أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
37364 151323

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-07-2017, 07:59 PM
حمزة الجزائري حمزة الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر (العاصمة)
المشاركات: 984
افتراضي [الردّ على كتاب جذور البلاء (2)] ما هكذا تورد يا سعد الإبل!! الشيخ محمد بن خدّة

ما هكذا تورد يا سعد الإبل!!
[الجزء الأول من الرد الثاني على كتاب (جذور البلاء)]

بقلم فضيلة الشيخ
أبي عبد الرحمن محمد بن خدّة الجزائري
- حفظه الله تعالى -

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي أرسل رسله بالبيّنات وأنزل الكتاب معهم الكتاب والميزان ليقوم النّاس بالقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للنّاس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إنّ الله لقويّ عزيز، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمد، أفضل الأنبياء والمرسلين، وسيّد الأوّلين والآخرين، كما قال في حديثه ـ وهو الصّادق الأمين ـ "أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة "[1]، ورضي الله تعالى عن الصّحابة الغرّ الميامين وعمّن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وبعد:

فإنّي بعون من الله تعالى أستهلّ بيان ما جاء في كتاب (جذور البلاء) من مسائل الاعتقاد وغير ذلك ممّا ذكره مؤلّف الكتاب، حيث سعى حثيثا لبيان ما هي عقيدة السّلف الصّالح، وبيان أنّ مخالفيه يدّعون اتّباع عقيدة السّلف، وهم ليسوا كذلك، وليسوا على عقيدة السّلف الصّالح، وإن ادّعوا ذلك، فهي ـ بحسبه هو ـ مجرّد دعوى لا حقيقة لها.

ولذلك جرّد قلمه لبيان ذلك، وقَصْدُه ـ فيما أرجوه، وأرجو أن يكون كذلك ـ أقول: قصده إيضاح المسالك، وتنوير الحوالك، في طريق السّالك، ليهتدي لعقيدة السّلف الصّالح، من أمثال ابن شهاب الزّهريّ والإمام مالك، وهذا ـ والله ـ لنعم ما يقدّمه المتأهّل في هذا الباب لإخوانه المسلمين، إن كان يجمع في ذلك الإخلاص والصدق والقصد الحسن، وهو ما نرجوه من صاحب البلاء.
ولا أطيل في هذه التّقدمة، ولنبدأ لبيان ما ذكره ممّا زعم أنّه عقيدة السّلف، وأنّ ما خالفها ـ ممّا أشار إليه هو ـ يعدّ من عقيدة الحشويّة، كما زعم.

افتتح كتابه بعنوان، قال فيه:
[الفرق بين عقيدة السّلف رضي الله عنهم وعقيدة ـ المتمسلفة ـ الحشويّة]
وها هنا وقفات ينبغي أن نقف عندها:
أوّلا: صاحب البلاء هنا يفرّق بين عقيدة السّلف الصّالح وبين عقيدة الحشويّة، وقد عُلِمَ انتقادُه لمخالفيه ـ الذين يطلق عليهم لقب الحشويّة ـ وأنّهم منحرفون عن عقيدة السّلف الصّالح، وإن كانوا يدّعون ذلك، وهذا كالتّصريح منه أنّه على عقيدة السّلف الصّالح.

فهل هو كذلك؟
إن قال: نعم، فهو خلاف ما يصرّح به صباحَ مساءَ على رؤوس الأشهاد أنّه على عقيدة الأشاعرة، وعندها فهو في تضارب، أو قُلْ في تردّد أو ...
وقد يقول: نعم، هو على عقيدة الأشاعرة، وهي نفسها عقيدة السّلف الصّالح.
وهذا لا يستقيم، إذ العلماء إذا جاءوا للكلام على آيات الصّفات، قالوا للعلماء فيها قولان:
الأوّل قول السّلف: وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف، أو بلا كيف.
وهذا القول قد حكاه صاحب البلاء نفسه، فلا أحتاج إلى أن أدلّل عليه، ما دام هو نفسه يقرّ به.
القول الثّاني قول الخلف: وهو تأويلها. وهي عقيدة الأشاعرة[2].
ويؤيّد هذا قول بعضهم ـ وهو قول غاية في الخطأ على السّلف الصّالح ـ [مذهب السّلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم ][3].
ثمّ إن كانت عقيدة الأشاعرة هي نفسها عقيدة السّلف الصّالح، فَلِمَ ننسبها إلى الأشاعرة ـ مع تأخّر الإمام أبي الحسن الأشعريّ رحمه الله تعالى ـ، ولا ننسبها للسّلف الصّالح، مع ما جاء من المدح العظيم للسّلف الصّالح، أمّا الإمام أبو الحسن الأشعريّ رحمه الله تعالى فلا أحدّ ينكر أنّه كان على مذهب المعتزلة، ثمّ تاب منه وعاد ينتصر لمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله تعالى على الجميع، وهو مذهب السّلف الصّالح، فلتنسب هذه العقيدة إليهم عليهم الرّضوان.

أمّا إن التزم صاحب البلاء المذهبَ الذي يصرّح أنّه عليه، وهو مذهب الأشاعرة، وهو غير مذهب السّلف، فَلِمَ ينعى على غيره مخالفة مذهب السّلف الصّالح، وقد خالفه هو نفسه كذلك؟

لكن قد يقول: إنّه يريد أن يبيّن حقيقة مذهب السّلف الصّالح، وأنّ هؤلاء ـ أي مخالفيه ـ يدّعون أنّهم على مذهب السّلف الصّالح، وهم ليسوا كذلك، لأنّهم يعتقدون عقائد ليست هي عقائد السّلف، فحقيقة حالهم أنّهم يثبتون عقائد، ثمّ ينسبونها للسّلف الصّالح، وليست هي من عقائدهم.

وجوابه: وما الفرق بينك وبينهم على هذا؟، إذْ كلاكما ـ على مقتضى كلامك ـ ليس على مذهب السّلف الصّالح، غير أنّهم هم حقيقةُ قولهم: إنّ عقيدة السّلف هي الحقّ الذي يجب اتّباعه، لكنّهم ـ على حسب قول صاحب البلاء ـ أخطأوا في بيان هذه العقيدة.

وأمّا على ما يراه صاحب البلاء، فحقيقةُ قوله: هذه هي حقيقة عقيدة السّلف الصّالح وليس ما يدّعيه المخالفون، لكنّه لا يتّبعها، بل هو على عقيدة أخرى غير عقيدة السّلف الصّالح.

وعندها يتبادر هنا سؤال: أيّهم أبرأ ذمّةً عند الله تعالى، الذي يبحث عن الحقّ ـ وقد أعمل جهده للوصول إليه ـ فَيُخْطِئُه؟ أم الذي يعلم الحقّ ثمّ يختار غيره لِاتّباعه؟ فإن عاد، وقال: نعم هو على عقيدة السّلف الصّالح، وليست هي هذه العقيدة التي تنشرونها في النّاس، وصل البحث إلى ما ذكره من الفروق، والتي سنتناولها بالبحث، وأسأل الله تعالى أن يبصّرنا بالحقّ ويهدينا جميعا سواء السّبيل. اللّهمّ أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللّهمّ آمين يا ربّ العالمين، ولقد كان من دعائه ﷺ -الذي كان يقوله- إذا قام من الليل "اللّهمّ ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"[4].

قبل أن نشرع في الفرق الأوّل، أضاف صاحب البلاء لقبا آخر وهو (الوهّابيّة)، يرى أنّهم من الحشويّة المتمسلفة، وهو يذكرهم بهذا اللّقب من باب الذّمّ.
ولا أريد ها هنا أن أذكر سبب هذه التّسميّة، وأصلها وغير ذلك، فهذا بحثه في موضع آخر[5]، لكن الذي أريد قوله ها هنا:
إنّ صاحب البلاء قد ذكر لقب (الوهّابيّة) بين المتمسلفة وبين الحشويّة، فهو يراهم شيئا واحدا، على أنّ العطف هنا من باب عطف المترادف، أو يراهم فِرَقًا لكنّهم جميعا على مذهب واحد، وعلى كل حال، فهم ـ عند صاحب البلاء ـ على غير عقيدة السّلف، في حين نجده يذكر أن الإمام ابن باديس رحمه الله تعالى لم يكن حشويّا مثل هؤلاء، بل هو على عقيدة السّلف الصّالح ـ وهو الذي نعتقده ـ، إشارة منه إلى أنّ الشيخ ابن باديس كان على خلاف ما عليه المتمسلفة ـ كما يقول صاحب البلاء ـ.

فليقرأ إذًا ثناء الإمام ابن باديس رحمه الله تعالى على الشيخ محمد بن عبد الوهّاب ومن تبع دعوته ممّن يسمّيه صاحب البلاء بالوهّابيّة، وكذا ثناء غيره من علماء جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين رحمة الله تعالى على الجميع.

أوّلا: كلام الإمام ابن باديس رحمه الله تعالى:
قال رحمه الله: [قام الشيخ محمد بن عبد الوهّاب بدعوة دينيّة فتبعه عليها قوم فلقّبوا بالوهّابيّين، ولم يدع إلى مذهب مستقلّ في الفقه، فإنّ أتباع النّجديّين كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن بعده حنبليّين، يدرسون الفقه في كتب الحنابلة، ولم يدع إلى مذهب مستقلّ في مسائل العقائد، فإنّ أتباعه كانوا ولا زالوا إلى الآن سنّيّين سلفيّين أهل إثبات وتنزيه، يؤمنون بالقدر، ويثبتون الكسب والاختيار، ويصدّقون بالرّؤية ويثبتون الشّفاعة ويترضّون عن جميع السّلف، ولا يكفّرون بالكبيرة، ويرون الكرامة.
وإنّما كانت غاية ابن عبد الوهّاب تطهير الدّين من كلّ ما أحدث فيه المحدثون من البدع، في الأقوال والأعمال والعقائد، والرّجوع بالمسلمين إلى الصّراط السّويّ من دينهم القويم بعد انحرافهم الكثير وزيغهم المبين][6].

فها هو الإمام عبد الحميد بن باديس يصفهم بأنّهم سنيّون سلفيّون، وأنت ترميهم بأنّهم متمسلفة حشويّون.

ويقول كذلك في مقال آخر بعنوان ("عبداويّون" ثمّ "وهّابيّون" ثمّ ماذا؟ لا ندري. والله) [لما قفلنا من الحجاز وحللنا بقسنطينة عام 32 وعزمنا على القيام بالتدريس أدخلنا في برنامج دروسنا تعليم اللغة وأدبها والتفسير والحديث والأصول ومبادئ التاريخ ومبادئ الجغرافية ومبادئ الحساب وغير هذا ورأينا لزوم تقسيم المعلمين إلى طبقات واخترنا للطلبة الصغرى منهم بعض الكتب الابتدائية التي وضعتها وزارة المعارف المصرية وأحدثنا تغييرا في أساليب التعليم وأخذنا نحث على تعلم جميع العلوم باللسان العربي والفرنسي، ونحبب الناس في فهم القرآن وندعو الطلبة إلى الفكر والنظر في الفروع الفقهية والعمل على ربطها بأدلتها الشرعية ونرغبهم في مطالعة كتب الأقدمين ومؤلفات المعاصرين، لما قمنا بهذا وأعلناه قامت علينا وعلى من وافقنا قيامة أهل الجمود والركود وصاروا يدعوننا للتنفير والحط منا "عبداويين" دون أن أكون- والله- يوم جئت قسنطينة قرأت كتب الشيخ محمد عبده إلا القليل فلم نلتفت إلى قولهم، ولم نكترث لإنكارهم، على كثرة سوادهم وشدة مكرهم وعظيم كيدهم، ومضينا على ما رسمنا من خطة وصمدنا إلى ما قصدنا من غاية وقضيناها عشر سنوات في الدرس لتكوين نشء علمي لم نخلط به غيره من عمل آخر، فلما كملت العشر وظهرت - بحمد الله- نتيجتها، رأينا واجبا علينا أن نقوم بالدعوة العامة إلى الإسلام الخالص والعلم الصحيح إلى الكتاب والسنة وهدى صالح سلف الأمة وطرح البدع والضلالات ومفاسد العادات، فكان لزاما أن نؤسس لدعوتنا صحافة تبلغها للناس، فكان "المنتقد" وكان "الشهاب" ونهض كتّاب القطر ومفكروه في تلك الصحف بالدعوة خير قيام، وفتحوا بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، وكانت هذه المرة غضبة الباطل أشد، ونطاق فتنته أوسع، وسواد أتباعه أكثر، وتمالأ على دعاة الحق الجمود والبدعة، وعليها بنيت صروح من الجاه، ومهما جرت أنهار من المال، وأصبحت الجماعة الداعية إلى الله يُدعَون من الداعين إلى أنفسهم "الوهابيين" ولا والله ما كنت أملك يومئذ كتابا واحدا لابن عبد الوهاب ولا أعرف من ترجمة حياته إلا القليل، ووالله ما اشتريت كتابا من كتبه إلى اليوم، وإنما هي أُفيكات قوم يهرفون بما لا يعرفون، ويحاولون من إطفاء نور الله ما لا يستطيعون، وسنعرض عنهم اليوم وهم يدعوننا "وهابيين" كما أعرضنا عنهم بالأمس وهم يدعوننا "عبداويين" ولنا أسوة بمواقف أمثالنا مع أمثالهم من الماضين.

ولما كان من سنة القرآن الحكيم التنبيه على مشابهة اللاحقين من الناس للسابقين في منازعهم وأهوائهم وكثير من أحوالهم حتى كان التاريخ يعيد نفسه بإعادة ذلك منهم، وجاء ذلك في مثل قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ﴾ وقوله: ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ وغيرها، لما كان هذا من سنة القرآن فتحنا هذا الباب من الصحيفة تحت عنوان: "التاريخ يعيد نفسه" لننشر فيها - ما أمكننا النشر - قصصا عن حياة رجال السنة المصلحين مع دعاة البدعة المبطلين، تزيد العالم المصلح ثباتا على الحق والقارئ الصادق تبصرة في الأمر و ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

ولسنا نقصد في وضع قصصنا إلى وضع تأليف ولا نخص هذا النقل بكاتب معيّن أو كتاب مختصّ، وبين أيدينا الآن كتاب "الاعتصام" لمؤلفه علامة العقول والنقول أبي إسحاق الشاطبي المالكي المتوفى سنة 790هـ، فرأينا أن ننقل منه الفصل التالي الذي يذكر فيه أبو إسحاق ما رمي به من مثل ما رمينا به حتى كأنّا في زمان واحد، قال رحمه الله: "فلما أردت الاستقامة على الطريق وجدت نفسي غريبا في جمهور أهل الوقت، لكون خططهم قد غلبت عليها العوائد ودخلت على سننها الأصلية شوائب من المحدثات الزوائد، ولم يكن ذلك بدعاً في الأزمنة المتقدمة فكيف في زماننا هذا!، فقد روي عن السلف الصالح من التنبيه على ذلك كثير كما روي عن أبي الدرداء- رضي الله عنه- أنه قال لو خرج رسول الله ﷺ عليكم ما عرف شيئا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة، قال الأوزاعي: فكيف لو كان اليوم!، قال عيسى بن يونس: فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان!.

وعن أم الدرداء قالت: دخل أبو الدرداء وهو غضبان فقلت: ما أغضبك؟ فقال: "والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعا". وعن أنس بن مالك قال: "ما أعرف منكم ما كنت أعهده على عهد رسول الله ﷺ غير قولكم: لا إله إلا الله. قلنا: بلى يا أبا حمزة؟ قال: قد صليتم حتى تغرب الشمس أفكانت تلك صلاة رسول الله ﷺ. وعن أنس قال: لو أن رجلا أدرك السلف الأول ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا، قال: ووضع يده على خده ثم قال: إلا هذه الصلاة، ثم قال: أما والله على ذلك لمن عاش في المنكر ولم يدرك ذلك السلف الصالح فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه فعصمه الله من ذلك، وجعل قلبه يحنّ إلى ذلك السلف الصالح، يسأل عن سبيلهم ويقتص آثارهم، ويتبع سبيلهم، ليعرض أجرا عظيما، وكذلك فكونوا إن شاء الله. ][7].

وهذا مقال آخر في مجلّة "الشّهاب"[8] ذكر فيه إكمال الله تعالى لهذا الدّين، وذكر ما حذّر منه النبيّ ﷺ من البدع، وأنّه لا يزال من يقوم لمحاربتها وإماتتها، وسمّى هؤلاء الذين يحيون السّنة ويميتون البدعة بالمجاهدين في سبيل الله تعالى، ثمّ قال : [ ... ولمّا كانت كل بدعة ضلالة محدثة لا أصل لها في الكتاب والسّنة، كان هؤلاء المجاهدون كلهم (يدعون النّاس إلى الرّجوع في دينهم إلى الكتاب والسّنة وإلى ما كان عليه القرون الثلاثة خير هذه الأمة الذين هم أفقه النّاس فيها، وأشدّهم تمسّكا بهما).

هذه الكلمات القليلة المحصورة بين هلالين هي ما تدعو إليه هذه الصّحيفة منذ نشأتها ويجاهد فيه المصلحون من أنصارها. وهي ما كان يدعو إليه الأستاذ الشيخ محمد عبده رحمه الله، وهي ما كان يدعو إليه الشيخ محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله ... هذه الحقيقة يتعامى المبدعون ذوو الأغراض، فيصورون من خيالاتهم أشباحا وهمية للدعوة الإصلاحية الدينية المحضة التي نقوم بها فيقولون عنها (عبدوية) ويقولون عنها (وهابية) ويقولون ويقولون ... يتقول المتقولون على هذه الدّعوة على ظهور حقيقتها ووضوح طريقتها ويخصّصون أتباع ابن عبد الوهّاب بالقسط الكبير. وقد وقفنا في رصيفتنا مجلة (المنار) الغراء على كتاب للشيخ ابن عبد الوهّاب فيه بيان ما كان يدعو إليه من توحيد واتّباع وهو قاطع بكلّ خصم يقول عنه بجهل او افتراء. نقلناه عنها ونشرناه فيما يلي: ...] ثمّ ذكر المقال بلفظه كلّه. وهو مقال يتضمّن رسالة أرسل بها الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهّاب إلى الإمام الصّنعاني يبيّن له فيها حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب رحمة الله تعالى على الجميع.

هذا ما قاله الإمام ابن باديس في "الوهّابيّة" كما يسمّيها مخالفوها، ومنهم صاحب البلاء، وفي المقابل انظر ما ذا يقول ابن باديس رحمه الله تعالى عن الأشعريّة، يقول في ترجمته للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى :
[ تخلّص نسكه من الباطل والضّلال دعاه شغفه بكتاب الإحياء إلى اقتناء شرحه الجليل للإمام المرتضي الحسيني فلما طالعه ورأى طريقته الأثريّة في تخريج أحاديث الإحياء فتح له باب الاشتغال بعلوم الحديث وكتب السّنّة، وتخلّص ممّا في كتاب الإحياء من الخطأ الضّار ـ وهو قليل ـ ولا سيما عقيدة الجبر والتّأويلات الأشعريّة والصّوفيّة والغلو في الزّهد وبعض العبادات المبتدعة، وترك الأوراد الشّاذلية لما علم أنّ قراءتها من البدع التي جعلت من قبيل الشّعائر والشّرائع التي شرعها الله تعالى ...][9].

هذا كلام الإمام ابن باديس صريح غاية الصّراحة في بيان حقيقة هذه الدّعوة التي كان يدعو إليها الشيخ محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله تعالى، وله من مثل ذلك كلام كثير، ومن ذلك كلامه على ملك العرب، يقصد به الملك عبد العزيز ابن سعود رحمة الله تعالى على الجميع، قال رحمه الله تعالى: [... ولا يزال ابن سعود مع ذلك مسلما قوي الإيمان، وأساس اعتقاده أن كل ما يحدث من الله، ولذلك يمثل الرأي القائل بأن كل تقدم في الأمور المادية لا فائدة منه إذا لم يصحبه التعمق في العقيدة. فمن الطبيعي أن يبني حكمه على القواعد الدينية.
وابن سعود يعتنق معتقدات (الوهابية) وهي حركة إصلاح في الإسلام ترجع إلى العلامة النجدي العظيم (محمد بن عبد الوهاب) الذي عاش في بداءة القرن الثامن عشر. وترمي إلى تطهير الإسلام من جميع البدع والخرافات التي لصقت به مع مر الزمن والسمو به عن عبادة الأولياء. والوهابية أشد طوائف الإسلام ومبدؤها الأعلى أن على المؤمنين أن يتمثلوا في البساطة والنظام ][10].
ولنعزّز هذا الكلام بنقل مثله عن أصحاب ورفقاء وزملاء بل وتلامذة الإمام ابن باديس رحمة الله تعالى عليهم جميعا.

منهم الشيخ محمد البشير الإبراهيميّ رحمه الله، قال :[ دعونا من الكذب على السنّة والتلبيس باسم السنّة ودعونا مما ترموننا به من الوهابية ودعوى الاجتهاد، فقد علمنا وعلم العقلاء أن ذلك كله منكم تحامل وتداه تريدون أن تبعدوا به عن محل النزاع وتستجرونا مما نحن فيه إلى ما لسنا منه بسبيل][11].

وقال كذلك : [ويقولون عنّا إننا وهّابيون، كلمة كثر تردادها في هذه الأيام الأخيرة حتى أنست ما قبلها من كلمات: عبداويين وإباضيين وخوارج. فنحن بحمد الله ثابتون في مكان واحد وهو مستقر الحقّ، ولكن القوم يصبغوننا في كل يوم بصبغة ويسموننا في كل لحظة بسمة، وهم يتخذون من هذه الأسماء المختلفة أدوات لتنفير العامة منّا وإبعادها عنّا وأسلحة يقاتلوننا بها وكلّما كلّت أداة جاءوا بأداة، ومن طبيعة هذه الأسلحة الكلال وعدم الغناء، وقد كان آخر طراز من هذه الأسلحة المفلولة التي عرضوها في هذه الأيام كلمة "وهابي" ولعلّهم حشدوا لها ما لم يحشدوا لغيرها وحفلوا بها ما لم يحفلوا بسواها ولعلّهم كافأوا مبتدعها بلقب (مبدع كبير)... ][12].

وقال كذلك : [ يا قوم- إن الحق فوق الأشخاص وإن السنّة لا تسمىّ باسم من أحياها، وإن الوهّابيين قوم مسلمون يشاركونكم في الانتساب إلى الإسلام ويفوقونكم في إقامة شعائره وحدوده ويفوقون جميع المسلمين في هذا العصر بواحدة وهي أنهم لا يقرون البدعة، وما ذنبهم إذا أنكروا ما أنكره كتاب الله وسنة رسوله وتيسّر لهم من وسائل الاستطاعة ما قدروا به على تغيير المنكر؟
أإذا وافقنا طائفة من المسلمين في شيء معلوم من الدين بالضرورة وفي تغيير المنكرات الفاشية عندنا وعندهم- والمنكر لا يختلف حكمه بحكم الأوطان- تنسجوننا إليهم تحقيرًا لنا ولهم وازدراء بنا وبهم، وإن فرّقت بيننا وبينهم الاعتبارات، فنحن مالكيون برغم أنوفكم، وهم حنبليون برغم أنوفكم، ونحن في الجزائر وهم في الجزيرة. ونحن نعمل في طريق الإصلاح الأقلام، وهم يعملون فيها الأقدام. وهم يعملون في الأضرحة المعاول ونحن نعمل في بانيها المقاول][13]. وله من مثل هذا الكثير[14] في ثنايا الكتاب الذي جمعه له ابنه الموقّر الدّكتور الفاضل أحمد طالب إبراهيمي ـ متّعه الله تعالى بالصّحة والعافية، هو وأهله ـ .

وهذا الشيخ أبو عليّ الزّواويّ له كلام في هذا أيضا، وذلك في معرض ردّه على اعتراض الشيخ الحافظي على كلام الإمام ابن باديس في تعليقه على آيات من سورة الفرقان التي جاء في بيان صفات عباد الرّحمن، حيث ذكر الزّواويّ كلام صاحب المختصر ـ أي الشيخ خليل رحمه الله تعالى ـ في منع البناء على القبور، ثمّ ذكر الشيخ الزّواويّ كلام الشّيخ الدردير رحمه الله تعالى في شرحه لكلام الشيخ خليل في هذا الموضوع، ثمّ قال ـ أي الشّيخ الزّواويّ ـ :[ ثمّ إن تعجب أيّها الواقف على كلامنا هذا، فعجب أقوالهم ـ أعني المالكيّة ـ أنّ الوهّابيّين يهدمون القبب والقبور المزخرفة المطاف بها، وينتقدون ذلك أشدّ الانتقاد، وهو مذهبهم المالكيّ محض، فلينتقدوا مالكهم قبل ثمّ أحمد بن حنبل إمام السّنّة. إنِ الوهّابيّون إلّا حنابلة، ومعنى الوهّابيّ كمعنى الخليليّ عندنا معشر المالكيّة، ذلك بأنّ الشيخ خليل جمع ما به الفتوى في المذهب وارتضاه المتأخّرون إلى اليوم حتّى صاروا يقولون إنّنا خليليّون، ومعنى وهّابيّ في مذهب أحمد بن حنبل كالخليليّ في مذهب مالك، فعلام الانتقاد الطّعن في المذاهب المجمع عليها؟ أليس ذلك جهلا قادحا وطعنا في الدّين وتفريقا بين المسلمين؟ وبعبارة أخرى إنّ الوهّابيّين حنابلة، ولا نعلم بمذهب وهّابيّ، وإنّ ذلك نبز ونبذ من المتنطّعين، بل المتوغّلين في البدع والخرفات، فقبلوا[15] الحقيقة كما تقدّم للشيخ الدّرديري. ثمّ بعد هذا كلّه يتشدّقون بكلمات التّفريق، ينتقدون من يفرّق المسلمين وبين المسلمين، وذلك بعد أن أجمع أهل السّنّة أنّهم لا يكفّرون أحدا من أهل القبلة، ولكن الحنابلة الذين يعملون ما به الفتوى في مذهب مالك وهّابيّون لا يزخرفون القبور ولا يبنون عليها القبب والمساجد، اللّهمّ إنّ مالكا وسائر متّبعيه ومقتدي به برءاء من أعمال هؤلاء الطّاعنين في الحقّ وفي دينهم وهم لا يشعرون أو يشعرون وهم متعمّدون، ثمّ بعد هذا كلّه تجد هؤلاء المتصوّفة الذين درسوا مسائل قليلة يتشدّقون بقول صاحب الجوهرة:
فتابع الصّالح ممّن سلفا *** وجانب البدعة ممّن خلفا
][16].

ومن علماء الجمعيّة كذلك الشيخ محمد المبارك الميليّ، ولقد أشار إلى ما أشار إليه الإمام الإبراهيميّ من الرّمي بلقب الوهّابيّة قصد التّنفير من دعوة الكتاب والسّنّة واتّباع السّلف الصّالح[17].

ومن ثناء علماء الجمعية على هذه الدّعوة المباركة ما أُثِرَ عنهم من ثناءٍ على كتبهم أو الكتب التي تذكر هذه الدّعوة بما فيها من الحقّ، وتنافح عنها لأنّها دعوة للحقّ، وهذا له نماذج كثيرة، نذكر منها:
جاء في مجلّة "الشّهاب"[18] تحت عنوان (كلمتي) ما يلي:
[صيانة الإنسان عن وسوسة الشّيخ دحلان:
هذا الكتاب ألّفه أحد علماء الهند الأعلام. وهو العلامة الفقيه الأصولي المحدّث مولانا الشّيخ محمد بشير السّهسواني الهنديّ، المولود في وسط القرن الثالث عشر الهجريّ. والمتوفّى سنة 1326 هـ رحمة الله عليه. ردّ به على رسالة الشّيخ زيني دحلان المسماة "الدّرر السّنية في الرّدّ على الوهّابيّة". ودحلان هذا هو أحد رؤوس الضلال الذين أعادوا لوثنيّة القبور ماضي شبابها بما ألّفوه وكتبوه من الوساوس والضّلالات وأعانهم على ذلك اتّحادهم في الوسيلة والمقصد مع أمراء السّوء بمكّة الذين لا يهمّهم من هذه الأمّة الإسلاميّة إلّا أن يقتعدوا مكانة عزّهم على أكتافها. وقد كان هذا المخلوق "دحلان" مفتيا بمكّة في أوائل القرن الحالي. ومواقف أمراء مكّة العدائية لأمراء نجد وعلمائه معروفة مشهورة من قديم ...]، ثمّ ذكر قصّة مجيء الشيخ السّهسواني إلى مكّة ولقائه مع الشّيخ دحلان، ومناظرته له في التّوحيد وأصول الدّين، ثمّ لمّا رجع إلى الهند كتب هذا الكتاب في الرّدّ على الشّيخ دحلان، ثمّ قال : [ وهو من الكتب العلميّة الجليلة التي لا ينبغي جهلها، خصوصا وقد تناوله الأستاذ الشّيخ محمد رشيد رضا بالتّبويب والتّعليق ... ونحن لا يسعنا إلّا أن نبدي إعجابنا بهمّة الأستاذ رشيد رضا وبجهاده المستمرّ في محاربة البدع والضلالات سائلين له حياة طيّبة ولكتابه كثير الرّواج والانتشار].

وقد تولّى الشيخ السّهسواني الهندي في كتابه هذا الرّدّ على من يعادون دعوة الشّيخ محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله تعالى.

وهذا الشّيخ محمد المبارك الميلي رحمه الله تعالى يقول في كتابه "رسالة الشّرك ومظاهره" [19] :[ وبعد تمام التأليف، وقبل الشروع في الطبع؛ اتصلت بهدية[20] من جدة، من الأخ في الله السيد محمد نصيف، تشتمل على كتاب " فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد " لابن عبد الوهاب[21]، فعلّقت منه فوائد ألحقتها بمواضعها معزوة إليه، ولو اطلعت عليه قبل كتابة الرسالة؛ لخفف علي من عناء ابتكار العناوين وتنسيقها]. كما ذكر الشيخ الميلي هنا كذلك كتاب الشيخ السّهسواني "صيانة الإنسان" وذكر أنّه في موضوع رسالته، لكن لم تكن نحوه مكتبته، فلذلك لم ينقل منه، وقد وصله متأخّرا.

ومن ذلك أيضا، ما جاء في مجلّة "الشّهاب"[22] كذلك تحت عنوان (الأمراض الفاشية في الإسلام) حيث تكلّم فيها عن أحكام الرقية وما يشرع منها ممّا لا يشرع، فكان ممّا قاله في بعض مسائله :[ وقد أعطى الموضوع حقّه الإمام السّلفيّ عبد الرحمن بن حسن إذ يقول: رخّص بعض السلف ... ]، والمراد بالإمام السّلفيّ عبد الرحمن بن حسن، هو عبد الرّحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهّاب رحمة الله تعالى على الجميع، وهو حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهّاب، وكلامه هذا تجده في كتابه الذي نقلت ذكره عن الشيخ الميلي قريبا، ألا وهو كتاب "فتح المجيد بشرح كتاب التّوحيد"[23].
وانظر نقلا آخر في مجلّة "الشّهاب"[24]، وغيرها كثير، وما ذكرناه فيه ما يكفي ويشفي.
ومن عجيب ما يذكر ها هنا أنّ المستدمِر والمستخرِب الفِرنسي كان يستعمل مثل هذا النّبز والنّبذ للتنفير من دعوة جمعيّة العلماء المسلمين، ويتذرّع بذلك لإيقاف نشاطها، وهذا ما تضمّنته ثلاثة قرارات أصدرها المدعو (م.ميشال)، وقد تناولها بالكلام كلّ من الإمامين البشير الإبراهيميّ والطّيّب العقبيّ رحمة الله تعالى على الجميع.
جاء في "جريدة البصائر"[25] [ ثلاثة قرارات يصدرها ضدّنا م.ميشال في أسبوع واحد!
فهل هي إحدى مزاياه وأياديه على المسلمين التي يعنيها محاميه (سي صالح الطّيّب؟) إدارة بريفي الجزائر الأشغال الأهليّة ومصلحة البوليس العامة الجزائر 16 فيفري 1933 عدد 2407 منشور إلى كافة ...[26]
أُنْهِيَ إلي من مصادر متعدّدة أنّ الأهالي دخلت عليهم الحيرة والتّشويش[27] بسبب دعاية تنشر في أوساطهم يقوم بها إمّا دعاة استمدّوا فكرتهم من الحركة الوهّابيّة السّائدة بمكّة. وإمّا حجّاج جزائريّون تمكّنت فيهم عاطفة التّعصّب الإسلاميّ (....)[28]. وإمّا جمعيّات كجمعيّة العلماء المؤسّسة بالجزائر بقصد افتتاح مدارس عربيّة حرّة لتعليم القرآن والعربيّة المتّصل حبل هذه الجمعيّة بحبل الحركة الدّستوريّة التّونسيّة.

إنّ القصد العام من هذه الدّعاية هو نشر التّعاليم والأصول الوهّابيّة بين الأوساط الجزائريّة بدعوى الرّجوع إلى أصول الدّين الصّحيح وتطهير الإسلام من الخرفات القديمة التي يستغلّها أصحاب الطّرق وأتّباعهم ولكن لا يبعد أن يكون في نفس الأمر وراء هذه الدّعاية مقصد سياسي يرمي إلى المسّ بالنّفوذ الفرنسويّ ...] ثمّ يذكر (ميشال) هذا اطمئنان النّاس للسّيادة الفرنسوية، لكن هذه الجمعيّة لا يزال أنصارها يتكاثرون لتواصل جهود أصحابها ومهارة أساليبهم. إلى أن قال :[ وعليه فإنّي أعهد إليكم أن تراقبوا بكامل الاهتمام ما يروج في الاجتماعات والمسامرات الواقعة باسم الجمعيّة التي يترأّسها السيّد (ابن باديس) ولسانها الرّسميّ الشيخ (الطّيّب العقبيّ) كما يجب أن تشمل مراقبتكم المكاتب القرآنيّة المقصود استبدال الطّلبة القائمين بها بطلبة اعتنقوا الفكرة الوهّابيّة]. ثمّ ذكر الشيخ الطيب العقبي القرار الثّاني الذي يقضي بمنع العلماء الأحرار من التّدريس إلى آخر ما ذكر رحمه الله تعالى.
كما أشار إلى ذلك أيضا الإمام البشير الإبراهيميّ[29].
وقد أتينا إلى نهاية الكلام على هذه العبارة، وإن كان لنا فيها من النّقول الشّيء الكثير، ولكن فيما ذكرنا ما يكفي للدّلالة على ما في هذا النّبز والنّبذ من الاعتداء على دعاة الحقّ، وأنّه إنّما يراد به ـ كما قال علماء الجمعيّة ـ تّنفير النّاس عن هذه الدّعوة الحقّ.
ولنختم بكلام للشيخ أحمد حمّاني رحمه الله تعالى في كتابه "صراع بين السّنّة والبدعة" :[ أوّل صوت ارتفع بالإصلاح والإنكار على البدعة والمبتدعين ووجوب الرّجوع إلى كتاب الله والتّمسّك بسنّة رسول الله ﷺ ونبذ كلّ ابتداع ومقاومة أصحابه، جاء من الجزيرة العربيّة، وأعلنه في النّاس الإمام محمد بن عبد الوهّاب أثناء القرن الثامن عشر (1694 ـ 1765) وقد وجدت دعوته أمامها المقاومة الشّديدة حتّى انضمّ إليها الأمير محمد بن سعود وجرّد سيفه لنصرتها والقضاء على معارضيها ... وكانت مبنيّة على الدّين وتوحيد الله سبحانه في ألوهيّته وربوبيّته ومحو كلّ آثار الشّرك الذي هو الظّلم العظيم، والقضاء على الأوثان والأنصاب التي نصبت لتعبد من دون الله أو تتّخذ للتّقرّب بها إلى الله، ومنها القباب والقبور في المساجد والمشاهد ][30].

فلنعد الآن إلى ما ذكره صاحب البلاء من الفروق ـ كما ذكر هو ـ بين عقيدة السّلف وعقيدة المتمسلفة الحشويّة.
ذكر الفرق الأوّل فقال ـ أي المؤلّف ـ :[ السّلف رضي الله عنهم ينفون الكيف عن الله تعالى أصلا أمّا الحشويّة فيثبتون كيفا لا يعلم!! ]، ثمّ أوضح بعد ذلك هذا الفرق، ومثّل له، ثمّ سرد ـ كما قال هو ـ كوكبة من نصوص السّلف التي يمكن من خلالها لكلّ عاقل أن يستخلص حقيقة ما كان عليه السّلف.
هكذا قال صاحب البلاء.
وأنا اقول كذلك، لنستعرض كلام السّلف حتّى يتبيّن لكلّ عاقل حقيقة مذهب السّلف رضي الله عنهم أجمعين.
ومناقشته في هذا تستدعي ـ أوّلا ـ أن نبيّن حقيقة عقيدة السّلف الصّالح، ثمّ نعود لما ذكره هو لننظر حقيقة الدّّعوى التي ادّعاها في هذا الفَرْقِ الأوّل.
أقول: عقيدة السّلف الصّالح في هذا الباب هو وصف الله تعالى بما وصف به نفسه في كتابه العزيز، وبما وصفه به رسوله ﷺ إثباتا ونفيا، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. فيجب الإقرار بجميع صفاته تعالى الواردة في الكتاب والسّنة الصّحيحة، والإيمان بها، وأنّها على الحقيقة لا على المجاز ـ كما يقول النّفاة لهذه الصّفات ـ ، كما يجب العلم أنّ لها حقائقَ ومعانيا متغايرة ومختلفة، فكلّ صفة لها معناها، والمعنى معلوم من كلام العرب، إذ القرآن أنزل بلسان عربيّ مبين، والصّفة لها كيفية يعلمها الله تعالى ، إذ الكلام في الصّفات فرع عن الكلام في الذّات، فكما أنّنا نثبت لله تعالى ذاتا لا نعلم كيفيّتها، فكذلك نثبت له صفات لها كيفية لا يعلمها إلّا الله تعالى، فإثبات الذّات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك يقال في صفاته تعالى، إذ الكلام عن الصّفات فرع عن الكلام على الذّات.

فأصل أسماء الله وصفاته مبنيّ عند السّلف على ثلاثة أصول:
ـ إثباتها، كما جاءت في نصوص الكتاب وما صحّ في السّنّة المطهّرة.
ـ هذا الإثبات يعتقدون معه تنزيه الله تبارك وتعالى عن مماثلة المخلوقين في أسمائه وصفاته لقوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، ويثبتون ما تضمّنته هذه الأسماء والصّفات من حقائق تليق به سبحانه وتعالى لقوله ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
ـ اليأس من معرفة كنه هذه الأسماء والصّفات، لقوله تعالى ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾، وقد جاء في الحديث النّهي عن التّفكر في ذات الله تعالى، وإنّما يتفكّر في آلاء الله تعالى، لأنّه لا سبيل لنا لإدراك الغيب والوقوف على حقيقته، ولهذا جاء في عبارات السّلف (الكيف غير معقول).

ويتّضح هذا بأصلين وردا في كلام السّلف الصّالح:
ـ القول في الصّفات كالقول في الذّات، فإنّ الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقيّة لا تماثل الذّوات، فله صفات حقيقيّة لا تماثل الصّفات.
ـ القول في بعض الصّفات كالقول بعضها الآخر، فإذا كنّا نعتقد أنّ من صفاته تعالى أنّه حيّ بحياة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلّم بكلام، وهذه صفات نعتقد أنّها حقيقيّة، وهي لا تماثل صفات المخلوقين، بل كيفيّتها الله تعالى أعلم بها، فكذلك القول في باقي الصّفات التي ثبتت في النّصوص.

ويتّضح لك هذا ـ أخي ـ بمثالين:
1 ـ الرّوح التي بين جنبينا، ألسنا نقرّ بها، وبوجودها، ومع ذلك لا نعلم حقيقتها، وعدم العلم بحقيقتها لا يعني أنّه لا حقيقة لها، بل لها حقيقة يعلمها الله تعالى، فكما أنّنا نثبتها إثبات وجود لا إثبات كيفيّة، مع العلم قطعا أنّ لها كيفيّة، فكذلك الصّفات يجب الإيمان بها، وإن لم ندرك كيفيّتها.
2 ـ كذلك نعيم الجنّة، من نخيل وأعناب وغير ذلك، فنحن نقرّ بها، مع أنّنا لا نعلم كيفيّتها، كما قال تعالى ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾، وهذا لا يعني أنّها لا كيفيّة لها.

وهذا الذي ذكرت هو ما دلّت عليه نصوص الكتاب والسّنة، وهي كثيرة، وهذا هو الذي يدلّ عليه ما جاء على ألسنة أئمة السّلف رضوان الله تعالى عليهم جميعا. وأقاويلهم في هذا الباب كثيرة، بل أكثر من أن تحصر، ولا بأس بذكر بعضها ممّا يدلّ على ما أشارنا إليه من عقيدة السّلف الصّالح عليهم الرّضوان.
قال الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى :[ كان الزّهريّ ومكحول يقولان: أمروا هذه الأحاديث كما جاءت ][31]، فهذا الزّهري ومكحول من أعلم التّابعين في ذلك الزّمان، وقد صرّحا بهذا، وقال الإمام الأوزاعيّ كذلك :[ كنّا ـ والتّابعون متوافرون ـ نقول: إنّ الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السّنّة من صفاته جلّ وعلا ][32]. [ قال الحاكم: الأوزاعي إمام عصره عموما وإمام أهل الشام خصوصا ][33]. الأوزاعي إمام الشّام في زمنه، يقول هذا القول، ويحكيه عن أهل زمنه، ومنهم الإمام مالك إمام أهل الحجاز، والليث بن سعد إمام أهل مصر، والثّوريّ إمام أهل العراق، وقد حكى عنهم هذا القول الوليد ابن مسلم، قال :[ سألت الأوزاعيّ وسفيان ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث في الصّفات والرّؤية؟ قالوا : أمرّوها كما جاءت بلا كيفيّة][34]، وفي بعض النّسخ [ بلا كيف ]، وفي رواية أخرى ذكر أنّه سأل كذلك مع الثلاثة السّابقين اللّيث بن سعد فأجابوا بذلك أيضا[35].
بل يحكي الأوزاعي شهرة هذا القول في زمن التّابعين، وإنّما حكى ذلك بعد ظهور أمر الجهم الذي ينكر الصفات، وذلك حتّى يعرف النّاس أنّ مذهب السّلف الصّالح على خلاف ذلك.
وقال الإمام سفيان الثّوريّ ـ وقد سئل عن أحاديث الصّفات ـ :[ أمرّوها كما جاءت][36].
وقال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى :[ كلّ شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كيف ولا مثل][37].
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله :[ لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء، بل يصفه بما وصف به نفسه، ولا يقول فيه برأيه شيئا تبارك الله تعالى ربّ العالمين] [38]. وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى:[ الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسّؤال عنه بدعة][39]. وقال الإمام الشّافعي رحمه الله تعالى :[ القول في السّنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله وأنّ الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأنّ الله تعالى ينزل إلى السّماء الدّنيا كيف شاء][40]. فقوله (كيف يشاء) أليس فيه إثبات كيفيّة يعلمها الله تعالى، واستأثر بها في علم الغيب عنده. وسئل كذلك عن صفات الله تعالى وما يؤمن به؟ فقال :[ لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيّه أمّته لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجّة ردّها، لأنّ القرآن نزل بها وصحّ عن رسول الله ﷺ القول بها فيما روى عنه العدول ...ونثبت هذه الصّفات وننفي عنها التّشبيه كما نفى التّشبيه عن نفسه فقال ﴿ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير﴾][41]. وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى :[ لا يوصف الله بأكثر ممّا وصف به نفسه لا يتعدّى القرآن والحديث ][42].

والآثار عن السّلف في هذا الباب كثيرة، ومن أراد أن يقف عليها فليرجع إلى كتاب " شرح أصول اعتقاد أهل السّنة والجماعة" للالكائي، وكتاب " الشّريعة" للآجرّي، وكتاب "التّوحيد" للإمام أبي بكر ابن خزيمة، وكتاب "عقيدة السّلف وأصحاب الحديث" لأبي عثمان إسماعيل الصّابوني، وغيرها من كتب أئمة الحديث والسّنة.

ولا أريد أن أطيل في تقرير هذا الأصل، إذ هو متقرّر عند أهل السّنة والجماعة، ومتقرّر أنّه هو عقيدة السّلف، وقد حكى الاتفاق أو الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم:
محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة رحمة الله تعالى على الجميع، قال [ اتّفق الفقهاء من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثّقات عن رسول الله ﷺ في صفة الرّبّ عزّ وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسّر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج ممّا كان عليه النبيّ ﷺ وفارق الجماعة، فإنّهم لم يصفوا ولم يفسّروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسّنة، ثمّ سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنّه قد وصفه بصفة لا شيء ][43] . وقال الإمام التّرمذيّ رحمه الله -بعد أن روى حديثا في فضل الصّدقة، وأنّ الله تعالى "يأخذ الصّدقة بيمينه..." الحديث- [وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي هَذَا الحَدِيثِ وَمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنَ الرِّوَايَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ، وَنُزُولِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالُوا: قَدْ ثبتت الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا وَيُؤْمَنُ بِهَا وَلَا يُتَوَهَّمُ وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ؟ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ: أَمِرُّوهَا بِلَا كَيْفٍ. وَهَكَذَا قَوْلُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَأَمَّا الجَهْمِيَّةُ فَأَنْكَرَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَقَالُوا: هَذَا تَشْبِيهٌ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابهِ اليَدَ وَالسَّمْعَ وَالبَصَرَ، فَتَأَوَّلَتِ الجَهْمِيَّةُ هَذِهِ الآيَاتِ فَفَسَّرُوهَا عَلَى غَيْرِ مَا فَسَّرَ أَهْلُ العِلْمِ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ آدَمَ بِيَدِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ مَعْنَى اليَدِ هَاهُنَا القُوَّةُ. وقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: " إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ إِذَا قَالَ: يَدٌ كَيَدٍ، أَوْ مِثْلُ يَدٍ، أَوْ سَمْعٌ كَسَمْعٍ، أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ، فَإِذَا قَالَ: سَمْعٌ كَسَمْعٍ، أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ، فَهَذَا التَّشْبِيهُ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَدٌ، وَسَمْعٌ، وَبَصَرٌ، وَلَا يَقُولُ كَيْفَ، وَلَا يَقُولُ مِثْلُ سَمْعٍ، وَلَا كَسَمْعٍ، فَهَذَا لَا يَكُونُ تَشْبِيهًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابهِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11] ][44].
وقال كذلك رحمه الله تعالى ـ بعد أن روى حديثا في بيان خلود أهل الجنّة في الجنّة وخلود أهل النّار في النّار، وأنّ الله يضع قدمه فيها، أي في النّار، ...، الحديث ـ [وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِثْلُ هَذَا مَا يُذْكَرُ فِيهِ أَمْرُ الرُّؤْيَةِ أَنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ وَذِكْرُ القَدَمِ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ. وَالمَذْهَبُ فِي هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الأَئِمَّةِ مِثْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ رَوَوْا هَذِهِ الأَشْيَاءَ، ثُمَّ قَالُوا: تُرْوَى هَذِهِ الأَحَادِيثُ وَنُؤْمِنُ بِهَا، وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ؟ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ الحَدِيثِ أَنْ يَرْوُوا هَذِهِ الأَشْيَاءُ كَمَا جَاءَتْ وَيُؤْمَنُ بِهَا وَلَا تُفَسَّرُ وَلَا تُتَوَهَّمُ وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ، وَهَذَا أَمْرُ أَهْلِ العِلْمِ الَّذِي اخْتَارُوهُ وَذَهَبُوا إِلَيْهِ][45].
وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى ـ بعد أن ذكر آيات فيها إثبات صفة الوجه لله تعالى ـ :[ ... فأثبت لنفسه وجها وصفه بالجلال والإكرام، وحكم لوجهه بالبقاء، ونفى الهلاك عنه، فَنَحْنُ وَجَمِيعُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَالْيَمَنِ، وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، مَذْهَبُنَا: أَنَّا نُثْبِتُ لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ، نُقِرُّ بِذَلِكَ بِأَلْسِنَتِنَا، وَنُصَدِّقُ ذَلِكَ بِقُلُوبِنَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ نُشَبِّهَ وَجْهَ خَالِقِنَا بِوَجْهِ أَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، عَزَّ رَبُّنَا عَنْ أَنْ يُشْبِهَ الْمَخْلُوقِينَ، وَجَلَّ رَبُّنَا عَنْ مَقَالَةِ الْمُعَطِّلِينَ، وَعَزَّ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا كَمَا قَالَهُ الْمُبْطِلُونَ، لِأَنَّ مَا لَا صِفَةَ لَهُ عَدَمٌ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَهْمِيُّونَ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ صِفَاتِ خَالِقِنَا الَّذِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ][46].

فقوله (عزّ أن يكون عدما كما قاله المبطلون، لأنّ ما لا صفة له عدم)، إشارة إلى أنّنا نثبت هذه الصّفات على الحقيقة، ولا نردّها ولا ننفي حقيقتها، ولا نشبّه الله تعالى وتقدّس بخلقه سبحانه، كما لا ننفي هذه الصّفات، وقوله أنّ ما لا صفة له عدم، إشارة إلى أنّ هذه الصفات لها كيفيّة يعلمها الله تعالى.

وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى :[ أهل السنة مجموعون عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهَا وَالْخَوَارِجُ فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ وَالْحَقُّ فِيمَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّه...][47].

وقال كذلك رحمه الله تعالى :[ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَالتَّصْدِيقُ بِذَلِكَ وَتَرْكُ التَّحْدِيدِ وَالْكَيْفِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ][48]. فما معنى قوله (لا يكيّفون) و(ترك الكيفيّة والتّحديد في شيء منه)، أي لا يقولون : صفته كذا وكذا، بل يتركون ذلك، فهو ممّا استأثر الله تعالى به في علم الغيب عنده.
ولعلّ فيما ذكرت من نقول صريحة في نقل الاتّفاق بل والإجماع على هذه العقيدة كفاية لمن كان مريدا للحقّ باحثا عنه حقّا وحقيقة[49].

بقي الكلام على مسألة الكيف، حيث ورد في أقاويل السّلف عبارات مختلفة في ذلك، وحاصله ما يلي:
أمرّوها كما جاءت بلا كيف، أو من غير كيف، أو لا يقال: لِمَ؟ ولا كيف؟، أو لا تفسّر ولا تحدّ، أو من غير تفسير، ونحو هذه العبارات.
فما المراد من هذا؟
المقصود واضح من العبارات نفسها، فهذه الصّفات أثبتها الله تعالى لنفسه في كتابه، كما جاء إثباتها في صحيح سنّة نبيّه ﷺ.
أمّا معناها فمعلوم كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى ، وسيأتي الكلام على عبارته التي اتّخذها أهل السّنّة والجماعة قاعدة عامّة في كلّ الصّفات، وأمّا الكيف الذي سأل عنه السّائلُ الإمامَ مالك، فهو غير معقول، بل مجهول عندنا، لا نعرفه، ولا ندركه، ولهذا قال مالك رحمه الله تعالى [ ... والكيف غير معقول...]، أي لا يمكن أن نعقله، إذ كيف لنا ذلك، كيف لنا أن نقول: كيفيّة الصّفة هي كذا وكذا، من أين لنا ذلك، أمّا الإثبات للصّفة فلنا أدلّته من الكتاب والسّنّة، أمّا الكيف فلا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنّة، ولذلك قال السّلف من غير كيف، أي من غير أن تقول كيفيّة الصّفة كذا وكذا، وهذا صريح عباراتهم، وليس مفهومها كما قد يظنّ صاحب البلاء، فيقول: من أين لكم هذا الفهم من عباراتهم؟
وها أنا ذا أبيّن ذلك من خلال كلامهم وعباراتهم.

أمّا العبارات التي فيها (أمرّوها كما جاءت)، نتساءل هنا عن قولهم (كما جاءت)، كيف جاءت؟ الجواب جاءت بلسان عربيّ مبين، وعليه فنقول جاء:
استوى، فنقول (استوى)، وجاءت (ينزل ويضحك ويجيء ويأتي ويقبض ويبسط ويضع قدمه ويأخذ قبضتين أو ثلاثة، وجاء ذكر اليد والعين والقدم و ...)، وهكذا غيرها من نصوص الصّفات، فالسّلف أجمعوا على أنّها تمرّ كما جاءت، أي نقول بها كما جاءت.

قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى :[ وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَنْزِلُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُكَيِّفُونَ وَالْقَوْلُ فِي كَيْفِيَّةِ النُّزُولِ كَالْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةٌ ...][50] ، وقال كذلك :[ كُلُّهُمْ يَقُولُ يَنْزِلُ وَيَتَجَلَّى وَيَجِيءُ بِلَا كَيْفٍ لَا يَقُولُونَ كَيْفَ يَجِيءُ وَكَيْفَ يَتَجَلَّى وَكَيْفَ يَنْزِلُ وَلَا مِنْ أَيْنَ جَاءَ وَلَا مِنْ أَيْنَ تَجَلَّى وَلَا مِنْ أَيْنَ يَنْزِلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَتَعَالَى عَنِ الْأَشْيَاءِ وَلَا شَرِيكَ لَهُ ...][51].

فقوله أنّ كيفيّة النّزول ككيفيّة الاستواء والمجيء، والحجّة فيها واحدة، فهل هذا نفي للكيفيّة أصلا ـ كما قال المؤلّف ـ ، أم المراد نفي العلم بها. وتمعّن قوله (لا يكيّفون والقول في كيفيّة النّزول كالقول في كيفيّة الاستواء والمجيء ...).
وله نقول أخرى كثيرة عن السّلف في ذلك، مع أنّه نقل كذلك خلاف من خالف في المسألة رحمه الله تعالى.
فقولهم (كما جاءت) ردّ على المعطّلة الذين ينفون الصّفات، وقولهم (بلا كيف) ردّ على الممثّلة التي يمثّلون صفات الخالق بصفات المخلوق، وهؤلاء فرق ذكرهم من كتب في "الملل النّحل" مثل الإمام عبد القاهر البغدادي وغيره.
وإذ قد تبيّن ما يتعلّق بالمعنى، ولي عودة إليه بعد، حيث أعاد الكلام عليه صاحب البلاء، فلنتكلّم على ما يتعلّق بالكيف.
فعبارات السّلف والصّالح كما سبق (بلا كيف) (بلا كيفيّة) (من غير تكييف) (لا يقال كيف ولا لِمَ) ونحوها.
والمراد من ذلك واضح كذلك، على وفق ما جاء في الآية الكريمة من سورة [الشّورى/11] في قوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، فقوله تعالى ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ ردّ على من يجعل صفاته تعالى وتبارك وتقدّس كمثل صفات المخلوق، وأمّا قوله ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فإثبات لصفاته سبحانه وتعالى وتقدّس. وهذا الصّفاء في هذه العقيدة لا إشكال فيه أبدا.
فالمراد نفي العلم بالكيفيّة، وها هي عباراتهم تدلّك على ذلك، وسأنقل لك بعضا منها:
قال الإمام ربيعة شيخ الإمام مالك رحمة الله تعالى على الجميع ـ وسئل عن الاستواء: كيف استوى؟ ـ :[ الاستواء غير مجهول الكيف غير معقول، ومن الله الرّسالة، وعلى الرّسول البلاغ وعلينا التّصديق][52]، ونحوه جاء عن الإمام مالك رحمه الله تعالى[53].
فقول الإمام ربيعة والإمام مالك ها هنا (الكيف غير معقول)، ما المقصود بها؟
كونه لا يعقل: أي لا يمكن إدراكه، لأنّه صفة الخالق سبحانه وتعالى، فلا يمكن تكييفها ولا معرفة ذلك أصلا، ولهذا قال الإمام ابن عبد البرّ : [ ... ما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلّا بخبر، ولا خبر في صفات الله تعالى إلّا ما وصف نفسه به في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ فلا نتعدّى ذلك إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو نظير فإنّه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾][54].
فقوله (الكيف غير معقول) هذا نفي للعلم بالكيفيّة، إذ لو كان النفي للكيفيّة نفسها، ما احتيج لأن يقول (الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول)، ما دام أنّ الاستواء مجهول فلِمَ تُنْفَى الكيفيّة، وما دامت الكيفيّة غير ثابتة ـ على ما يدّعيه صاحب البلاء ـ فلماذا تنفى، إذ نفي الكيف عمّا ليس بثابت لغو من القول.
وإنّما المراد نفي العلم بالكيفيّة، وذلك لأنّ معرفة كيفيّة الشّيء إنّما يكون بأحد ثلاثة أمور، و هي: إمّا برؤية الشّيء والإحاطة به، وإمّا برؤية نظيره ومثله، وإمّا بمجيء الخبر بالصّادق الذي يقوم مقام المشاهدة في ذلك، وكل هذه الثلاثة منتفية ها هنا، فلا أحد رأى الله تعالى، وليس له مثل سبحانه وتعالى، ولم يأت خبر بذلك لا في كتاب ولا في سنّة في بيان الكيفيّة، فإذا انتفت هذه الطرق الثلاث عُلِمَ استحالة العلم بكيفيّة صفاته تعالى.
قال الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى :[ وسمعت الحافظ اليونينيّ يقول: لمّا كنت أسمع شناعة الخَلْق على الحنابلة بالتّشبيه عزمت على سُؤال الشّيخ الموفّق ، وبقيت أشهرا أريد أن أساله، فصعدت معه الجبل، فلمّا كنّا عند دارِ ابن محارب قلت: يا سَيّدي، وما نطقت بأكثر من سيّدي، فقال: التّشبيه مُستحيلٌ، فقلت: لِمَ؟ قال: لأنّ مِن شرط التّشبيه أن نَرى الشّيءَ، ثمّ نشبّهه، مَن الذي رأى الله ثمّ شبّهه لنا؟].[55]
وهذا واضح غاية الإيضاح لمن تمعّنه بسلامة صدر وفهم وارتياح.
وقال الإمام عبد العزيز بن أبي سلمة بن الماجشون ـ وقد سئل عمّا جحدته الجهميّة ـ [أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ فَهِمْتُ مَا سَأَلْتَ عنه فِيمَا تَتَابَعَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَمَنْ حَالَفَهَا فِي صِفَةِ الرَّبِّ الْعَظِيمِ الَّذِي فَاتَتْ عَظَمَتُهُ الْوَصْفَ وَالتَّقْدِيرَ، وَكَلَّتِ الْأَلْسُنُ عَنْ تَفْسِيرِ صِفَتِهِ، وَانْحَسَرَتِ الْعُقُولُ دُونَ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ، ردّت عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ، فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغًا فَرَجَعَتْ خَاسِئَةً وَهِيَ حَسِيرة، وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِالنَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ فِيمَا خَلَقَ بِالتَّقْدِيرِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: كَيْفَ كَانَ؟، لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَرَّةً ثُمَّ كَانَ، فَأَمَّا الَّذِي لَا يَحُولُ، وَلَا يَزُولُ، وَلَمْ يَزَلْ، وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ، وَكَيْفَ يُعْرَفُ قَدْرُ مَنْ لَمْ يبِد وَمَنْ لَم يمت، ولا يبلى؟ وَكَيْفَ يَكُونُ لِصِفَةِ شَيْءٍ مِنْهُ حَدٌّ، أَوْ مُنْتَهًى، يَعْرِفُهُ عَارِفٌ، أَوْ يَحِدُّ قَدْرَهُ وَاصِفٌ؟ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، لَا حَقَّ أَحَقُّ مِنْهُ، وَلَا شَيْءَ أَبْيَنُ مِنْهُ. الدَّلِيلُ عَلَى عَجْزِ الْعُقُولِ عَنْ تَحْقِيقِ صِفَتِهِ عَجْزُهَا عَنْ تَحْقِيقِ صِفَةِ أَصْغَرِ خَلْقِهِ لَا تَكَادُ تَرَاهُ صِغَرًا يَحولُ وَيَزُولُ، وَلَا يُرَى لَهُ سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ لِمَا يَتَقَلَّبُ بِهِ وَيَحْتَالُ مِنْ عَقْلِهِ، أَعْضَلُ بِكَ وَأَخْفَى عَلَيْكَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14] وَخَالِقُهُمْ وَسَيِّدُ السَّادَّات وَرَبُّهُمْ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
اعْرِفْ رَحِمَكَ اللَّهُ غِنَاكَ عَنْ تَكَلُّفِ صِفَةِ مَا لَمْ يَصِفِ الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ بِعَجْزِكَ عَنْ مَعْرِفَة قَدْرَ مَا وَصَفَ مِنْهَا، إِذَا لَمْ تَعْرِفْ قَدْرَ مَن وَصَفَ فَمَا تكَلُّفُكَ عِلْمَ مَا لَمْ يَصِفْ، هَلْ تَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ طَاعَتِهِ أَوْ تَتَزَحْزَحُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ مَعْصِيَتِهِ؟ فَأَمَّا الَّذِي جَحَدَ مَا وَصَفَ الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ تَعَمُّقًا وَتَكَلُّفًا فقَدِ ﴿اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ﴾ [الأنعام: 71]، فَصَارَ يَسْتَدِلُّ بزَعَمِه عَلَى جَحْدِ مَا وَصَفَ الرَّبُّ وَسَمَّى مِنْ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: لَا بُدَّ إِنْ كَانَ لَهُ كَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَذَا، فَعُمِّيَ عَنِ الْبَيِّنِ بِالْخَفِيِّ، بِجَحْدِ مَا سَمَّى الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ، بصَمَتَ الرَّبِّ عَمَّا لَمْ يُسَمِّ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ يُمْلِي لَهُ الشَّيْطَانُ حَتَّى جَحَدَ قَوْلَ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 23]، فَقَالَ: لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَجَحَدَ وَاللَّهِ أَفْضَلَ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ، وَنَضرَتِهِ إِيَّاهُمْ ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 55] وقد قضى أنّهم لا يموتون، فهم بالنّظر إليهم ينضّرون][56].
إلى أن قال :[ وإنّما جحد رؤية الله يوم القيامة إقامة للحجّة الضّالّة المضلّة، لأنّه قد عرف أنّه إذا تجلّى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين، وكان له جاحدا.
وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلْ نَرَى رَبَّنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟» فَقَالُوا: لَا، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَئِذٍ كَذَلِكَ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَمْتَلِئُ النَّارُ حَتَّى يَضَعَ الرَّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا فَتَقُولُ: قَطٍ قَطٍ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ "، وَقَالَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: «لَقَدْ ضَحِكَ اللَّهُ مِمَّا فَعَلْتَ بِضَيْفِكَ الْبَارِحَةَ» وَقَالَ فِيمَا بَلَغَنَا: «إِنَّ اللَّهَ لَيَضْحَكُ مِنْ أَزْلِكُمْ، وَقُنُوطِكُمْ، وَسُرْعَةِ إِجَابَتِكُمْ»، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ: إِنَّ رَبَّنَا لَيَضْحَكُ؟ قَالَ «نَعَمْ» قَالَ: لَا يَعْدِمُنَا مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا " فِي أَشْبَاهٍ لِهَذَا مِمَّا لَمْ نُحْصِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]، [ص:68] ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور: 48]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 39]، وَقَالَ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: 75]، وَقَالَ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، فَوَاللَّهِ مَا دَلَّهُمْ عَلَى عَظِيمٍ مِنْ وَصْفِ نَفْسِهِ، وَمَا تُحِيطُ قَبْضَتُهُ إِلَّا صِغَرُ نَظِيرِهَا مِنْهُمْ عِنْدَهُمْ، إِنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَلْقَى فِي رُوعِهِمْ، وَخُلِقَ عَلَى مَعْرِفَةِ قُلُوبِهِمْ، فَمَا وَصَفَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ فَسَمَّاهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ سَمَّيْنَاهُ كَمَا سَمَّاهُ، وَلَمْ نَتَكَلَّفْ مِنْهُ صِفَةَ مَا سِوَاهُ ـ لَا هَذَا وَلَا هَذَا ـ لَا نَجْحَدُ مَا وَصَفَ، وَلَا نَتَكَلَّفُ مَعْرِفَةَ مَا لَمْ يَصِفْ.
اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْعِصْمَةَ فِي الدِّينِ أنْ تَنْتَهِ حَيْثُ انْتَهَى بِكَ فَلَا تُجَاوِزْ مَا حَدَّ لَكَ، فَإِنَّ مِنْ قِوَامِ الدِّينِ مَعْرِفَةُ الْمَعْرُوفِ، وَإِنْكَارُ الْمُنْكَرِ، فَمَا بُسِطَتْ عَلَيْهِ الْمَعْرِفَةُ، وَسَكَنَتْ إِلَيْهِ الْأَفْئِدَةُ، وَذُكِرَ أَصْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَوَارَثَتْ عَلْمَهُ الْأُمَّةُ، فَلَا تَخَافَنَّ فِي ذِكْرِهِ، وَصِفَتِهِ مِنْ رَبِّكَ مَا وَصَفَ مِنْ نَفْسِهِ عيبًا، وَلَا تَكلَّفَنَّ لِمَا وَصَفَ لَكَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا، وَمَا أَنْكَرَتْهُ نَفْسُكَ، وَلَمْ تَجِدْ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِ رَبِّكَ، وَلَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ نَبِيِّكَ، ـ مِنْ ذكر رَبِّكَ ـ فَلَا تَتَكَلَّفَنَّ عِلْمَهُ بِعَقْلِكَ، وَلَا تَصِفْهُ بِلِسَانِكَ، وَاصْمُتْ عَنْهُ كَمَا صَمَتَ الرَّبُّ عَنْهُ مِنْ نَفْسِهِ؛ فَإِنَّ تَكَلُّفَكَ مَعْرِفَةَ مَا لَمْ يَصِفْ مِنْ نَفْسِهِ كإِنْكَارِكَ مَا وَصَفَ مِنْهَا، فَكَمَا أَعْظَمْتَ مَا جَحَدَ الْجَاحِدُونَ مِمَّا وَصَفَهُ مِنْ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ أَعْظِمْ تَكَلُّفَ مَا وَصَفَ الْوَاصِفُونَ مِمَّا لَمْ يَصِفْ مِنْهَا، فَقَدْ وَاللَّهِ عَزَّ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْمَعْرُوفَ وَبِمَعْرِفَتِهِمْ يُعْرَفُ، وَيُنْكِرُونَ الْمُنْكَرَ وَبِإِنْكَارِهِمْ يُنْكَرُ، يَسْمَعُونَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِهِ وَمَا يَبْلُغُهُمْ مِثْلُهُ عَنْ نَبِيِّهِ، فَمَا مَرِضَ مِنْ ذِكْرِ هَذَا وَتَسْمِيَتِهُ قَلْبُ مُسْلِمٍ، وَلَا تَكَلَّفَ صِفَةَ قَدْرِهِ وَلَا تَسْمِيَةَ غَيْرِهِ مِنَ الرَّبِّ مُؤْمِنٌ. وَمَا ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمَّاهُ مِنْ صِفَةِ رَبِّهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا سَمَّى وَوَصَفَ الرَّبُّ تَعَالَى مِنْ نَفْسِهِ.
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الْوَاقِفُونَ حَيْثُ انْتَهَى عِلْمُهُمُ، الْوَاصِفُونَ لِرَبِّهِمْ بِمَا وَصَفَ مِنْ نَفْسِهِ، التَّارِكُونَ لِمَا تَرَكَ مِنْ ذِكْرِهَا، لَا يُنْكِرُونَ صِفَةَ مَا سَمَّى مِنْهُ جَحْدًا، وَلَا يَتَكَلَّفُونَ وَصْفَهُ بِمَا لَمْ يُسَمِّ تَعَمُّقًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ تَرَكَ مَا تَرَكَ، وَتَسْمِيَةُ مَا سَمَّى (ومن يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115]، وَهَبَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ حُكْمًا وَأَلْحَقَنَا بِالصَّالِحِينَ][57].

وكلام الإمام ابن الماجشون هذا غاية في الوضوح من حيث إثبات كيفيّة لا يعلمها إلّا الله تعالى ، فانظر إلى قوله (فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ، وَكَيْفَ يُعْرَفُ قَدْرُ مَنْ لَمْ يبِد وَمَنْ لَم يمت، ولا يبلى)، فلا يعلم كيفيّة صفاته إلّا هو سبحانه وتعالى، أليس هذا واضح في أنّ لصفاته كيفيّة يعلمها هو سبحانه وتعالى، أمّا نحن فتثبتها على ظاهرها، ونكل علم كيفيّتها لله ربّ العالمين.

وانظر كذلك لقوله [... الدَّلِيلُ عَلَى عَجْزِ الْعُقُولِ عَنْ تَحْقِيقِ صِفَتِهِ عَجْزُهَا عَنْ تَحْقِيقِ صِفَةِ أَصْغَرِ خَلْقِهِ لَا تَكَادُ تَرَاهُ صِغَرًا يَحولُ وَيَزُولُ، وَلَا يُرَى لَهُ سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ لِمَا يَتَقَلَّبُ بِهِ وَيَحْتَالُ مِنْ عَقْلِهِ، أَعْضَلُ بِكَ وَأَخْفَى عَلَيْكَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ ]، فهنا يقرّر رحمه الله تعالى أنّنا نعجز عن معرفة المخلوقات المتناهية في الصّغر، التي لا تكاد ترى لتناهيها في الصّغر، فكيف نستطيع أن ندرك كيفيّة صفة الله تبارك وتعالى، وهذا يدلّ على أنّنا لا نعلم هذه الكيفيّة، لا نفيها أصلا كما يدّعي صاحب البلاء.

وانظر إلى قوله كذلك (فَصَارَ يَسْتَدِلُّ بزَعَمِه عَلَى جَحْدِ مَا وَصَفَ الرَّبُّ وَسَمَّى مِنْ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: لَا بُدَّ إِنْ كَانَ لَهُ كَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَذَا، فَعُمِّيَ عَنِ الْبَيِّنِ بِالْخَفِيِّ، بِجَحْدِ مَا سَمَّى الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ)، الذي يدلّ على إنكاره على من يقول: إن قلنا له صفة كذا، يلزم منها أن يكون له كذا وكذا، كما يقوله نفاة الصّفات، حيث يزعمون أنّ إثبات الصّفات يلزم منها أن يكون جسما أو عرضا أو محدثا، تعالى الله عمّا يقولون علوا كبيرا.

ثمّ انظر إلى قوله (وإنّما جحد رؤية الله يوم القيامة إقامة للحجّة الضّالّة المضلّة، لأنّه قد عرف أنّه إذا تجلّى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين، وكان له جاحدا)، فانظر إلى قوله (رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين، وكان له جاحدا).

وقال الإمام الشّافعيّ رحمه الله تعالى :[ ... ونثبت هذه الصّفات، وننفي عنها التّشبيه، كما نفاه عن نفسه، فقل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشّورى/11] ][58].

وقال الإمام التّرمذيّ نقلا عن الإمام إسحاق بن راهويه رحمة الله على الجميع :[وقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: " إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ إِذَا قَالَ: يَدٌ كَيَدٍ، أَوْ مِثْلُ يَدٍ، أَوْ سَمْعٌ كَسَمْعٍ، أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ، فَإِذَا قَالَ: سَمْعٌ كَسَمْعٍ، أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ، فَهَذَا التَّشْبِيهُ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَدٌ، وَسَمْعٌ، وَبَصَرٌ، وَلَا يَقُولُ كَيْفَ، وَلَا يَقُولُ مِثْلُ سَمْعٍ، وَلَا كَسَمْعٍ، فَهَذَا لَا يَكُونُ تَشْبِيهًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابهِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11] ][59].

وقال الإمام أبو بكر الإسماعيليّ:[ اعلموا رحمنا الله وإيّاكم أنّ مذهب أهل الحديث ـ أهل السّنّة والجماعة ـ : الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ...
ويعتقدون أنّ الله تعالى مدعوٌّ بأسمائه الحسنى، موصوف بصفاته التي سمّى ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيّه ﷺ. خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، بلا اعتقاد كيف، وأنّه استوى على العرش بلا كيف، فإنّ الله تعالى أنهى إلى أنّه استوى على العرش، ولم يذكر كيف كان استواءه ...][60].

انظر كلامه، فيه أنّ الله تعالى ذكر أنّه (استوى) فنقول (استوى)، ولم يذكر كيف استوى، فنترك نحن ذلك. وقوله (بلا اعتقاد كيف) أي لا يجوز أن نقول صفته على هذا الكيف أو هذا الكيف، بل نكل علم ذلك لله تبارك وتعالى.

وذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى الباب الذي يروى فيه الرّؤية، والكرسيّ موضع القدمين، وضَحك ربُّنا من قنوط عباده وقرب غيره، وأين كان ربّنا قبل أن يخلق السّماء، وأنّ جهنّم لا تمتلئ حتّى يضع ربّك عزّ وجلّ قدمه فيها، فتقول: قط قط، وأشباه هذه الأحاديث؟
فقال :[ هذه أحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حقّ لا نشكّ فيها، ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضحك؟ قلنا: لا يفسّر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسّره ][61].

قال الإمام الذّهبيّ معلّقا على كلام الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام رحمة الله تعالى على الجميع :[ قُلْتُ: قَدْ فَسَّرَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ المُهِمَّ مِنَ الأَلْفَاظِ وَغَيْرَ المُهِمِّ، وَمَا أَبْقَوْا مُمْكِناً، وَآيَاتُ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيْثُهَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِتَأْوِيْلِهَا أَصْلاً، وَهِيَ أَهَمُّ الدِّيْنِ، فَلَو كَانَ تَأْوِيْلُهَا سَائِغاً أَوْ حَتْماً، لَبَادَرُوا إِلَيْهِ، فَعُلِمَ قَطْعاً أَنَّ قِرَاءتَهَا وَإِمرَارَهَا عَلَى مَا جَاءتْ هُوَ الحَقُّ، لاَ تَفْسِيْرَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، فَنُؤْمِنُ بِذَلِكَ، وَنَسْكُتُ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ، مُعْتَقِدِيْنَ أَنَّهَا صِفَاتٌ للهِ -تَعَالَى- اسْتَأَثَرَ اللهُ بِعِلْمِ حَقَائِقِهَا، وَأَنَّها لاَ تُشْبِهُ صِفَاتِ المَخْلُوْقِينَ، كَمَا أَنَّ ذَاتَهُ المُقَدَّسَةَ لاَ تُمَاثِلُ ذَوَاتِ المَخْلُوْقِينَ، فَالكِتَابُ وَالسُّنَّةُ نَطَقَ بِهَا، وَالرَّسُوْلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلَّغَ، وَمَا تَعَرَّضَ لِتَأْوِيْلٍ، مَعَ كَوْنِ البَارِي قَالَ: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم﴾ [النَّحْلُ: 44] ، فَعَلَيْنَا الإِيْمَانُ وَالتَّسْلِيْمُ لِلنُّصُوْصِ، وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ][62].

وما لي بحاجة إلى أن أزيد على كلام الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى، فقد أوضح غاية الإيضاح، وانظر قوله ( أنّها صفات لله تعالى استأثر بعلم حقائقها)، فما معنى أنّه تعالى استأثر بعلم حقائقها؟
المراد أنّنا نثبتها ولا نتعرّض لكيفيّتها، بل هو تبارك وتعالى أعلم بذلك.
وهذا كلام الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى:[ ... أَنَّا نُثْبِتُ لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ، نُقِرُّ بِذَلِكَ بِأَلْسِنَتِنَا، وَنُصَدِّقُ ذَلِكَ بِقُلُوبِنَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ نُشَبِّهَ وَجْهَ خَالِقِنَا بِوَجْهِ أَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، عَزَّ رَبُّنَا عَنْ أَنْ يُشْبِهَ الْمَخْلُوقِينَ، وَجَلَّ رَبُّنَا عَنْ مَقَالَةِ الْمُعَطِّلِينَ، وَعَزَّ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا كَمَا قَالَهُ الْمُبْطِلُونَ، لِأَنَّ مَا لَا صِفَةَ لَهُ عَدَمٌ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَهْمِيُّونَ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ صِفَاتِ خَالِقِنَا الَّذِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ][63].
وهو ظاهر في أنّ المراد من نفي الكيفيّة إنّما هو نفي العلم بها، وإلّا فما معنى قوله رحمه الله تعالى: [من غير أن نشبّه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، عزّ ربّنا عن أن يشبه المخلوقين، وجلّ ربّنا عن مقالة المعطّلين، وعزّ أن يكون عدما كما قاله المبطلون، لأنّ ما لا صفة له عدم ...].

وقال الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني رحمه الله تعالى:
[وأخبار الصفات من هذا كثيرة، والمعتزلة والأشعرية يردون شيئاً منها، ومنها ما يتأوّلونه.

ومذهب السلف والعلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الأعصار كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل ينزهون الله عن الجسمية والتصديق بما ورد من هذه الآي والأخبار والسكوت عن تفسيرها والاعتراف بالعجز عن علم المراد بذلك، والتسليم والإيمان بذلك إيماناً جملياً كما آمنا وصدقنا بإثبات الذات من غير تكييف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بما يجوز على الله من الصفات، وكذلك الصحابة - رضي الله عنهم - ، فإذا سكتوا عن تفسير هذه الصفات وتأويلها وسعنا ما وسعهم قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ وقال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً﴾ ][64].

فإذاً قد اتّضح معنى قول السّلف (بلا كيف) (لا كيف) (من غير تكييف) (لا يقال: كيف) وهكذا مثل هذه العبارات، فالمراد منها نفي العلم بالكيفيّة، لا نفي الكيفيّة، كما فهم صاحب البلاء.

وما نقلته من كلام أئمة السّلف الصّالح واضح في ذلك، وسيأتي مزيد بيان له أيضا تعليقا على النّقول التي نقلها صاحب البلاء ـ ظنّا منه أنّها تؤيّد ما فهمه ـ.

التّعليق على كلامه في هذا الفرق الأوّل
قوله: [ السّلف يؤمنون باستوائه على مراده تعالى لا يحدّدون المعنى ولا يكيّفون].

الإيمان بالاستواء واجب كما قال السّلف الصّالح، وعبارة الإمام مالك رحمه الله تعالى في ذلك صريحة، قال الله تعالى ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ البقرة 140، فالله تعالى أخبر عن نفسه بأنّه (استوى) فنؤمن بما أخبر به تعالى.

قوله (على مراده لا يحدّدون المعنى)، أهذا هو اعتقاد السّلف الصّالح، إذاً فما المراد من قول الإمام مالك رحمه الله تعالى (الاستواء غير مجهول) غير مجهول ماذا؟ المراد غير مجهول المعنى، لأنّ الله تعالى خاطبنا بلسان عربيّ مبين. فهل يعقل أن يخاطبنا الله تعالى بألفاظ لا نعقل معناها ولا نعرف معناها، والنّصوص التي سبق سردها في تقرير مذهب السّلف عن أئمّة السّلف الصّالح واضحة في ذلك، حيث ذكروا أنّها صفات على الحقيقة لا على المجاز.

(لا يكيّفون) نعم عقيدة السّلف أنّهم لا يكيّفون، فلا يقولون كيف، كما سردنا النّقول الكثيرة عنهم، لكن لا يعني ذلك نفي أن يكون لهذ الصّفات كيفيّة يعلمها الله تعالى، وقد سردنا ما يدلّ على ذلك من كلامهم رحمة الله تعالى الجميع.
ثمّ رمى مخالفيه بما يفهمه هو، لا بما قالوه هم، والمفترض في الرّدّ، أن تردّ على ما قاله مخالفُك، كأن تنقل عن أحدهم أنّه قال كذا وكذا، ثمّ تردّ القول، وليس هذا ـ أي ما فعله المؤلّف ـ هو أسلوب الرّدّ الذ ي يلزم اتّباعه، فالرّدّ على المخالف يكون بأن تسرد قوله، وتوثّقه من مصدره، ثمّ تردّ بنقل محققّ، وفهم مدقّق، وما سوى هذا فإنّما هو زور مزوّق، سهل على كلّ واحد أن ينمّق مثله ويسوّق.
والذي يعتقده السّلف في باب الصّفات سبق ذكره وسرد النّصوص في تحقيقه، وهو إثبات الصّفات وإمرارها كما جاءت، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

وقد نقلنا الاتّفاق والإجماع الذي حكاه الأئمّة على ذلك، وأنّهم يثبتون الصّفات على الحقيقة لا على المجاز، فراجع عباراتهم الصريحة في ذلك، وأعيد واحدة منها، قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى :[ أهل السّنّة مجمعون على الإقرار بالصّفات الواردة كلّها في القرآن والسّنّة والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلّا أنّهم لا يكيّفون شيئا من ذلك، ولا يحدّون صفة محصورة، وأمّا أهل البدع والجهميّة والمعتزلة كلّها والخوارج فكلّهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعمون أنّ من أقرّ بها مشبّه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحقّ فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنّة رسوله وهم أئمّة الجماعة والحمد لله ] [65].
ثمّ ذكر أنّ مخالفيه (يثبتون المعنى وهو ظاهر اللّفظ المتبادر إلى عقولهم ويزعمون جهل الكيف).
أمّا إثبات المعنى فقد سبق نقل كلام أئمّة السّلف الصّالح، وأنّهم يحملون آيات الصّفات على الحقيقة، ونصوصهم في ذلك كثيرة لا تعدّ إحصاء، نقلنا بعضا منها، فما مرادهم بقولهم تحمل على الحقيقة، أليس هو المعنى الذي تدلّ عليه اللّغة، وإلّا فما المراد من كلامهم؟ الحق والحقّ أقول أنّنا صرنا نبيّن الواضحات، وذلك حقًّا من المشكلات، كما قال أهل العلم (توضيح الواضحات من المشكلات)
وهل يصحّ في الأذهان شيء *** إذا احتاج النّهار إلى دليل
فهذه عبارات السّلف الصّالح واضحة في بيان مذهبهم في آيات الصّفات.

قوله (ويزعمون جهل الكيف)، نعم، هذا هو مدلول كلام السّلف الصّالح الذي سقت عبارات كثيرة منه عنهم، وهي بنفس ما ذكر صاحب البلاء، أي أنّ الكيف نجهله لا نعرفه، فلا نعرف كيفيّة صفاته، كما قال أهل العلم أنّ الكلام في الصّفات كالكلام في الذّات، فكما أنّنا نثبت ذاتا لا نعلم كيفيّتها، فكذلك نثبت صفات لا نعلم كيفيّتها، والأمر في ذلك واضح جدّاً.

وهذا الكلام قد نقله صاحب البلاء نفسه عن الإمام الخطيب البغداديّ رحمه الله تعالى، ولكن، ما أدري! لم يفهمه؟ أم نقله ولم ينتبه له؟ أم ...
واسمع لكلام الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى :[ باب ذكر إثبات ضحك ربّنا عزّ وجلّ: بلا صفة تصف ضحكه، جلّ ثناؤه، لا ولا يشبّه ضحكه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك، بل نؤمن بأنّه يضحك، كما أعلم النّبيّ ﷺ، ونسكت عن صفة ضحكه جلّ وعلا، إذ الله عزّ وجلّ استأثر بصفة ضحكه، لم يطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النّبيّ ﷺ ، مصدّقون بذلك، بقلوبنا منصتون عمّا لم يبيّن لنا، ممّا استأثر الله بعلمه][66].

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأندلسيّ الشّهير بابن أبي زمنين رحمه الله تعالى :[ وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ اَلْعِلْمِ بِاَللَّهِ وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَرُسُلُهُ يَرَوْنَ اَلْجَهْلَ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ عِلْمًا، وَالْعَجْزَ عَمَّا لَمْ يُدَّعَ إِيمَانًا، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَنْتَهُونَ مِنْ وَصْفِهِ بِصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ إِلَى حَيْثُ اِنْتَهَى فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، وَقَدْ قَالَ: وَهُوَ أَصْدَقُ اَلْقَائِلِينَ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ وقال ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اَللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ وَقَالَ: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اَللَّهُ نَفْسَهُ﴾ وَقَالَ: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ وَقَالَ: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ وَقَالَ: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ وَقَالَ: ﴿وَقَالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ وَقَالَ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ وَقَالَ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ وَقَالَ: ﴿وَكَلَّمَ اَللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ وَقَالَ: ﴿اَللَّهُ نُورُ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وَقَالَ: ﴿اَللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ وَقَالَ: ﴿هُوَ اَلْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾، وَمِثْلُ هَذَا فِي اَلْقُرْآنِ كَثِيرٌ فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نُورُ اَلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَهُ وَجْهٌ وَنَفْسٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَيَسْمَعُ وَيَرَى وَيَتَكَلَّمُ، اَلْأَوَّلُ وَلَا شَيْءَ قَبْلَهُ، وَالْآخِرُ اَلْبَاقِي إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ لَا شَيْءَ بَعْدَهُ، وَالظَّاهِرُ اَلْعَالِي فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ وَالْبَاطِنُ بَطَنَ عِلْمُهُ بِخَلْقِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ حَيُّ قَيُّومٌ، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ][67]. ثمّ أسند أحاديث في الصّفات، ثمّ قال: [فَهَذِهِ صِفَاتُ رَبِّنَا اَلَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَوَصَفَهُ بِهَا نَبِيُّهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا تَحْدِيدٌ وَلَا تَشْبِيهٌ وَلَا تَقْدِيرٌ فَسُبْحَانَ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْبَصِيرُ. لَمْ تَرَهُ اَلْعُيُونُ فَتَحُدَّهُ كَيْفَ هُوَ كَيْنُونِيَّتُهُ، لَكِنْ رَأَتْهُ اَلْقُلُوبُ فِي حَقَائِقِ اَلْإِيمَانِ بِهِ][68].
وقال كذلك :[ وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ: أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ اَلْعَرْشَ وَاخْتَصَّهُ بِالْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ فَوْقَ جَمِيعِ مَا خَلَقَ، ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوَى لَهُ مَا فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي اَلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ اَلثَّرَى﴾ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى اَلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي اَلْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ اَلسَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَ﴾ فَسُبْحَانَ مَنْ بَعُدَ فَلَا يُرَى، وَقَرُبَ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ فَسَمِعَ اَلنَّجْوَى][69].

وقال كذلك :[ وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ: أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ اَلسَّمَاءِ اَلدُّنْيَا، وَيُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُدُّوا فِيهِ حَدًّا][70].

ثمّ قال كذلك :[ وَأَخْبَرَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ اَلْمَشَايِخِ: مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَعِيسَى وَابْنِ اَلْمُبَارَكِ وَوَكِيعٍ كَانُوا يَقُولُونَ: اَلنُّزُولُ حَقٌّ.
قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ: وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ اَلنُّزُولِ.
فَقَالَ: نَعَمْ: أُقِرُّ بِهِ وَلَا أَحُدُّ حَدًّا، وَسَأَلْتُ عَنْهُ اِبْنَ مَعِينٍ فَقَالَ: نَعَمْ، أُقِرُّ بِهِ وَلَا أَحُدُّ فِيهِ حَدًّا.
قَالَ مُحَمَّدٌ[71] [وَهَذَا اَلْحَدِيثُ بَيَّنَ أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ فِي اَلسَّمَاءِ دُونَ اَلْأَرْضِ، وَهُوَ أَيْضًا بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اَللَّهِ، وَفِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ مِنَ اَلسَّمَاءِ إِلَى اَلْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ وَقَالَ: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي اَلسَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ اَلْأَرْضَ﴾ وَقَالَ: ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي اَلسَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ وَقَالَ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلْكَلِمُ اَلطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ اَلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ وَقَالَ: ﴿وَهُوَ اَلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ وَقَالَ لِعِيسَى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ وَقَالَ: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اَللَّهُ إِلَيْهِ﴾][72]، ثمّ ذكر حديث معاوية بن الحكم السّلميّ رضي الله تعالى عنه مع جاريّته، وسؤال النّبيّ ﷺ لها: أين الله؟
ثمّ ابن أبي زمنين: [ وَالْحَدِيثُ مِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فَسُبْحَانَ اَللَّهِ مَنْ عِلْمُهُ بِمَا فِي اَلْأَرْضِ كَعِلْمِهِ بِمَا فِي اَلسَّمَاءِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ اَلْعَلِيُّ اَلْعَظِيمُ][73].

ثمّ قال صاحب البلاء: (فالاستواء مثلا عندهم هو الجلوس ولكنّهم يجهلون كيفيّة هذا الجلوس فلا يدرون هل هو جلوس بمماسّة أو بغير مماسّة أو ...).
كذا قال، هدانا الله تعالى جميعا وإيّاه إلى الحقّ.
أقول: والله الذي لا إلاه غيره ولا ربّ سواه لولا ضرورة نقل كلامه للرّدّ عليه، ما سمحت لنفسي أن أنقل هذا الكلام أو أن أقوله، تعالى الله عمّا يقوله المتخرّصون عليه علوًّا كبيراً.

ذكر أنّهم مثلا يفسّرون الاستواء بمعنى الجلوس، سبحان الله تعالى، ترك المعنى الذي اتّفق عليه أئمّة السّلف وهو العلو والارتفاع والصّعود، ومعنى رابع قال به بعض ولم يقرّ به بعض آخر ـ وهو الاستقرار ـ.

ترك هذه المعاني التي صرّح بها السّلف الصّالح، وذهب ليذكر معنى آخر -وهو الجلوس[74]- الذي لا يدلّ عليه لفظ الاستواء.

فسبحان الله تعالى!هنا لابدّ لي من وقفة، نراجع فيها أنفسنا، نتمهّل وننظر، ما هو المقصود من العلم الذي نسعى لنتعلّمه؟ ما المقصود من التّصدّر لتعليم النّاس؟ أليس لبيان الحقّ لهم؟
ثمّ لماذا نردّ؟ عمّاذا ندافع؟ هل المراد هنا: من ينتصر؟ هل المبتغى: من يغلب غيره ويظهر أقوى؟ من غير مراعاة لطلب الحقّ والصّواب.
لماذا لا أصدق في النّقل لمذهب غيري الذي أردّ عليه، وأبيّن أنّه على الخطأ، ثمّ أذهب لأتتبّع نقولات من هنا وهناك حتّى يظهر أنّ مخالفي هو الذي على الباطل، وأنا على الحقّ، أهذا هو البحث عن الحقّ والصّواب، والصّدق في النّصيحة.
لا، ليس كذلك، إنّي لآسف كلّ الأسف أن يكون هذا صنيع من يُظْهِرُ الشّفقةَ على مذهب السّلف أن يزوّر، أو أن يغيّر ويبدّل. لكن، كما قيل:
ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه *** تجري الرّياح بما لا تشتهي السّفن
ثمّ ذكر صاحب البلاء تفصيلات في كيفيّة الجلوس ينبو عنها السّمع، ولا يجرؤ على قولها السّلف الصّالح ومن نهج نهجهم.
ولكن هو التّقوّل على المخالفين بما لم يقولوه، لأجل تنفير النّاس عنهم فقط، ليس إلّا، ثمّ هب أنّك نفّرت النّاس عنهم، هل هذا هو المطلوب، أن تنفّر النّاس عن مخالفيك؟ أو المطلوب بيان الخطأ الذي هم عليه من غير تلبيس عليهم، ـ وأستسمح من هذه اللّفظة (التّلبيس) لأنّي وجدتها أولى من ذكر لفظة (الكذب) في مثل هذا الصّنيع.
ثمّ يقول [والذي يعلم المعنى كيف يجهل الكيف].
لا إله إلّا الله، والله أكبر، لا أجد ها هنا إلّا أن أقول هذا، إي نعم، والله، أتدري ما تقول، أم كَتَبَ لك غيرُك، ولم تراجع ذلك.
وقد نقلت كلام الإمام ابن أبي زمنين رحمه الله تعالى حيث قال: [وَأَخْبَرَنِي وَهْبٌ عَنْ اِبْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: كُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ اَلْمَشَايِخِ: مَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَعِيسَى وَابْنِ اَلْمُبَارَكِ وَوَكِيعٍ كَانُوا يَقُولُونَ: اَلنُّزُولُ حَقٌّ.
قَالَ اِبْنُ وَضَّاحٍ: وَسَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ اَلنُّزُولِ.
فَقَالَ: نَعَمْ: أُقِرُّ بِهِ وَلَا أَحُدُّ حَدًّا، وَسَأَلْتُ عَنْهُ اِبْنَ مَعِينٍ فَقَالَ: نَعَمْ، أُقِرُّ بِهِ وَلَا أَحُدُّ فِيهِ حَدًّا]. فانظر قوله: [نعم أقرّ به ولا أحدّ حدّاً].

قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: [الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول].
فبالله عليك، ما المقصود من قوله (الاستواء غير مجهول)، غير مجهول ماذا؟
أليس غير مجهول المعنى؟ إذاً فهو معلوم المعنى.
فهل تقول للإمام مالك رحمه الله تعالى ما قلته لمخالفيك؟
ثمّ أين الإشكال في هذا، وأعيد أنا السّؤال بطريقة أخرى فأقول:
أَتُثْبِتُ وُجُود الخالق؟ الجواب: نعم.
إن قيل: كيف هو؟ الجواب: الله أعلم بتلك الكيفيّة.
فإن قيل: كيف تثبت وجود خالق لا تعلم كيف هو؟
الجواب: نعم، أثبته إثبات وجود لا إثبات كيفيّة.

فكذلك الأمر في الصّفات، والكلام في الصّفات فرع عن الكلام في الذّات.
وأعيد ما سبق أن سقته عند الكلام على قولنا (من غير تكييف)، فأقول:
قد ذكر الله تبارك وتعالى لنا نعيم الجنّة وما فيها، من أنهار وماء ولبن وخمر وعسل ولحم وطير وفاكهة وغير ذلك، فهذه الأشياء هل تعلم معناها أو لا؟
فإن قلت: لا أعلم معناها، فهذه عظيمة من العظائم، إذ كيف يرغّبنا الله تعالى في أشياء لا نعلم معناها، ويردّ ذلك ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ [ البقرة/25] :[ لا يشبه شيء ممّا في الجنّة ما في الدّنيا إلّا في الأسماء]، وفي رواية [ ليس في الدّنيا ممّا في الجنّة إلّا الأسماء ][75].

فالاشتباه في المعنى لا في الحقيقة، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :[ يعرفون أسماءه كما كانوا في الدّنيا، التّفاح بالتّفاح، والرّمان بالرّمان، قالوا في الجنّة: ﴿هذا الذي رزقنا من قبل﴾ في الدّنيا ﴿وأتوا به متشابها﴾ يعرفونه، وليس هو مثله في الطّعم][76].

وإن قلت: نعم أعلم معناها، فيرد السّؤال: هل تعلم حقيقتها وكيفيّتها؟
فإن قلت: نعم، فهذه مخالفة لما في القرآن الكريم ممّا يدلّ على أنّ حقيقتها وكيفيّتها لا يعلمها إلّا الله تعالى، كما قال سبحانه ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ وفي الحديث قوله ﷺ عن ربّه تعالى : " أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فاقرأوا إن شئتم ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾"[77].
وإن قلت: لا أعلم كيفيّتها، مع أنّ لها كيفيّة، كان ذلك هو معنى قول السّلف في صفات الله تعالى: نعلم معناها، ولا نعلم كيفيّتها، مع أنّ لها كيفيّة.
ثمّ انظر إلى قوله تعالى ﴿ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [فصّلت/21]. ومع قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس/65]. فأقول للمؤلّف هل تعلم معنى الكلام والنّطق والشّهادة أم تجهله؟ لا شكّ تعلم هذه المعاني، لكن هل تعلم كيفيّة ذلك؟ كيف نطق الجلود؟ وكيف كلام الأيدي؟ وكيف شهادة الأرجل؟
فالمعنى نعلمه، والكيف نجهله، مع العلم أنّ الكيف يعلمه الله تعالى.

ثمّ في قوله :[ والذي يعلم المعنى كيف يجهل الكيف].
هذا وارد وممكن أن يعلم المعنى، أمّا الكيف فهذا ليس له سبيل، لأنّه من علم الغيب، وقد استأثر الله به في علم الغيب عنده. وهذا قول الله تعالى ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾ [الإسراء/97] ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان/34]. روى البخاريّ رحمه الله تعالى في صحيحه[78] ـ في تفسير هذه الآية من سورة الفرقان ـ من حديث أنس رضي الله عنه أنّ رجلا قال: يا نبيّ الله، كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال :" أليس الذي أمشاه على الرّجلين في الدّنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ قال قتادة: بلى وعزّة ربّنا.
فالمعنى واضح هنا أنّه مشي على الحقيقة، وأمّا الكيفيّة، فالذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه.
وها هنا نستفيد فائدة، وهي أنّه لمّا استشكل على هذا الصّحابيّ ـ رضي الله عنه ـ هذا الأمر الذي هو على خلاف ما نعرف من أمر الدّنيا، فسأل عنه النّبيّ ﷺ، فهل ورد عن الصّحابة عليهم الرّضوان استشكال حول الصّفات، هل سألوا كيف هي، لم ينقل عنهم ذلك، وهذا ظاهر أنّهم لم يستشكلوا ذلك، وأنّهم فهموا الصّفات على ما يعرفونه من لغة العرب، أمّا كيفيّتها فهي ممّا استأثر الله به في علم الغيب عنده، وهذا غاية في الوضوح.
لكن لمّا جاء أهل الكلام والمنطق وفلسفة اليونان وغير ذلك من العلوم الدّخيلة التي أفسدت على المسلمين عقائدهم، فتكلّموا في هذا الباب على غير ما كان عليه الصّحابة الكرام عليهم الرّضوان، ووقع الخلاف في ذلك، فاضطرّ العلماء للكلام في هذا الباب بما دلّت عليه النّصوص، وما ثبت من كلام الصّحابة الكرام عليهم الرّضوان.
ثمّ انظر إلى قوله أنّه سيذكر كوكبة من كلام السّلف يستخلص منه عقيدتهم، وأنّ ما يسوق ما هو إلّا:
[ عقيدة المجسّمة والمشبّهة والإسرائيليات والكراميّة، مضافا إليها فلسفة ابن تيميّة ].
سبحان الله! ألفاظ تنفّر السّامع والقارئ، التّجسيم، التّشبيه، الإسرائيليات والكرّاميّة.

أمّا التّشبيه والتّجسيم، فهو نفسه ما كان أهلُ البدع يرمون به السّلفَ الصّالحَ، وقد ذكرت قبلُ نقولا في ذلك، وهذا من باب التّنفير عنهم ليس إلّا، وقد سلك صاحب البلاء هذا المسلك نفسه، وهو المسلك نفسه الذي كان يسلكه أهل البدع مع السّلف الصّالح.

ثمّ انظر ما يقوله الإمام الصّابونيّ رحمه الله تعالى في آخر رسالته "عقيدة السّلف وأصحاب الحديث"، قال رحمه الله تعالى:[ وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي ﷺ، واحتقارهم لهم، واستخفافهم بهم، وتسميتهم إياهم حَشوِيَّة، وَجَهَلَة، وظاهرية، ومُشَبِّهَة، اعتقاداً منهم في أخبار الرسول ﷺ أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية من الخير، وكلماتهم وحججهم العاطلة، بل شبههم الداحضة الباطلة ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد:23]، ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج:18] ...]. إلى أن قال رحمه الله تعالى :[ سمعت الأستاذ أبا منصور محمد بن عبد الله ابن حمشاد العالم الزاهد رحمه الله يقول: سمعت أبا القاسم جعفر بن أحمد المقرئ الرازي يقول: قرأ عَليَّ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وأنا أسمع: سمعت أبي - عنى به الإمام في بلده أبا حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرّازي - يقول: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر حشوية، يريدون بذلك إبطال الآثار، وعلامة القدرية تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبِّهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة. قال أبو عثمان: قلت ـ أنا ـ : وكل ذلك عصبية، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث.

قال أبو عثمان: قلت: أنا رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة، ولا يلحقهم شيء منها، فضلا من الله ومنّة، سلكوا معهم مسلك المشركين مع رسول الله ﷺ، فإنهم اقتسموا القول فيه فسماه بعضهم ساحراً، وبعضهم كاهناً، وبعضهم شاعراً، وبعضهم مجنوناً، وبعضهم مفتوناً، وبعضهم مفترياً مختلقاً كذاباً، وكان النبي ﷺ من تلك المعائب بعيداً بريئاً، ولم يكن إلا رسولاً مصطفى نبياً. قال الله عز وجل: ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء:48]، كذلك المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القول في حملة أخباره، ونقلة آثاره ورواة أحاديثه المقتدين به، المهتدين بسنّته، المعروفين بأصحاب الحديث، فسماهم بعضهم حشوية، وبعضهم مشبهة، وبعضهم نابتة، وبعضهم ناصبة، وبعضهم جبرية، وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعايب، وليسوا إلا أهل السّنّة المضية، والسيرة المرضية، والسبل السوية، والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله جل جلاله لاتباع كتابه، ووحيه وخطابه، واتّباع أقرب أوليائه، والاقتداء برسوله ﷺ في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منهما، وأعانهم على التمسك بسيرته، والاهتداء بملازمة سنته، وجعلهم من أتباع أقرب أوليائه وأكرمهم وأعزّهم عليه، وشرح صدورهم لمحبته ومحبة أئمة شريعته وعلماء أمته، ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة بحكم رسول الله ﷺ: "المرء مع من أحب" ][79].

وها هو الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى يقول في آخر كتابه "الأربعين في صفات ربّ العالمين"[80] :[ وقد طوّلنا في هذا المكان، لو ذكرنا قول كلّ من له كلام في لإثبات الصّفات من الأئمّة لاتّسع الخرق. وإذا كان المخالف لا يهتدي عن ذكر ما أتت نقول الإجماع على لإثباته من غير تأويل، أو لا يصدّقه في نقلها، فلا هداه الله, زلا خير والله فيمن ردّ على مثل: الزّهريّ ومكحول والأوزاعي والثّوريّ واللّيث بن سعد ...] ثمّ عدّد كلّ الطين ساق أقوالهم في كتابه هذا في إثبات الصّفات لله تعالى، ثمّ قال واصفا هؤلاء الذين نقل عنهم :
[الذين هم قلب اللّبّ، ونقاوة الأمة في كل عصر، وهو متبع غير سبيل المؤمنين. لكن أكثر المخالفين لا يعتبرون بذلك، فإنّهم لعلّ أكثرهم لا يعرف عامة هؤلاء الأئمة المذكورين، فضلا عن معرفة أقوالهم، ونقولهم إجماع الصحابة والتابعين على ذلك.

وربّما يجيء الشخص قاصدا الاستغفار، فيقول بعضهم: لو اشتغلت في أصول الدين فإنه يجب عليه معرفة الله بالدليل. فيطيعه، ويواظب حلقة واحدٍ منهم، فيحذره من التّشبيه والتّجسيم، ويقول له: إن الحنابلة مجسّمة، وهم يقولون: لله يد، وأنّه في السماء ـ تعالى الله عن ذلك ـ فينفّره [ . . . ] من حب أبي بكر وعمر حبّي . . . [ ... ] الصفات فما ينظر في قول مثبتها [ إلّا . . . ، وإلّا حنقا ] عليهم، ولا ينصف إن ناظر، ولا يحقق البصر إن نظر، فهو معذور من كونه نافيا عن الله التّجسيم، وغير معذور لكونه ما أمعن النظر حتى يعلم أن ليس يلزم من إثبات صفاته شيء من إثبات التّشبيه والتّجسيم، فإن التّشبيه إنما يقال: يد كيدنا ... وأمّا إذا قيل: يد لا تشبه الأيدي، كما أنّ ذاته لا تشبه الذوات، وسمعه لا يشبه الأسماع، وبصره لا يشبه الأبصار، ولا فرق بين الجميع فإن ذلك تنزيه].

أمّا الإسرائيليات، فما دَخْلُهَا ها هنا؟، وأنت تعلم ما عليه السّلف ومن ينتسب إليهم من شدّة التّثبت في النّقل، واعتماد ما صحّ فقط، فكيف ترميهم بالأخذ بالإسرائيليات.

أمّا الكراميّة فهي من فرق البدع، ولا علاقة لها بالسّلف الصّالح.
أمّا شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله تعالى فهو من العلماء الأفذاذ الصلحاء المعتبرين في الأمّة، وتفصيل الكلام على ذلك يأتي موضعه، حيث تناوله صاحب البلاء بالكلام عليه.

ولنبدأ الآن في تحرير الكلام الذي نقله صاحب البلاء عن غيره.
أوّلا: كلام الإمام عبد الله بن وهب المصريّ:
قال كنّا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ كيف استوى؟ قال : فأطرق مالك وأخذته الرّحضاء، ثمّ رفع رأسه فقال : [ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه ]، قال : فأخرج[81].

فهل في هذا الكلام نفي للكيفيّة، أم نفي للعلم بالكيفيّة؟ إذ أثبت لله تعالى صفة الاستواء كما وصف نفسه تعالى؛ قال [كما وصف نفسه]، بماذا وصف نفسه؟ وصفها بالاستواء، لكن كيف استوى؟ هذا لا يجوز أن نسأله لأنّه لا علم لنا به، وقد سبق تقرير ذلك فيما نقلناه من كلام العلماء سابقا.
فلا يقال: كيف، لأنّ الكيف عنه مرفوع، لا يعلمه أحد إلّا الله تعالى، وفي النّقول المذكورة سابقا ما يدلّ لذلك.

ونزيد تدليلا ـ على ذلك ـ تلك الروايات الأخرى لهذا الأثر التي أغفلها مؤلّف الكتاب، ولم يذكرها، ولا أدري لماذا لم يذكرها، مع أنّ تلك الرّوايات أشهر بكثير من هذه التي نقلها، وهي معلومة عند صغار الطلبة، والتي نصّها أنّ الإمام مالك رحمه الله تعالى سئل ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟
فقال رحمه الله تعالى: [ الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسّؤال عنه بدعة، وما أراك إلّا مبتدعا ]، فأمر به أن يخرج[82].
وبلفظ آخر [الكيف منه غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسّؤال عنه بدعة][83]، وبلفظ [ استواؤه معقول وكيفيّته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء][84]، وبلفظ [ سألت عن غير مجهول وتكلّمت في غير معقول إنّك امرؤ سوء ] فأخذوا بضبعيه فأخرجوه[85].

فهل هنا نفي الكيفيّة مطلقا، أم نفى العلم بالكيفيّة؟ أرجو أن تتمعّن في الأثر، فإنّه ظاهر المعنى في نفي العلم بالكيفيّة، وهذا قد أوضحته فيما سقته من أقاويل السّلف الصّالح عليهم جميعا رحمة الله تعالى.

انظر إلى قوله (الكيف غير معقول) وقوله (وكيفيّته مجهولة) أي لا نعلمها.
وأُوَضِّحُ ذلك أكثر بما أنقله من كلام بعض الأئمّة تعليقا وتوضيحا لهذ الأثر.
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى :[ ... وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ، لَوْ كَانَ فِي مَكَانٍ لَأَشْبَهَ الْمَخْلُوقَاتِ لَأَنَّ مَا أَحَاطَتْ بِهِ الْأَمْكِنَةُ وَاحْتَوَتْهُ مَخْلُوقٌ، فَشَيْءٌ لَا يَلْزَمُ، وَلَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا يُقَاسُ بِشَيْءٍ مِنْ بَرِيَّتِهِ، لَا يُدْرَكُ بِقِيَاسٍ، وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، كَانَ قَبْلَ كُلِّ شيء، ثم خلق الأمكنة والسموات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَقَدْ قَالَ الْمُسْلِمُونَ وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ أَنَّهُ لَا يَعْقِلُ كَائِنٌ لَا فِي مَكَانٍ مِنَّا، وَمَا لَيْسَ فِي مَكَانٍ فَهُوَ عَدَمٌ. وَقَدْ صح في الْمَعْقُولِ وَثَبَتَ بِالْوَاضِحِ مِنَ الدَّلِيلِ، أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَزَلِ لَا فِي مَكَانٍ، وَلَيْسَ بِمَعْدُومٍ. فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ؟ أَوْ يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ تَمْثِيلٌ أَوْ تَشْبِيهٌ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا الَّذِي لَا يَبْلُغُ مِنْ وَصْفِهِ إِلَّا إِلَى مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ نَبِيُّهُ وَرَسُولُهُ، أَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ الْحَنِيفِيَّةُ عَنْهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنَّا وَصَفْنَا رَبَّنَا أَنَّهُ كَانَ لَا فِي مَكَانٍ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَمَاكِنَ، فَصَارَ فِي مَكَانٍ، وَفِي ذَلِكَ إِقْرَارٌ مِنَّا بِالتَّغْيِيرِ وَالِانْتِقَالِ، إِذْ زَالَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْأَزَلِ، وَصَارَ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ. قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ زَعَمْتَ أَنْتَ أَنَّهُ كَانَ لَا فِي مَكَانٍ وَانْتَقَلَ إِلَى صِفَةٍ، هِيَ الْكَوْنُ فِي كُلِّ مَكَانٍ. فَقَدْ تَغَيَّرَ عِنْدَكَ مَعْبُودُكَ، وَانْتَقَلَ مَنْ لَا مَكَانَ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ. وَهَذَا لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ، لِأَنَّهُ إِنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الْأَزَلِ فِي كُلِّ مَكَانٍ كَمَا هُوَ الْآنَ، فَقَدْ أَوْجَبَ الْأَمَاكِنَ وَالْأَشْيَاءَ مَوْجُودَةً مَعَهُ فِي أَزَلِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ عِنْدَكَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ لَا مَكَانَ فِي الْأَزَلِ إِلَى مَكَانٍ؟ قِيلَ لَهُ: أَمَّا الِانْتِقَالُ وَتَغَيُّرُ الْحَالِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى إِطْلَاقِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي الْأَزَلِ لَا يُوجِبُ مَكَانًا، وَكَذَلِكَ نَقْلُهُ لَا يُوجِبُ مَكَانًا. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كَالْخَلْقِ لِأَنَّ كَوْنَ مَا كَوْنُهُ يُوجِبُ مَكَانًا مِنَ الْخَلْقِ وَنَقْلَتُهُ تُوجِبُ مَكَانًا، وَيَصِيرُ مُنْتَقِلًا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ كَذَلِكَ، لأنه في الأزل غير كَائِنٍ فِي مَكَانٍ، وَكَذَلِكَ نَقْلَتُهُ لَا تُوجِبُ مَكَانًا. وَهَذَا مَا لَا تَقْدِرُ الْعُقُولُ عَلَى دَفْعِهِ. وَلَكِنَّا نَقُولُ: اسْتَوَى مِنْ لَا مَكَانَ إِلَى مَكَانٍ، وَلَا نَقُولُ انْتَقَلَ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ وَاحِدًا. أَلَا تَرَى أَنَّا نقول له العرش، وَلَا نَقُولُ لَهُ سَرِيرٌ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. وَنَقُولُ هُوَ الْحَكِيمُ، وَلَا نَقُولُ هُوَ الْعَاقِلُ، وَنَقُولُ خَلِيلُ إِبْرَاهِيمَ، وَلَا نَقُولُ صَدِيقُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدًا. لَا نُسَمِّيهِ وَلَا نَصِفُهُ وَلَا نُطْلِقُ عَلَيْهِ إِلَّا مَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ مِنْ وَصْفِهِ لِنَفْسِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَلَا نَدْفَعُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، لِأَنَّهُ دَفْعٌ لِلْقُرْآنِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ وَلَيْسَ مَجِيئُهُ حَرَكَةً وَلَا زَوَالًا وَلَا انْتِقَالًا، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الْجَائِي جِسْمًا أَوْ جَوْهَرًا فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ، لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَجِيئُهُ حَرَكَةً وَلَا نَقْلَةً وَلَوِ اعْتَبَرْتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ جَاءَتْ فُلَانًا قِيَامَتُهُ وَجَاءَهُ الْمَوْتُ وَجَاءَهُ الْمَرَضُ وَشِبْهُ ذَلِكَ. مِمَّا هُوَ مَوْجُودٌ نَازِلٌ بِهِ وَلَا مَجِيءَ لَبَانَ لَكَ، وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَوِيًا عَلَى مَكَانٍ إِلَّا مَقْرُونًا بِالتَّكْيِيفِ. قِيلَ: قَدْ يَكُونُ الِاسْتِوَاءُ وَاجِبًا، وَالتَّكْيِيفُ مُرْتَفِعٌ. وَلَيْسَ رَفْعُ التَّكْيِيفِ يُوجِبُ رَفْعَ الِاسْتِوَاءِ. وَلَوْ لَزِمَ هَذَا لَزِمَ التَّكْيِيفُ فِي الْأَزَلِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَائِنٌ فِي لَا مَكَانٍ إِلَّا مَقْرُونًا بِالتَّكْيِيفِ. وَقَدْ عَقِلْنَا وَأَدْرَكْنَا بِحَوَاسِّنَا أَنَّ لَنَا أَرْوَاحًا فِي أَبْدَانِنَا، وَلَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ. وَلَيْسَ جَهْلُنَا بِكَيْفِيَّةِ الْأَرْوَاحِ يُوجِبُ أَنْ لَيْسَ لَنَا أَرْوَاحٌ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ جَهْلُنَا بِكَيْفِيَّةٍ[86] عَلَى عَرْشِهِ يُوجِبُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عَرْشِهِ ...][87]. سبحان الله تعالى كلام في غاية الوضوح، ما يحتاج إلى مزيد، وحقّ أن يقال هنا
وهل يصحّ في الأذهان شيء *** إذا احتاج النّهار إلى دليل
وقال الإمام الذّهبيّ :[ ... هَذَا ثَابت عَن مَالك، وَتقدم نَحوه عَن ربيعَة شيخ مَالك، وَهُوَ قَول أهل السّنة قاطبة، أَن كَيْفيَّة الاسْتوَاء لَا نعقلها بل نجهلها، وَأَن استواءه مَعْلُوم كَمَا أخبر فِي كِتَابه، وَأَنه كَمَا يَلِيق بِهِ، لَا نعمق وَلَا نتحذلق، وَلَا نَخُوض فِي لَوَازِم ذَلِك نفيا وَلَا إِثْبَاتًا، بل نسكت ونقف، كَمَا وقف السّلف. ونعلم أَنه لَو كَانَ لَهُ تَأْوِيل لبادر إِلَى بَيَانه الصَّحَابَة والتابعون، وَلما وسعهم إِقْرَاره وإمراره، وَالسُّكُوت عَنهُ. ونعلم يَقِينا مَعَ ذَلِك أَن الله جلّ جَلَاله لَا مثل لَهُ فِي صِفَاته وَلَا فِي استوائه وَلَا فِي نُزُوله، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا ... ][88].

وقال الإمام أبو عثمان الصّابونيّ :[ وسئل أبو علي الحسين بن الفضل البجليّ[89] عن الاستواء، وقيل له: كيف استوى؟ فقال: أنا لا أعرف من أنباء الغيب إلّا مقدار ما كشف لنا، وقد أعلمنا جلّ ذكره أنّه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيف استوى ][90].

ثانيا: قول الإمام التّرمذيّ رحمه الله تعالى:
[ وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي نُزُولِ الرَّبِّ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ونحوه: قَدْ ثبتت الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا فنُؤْمِنُ بِه، وَلَا يُتَوَهَّمُ وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ.
هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَمِرُّوهَا بِلَا كَيْفٍ. وَهَكَذَا قَوْلُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ].

هذه هي العبارة التي نقلها صاحب الكتاب.
لكن عبارة الإمام التّرمذيّ بتمامها ـ وقد نقلتها سابقا ـ كالتّالي:
قال الإمام التّرمذيّ رحمه الله تعالى ـ بعد أن روى حديثا في فضل الصّدقة، وأنّ الله تعالى "يأخذ الصّدقة بيمينه..." الحديث ـ: [وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي هَذَا الحَدِيثِ وَمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنَ الرِّوَايَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ، وَنُزُولِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالُوا: قَدْ ثبتت الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا وَيُؤْمَنُ بِهَا وَلَا يُتَوَهَّمُ وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ؟ ... ][91].

فهذه عبارة الإمام التّرمذيّ رحمه الله تعالى، وبينها وبين العبارة التي نقلها المؤلّف فوارق كثيرة وكبيرة جدا، نشير إليها:
1 ـ سقط منها قول الإمام التّرمذيّ رحمه الله تعالى [فِي هَذَا الحَدِيثِ وَمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنَ الرِّوَايَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ]، وقد راجعت إحدى عشرة طبعة للسنن أو مع شرحها، فوجدتها كلّها قد أثبتت هذه الزّيادة، فلا أدري كيف سقطت في طبعة المؤلّف، علما أنّ هذ السّقط في وسط الكلام، ليس في أوّله أو في آخره، حتّى يقال لعلّه تركه على أنّه لا يتّصل بمعنى البحث الذي أراد نقله.

ثمّ إنّ علاقته بالبحث وطيدة شديدة أكيدة، حيث تعليق الإمام التّرمذيّ على حديث يتضمّن إثبات صفة اليمين لله تبارك وتعالى، فهو يتكلّم على هذه الصّفة وأنّنا نؤمن بها ولا نتوهّم ولا نقول: كيف، إذاً نثبتها ولا نبحث عن كيفيّتها، لأنّ ذلك لا سبيل إليه أبدا، لأنّ الله تعالى استأثر بعلم ذلك في علم الغيب عنده. ثمّ أشار إلى أنّ القاعدة مطّردة في كلّ الصّفات.

ثمّ إنّ ممّا يثير الانتباه كذلك عدم ذكر المؤلّف لتتمّة كلام الإمام التّرمذيّ رحمه الله تعالى، وهو مهمّ جدّاً في البحث، وقد نقلته سابقا برمّته، وها أنا ذا أعيد نقله، فليقرأه القارئ بتمعّن فإنّ فيه ما يتعلّق بالبحث الذي نحن بصدده، قال الإمام التّرمذيّ في تتمّة كلامه بعد ما نقله المؤلّف [...، قَالُوا: قَدْ ثبتت الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا وَيُؤْمَنُ بِهَا وَلَا يُتَوَهَّمُ وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ؟ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ: أَمِرُّوهَا بِلَا كَيْفٍ. وَهَكَذَا قَوْلُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ]. هذا ما نقله المؤلّف، وبعده مباشرة تتمّة كلام الإمام التّرمذيّ، وهي:
[وَأَمَّا الجَهْمِيَّةُ فَأَنْكَرَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَقَالُوا: هَذَا تَشْبِيهٌ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابهِ اليَدَ وَالسَّمْعَ وَالبَصَرَ، فَتَأَوَّلَتِ الجَهْمِيَّةُ هَذِهِ الآيَاتِ فَفَسَّرُوهَا عَلَى غَيْرِ مَا فَسَّرَ أَهْلُ العِلْمِ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ آدَمَ بِيَدِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ مَعْنَى اليَدِ هَاهُنَا القُوَّةُ. وقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: " إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ إِذَا قَالَ: يَدٌ كَيَدٍ، أَوْ مِثْلُ يَدٍ، أَوْ سَمْعٌ كَسَمْعٍ، أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ، فَإِذَا قَالَ: سَمْعٌ كَسَمْعٍ، أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ، فَهَذَا التَّشْبِيهُ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَدٌ، وَسَمْعٌ، وَبَصَرٌ، وَلَا يَقُولُ كَيْفَ، وَلَا يَقُولُ مِثْلُ سَمْعٍ، وَلَا كَسَمْعٍ، فَهَذَا لَا يَكُونُ تَشْبِيهًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابهِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: 11] ][92].

فهل يفهم من كلام الإمام التّرمذيّ هذا أنّه ينفي الكيفيّة، أم أنّ النّفي للعلم بالكيفيّة؟ أرى ـ والله تعالى أعلم ـ الأمر جليّا واضحا جدّاً.

ثمّ اقرأ كلاما آخر للإمام التّرمذيّ نفسه في "السّننّ كذلك، وقد سبق نقله أيضا، قال ـ رحمه الله تعالى ـ بعد أن روى حديثا في بيان خلود أهل الجنّة في الجنّة وخلود أهل النّار في النّار، وأنّ الله يضع قدمه فيها، أي في النّار، ...، الحديث ـ [ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِثْلُ هَذَا مَا يُذْكَرُ فِيهِ أَمْرُ الرُّؤْيَةِ أَنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ وَذِكْرُ القَدَمِ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ. وَالمَذْهَبُ فِي هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ الأَئِمَّةِ مِثْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ رَوَوْا هَذِهِ الأَشْيَاءَ، ثُمَّ قَالُوا: تُرْوَى هَذِهِ الأَحَادِيثُ وَنُؤْمِنُ بِهَا، وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ؟ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ الحَدِيثِ أَنْ يَرْوُوا هَذِهِ الأَشْيَاءُ كَمَا جَاءَتْ وَيُؤْمَنُ بِهَا وَلَا تُفَسَّرُ وَلَا تُتَوَهَّمُ وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ، وَهَذَا أَمْرُ أَهْلِ العِلْمِ الَّذِي اخْتَارُوهُ وَذَهَبُوا إِلَيْهِ][93].

ثالثا: كلام الإمام الأوزاعي وسفيان بن عيينة:
وقد سبق الكلام عليه في مقدمة البحث وبيان أنّ المقصود (من غير كيف) و( لا مثل ولا كيف)، هو إثبات للصّفة من غير تعرّض للكيفيّة، لا أنّ المراد هو نفي الكيفيّة، وما سقناه من نقول أئمّة السّنّة واضح في ذلك، وقد عيّنت الكلام الذي يدلّ على ذلك، فما معنى قول الإمام مالك رحمه الله تعالى ( الكيف غير معقول ) و( الكيف مجهول)، وقول الإمام الشّافعيّ رحمه الله تعالى ( وأنّ الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأنّ الله تعالى ينزل إلى السّماء الدّنيا كيف شاء )، كيف شاء هو سبحانه وتعالى، لا نعلمها نحن.

وما معنى قول الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى [ أَنَّا نُثْبِتُ لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ، نُقِرُّ بِذَلِكَ بِأَلْسِنَتِنَا، وَنُصَدِّقُ ذَلِكَ بِقُلُوبِنَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ نُشَبِّهَ وَجْهَ خَالِقِنَا بِوَجْهِ أَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، عَزَّ رَبُّنَا عَنْ أَنْ يُشْبِهَ الْمَخْلُوقِينَ، وَجَلَّ رَبُّنَا عَنْ مَقَالَةِ الْمُعَطِّلِينَ، وَعَزَّ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا كَمَا قَالَهُ الْمُبْطِلُونَ، لِأَنَّ مَا لَا صِفَةَ لَهُ عَدَمٌ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَهْمِيُّونَ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ صِفَاتِ خَالِقِنَا الَّذِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ].

وما معنى قوا الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى: [أهل السنة مجموعون عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورة ...]. وقال كذلك: [الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَالتَّصْدِيقُ بِذَلِكَ وَتَرْكُ التَّحْدِيدِ وَالْكَيْفِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ]، وقال: [كُلُّهُمْ يَقُولُ يَنْزِلُ وَيَتَجَلَّى وَيَجِيءُ بِلَا كَيْفٍ، لَا يَقُولُونَ: كَيْفَ يَجِيءُ؟ وَكَيْفَ يَتَجَلَّى؟ وَكَيْفَ يَنْزِلُ؟ وَلَا مِنْ أَيْنَ جَاءَ؟ وَلَا مِنْ أَيْنَ تَجَلَّى؟ وَلَا مِنْ أَيْنَ يَنْزِلُ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَتَعَالَى عَنِ الْأَشْيَاءِ وَلَا شَرِيكَ لَهُ].

وما معنى قول الإمام ابن الماجشون رحمه الله تعالى: [فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ].

وما معنى قول الإمام الإسماعيليّ: [... خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء، بلا اعتقاد كيف، وأنّه استوى على العرش بلا كيف، فإنّ الله تعالى أنهى إلى أنّه استوى على العرش، ولم يذكر كيف كان استواءه ...].

وما معنى كلام الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى: [هذه أحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حقّ لا نشكّ فيها، ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضحك؟ قلنا: لا يفسّر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسّره].

وما معنى قول الإمام العمرانيّ رحمه الله تعالى: [كما آمنا وصدقنا بإثبات الذات من غير تكييف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بما يجوز على الله من الصفات، وكذلك الصحابة - رضي الله عنهم -، فإذا سكتوا عن تفسير هذه الصفات وتأويلها وسعنا ما وسعهم].

وما معنى قول الإمام ابن أبي زمنين رحمه الله تعالى: [لَمْ تَرَهُ اَلْعُيُونُ فَتَحُدَّهُ كَيْفَ هُوَ كَيْنُونِيَّتُهُ، لَكِنْ رَأَتْهُ اَلْقُلُوبُ فِي حَقَائِقِ اَلْإِيمَانِ بِهِ].

لم تره العيون فتحدّه كيف هو، فكيفيّته ثابتة لا يعلمها إلّا هو سبحانه وتعالى، ولا يحيطون به علما، تبارك وتعالى وتقدّس.

وقال كذلك: [وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ: أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ اَلْعَرْشَ وَاخْتَصَّهُ بِالْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ فَوْقَ جَمِيعِ مَا خَلَقَ، ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ].
ثمّ نقل الإمام ابن أبي زمنين عن ابن وضّاح سؤاله لابن عديّ عن النّزول فقال: [: نَعَمْ: أُقِرُّ بِهِ وَلَا أَحُدُّ حَدًّا، وَسَأَلْتُ عَنْهُ اِبْنَ مَعِينٍ فَقَالَ: نَعَمْ، أُقِرُّ بِهِ وَلَا أَحُدُّ فِيهِ حَدًّا].
ثمّ كلام السّلف الذي نقلناه صريح في إثبات الصّفات لله تعالى، من غير كيف، وبلا كيف.

فهل إثبات هذه الصّفات إثبات وجود أم لا؟ الجواب: نعم، إثبات وجود.
فهل تعلم كيفيّة هذه الصّفات أم لا؟ الجواب: لا، لا تعلم كيفيّة هذه الصّفات.
فإن قلت: بل لا توجد لها كيفيّة.

فهذا نفي للصّفات، وجحد لها، وهو القول الذي ردّه أئمّة السّلف، وقد نقلناه قريبا عن إسحاق بن راهويه وابن خزيمة، وغيرهما رحمة الله تعالى على الجميع.

رابعا: الأثر عن أمّ سلمة رضي الله عنها:
الأثر قد سبق ذكره من طريق الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ الإمام مالك، وكذا عن الإمام مالك بن أنس رحمة الله على الجميع.
والأسانيد عنهما من طرق صحيحة.

أمّا هذا الطريق المرويّ عن أمّ سلمة رضي الله عنها، فلا يثبت من النّاحيّة الحديثيّة، فقد أخرجه اللالكائي[94] في "شرح أصول اعتقاد أهل السّنّة والجماعة" (3/440ـ 441 رقم 663)، ومن طريقه الإمام موفّق الدّين أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسيّ في كتابه " صفة العلو لله الواحد القهّار" (71 ـ 72)، ومن طريق المقدسيّ رواه الإمام الذّهبيّ في "العلوّ للعليّ الغفّار" (80 ـ 81)، ورواه أبو عثمان الصّابوني في "عقيدة السّلف وأصحاب الحديث " (23 ـ 24 رقم 11) من طريق محمد بن عمر بن كبيشة ـ أبو يحيى النهدي[95] ـ بالكوفة في جبانة سالم قال حدّثنا أبو كنانة محمد بن أشرس الأنصاري قال ثنا أبو عمير الحنفي[96] عن قرّة ابن خالد عن الحسن عن أمّه عن أمّ سلمة رضي الله عنها، فذكرته.
وهذا إسناد ضعيف من أجل أبي كنانة محمد بن أشرس، قال الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى : [ له مناكير، ليس بشيء ][97]. وكذلك محمد بن عمر بن كبيسة، لا يعرف. وأسنده الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى من طريق أبي محمد المقدسيّ، وهو من طريق اللالكائي، وقال الذّهبيّ رحمه الله :[ فَأَمَّا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَلا يَصِحُّ لأَنَّ أَبَا كِنَانَةَ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَأَبُو عُمَيْرٍ لَا أَعْرِفُهُ][98].

والمقصود هنا بيان كون هذا الأثر من النّاحيّة الحديثيّة لا يثبت عن أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، لكن لا يعني عدم ثبوته عنها، أنّه غير ثابت عن غيرها، فقد أوردنا طرقه عن الإمام ربيعة شيخ مالك وعن الإمام مالك كذلك رحمة الله تعالى على الجميع.

لكن ها هنا أمر استوقفني حقيقة، وهو ذكر المؤلّف أثر أمّ سلمة بصيغة فيها تغيير. وقد كنت أشرت سابقا إلى كون المؤلّف ذكر أثر الإمام مالك من طريق ابن وهب، وأغفل الطّرق الأخرى التي فيها إيضاح أكثر لمذهب السّلف، وقد سبق إيضاح ذلك.

ثمّ هو هنا ذكر أثر أمّ سلمة رضي الله عنها بلفظ [الكيف مجهول والإيمان به واجب والسّؤال عنه بدعة والبحث عنه كفر].

والعبارة عند اللالكائي والصّابوني والمقدسيّ والذّهبيّ وكذا فيما ذكره الحافظ ابن حجر رحمة الله على الجميع، :[ الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به واجب والجحود به كفر].

والمؤلّف قد عزا النقل للإمام اللالكائي رحمه الله تعالى، وذكر أنّ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أشار إليه، والأثر عندهما باللّفظ الذي أوردته، فلا أدري من أين نقل المؤلّف هذا الأثر؟ والله المستعان.
وأظنّ الفوارق بين النّقلين ظاهر جدّاً.

فنقل المؤلّف (الكيف مجهول) والأثر جاء بلفظ (الكيف غير معقول)، ومعنى غير معقول لنا، أي لا يمكن أن نعقله، لأنّه من الغيب الذي لا يمكن إدراكه.
نعم، جاء الأثر من طريق عبد الله بن نافع عن الإمام مالك رحمه الله تعالى بلفظ: [استواؤه معقول، وكيفيّته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل بدعة]. والمراد أنّ الكيف مجهول لنا، لا ندركه ولا نعقله. لكن ليس هذا في أثر أمّ سلمة رضي الله عنها.

أمّا لفظة (والاستواء غير مجهول) فقد سقطت عند المؤلّف، كما أنّه لم يذكر لفظ مالك الذي فيه هذه العبارة سابقا.
والعبارة (الاستواء غير مجهول) أي معلوم المعنى، كما جاء في روايات (معلوم)، وهذا يدلّ على إثبات معناه وسيأتي البحث فيه لاحقا.

ثمّ ذكر المؤلّف (الإيمان به واجب) واللفظة عندهم (والإقرار به واجب).
وزاد المؤلّف (والسّؤال عنه بدعة)، وليست عندهم من هذا الطريق عن أمّ سلمة رضي الله عنها.

ثمّ ذكر لفظة (والبحث عنه كفر) وعندهم عبارة (والجحود به كفر).
فالمعنى جحود الاستواء كفر، هذا مدلول هذا الأثر.
فلا أدري ما الذي حمل المؤلّف على هذا التّصرف غير المرضيّ ـ والتّصرّف في نقل كلام غيرك كلّه غير مرضيّ ـ .

هذه العبارة التي لم يذكرها المؤلّف (الاستواء غير مجهول) واضحة في الدّلالة على إثبات الاستواء، كما هي عقيدة السّلف الصّالح، على خلاف ما يحاول المؤلّف أن يؤكّده.

ولا يظهر لي سبب مقنع يتسبّب به المؤلّف لإسقاط هذه العبارة، إلّا أنّها تشكل على ما يحاول إثباته، لكن البحث الحقّ ها هنا يُلْزِمُهُ أن يذكرها ويجيب عنها علميّاً، فإن أعجزه ذلك سلّم لما دلّت عليه من المعنى، والرّجوع إلى الحقّ فضيلة، لا منقصة فيها ولا فضيحة.

نسأل الله تعالى العليّ في سمائه، المحيط بنا بعلمه وسلطانه، أي يرينا الحقّ حقّا ويرزقنا اتّباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

خامسا: كلام أبي عثمان الصّابوني رحمه الله تعالى:
ذكر منه [... إذ الكيفيّة عن صفات ربّنا منفيّة].
والحقيقة أنّ الكلام له سابق ولاحق متعلّق به، كان ينبغي إيراده، وها أنا أنقله برمّته، ولنتفهّم معناه:
[وَهَذِه وَصيته وَقد وجدت بهَا بِدِمَشْق عِنْد دُخُوله إِلَيْهَا حَاجا، هَذَا مَا أوصى بِهِ إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي...] ذكر شهادته الشّهادتين وأمورا أخرى من أصول الإيمان، ثمّ قال:
[ وَيشْهد أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مستو على عَرْشه اسْتَوَى عَلَيْهِ كَمَا بَينه فِي كِتَابه فِي قَوْله تَعَالَى {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} وَقَوله {اسْتَوَى على الْعَرْش الرَّحْمَن فاسأل بِهِ خَبِيرا} فِي آيَات أخر، وَالرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا ذَكَرَه فِيمَا نُقِل عَنهُ، من غير أَن يكيف استواءه عَلَيْهِ، أَو يَجعله لفعله، وفهمه، أَو وهمه سَبِيلا إِلَى إِثْبَات كيفيته، إِذْ الْكَيْفِيَّة عَن صِفَات رَبنَا منفية.

قَالَ إِمَام الْمُسلمين فِي عصره أَبُو عبد الله مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ، فِي جَوَاب من سَأَلَهُ عَن كَيْفيَّة الاسْتوَاء (الاسْتوَاء مَعْلُوم ، والكيف مَجْهُول، وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب، وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة، وأظنك زنديقا، أَخْرجُوهُ من الْمَسْجِد)
وَيشْهد أَن الله تَعَالَى مَوْصُوف بِصِفَات العلى، الَّتِي وصف بهَا نَفسه فِي كِتَابه، وعَلى لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا، لَا يَنْفِي شَيْئا مِنْهَا وَلَا يعْتَقد شبها لَهُ بِصِفَات خلقه، بل يَقُول: إِن صِفَاته لَا تُشبه صِفَات المربُوبين، كَمَا لَا تشبه ذَاتُه ذَوَاتِ الْمُحدَثين، تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول المعطلة، والمشبهة علوا كَبِيرا.
ويسلك فِي الْآيَات الَّتِي وَردت فِي ذكر صِفَات البارئ جلّ جَلَاله، وَالْأَخْبَار الَّتِي صحت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَابهَا، كآيات مَجِيء الرب يَوْم الْقِيَامَة، وإتيان الله فِي ظلل من الْغَمَام، وَخلق آدم بِيَدِهِ،
واستوائه على عَرْشه، وكأخبار نُزُوله كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا، والضحك، والنجوى، وَوضع الكنف على من يناجيه يَوْم الْقِيَامَة، وَغَيرهَا، مَسْلَك السّلف الصَّالح، وأئمة الدّين، من قبُولهَا، وروايتها على وَجههَا، بعد صِحَة سندها، وإيرادها على ظَاهرهَا، والتصديق بهَا، وَالتَّسْلِيم لَهَا، واتقاء اعْتِقَاد التكييف، والتشبيه فِيهَا، وَاجْتنَاب مَا يُؤَدِّي إِلَى القَوْل بردّهَا، وَترك قبُولهَا، أَو تحريفها بِتَأْوِيل يستنكر، وَلم ينزّل الله بِهِ سُلْطَانا، وَلم يجر بِهِ للصحابة وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَف الصَّالِحين لِسَان. ...][99] الخ وصيّته رحمه الله تعالى.

فقوله (من غير أن يكيّف استواءه عليه) أي لا يكيّف، لا يقول: كيفيّة استوائه كذا وكذا.
وقوله (أو يجعل لفعله وفهمه، أو وهمه سبيلا إلى إثبات كيفيّته، إذ الكيفيّة عن صفات ربّنا منفيّة). أي ما يثبته من الصّفات، لا يجعل لفعله أو ما فهمه أو ما توهّمه، لا يجعل من ذلك سبيلا إلى أن يدّعي لصفات الله تعالى كيفيّة.
لِمَ؟ لأنّ (الكيفيّة عن صفات ربّنا منفيّة) أي لا يعلمها إلّا هو سبحانه وتعالى.
ولذلك قال (لَا يَنْفِي شَيْئا مِنْهَا وَلَا يعْتَقد شبها لَهُ بِصِفَات خلقه، بل يَقُول: إِن صِفَاته لَا تُشبه صِفَات المربُوبين، كَمَا لَا تشبه ذَاتُه ذَوَاتِ الْمُحدَثين، تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول المعطلة، والمشبهة علوا كَبِيرا).

وقال (من قبُولهَا، وروايتها على وَجههَا، بعد صِحَة سندها، وإيرادها على ظَاهرهَا، والتصديق بهَا، وَالتَّسْلِيم لَهَا، واتقاء اعْتِقَاد التكييف، والتشبيه فِيهَا، وَاجْتنَاب مَا يُؤَدِّي إِلَى القَوْل بردّهَا، وَترك قبُولهَا، أَو تحريفها بِتَأْوِيل يستنكر، وَلم ينزّل الله بِهِ سُلْطَانا، وَلم يجر بِهِ للصحابة وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَف الصَّالِحين لِسَان).

وانظر قوله إلى (على ظاهرها، والتّصديق بها، والتّسليم لها، واتّقاء اعتقاد التّكييف، والتّشبيه، ...)، وانظر إلى كلامك وأنت تنتقد مخالفوك تقول ( أمّا الحشويّة فيثبتون المعنى وهو اللّفظ الظّاهر المتبادر إلى عقولهم ويزعمون جهل الكيف)، فكلامك هذا ردّ ـ في الحقيقة ـ على الإمام الصّابوني نفسه.

فأنت ذكرت كلامه لتنقد به نفس كلامه، أَلَمْ تَنْتَبِه لهذا؟
ثمّ أين نفي الكيف وأنّه ليس للصّفات كيفيّة، وأين دعوى أنّ ما يقوله مخالفوك ليس هو من عقيدة السّلف، وهم إنّما يقولون عين ما يقوله هؤلاء الأئمّة من السّلف، وخير دليل ما نقلناه عن غير واحد منهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

ثمّ أقول: هذا كلام الإمام الصّابوني ننقله من كتابه "عقيدة السّلف وأصحاب الحديث"، وهو ظاهر في تقرير عقيدة السّلف الصّالح التي مضمونها إثبات الصّفات على ظاهرها على ما تقتضيه لغة العرب مع تفويض كيفيّتها إلى الله تبارك وتعالى. قال رحمه الله تعالى:
[ قال الشيخ أبو عثمان: قلت وبالله التّوفيق: إنّ أصحاب الحديث المتمسّكين بالكتاب والسّنّة حفظ الله أحياءهم ورحم أمواتهم يشهدون لله تعالى بالوحدانيّة، وللرّسول ﷺ بالرّسالة والنّبوّة، ويعرفون ربّهم عزّ وجلّ بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله ﷺ على ما وردت الأخبار الصّحاح به، ونقلته العدول الثّقات عنه، ويثبتون له جلّ جلاله منها ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله ﷺ ، ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنّه خلق آدم بيده، كما نصّ سبحانه عليه في قوله عزّ من قائل: ﴿ قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ ﴾[ ص/75] ، ولا يُحَرِّفُون الكلام عن مواضعه، بحمل اليدين على النعمتين أو القوّتين، تحريف المعتزلة والجهميّة أهلكهم الله، ولا يُكَيِّفُونَهُمَا بكيف، أو يُشَبِّهُونهما بأيدي المخلوقين، تشبيه المشبّهة خذلهم الله.

وقد أعاذ الله تعالى أهل السّنّة من التّحريف، والتّكييف، والتّشبيه، ومَنَّ عليهم بالتّعريف والتّفهيم، حتّى سلكوا سبيل التّوحيد والتّنزيه، وتركوا القول بالتّعليل والتّشبيه، واتّبعوا قول الله عزّ وجلّ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشّورى/ 11].

وكما ورد القرآن بذكر اليدين في قوله: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص/75]، وقوله ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [المائدة/64]، وردت الأخبار الصّحاح عن رسول الله ﷺ بذكر خبر اليد كخبر محاجّة موسى آدم.

وقوله له: "خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته"، ومثل قوله ﷺ "لا أجعل صالح ذرّيّة من خلقته بيدي كمن قلت له كن فكان" وقوله ﷺ "خلق الله الفردوس بيده".

وكذلك يقولون في جميع الصّفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصّحاح من السّمع، والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقوّة، والقدرة، والعزّة، والعظمة، والإرادة، والمشيئة، والقول، والكلام، والرّضا، والسّخط، والحياة، واليقظة، والفرح، والضحك، وغيرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قال الله تعالى، وما قال رسوله ﷺ من غير زيادة عليه، ولا إضافة إليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عمّا تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر، ويُجْرُونَهُ على الظّاهر، ويَكِلُونَ علمه إلى الله تعالى، ويقرّون بأنّ تأويله لا يعلمه إلّا الله، كما أخبر الله عن الرّاسخين في العلم أنّهم يقولونه في قوله تعالى :﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران/7].
وآيات الكتاب وأخبار الرّسول ﷺ الصّحيحة المنيرة النّاطقة بهذب الصّفات، وغيرها كثيرة يطول الكتاب بإحصائها، وذكر اتّفاق أئمّة الملة وعلمائها على صحّة تلك الأخبار الواردة بها، وأكثرها مخرج بالأسانيد الصّحيحة في كتاب "الانتصار" وشرطنا في أوّل الكتاب الاختصار والاقتصار على أدنى المقدار دون الإكثار برواية الأخبار، وذكر أسانيدها الصّحيحة عند نقلة الآثار، ومصنفي المسانيد الصّحاح الكبار][100].
ثمّ ذكر صفة الكلام لله تعالى، ثمّ ذكر صفة الاستواء، وأنّ السلف يثبتونها، وذكر الآيات في ذلك، فقال :[ وعلماء الأمّة وأعيان الأئمّة من السّلف رحمهم الله لم يختلفوا في أنّ الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته يثبتون له من ذلك ما أثبته الله تعالى ويؤمنون به، ويصدّقون الرّبّ جلّ جلاله في خبره، ويطلقون ما أطلقه الله سبحانه وتعالى من استوائه على العرش، ويُمِرُّونَهُ على ظاهره ويَكِلُون علمه إلى الله ويقولون:
﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران/7]. كما أخبر الله تعالى عن الرّاسخين في العلم أنّهم يقولون ذلك، ورضيه مهم فأثنى عليهم به][101].

ثمّ ذكر الأثر عن أمّ سلمة رضي الله عنها، وعن الإمام مالك رحمه الله تعالى. ثمّ ذكر قول أبي عليّ الحسين بن الفضل البجلي ـ لمّ سئل عن الاستواء، فقيل له: كيف استوى؟ ـ فقال :[ أنا لا أعرف من أنباء الغيب إلّا مقدار ما كشف لنا، وقد أعلمنا جلّ ذكره أنّه استوى على عرشه ولم يخبرنا كيف استوى][102].

فانظر كيف قال أنّ علماء الأمّة من السّلف يثبتون الصّفات وعدّدها، وأنّهم يجرونها على ظاهرها على ما تعرفه العرب من لغتها، من غير زيادة عليه، ولا إضافة إليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عمّا تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر.

ثمّ هو ذكر هنا صفة استوائه، ثمّ ذكر أنّ الأمّة متّفقة أنّ الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته، ممّا ينبيك أنّ معنى الاستواء هو عُلُوُّهُ تبارك وتعالى على عرشه، وسيأتي مزيد بيان لهذا عند الكلام على ذلك في موضعه.

سادسا: قول الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى:
ذكره المؤلّف [هذا الكلام إذا جرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفيّة والكيفيّة عن الله وصفاته منفيّة].

وتعليقي على هذا في نقاط ينبغي أن تنتبه لها أخي القارئ، حتّى يتبيّن لك الحقّ، إذ المقصود من هذه المناقشة هي ـ والله ـ الوصول إلى الحقّ، فهو مبتغى كلّ منصف.

1 ـ ينبغي لنا أن نعرف عقيدة الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى في باب الأسماء والصّفات، قال الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى :[ وقال الإمام أبو سليمان الخطّابي: ( مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها: إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، لأن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإن كان معلوما أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا تحديد وتكييف.

فلو قلت: يد، وسمع، وبصر، وما أشبهها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولسنا نقول إن معنى اليد: القوة والنعمة، ولا معنى السمع والبصر: العلم، ولا يقال: إنها جوارح وأدوات للفعل، ولا نشببها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح، ونقول: إنما وجب القول بإثبات هذه الصفات لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها، لأن الله لا يشبهه شيء قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، وعلى هذا جرى قول علماء السلف في أحاديث الصفات.

قلت: هذا كله كلام الخطّابيّ في كتاب «الغنية عن الكلام» له. وهو إمام كبير الشأن، خبير بالحديث، والفقه، وأقوال الأئمة. له كتاب «معالم السنن» وكتاب «الغريب» ، توفي بعد السبعين وثلاثمائة][103].

وكلامه هذا رحمه الله تعالى نحو كلام من سبق من أهل العلم، والذي يدلّ بوضوح على إثبات الصّفة على حقيقتها وظاهرها على ما تعرفه العرب من لغتها، كما قال الإمام الصّابوني ـ وقد سبق نقل كلامه قريبا ـ، وأمّا الكيفية فلا نعلمها، بل استأثر الله بها في علم الغيب عنده.

وانظر كلامه رحمه الله تعالى [إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، لأن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإن كان معلوما أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا تحديد وتكييف]. فقوله هنا: إذ الكلام في الصّفات فرع عن الكلام في الذّات، ويحتذى حذوه ومثاله، ـ ثمّ أوضح ـ أنّ إثبات الباري إثبات وجود لا إثبات كيفيّة، فهل يقال، نفي الكيفيّة، أي لا يوجد كيف، أم المراد أنّ الكيفيّة موجودة، ونحن لا نعلمها.

فالقول أن الكيفيّة لا وجود لها، هذا هو عين العدم، كما قال أئمّة السّلف، وقد سقنا في ذلك نقلا، وهو قول الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمة الله تعالى على الجميع: [ ... فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة لأنّه قد وصفه بصفة لا شيء ]. قول الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى: [ ... عَزَّ رَبُّنَا عَنْ أَنْ يُشْبِهَ الْمَخْلُوقِينَ، وَجَلَّ رَبُّنَا عَنْ مَقَالَةِ الْمُعَطِّلِينَ، وَعَزَّ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا كَمَا قَالَهُ الْمُبْطِلُونَ، لِأَنَّ مَا لَا صِفَةَ لَهُ عَدَمٌ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَهْمِيُّونَ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ صِفَاتِ خَالِقِنَا الَّذِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ...].

وهذا المعنى قد سبق تقريره من خلال ما نقلته من كلام الأئمّة، فأكتفي بما سبق نقله.

فهذا هو المذهب الإجمالي للإمام الخطّابي في باب الصّفات، لكن نراه رحمه الله تعالى عند التّفصيل قد نحا في بعض الصّفات منحى التّأويل، ولذلك فهو قد قرّر في الجملة مذهب السّلف كما سبق نقله، لكن جرى في بعض الصّفات على طريقة تأويلها.

ولا يستعجل القارئ منّي هذا، بل هو كلام العلماء، وسأورده لك ها هنا، حتّى يستقرّ فهمه على التّمام.
أمّا مذهبه على الإجمال فقد نقلت لك ما نقله عنه الإمام الذّهبيّ رحمة الله تعالى على الجميع. وقد ذكره الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى في كتابه الأربعين هذا الذي جمعه في الصّفات، حيث ذكر أحاديث الصّفات، ثمّ عطف على ذلك بكلام الأئمّة، ثمّ عطف بكلام الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى من باب موافقته لهم، وقد ذكر كلام أئمّة كُثُر، ممّن نقلنا عنهم سابقا، وممّا يستفاد من كلامهم التّقرير الذي ذكرناه في باب الصّفات.

وممّا نقله الإمام الذّهبيّ قبل نقله لكلام الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى، ما نقله عن الإمام ابن جرير الطّبري رحمه الله تعالى، قال: [وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب "التبصير في معالم الدين": " القول فيما أُدرك علمه من الصفات خبراً، نحو إخباره أنه سميع بصير، وأنّ له يدين بقوله: ﴿بل يداه مبسوطتان﴾، وأنّ له وجهاً بقوله:﴿ويبقى وجه ربك ﴾، وأنّ له قدماً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى يضع الربّ فيها قدمه». وأنه يضحك بقوله: «لقي الله وهو يضحك إليه»، وأنه يهبط إلى سماء الدنيا بخبر رسوله بذلك، وأنّ له إصبعاً بقول رسوله: «ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن».

فإنّ هذه المعاني التي وُصفت، ونظائرها مما وصف الله به نفسه، ورسوله مما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والروية، ولا نكفر بالجهل بها أحداً إلا بعد انتهائها إليه ". توفي محمد بن جرير سنة عشر وثلاثمائة، وهو أحد الأئمة المجتهدين، تام المعرفة بالقرآن، والحديث، والفقه، واللغة، والعربية، والتاريخ. كان يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه. جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد في عصره. قال إمام الأئمة ابن خزيمة: أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير. وقال أبو حامد الإسْفَرايِيني الإمام: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصُل له تفسير محمد بن جرير ما كان كثيرا][104].

وساق بعد كلام الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى كلام الإمام الإسماعيليّ فقال [وقال الإمام أبو بكر الإسماعيليّ رحمه الله: " اعلموا رحمنا الله وإياكم أنّ مذاهب أهل الحديث: أهل السنة والجماعة: الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله، وما صحّت به الرواية عن رسول الله ﷺ، لا معدل عما ورد به. ويعتقدون أن الله مدعوّ بأسمائه الحسنى، موصوف بصفاته التي وصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه، خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان بلا اعتقاد كيف، استوى على العرش بلا كيف، فإنه انتهى إلينا أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه.

والإسماعيليّ من كبار الأئمة، جمع بين الفقه والحديث، وألّف «الصحيح» وأخذ عنه فقهاء جرجان. توفي بعد السبعين وثلاثمائة، سنة إحدى، وله أربع وتسعون سنة. قال الدارقطني مع جلالته: «عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر فلم أرزق». وهذا المعتقد سمعناه بإسناد صحيح عنه][105].

ولنورد الآن بعض ما ذكره الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى في بعض تفاصيل الصّفات، حيث نجده وافق في بعض وخالف في أخرى، ونقارنه مع كلام غيره من أئمّة السّلف السّابقين له، رحمة الله تعالى على الجميع.

مثلا في صفة اليدين، قال رحمه الله تعالى [ وقد روي الخبر في الخبر :" كلتا يديه يمين". وليس اليد عندنا الجارحة، إنّما هي صفة جاء بها التّوقيف، فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيّفها، وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب والأخبار المأثورة الصّحيحة، وهو مذهب أهل السّنّة والجماعة][106].

لكن نجده في صفة اليمين والنّزول والمجيء والإتيان وبعض الصّفات الأخرى كذلك يذهب إلى تأويلها، ففي صفة اليمين قال رحمه الله تعالى :[ ذكر اليمين في هذا معناه حسن القبول، فإنّ العادة قد جرت من ذوي الأدب أن تصان اليمين عن مسّ الأشياء الدّنيئة، وإنّما يباشر بها الاشياء التي لها قدر ومزيّة، وليس فيما يضاف إلى الله عزّ وجلّ من صفة اليدين شمال، لأنّ الشّمال محلّ النّقص والضّعف، ...][107].

وفي صفة النّزول ذكر فيها جملة مذهب السّلف، وهو إمرارها كما جاءت
ونفي الكيفيّة عنها، ثمّ ذكر بعض الآثار في ذلك، ثمّ ذكر أنّ من ينكر مثل هذه الصّفات هو من يقيس الأمور في ذلك بما شاهده من النّزول، أي من أعلى إلى أسفل، وهكذا، ثمّ قال :[ فأمّا نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإنّ هذه المعاني غير متوهّمة فيه]، ثمّ قال بعدها مباشرة :[ وإنّما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابة دعائهم ومغفرته لهم، يفعل ما يشاء، لا يتوجّه على صفاته كيفيّة، ولا لميّة، سبحانه ﴿ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير﴾ ...[، ثمّ ذكر أنّ هذا ممّا أمرنا أن نؤمن بظاهره وألّا نكشف عن باطنه، ولأنّ هذا من المتشابه الذي ذكر الله في كتابه، ثمّ ذكر أنّ هذا هو مذهب السّلف، ثمّ أشار إلى النّكير على من تكلّم في هذه الصّفة وتطرق للكلام على الحركة، ونحو ذلك[108].

فقرّر رحمه الله تعالى ابتداء مذهب السّلف، لكن قال بعد ذلك :[ وإنّما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابة دعائهم ومغفرته لهم...]، وكأنّ هذا فيه نوع تأويل لهذه الصّفة.

وقال في حديث "لله أشدّ فرحا بتوبة عبده ..." :[ أي أشدّ رضا ][109]، وقال كذلك :[ معناه أرضى بالتّوبة وأقبل لها، والفرح الذي يتعارف النّاس في نعوت بني آدم غير جائز على الله عزّ وجلّ إنّما معناه الرّضا، كقوله عزّ وجلّ ﴿كلّ حزب بما لديهم فرحون﴾، أي راضون، والله أعلم][110].

ومثل ذلك كلامه رحمه الله تعالى على حديث إثبات الأصابع[111]، ولذلك قال الإمام ابن التّين رحمه الله تعالى :[ تكلّف الخطّابيّ في تأويل الإصبع وبالغ حتّى جعل ضحكه ﷺ تعجبا وإنكارا لما قال الحبر، وردّ ما وقع في الرّواية الأخرى ّفضحك ﷺ تعجّبا وتصديقا" بأنّه على قدر فهم الرّاوي][112].

وقد جاء في كلام السّلف إثبات هذه الصّفة من غير تأويل لها، من ذلك ما جاء عن أحمد بن نصر رحمه الله تعالى أنّه سأل سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى قال:[ حديث عبد الله: "إنّ الله يجعل السّماوات على إصبع"، وحديث "إنّ قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرّحمن". وذكر أحاديث أخر، فقال : (هذه الأحاديث نرويها ونقرّ بها كما جاءت بلا كيف) ][113].

ونحوه في الحديث الذي فيه صفة الضّحك، وأمثلة أخرى كذلك.
وهذه الصّفات التي تعرّض لها الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى بنوع تأويل، جاء كلام أئمّة السّلف فيها بالإثبات على حقيقتها، بلا كيف، كما سبق نقله عنهم.
قال الإمام أبو محمد أحمد بن عبد الله المزنيّ المغفّليّ[114] رحمه الله تعالى :[ حديث النّزول قد صحّ، والإيمان به واجب، ولكن ينبغي أن يعرف أنّه كما لا كيف لذاته لا كيف لصفاته][115]. فما معنى [لا كيف لذاته] أليس لا نعلم كيفيّتها، فإن قلنا نفي للكيفيّة أصلا فهذا عدم، عياذا بالله تعالى، وقد نقلت عبارة الأئمّة بذلك سابقا.

وقال أبو عمر الطّلمنكيّ[116] :[ أجمعوا ـ يعني أهل السّنّة والجماعة ـ على أنّ الله يأتي يوم القيامة والملائكة صفّا صفّا لحساب الأمم وعرضها كما يشاء وكيف يشاء، قال تعالى ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ وقال تعالى ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾.
قال: وأجمعوا على أنّ الله ينزل كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا على ما أتت به الآثار كيف يشاء، لا يحدّون في ذلك شيئا، ثمّ روى بإسناده عن محمد بن وضّاح قال: وسألت يحيى بن معين عن النّزول، فقال: نعم، أقرّ به، ولا أحدّ فيه حدّاً ][117].

وانظر ما سبق نقله عن الأئمّة في هذه الصّفات، وأنّها على الحقيقة. كالإمام ابن عبد البر والتّرمذيّ والصّابوني وغيرهم، رحمة الله تعالى على الجميع، في إثبات صفة النّزول والإتيان والمجيء والفرح والضحك وغيرها من الصّفات.
وإذا قارنّا بين ما نقله الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى في بعض هذه الصّفات مع ما ذكره الأئمّة الآخرون تبيّن الفرق واضحا.
__________________
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ الأديب محمد بوسلامة الجـزائـري :

(إنّ مدرستنا قد انهارت وإنّ مجاري التعليم قد غارت فلو لم يتلاف هذا الأمر بقية العلماء في هذه الديار وأهل السعة من الصالحين وولاة الأمور فسوف تتهافت بين ايديهم الاجيال كما تتهافت الفراش على شعلة الفتيل فكم من جريح وكم من قتيل إنّه تهافت الأجيال الذي تزول به الدول وتضعف منه الأمم وتنقرض به الحضارات إنني أدعو إلي حماية المواهب من المخمدات التي تمالأت على إطفائها فتبلغ بناشئة الأجيال إلى التخاذل والشعور بالنقيصة والقصور فلا تنهض له الهمم ولا ترتقي عزائمهم القمم إننا في زمن قد كثرت فيه عوامل الخفض والسكون وقلت فيه عوامل الرفع ونسأل الله الفتح المبين) - حماية المواهب -
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-07-2017, 08:02 PM
حمزة الجزائري حمزة الجزائري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر (العاصمة)
المشاركات: 984
افتراضي

بعد هذا التّحرير، لنأت الآن إلى العبارة التي أوردها المؤلّف.
2 ـ هذه العبارة ذكرها الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى تعليقا على الحديث الذي رواه الإمام أبو داود رحمه الله تعالى بسنده إلى جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جدّه قال: أتى رسولَ الله ﷺ أعرابي، فقال: يا رسول الله، جُهدت الأنفس، وضاعت العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله عزّ وجلّ لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله ﷺ: "ويحك!أتدري ما تقول؟" وسبّح رسول الله ﷺ، فما زال يسبّح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه؛ ثم قال ويحك! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك؛ ويحك!أتدري ما الله إن عرشه على سماواته لهكذا، ـ وقال بأصابعه مثل القبة عليه ـ وإنه ليئطّ به أطيط الرّحل بالراكب" قال ابن بشّار في حديثه: " إنّ الله عزّ وجلّ فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته" وساق الحديث[118].

قال الشيخ: هذا الكلام إذا جرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله وصفاته منفية، فعُقِل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ولا تحديده على هذه الهيئة، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله وجلاله سبحانه، من حيث يدركه فهم السّامع، إذ كان أعرابياً جلْفاً لا علم له بمعاني ما دقّ من الكلام وبما لطف منه عن درك الإفهام.

وفي الكلام حذف وإضمار، فمعنى قوله: "أتدري ما الله": معناه أتدري ما عظمة الله وجلاله. وقوله "أنه ليئط به" معناه إنّه ليعجز عن جلاله وعظمته حتى يئط به إذ كان معلوماً أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه، ولعجزه عن احتماله فعرّف بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة الله وجلاله وارتفاع عرشه لِيُعلم أن الموصوف بعلوّ الشأن وجلالة القدر وفخامة الذكر لا يُجعل شفيعاً إلى من هو دونه في القدْر، وأسفل منه درجة، والله تعالى عزّ وجلّ وتقدّس أن يكون مشبّها بشيء أو مكيّفاً بصورة خلق أو مدركاً بحدّ ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير.

وقد ذكر البخاريّ هذا الحديث في التّاريخ من رواية جبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جدّه، ولم يدخله في الجامع الصّحيح][119].
لا ننسى ـ أوّلاً ـ ما سبق تقريره في منهج الإمام الخطّابيّ في باب الصّفات، وأنّه يقع منه التّأويل، وقد سبق ذكر أمثلة صريحة في ذلك.
ويزيدك توضيحا، كلام أهل العلم في هذا الباب، ومن ذلك قول الإمام البيهقيّ رحمه الله تعالى: [ وَقَدْ جَعَلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ ثَابِتًا، وَاشْتَغَلَ بِتَأْوِيلِهِ، فَقَالَ: ... ][120]، وذكر كلام الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى.

وقال الشيخ أبو الطّيّب محمد شمس الحقّ العظيم آبادي :[ كلام الخطّابيّ فيه تأويل بعيد خلاف للظّاهر، لا حاجة إليه، وإنّما الصّحيح المعتمد في أحاديث الصّفات إمرارها على ظاهرها من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل كما عليه السّلف الصّالحون][121].

وقال الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى ـ بعد كلامه على سند الحديث ـ :[ وَاللَّهُ عز وجل فـ ﴿لَيْسَ كمثله شَيْء﴾ جلّ جَلَاله وتقدّست أسماؤه، وَلَا إِلَه غَيره.
الأطيط الْوَاقِع بِذَات الْعَرْش من جنس الأطيط الْحَاصِل فِي الرحل، فَذَاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أَن نعدّه صفة لله عزّ وجلّ ثمَّ لفظ الأطيط لم يَأْتِ بِهِ نَص ثَابت. وَقَوْلنَا فِي هَذِه الْأَحَادِيث إننا نؤمن بِمَا صَحَّ مِنْهَا وَبِمَا اتّفق السّلف على إمراره وَإِقْرَاره، فَأَما مَا فِي إِسْنَاده مقَال وَاخْتلف الْعلمَاء فِي قبُوله وتأويله فَإنَّا لَا نتعرض لَهُ بتقرير، بل نرويه فِي الْجُمْلَة ونبين حَاله، وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا سقناه لما فِيهِ مِمَّا تَوَاتر من علو الله تَعَالَى فَوق عَرْشه مِمَّا يُوَافق آيَات الْكتاب][122].

فهذه ثلاثة نقولات واضحة في أنّ كلام الإمام الخطّابيّ يتضمّن تأويلا.
ثمّ انظر ـ ثانياً ـ إلى قول الإمام الخطّابيّ رحمه الله تعالى، فهو يشير إلى أنّ هذا الحديث لو أجريناه على ظاهره قد يظهر منه التّكييف، لكن أيّ تكييف يقصده؟
الجواب أنّه يقصد تكييف بما يماثل المخلوق ويشبهه، وتتمة كلامه تدلّ على ذلك، حيث قال بعد :[ ... ، والكيفية عن الله وصفاته منفية، فعُقِل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ولا تحديده على هذه الهيئة ...].

فالكيفيّة المنفية، هي العلم بها، لا حقيقتها، بدليل ما سبق ذكره عند تقرير مذهبه في الجملة.
ثمّ يدلّ على أنّه قصد كيفيّة تماثل المخلوق، قوله: [ ...فعُقِل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ولا تحديده على هذه الهيئة ... ]، يقصد هيئة المخلوق، بدليل قوله بعد في تمام هذا الكلام على هذا الحديث، حيث قال :[ ... والله تعالى عزّ وجلّ وتقدّس أن يكون مشبّها بشيء أو مكيّفاً بصورة خلق أو مدركاً بحدّ ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير].

فأين حقيقة هذا الكلام ممّا زعمه المؤلّف أنّ العبارة تدلّ على نفي الكيفيّة أصلا، وأين صحّة قوله أنّ عقيدة السّلف نفي الكيفيّة أصلا.
هذا لا يصحّ أبدا، والمؤلّف في دعواه هذه أبعد جدّاً.
3 ـ أمّا ما نقوله في هذا الحديث، فهو كالتّالي:
الحديث قد اختلف فيه تصحيحا وتضعيفا.
والحديث رواه كذلك ابن خزيمة في " التّوحيد" (1/239 رقم 147) والدّارقطني في "النّزول" (50 ـ 52رقم 38) والآجرّي في "الشّريعة" (3/1090 رقم 667) والبيهقي في "الأسماء والصّفات" (2/317 رقم 883 و 884) وغيرهم.

كلّهم من طريق جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جدّه به فذكره.
واختلف فيه:
فرواه أحمد بن سعيد الرِّباطيّ ومحمد بن بشّار ويحيى بن معين وعليّ بن المدينيّ وأبو الأزهر احمد ابن الأزهر وعبد الله بن محمد المسنديّ ومحمد بن يزيد الواسطيّ ـ كلّ هؤلاء ـ رووه عن وهب بن جرير عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير به، وخالفهم عبد الأعلى بن حمّاد ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشّار، فرواه هؤلاء عن وهب بن جرير عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة وحبير بن محمد بن جبير به.

ورجّح غير واحد من أئمّة الحديث رواية الجماعة، أي أنّه من رواية محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير به، وهذا ما رجّحه أبو داود والدّارقطني والذّهبيّ وغيرهم، قال أبوداود :[ والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصّحيح ].

وقال الدّارقطنيّ :[ ومن قال فيه عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد فقد وهم، والصّواب عن جبير بن محمد كما ذكرناه ها هنا ].
وقال الذّهبيّ ـ بعد ذكره للطريقين ـ :[ والأوّل أصحّ].
هذا من جهة، ثمّ إنّ الحديث ضعّفه غير واحد من أهل العلم بسببين اثنين:
ـ فيه محمد بن إسحاق صاحب المغازي، فإنّه مدلّس، وقد عنعن في هذا الحديث، ولم يأت من طريق مصرّحا فيه بالتّحديث. (ولا تلتبس عليك عبارة: عن محمد بن إسحاق يحدّث عن يعقوب به، فهذه العبارة ليست تحديثا، بل هي عنعنة).
ـ جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى [ مقبول].

وممّن ضعّف الحديث الإمام البيهقيّ، فقد أشار إلى ضعفه في كتابه "الأسماء والصّفات" (2/319 ـ 320) والإمام البزّار، نقله عنه المنذريّ قال [ قال أبو بكر البزّار: الحديث لا نعلمه يروى عن النّبيّ ﷺ من جهة من الوجوه إلّا من هذا الوجه، ولم يقل فيه محمد بن إسحاق حدّثني يعقوب بن عتبة. هذا آخر كلامه. ومحمد بن إسحاق مدلّس وإذا قال المدلّس عن فلان ولم يقل حدّثنا أو سمعت أو أخبرنا لا يحتجّ بحديثه ...][123].

وقال الذّهبيّ :[ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا فَرْدٌ، وَابْنُ إِسْحَاقَ حُجَّةٌ فِي الْمَغَازِي إِذَا أَسْنَدَ، وَلَهُ مَنَاكِيرُ وَعَجَائِبُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَمْ لَا][124]. واستغربه الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى[125].
وفي مقابل ذلك حسّنه بعض العلماء كالإمام ابن القيّم رحمة الله تعالى على الجميع[126].
والحجّة مع من ضعّف هذا الحديث أقوى، وأمّا الكلام عليه من باب الصّفات، فأكتفي بما نقلته من كلام الأئمّة سابقا.

سابعا: كلام الحافظ ابن كثير:
هنا نقل المؤلّف العبارة كما هي، لكن سقط منها حرف، وهو ظاهر أنّه سقط من الطّبع، فقد جاء [وإنّما .... كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه وتعطيل...]، وفي المطبوع [... ولا تعطيل ...]، والأمر في هذا سهل، فقد تكون سقطت في بعض الطّبعات، ونكون كلمة (تعطيل) معطوفة على (ولا تشبيه)، فالأمر في ذلك سهل إن شاء الله تعالى.

لكن غير السّهل ها هنا، هو عدم إتمام الكلام بما يدلّ على خلاف ما يريده المؤلّف، واقرأ تتمّة الكلام لتفهم ذلك بنفسك:
[والظّاهر المتبادر إلى أذهان المشبّهين منفيّ عن الله، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشُّورَى:11] بَلِ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ - مِنْهُمْ نُعَيْم بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ -: "مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ". وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا رَسُولَهُ تَشْبِيهٌ، فَمَنْ أَثْبَتَ لِلَّهِ تَعَالَى مَا وَرَدَتْ بِهِ الْآيَاتُ الصَّرِيحَةُ وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَفَى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى النَّقَائِصَ، فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ الْهُدَى][127].

أمّا قوله (من غير تكييف) فقد قال قبله أنّ ذلك سيرا على مذهب السّلف الصّالح، وقد أوردنا من كلامهم ما يدلّ على أنّ المراد من نفي الكيفيّة، أي نفي العلم بها، لا نفيها أصلا، كما يدّعيه صاحب البلاء.
ثمّ في كلام الحافظ ابن كثير ما يقرّر هذا المعنى، حيث ذكر كلام الإمام نعيم بن حمّاد الخزاعيّ[128] شيخ الإمام البخاريّ رحمة الله تعالى على الجميع، حيث قرّر أنّ من شبّه الله بخلقه فقد كفر، وهذا واضح، وأنّ من جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، إذاً يجب أن نثبت ما أثبته الله لنفسه، وهذا الإثبات على الوجه اللّائق به تعالى، كما قال الحافظ ابن كثير في تمام كلامه.
وهاك من كلام الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ نفسه ممّا يدلّ على أنّه على عقيدة السّلف الصّالح، في إثبات الصّفات مع تفويض العلم بكيفيّتها إلى الله تبارك وتعالى.

قال رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾
[ يخبر تعالى عمّا يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة، ...، فيجيء الرّبّ تعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا][129].
فقوله رحمه الله تعالى (فيجيء الرّبّ) فيه إثبات صفة المجيء، وهي ثابتة بنصّ الكتاب والسّنّة. وقوله (كما يشاء) يتضمّن أمرين:
ـ عدم علمنا بكيفيّة ذلك، لقوله (كما يشاء).
ـ إثبات كيفيّة يعلمها الله تبارك وتعالى.
وهذا واضح غاية الوضوح.

فهذه سبعة نُقُولٍ نقلها مؤلّف الكتاب، كلّها في الأغلب قد أوردها المؤلّف على غير ما جاءت عن أصحابها، بل منها ما غيّر فيه وزاد، أو أنّه اقتصّها من وسط كلام له سابق ولاحق، فقد يفهمها القارئ على غير ما هي عليه حقيقة، ولا أظنّني أحتاج إلى مزيد بيان فوق ما ذكرته، ردّا على ما ادّعاه صاحب البلاء.
والله تعالى نسأل وبأسمائه الحسنى نتوسّل أن يرينا الحقّ حقّا ويرزقنا اتّباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وسلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين، والحمد لله ربّ العالمين.


***********************************
[1]رواه مسلم (2278) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2]على تفصيل بين ما صار إليه الإمام أبو الحسن الأشعريّ ومن تبعه، وبين ما وقع لهذا المذهب من تطوّر إلى أن صار على ما هم عليه متأخّرو الأشاعرة، وليس هذا موضع تفصيل ذلك.
[3]وهذه عبارة لا تصحّ ولا تسلم أبدا، إذ كيف تكون السّلامة من غير علم ولا حكمة، ثمّ أليس في هذا استنقاص للسّلف الصّالح، ثمّ أيّ علم وأيّ حكمة إن لم يكن سَلَفُنَا فيها هم السّلف الصّالح، أليس هذا هو نفسه الحكم بمخالفة السّلف الصّالح إذ نختارُ غيرَ ما اختاروه، ثمّ ندّعي لأنفسنا العلم والحكمة، وحتّى لا يقال أنّنا نستنقص السّلف، نقول تلك العبارة، أنّ السّلف مذهبهم أسلم، ثمّ أليس المراد في هذه الدّنيا أن نطلب السّلامة، وحيث وجدناها لزمناها، ثمّ ما دام مذهب السّلف أسلم، فلم لا ننافح عنه ونذبّ عنه، ونردّ المذاهب الأخرى.
والرّدّ على هذه العبارة يستدعي منّا إطالة، نكتفي منها بما ذكرناه. وللشيخ أبي علي الزّواويّ ـ وهو أحد أعلام الجزائر ومن علماء الجمعيّة ـ كلام جميل في ردّ هذه العبارة، وذلك في مقال له يتكلّم فيه عن مراتب العبادة، وأصل هذا المقال أنّ الإمام ابن باديس ذكر تفسيرا لقوله تعالى ﴿ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا﴾ فاعترض عليه الشيخ الحافطي، فباحثه الشيخ أبو علي الزّواوي في ذلك، فكان ممّا تكلّم عليه: اشتغال بعضهم بالمنطق وعلم الكلام والإكثار من ذلك، وذكر من كلام من ينتصر لذلك فقال رحمه الله تعالى :[ وقال العلامة سعد الدّين التّفتازاني: إنّ السّلف لا يتأنّقون في التّعبير وليس لهم شدّة الملاحظة في ذلك إلى أن جاء المتأخّرون وأحدثوا في المعاني والبيان والبديع الخ ما قال. قلت ـ القائل هو الزّواويّ ـ : نعم كذلك فلذلك قرّروا ـ أعني المتأخّرين ـ وقالو: إنّ مذهب السّلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم أو أحكم، وهذه أكبر من أختها التي قدّمناها ـ يقصد قوله: لا يتأنّقون في التّعبير ... ـ ، اللّهمّ اشهد وأنت خير الشّاهدين أنّني بريء من هذا القول: السّلف جاهلون في الدّين لا أحكام لهم في أقوالهم إذ يفوّضون ولا يتقعّرون في التّأويل والتّعبير: وأنت القائل :﴿ فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلّا الله والرّاسخون في العلم يقولون ءامنّا به كلّ من عند ربّنا وما يذّكر إلّا أولوا الألباب ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ﴾. وهكذا خبط كثير من المتأخّرين ثمّ ينتقدون من لم يتّبعهم في أهوائهم بغير علم ﴿ ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هذى من الله إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ ...]، انظر "مجلّة الشّهاب" الجزء الخامس، المجلّد التّاسع، غرّة ذي الحجّة 1351 هـ أبريل 1933، الصّفحة 199 ـ 200.
[4]رواه مسلم (770) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[5]والحقيقة أنّ هذه التّسميّة إنّما كانت من أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله تعالى، تنفيرا للنّاس منها، على أنّها دعوة جاءت بدين جديد، لكن بعد أن انشتر أمرها وكثر الكلام عليها، وعرّف النّاس حقيقة هذه الدّعوة وما يدعو إليه الشيخ محمد بن عبد الوهّاب، تبيّن لهم حقيقة دعوته، وأنّها لا تخرج عن تعاليم الشريعة الإسلاميّة، بل هي دعوة فيها إحياء للإسلام في نفوس معتنقيه، ودعوة للرّجوع إليه، والتّمسّك به حقّا وحقيقة، لذلك أثنى عليها وباركها كثير من العلماء، ولعلّه إذا ناسب المقام سردنا شيئا من ذلك بحول الله تعالى.
[6] "آثار ابن باديس" (5/32).
[7] "آثار ابن باديس" (3/22 ـ 24). وأصل المقال من "الصراط" السّنة الأولى العدد3 الصّفحة 1، الإثنين 29 ذي الحجّة 1351هـ .
[8] السّنة الرّابعة العدد 164 الصّفحة 2، عنونان المقال [ الدّعوة الإصلاحية هنا وهناك].
[9]"الإمام عبد الحميد بن باديس حياته وآثاره" (4/191). الطبعة الأولى 2014، عالم المعرفة.
[10]"الإمام عبد الحميد بن باديس حياته وآثاره" (4/228). الطبعة الأولى 2014، عالم المعرفة.
[11]"آثار محمد البشير الإبراهيميّ" (1/115).
[12]"آثار محمد البشير الإبراهيميّ" (1/123).
[13]"آثار محمد البشير الإبراهيميّ" (1/124).
[14] وانظر رسالته التي أرسلها ووجّهها للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشّيخ رحمه الله تعالى، يذكّره فيها يالإخاء بينهم، وأنّ لهم إخوة في الجانب الغربي عروبة وإسلاما وجهادا وسلفيّة، الخ ما ذكره رحمة الله تعالى على الجميع، انظر "آثار محمد البشير الإبراهيميّ" (5/221).
[15] كذا في المطبوع، ولعلّه أراد (فاقبلوا).
[16]"مجلّة الشّهاب" الجزء الخامس، المجلّد التّاسع، غرّة ذي الحجّة 1351 هـ أبريل 1933، الصّفحة 198 ـ 199.
[17] انظر "جريدة البصائر" السّنة الأولى عدد11 يوم الجمعة 26 ذي الحجّة 1354هـ الموافق ليوم 20ماري1936.
[18] الجزء الثّاني المجلّد العاشر، غرّة شوال 1352 هـ الموافق جانفي 1934م، الصّفحة 85 ـ 86.
[19](15). ظ
[20] لعلّ صوابها (اتّصلت بي ...).
[21] أمّا كتاب "فتح المجيد بشرح كتاب التّوحيد" فهو للشّيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله تعالى، وهوحفيد الشّيخ محمد بن عبد الوهّاب. أمّا كتاب ّالتّوحيد" فهو للشيخ محمد بن هبد الوهّاب رحمة الله تعالى على الجميع.
[22] الجزء الثّالث، المجلّد العاشر، غرّة ذي القعدة 1352هـ الموافق 15 فيفري 1934م، الصّفحة (107).
(122) [23]في باب الكلام على ما جاء في الرّقى والتّمائم.
[24] السّنة الأولى، العدد29، (5 ـ 9).
[25]السّنّة الأولى عدد31 ، يوم الجمعة 19 جمادى الاولى 1355هـ، الموافق ليوم 7أوت 1936، صفحة 4 (1/252). المقال من طرف الشّيخ الطّيّب العقبي رحمه الله تعالى.
[26] ذكر هنا من وَجَّه إليه خطابه هذا.
[27]ما شاء الله تبارك الله تعالى، كافر معتدٍّ على أرض غيره سالب له ولحقّه يدين بدين النّصرابية، يقاتل ويحارب في أرض غيره ليمكّن لدينه الباطل، ثمّ يخاف على دين المسلمين من الوقوع في الحيرة والتّشويش؟!
[28]كلمة لم تتّضح لي من المجلة.
[29]انظر "آثار محمد البشير الإبراهيميّ" (1/270).
[30] "الصّراع بين السّنّة والبدعة" (1/50).
[31]انظر "شرح أصول اعتقاد أهل السّنة والجماعة" (3/478).
[32]رواه البيهقي في "الأسماء والصّفات" (2/304 رقم 865)، وأسنده الإمام الذّهبيّ من طريق البيهقيّ في "سير أعلام النبلاء" (7/120 ـ 121)، وفي "تذكرة الحفّاظ" (1/136) وقال فيها :[ هذا إسناد صحيح ]، وقال الحافظ في "الفتح" (13/396) :[ وأخرج البيهقي" بسند جيّد عن الأوزاعيّ ...]، ثمّ ذكره.
[33]"تذكرة الحفّاظ" (1/135).
[34] رواه أبو عثمان الصّابوني في "عقيدة السّلف وأصحاب الحديث" (55 رقم49).
[35]رواه اللالكائيّ في "شرح أصول أهل السّنّة والجماعة" (3/582 رقم 930).
[36]انظر "سير أعلام النبلاء" (7/274).
[37]انظر "شرح أصول اعتقاد أهل السّنة والجماعة" (3/478).
[38]"شرح الطحاوية" (2/427).
[39]سيأتي تخريجه قريبا.
[40]هذا "معتقد الإمام الشّافعيّ، ذكره الإمام ابن القيّم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (165)، وذكره الإمام الذّهبيّ في كتابه "الأربعين في صفات ربّ العالمين" (42).
[41]هذا "معتقد الإمام الشّافعيّ، ذكره الإمام ابن القيّم في "اجتماع الجيوش الإسلامية"
[42]"إبطال التّأويلات" (345).
[43]انظر "شرح أصول اعتقاد أهل السّنة والجماعة" (3/480).
[44]"سنن التّرمذيّ" (أبواب الزّكاة ـ باب ما جاء في فضل الصّدقة) (2/42 ـ 43).
[45]"سنن التّرمذيّ" (أبواب صفة الجنّة ـ باب ما جاء في خلود أهل الجنّة وأهل النّار) (4/318).
[46]"كتاب التّوحيد وإثبات صفات الرّبّ عزّ وجلّ" (1/25 ـ 26).
[47]"التّمهيد" (7/145).
[48]"التّمهيد" (7/148).
[49]والنّقول عن أهل العلم في هذا الباب كثيرة، لاأريد أن أطيل في النّقل، فقد ذكرها أئمّة كُثُر، وقد سردت كتبهم في مقال قريب بعنوان ( ثبات عقيدة السّلف )، حيث أشرت إلى من ألّف في إثبات هذه العقيدة، وقد تواردوا على سردها ونقلها بتمامها، ممّا يدلّ على تواردهم عليها وعلى إثباتها ممّا يدلّ على تتابعهم على إثباتها من الزّمن الأوّل، كما يدلّ على ثباتها وثبوتها.
[50]"التّمهيد" (7/143).
[51]"التّمهيد" (7/153)
[52]رواه اللالكائيّ "شرح أصول اعتقاد أهل السّنّة والجماعة" (3/442)، وأسنده الإمام الذّهبيّ في كتابه "العلوّ"، انظر "مختصر العلوّ" (132).
[53]وسيأتي التّوسّع في ذكر طرقه وألفاظه لاقتضاء الكلام لذلك كما سيأتي.
[54]"التّمهيد" (7/145).
[55] "سير أعلام النبلاءّ (22/171).
[56]سيأتي تخريجها بعد إتمام ذكر كلام الإمام ابن الماجشون رحمه الله تعالى.
[57]هذا الكلام لهذا الإمام رحمه الله تعالى قد رواه عنه الإمام ابن بطّة العكبريّ رحمه الله تعالى ـ بسنده إليه ـ في كتابه "الإبانة الكبرى"، وأسنده الإمام الذّهبيّ في "العلوّ" انظر "مختصر العلوّ" (144 ـ 145) وفي "سير أعلام النبلاء" (7/311 ـ 312)، وذكره شيخ الإسلام ابن تيميّة في "الحمويّة" (293 ـ 303)، وبينها اختلاف بتقديم أو تأخير، وقد ورد بتمامه عند ابن بطّة وكذا في الحمويّة، وعند الذّهبيّ ورد مختصرا.
تنبيه: لم يفتني ما ذكره صاحب البلاء ـــ تقليدا منه لغيره من المعاصرين، وإن كان قد ذكر نقلا عن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في ذلك ـــ في حقّ الإمام ابن بطّة رحمه الله تعالى، وسيأتي الرّدّ عليه في موضعه بإذن الله تبارك وتعالى.
[58]"سير أعلام النبلاءّ (10/80).
[59]"سنن التّرمذيّ" (أبواب الزّكاة ـ باب ما جاء في فضل الصّدقة) (2/42 ـ 43).
[60]"كتاب اعتقاد أهل السّنّة" (36).
[61]رواه الإمام الدّارقطنيّ في كتابه "الصّفات" (59 رقم 58)، ورواه الذّهبيّ رحمه الله تعالى في "سير أعلم النبلاء" (10/505)، بسنده إلى الإمام أبي عبيد رحمه الله تعالى من طريق الإمام الدّارقطنيّ رحمه الله تعالى.
[62]انظر "سير أعلم النبلاء" (10/506).
[63]سبق.
[64]"الانتصار في الرّدّ على المعتزلة القدريّة الأشرار" (2/633 ـ 634 ).
[65]"التّمهيدّ (7/145).
[66] "التوحيد وإثبات صفات الرّبّ" (1/563).
[67]"اصول السّنّة" لابن أبي زمنين (60 ـ 61).
[68]"اصول السّنّة" لابن أبي زمنين (74).
[69]"أصول السّنّة" لابن أبي زمنين (88).
[70]"أصول السّنّة" لابن أبي زمنين (110).
[71] هو ابن أبي زمنين رحمه الله تعالى.
[72]"أصول السّنّة" لابن أبي زمنين (113 ـ 114).
[73]"أصول السّنّة" لابن أبي زمنين (114).
[74] علما أنّ للعلماء كلام في هذه الصفة، ليس هذا موضعه، وإذا ناسب المقام في خلال الرّدّ بيّنت ذلك بحول الله تعالى وقوته.
[75] رواه ابن جرير الطبريّ في تفسيره "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" (1/228) بإسناد صحيح.
[76] رواه ابن جرير الطبريّ في تفسيره "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" (1/228) بإسناد صحيح.
[77] رواه البخاريّ (3244) ومسلم (2824) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[78] [ كتاب التّفسير ـ باب الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنّم أولئك شرّ مكانا وأضلّ سبيلا] (رقم 4760). وفي [ كتاب الرّقاق ـ باب الحشر] (رقم 6523).
[79]"وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا
[80](95 ـ 104).
[81]رواه البيهقي في "الأسماء والصّفات" (2/304)، وقال الإمام الذّهبيّ في "العلوّ" (138 رقم 377) [وساق البيهقيّ بإسناد صحيح ...]، وذكره، وقال الحافظ في "فتح الباري" [ كتاب التّوحيد ـ باب ﴿وكان عرشه على الماء﴾﴿وهو ربّ العرش العظيم﴾ ] (13/396) :[ وأخرج البيهقيّ عن ابن وهب بإسناد جيّد ...]، وسيأتي مناقشة المؤلّف لهذه الألفاظ، وما يثبت منها عن الإمام مالك ممّا لا يثبت.
[82]رواه البيهقيّ "الأسماء والصّفات" (2/305 ـ 306) من طريق يحيى ين يحيى التّميميّ عن مالك، ورواه كذلك أبو عثمان الصّابونيّ في عقيدة السّلف وأصحاب الحديث" (24 ـ 25) من طريق جعفر بن ميمون عن مالك، ورواه أبو الشّيخ الأنصاريّ في "طبقات المحدّثين بأصبهان" (2/214) من طريق محمد بن النّعمان بن عبد السّلام عن مالك.
[83]رواه أبو نعيم في كتابه "الحليّة" (6/325 ـ 326) وأسنده الذّهبيّ في "سير أعلام النبلاء" (8/100) من طريق أبي نعيم بسنده إلى جعفر بن عبد الله عن مالك.
[84]رواه ابن عبد البر في "التّمهيد" (7/138) من طريق عبد الله بن نافع عن مالك.
[85]رواه ابن عبد البر في "التمهيد" (7/151) من طريق أيوب بن صالح المخزوميّ عن مالك.
وللأثر طرق أخرى، فقد جاء من طرق عشرة عن مالك رحمة الله على الجميع. قال الإمام الذّهبيّ رحمه الله تعالى :[ هذا ثابت عن مالك، وتقدّم عن ربيعة شيخ مالك ...]. "مختصر العلوّ" (141).
[86]كذا ورد في المطبوع، فإمّا كلمة (بكيفيّةٍ) المجرورة منوّنة، فتكون بمعنى المصاف، أي كيفيّة استوائه، وإمّا يقال وقع في المطبوع سقط، وصوابه (بكيفيّة استوائه)، وعلى كلٍّ فالأمر في ذلك واضح، وأنّ المراد كيفيّة الاستواء، والله تعالى أعلم.
[87]"التمهيد" (7/135 ـ 137).
[88]"العلوّ للعليّ الغفّار" (139).
[89] ترجم له الإمام الذّهبيّ في "سير أعلام النبلاء" (13/414) وقال : [ العلّامة المفسّر الإمام اللّغويّ المحدّث ... عالم عصره ... ولد قبل الثّمانين ومئة ...إلى أن توفّي سنة اثنين وثمانين ومئتين، وهو ابن مئة وأربع سنين].
[90]"عقيدة السّلف وأصحاب الحديث" (24 رقم 15).
[91]"سنن التّرمذيّ" (أبواب الزّكاة ـ باب ما جاء في فضل الصّدقة) (2/42 ـ 43).
[92]"سنن التّرمذيّ" (أبواب الزّكاة ـ باب ما جاء في فضل الصّدقة) (2/42 ـ 43).
[93]"سنن التّرمذيّ" (أبواب صفة الجنّة ـ باب ما جاء في خلود أهل الجنّة وأهل النّار) (4/318).
[94] وعزاه إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه "فتح الباري" [ كتاب التّوحيد ـ باب قوله تعالى ﴿وكان عرشه على الماء﴾ ﴿وهوربّ العرش العظيم﴾ ] (17/396).
[95]عند أبي عثمان الصّابوني: (أبو يحيى بن بشر الورّاق)، والذي جاء في ترجمته أنّه محمد بن عمر بن كيسبة، انظر "الإكمال" (7/124) و"تبصير المنتبه" (3/1184)، ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل.
[96]عند أبي عثمان الصّابوني: (أبو المغيرة الحنفي)، وهو الصّواب، وهو عمير بن عبد المجيد من أهل البصرة، قال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: ليس بأس به، انظر "الجرح والتّعديل" (6/377). لكن ذكره الإمام الذّهبيّ في "الميزان" (5/356) و"المغني في الضّعفاء" (2/77) وفي "ديوان الضّعفاء والمتروكين" (308)، وقال :[ قال ابن معين: ضعيف]، لكن ذكر أنّه يروي عن أنس، ولا أظنّه هذا الذي عندنا في الأثر.
[97]"ذيل ديوان الضعفاء" (58).
[98]"العلوّ للعليّ الغفّار" (81)، وقول الذّهبيّ (أبو عمير لا أعرفه)، لأنّه كذا ورد عند اللالكائي (أبو عمير الحنفي)، لكن عند الصّابوني جاء (أبو المغيرة الحنفي).
[99]"طبقات الشّافعيّة الكبرى" (4/285 ـ 288).
[100]"عقيدة السّلف" (15 ـ 18).
[101]"عقيدة السّلف" (24).
[102]"عقيدة السّلف" (27).
[103]"الأربعين في صفات ربّ العالمين" (93 ـ 94).
[104]"الأربعين في صفات ربّ العالمين" (91 ـ 93).
[105]"الأربعين في صفات ربّ العالمين" (94 ـ 95).
[106]"أعلام الحديث" (4/2347).
[107]"أعلام الحديث" (4/2347).
[108]"أعلام الحديث" (4/637 ـ 639).
[109]"غريب الحديث" (3/198).
[110] "أعلام الحديث" 3/2238).
[111] انظر "أعلام الحديث" (3/1898 ـ 1902).
[112] "فتح الباري" [ كتاب التّفسير ـ باب ﴿وما قدروا الله حقّ قدره﴾ ] (رقم 4811).
[113] رواه الدّارقطنيّ في "الصّفات" (71 ـ 72) وابن عبد البرّ في "التّمهيد" (7/ ـ 149148) والذّهبيّ في "العلوّ" (156) ـ مع تقديم وتأخير وبعض زيادة ـ بإسناد صحيح.
[114] إمام عالم قدوة حافظ ذو فنون، ينتهي نسبه إلى الصّحابيّ الجليل عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه، انظر ترجمة أبي محمد المزنيّ في "السير" (16/181 ـ 184) وفي"طبقات الشّافعيّة الكبرى" (3/17 ـ19).
[115]"الأنساب" للسّمعانيّ (12/184).
[116]إمام مقرئ محقّق محدّث حافظ أثريّ، انظر ترجمته في "السير" (17/566 ـ568).
[117]كلامه هذا نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيميّة في "مجموع الفتاوى" (5/577 ـ 578)، وقد سبق ذكر كلام الإمام ابن معين رحمه الله تعالى.
[118]هكذا رواه أبو داود في "سننه" [ أوّل كتاب السّنّة ـ باب في الجهميّة ] هكذا في أكثر الطبعات، وفي طبعة [ باب في الردّ على الجهميّة ]، وعند الخطّابيّ [ ومن باب الرّدّ على الجهميّة والمعتزلة ] حديث (7/103 رقم 4721).
[119]"معالم السّنن" (4/328-329).
[120] "الأسماء والصّفات" (2/320).
[121] "عون المعبود" (13/15).
[122] "العلوّ" (45).
[123]"عون المعبود شرح سنن أبي داود" (13/ 16).
[124]"العلوّ للعليّ الغفّار" (45).
تنبيه: قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في كتابه "البداية والنّهاية" (1/18) :[ وقد صنّف الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الدّمشقيّ جزء في الرّدّ على هذا الحديث، سمّاه بـ "بيان الوهم والتّخليط الواقع في حديث الأطيط" واستفرغ وُسْعه في الطّعن على محمد بن إسحاق بن يسار راويه، وذكر كلام النّاس فيه، ولكن قد روي هذا اللّفظ من طريق أخرى، عن غير محمد بن إسحاق، ... ]، وذكر أنّ فيه راويا غير مشهور، وفي سماعه عن عمر فيه نظر، واختلف في رفعه ووقفه، ومنهم من يزيد فيه زيادة غريبة.
[125] "تفسير القرآن العظيم" (1/685).
[126]انظر بحثا له في كتابه "تهذيب السّنن ـ بهامش عون المعيود" (13/9).
[127]"تفسير القرآن العظيم" (3/427).
[128]وسيأتي الجواب عمّا نقله المؤلّف عن الإمام ابن عبد البر في كلام الإمام الخزاعيّ رحمة الله على الجميع.
[129]"تفسير القرآن العظيم" (8/399).
__________________
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ الأديب محمد بوسلامة الجـزائـري :

(إنّ مدرستنا قد انهارت وإنّ مجاري التعليم قد غارت فلو لم يتلاف هذا الأمر بقية العلماء في هذه الديار وأهل السعة من الصالحين وولاة الأمور فسوف تتهافت بين ايديهم الاجيال كما تتهافت الفراش على شعلة الفتيل فكم من جريح وكم من قتيل إنّه تهافت الأجيال الذي تزول به الدول وتضعف منه الأمم وتنقرض به الحضارات إنني أدعو إلي حماية المواهب من المخمدات التي تمالأت على إطفائها فتبلغ بناشئة الأجيال إلى التخاذل والشعور بالنقيصة والقصور فلا تنهض له الهمم ولا ترتقي عزائمهم القمم إننا في زمن قد كثرت فيه عوامل الخفض والسكون وقلت فيه عوامل الرفع ونسأل الله الفتح المبين) - حماية المواهب -
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-08-2017, 08:08 AM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,046
افتراضي

جزاك الله خيرا فضيلة الشيخ محمد بن خدة و نفع بكم
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-08-2017, 10:44 AM
نجيب بن منصور المهاجر نجيب بن منصور المهاجر غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 3,045
افتراضي

اللهم سدد رميه وشدّ أزره وبارك اللهم له فيما يقول ويعمل
__________________
قُلْ للّذِينَ تَفَرَّقُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُم فِي العَالَمِين البَيِّنَة
إنَّ الّذِينَ سَعَوْا لِغَمْزِ قَنَاتِكُمْ وَجَدُوا قَنَاتَكُمْ لِكَسْرٍ لَيِّنَة
عُودُوا إِلَى عَهْدِ الأُخُوَّةِ وَارْجِعُوا لاَ تَحْسَبُوا عُقْبَى التَّفَرُّقِ هَيِّنَة

«محمّد العيد»
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-08-2017, 11:51 AM
عابد الرحمان عابد عابد الرحمان عابد غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Oct 2015
الدولة: الجزائر
المشاركات: 108
افتراضي

نسأل الله ان يزيده في العلم و الفضل و أن يجزيه عنّا خير الجزاء
__________________
يقول العلامة إبن باديس رحمه الله :(ينبغي إذا أردت المباحة بين الكتاب أن تكون في دائرة الموضوع وجدود الأدب وبروح الإنصاف ،وخيرا أن تقيم الدليل على ضلال خصمك أو على غلطه أوعلى جهله ،من أن تقول له ياضال أو ياجاهل أو ياغالط ، فبالأول تَحُجُه ،أويكفيك إعتراف قرائك .... وبالثاني تهيجه فيعاند ،ويُضيٍع ما قد يكون معك من حق بما فاتك معه من أدب ) الشهاب
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-10-2017, 06:05 PM
عبد الله زياني عبد الله زياني غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 853
افتراضي


قول البوروبي: عقيدة المجسّمة والمشبّهة والإسرائيليات والكراميّة، مضافا إليها فلسفة ابن تيميّة...الخ

اكاد اجزم ان قصده من اضافة 'الإسرائيليات' هو كون العوام اذا سمعوا هذه الكلمة تبادرت إلى أذهانهم دولة اليهود فيكون بهذا قد لبس وربط في أذهان العامة بين أهل السنة ودولة اليهود.

__________________

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻟك ﺍﻟﺤﻤﺪ.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:09 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.