أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
51430 94165

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-27-2009, 07:48 PM
أبو أحمد السلفي الجزائري أبو أحمد السلفي الجزائري غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 1
افتراضي "كونوا قوامين بالقسط" من كلام شيخ الاسلام

الحمد لله على نعمه المتتالية،وأياديه المتواليةّ،نحمده أن هدانا للنهج المستقيم،وعرفنا الطريق القويم،بعد أن أضل عنه أقوام،و أزاغ عنه أفهام.
كما نحمده على أن جمعنا بعد الفرقة وألقى بيننا المحبة والألفة ووعد من كان هذا حاله أن يظله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
والصلاة والسلام على النبي المختار الذي آخى بين المهاجرين والأنصار،ووحدهم تحت كلمة التوحيد والدعوة إلى الدين المجيد فصدقوا ما عاهدوا الله عليه فرضي الله عنهم ورضوا عنه.
أما بعد: فان هذه الكلمة المسطرة لا غرض لصاحبها إلا محاولة الإصلاح لما فسد بين السلفيين والنصيحة لطلبة العلم الموفقين.
إذ أن هذا السبيل سبيل الرسل والنبيين "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله "... "والصلح خير".
جعلتها مستنيرة بتقرير عالم نحرير، وفقيه نفسه كبير، من جمع الله له بين العلم والعمل، وبين الجهاد بالسنان والقلم.ألا وهو شيخ الإسلام قدس الله روحه ونور ضريحه.وقد فعل.
نقلا عن كتاب "الاستقامة " الذي يذكرنا عنوانه بقول الله تعالى "و أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا" وقوله" الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " وبقوله صلى الله عليه وسلم لمن استشاره "قل آمنت بالله ثم استقم " فان الاستقامة حقيقة الاستقامة هي اتباع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير انحراف عنها لا لشهوة ولا لشبهة ولا لعصبية لشخص أو جماعة وهي حقيقة التقوى التي قال طلق بن حبيب في الفتن اتقوها بالتقوى وفسره "بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله وترك معصية الله عل نور من الله رجاء ثواب الله "فجمع بين الإخلاص وهو الشرط الأول .وبين الإتباع في قوله :"على نور من الله" ونور الله الكتاب والسنة قال الله تعالى " وكذلك أوحينا إليك أمرا من عندنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان و لكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء".
هذه الاستقامة التي تتطلب منا الحرص على الحق ولو كان علينا كما أمرنا الله بذلك قال "ياأيها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله " الآية .
ولذلك اتفق أهل السنة على إحقاق الحق ولو جاء به بعيد بغيظ وإبطال الباطل ولو جاء به قريب حبيب. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "صدقك وهو كذوب " وقصة اليهودي الذي قال "إنكم تشركون " فاستجاب النبي صلى الله عليه وسلم لداعي الحق بغض النظر عن قائله. فالاستقامة تتطلب منا أن نقبل على الحق بقلب سليم خال من الشهوات ومن الشبهات مرددين دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرائيل فاطر السموات والأرض أنت تحكم بين عبادك فيما اختلفوا فيه اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك على كل شيء قدير" وهذا أوان الشروع في المقصود .والله الموفق .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب الاستقامة ص48:
" فصل
فيما اختلف فيه المؤمنون من الأقوال والأفعال في الأصول والفروع . فإن هذا من أعظم أصول الإسلام الذي هو معرفة الجماعة وحكم الفرقة والتقاتل والتكفير والتلاعن والتباغض وغير ذلك.
فنقول:هذا الباب أصله المحرم فيه من البغي .فان الإنسان ظلوم جهول .
قال الله تعالى "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه و ما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ماجاءتهم البينات بغيا بينهم ..." في غير موضع .
.....ومن هذا الباب ماهو من باب التأويل والاجتهاد الذي يكون الإنسان مستفرغا فيه وسعه علما وعملا .
ثم إن الإنسان قد يبلغ ذلك ولا يعرف الحق في المسائل الخبرية الاعتقادية وفي المسائل العملية الاقتصادية.والله سبحانه – قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان بقوله تعالى " ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ".
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس و من حديث أبي هريرة-رضي الله عنهم- عن النبي صلى الله عليه وسلم:أن الله استجاب لهم هذا الدعاء و قال: قد فعلت و أنهم لن يقرؤوا بحرف منها إلا أعطوه.وهذا مع قوله تعالى:"و الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة".
وقوله دليل على أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها..."إلى أن قال:"فالخطأ والنسيان هو من باب العلم يكون: إما مع تعذر العلم عليه أو تعسره عليه. والله قد قال:"وما جعل عليكم في الدين من حرج" وقال:"يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه لمعاذ وأبي موسى لما أرسلهما إلى اليمن .((يسرا ولا تعسر .وبشرا ولا تنفرا .وطاوعا ولا تختلفا )).
وإذا كان كذلك فما عجز الإنسان عن عمله واعتقاده حتى يعتقد ويقول ضده خطأ أو نسيانا.فذلك مغفور له .كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران .وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر )) . فله يكون فيما هو من باب القياس والنظر بعقله ورأيه . ويكون فيما هومن باب النقل والخبر الذي يناله بسمعه وفهمه وعقله .ويكون فيما هو من باب الإحساس والبصر الذي يجده ويناله بنفسه .
فهذه المدارك الثلاثة قد يحصل للشخص بها علم يقطع به . ويكون ضروريا في حقه .مثل:مايجده في نفسه من العلوم الضرورية.ومثل:ماسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم .أو من المخبرين له الصادقين خبرا يفيده العلم .كالخبر المتواتر الذي يفيده العلم تارة بكثرة عدد المخبرين.وتارة بصفاتهم.وتارة بهما.وغير ذلك مما يفيد العلم .
وقد يكو ن مما علمه بآثاره الدالة عليه.أو بحكم نظره المساوي له من كل وجه .أو الذي يدل على الآخر بطريق الأولى والتنبيه ونحو ذلك .ومع هذا فتكون هذه العلوم أو خفائها(1). أو لوجود ما يعتقد المعتقد أنه يعارض ولا يكون معارضا في الحقيقة.فيشتبه بالمعارض.لاشتباه المعارض .لاشتباه المعاني أو لاشتراك الألفاظ.
فهذا من أعظم أسباب اختلاف بني ادم من المؤمنين وغيرهم. ولهذا نجد في المختلفين كل طائفة تدعي العلم الضروري.فما يقوله إما من جهة القياس والنضر.وإما من الجهة السماح والخبر .وإما من جهة الإحساس والبصر.ولا تكون واحدة من الطائفتين كاذبة بل صادقة .لكن يكون قد أدخل مع الحق ما ليس منه في النفي والإثبات لاشتباه المعاني واشتراك الألفاظ. فيكون حينئذ ما ينفيه هذا يثبته الآخر .ولو زال الاشتباه والاشتراك .زال الخلاف التضادي .وكان اختلاف الناس في مسائل الجبر والقدر . ومسائل نفي الجسم وإثباته .ونفي موجب الأخبار.واثبات ذلك –هو من هذا الباب .
وقول القائل:إن الضروريات يجب اشتراك العقلاء فيها .خطأ .بل الضروريات كالنظريات .تارة يشتركون فيها وتارة يختص بها من جعل له قوة على إدراكها.
وكذلك قول القائلين:إن الطائفة التي تبلغ عدد التواتر لا يتفقون على جحد الضروريات .ليس بصواب . بل يتفقون على ذلك إذا تواطؤوا عليها .وخبر التواتر-متى كان عن تواطؤ –لم يفد العلم .وإنما يفيد العلم لانتفاء التواطؤ فيه .وإذا كان كذلك فقد يكون المختلفون قد اجتهد أحدهم فأصاب .ويكون الآخر اجتهد فأخطأ .فيكون للأول أجران وللثاني أجر.مع أن خطأه مغفور له . وقد يكون كلاهما اجتهد فأخطأ فيغفر لهما جميعا مع وجود الأجر .
ويكون الصواب في قولنا ثالثا.أما تفصيل ما أطلقوه .مثل .أن ينفي هذا نفيا عاما .ويثبت الآخر ما نفاه الأول .فيفصل المفصل ويثبت البعض دون البعض.وكذلك في المعنى المشتبه واللفظ المشترك: يفصل بين المعنى وما يشبهه إذا كان مخالفا له .وبين معنى لفظ و معنى لفظ.
ثم انه من مسائل الخلاف ما يتضمن أن اعتقاد أحدهما يوجب عليه بغض الآخر ولعنه أو تفسيقه أو تكفيره أو قتاله .فإذا فعل ذلك مجتهدا مخطئا .كان خطؤه مغفورا له .وكان ذلك في حق الآخر محنة في حقه و فتنة وبلاء ابتلاه به .
وهدا حال البغاة المتأولين مع أهل العدل .سواء كان ذلك بين أهل اليد والقتال من الأمراء ونحوهم .أو بين أهل اللسان والعمل من العلماء والعباد ونحوهم .وبين من يجمع الأمرين .
ولكن الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغي .لا لمجرد الإجتهاد .كما قال تعالى :"وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاء هم العلم بغيا بينهم ".وقال:" ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيئ " وقال:"ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات".
فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ .بل مع نوع بغي . ولهذا نهي النبي "صلى الله عليه وسلم " عن القتال في الفتنة .وكان ذلك من أصول السنة .وهذا مذهب أهل السنة والحديث .وأئمة أهل المدينة من فقهائهم وغيرهم...."إلى أن قال:" وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها.في باب الصفات والقدر و الإمامة وغير ذلك .هو من هذا الباب فيه المجتهد المصيب وفيه المجتهد المخطئ .ويكون المخطئ باغيا .وفيه الباغي من غير اجتهاد .وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر .
وكل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين –سواء كان قولا أو فعلا –ولكن المصيب العادل عليه أن يصبر عن الفتنة .ويصبر على جهل الجهول وظلمه إن كان غير متأول .وأما إن كان ذاك أيضا متأولا فخطؤه مغفور له . وهو فيما يصيب به من أذى بقوله أو فعله له أجر على اجتهاده .وخطؤه مغفور له .وذلك محنة وابتلاء .في حق ذلك المظلوم .فإذا صبر على ذلك واتقى الله كانت العاقبة له .كما قال الله تعالى :"وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا"وقال تعالى:"لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور".
فأمر -سبحانه- بالصبر على أذى المشركين وأهل الكتاب مع التقوى .وذلك تنبيه على الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض.متأولين كانوا أو غير متأولين.
وقد قال سبحانه :"ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى".فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا عليهم .فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان ؟فهو أولى أن يجب عليه ألا يحمله ذلك على ألا يعدل على مؤمن .وان كان ظالما له.
فهذا موضع عظيم المنفعة في الدين والدنيا .فإن الشيطان موكل ببني آدم .وهو يعرض للجميع .ولا يسلم أحد من مثل هذه الأمور –دع ما سواها –من نوع تقصير في مأمور أو فعل محظور .باجتهاد أو غير اجتهاد .و إن كان هو الحق.
وقال-سبحانه –لنبيه صلى الله عليه وسلم :"فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي و الإبكار".فأمره بالصبر .واخبره أن وعد الله حق .وأمره أن يستغفر لذنبه.
ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به.فانه –سبحانه –أمر بالحق و أمر بالصبر. فالفتنة إما من ترك الحق. و إما من ترك الصبر.
و إن كان مجتهدا في معرفة الحق ولم يصبر.فليس هذا بوجه الحق مطلقا .لكن هذا وجه نوع حق فيما أصابه. فينبغي أن يصبر عليه .
و إن كان مقصرا في معرفة الحق.فصارت ثلاثة ذنوب:أنه لم يجتهد في معرفة الحق و أنه لم يصبه و أنه لم يصبر.
و قد يكون مصيبا فيما عرفه من الحق فيما يتعلق بنفسه ولم يكن مصيبا في معرفة حكم الله في غيره .وذلك بأن يكون قد علم الحق في أصل يختلف فيه بسماع وخبر .أو بقياس و نظر.أو بمعرفة وبصر.ويظن مع ذلك أن ذلك الغير التارك للإقرار بذلك الحق عاص أو فاسق أو كافر.ولا يكون الأمر كذلك .لان ذلك الغير يكون مجتهدا .قد استفرغ وسعه ولا يقدر على معرفة الأول لعدم المقتضي و وجود المانع.
وأمور القلوب لها أسباب كثيرة.ولا يعرف كل أحد حال غيره من إيذاء له بقول أو فعل قد يحسب المؤذى-إذا كان مظلوما لا ريب فيه- أن ذلك المؤذي محض باغ عليه .ويحسب أنه يدفع ظلمه بكل ممكن .ويكون مخطئا في هذين الأصلين. إذ قد يكون المؤذي متأولا مخطئا .وإن كان ظالما لا تأويل له فلا يحل دفع ظلمه بما فيه فتنة بين الأمة .وبما فيه شر أعظم من ظلمه .بل يؤمر المظلوم ههنا بالصبر .فان ذلك في حقه محنة وفتنة .
وإنما يقع المظلوم في هذا لجزعة وضعف صبره .أو لقلة علمه وضعف رأيه .فإنه قد يحسب(2) أن القتال ونحوه من الفتن يدفع الظلم عنه .ولا يعلم انه يضاعف الشر كما هو الواقع .وقد يكون جزعه بمنعه من الصبر.
والله –سبحانه –وصف الأئمة بالصبر واليقين .فقال:"وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون" وقال:"و تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"
وذلك أن المظلوم وإن كان مأذونا له في دفع الظلم عنه بقوله تعالى:"ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل".فذلك مشروط بشرطين:
احدهما:القدرة على ذلك
والثاني:ألا يعتدي .
فإذا كان عاجزا أو كان الإنتصار يفضي إلى عدوان زائد .لم يجز. وهذا هو أصل النهي عن الفتنة فكان إنما إذا كان المنتصر عاجزا وانتصاره فيه عدوان فهذا هذا.
ومع ذلك .فيجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب إظهار السنة والشريعة .والنهي عن البدعة والضلالة بحسب الإمكان .كما دل على وجوب ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة"....إلى أن قال:
"و البدعة مقرونة.بالفرقة .كما أن السنة مقرونة بالجماعة فيقال: أهل السنة والجماعة.كما يقال أهل البدعة والفرقة .وقد بسطنا هذا كله في غير هذا الموضع". فانظر إلى هذا الكلام ما أعظمه كلام من راقب الله في أقواله و أفعاله و من يعالج البدع والمخالفات بالشرع لا بالهوى فرحمه الله و أجزل له الثواب.
-قال أبو أحمد: فقد ذكر رحمه الله حالة المتنازعين وأن كل واحد منهما قد يكون مجتهدا مغفورا له إذا أتى الإجتهاد من بابه وسلك فيه سبيل أهل العلم والمعرفة .فمن أخطأ ممن كان هذا سبيله وزل في مسألة علمية أو عملية فهو مغفور له مأجور على اجتهاده مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم من رد عليه و أراد تبيين خطئه نصيحة للأمة وجب عليه أن يسلك سبيل الإنصاف معه فلا يبغي عليه ولا يحشره في زمرة أهل الأهواء والبدع من تلقاء نفسه بل عليه أن يراقب الله فيه "و أمور القلوب لها أسباب كثيرة " كما قال الشيخ.
ثم إن بغي عليك يا أيها المجتهد حتى لو كان الحق معك والباطل مع غيرك فعليك أن تصبر وتحتسب وتعفو وتصفح."إذ لا يعرف كل أحد حال غيره من إيذاء له بقول أو فعل. قد يحسب المؤذى – إذا كان مظلوما لا ريب فيه – أن ذلك المؤذي محض باغ عليه . ويحسب أنه يدفع ظلمه بكل ممكن .ويكون مخطئا في هذين الأصلين إذ قد يكون المؤذي متأولا مخطئا وإن كان ظالما لا تأويل له فلا يحل دفع ظلمه بما فيه فتنة بين الأمة .وبما فيه شر أعظم من ظلمه بل يؤمر المظلوم ههنا بالصبر .فان ذلك في حقه محنة وفتنة ".
أقول: فتنبهوا إلى قوله "فلا يحل دفع ظلمه بما فيه فتنة بين الأمة "
ففيه من الفقه العظيم .والفهم العميق ما يتبين لأولي الألباب .
إذ أن مصلحة الأمة مقدمة على مصلحة الفرد ومن القواعد المسلمة والتي قيل إن الشرع جمع فيها:"قاعدة جلب المصالح وتكثيرها" و من تكثيرها تقديم المصلحة العليا على الدنيا وما أحسن المثال الذي ضربه شيخ الإسلام في ذلك وهو الخروج على الحاكم الظالم .فليراجعه من شاء .
-ولنضرب مثالا تطبيقيا في العفو على من بغى وظلم في صورة إقترن فيها العلم و العمل من هذا الإمام فقد ذكر ابن عبد الهادي في "الإنتصار "أو"العقود الدرية "(ص224):"فلما كان في رابع شهر رجب من سنة إحدى عشرة و سبعمائة جاء رجل-فيما بلغني-إلى أخيه الشيخ شرف الدين وهو في مسكنه بالقاهرة فقال له:إن جماعة بجامع مصر قد تعصبوا على الشيخ و تفردوا به و ضربوه.
فقال:حسبنا الله و نعم الوكيل. و كان بعض أصحاب الشيخ جالسا عند شرف الدين قال:فقمت من عنده و جئت إلى مصر فوجدت خلقا كثيرا من الحسينية و غيرها رجالا وفرسانا يسألون عن الشيخ فجئت فوجدته بمسجد الفخر كاتب المماليك على البحر و اجتمع عنده جماعة و تتابع الناس و قال له بعضهم:يا سيدي قد جاء خلق من الحسينية ولو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا.
فقال لهم الشيخ:لأي شيء؟قال: لأجلك. فقال لهم:هذا ما يجوز.
فقالوا:نحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوك فنقتلهم و نخرب دورهم فإنهم شوشوا على الخلق و أثاروا هذه الفتنة على الناس.
فقال لهم:هذا ما لا يحل.قالوا:فهذا الذي فعلوه معك يحل؟ هذا ما لا نصبر عليه و لا بد أن تروح إليهم و نقاتلهم على ما فعلوا.والشيخ ينهاهم و يزجرهم.فلما أكثروا في القول قال لهم:إما أن يكون الحق لي أو لكم أو لله فإن كان الحق لي فهم في حل منه ،و إن كان لكم فإن لم تسمعوا مني فلا تستفتوني فافعلوا ما شئتم ،وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه إن شاء كما يشاء.
قالوا:فهذا الذي فعلوه معك هو حلال لهم؟
قال:هذا الذي فعلوه قد يكونون مثابين عليه مأجورين فيه.
قالوا:فتكون أنت على الباطل و هم على الحق؟فإذا كنت تقول إنهم مأجورون فاسمع منهم ووافقهم على قولهم.
فقال لهم: ما الأمر كما تزعمون فإنهم قد يكونون مجتهدين مخطئين ففعلوا ذلك باجتهادهم و المجتهد المخطئ له أجر".ثم ذكر قصة خروجه إليهم وكلامه في المسألة المتنازع فيها حتى خرج أتباع خصومه وهم يقولون:"والله لقد كنا غالطين في هذا الرجل لقيامنا عليه و الله إن الذي يقوله هذا هو الحق".
قال أبو أحمد:فانظروا رحمكم الله إلى هذا العالم الفذ الذي اجتمع فيه العلم والعمل فهو لا يقول قولا إلا ويضرب الأمثلة في العمل به وتطبيقه و لا جرم فهو شيخ الإسلام ومفتي الأنام اسكنه الله فسيح جناته.وقد فعل.
وبعد هذا العرض النظري التأصيلي لكيفية التعامل مع الأقوال الخاطئ منها والمصيب ،فلنسقطها على ما يدور على الساحة اليوم لنخرج بمنهج عرض الأقوال ومناقشتها والتعامل مع أصحابها على ضوء الكلام السالف والله الموفق ...................يتبع بإذن الله
(1)كذا في الأصل و يظهر أن فيه سقطا ولعل أقربه إلى مراد المؤلف أن يقال:"فتكون هذه الطرق غير مفيدة للعلم عنده لإفادة هذه العلوم للظن أو لخفائها..." و الله أعلم .
(2)في الأصل"يحجب".
لا تحقرن الرأي وهو موافق
حكم الصواب إذا أتى من ناقص
فالدر و هو أعز شيء يقتنا
ما ضر قيمته هوان الغائص
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:13 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.