أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
51229 82974

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر القرآن والسنة - للنساء فقط

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 06-16-2012, 11:08 AM
أم أويس السلفية أم أويس السلفية غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 356
افتراضي شرح حديث " سيد الاستغفار ..." لابن تيمية ـ رحمه الله ـ

فصل في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
سيد الاستغفار أن يقول العبد :"اللهم أنت ربي لا إله إلاّ أنت..."
.
قوله عليه السلام: "سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلاّ أنتَ" (1) .
قد اشتمل هذا الحديثُ من المعارف الجليلة ما استحق لأجلها أن يكون سيد الاستغفار، فإنه صدَّرَه باعترافِ العبدِ بربوبية الله، ثم ثنَّاها بتوحيد الإلهية بقوله: "لا إله إلا أنت". ثمَّ ذكر اعترافَه بأن الله هو الذي خلقَه وأوجدَه ولم يكن شيئًا، فهو حقيقٌ بان يتولَّى تمامَ الإحسان إليه بمغفرةِ ذنوبه، كما ابتدأ الإحسانَ إليه بخلقه.
ثمَّ قال: "وأنا عبدك"، اعترفَ له بالعبودية، فإنّ الله تعالى خلقَ ابنَ آدم لنفسه ولعبادتِه، كما جاء في بعض الآثار: "يقول الله تعالى: ابنَ آدم! خلَقت لنفسي، وخلقتُ كل شيء لأجلِك، فبحقي عليك لا تشتغلْ بما خَلقتُه لك عما خلقتك له".
وفي أثرٍ آخر: "ابنَ آدمَ! خلقتك لعبادتي فلا تلعبْ، وتكفَّلتُ لك برزقِك فلا تَتْعَبْ. ابنَ آدم! اطلُبني تجدْني، فإن وَجدتَني وَجدتَ كل شيء، وإن فُتكَّ فَاتَكَ كل شيء، وأنا أحبُّ إليك من كل شيء".
فالعبد إذا خَرَج عما خلقه الله له من طاعتِه ومعرفتِه ومحبتِه والإنابةِ إليه والتوكُلِ عليه، فقد أبقَ من سيِّدِه، فإذا تاب إليه ورَجَع إليه فقد راجعَ ما يُحِبه الله منه، فيفرح الله بهذه المراجعة. ولهذا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخبِر عن الله (2) : "للهُ أشدُّ فَرَحًا بتوبةِ عبدِه مِن واجد راحلته عليها طعامُه وشرابُه بعد يأسِه منها في الأرض المهلكة، وهو سبحانَه هو الذي وفَّقه لها، وهو الذي ردَّها إليه". وهذا غاية ما يكون من الفضل والإحسان، وحقيقٌ بمن هذا شانُه أن لا يكون شي أحبَّ إلى العبدِ منه.
ثمَّ قال: "وأنا على عهدِك ووَعْدِك ما استطعتُ"، فالله سبحانه وتعالى عَهِد إلى عبادِه عهدًا أمرهم فيه ونهاهم، ووعدهم على وفائهم بعهده أن يثيبَهم بأعلى المثوبات، فالعبد يسير بين قيامه بعهد الله إليه وتصديقِه بوعدِه. أني أنا مقيم على عهدِك مُصدِّقٌ بوعدِك.
وهذا المعنى قد ذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، كقوله: "من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه" (3) . والفعل إيمانًا هو العهد الذي عَهِدَه إلى عبادِه، والاحتساب هو رجاؤه ثوابَ الله له على ذلك، وهذا لا يَليقُ إلاّ مع التصديق بوعده. وقوله "إيمانًا واحتسابًا" منصوبٌ على المفعول له، إنما يَحمِلُه على ذلك إيمانُه بأن الله شرعَ ذلك وأوجبَه ورَضِيَه وأمر به، واحتسابُه ثوابَه عند الله، أي يفعله خالصًا يرجو ثوابَه.
وقوله: "ما استطعتُ" أي إنما أقومُ بذلك بحسب استطاعتي، لا بحسب ما ينبغي لك وتستحقه علي.
وفيه دليل على إثباتِ قوة العبد واستطاعتِه، وأنه غيرُ مجبورٍ على ذلك، بل له استطاعةٌ هي مناطُ الأمر والنهي والثواب والعقاب. ففيه رد على القدرية المجبِّرة الذين يقولون: إن العبد لا قدرةَ له ولا استطاعة، ولا فعلَ له البتَّهّ، وإنما يعاقبه الله على فعلِه هو، لا على فعل العبد. وفيه رد على طوائف المجوسية وغيرهم.
ثمَّ قال: "أعوذ بك من شرِّ ما صنعت"، فاستعاذتُه بالله الالتجاءُ إليه والتحصُّن به والهروب إليه من المستعاذ منه، كما يَتحصَّن الهاربُ من العدوّ بالحصن الذي ينجيه منه. وفيه إثبات فعلِ العبدِ وكسْبه، وأنّ الشرَّ مضافٌ إلى فعلِه هو، لا إلى ربِّه، فقال: "أعوذ بكَ من شرِّ ما صنعت". فالشرُّ إنما هو من العبد، وأما الربُّ فله الأسماء الحسنى، وكلُّ أوصافِه صفاتُ كمال، وكلُّ أفعالِه حكمة ومصلحة.
ويؤيّد هذا قولُه عليه السلام: "والشرُّ ليس إليك" في الحديث الذي رواه مسلم (4) في دعاء الاستفتاح.
ثمَّ قال: "أبوء بنعمتك عليَّ" أي أعترفُ بأمر كذا، أي أُقِرُّ به،أي فأنا معترفٌ لك بإنعامك عليَّ، وإني أنا المذنب، فمنك الإحسانُ ومني الإساءةُ. فأنا أحمدك على نعمك، وأنتَ أهلٌ لأن تُحمَد، وأستغفرك لذنوبي.
ولهذا قال بعض العارفين: ينبغي للعبد أن تكون أنفاسُه كلُّها نفسَيْن: نفسًا يَحمد فيه ربَّه، ونفسًا يستغفره من ذَنْبه. ومن هذا حكاية الحسن مع الشابّ الذي كان يجلس في المسجدَ وحدَه ولا يجلس إليه، فمرّ به يومًا فقال: ما بالك لا تجالسنا؟ فقال: إني أُصبِح بين نعمةٍ من الله تستوجب عليَّ حمدًا؛ وبين ذنب مني يستوجب استغفارًا، فأنا مشغول بحمده واستغفاره عن مجالستِك. فقال: أنتَ أفقهُ عندي من الحسن.
ومتى شَهِدَ العبدُ هذين الأمرين استقامتْ له العبودية، وتَرقَّى في درجاتِ المعرفةِ والإيمان، وتصاغرتْ إليه نفسُه، وتواضَعَ لربِّه. وهذا هو كمالُ العبودية، وبه يَبرأُ من العُجْب والكِبْر وزينةِ العمل. والله الموفق الهادي، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم، ورضي الله عن أصحاب رسولِ الله أجمعين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
من كتاب : جامع المسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ

__________
(1) أخرجه البخاري (6306) عن شداد بن أوس.
(2) أخرجه البخاري (6308) ومسلم (2744) عن ابن مسعود.
(3) أخرجه البخاري (38 ومواضع أخرى) ومسلم (760) عن أبي هريرة.
(4) برقم (771) .




__________________
أم أويس السلفية : زوجة أبو أويس السليماني -حفظه الله ونفع به-
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:44 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.