أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
51529 93958

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 11-15-2015, 09:56 PM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

ذكر بعض المفاسد المترتبة على دخول الدعوة والدعاة إلى العمل السياسي:


للشيخ الفاضل فيصل الجاسم




قد يقول قائل: الدخول من باب دفع المفسدة دفع تسلط أهل الفساد على هذه المجالس.

فنقول: هل دفع هذه المفسدة إن وجدت محصورةٌ بهذا الطريق وهي دخول الدعاة أنفسهم؟
وهل سلمت هذا الطريق من مفاسد قد تكون أكبر من المفسدة التي يراد دفعها؟

والواقع يشهد بأن المفاسد المترتبة على دخول الدعوة، ودخول الدعاة هذا أعظم من المفسدة التي يراد دفعها.


وأنا أريد أن أذكر بعض المفاسد -لا كلها- المترتبة على دخول الدعوة والدعاة إلى العمل السياسي:

المفسدة الأولى: الانشغال بالسياسة عن الوظيفة الأساسية للدعوة والدعاة:

المفسدة الأولى: الانشغال بالسياسة عن الوظيفة الأساسية للدعوة والدعاة، فإن وظيفة الدعوة والدعاة الأساسية هي طلب العلم ونشره، التعلّم والتعليم، ودعوة الناس إلى العمل وفق العلم الصحيح والدعوة إلى ذلك، وهو كما يعرفه الشيخ ناصر -رحمه الله- ويلخصه: بالتصفية والتربية، وهذه هي وظيفة الأنبياء والمرسلين، وظيفة الأئمة المهديين.

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً.وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } [الأحزاب:46]

فالدخول والانشغال بالسياسية يصرف الدعاة عن هذه الوظيفة الأساسية، فإنه إن لم يصرف عنها بالكلية، فلاشك أنه يؤثر عليها تأثيرًا كبيرًا جدًا، لماذا؟.

لكثرة دهاليز السياسية، وكثرة خفاياها، وما تقتضيه السياسة من انشغال الأوقات والدخول في الصراعات والمعارك السياسية بدءًا من الانتخابات إلى آخر نفسٍ من نفس السياسية، فيبقى الإنسان مشغولًا عامة وقته في هذا.

والواقع يشهد بانشغال السياسي عن العلم والتعليم والدعوة التي هي وظيفة الداعية الأساسية، دكتور في الشريعة مثلاً كان منشغلاً بالعلم والتعليم دخل السياسة فانصرف بالكلية عن العلم والتعليم، ونسي العلم والتعليم، وأصبح جل همه السياسة والبيانات السياسية والمواقف السياسة.


ولا يمكن بحال الجمع بين السياسية وبين العلم والتعليم والدعوة، وقد وصف محمد عبده شيخه ورفيقه في الكفاح جمال الدين الأفغاني، فقال: “وكان قادرًا على النفع العظيم بالإفادة والتعليم، لكنه وجّه كل عنايته إلى السياسة فضاع استعداده هذا” ا.هـ، أي أصبح غير مستعد للتعليم والتثقيف؛ لأن السياسية أشغلته وضيعت جهده.

كم ضاع من الأوقات في الدفاع عن الدعوة ودرء ما يثار حولها بسبب العمل السياسي؟
وكم أشغل الدعاة أنفسهم في تبرير المواقف السياسية للدعاة الذين أقحموهم في المعترك السياسي؟
وكم من الأموال أنفقت؟ وكم من الأوقات ضاعت؟ وكم من لجانٍ شُكلت لهذا الغرض، أشياء كثيرة في الحقيقة صرفت الداعية عن الوظيفة الأساسية، عن العلم والتعليم والدعوة، إلى الدخول إلى المعترك السياسي وهو كثيرةٌ دهاليزه وخباياه؟.

المفسدة الثانية: هوان الدعاة في قلوب الناس والمدعوين:

المفسدة الثانية: هوان الدعاة في قلوب الناس والمدعوين، فإن الدعوة إذا دخلت السياسة هانت في قلوب الناس، وزهد الناس في الدعوة، وساءت نظرتهم للدعاة؛ لأن العامة يرون دخول أهل العلم والدعوة الذين يجب أن يكونوا أبعد الناس عن الدنيا وأزهد الناس فيها، يرون دخول الدعاة والدعوة مزاحمةً ومنافسةً على الدنيا، والعامي يحبك ويكرمك ما رآك زاهدًا فيما عنده.

فإن رآك منافسًا له على دنياه، ولو كان قصدك حسنًا زهد فيك وساء ظنه بك، وفي الحديث الذي رواه ابن ماجة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس».

ولذلك حفاظاً على سلامة الدعوة لا بد مجانبة مواقع الفتن ومواطن سوء الظن، فإن الدعوة لا يمكن أن تنتشر إلا إذا كانت بعيدة عن الريبة، وبمنأى عن الشبهات والشهوات وعن مواطن سوء الظن.

ومن ذلك ما قالت صفية رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما إنها صفية بنت حيي» فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا ، أو قال – شيئاٍ».

والعلماء استفادوا من هذا الحديث بأن العالم والداعية وطالب العلم لابد أن يكون بعيدًا عن مواطن الريبة، فإن وُجد في بعضها فلابد أن يبين حتى لا يظن به ظن سوء؛ فلابد أن تكون صورة العالم والداعية إلى الله عند الناس صورةً مشرقة.

ولذلك ما من نبيٍ بعثه الله وقد ذكر الله قوله لقومه: ما جئنا طلبًا في الدنيا ولا طمعاً في شيءٍ من دنياكم البتة، هذه ذكره الله عن كل الأنبياء كما في سورة الشعراء، قال عز وجل: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء: 127].

ذكرها الله ذلك بداية من نوح إلى آخر الأنبياء الذين ذكرهم الله في سورة الشعراء، وقال الله عز وجل: {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا}[هود: 29]، {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء: 127].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص: 86]، {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}[الفرقان: 57].

إذًا كل نبي بيّن لقومه أنه ما جاء طالباً للدنيا، ولا طامعاً فيما هو في أيدي الناس، بل كان الأنبياء أزهد الناس في الدنيا، والنبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير، فالداعية إلى الله ينبغي أن يتنزه عن الدنيا، ومن العسير أن يقتنع العامة بأن قصد الداعية الخير، وهم يرونه مزاحماً لهم، فكيف إذا رأوه طلب شيئاً من الدنيا، كما هو حال عامة من دخل من الدعاة، كما أن المعترك السيئ يعني يضطر الإنسان أن يتخذ أمورًا تخالف الشريعة، فيصير الداعية متناقضاً، فإقناع الناس بسلامة النية والقصد بعيد، ولذلك تشويه صورة الدعوة في أعين المدعويين هو من أكبر الآثار السيئة المترتبة على دخول الدعاة المعترك السياسي.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص أشد الحرص على الحفاظ على صورة الدعوة والدعاة نقية؛ لأن الدعوة لا تنتشر إلا إذا كان الدعاة محل ثقةٍ عند الناس بالصدق والإخلاص وحسن القصد والزهد في الدنيا، ولذلك لمّا سأل هرقل أبا سفيان ومن معه، ماذا قال له؟ سأله ليتحقق صدق دعوى النبوة.

قال: هل كان من آبائه من ملك؟ فقال أبو سفيان: لا، ثم بيّن هرقل سبب سؤاله ذلك قائلاً: «سألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائهم من ملك، قلت: رجل يطلب ملك أبيه»، أي لو كان أحد آبائه ملكاً لكان شبهة في حق دعوى النبوة، أي قد يقال: ليس نبياً، ولكنه رجل يطلب ملكاً فقدوه.

فهذا الدخول يثير شبهة على الدعوة، ولذلك نزه الله عز وجل نبيه من أن يكون أحد آبائه ملكًا.

وما بعث نبيٌ حتى كان محل ثقةٍ عند الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم ما بعث حتى عرف عند المشركين بالصادق الأمين.

وقد جرى بسبب دخول الدعاة العمل السياسي وقيعة في الدعاة، ونالتهم بسبب ذلك اتهاماتٌ كثيرة، لم تنلهم على دعوتهم للسنّة، ونشرهم للعلم، ومحاربتهم للمبتدعة، لا، لكن نالتهم الاتهامات على مواقف سياسية، ومنافع دنيوية لا تمت للدين بصلة.

وكم اشتغل كثيرٌ من الدعاة وطلبة العلم في تبرير الكثير من المواقف السياسية بعدما نال كثيرٌ من الناس من الدعوة والدعاة، وطعنوا في نياتهم ومقاصدهم، وبعض هذه الانتقادات صحيحةٌ بلا شك بسبب افتتان بعض الدعاة بالمال والنصب.

فتبقى الدعوة لا شغل لها إلا التبرير والدفاع عن مواقف دعاتهم في السياسية، وهذه خسارة كبيرة، أن تخسر هؤلاء الناس بسبب المزاحمة على هذا الأمر.

المفسدة الثالثة: التنازل عن الثوابت وضعف التمسك بالأصول:

المفسدة الثالثة: التنازل عن الثوابت وضعف التمسك بالأصول ولهذا مظاهر كثيرة، فمن مفاسد الدخول تنازل الداعية عن ثوابته، وضعف تمسكه بالأصول، وهذا له مظاهرة كثيرة.

أول ذلك: التمسك بالسنّة في المظهر كاللحية وتقصير الثوب ونحو ذلك، فقلما يسلم الإنسان من ذلك.

كما لا تسلم المشاركة السياسية من إظهار احترام ما يخالف الشرع، كاحترام الدساتير والأنظمة المخالفة للشرع، بل أصبح بعض الدعاة يلهج بذكر الدستور وتعظيمه، حتى لا تكاد تجد منه كلمةً تدل على أن بعض ما في الدستور يخالف الشرع مخالفةً صريحة، فأصبح الدستور على سبيل التعظيم والاحترام والتبجيل، حتى يصير التعرض لتغيير بعض بنوده جريمة، نعم لا نقول بأن الدستور كله باطل، لا، لكن فيه جزء كبير يخالف الشرع، ومن أكبره الحكم بغير ما أنزل الله من القوانين الوضعية.

فالدخول في المعترك السياسي يحوج الداعية إلى أن تعظيم ما أهانته الشريعة، والسكوت عن بعض ما أوجبت الشريعة تعظيمه، من باب السياسة.

ومن مظاهر ذلك أيضاً ضعف الولاء والبراء في قلوب الكثير من الدعاة، فالسياسة تضطرك إلى تحالفات، وتقودك إلى المداهنة، وإلى بعض المراوغات، وإلى مصاحبة من لا تجوز مصاحبته، بل من يجب هجرانه والإنكار عليه، فقد تضطرك إلى أن تتبسم مع من يجب الإغلاظ عليه، وأن تجالسه وتضاحكه، وتضطرك أيضًا إلى السكوت عن منكراتٍ كثيرة، وذلك تضعف في قلوب الدعاة عقيدة الولاء والبراء.

المفسدة الرابعة: كثرة التلون والمراوغة وعدم الوضوح والتميز:

المفسدة الرابعة: كثرة التلون والمراوغة وعدم الوضوح والتميز هو سمة بارزة في السياسي، فيصبح حال الدعاة حالاً سياسياً، فبدل أن يكون الداعية واضحًا في دعوته متميزًا، يُرى عليه أثر الدعوة والعلم والتعليم، أصبح مراوغًا غير واضح وغير متميز، ولاشك أن عدم التميز وعدم الوضوح يفسد الدعوة، فالدعوة لابد فيها من وضوح، والنبي صلى الله عليه وسلم فرّق بين الناس على هذا الأساس، وقد اتهمه المشركون بذلك، فقالوا: محمد فرق بين الناس، وهو في الحقيقة يفرق بين الحق والباطل، فجاء بالحق فتميز المسلمون عن غيرهم، والله -تبارك وتعالى- سمى ذلك صبغة، فقال: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}[البقرة: 138].

فالداعي إلى الله يكسبه الله صبغة بتمسكه بالسنة، صبغةٌ في مظهره، وفي كلامه، وفي همه وعمله، وفي كل شؤونه، وهذه الصبغة تذهب وتذوب مع السياسة، فيصبح لون الداعية وحاله لا يختلف عن لون الآخرين.

وظهور الدين مرتبطٌ بتميز أهل الحق عن غيرهم، ولذلك من أصول الشريعة مفارقة ومخالفة كل من خالف الحق من مشركين وغيرهم، قال صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقومٍ فهو منهم»، وجاء الأمر بمخالفة المشركين حتى فيما ليس من فعلنا، كأن نخالفهم في تغيير الشيب، مع أنه ليس من فعلنا، ولا اختصاص لهم فيه، ومع ذلك أمرنا أن نخالفهم فيه من باب إعزاز الدين وإظهاره وتميز أهله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين ظاهرًا ما عجّل الناس الفطور وأخّروا السحور»، انظر كيف ربط ظهور الدين بتعجيل الفطر وتأخير السحور، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تغلبكم الأعراب على اسم صلاة العشاء»، والأعراب كانوا مسلمين، لكن الجهل عليهم غالب، فظهور الدين مرتبطٌ بتميز أهل الحق وظهورهم وظهور السنة عليهم.

واليوم أصبحت كلمة “سياسي” تطلق على من؟ تطلق على المراوغ والمتلون، حتى أن الشخص الذي لا تستطيع أن تمسكه عليه ممسكاً لمراوغته، يقال له: سياسي، لأن المراوغة من سمات السياسيين.

وأصبح الشخص غير الواضح اليوم في مواقفه يسمى: سياسياً,

وسأل الشيخ الألباني مرة رجلاً عن شيء، فقال: قد يكون ..، فقال الشيخ معلقاً: “قد” إيش؟ هذا جواب سياسي، يعني لكونه يحتمل الوجهين.

الشاهد أن “السياسي” صارت تطلق على الشخص المرواغ، الذي لا تستطيع أن تمسك عليه ممسكاً، فما في موقف إلا ويوجد له تبريراً، وترى كلامه غير واضح، وهذا شأن السياسة الوضعية اليوم فإنها مبنية على المراوغات والتلون وتغيير المواقف على حسب المصالح، وهذا أمرٌ لا ينكره إلا مكابر.

فبيئة السياسة الوضعية لا تتناسب مع الدعوة القائمة على الوضوح والصراحة والثبات في المواقف، والتمسك بالأصول، وقول الحق وغير ذلك من الأصول، لا تتناسب السياسة مع هذا أبدًا.

المفسدة الخامسة: فتح الباب للتكسب من خلال الدعوة:

المفسدة الخامسة: فتح الباب للتكسب من خلال الدعوة، فالعمل السياسي فتح الباب على مصراعية للتكسب من خلال الدعوة، فصار الواحد يمتطي الدعوة للوصول إلى أغراضه الدنيوية.

والعمل السياسي أغرى ضعفاء النفوس للوصول إلى مقاصدهم من خلال الدعوة، ولهذا أمثلةٌ كثيرة، كم صعد أُناس على أكتاف الدعوة فأظهروا الانتماء لها للوصول إلى المناصب والمجالس والمصالح الخاصة، ثم لمّا وصلوا تنكبوا للدعوة وتغير شأنهم.

وهؤلاء إما أن يكونوا من الدعاة أنفسهم ممن ضعفت نفوسهم، وإما أن من خارج الدعوة ممن يتقرب للدعاة ويُظهر التدين ثم نال غرضه تنكب عن الطريق، وبسبب العمل السياسي صارت الدعوة مغنمًا يمكن للإنسان أن يتكسب من خلاله، فيتحصل منها على وزارة، أو نيابة في مجلس، أو غير ذلك من المصالح الدنيوية باسم الدين.

فصارت الدعوة بذلك مغنمًا بل أن تكون مغرمًا، والأنبياء جاءوا وقد غرموا بهذه الدعوة، بمعنى أنهم أنفقوا الأموال في سبيلها، وبذلوا أوقاتهم وأعمارهم في سبيل الدعوة، ولم يتكسبوا من وراءها فلسًا واحدًا.

وهذا أمر يكثر وقوعه، ويُرى جليًا حيث ترى كثيرًا من المرشحين سواءٌ من أبناء الدعوة أو من غيرهم يظهرون الشعارات الدينية والإسلامية ليكسبوا أصوات الناخبين فيخدعون بهذه الشعارات البراقة العامة.

فالعمل السياسي إذا أُقحم في الدعوة صيَّر الدعوة طريقًا يمكن أن يسلك به الإنسان للوصول إلى مقاصده الدنيوية.

المفسدة السادسة: وقوع النزاعات والخلافات بين الدعاة:

المفسدة السادسة: وقوع النزعات والخلافات بين الدعاة والعاملين وهذا أمرٌ ظاهر، فلا يمكن أن يقال: بأن السياسية لم تفرق السلفيين، لا يُمكن أن يُقال هذا أبدًا، بل ولّدت السياسة النزاعات والشقاقات بين الدعاة، وما دخلت السياسة دعوةً من الدعوات وإلا كثرت فيهم النزاعات والشقاقات والخلافات، وهذا هو شأن الدنيا إذا خالطت الدعوة، ولذلك يقول الله عز وجل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى}[البقرة: 213].

روى ابن جرير -رحمه الله- في تفسيره عن ربيعة قوله: “{ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}، يقول: عن الدنيا وطلب ملكها وخرفها وزينتها، أيكم يكون له الملك والمهابة في الناس؟ فبغى بعضهم على بعض”.

أي لمّا دخلت الدنيا في العلماء، بغى بعضهم على بعض طلبًا للدنيا، أيهم يكون له الملك والمهابة والرئاسة وغير ذلك.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من قبلكم، فتنافسوا كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلتهم»، فلا شك أن العمل السياسي هو من الدنيا ومن مصالحها، وفيه منافع دنيوية كثيرة جدًا، فإذا دخل في الدعوة وقع البغي، وصار الشقاق والخلاف والتنافس، فتتأثر الدعوة ولابد.

والجاه والمنصب والمال من أعظم الفتن التي تصرف الإنسان عن الحق، بل عدّ الله ذلك من أعظم أسباب الكفر، فإنه لمّا ذكر الله الكفر في قوله: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }، قال بعد ذلك في سبب الكفر: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ}[النحل: 107].

والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل أمةٍ فتنة، وفتنة أمتي في المال»، فأعظم فتنة في هذه الأمة هي المال.

والدعوة لا تأتي أُكُلها، ولا تجني ثمارها ويعم نفعها إلا إذا تآلفت القلوب واجتمعت على الحق وسلمت من فتن الشهوات والشبهات.

المفسدة السابعة: تحمل الدعوة أخطاء السياسيين:

المفسدة السابعة: تحمل الدعوة أخطاء السياسيين، فالسياسي الداعية الذي أوصلته الدعوة إلى المجلس النيابي وأقحمته العمل السياسي ممثلاً عنها حينما يقع في خطأ فإن الدعوة كلها تتحمل خطأه، ولا يمكن لها الانفكاك عن خطأه، حتى لو حاولت تحميله إياه، وهذا شأن السياسة، فإن أخطاء النواب تعود على أحزابهم التي يمثلونها، فطالما أن الدعوة دخلت هذا المعترك وأقحمت هذا الفرد المنسوب لها فيه فكل ما يعمله محسوب على الدعوة لا على شخصه، وهذا أمر لا يمكن أن تنفك الدعوة عنه.

وكم حلّت بالدعوات من ويلات بسبب أخطاء بعض مرشحيهم، وكم عانت الدعوة من بعض مواقف نوابهم وبعض مقالاتهم وتصريحاتهم؟

مقالة واحدة، وعبارة واحدة، وموقف واحد قد يضر الدعوة كلها؟ حتى أدى ذلك إلى انشغال الدعاة في تبرير مواقف بعض مرشحيهم والجواب عن أخطائهم في الدواوين والمجالس.

وما حاجتنا إلى كل هذا الهم الذي يصرفنا عن وظيفتنا الأساسية.

المفسدة الثامنة: إيجاد ثغرة تتغلغل بعض الأنظمة من خلالها في الدعوة لإفسادها من الداخل:

المفسدة الثامنة: من مفاسد العمل السياسي على الدعوة، إيجاد ثغرة يمكن للأنظمة والحكومات الجائرة من خلالها الدخول والتغلغل في الدعوة وإفسادها من الداخل، فأسهل طريق تسلكه الحكومات الفاسدة لإفساد الدعوات ما وجدت إليه سبيلاً هو الدنيا، فمتى ما وجدت طريقاً يمكن إدخال الدنيا على الدعاة سهل عليها التأثير على الدعوة وتحريف مسارها، والسياسة تعنى سهولة الحصول على المكاسب والمنافع والأموال، وقلما يقوى قلب الإنسان عن الصبر عن ذلك، فإذا كانت النفوس جُبلت على الضعف تجاه هذا الأمر، سهل على الحكومات عرض الإغراءات لمن ضعفت نفسه من الدعاة ليتبنى موقفاً معيناً، أو يسعى في إقناع الدعوة ككل لموقف ما إما بتصوير الحال على غير حقيقته، أو بغير ذلك من الطرق، ولهذا أمثلة مشاهدة لا نحب أن نذكرها.

فالدخول في السياسية يعني فتح طريق يمكن من خلاله التأثير على الدعوة، والتحكم فيها بتغيير بعض مواقفها بناء على العروض والإغراءات التي تملكها كثير من الحكومات.

ولا أدل على ذلك من قوة نفوذ السياسيين في بعض التنظيمات الدعوية، بل ووصول السياسيين إلى أعلى المناصب وأعلى اللجان في كثير من التنظيمات الدعوية، وإلجاء التنظيمات الدعوية إلى تبني أمورٍ ومواقف سياسية معينة.

ولك أن تنظر في رؤوس بعض التنظيمات الدعوية، تجد بعضهم سياسيين؟ هذا لا شك أثر من آثار إدخال العمل السياسي في الدعوة.

المفسدة التاسعة: إشغال عموم شباب الدعوة كبارًا وصغارًا بمتابعة الأحداث السياسية

المفسد التاسعة من مفاسد إقحام الدعوة في العمل السياسي إشغال عموم الدعاة، كبارًا وصغارًا، ذكوراً وإناثاً، بمتابعة أمور السياسة وتتبع المواقف والأحداث السياسية، إذا صار العمل السياسي جزءً من دعوتهم، ومعلومٌ انسياق النفوس وراء هذه الأمور.

وقد انشغلت كثير من مجالس الدعاة بالقيل والقال، والحديث عن المواقف السياسية، حتى طغى هذا الأمر على الأمر على أحاديثهم، ومقالاتهم، وتغريداتهم.

فالسياسية أشغلت عموم الدعاة -لا كلهم- بالحديث حول الأحداث السياسية ومتابعتها، ولك أن تتأمل حديث عامة مجالس الدعاة.

المفسدة العاشرة: الاهتمام بالتكتل والتحزب على حساب التعليم والتثقيف:

المفسدة العاشرة: من مفاسد السياسة على الدعوة: الاهتمام بالتكتل والتحزب على حساب التعليم والتثقيف، كما ذكر الشيخ ناصر -رحمه الله- فالمشاركة السياسية لابد لها من قاعدة عريضة، فالمشاركة في العمل السياسي يعني خوض انتخابات، والانتخابات لابد فيها من تكوين قاعدة عريضة، والقاعدة أيضًا تحتاج إلى أعدادٍ كثيرة، ولذلك نجد من آثار هذا: التكتل والتحزب، ومحاولة كسب ود شريحة كبيرة، وهذا أثّر على الدروس العلمية، فنجدها قلت بشكل كبير بين الدعاة، ولكم أن تعملوا إحصائية في عموم مناطق الكويت، انظروا كم هي الدروس العلمية؟ وانظروا في نشاط كل شيخ، وكم داعية، كم يحضر من مجالس العلم؟.

أعني بذلك دروس الفقه والعقيدة والحديث والتوحيد وأصول التفسير ونحو ذلك، لك أن تحصي ذلك لتعرف أثر هذا الاشتغال السياسي بالتكتل والتحزب على حساب التثقيف والتعليم، فقد فتر طلبة العلم عن التدريس، وفتر الطلبة عن حضور مجالس العلم، وانشغل الناس بالقيل والقال، والكلام عن المواقف السياسية، وأصبح همنا أن نجمع وليس همنا أن نعلّم.

والكثير من الشباب اليوم ينشطون للمجلس السياسي، فلو أعلنت عن حضور نائب سياسي للمجلس ليتكلم عن موقف سياسي معين في قضية سياسية لرأيت المجلس ممتلئاً، بينما لو أعلنت عن درس علمي لم تجد من يحضر إلا القلة.

والحديث حول السياسية يشوق كثيرًا من الناس للحضور، وتراهم ينشطون في العمل السياسي أكثر مما ينشطون في العلم، فإذا جاءت الانتخابات رأيت كثيراً ممن لا تراهم في المجالس العلمية، هذا أثر من آثار إقحام السياسة في العمل الدعوي.


المفسدة الحادية عشرة: اختراق المنحرفين منهجيًا وفكريًا للتنظيمات الدعوية.

فإن السياسة لابد فيها من تلوّن، لا يمكن أن تكون صريحًا واضحًا تمامًا لا سيما في أمور المنهج والعقيدة وأنت تعمل في خضم السياسة، فإن السياسة ستضطرك إلى تحالفات، وإلى السعي لكسب مناصرين، وهذا الأمر يُسهّل دخول المنحرفين والزائغين عن طريق السنة إلى الدعوة عن طريق السياسة والعمل السياسي.

ولذلك تجد السياسي لا يستطيع أن يظهر سلفيته بشكل واضح، إلا ما ندر، لابد أن يكون لينًا مع الناس، يحاول كسب ما يستطيع منهم، ومن لوازم ذلك التقليل من شأن الخلافات المنهجية، وهذا ظاهر، وبسبب ذلك استطاع كثير من المنحرفين اختراق الدعوة، أو على الأقل إبقاؤهم في الدعوة والسكوت على ذلك على الرغم من ظهور انحرافهم الفكري والمنهجي.

المفسدة الثانية عشرة: لجوء الدعاة إلى التحزب والسرية:

المفسدة الثانية عشرة: العمل السياسي من مفاسده أنه يحوج الدعاة إلى التحزب والسرية، والتحزب والسرية قرينا السياسة، وهذا شأن أكثر التنظيمات الدعوية التي سلكت مسلك السرية والتحزب الخفي.

المفسدة الثالثة عشرة: السياسية إدمان وقليل السياسية يدعو إلى كثيرها:

المفسدة الثالثة عشرة التي أشرنا إليها وهي: أن السياسية إدمان، فمن ذاق طعم السياسة عسر عليه التخلص منها، فقليل السياسية يدعو إلى كثيرها، وهذا لا شك أنه فتنة عظيمة.

انظر إلى قصة طالوت مع قومه، قال تعالى: {قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}[البقرة: 249].

لو لم يكلفهم الله بالشرب من النهر لكان أهون عليهم وأسهل في ترك الشرب، لكن الله ابتلاهم بذوق النهر بشربة واحدة؛ لأن الإنسان عندما يذوق حلاوة الشيء يعسر عليه جدًا أن يتركه إلا أن يثبته الله، بخلاف لو لم يذقه بالكلية.

ولذلك الصبر عن السياسة بعدم دخولها ابتداءاً أهون من الصبر عنها بعد ذوق حلاوتها ومنافعها، لاشك أن هذا أشد فالسياسة نوعٌ من الإدمان.
__________________
قال معالي الشيخ صالح آل الشيخ-حفظه الله-: " فإن الواجب أن يكون المرءُ معتنيا بأنواع التعاملات حتى يكون إذا تعامل مع الخلق يتعامل معهم على وفق الشرع، وأن لا يكون متعاملا على وفق هواه وعلى وفق ما يريد ، فالتعامل مع الناس بأصنافهم يحتاج إلى علم شرعي"
رد مع اقتباس
  #42  
قديم 11-16-2015, 01:05 AM
أبو سلمى رشيد أبو سلمى رشيد غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجــــــــــــزائـــــر
المشاركات: 2,576
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم بن أحمد بن السبكي مشاهدة المشاركة
والأخ رشيد أن لا ...
رشيد ؟
يخلي الناس تطعن في أسيادها ؟
__________________
https://www.facebook.com/abbsalma
رد مع اقتباس
  #43  
قديم 11-16-2015, 06:37 AM
عبدالله علوي عبدالله علوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
المشاركات: 123
افتراضي

من يعرف كتابا مطبوعا فيه مناقشة علمية لهذا الكتاب فليفدنا،
ومن جهة ما يفهمه بعض المعلقين أن في كلامي إساءة لأحد فما أبرئ نفسي ، ولا ينبغي تنزيل كلام عام على معين، وكل من ذكر هم من مشايخنا وقرة عيوننا وان اختلفنا معهم

وأنا عن نفسي لو طلب مني المشاركة لما شاركت ، ولكننا في مقام مناقشة العلم لنستفيد .
رد مع اقتباس
  #44  
قديم 11-16-2015, 08:52 AM
أبومعاذ الحضرمي الأثري أبومعاذ الحضرمي الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: اليمن
المشاركات: 1,139
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله علوي مشاهدة المشاركة
من يعرف كتابا مطبوعا فيه مناقشة علمية لهذا الكتاب فليفدنا،
ومن جهة ما يفهمه بعض المعلقين أن في كلامي إساءة لأحد فما أبرئ نفسي ، ولا ينبغي تنزيل كلام عام على معين، وكل من ذكر هم من مشايخنا وقرة عيوننا وان اختلفنا معهم

وأنا عن نفسي لو طلب مني المشاركة لما شاركت ، ولكننا في مقام مناقشة العلم لنستفيد .

للشيخ الفاضل فيصل الجاسم مبحث بعنوان:ـــ” العمل السياسي وأثره على الدعوة والدعاة، دراسة شرعية وتجربةٌ واقعية”.
أجاد فيه وأفاد ، وأتى على الموضوع من جوانبه.

http://f-aljasem.com/archives/1361

وللأخ الفاضل جمال البليدي-ستر الله عيوبه- مبحث بعنوان:
سلسلة الرد على شبهات دعاة التحزب والانتخابات


كشف من خلالها كثيرا من شبهات الانتخابات بكلام علمي متين.

http://www.albaidha.net/vb/showthread.php?t=37637

وفق الله الجميع لكل ما يحب ويرضى

__________________
قال معالي الشيخ صالح آل الشيخ-حفظه الله-: " فإن الواجب أن يكون المرءُ معتنيا بأنواع التعاملات حتى يكون إذا تعامل مع الخلق يتعامل معهم على وفق الشرع، وأن لا يكون متعاملا على وفق هواه وعلى وفق ما يريد ، فالتعامل مع الناس بأصنافهم يحتاج إلى علم شرعي"
رد مع اقتباس
  #45  
قديم 11-16-2015, 09:51 AM
أبوالأشبال الجنيدي الأثري أبوالأشبال الجنيدي الأثري غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,472
افتراضي

قال الإمام الألباني ــ رحمه الله ــ في أجوبته على أسئلة أبي الحسن المأربي :(فالتكتُّل والتحزُّب ليس من الدعوة السَّلفية، ولا من السُّنة المحمديَّة؛ بل وخلاف القرآن المتَّفق عليه: {ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرَّقوا دينَهم وكانُوا شِيَعًا كلُّ حِزبٍ بما لديهِمْ فرِحون}.
خلاصة الكلام -يا أستاذ-: أننا ما ينبغي أن نهتم؛ لأنهم هكذا يقولون: ما دام نحنُ عرفنا سبيلَنا، وعرفنا طريقَنا؛ فما علينا إلا كما قال ربُّنا: {ادعُ إلى سبيلِ ربِّك بالحكمةِ والموعظةِ الحسَنة وجادِلهم بالتي هي أحسنُ}؛ يجب أن نُبيِّن لهم عاقبةَ دعوتهم؛ ما هي؟ الوصول إلى الحُكم.
الرسول -عليه السلام- وضع أسلوبًا للوصول إلى الحُكم أم لا؟
لا شك؛ "ما تركتُ شيئًا يقرِّبكم إلى الله -تبارك وتعالى- إلا وأمرتُكم به".
إذن: علينا أن نسلك سبيل الرسول -عليه السلام-.
بماذا بدأ؟ بدأ بالتوحيد؛ إذن: نحن نبدأ بالتوحيد.
هم يقولون لنا: إلى متى؟
نحن نقول: ما دامت الأمة تعد الملايين؛ فنحن سنظل ندعو حتى تصبح هؤلاء الملايين موحِّدين، وما راح يصيروا موحِّدين؛ لأنه كما قال ربُّ العالَمين: {ولو شاءَ ربُّك لجعلَ الناسَ أمَّة واحدةً}، لكن -على الأقل- ينبغي الذين يهتمون بالدعوة للإسلام، وإقامة حُكم الإسلام على وجه الأرض؛ هؤلاء -على الأقل- يجب أن يسلكوا سبيلَ المؤمنين، وما يشاققوا الرسول، ولا يخالفون سبيل المؤمنين.
هذا ينبغي أن نقطعَ به، ولا نتردَّد فيه -إطلاقًا-.
قال أبو الحسن المأربي: بارك الله فيكم.
شيخنا -حفظكم الله-: هذه المسألة -ولله الحمد- هي دعوتنا التي دائمًا ندعو بها، ونحث الناس على الدعوة السَّلفية وترك هذا التكتُّل. ).
وجاء فيها أيضا :
(أبو الحسن المأربي: شيخنا -حفظكم الله-: هذا الكلام الذي ذكرتموه يشمل مَن كان يعتقد بالأسماء والصفات عقيدة السَّلف الصَّالح، ويرى الربوبيَّة والألوهية والأسماء والصفات، ويفسِّرها كما يفسرها شيخ الإسلام ابن تيميَّة، ويدرِّس في كتب ابن تيميَّة وفي كتب ابن القيِّم، هذا الكلام يشملهم طالما أنهم يَدعون إلى الحزبيَّة، هذه الحزبية التي نعتبرها تساعد في تفريق الأمة، وفي شق الثوب، حتى أدَّت إلى ما وصل إليه المسلمون.
طيب -شيخنا-: هذا لو أنَّه صرَّح بأنه حزبي، وصرَّح بأنه يدعو إلى حزب، ويدعو الناس إلى بيعة، ويدعو الناس إلى كذا.
لو أنه لم يصرِّح بذلك؛ لكن: لُمس منه هذا الشيء؛ هل حُكمُكم -أيضًا- يشمل هذا الصِّنف؟
الإمام الألباني: لا شك! ولسان الحال أنطق من لسان المقال.
لكن: أنا أعلق على كلامك أنه لا يمكن أن يقال إنهم يدعون، ممكن أن يقال يعتقدون في قرارة نفوسهم؛ لكن: أنهم يدعون .. حزبيَّة ودعاة إلى المناهج السَّلفية؟ هذا مش ممكن -أبدًا-، والواقع يشهد على ذلك.
أبو الحسن المأربي: هذا من حيث الواقع، أما من اعتقادهم؛ لا نبالي باعتقادهم.
الإمام الألباني: أنا أقول: كثير من الأحزاب الأخرى الذين كنا نلتقي بهم -هناك وهنا-، هم معنا في العقيدة؛ لكن ليسوا معنا في المنهج! فهم يُفيدون أنفسهم لا يفيدون غيرهم، يريدون أن يفيدوا غيرهم إن كان هناك فائدة؛ فهي نافلة، أما أن يفيدوهم فائدة هي واجبة؛ هذا ما لا يفعلونه!
إذن: هؤلاء يستفيدون لذوات أنفسِهم، أمَّا أن ينشروا الدعوة في أولئك الناس الذين يتكتَّلون من حولهم!
هذا خلاف منهج السَّلف الصَّالح.
يعني: لا يخفاك أن الرجل الداعية -حقًّا- حيثما كان؛ كان داعيةً، ثم كما قال ذلك الراجز الفقيه:
العلمُ إن طلبتَه كثيرُ .. والعُمر عن تحصيلهِ قصيرُ
فقدِّم الأهمَّ منه فالأهم
فهذا التقديم -الأهم فالأهم- الجماعات الحزبيَّة ما تعرفه أبدًا، أما الإسلام هو الذي قرَّر هذا؛ لأن نبي الإسلام بدأ بماذا؟ بالأهم؛ بالتوحيد، ونحن -اليوم- لا يوجد مجتمع -كان كبيرًا، أو صغيرًا-؛ إلا وهو بحاجة لدعوة التوحيد، والعالم كلُّه هكذا؛ بحاجة للتوحيد.
فكم وكم عندنا من جماعات وأحزاب .. إلخ، وهذه دعوتُها لا وُجود لها إطلاقًا في أهمِّ شيء يتعلَّق بالإسلام؛ ألا وهو التوحيد.
وأكرِّر: ليت أن المصيبة وقفت هنا؛ بل هم يتَّهمون من يقومون بهذا الواجب الأوجب؛ بأنهم يُفرِّقون الكلمة!!
أبو الحسن المأربي: طيب -شيخنا- في هذه المسألة: هل تتصوَّر أنه ممكن أن يقوم حزب، وأن يتَّفق جماعة على بيعة وأمرٍ، ولا يكون هناك ولاء وبراء من أجل هذه الحزبيَّة؟ هل تتصوَّرون هذا يقع على الوجود؟
الإمام الألباني: لا أتصوَّر.
أبو الحسن المأربي: لا بُد أن يَتبعه ولاء وبراء؟
الإمام الألباني: إي نعم.
أبو الحسن المأربي: نعم.
الإمام الألباني: وهذا الولاء لا يكون إلا لواحد؛ هو الخليفة.
أبو الحسن: طيب -شيخنا-: أيضًا هم يستدلون في مثل أعمالهم هذه ببعض الأدلة؛ مثل: {وَتعاوَنُوا على البِرِّ وَالتَّقوى}، {وَاعْتَصِمُوا بِحبلِ الله}، يجيبون مثل هذه الأدلة ويضعونها. ترى أن هذه الأدلة وُضعت في غير موضعها؟
الألباني: الآن أنتَ ذكَّرتَني بالموضوع الذي كُنا بدأناه، ثم لم نتمَّه.
هذا الاستدلال هو الذي يعم العالم الإسلامي اليوم، ويحسبون أنهم يُحسنون صُنعًا.
أبو الحسن المأربي: الله المستعان.
الإمام الألباني: قلتُ -ولا أزال-: كل نصٍّ عامٍّ، لم يجرِ عليه عملُ السَّلف الصَّالح في جزءٍ ما؛ فالعملُ بهذا الجزءِ هو بدعةٌ في الإسلام.
فالآن حينما يُريدون أن يستدلوا بهذه الآية الكريمة: {وَتعاوَنُوا على البِرِّ وَالتَّقوى}؛ هل هكذا المسلمون الأوَّلون؟
قاعدة مهمَّة جدًّا تشمل الأصولَ والفروع، فإذا ما أتقنها المسلم؛ نجا أن يكون ولو في جانب واحدٍ من الفِرق الضالة.
التعاون على البِر والتقوى ينبغي أن لا يخالفَ منهجًا سلفيًّا، فضلًا على أنه لا ينبغي أن يكونَ مُفرِّقًا.
وهو مفرِّق -كما أنتَ على علم بذلك، وشُرح ذلك)..
هذا هو المأربي قبل أن يُبدِّل ويُغيِّر يرد على ما سطَّره في كتابه !
__________________

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أَدِلَّةٍ وَنُصُوصٍ وليْسَت دَعْوَةَ أسْمَاءٍ وَشُخُوصٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ ثَوَابِتٍ وَأصَالَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حَمَاسَةٍ بجَهَالِةٍ .

دَعْوَتُنَا دَعْوَةُ أُخُوَّةٍ صَادِقَةٍ وليْسَت دَعْوَةَ حِزْبٍيَّة مَاحِقَة ٍ .

وَالحَقُّ مَقْبُولٌ مِنْ كُلِّ أحَدٍ والبَاطِلُ مَردُودٌ على كُلِّ أحَدٍ .
رد مع اقتباس
  #46  
قديم 11-16-2015, 10:24 AM
عبد الكريم بن أحمد بن السبكي عبد الكريم بن أحمد بن السبكي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2013
الدولة: ورقلة جنوب الجزائر
المشاركات: 1,230
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الكريم بن أحمد بن السبكي مشاهدة المشاركة

أما مسألة الخروج على الحاكم نقول الشيخ المأربي أخطأ في هذا كما خطأه العلماء وخالفوه فلا يسعنا إلا أن نتبع قول الجمهور مع وضوح الدليل
الشيخ المأربي أخطأ في تنزيل كلامه وتسليطه على واقع معين وهذا راجع إلى عدم ضبط المصلحة والمفسدة وإلا الخروج على الحاكم الظالم مع تحقق المصلحة لا يتأتى إلا في صورة العزل وهذا مما يقرره أهل العلم فكل اهل العلم يرون انه إذا زال بغير مفسدة فإنه يعزل ويتولى من هو أصلح منه
__________________
إلامَ الخلفُ بينكمُو إلاما ……وهذه الضجة الكبرى علاما
وفيمَ يكيدُ بعضكمُو لبعض..…وتبدون العداوة والخصاما

رد مع اقتباس
  #47  
قديم 11-16-2015, 11:56 AM
عبدالله علوي عبدالله علوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
المشاركات: 123
افتراضي

أحسنت اخي عبدالكريم

وهذا ما فعله علماء الدعوة السلفية في هذا العصر مع الملك سعود رحمه الله
رد مع اقتباس
  #48  
قديم 11-16-2015, 12:15 PM
نجيب بن منصور المهاجر نجيب بن منصور المهاجر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 3,045
افتراضي

تعليقات الشيخ الألباني رحمه الله على كلام الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وسلفية الكويت كافية في نقض كلام الشيخ المأربي فالشبهة عينها هي التي تتكرّر من شخص لآخر ومن بلد لغير والله أعلم
__________________
قُلْ للّذِينَ تَفَرَّقُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُم فِي العَالَمِين البَيِّنَة
إنَّ الّذِينَ سَعَوْا لِغَمْزِ قَنَاتِكُمْ وَجَدُوا قَنَاتَكُمْ لِكَسْرٍ لَيِّنَة
عُودُوا إِلَى عَهْدِ الأُخُوَّةِ وَارْجِعُوا لاَ تَحْسَبُوا عُقْبَى التَّفَرُّقِ هَيِّنَة

«محمّد العيد»
رد مع اقتباس
  #49  
قديم 11-17-2015, 12:06 AM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,045
افتراضي

http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/forumdisplay.php?f=13
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #50  
قديم 11-18-2015, 12:38 PM
أبو همام الجزائري أبو همام الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 152
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو سلمى رشيد مشاهدة المشاركة
هذا هو المطلوب ؟؟
وأنت توافقه على سب شيخك الذي طالما جلست بين يديهِ ؟؟؟
وأنت تعلم مراده ؟
راهو عاجبك الحال خويا محمد ؟؟؟
الرد على المأربي يؤذيك، وسبّ الشريفي شيء عادي ؟؟؟
اخي رشيد بارك الله فيك لست ربا حتى تعرف مقصودي او ماذا فهمت وكان عليك اولا ان تستفصل مني في ما فهمته قرات كلام الاخ وما فهت اي سب للشيخ العيد حفظه الله تعالى واذا كان كذلك فلا يجوز للاخ ان يطعن في اي احد من المشايخ فضلا عن شيخ وسمته بما قلت مع ان الاتخ في احد مشاركاته بين فقال " من يعرف كتابا مطبوعا فيه مناقشة علمية لهذا الكتاب فليفدنا،
ومن جهة ما يفهمه بعض المعلقين أن في كلامي إساءة لأحد فما أبرئ نفسي ، ولا ينبغي تنزيل كلام عام على معين، وكل من ذكر هم من مشايخنا وقرة عيوننا وان اختلفنا معهم

وأنا عن نفسي لو طلب مني المشاركة لما شاركت ، ولكننا في مقام مناقشة العلم لنستفيد ."
لكن لماذا يا رشيد تفهم هذا الفهم اني عارف بسب الاخ للشيخ العيد وانا ساكت لماذا انت فقيه في النيات وما في الصدور والضمائر فاقول لك ما طرأ على بالي ما طرا لك يا رشيد لكنها حيدة عن الموضوع والنقاش يا رشيد انقل كلام الشيخ الماربي وبين خطأه من عبارته ومن ثم نرد عليك اما التهويل واغارة صدور بعض الاخوة او الشيخ نفسه عليا فهذا منكر وقبيح فاتق الله اخي رشيد لا يكبر في عيني اي احد اذا رايناه غالط او اخطا سواء الامام الالباني او الشيخ ابن عثيمين او ابن باز فضلا على الشيخ الماربي او الشيخ العيد فلا عاطفة في الصدع بالحق فابن المديني رحمه الله سؤل عن حال ابيه لا مجرد شيخه فقال ضعيف اذا قال القريب الحق قبلناه مع الشكر واذا قال الخطا رددناه مع العذر وهكذا حالنا مع البعيد مع ان كلا الشيخين من دعاة المسلمين ومن الافاضل بارك الله فيك فلا تشغب بارك الله فيك او تطعن او تلوح سبا فهذا سهل لا يعجز عنه احد ناقش المسالة من غير خلفية او ظن سوء والله يقول "يا ايها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم "
لحد الان لم ياتي احد بكلام الشيخ عاز اياه بالصفحة ثم يناقش كلامه مجرد عمومات كالحديث مثلا لا تقام الدولة بالانتخابات وبالدخول للبرلمان من قال هذا هذه مجرد جزئية وسد ثغرة لامن الثغور تعين المسلمين في امور ومواطن كأن السامع لكلام بعض الاخوة ان الشيخ ابي الحسن الماربي اهمل جانب الدعوة او قال للدعاة اتركوا مجال الدعوة واجتمعوا في مجال الديمقراطية ولذا في بداية مشاركتي ذكرت ومن باب الانصاف والامانة العلمية من اراد ان يرد على الشيخ ابن الحسن الماربي ان ينقل الكلام عاز اياه للكتاب ثم يعلق مخطئا او مصححا بالدليل اما مجرد مثل هذه المشاركة كمن الاخ رشيد البعيدة عن الموضوع هي مجرد تشويش وملأ صدور بعض الناس التي لربما كرها لبعضها البعض والعياذ بالله واذكر بقول النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت
__________________
بحث بعنوان "بيان حال من قال فيه ابن سعد قليل الحديث "قريبا ان شاء الله
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:04 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.