذات الضرر.
قلت له: ما تقصد بالضرر؟
أتقصد ضرر الدنيا أم ضرر الدنيا والأخرى، أم ضرر الأخرى فحسب؟
إن قصدت الأول: فأي ضرر في أن نصلي الظهر خمساً والمغـرب أربعاً والفجر ستاً وأن نجعل السجود في الصلاة قبل الركوع، والركوع قبل القيام، والقيام قبل الجلوس، والتشهد قبل الاستفتاح، وأن نصوم شعبان بدل رمضان إذا خفنا أن لا يدركنا رمضان أو يشغلنا شاغل، وأن نصوم في الليل؟
هل في واحدة من هؤلاء ضرر دنيوي تراه؟ لا ضرر سوى مخالفة الشرع.
وإن قصدت الثاني والثالث فما العلامة أن هذه الحادثة فيها ضرر علينا في الدار الآخرة وعقاب لفاعليها؟ هذا وأنت من الذين ينفون التقبيح والتحسين العقليين، فانتهى هنا.
والنهاية أن من لم يأخذ بظواهر هذه الأخبار تحير وقال أقوالاً باطلة» اهـ.
والدليل على هذا أن كثيراً من الذين قالوا بالبدع الحسنة قد أنكروا أعمالاً في ظاهرها الحسن، بل إنك لتجد أحد العلماء يقول في بدعة ما أنها حسنة تجد عالماً آخر وهو ممن يقول بالبدع الحسنة ينكرها أشد الإنكار وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
1- العز بن عبد السلام/ وهو من أشهر من قال بتقسيم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة يقول في كتابه «الفتاوى» (ص392): «ولا يستحب رفع اليد في القنوت كما لا ترفع في دعاء الفاتحة، ولا في الدعاء بين السجدتين، ولم يصح في ذلك حديث، وكذلك لا ترفع اليدان في دعاء التشهد؛ ولا يستحب رفع اليدين في الدعاء إلا في المواطن التي رفع فيها رسول الله r يديه، ولا يمسح وجهه بيديه عقيب الدعاء إلا جاهل، ولم تصح الصلاة على رسول الله rفي القنوت، ولا ينبغي أن يزاد على صلاة رسول الله في القنوت بشيء ولا ينقص» اهـ.
وقال في «الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة»(ص7- 8): «فإن الشريعة لم ترِد بالتقرب إلى الله تعالى بسجدةٍ منفردةٍ لا سبب لها، فإن القرب لها أسباب، وشرائط،
وأوقات، وأركان، لا تصح بدونها.
فكما لا يتقرب إلى الله تعالى بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة من غير نسكٍ واقعٍ في وقته بأسبابه وشرائطه؛ فكذلك لا يتقرب إليه بسجدةٍ منفردةٍ، وإن كانت قربةً، إذا لم يكن لها سبب صحيح.
وكذلك لا يتقرب إلى الله ﻷ بالصلاة والصيام في كل وقتٍ وأوانٍ، وربما تقرب الجاهلون إلى الله تعالى بما هو مبعد عنه، من حيث لا يشعرون» اهـ.
وهذا الكلام صدر من العز بن عبد السلام - /- أثناء إنكاره لصلاة الرغائب المبتدعة؛ وقد أنكر هذه الصلاة بالإضافة إلى العز بن عبد السلام كثير من العلماء القائلين بالبدعة الحسنة مثل الإمام النووي في«فتاوى الإمام النووي» (ص57) وعبدالله الغماري في«حسن البيان في ليلة النصف من شعبان»؛ مع العلم أن بعض العلماء قال باستحبابها مثل ابن الصلاح وأبو حامد الغزالي في«الإحياء» وأبو طالب المكي في «قوت القلوب» وعدوها من البدع الحسنة.
وقال أيضاً العز بن عبد السلام كما في «فتاوى العز بن عبد السلام» (ص289): «ومن فعل طـاعة لله تعالى، ثم أهدى ثوابها إلى حي؛ أو ميت لم ينتقل ثوابها إليه إذ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ]النجم:39[ فإن شرع في الطاعة ناوياً أن يقع عن ميت لم يقع عنه إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة: والصوم، والحج» انتهى كلامه، ومعروف أن كثيراً من العلماء قالوا بجواز إهداء كثير من الطاعات للأموات وإن لم يرد دليل على ذلك وإنما قياساً على ما ورد!.
وقال أيضاً في (ص197- 199):«أما مسألة الدعاء فقد جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله rعَلم بعض الناس الدعاء فقال في أوله:«قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد rنبي الرحمة» وهذا الحديث إن صح فينبغي أن يكون مقصوراً على رسول الله r، لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون هذا مما خُص به تنبيهاً على علو درجته ومرتبته» انتهى كلامه /وكثير ممن قلده في تقسيم البدع تجده يخالفه في هذه المسألة! فيقول بجواز الإقسام على الله بغير النبي rمع العلم أن الراجح عدم جواز ذلك مطلقاً( 1 ).
2- الإمام أبو شامة - /- أنكر في «الباعث على إنكار البدع والحوادث» كثيراً من بدع الجنائز مثل قول القائل أثناء حمل الجنازة: استغفروا له غفر الله لكم، كما أنكر أن يكون للجمعة سنة قبلية (ص258- 304)، وأنكر كذلك صلاة الرغائب (ص138- 196)، وأنكر كذلك صلاة ليلة النصف من شعبان (ص134- 138)، ومع كل ذلك قال (ص95) بأن الاحتفال بالمولد النبوي يعتبر بدعة حسنة!!.
3- وأما الإمام النووي- /- وهو من القائلين بتقسيم البدع، فقد قال في «المجموع»(8/102):«قال الشيخ أبو محمد الجويني: رأيت الناس إذا فرغوا من السعي؛ صلوا ركعتين على المروة.
قال: وذلك حسن، وزيادة طاعة، ولكن لم يثبت ذلك عن رسول الله r.
هذا كلام أبي محمد!!
وقال أبو عمرو بن الصلاح: ينبغي أن يكره ذلك؛ لأنه ابتداء شعار، وقد قال الشافعي- /-: ليس في السعي صلاة.
- ثم قال النووي - وهذا الذي قاله أبو عمرو أظهر، والله أعلم» اهـ.
وقال أيضاً في«الأذكار»(ص136):«قال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله يكره الجلوس للتعزية؛ قالوا: يعني بالجلوس لها: أن يجتمع أهل الميت في بيتٍ ليقصدهم من أراد التعزية، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم،ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها..الخ».
4 - محمد متولي الشعراوي المفسر المصري أنكر رفع الصوت بالصلاة على النبي r بعد الأذان كما يفعله كثير من المؤذنين في كثير من البلاد الإسلامية فقد وجه إليه سؤال كما في«الفتاوى» (ص487):«جرت العادة في معظم المساجد أن يؤذن المؤذن وعقب الانتهاء من الآذان يقول: الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله جهراً، فهل الصلاة على الرسول r جهراً عقب الآذان هي من صلب الآذان أم أن هذه زيادة عما ورد نرجو الإفادة؟
ج: هذا حب لرسول الله r؛ لكن أنت تحبه بمشقة، هو قال:«إذا سمعتم المؤذن وانتهى من اذانه فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي»، وللمؤذن وللذي سمع نصلي عليه في سرنا، لكن المؤذن ليس له أن يوجد شيئاً بصوت الأذان الأذان الأصيل وبلهجة الأذان الأصلية؛ حتى لا يفهم الناس أن ذلك من صلب الأذان» انتهى كلامه، وفي المقابل نجده يقول بجواز الاحتفال بالمولد النبوي (ص544-545)!.
5 - أما حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية سابقاً فيقول بمشروعية رفع الصوت بالصلاة على النبي rمن قبل المؤذنين بعد الأذان في كتابه «فتاوى شرعية وبحوث إسلامية»(ص265-267)؛ مع أنه قال في (ص290) جواباً على سؤال: هل في الشريعة الغراء صلاة تسمى صلاة الشكر؟:«لم يرد في الكتاب ولا في السنة نص يفيد مشروعية هذه الصلاة لا فرادى ولا جماعة. وأمر العبادات يقتصر فيه على ما ورد عن الشارع، ولا سبيل فيه إلى القياس، ولا مجال فيه للرأي، وإنما الذي أثر عن النبيr
السجود لله تعالى شكرا إذا أتاه ما يسره أو بُشر به.. الخ».
فظهر بهذه النقول أنه لا يوجد ضابط معين يميز بين البدعة الحسنة- المزعومة - والبدعة السيئة؛ حتى عند القائلين بهذا التقسيم، ولا يسلم الشخص من الوقوع في هذا الاضطراب إلا بمتابعة السنة وترك الابتداع في الدين.
* البرهان الثامن:(يستدل كثير من الناس بالنصوص العامة لتسويغ بدعهم، والتدليل على واقعهم!
وهذا خطأ كبير، يناقض قاعدة مهمةً في علم الأصول، سيأتي تقريرها - بعد -.
فمثلاً: لو أن عدداً من الناس قَدِموا مسجداً للصلاة فيه، فما أن دخلوا؛ حتى اقترح أحدهم عليهم أن يصلوا تحية المسجد جماعة!! فجابهه بعض أصحابه بالإنكار والرد!! فاستدل عليهم المقترِح بحديث «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل» ( 1 )!! فافترقوا رأيين!! بعضهم وافق على هذا الاستدلال، والبعض الآخر خالف؛ لأن هذا الدليل إنما مورده في غير هذا المقام! فما هو القول الفصل؟
قال الإمام ابن تيمية في«مقدمة في أصول التفسير» (ص8-9):«يجب أن يعلم أن النبي rبين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى:وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ]النحل:44[ يتناول هذا وهذا، وقد قال أبو عبدالرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن- كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما- أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي rعشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن و العلم جميعاً.
ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة.
وقال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلَّ في أعيننا. وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين - قيل ثمان سنين - ذكره مالك.
وذلك أن الله تعالى قال:كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ]ص:29[.
وقال:أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ]النساء:82[ وقال:أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْل ]المؤمنون: 68[.وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن.
وكذلك قال تعالى:إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ]يوسف:2[، وعقل الكلام متضمن لفهمه ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك.
وأيضاً فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم؟» اهـ.
وقال الإمام الشاطبي في«الموافقات»(3/72) رداً على من يستدل بالأدلة العامة على خلاف فهم السلف والدعاء إلى العمل به على غير الوجه الذي مضوا عليه في العمل به ما ملخصه:«لو كان دليلاً عليه؛ لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء، فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارِض له، ولو كان ترك العمل.
فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماعِ الأولين، وكل من خالف الإجماع؛ فهو مخطئ، وأمة محمد rلا تجتمع على ضلالةٍ، فما كانوا عليه من فعلٍ أو تركٍ فهو السنة والأمر المعتبر، وهو الهدى، وليس ثم إلاَ صواب أو خطأ فكل من خالف
السلف الأولين؛ فهو على خطأ، وهذا كافٍ …
ومن هنالك لم يسمع أهل السنة دعوى الرافضة: أن النبي rنص على علي أنه الخليفة بعده؛ لأن عمل كافة الصحابة على خلافه دليل على بطلانه أو عدمِ اعتباره؛ لأن الصحابة لا تجتمع على خطأ.
وكثيراً ما تجد أهل البدعِ والضلالة يستدلون بالكتاب والسنة؛ يحملونهما مذاهبهم، ويغبرون بمشتبهاتهما على العامة، ويظَنون أنهم على شيء».
ثم قال (3/77):«فلهذا كله؛ يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به؛ فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل».
وقال الإمام الحافظ ابن عبد الهادي- /- في «الصارم المنكي في الرد على السبكي» ‏(ص318):«ولا يجوز إحداث تأويل في آيةٍ أو سنةٍ لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة؛ فإن هذا يتضمن أنهم جهِلوا الحق في هذا، وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر» اهـ.
وقال الإمام ابن القيم- /- في «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» ‎(2/128 مختصره):«إن إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين: إما أن يكون خطأ في نفسه، أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأ ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلَف».
إلا عند ساقطٍ رقيعٍ يقول في مثل هذا المقام:«نحن رجال وهم رجال»!!
فمثل هذا المغرور قد سقطَ معه الخطاب، وسد في وجهه الباب!!
والله الهادي إلى نهج الصواب!
قلت: فإذا وضحت هذه القاعدة ظهر لك أي الفريقين أهدى في المثال الذي صدرنا لك الكلام به!
إذ ذاك الدليل العام لم يجرِ عليه عمل السلف  أو فهمهم؛ استدلالاً به على الجماعة في غيرِ الوارد؛ كالفرائض أو التراويح ونحوهما. فهو جرى- إذاً - على جزءٍ من أجزاء عمومه لا على جميع أجزائه.
ومثال آخر تطبيقي سلفي:
روى أبو داود في «سننه» (‎رقم 538) بسند حسن عن مجاهد؛ قال:«كنت مع ابن عمر، فثوب رجل في الظهرِ أو العصر، فقال: اخرج بنا؛ فإن هذه بدعة» ‏!
و«معنى التثويب: هؤلاء الَذين يقومون على أبواب المساجد، فينادون: الصلاة؛ الصلاة»‏.
كما قال الطرطوشي في«الحوادث والبدع»(ص149).
فلو جاء أحد قائلاً: هل من ضيرٍ على من ذكر بالصلاة والله يقول:وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ]الذاريات:55[؟!
لما قبل قوله، بل رد عليه فهمه، إذ لم يفهم السلف  من هذه الآية هذا الإطلاق وهذا العموم، ومعلوم عن ابن عمر ب شدة إتباعه، ودقة التزامه.
ومثال آخر وقد مر معنا فيما سبق: وهو ما رواه الترمذي، والحاكم وغيرهما عن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمرب، فقال: الحمد لله، والسلام على رسوله قال ابن عمر:«وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله r، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حالٍ»‏ فقد أنكر ابن عمر بعلى هذا الرجل مع أن عموم قولِ الله تعالى:إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ]الأحزاب:56[ تدخل فيه تلك الصلاة ولكن، ما هكذا فهمها الصحابة فمن بعدهم وما هكذا طبقها السلف الصالح  ، وفهمهم أولى، ومرتبتهم أعلى.
ورحم الله الإمام الأوزاعي حيث قال:«اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم» ( 1 ).
وعليه نقول:«الحذر الحذر من مخالفة الأولين! فلو كان ثَمَّ فضل ما؛ لكان الأولون أحق به، والله المستعان»)(2).
* البرهان التاسع:(يستلزم من القول بالبدع الحسنة لوازم سيئة جداً:
أحدها: أن تكون هذه البدع المستحبة- حسب زعمهم - من الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم.
وهذا معلوم البطلان بالضرورة، لأن الله تعالى لم يأمر عباده بتلك البدع، ولم يأمر بها رسول الله r، ولم يفعلها ولا فعلها أحد من الخلفاء الراشدين ولا غيرهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وعلى هذا فمن زعم أنه توجد بدع حسنة في الدين فقد قال على الله وعلى كتابه وعلى رسوله rبغير علم.
الثاني: أن يكون النبي rوأصحابه  قد تركوا العمل بسنن حسنة مباركة محمودة، وهذا مما ينزه عنه رسول الله r، وأصحابه .
الثالث: أن يكون القائمون بالبدع الحسنة المزعومة قد حصل لهم العمل بسنة حسنة مباركة محمودة لم تحصل للنبي r، ولا لأصحابه ، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل و دين)(1).

الفصل الثاني:
ذكر الشبه التي يستدل بها من يقول بتقسيم البدع والرد عليها
* الشبهة الأولى: فهمهم لقول الرسول r:«من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء» رواه مسلم.
والجواب عن هذه الشبه هو (ما قاله الإمام الشاطبي- /- في «الاعتصام» (1/233- 236) مختصراً مع بعض الإضافات:
«ليس المراد بالحديث: الاستنان بمعنى الاختراع، وإنما المراد به العمل بما ثبت بالسنة النبوية، وذلك لوجهين:
أحدهما: أن السبب الذي جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة؛ بدليل ما في «صحيح مسلم» من حديث جرير بنِ عبدالله tقال:«كنا عند رسول الله rفي صدر النهار؛ قال: فجاءه قوم حفاةً عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف. عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر. فتمعر وجه رسول الله rلما رأَى بهم من الفاقة. فدخل ثم خرج. فأمر بلالا فأذن وأقام.
فصلى ثم خطب فقال:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ]النساء:1[ إلى آخر الآية إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً والآية الَتي في الحشر:اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ]الحشر:18[ تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره» حتى قال:«ولو بشق تمرةٍ» قال: «فجاء رجل من الأنصار بصرةٍ كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس.حتى رأيت كومين من طعام وثياب.حتى رأيت وجه رسول الله r يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله r: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غيرِ أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنَة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده.من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
فتأملوا أين قال رسول الله r:«من سن في الإسلام سنة حسنة»؛ تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه، حتى بتلك الصرة فانفتح بسببه باب الصدقة على الوجه الأبلغ، فسر رسول اللهr حتى قال:«من سن في الإسلام سنة حسنة..إلخ».
فدل على أن السنة ها هنا مثل ما فعل ذلك الصحابي، وهو العمل بما ثبت كونه سنة.
فظهر أن السنة الحسنة ليست بمبتدعةٍ».
ووجه ذلك:(أن كل ما فعله الأنصاري إنما هو ابتداؤه بالصدقة في تلك الحادثة، والصدقة مشروعة من قبل بالنص أفترون هذا الصحابي أتى ببدعة حسنة؟!.
وحث عليها- أي على الصدقة - الرسول rفي القصة نفسها.
وعليه فالسنة الحسنة هي إحياء أمر مشروع لم يعهد العمل به بين الناس لتركهم السنن)( 1 ).
(‎ويدل على هذا حديث:«من أحيا سنة من سنتي فعمل بها الناس؛ كان له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة فعمل بها، كان عليه أوزار من عمل بها لا ينقص من أوزار من عمل بها شيئاً» رواه ابن ماجة)( 2 ).
مع ملاحظة أن النبي rأضاف السنة إليه فقال:«من سنتي» بينما أطلق الكلام في
البدعة فقال:«ومن ابتدع بدعة» ولم يقل بدعة سيئة.
ثانياً: أن قوله:«من سن في الإسلام سنةً حسنةً ومن سن في الإسلام سنةً سيئةً» لا يمكن حمله على الاختراع من أصلٍ؛ لأن كونها حسنةً أو سيئةً لا يعرف إلا من جهة الشرع؛ لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع، لا مدخل للعقل فيه وهو مذهب جماعة أهل السنة، وإنما يقول به المبتدعة - أعني: التحسين والتقبيح بالعقل -.
فلزم أن تكون «السنة» في الحديث: إما حسنةً في الشرع، وإما قبيحةً بالشرعِ، فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة وما أشبهها من السنن المشروعة.
وتبقى السنة السيئة منزلةً على المعاصي التي ثبت بالشرعِ كونها معاصي؛ كالقتل المنبه عليه في حديث ابن آدم، حيث قال rكما في صحيح البخاري ومسلم:«لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل» ( 1 )وعلى البدع، لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع‏)( 2 ).
ثالثاً: (لا يمكن أن يكون معنى:«من سن في الإسلام سنةً حسنة ً»أي من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة لأن بهذا يكون معنى قول النبي r:«كل بدعة ٍضلالة » «كل سنة ضلالة».
فمن جعل هذا هو معنى ذاك فقد أبعد النجعة وحرف الكلم عن مواضعه)(3).
رابعاً:(لو كان هذا الذي يفهمه الناس الفهم الصحيح للحديث لصار في قول النبيr:«فمن رغب عن سنتي فليس مني» تناقضاً واضحاً وتحريضاً على الإعراض عن السنة.
وثناءً منه على من رغب عن سنته.
فبينما يقول:«فعليكم بسنتي» داعياً إلى التمسك بها والعض عليها بالنواجذ والقبض على الجمر يدعونا هنا إلى الأخذ بأي سنة يسنها من شاء من المسلمين لا بالتقيد بسنته  وحده!)(1).

* الشبهة الثانية: فهمهم لأثر «ما رآه المسلمون حسناً؛ فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئاً؛ فهو عند الله سيئ» أخرجه أحمد وغيره.
الجواب:
أولاً: هذا الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبيr، بل هو ثابت عن عبد الله بن مسعود t.
قال الزيلعي في «نصب الراية» (4/133) نقلاً من «اللمع»للسحيباني (ص28):
«غريب مرفوعاً، ولم أجده إلا موقوفاً على ابن مسعود».
(وقال ابن الجوزي في «الواهيات» (رقم452):«هذا الحديث إنما يعرف من كلام ابن مسعودٍ».
وقال ابن عبد الهادي كما في «كشف الخفاء»للعجلوني (2/188):
«(وروي) مرفوعاً عن أنس بإسنادٍ ساقطٍ، والأصح وقفه على ابن مسعودٍ».
وقال ابن القيم في «الفروسية»(ص61): «ليس من كلام رسول الله r، وإنما يضيفه إلى كلامه من لا علم له بالحديث، وإنما هو ثابت عن ابن مسعودٍ»)( 1 ).
وقال الألباني في «السلسلة الضعيفة»(2/17): «لا أصل له مرفوعاً، وإنما ورد موقوفاً على ابن مسعود» اهـ.
ثانياً:(قال الشيخ الألباني في «السلسة الضعيفة»‏(‎2/17):
«إن من عجائب الدنيا أن يحتج بعض الناس بهذا الحديث على أن في الدين بدعةً حسنةً، وأن الدليل على حسنها اعتياد المسلمين لها!!
ولقد صار من الأمرِ المعهود أن يبادر هؤلاء إلى الاستدلال بهذا الحديث عندما
تثار هذه المسألة، وخفي عليهم:
أ - أن هذا الحديث موقوف - أي على الصحابي - فلا يجوز أن يحتج به في معارضة النصوص المرفوعة - أي إلى النبي r - القاطعة في أن «كل بدعةٍ ضلالة» كما صح عنه r.
ب - وعلى افتراض صلاحية الاحتجاجِ به، فإنه لا يعارِض تلك النصوص لأمور:
الأول: أن المراد به إجماع الصحابة واتفاقهم على أمر، كما يدل عليه السياق، ويؤيده استدلال ابنِ مسعودٍ tبه على إجماع الصحابة على انتخاب أبي بكر خليفةً (حيث قال:«إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد rخير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد، بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوا سيئاً، فهو عند الله سيئ» أخرجه أحمد (1/379)، وروى الحاكم الجملة الأخيرة، وزاد:«وقد رأى الصحابة جميعاً أن يستخلفوا أبا بكر»)( 1 ).
وعليه؛ فاللام في «المسلمون» ليس للاستغراق كما يتوهمون، بل للعهد.
الثاني: سلمنا أنه للاستغراق، ولكن ليس المراد به قطعاً كل فردٍ من المسلمين، ولو كان جاهلاً لا يفقه من العلم شيئاً؛ فلا بد إذن من أن يحمل على أهل العلم منهم، وهذا مما لا مفر لهم منه فيما أظن».
قلت: ومما يزيد كلامه - /- وضوحاً الأمور التالية:
1 - أنه قد بوب له جماعةٌ من أهل الحديث في «باب الإجماع»، كما في «كشف الأستار عن زوائد البزار» ‏(1/81)، و «مجمع الزوائد» (1/177)، وغيرهما.
2 - استدل به كثير من العلماء على الإجماع:
قال ابن كثير:«وهذا الأثر فيه حكايةُ إجماعٍ عن الصحابة في تقديم الصديق، والأمر كما قاله ابن مسعودٍ».
وقال ابن القيم في «الفروسية» (ص60) بعد إيراده، رداً على المستدلين به:«في هذا الأثر دليل على أن ما أجمع عليه المسلمون ورأوه حسناً؛ فهو عند الله حسن، لا ما رآه بعضهم! فهو حجة عليكم».
وقال ابن قدامة في «روضة الناظر» (ص86):«الخبر دليل على أن الإجماع حجة، ولا خلف فيه».
وقال الشاطبي في «الاعتصام»(2/655):(إن ظاهره يدل على أن ما رآه المسلمون بجملتهم حسناً؛ فهو حسنٌ، والأمة لا تجتمع على باطلٍ، فاجتماعهم على حُسن شيءٍ يدل على حُسنه شرعاً؛ لأن الإجماع يتضمن دليلاً شرعياً))( 1 ).
‎وقال الإمام ابن حزم في «الإحكام في أصول الأحكام»(6/197):بعد أن ذكر اثر ابن مسعود :«فهذا هو الإجماع الذي لا يجوز خلافه لو تيقن، وليس ما رآه بعض المسلمين أولى بالإتباع مما رآه غيرهم من المسلمين، ولو كان ذلك لكنا مأمورين بالشيء وضده، وبفعل شيء وتركه معاً، وهذا محال لا سبيل إليه» اهـ.
وقال العز بن عبد السلام في «فتاوى العز بن عبد السلام» (ص379): «إن صح الحديث عن رسول الله r، فالمراد بالمسلمين أهل الإجماع» اهـ.
(وهنا نقول لمن استدل بهذا الأثر على أن هناك بدعة حسنة: هل تستطيع أن تأتي ببدعة واحدة أجمع المسلمون على حسنها؟
إن هذا من المستحيل ولا شك، فليس هناك بدعة أجمع المسلمون على حسنها ولله الحمد.
ثالثاً: كيف يستدل بكلام هذا الصحابي الجليل على تحسين شيء من البدع، مع أنه tكان من أشد الصحابة نهياً عن البدع وتحذيراً منها، وهو القائل كما مر معنا «اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم، وكل بدعةٍ ضلالة»رواه الدارمي في سننه)(1).

* الشبهة الثالثة:(يقولون: ليست (كل) في حديث:«كل بدعةٍ ضلالة» ‏‏على عمومها، بدليل أن الله سبحانه يقول:تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ]الأحقاف:25[ والريح لم تدمر (كل) شيءٍ، فدل على أن (كل) ليست على عمومها!.
الجواب: إن (كل) على عمومها هنا أيضاً، إذ هي دمرت (كل) شيءٍ أمرها به ربها، لا (كل) شيءٍ في الدنيا!!
وعلى هذا قول المفسرين:
قال ابن جريرٍ في «تفسيره» (13/26/27):«وإنما عنى بقوله:تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا  مما أرسلت بهلاكه؛ لأنها لم تدمر هوداً ومن كان آمن به» اهـ.
وقال القرطبي في «تفسيره»(16/206):«أي كل شيءٍ مرت عليه من رجال عادٍ وأموالها».
وكذا قال آخرون، وانظر «اقتضاء الصراط المستقيم»(ص274-275).
فلا حجة في هذا الاستدلال ألبتة)( 1 ).

* الشبهة الرابعة: فهمهم لقول عمر بن الخطاب t:«نعمت البدعة هذه» ‏‏رواه البخاري.
الجواب:
أولاً:(لو سلمنا جدلاً بصحة دلالته على ما أرادوا من تحسين البدع - مع أن هذا لا يسلم - فانه لا يجوز أن يعارض كلام رسول الله rالقائل:«كل بدعةٍ ضلالة» بكلام أحد من الناس، كائنا من كان.
قال عبد الله بن عباس ب:«يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله r، وتقولون: قال أبو بكر وعمر»)( 1 ).
ثانياً: أن عمر بن الخطاب tقال هذه الكلمة حين جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح و(صلاةَ التراويح ليست بدعةً في الشريعة، بل هي سنة بقول رسول الله rوفعله في الجماعة.. ولا صلاتها جماعةً بدعةً، بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها رسول الله rفي الجماعة في أول شهر رمضـان ليلتين، بل ثلاثاً.
وقال:«من قام مع الإمام حتى يَنصرف، فإنه يعدل قيام ليلةٍ» رواه الترمذي وابن ماجة.
كما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح. رواه أهل السنن.
وبهذا الحديث احتج احمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد.
وفي قوله هذا ترغيب لقيام رمضـان خلف الإمام وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة، وكان الناس يصلونها جماعاتٍ في المسجد على عهده rوهو يقرهم، وإقراره
سنة منه r)( 1 ).
بل إن الصحابة  كانوا يصلون التراويح في عهد عمر tقبل أن يقول كلمته هذه، فقد روى البخاري ومالك وغيرهما عن عبد الرحمن بن عبد القارى t قال:(خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذَا الناس أوزاعاً متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصَلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحدٍ لَكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعبٍ. ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارِئهم. قال عمر:«نعمت البدعة هذه»).
ثالثاً:(إذا علمت- رحمك الله- ما تقدم، فمفهوم البدعة الشرعية لا ينطبق على فعل عمر، وإنما أراد- t - بقوله المذكور البدعة اللغوية، فالبدعة في الشرع لا تستخدم إلا في موضع الذم، بخلاف اللغة فإن كل ما أحدث على غير مثال سابق بدعة، سواء أكان محموداً أو مذموماً)( 2 ).
(وعلى هذا حمل العلماء قول عمر tفقد قال الإمام ابن كثير- رحمه الله- في «تفسيره» عند تفسير:بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ]سورة البقرة: 117[:«البدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية؛ كقوله r:«كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة» وتارة تكون بدعة لغوية؛ كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارِهم:«نعمت البدعة هذه»‏.
وقال الإمام ابن رجب في«جامع العلوم والحكم» (ص233):«وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية...» ثم
ذكر /قول عمر t.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في«اقتضاء الصراط المستقيم»(2/592-593):
«وأما قول عمر t:«نعمت البدعة هذه»‏‏ فأكثر المحتجين بهذا؛ لو أردنا أن نثبت حكماً بقول عمر الذي لم يخالف فيه؛ لقالوا:«قول الصاحب ليس بحجةٍ!»، فكيف يكون حجةً لهم في خلاف قول رسول الله r؟!
ومن اعتقد أن قول الصاحب حجة؛ فلا يعتقده إذا خالف الحديث.
فعلى التقديرين: لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب.
ثم نقول: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعةً، مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثالٍ سابقٍ، وأما البدعة الشرعية؛ فما لم يدل عليه دليل شرعي.
فإذا كان نص رسول الله rقد دل على استحباب فعلٍ، أو إيجابه بعد موته، أو دل عليه مطلقاً، ولم يعمل به ألا بعد موته، ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبوبكر t، فإذا عمل ذلك العمل بعد موته، صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ، كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي rيسمى محدثاً في اللغة؛ كما قالت رسل قريشٍ للنجاشي عن أصحاب النبي rالمهاجرين إلى الحبشة:«إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم ولم يدخلوا في دين الملك، وجاؤوا بدينٍ محدثٍ لا يعرف».
ثم ذلك العمل الذي دل عليه الكتاب والسنة ليس بدعةً في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة.
وقد علم أن قول النبي r:«كل بدعةٍ ضلالة»لم يرد به كل عمل مبتدأ؛ فإن دين الإسلام، بل كل دين جاءت به الرسل؛ فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد من الأعمال التي لم يشرعها هو r».
قلت: وقد سبق بيان أن رسول الله r قد صلى بأصحابه في رمضان ثلاث ليالٍ، ثم خاف أن تفرض عليهم، فتركها.
(فلما كان في عهد عمر t؛ جمعهم على قارئ واحدٍ، وأسرج المسجد فصارت هذه الهيئة - وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمامٍ واحدٍ مع الإسراج - عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمي بدعةً؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، ولم يكن بدعةً شرعيةً، لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض زال بموته r، فانتفى المعارض))(1) ( 2 ).

* الشبهة الخامسة: فهمهم لقول الله تعالى:وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ]الحديد: 27[.
الجواب:(ليس في هذه الآية دليل على استحسان البدع من كل الوجوه المحتملة، فإذا كان قوله تعالى:إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ يرجع إلى قوله تعالى:ابْتَدَعُوهَا؛ فمعناه أن الله لم يكتبها عليهم؛ إلا أنهم ابتدعوها بقصد زيادة التقرب إلى الله، وفي هذا ذم لها؛ لأن الله لم يفرضها عليهم، ويزداد التقبيح أنهم مع اختراعهم لها لم يرعوها حق رعايتها، وقصروا فيما ألزموا أنفسهم به، وهذا ضرب من التقبيح والتشنيع المضاعف.
وإذا كان راجعاً إلى قوله:مَا كَتَبْنَاهَا؛ فمعناه أنهم ألزموا أنفسهم بابتداعها، فكتبها الله عليهم، أي أصبحت ديناً مشروعاً من لدن أحكم الحاكمين، وهذا ضرب من التقرير، وقد حدث مثله في ديننا، فكان الرسول rيقر أصحابه على أقوال وأفعال يأتون بها، لم تكن مشروعة من قبل، وبتقريره لها تصبح شرعاً يعبد الله به، وأمثلة ذلك في السنة كثير.
أما بعد موت رسول الله r؛ فإن الشرع لم يعد بحاجة إلى زيادة؛ لأن الله أتمه وأكمله، ولم يترك الرسول rشيئاً مما يقربنا من الجنة إلا وقد أمرنا به، ولم يدع أمراً يقربنا من النار إلا وقد نهانا عنه r.
وجملة القول أن هذه الآية من شرع ما قبلنا، والراجح في علم الأصول أنه ليس شرعاً لنا؛ لأدلة كثيرة منها قوله r:«أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي...» فذكرها، وآخرها:«وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» أخرجه البخاري ومسلم.
وعلى فرض صحة قول من قال: «شريعة من قبلنا شريعة لنا» فذلك مشروط بشرطين:
الأول: أن يثبت أن ذلك شرع ارتضاه الله لهم بنقل موثوق.
الثاني:أن لا يكون في شرعنا ما يخالفه.
وعليه؛ فالآية لا حجة فيها لمحسني البدع، لأن الإسلام بين أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)( 1 ).

* الشبهة السادسة: جمع القران بعد وفاة الرسول r.
الجواب:
أولاً:(القرآن كان في عهد النبي rمكتوباً في الصحف؛ لقوله تعالى:يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً  ]البينة:2[ وقول الرسول r:«لا تكتبوا عني. ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» أخرجه مسلم، لكنها كانت مفرقة، كما يدل على ذلك قول زيد بن ثابت t في قصة جمع القرآن التي رواها البخاري:«‎فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال».
ثانياً: إن جمع القرآن لم يأت به الصحابة من تلقاء أنفسهم، بل هو تحقيق لوعد الله تعالى أيضاً بجمعه؛ كما وعد بحفظه:إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ]القيامة:17[.
فإذا جمعنا بين الآيتين؛ تبين لنا يقيناً أصل عظيم وهو أن الذي شرع الغاية لم ينس الوسيلة، فكما أن حفظ القرآن غاية شرعها الله، كذلك جمعه وسيلة بينها الله، فكان على عهد النبوة مكتوباً في الصحف التي هي العسب واللخاف وكذلك صدور الرجال، فلما رأى الصحابة أن القتل استحرَّ بالقراء يوم اليمامة؛ لجؤوا إلى الوسائل الأخرى التي كان القرآن مكتوباً فيها، فجمعوها، وكان ذلك إيذاناً من الله بتحقيق جمع القرآن وحفظه.
ثالثاً: إن اتفاق الصحابة وقع على جمع القرآن وذلك إجماع منهم وهو حجة بلا ريب كيف وهم القوم لا يجتمعون على ضلالة؟!
وقد قال النبي r:«لا تجتمع أمتي على ضلالة»رواه الترمذي.
رابعاً: إن حاصل ما فعله الصحابة وسائل لحفظ أمر ضروري، أو دفع ضرر اختلاف المسلمين في القرآن، والأمر الأول من باب «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، والأمر الثاني من باب «درء المفاسد، وسد الذرائع» وهي قواعد أصولية مستنبطة من الكتاب والسنة)( 1 ).
(فإن قيل: فلماذا لم يفعله رسول الله r؟ قلت: لوجود المانع، وهو أن القرآن كان يتنزل عليه طيلة حياته، وقد ينسخ الله سبحانه منه ما يريد، فلما انتفى المانع؛ فعله الصحابة رضوان الله عليهم باتفاق)( 2 ).
و«ما رأى المسلمونَ حسناً؛ فهو عند الله حسنٌ ».

يتبع
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-05-2011, 10:38 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

* الشبهة السابعة: يقول البعض أن قول الرسول :«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد» مخصص لحديث «كل بدعة ضلالة» ومبين للمراد منها؛ إذ لو كانت البدعة ضلالة بدون استثناء؛ لقال الحديث: من أحدث في أمرنا هذا شيئاً؛ فهو رد!! لكن لما قال:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد»؛ أفاد أن المحدث نوعان: ما ليس من الدين، بأن كان مخالفاً لقواعده ودلائله؛ فهو مردود، وهو البدعة الضلالة، وما هو من الدين، بأن شهد له أصل، وأيده دليل؛ فهو صحيح مقبول، وهو السنة الحسنة !!
الجواب:
(معلوم من قواعد العلم ومبادئه أن روايات الأحاديث النبوية يفسر بعضها بعضاً، ويشرح بعضها ما غمض من بعضها الآخر.
فهذه الرواية يوضحها ويزيل لبسها المتوهم فيها ما يلي:
أولاً: الرواية الأخرى للحديث نفسه، وهي:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد».
فهذا إيضاح جلي للرواية ذاتها، يكشف صورة العمل المحدث المردود، ويبين أنه كل عمل ليس عليه أمر الدين؛ فهذا شامل للكيفية والصفة والهيئة إذا لم ترد عن النبي .
إذ إعراب «ليس عليه أمرنا» أنها في محل نصبِ صفةٍ لـ «عملاً»، فصفة المحدَثِ أنه ليس عليه أمرُ النبي .
ثانياً: أن تطبيق السلف وفهمهم - وهم القوم لا يشقى الآخذ بقولهم- لهذا الحديث لم يكن على هذا الوجه المستنكر، وإنما كان على الجادة الموافقة لأصول اللغة، وقواعد الاستدلال.
ففي روايات كثيرة عنهم - رحمهم الله - تراهم يستنكرون أعمالاً مشروعة الأصل محدثة الكيفية والصفة، ويصفونها بالابتداع) (1) وقد مر معنا بعض الأمثلة.



* الشبهة الثامنة: استدلالهم بما جاء عن غضيف بن الحارث tأنه قال:«بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء إنا قد جمعنا الناس على أمرين، قلت: وما هما؟
قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر.
فقال: أما انهما أمثل بدعكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما.
قال: لم؟
قال: لأن النبي rقال:« ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة» فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة» أخرجه احمد.
الجواب:
(أولاً: إن هذا الأثر لا يثبت، بل هو ضعيف، لأن في إسناده أبا بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني وهو ضعيف، ضعفه أحمد، وأبو داود، وأبو حاتم، وابن معين وأبو زرعة، وابن سعد، وابن عدي، والدارقطني، انظر ترجمته في «تهذيب التهذيب» (12/28-29)، و«تقريب التهذيب»(2/398)، و«ميزان الاعتدال»(4/498)، و«سير أعلام النبلاء» (7/64))( 1 ).
(ثانياً: على افتراض صحة هذا الأثر، فإنه قد سبق التنبيه على أنه لا يجوز أن يعارض كلام رسول الله rبكلام أحد من الناس كائناً من كان.
ثالثاً: ان غضيف بن الحارث tرفض الاستجابة لهذه البدع، وردها، ولو كانت حسنة، لما امتنع من الأخذ بها.
رابعاً: أن قوله:«أمثل بدعكم»، أمر نسبي، أي هي بالنسبة للبدع الأخرى أخف
شراً، وأقل مخالفة.
خامساً: استدل غضيف t- على فرض صحة الأثر والحديث- على ترك هذه البدع بحديث:«ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة» فلو كانت هذه البدعة حسنة، لم يرفع من السنة مثلها، لأن رفع السنة عقوبة، والحسن لا يعاقب عليه)( 1 ).


* الشبهة التاسعة: زيادة عثمان بن عفان tللأذان الأول يوم الجمعة.
الجواب:
(لقد فعل عثمان ذلك لمصلحة، وهو أن الناس عندما كثروا؛ وتباعدت منازلهم عن المسجد؛ رأى هذا الأذان نافعاً لاتساعها وكثرة أهلها، فيدعوهم ذلك إلى الاستعداد)( 1 )، يدل على ذلك ما جاء في «صحيح البخاري» عن السائب بن يزيد أنه قال:«كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي rوأبي بكرٍ وعمر ب. فلما كان عثمان t وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء».
(وقد نقل القرطبي في «تفسيره»(18/100) عن الماوردي قوله:«فأما الأذان الأول فمحدث، فعله عثمان tليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة وكثرة أهلها» انتهى كلامه - /- فمن صرف النظر عن هذه العلة، وتمسك بأذان عثمان t مطلقاً لا يكون مقتدياً به، بل هو مخالف له حيث لم ينظر بعين الاعتبار إلى تلك العلة التي لولاها لما كان لعثمان tأن يزيد على سنته عليه الصلاة والسلام وسنة الخليفتين من بعده.
ولهذا قال الإمام الشافعي في كتابه «الأم»(1/173):«وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه، ويقول: أحدثه معاوية، وأيهما كان فالأمر الذي كان على عهد رسول الله rأحب إلي، فإن أذن جماعة من المؤذنين والإمام على المنبر، وأذن كما يؤذن اليوم أذان قبل أذان المؤذنين إذا جلس الإمام على المنبر كرهت ذلك له، ولا يفسد شيء
من صلاته»اهـ)(2).
ففعل عثمان tيعتبر من المصلحة المرسلة (و «المصلحة المرسَلة» في تعريف الأصوليين هي:«الأوصاف التي تلائم تصرفات الشارع ومقاصده، ولكن لم يشهد لها دليل معين من الشرع بالاعتبار أو الإلغاء، ويحصل من ربط الحكم بها جلب مصلحةٍ أو دفع مفسدةٍ عن الناس».
وسميت «مرسلة»؛ لعدم وجود ما يوافقها أو يخالفها في الشرع؛ أي: أرسلت إرسالاً وأطلقت إطلاقاً.
والضابط الذي تتميز به المصلحة المرسلة من البدع المحدثة هو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم»(2/594):
«والضابط في هذا- والله أعلم - أن يقال: إن الناس لا يحدثون شيئاً إلا لأنهم يرونه مصلحةً، إذ لو اعتقدوه مفسدةً؛ لم يحدثوه؛ فإنه لا يدعو إليه عقل ولا دين.
فما رآه الناس مصلحةً؛ نظر في السبب المحوج إليه: فإن كان السبب المحوج إليه أمراً حدث بعد النبي لكن من غير تفريط منهم؛ فهنا قد يجوز إحداث ما تدعو الحاجة إليه.
وكذلك إن كان المقتضي لفعله قائماً على عهد رسول الله r، لكن تركه النبي r لمعارضٍ زال بموته وأما ما لم يحدث سبب يحوج إليه، أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد فهنا لا يجوز الإحداث.
فكل أمرٍ يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله rموجوداً، لو كان مصلحةٍ ولم يُفْعَل: يُعْلم أنه ليس بمصلحةٍ.
وأما ما حدث المقتضي له بعد موته من غير معصية الخالق؛ فقد يكون مصلحةً..الخ».
وخلاصةُ القول: أن «حاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمرٍ ضروري، أو رفع حرجٍ لازم في الدين».
وليست البدع - عند من يدعيها- هكذا بيقين)( 1 ) لأن المبتدع إنما يفعل البدع بقصد زيادة التقرب إلى الله وإن لم يكن هناك حاجة لإحداث ذلك الفعل.


* الشبهة العاشرة: قول الإمام الشافعي- /-:«البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة، فهو محمود، وما خالف السنة، فهو مذموم» واحتج بقول عمر tفي قيام رمضان:«نعمت البدعة هذه» رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء»(9/113).
وقوله:المحدثات من الأمور ضربان: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه بدعة ضلالة. وما أحدث من الخير لا خلاف لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة. قد قال عمر في قيام رمضان:«نعمت البدعة هذه».
يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى. أخرجه البيهقي في «مناقب الشافعي»(1/469).
الجواب:
قال الشيخ سليم الهلالي في «البدعة وأثرها السيئ في الأمة»راداً على من يستدل بقول الإمام الشافعي هذا (ص63- 66):
«أولاً: بالنسبة لما أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ‏(9/113) ففي سنده عبدالله بن محمد العطشي، ذكره الخطيب البغدادي في «تاريخه» والسمعاني في «الأنساب» ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وأما بالنسبة لما أخرجه البيهقي ففيه محمد بن موسى الفضل، لم أجد له ترجمة( 1 ).
ثانياً: قول الشافعي إن صح لا يصح أن يكون معارضاً أو مخصصاً لعموم حديث رسول الله r.
والشافعي نفسه- رحمه الله- نقل عنه أصحابه أن قول الصحابي إذا انفرد ليس حجة، ولا يجب على من بعده تقليده، ومع كون ما نسب إلى الإمام الشافعي فيه نظر بدليل ما في «الرسالة» للشافعي (‎ص597- 598)، فكيف يكون قول الشافعي حجة، وقول الصحابي ليس بحجة؟!
ثالثاً:كيف يقول الشافعي /بالبدعة الحسنة وهو القائل:«من استحسن فقد شرع».
والقائل في «الرسالة»(‎ص507):«إنما الاستحسان تلذذ».
وعقد فصلاً في كتابه «الأم» (7/293- 304) بعنوان:«إبطال الاستحسان».
لذلك؛ من أراد أن يفسر كلام الشافعي- /- فليفعل ضمن قواعد وأصول الشافعي، وهذا يقتضي أن يفهم أصوله، وهذا الأمر مشهود في كل العلوم، فمن جهل اصطلاحات أربابها جهل معنى أقاويلهم، وأبعد النجعة في تفسيرها.
إن المتأمل في كلام الشافعي- /- لا يشك أنه قصد بالبدعة المحمودة البدعة في اللغة، وهذا واضح في احتجاج الشافعي- /- بقول عمر، وعلى هذا الأصل يفسر كلام الشافعي، وأنه أراد ما أراده عمر بن الخطاب tأي: البدعة اللغوية (‎كما سبق بيانه) لا الشرعية؛ فإنها كلها ضلالة؛ لأنها تخالف الكتاب، والسنة، والإجماع، والأثر» انتهى كلامه بتصرف.


* الشبهة الحادية عشر: أن بعض العلماء قسم البدعة إلى خمسة أقسام، واجبة كالرد على أهل الزيغ؛ وتعلم العلوم الشرعية وتصنيف الكتب في ذلك، ومندوبة كإحداث الربط والمدارس والأذان على المنائر وصنع إحسان لم يعهد في الصدر الأول، ومكروهة كزخرفة المساجد، ومباحة كالتوسع في المأكل والمشرب، ومحرمة وهي ما أحدث لمخالفة السنة ولم تشمله أدلة الشرع العامة ولم يحتو على مصلحة شرعية.
الجواب:
أولاً: بالنسبة إلى تقسيم البدع إلى خمسة أقسام فالجواب عنه: قول النبي r:«كل بدعةٍ ضلالة»‏‏ وهذا الحديث عام لم يدخله التخصيص كما سبق بيان ذلك.
ثانياً: قال الإمام الشاطبي في «الاعتصام» ‏(1/246) عن هذا التقسيم:
«إن ‎هذا التقسيم أمرٌ مخترع، لا يدل عليه دليلَ شرعي، بل هو في نفسه متدافع؛ لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي؛ لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوبٍ أو ندبٍ أو إباحةٍ؛ لما كان ثَمَّ بدعةٌ، ولَكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخير فيها.
فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً، وبين كون الأدلَة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمعٌ بين متنافيين.
أما المكروه منها والمحرم؛ فمسلم من جهة كونها بدعاً لا من جهةٍ أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر ما أو كراهته؛ لم يثبت ذلك كونه بدعة؛ لإمكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم البتة، إلا الكراهية والتحريم حسبما يذكر في بابه).
هذا بالنسبة إلى التقسيم المذكور، أما بالنسبة إلى الأمثلة التي ذكروها لهذا التقسيم فالجواب عنها ما يلي:
(أما الرد على أهل الزيغ فإنه من إنكار المنكر لأن البدع هي أعظم المنكرات بعد الشرك بالله، وهو أيضاً من الجهاد في سبيل الله ومن النصيحة للمسلمين.
قال رسول الله r:«ما من نبيً بعثه الله في أمةٍ قبلي، إِلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته و يقتدون بأمره. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن؛ وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»رواه مسلم.
وقد أنكر النبي rعلى الثلاثة الذين قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فقال رسول الله r:«أما والله؛ إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني».
وأنكر ابن مسعود وأبو موسى ب على الذين اجتمعوا للذكر بطريقة غير مشروعة؛ كما سبق بيانه،ولما خرج الخوارج وأظهروا بدعتهم أنكر ذلك الصحابة وقاتلوهم، ولم يخالف أحد من الصحابة  في إنكار بدعتهم ووجوب قتالهم. وقد وردت الأحاديث الكثيرة في ذمهم والأمر بقتالهم إذا خرجوا)( 1 ).
وأما بالنسبة للتصنيف في جميع العلوم النافعة فالأصل فيه قول النبي r:«بلغوا عني ولو آية»‏ رواه البخاري، وقوله r:«نضر الله امرءا سمع مقالتي فبلَغها، فرب حامل فقهٍ غير فقيهٍ، ورب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه» ( 2 )، ومن وسائل التبليغ
تصنيف الكتب الشرعية.
(‎وقد كان بعض الصحابة يكتب الأحاديث في عهد الرسول r؛ فقد جاء في «سنن الترمذي» عن أبي هريرة tأنه قال:«‏ليس أحد من أصحاب رسول الله r أكثر حديثاً عن رسول الله r مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب»، وذكر أهل السير أنه كان لرسول الله rكتاب يكتبون له الوحي وغيره)(1).
بل قد حث النبي rعلى كتابة العلم فقال:«قيدوا العلم بالكتابة»(2).
(أما بالنسبة لإحداث الربط فلا نقول بأنه ليس له عهد لدى سلفنا الصالح، فأين أنتم عن الصفة وأهل الصفة، فهي رباط على فقراء الصحابة، وهي أصل في مشروعية وقف الأربطة على الفقراء)(3).
(وأما المدارس؛ فلا يتعلق بها أمر تعبدي يقال في مثله: بدعة؛ إلا على فرض أن يكون من السنة أن لا يقرأ العلم إلا بالمساجد، وهذا لا يوجد، بل العلم كان في الزمان الأول يبث بكل مكان؛ من مسجد، أو منزل، أو سفر، أو حضر، أو غير ذلك، حتى في الأسواق فإذا أعد أحد من الناس مدرسة يعين بإعدادها الطلبة؛ فلا يزيد ذلك على إعداده له منزلا من منازله، أو حائطاً من حوائطه، أو غير ذلك فأين مدخل البدعة ها هنا؟
وإن قيل: إن البدعة في تخصيص ذلك الموضع دون غيره والتخصيص ها هنا ليس
بتخصيص تعبدي وإنما هو تعيين بالحبس كما تتعيَّن سائر الأمور المحبسة، وتخصيصها
ليس ببدعة، فكذلك ما نحن فيه)( 1 ).
(وأما الأذان على المنارة فلا يدخل في مسمى البدعة لأن البدعة في الأذان هي الزيادة في ألفاظه مثل قول الرافضة أشهد أن علياً ولي الله وقول بعضهم أشهد أن علياً حجة الله، وقولهم حي على خير العمل وتكريرهم قول لا إله إلا الله مرتين في آخر الأذان ورفعهم الصوت بالصلاة على النبي rبعد الآذان، فهذا هو المبتدع في الأذان.
وأما الأذان على المكان المرتفع فهو مروي عن بلال tفقد روى أبو داود والبيهقي عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت:«كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر» وقد ترجم له أبو داود بقوله:«الأذان فوق المنارة» وترجم له البيهقي بقوله:«الأذان في المنارة»)( 2 ).
(‎وأما صنع الإحسان فإنه من المعروف وليس من البدع سواء كان معهوداً في الصدر الأول أو لم يكن معهوداً فيه.
وقد قال الله تعالى:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ] النحل:90[ وقال تعالى:وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين ]البقرة:195[ والآيات والأحاديث الصحيحة في الحث على الإحسان كثيرة جداً، ولم يحدد صور معينة للإحسان بحيث لا يجوز فعل غيرها، وإنما يذم منه ما تجاوز الحد وكان من التبذير)(3).
(وأما زخرفة المساجد فكيف يقال أنها من البدع المكروهة، وقد نص رسول الله r على النهي عنها، وقد نهى عنها عمر أيضا، فهي منهي عنها نصاً.
فعن ابن عباس ب قال: قال رسول الله r:«ما أمرت بتشييد المساجد» قال ابن عباس:«لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» أخرجه أبو داود(1) وأمر عمر ببناء المسجد وقال:«أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس»)(2).
(‎وأما بالنسبة للتوسع في المأكل والمشرب فهذه من الأمور المباحة ولا يقصد باستعمالها أمر تعبدي، فهي مشمولة بالنص النبوي الكريم:«أنتم أعلم بأمور دنياكم»رواه مسلم؛ وقوله تعالى:وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ]الأعراف:31[ فما استحدثه الناس في أمور حياتهم مما لا يتعارض مع النصوص العامة في مراعاة الاقتصاد والإباحة العامة، فلا يعتبر بدعا، فقد عرف العلماء البدعة بأنها طريقة محدثة في الدين)(3).
وأما البدع المحرمة وهي حسب تعريفهم: ما أحدث لمخالفة السنة، ولم تشمله الأدلة العامة؛ ولم يحتو على مصلحة شرعية.
فالجواب عن ذلك: أن هذه الشروط مخالفة للأحاديث النبوية والآثار السلفية التي جاءت في التحذير من البدع عموماً دون تخصيص أو تفصيل بين ما أحدث خلاف السنة أو غيره وإليك البيان:
1 - قال رسول الله r:«كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة» وهذا الحديث عام في إنكار جميع البدع كما سبق بيان ذلك.
2 - أن النبي rاخبر عن وقوع الاختلاف بعده فقال:«فإن من يعش منكم؛ فسيرى اختلاَفاً كثيراً» ‏وارشد من يدرك هذا الاختلاف بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده فقال:«فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ »‏ولم يقل لهم: فعليكم بما يوافق سنتي وسنة الخلفاء الراشدين ولم يخالفها مثلاً، ثم حذرهم من المحدثات عموماً فقال:«وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة» ولم يقل: وإياكم ومحدثات الأمور المخالفة لسنتي، فإن كل محدثة مخالفة لسنتي وسنة الخلفاء بدعة؛ وكل بدعة مخالفة لذلك فهي ضلالة.
3 - قال الصحابي الجليل عبدالله بن عمر ب:«كل بدعةٍ ضلالة وإن رآها الناس حسنةً» (1)ولم يخصص بدعة من أخرى.
4 - وقال عبد الله بن مسعود t:«أيها الناس! إنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدَثة؛ فعليكم بالأمرِ الأول»(2).
5 - وقد مر معنا إنكار ابن عمر بزيادة الصلاة على النبي rبعد العطاس! بحجة أن النبي rلم يعلمهم ذلك؛ وكذلك إنكار عائشة ك على المرأة التي سألتها عن سبب أن المرأة الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة بحجة أن الرسول rلم يأمرهم بقضاء الصلاة وإنما أمرهم بقضاء الصيام.
فهذه الأدلة وغـيرها تبين فساد تلك الشروط التي اشترطـوها في البدعة المنكرة حسب زعمهم.
(والحاصل من جميعِ ما ذكر فيه قد وضح منه أن البدع لا تنقسم إلى ذلك الانقسام بل هي من قبيل المنهي عنه إما كراهةً وإما تحريماً)(3).
* الشبهة الثانية عشر: يقول البعض: إن ترك الرسول r للفعل لا يدل على التحريم إلا إذا جاء في ذلك دليل صريح، فكيف يحتج على إنكار البدع الحسنـة حسب زعمهم بحجة أن الرسول r لم يفعل ذلك؟
الجواب:
(أولاً: أن الله تعالى قال فيما امتن به على عباده:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ]المائدة:3[ وفي هذه الآية دليل على أنه لا يجوز إحداث البدع لأنها ليست من الدين الذي أكمله الله تعالى لهذه الأمة في حياة نبيها ورضيه لهم.
ثانياً: أن رسول الله r قال:«‏إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتتن وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدةً» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال:«ما أنا عليه وأصحابي» ‏رواه الترمذي( 1 ) وهذا الحديث يدل على أن إحداث البدع لا يجوز لأنها من الأعمال التي لم يكن عليها رسول الله rوأصحابه)( 2 ).
ثالثاً:(«من المقرر عند ذوي التحقيق من أهل العلم أن كل عبادةٍ مزعومةٍ لم يشرعها لنا رسول الله r بقوله، ولم يتقرب هو بها إلى الله بفعله، فهي مخالفة لسنته؛ لأن السنة على قسمين: سنة فعلية، وسنة تركية.
فما تركه r من تلك العبادات؛ فمن السنة تركها.
ألا ترى مَثلاً أن الأذان للعيدين ولدفن الميت مع كونه ذكراً وتعظيماً لله ﻷ لم يجز
التقرب به إلى الله عز وجل، وما ذاك إلا لكونه سنة تركها رسول الله r.
وقد فهم هذا المعنى أصحابه r، فكثر عنهم التحذير من البدع تحذيراً عاماً؛ كما هو مذكور في موضعه»‏.
ولتقرير قاعدة السنة التركية أقول: أصل قاعدة ‎(السنة التركية) مأخوذ من عدة أدلةٍ؛ منها:
حديث الثلاثة نفر الذين جاؤوا إلى أزواج رسول الله r يسألون عن عبادة الرسول r … الخ وقد ذكرته فيما سبق.
فقد أنكر الرسول r عليهم، ورد فعلهم، مع أن أصل العبادات التي أرادوا القيام بها مشروعة، ولكن لما كانت الكيفية والصفة التي قام بها هؤلاء الثلاثةُ في هذه العبادات (‎متروكةً) في تطبيق رسول الله r وغير واردةٍ فيه، أنكر ذلك عليهم.
فهذه ترجمة عملية منه r لقوله r:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا (ولم يقل من عمل عملاً عليه نهينا) فهو رد»‏.
فهذا عمل مشروع الأصل، لكن ليس عليه أمر النبي rوهديه، فهو مردودٌ على صاحبه، غير مقبول منه.
وخلاصة القول:«إن الترك - مع حرصه × على إحراز فضيلة النفل - دليل الكراهة» ‏كما قاله الإمام العيني كما في «إعلام أهل العصر»‏للعظيم آبادي (ص95) ومن أمثلة ذلك ما سبقت الإشارة إليه في أول هذا المبحث: الأذان لصلاة العيد:
فالأذان مشروع في أصله، لكن لم يفعله رسول الله r ولا أصحابه، وتركوه، فتركهم له سنة يجب إتباعهم فيها.
وكذا الأذان للاستسقاء والجنازة ونحوهما.
فمن فعل من التعبديات والقربات ما تركوه؛ فقد واقع البدعة، وتلبس بها.
قال الحافظ ابن رجب في «فضل علم السلف» (ص31):«فأما ما اتفق السلف
على تركه؛ فلا يجوز العمل به؛ لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل به».
وللشيخ العلامة الشنقيطي في «أضواء البيان» (6/317-320) مبحثاً ماتعاً في أن الترك فعل؛ فهذا يؤكد أن «الترك سنة»‏، إذ تعريف السنة أنها:«ما وَرَدَ عن النبي r من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ ».
فتمام إتباع السنة يكون بترك ما وَرَدَ تركه، وفعل ما وَرَدَ فعله، وإلا فباب البدعة يفتح؛ عياذاً بالله تعالى.
ولابن القيم- /- تفصيل بديع ماتع فيما نقله الصحابة  لتركه r؛ قال رحمه الله:«أما نقلهم لتركه؛ فهو نوعان، وكلاهما سنة:
أحدهما: تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله؛ كقوله في شهداء أحد:«ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم»؛ وقوله في صلاة العيد:«لم يكن أذان، ولا إقامة، ولا نداء»، وقوله في جمعه r بين الصلاتين:«ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدةٍ منهم»... ونظائره.
والثاني: عدم نقلهم لما لو فعله؛ لتوفرت هممهم ودواعيهم، أو أكثرهم أو واحد منهم، على نقله، فحيث لم ينقله واحدٌ منهم ألبتة، ولا حدث به في مجمعٍ أبداً؛ عُلم أنه لم يكن...».
ثم ذكر / عدة أمثلةٍ على ذلك منها: تركه r التلفظ بالنية عند دخول الصلاة، وترك الدعاء بعد الصلاة على هيئة الاجتماع … وغير ذلك، ثم قال:«… ومن ها هنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة؛ فإن تركه r سنة كما أن فعله سنة، فإذا استحببنا فعل ما تركه؛ كان نظير استحبابنا ترك ما فعله، ولا فرق»)( 1 ).
تنبيه: قال الشيخ علي الحلبي- حفظه الله – في«علم أصول البدع» (ص114- 118):
(كتب الغماري المبتدع رسالةً موجزةً سماها «حُسْنَ التفهم والدَّرْك لمسألةِ الترْك»، تكلم فيها بكلامٍ غير سديدٍ، خالطاً بين المسائل الأصولية خلطاً قبيحاً، يترفع عنه صغار الطلبة.
ومجال تعقبه وتحقيقِ القول في المسائل التي أوردها في رسالته كبير جدا، أفردت له رسالة خاصة، عنوانها «دفع الشك في تحقيق مسألة الترك»‏ يسر الله إتمامها.
ولكي لا أخلي المقام هنا من إشارةٍ تكشف انحرافه وتناقضه أقول:
ذكر في مواضع من كتابه (‎ص9) وغيرها تأصيل مسألة الترك؛ قائلاً:
«فمن زعم تحريم شيءٍ بدعوى أن النبي r لم يفعله؛ فقد ادعى ما ليس عليه دليل، وكانت دعواه مردودةً».
وقال ‎(ص124):«ترك الشيء لا يدل على منعه؛ لأنه ليس بنهي».
وقد ذكر (ص151) أمثلةً على الترك مستحسناً لها؛ منها:
1- الاحتفال بالمولد النبوي.
2- تشييع الجنازة بالذكر.
3- إحياء ليلة النصف من شعبان. وغيرها!
لكنه - من قبل و من بعد - ناقض نفسه، فعد بعض المحدثات التي هي جارية على أصوله مساق الحسن والاستحسان: بدعاً قبيحةً، ومحدثاتٍ سخيفةٍ!!
فقد قال (‎ص37):«وأما المغاربة؛ فزادوا بدعةً أخرى، وهي إقامة الجمعة في المساجد على التوالي والترتيب... وهذا اتساع في الابتداع، لا يؤيده دليل!!
ولا تشمله قاعدة!!».
كذا قال ناقضاً ما أصله قبل!
وماذا؟! اتساع في الابتداع!!
فأين أدلة استحساناتك وقواعد محدثاتك؟!
وقال (‎ص38):«بعض الأئمة الجهلة يخطب الجمعة ويصليها في مسجدٍ، ثم يذهب إلى مسجدٍ آخر، فيخطب فيه الجمعة، ويصليها أيضاً، فيرتكب بدعةً قبيحةً، ويصلي جمعةً باطلةً، يأثم عليها ولا يثاب».
كذا!! وهو تناقض عجاب!!
وقال (‎ص38- 39):«شاع في المغرب الأذان للظهر مرتين، بينهما نحو ساعةٍ، والأذان للعصر مرتين بينهما عشر دقائق، وفي تطوان يؤذن للعشاء مرتين أيضاً، وهذه بدعةٌ سخيفةٌ، لا توجد إلا في المغرب، ولم يشرعِ الأذان؛ إلا عند دخول الوقت للإعلام بالصلاة، والأذان بعده لاغٍ غير مشروعٍ».
وغير هذا وذاك من أمثلةٍ تجعل كتابه كله ‎عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ ]التوبة:
109[.
فما هو الذي جعل هذه المحدثات منكرةً عندك وهي مستحسنة عند أصحابها؟!
فلماذا رفضتها أنت منهم بلا ضابطٍ؟!
ولماذا هم لا يرفضون - أيضاً- مستحسناتك؟!
ثم ألا تدخل هذه المحدَثات كلها التي أنكرتها تحت العمومات القرآنية التي أشرت إليها في صدر رسالتك الشوهاء (‎ص11) جاعلاً إياها الأصل في استحسان البدع؛ كمثل قوله تعالى:وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ]الحج: 77[... وغيرها؟!
فلماذا تصف تلك الفعال - وهي خير - بالسخافة وتشنع على أصحابها بالإنكار؟!
وأنت القائل (‎ص11):«فمن زعم في فعل خيرٍ مستحدثٍ أنه بدعةٌ مذمومةٌ؛ فقد أخطأ وتجرأ على الله ورسوله، حيث ذم ما ندبا إليه في عموميات الكتاب والسنة»!
فهذا حكم منه على نفسه أوقعه على أم رأسه! وإبطالٌ لكتابه من أسه وأساسه!
وأوضح من السابق كله ما قاله (‎ص39) في حكم إرسال اليدين في الصلاة، حيث صرح بقوله:«لم يفعله النبي r ولا الصحابة؛ فهو بدعة لا شك».
ووصفَها (ص40) بأنها:«زلةٌ قبيحةٌ، حيث جعلوا البدعة مندوبة، والسنة مكروهةً!!».
قلت - القائل الشيخ علي الحلبي -:وبيان كبير زلَله في هذا الموضعِ أن (‎عدم الفعل) هو عين ‎(الترك)!!
فاستدل بمجرد (‎الترك) على الحكم بالبدعية والوصف بقبح الزلة!!
وهل غير هذا نقول؟!
أم أنه الانحراف عن الجادة؟ والخلط في تخريج الفروع على الأصول!!
وما أحسن كلامه(‎ص51)مقلوباً على نفسه:«وأغلب أخطاء هؤلاء المبتدعة-وما أكثرها- تأتي من جهة جهلهم بالأصول، وعدم تمكنهم من قواعده، مع ضيقِ باعهم، وقلة اطلاعهم»!!
فلا قوة إلا بالله، ولا رب سواه.
وصفوة القول في هذه المسألة العظيمة ما قاله الإمام الشافعي /تعالى تقعيداً وتأصيلاً كما في «فتح الباري»‏(3/475):«ولكنا نتبع السنة فعلاً أو تركاً»‏) انتهى كلام الشيخ علي الحلبي جزاه الله خيراً.


* الشبهة الثالثة عشر: أن بعض الصحابة قد فعلوا أمورا تعبدية ولم يكن فيها دليل خاص؛ ومع ذلك أقرهم الرسول r؛ ولم ينكر عليهم ذلك، كقصة خبيب بن عدي t التي رواها البخاري وفيها أن المشركين لما أرادوا أن يقتلوه طلب منهم أن يتركوه لكي يصلى ركعتين قبل القتل فقال أبو هريرة راوي القصة:«‎فكان خبيب هو الذي سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبراً»، وقصة بلال t عندما كان يصلي ركعتين بعد كل وضوء.
فدل ذلك على جواز إحداث أمور تعبدية وإن لم يفعلها الرسول r.
الجواب:
(إن فعل الصحابة موقوفاً على إقرار النبي r له، وكان فعلهم قبل نزول آية كمال الدين وتمام النعمة.
وأما بعدها مما ابتدعه الخلف فمن أين لهم أن يعلموا إن كان النبيr يقره أو ينهى عنه؟
أبالكشف الصوفي؟!
ولئن اقر النبي r فعل خبيب وبلال في الصلاة بعد كل وضـوء فإنه لم يقر البراء بن عازب على خطئه في الدعاء الذي علمه إياه النبي r وفيه:«آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت» ‏‏فقال البراء:«فجعلت استذكرهن: وبرسولك الذي أرسلت»، فقال النبي r:«لا، وبنبيك الذي أرسلت»‏‏ رواه البخاري ومسلم.
ولم يقر النبي r عثمان بن مظعون على التبتل وسماه رهبنة، ولم يقر الصحابة الذين سألوا عن عبادةِ النبي r فلما أخبروا بها، كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي r؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا؛ فأنا أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله rفقال:«أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله؛ إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني» رواه البخاري وقد مر معنا سابقاً.
فمن أين تضمنون إقرار النبي r لبدعكم وقد مات؟ وقد بلغكم قبل موته أن كل بدعة في الدين مردودة؟)( 1).
وكل هذا يدل على أن ما أحدثه بعض الصحابة من أمور تعبدية أصبح سنة بإقرار الرسول rلا بمجرد فعل الصحابة.
وقد قال عبد الفتاح أبو غده( 2 )؛ بعد ذكره لقصة خبيب بن عدي t:
(‎قال العلامة القسطلاني في «إرشاد الساري»(5/165):«وإنما صار فعل خبيب سنةً، لأنه فعل ذلك في حياة الشارع r واستحسنه».
وقال أيضاً (5/261):«وإنما صار ذلك سنةً، لأنه فعل في حياته r فاستحسنه واقره».
وقال أيضاً(6/314):«واستشكل قوله:«أول من سن»،إذ السنة إنما هي أقوال رسول الله r وأفعاله وأحواله، وأجيب بأنه فعلهما في حياته r واستحسنهما»انتهى كلام القسطلاني.
- ثم قال أبو غدة -: وواضح من حديث أبي هريرة وقصة قتل خبيب فيه:
«أن لفظ (‎السنة) ولفظَ (‎سن) معناه: الفعل المشروع المتبوع في الدين، وعلى هذا فلا يصح لمتفقهٍ أن يستدل على سنية صلاة الركعتين عند القتل، بأن الحديث جاء فيه لفظ «سن»، فتكون صلاتهما سنةً مستحبةً، لأن حكم السنية لصلاة ركعتين هنا استفيد من دليلٍ آخر خارج لفظ «سن» بلا ريب وهو إقرار الرسول r لفعله)( 1 ).


الخاتمة وتحتوي على طريق الخلاص من البدع
(بعد أن ظهر جلياً أن «كل بدعة ضلالة»، فما هو طريق الخلاص من البدع التي هي مفتاح الضلال؟
فالجواب هو ما قاله الرسول الأعظم r:«تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي» رواه مالك في «الموطأ» والحاكم.
وقال الموفق ابن قدامة في «ذم التأويل»(ص35) بعد أن ذكر أدلةً كثيرةً في لزوم إتباع السلف الصالح:«قد ثبت وجوب إتباع السلف رحمة الله عليهم بالكتاب والسنة والإجماع، والعبرة دلت عليه؛ فإن السلف لا يخلوا من أن يكونوا مصيبين أو مخطئين، فإن كانوا مصيبين؛ وجب إتباعهم؛ لأن إتباع الصواب واجبٌ وركوب الخطأ حرامٌ، ولأنهم إذا كانوا مصيبين كانوا على الصراطِ المستقيم ومخالفهم متبعٌ لسبيل الشيطان الهادي إلى صراط الجحيم، وقد أمر الله تعالى بإتباع سبيله وصراطه، ونهى عن إتباع ما سواه، فقال:وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ]الأنعام:153[.
وإن زعم زاعم أنهم مخطئون؛ كان قادحاً في حق الإسلام كله؛ لأنه إن جاز أن يخطئوا في هذا؛ جاز خطؤهم في غيره من الإِسلام كله، وينبغي أن لا تنقل الأخبار التي نقلوها، ولا تثبت معجزات النبي r التي رووها، فتبطل الرسالة، وتزول الشريعةُ‍ ولا يجوز لمسلم أن يقول هذا أو يعتقده».
إذن؛ «الطريق الوحيد للخلاص من البدع وآثارها السيئة هو الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقاداً وعِلماً وعملاً» محوطاً ذلك كله بالاهتداء بهدي السلف وفهمهم ونهجهم وتطبيقهم لهذين الوحيين الشريفين؛ فهم- رحمهم الله - أعظم الناس حباً وأشدهم إتباعاً، وأكثرهم حرصاً، وأعمقهم علماً، وأوسعهم درايةً.
بهذا الطريق- وحسب - يتمسك المسلم بدينه مبرءاً من كل شائبة، بعيداً عن كل محدثةٍ ونائبة.
فـــ «عضوا عليه بالنواجذ»؛ تهتدوا وترشدوا.
وهذا الطريق يسيرً على من يسره الله له، وسهل على من سهله الله عليه، لكنه يحتاج إلى جهودٍ علميةٍ ودعويةٍ متكاتفةٍ متعاونةٍ، ساقها الصدق، وأساسها الحب والأخوة - بعيداً عن أي حزبيةٍ أو تكتلٍ أو تمحورٍ -، ومنطلقها العمل بأمرِه تعالى:‏‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ ]المائدة:2[.
والله الهادي - وحدَه - إلى سواءِ السبيل)( 1 ) والحمد لله رب العالمين.



حمل " البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين والرد على شبه المخالفين "


http://alhdrme.googlepages.com/albraheen.rar
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-06-2011, 10:50 PM
نجيب بن منصور المهاجر نجيب بن منصور المهاجر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 3,045
افتراضي

أحسن الله إليك أخي الكريم :

يقول الشيخ عمر بن البسكري / رحمه الله
في مقاله الموسوم ب سوء التفاهم و أثره السيئ في الوحدة الإسلامية ..

3- اعتقاد أن في الدين بدعا مستحسنة ، و أنها تنقسم إلى خمسة أقسام حسبما قسمها بعض المتأخرين من غير دليل ، و هذه الشبه باطلة ، أما كتابا فقوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر7 ] ، و أما سنة فقوله صلى الله عليه و سلم : « كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة » [أخرجه مسلم ] ، و أما إجماعا فقد أجمعت الأمة على أنه لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يستحسن في دين الله شيئا بعقله و يتعبد به لأن الدين قد كمل و أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يخرج من الدنيا حتى أدى وظيفته التي أمره الله بتأديتها ، قال مالك رحمه الله : "لا يعبد الله إلا بما شرع و من ابتدع بدعة في الإسلام يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه و سلم خان الرسالة "، و أما الاستحسان المصطلح عليه للأئمة المجتهدون فهو: أن تحدث للفقيه نازلة في المعاملات فلم يجد لها نصا صريحا لأن الأحكام لا تتناهى و النصوص تتناهى فيلحقها حينئذ بنظائرها المنصوص عليها قياسا أو استحسانا على سبيل الظن و الحدس و لمن فيه أهلية أن يتبعها أو ينكرها و لا حرج عليه في ذلك لأنها ليست من التشاريع السماوية .
و إما بأن يعمد الفقيه إلى عبادة يخترعها و يتعبد بها ثم لم يكفه هذا حتى يجعل لها خاصة بقوله من عمل كذا فله كذا، فمعاذ الله أن يقول بها مؤمن فضلا عن أن يستحسنها و سيأتي بسط جليل إن شاء الله حول هذه الشبهة أثناء المناظرة .[2]

...............................

2) نشرت هذه المناظرة بمجلة الشهاب بعنوان "مناظرة المصلح والمحافظ"
__________________
قُلْ للّذِينَ تَفَرَّقُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُم فِي العَالَمِين البَيِّنَة
إنَّ الّذِينَ سَعَوْا لِغَمْزِ قَنَاتِكُمْ وَجَدُوا قَنَاتَكُمْ لِكَسْرٍ لَيِّنَة
عُودُوا إِلَى عَهْدِ الأُخُوَّةِ وَارْجِعُوا لاَ تَحْسَبُوا عُقْبَى التَّفَرُّقِ هَيِّنَة

«محمّد العيد»
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-07-2011, 10:40 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المهاجر مشاهدة المشاركة
أحسن الله إليك أخي الكريم :

يقول الشيخ عمر بن البسكري / رحمه الله
في مقاله الموسوم ب سوء التفاهم و أثره السيئ في الوحدة الإسلامية ..

3- اعتقاد أن في الدين بدعا مستحسنة ، و أنها تنقسم إلى خمسة أقسام حسبما قسمها بعض المتأخرين من غير دليل ، و هذه الشبه باطلة ، أما كتابا فقوله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر7 ] ، و أما سنة فقوله صلى الله عليه و سلم : « كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة » [أخرجه مسلم ] ، و أما إجماعا فقد أجمعت الأمة على أنه لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يستحسن في دين الله شيئا بعقله و يتعبد به لأن الدين قد كمل و أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يخرج من الدنيا حتى أدى وظيفته التي أمره الله بتأديتها ، قال مالك رحمه الله : "لا يعبد الله إلا بما شرع و من ابتدع بدعة في الإسلام يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه و سلم خان الرسالة "، و أما الاستحسان المصطلح عليه للأئمة المجتهدون فهو: أن تحدث للفقيه نازلة في المعاملات فلم يجد لها نصا صريحا لأن الأحكام لا تتناهى و النصوص تتناهى فيلحقها حينئذ بنظائرها المنصوص عليها قياسا أو استحسانا على سبيل الظن و الحدس و لمن فيه أهلية أن يتبعها أو ينكرها و لا حرج عليه في ذلك لأنها ليست من التشاريع السماوية .
و إما بأن يعمد الفقيه إلى عبادة يخترعها و يتعبد بها ثم لم يكفه هذا حتى يجعل لها خاصة بقوله من عمل كذا فله كذا، فمعاذ الله أن يقول بها مؤمن فضلا عن أن يستحسنها و سيأتي بسط جليل إن شاء الله حول هذه الشبهة أثناء المناظرة .[2]

...............................

2) نشرت هذه المناظرة بمجلة الشهاب بعنوان "مناظرة المصلح والمحافظ"
جزاك الله خيراً أخي على إثراء الموضوع

هناك سؤال قد جال في خاطري قبل مدة وهو:

مانوع الخلاف بين من قسم البدعة إلى خمسة أقسام كالعز بن عبدالسلام والنووي .. ومن لم يرتضي التقسيم كابن تيمية والشاطبي ..هل هو خلاف حقيقي أم لفظي اصطلاحي؟

وقد أفادني أحدى الأخوة الأفاضل بالتالي:
قال الشيخ محمد الجيزاني:
(الخلاف واقع قديماً بين أهل العلم في تقسيم البدعة إلى حسنة وقبيحة,وإلى أحكام التكليف الخمسة , وهذا الخلاف يمكن أن يكون لفظياً , وذلك لاتفاق الجميع على أن هذا التقسيم إنما هو للبدعة اللغوية دون البدعة الشرعية ,وأن البدعة التي توصف بأنها حسنة إنما هي البدعة اللغوية.
والبدعة في اللغة هي :الاختراع ومطلق الاحداث محموداً كان أو مذموماً,في الدين كان أو في غيره.
ولاتفاقهم أيضاً على ان البدعة الشرعية لا تنقسم إلى حسنة وسيئة بل إنها لا تكون إلا ضلالة , والبدعة شرعاً هي : الإحداث في الدين بغير دليل , فهي خاصة بالإحداث المذموم في الدين .
وبهذا يعلم ان كلاً من القولين إنما أراد من لفظ البدعة معنى غير الذي أراده القول الآخر , فلم يلتق القولان في محزٍّ واحد ولم يتوارد النفي والإثبات على محلٍ واحد.
إلا أنه قد ترتبت ـــــ خاصة عند المتأخرين ـــــ مفاسد جلية على إثبات البدعة الحسنة الناشىء عن القول بتقسيم البدعة اللغوية إلى حسنة وسيئة , وإلى أحكام التكليف الخمسة , ولذا فإنه يشترط في في اعتبار هذا التقسيم أمراً لفظياً أن يسلم من تلك المفاسد .
وبهذا يمكن أن يكون الخلاف في تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة , وإلى أحكام التكليف الخمسة خلافاً معنوياً , وذلك متى اقترن بهذا التقسيم ولزم منه شيء من المفاسد. ) (معيار البدعة ص171)

وقال آخر:
الانطلاق من تعريف مفهوم البدعة عند هؤلاء الأئمة يزيل الإشكال.
.............................. ..
فالذين قسموا البدعة إلى خمسة أقسام اعتمدوا على التعريف اللغوي للبدعة
فالبدعة في اللغة هي الإحداث، تقول: ابتدع أمرا: أحدثه
فشمل تعريفهم هذا كل أمر محدث، سواء في الدين، أو الدنيا
من أجل ذلك، قسموا البدعة إلى خمسة أقسام:
فأدخلوا بدع الدنيا في الحسن، والواجب، والمباح من البدع.
وجعلوا الإحداث في الدين: بدع محرمة، وأخرى مكروهة.
..........................
أما الذين عرفوا البدعة، ووضعوا لها ضوابط وقيود في التعريف، فقد قصدوا البدعة الاصطلاحية، التي ذمها الشرع.
........................
وعليه: فالخلاف: أشبه أن يكون لفظيا، إلا في بعض جوانب التطبيق.
........................

فخرجت من هذا :
أن الخلاف أشبه أن يكون لفظيا ، مع كون لفظ البدعة كمصطلح شرعي ينبغي أن يكون واضحاً جلياً لأن المصطلحات والأسماء الشائعة بين الناس قد تحدث جناية على الحقائق وكما قال الشيخ " إلا أنه قد ترتبت ـــــ خاصة عند المتأخرين ـــــ مفاسد جلية على إثبات البدعة الحسنة الناشىء عن القول بتقسيم البدعة اللغوية إلى حسنة وسيئة , وإلى أحكام التكليف الخمسة , ولذا فإنه يشترط في في اعتبار هذا التقسيم أمراً لفظياً أن يسلم من تلك المفاسد"
والذي يؤكد أن الذين قسموا البدعة إلى خمسة أقسام اعتمدوا على التعريف اللغوي للبدعة فشمل تعريفهم هذا كل أمر محدث، سواء في الدين، أو الدنيا وأنهم متفقون على أن البدعة الشرعية لا تنقسم إلى حسنة وسيئة بل لا تكون إلا ضلالة ويتأكد ذلك من خلال الأمثلة التي ضربوها.

هذا العز بن عبد السلام وهو من أشهر من قال بتقسيم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة يقول في كتابه "الفتاوى" (ص392) : ( ولا يستحب رفع اليد في القنوت كما لا ترفع في دعاء الفاتحة، ولا في الدعاء بين السجدتين، ولم يصح في ذلك حديث، وكذلك لا ترفع اليدان في دعاء التشهد؛ ولا يستحب رفع اليدين في الدعاء إلا في المواطن التي رفع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ولا يمسح وجهه بيديه عقيب الدعاء إلا جاهل، ولم تصح الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت، ولا ينبغي أن يزاد على صلاة رسول الله في القنوت بشيء ولا ينقص) اهـ.
وقال في"الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة"(ص7- 8) : ( فإن الشريعة لم ترِد بالتقرب إلى الله تعالى بسجدةٍ منفردةٍ لا سبب لها، فإن القرب لها أسباب، وشرائط، وأوقات، وأركان، لا تصح بدونها.
فكما لا يتقرب إلى الله تعالى بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة من غير نسكٍ واقعٍ في وقته بأسبابه وشرائطه؛فكذلك لا يتقرب إليه بسجدةٍ منفردةٍ، وإن كانت قربةً، إذا لم يكن لها سبب صحيح.
وكذلك لا يتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والصيام في كل وقتٍ وأوانٍ، وربما تقرب الجاهلون إلى الله تعالى بما هو مبعد عنه، من حيث لا يشعرون) اهـ.
وقال أيضاً العز بن عبد السلام كما في "فتاوى العز بن عبد السلام" (ص289) : ( ومن فعل طـاعة لله تعالى، ثم أهدى ثوابها إلى حي؛ أو ميت لم ينتقل ثوابها إليه إذ ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) ]النجم:39[ فإن شرع في الطاعة ناوياً أن يقع عن ميت لم يقع عنه إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة:والصوم، والحج) انتهى كلامه، ومعروف أن كثيراً من العلماء قالوا بجواز إهداء كثير من الطاعات للأموات وإن لم يرد دليل على ذلك وإنما قياساً على
ما ورد!.
وقال أيضاً في (ص197- 199) : ( أما مسألة الدعاء فقد جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله rعَلم بعض الناس الدعاء فقال في أوله: ( قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ) وهذا الحديث إن صح فينبغي أن يكون مقصوراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون هذا مما خُص به تنبيهاً على علو درجته ومرتبته) انتهى كلامه رحمه الله

وهذا الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ رحمه الله نقل تقسيم العز اِبْن عَبْد السَّلَام : فِي أَوَاخِر " الْقَوَاعِد " الْبِدْعَة خَمْسَة أَقْسَام ....
ولكنه يقول (في باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم) : و" الْمُحْدَثَات " بِفَتْحِ الدَّالّ جَمْع مُحْدَثَة وَالْمُرَاد بِهَا مَا أُحْدِث ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْل فِي الشَّرْع وَيُسَمَّى فِي عُرْف الشَّرْع " بِدْعَة " وَمَا كَانَ لَهُ أَصْل يَدُلّ عَلَيْهِ الشَّرْع فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ ، فَالْبِدْعَة فِي عُرْف الشَّرْع مَذْمُومَة بِخِلَافِ اللُّغَة فَإِنَّ كُلّ شَيْء أُحْدِث عَلَى غَيْر مِثَال يُسَمَّى بِدْعَة سَوَاء كَانَ مَحْمُودًا أَوْ مَذْمُومًا" فتح الباري
وقال ( في باب ما يكره من التعمق والتنازع) وَأَمَّا " الْبِدَع " فَهُوَ جَمْع بِدْعَة وَهِيَ كُلّ شَيْء لَيْسَ لَهُ مِثَال تَقَدَّمَ فَيَشْمَل لُغَة مَا يُحْمَد وَيُذَمّ ، وَيَخْتَصّ فِي عُرْف أَهْل الشَّرْع بِمَا يُذَمّ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْمَحْمُود فَعَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيّ." فتح الباري
وقال الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ رحمه الله: «قوله: «كلَّ بدعة ضلالة(قاعدة شرعيَّة كليَّة بمنطوقها ومفهومها، أمَّا منطوقها فكأن يقال: حكم كذا بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، فلا تكن من الشَّرع؛ لأنّ الشَّرعَ كلَّه هدى، فإن ثبت أنَّ الحكم المذكور بدعة صحَّت المقدِّمتان، وأنتجتا المطلوب) أه

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح(... والأصل الاتباع والخصائص لا تثبت إلاَّ بدليل ..) كتاب الصلاة /خطبة الإمام في الكسوف
قال الحافظ ابن حجر ( أجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجوراً بأن لم ندع استلامها هجراً للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به؟ ولكن نتبع السنة فعلاً أو تركاً..)فتح الباري(4/220).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند قوله  في ذكر النوم (وبرسولك الذي أرسلت لا وبنبيك الذي أرسلت) وأولى ماقيل في الحكمة في رده  على من قال الرسول بدل النبي أن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به وهذا اختيار المارزي قال: فيفتقر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها) الفتح (11/كتاب الدعوات /باب من بات طاهراً)
وقال الحافظ أيضاً(....ولا سيما في ألفاظ الأذكار فإنها تجيىء خارجة عن القياس غالباً) (11/كتاب الدعوات /باب الصلاة على النبي )
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني(قوله:كيف نسلم عليك .. والحامل لهم في ذلك ان السلام لما تقدم بلفظ مخصوص وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فهو منه أن الصلاة أيضاً تقع بلفظ مخصوص وعلوا عن القياس لإمكان الوقوف على النص ولا سيما في ألفاظ الأذكار فإنها تجيء خارجة عن القياس غالباً..) (11/كتاب الدعوات/باب الصلاة على النبي )

عن زيد بن ثابت قال:(أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ونحمد ثلاثاً وثلاثين ونكبر أربعاً وثلاثين فأتى رجل في منامه فقيل له:أمركم محمد أن تسبحوا ..فذكره قال نعم قال اجعلوها خمساً وعشرين وجعلوا منها التهليل فلما أصبح أتى النبي واخبره فقال فافعلوه)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند هذا الحديث(واستنبط من هذا أن مراعاة العدد المخصوص من الأكار معتبر وإلاَّ لكان يمكن أن يقال لهم:اضيفوا لها التهليل ثلاثاً وثلاثين وقد كان بعض العلماء يقول:إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي:وفيه نظر لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على التيان به فحصل له الثواب بذلك فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله)اه ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية فإن نوى عند الإنتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم التي بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محالة وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب على عشرة مثلاً فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي وقد بالغ القرافي في القواعد فقال من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعاً لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئاً أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئاً للأدب)اهاه وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلاً فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الأنتفاع به فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل في السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الأنتفاع ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الأتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمةوخاصة تفوت بفواتها والله أعلم) الفتح كتاب الأذان/باب الذكر بعدالصلاة(2/330)
قال ابن حجر (.. نقل ابن بطال عن الطبراني أن العاطس يتخير أن يقول الحمد لله أو يزيد رب العالمين أو على كل حال والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزىء لكن ماكان أكثر ثناء أفضل بشرط أن يكون مأثوراً) الفتح (11/كتاب الأدب/باب الحمد للعاطس

وهذا مالايقوله المبتدعة الذين أخذوا منه ألفاظ التقسيم ولم يأخذوا بالمعاني والحقائق الذي يريدها والله أعلم.
ولايلزم من هذا عدم وجود أفراد من المسائل خالفوا فيها الحق فالخطأ في التطبيق لايسلم منه أحد إلا المعصوم.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:29 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.