أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
75926 89305

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-22-2017, 06:58 PM
ابوعبد المليك ابوعبد المليك غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 4,441
افتراضي حُكم الكراهة النفسية - الشيخ احمد بن مسفر العتيبي


هذا مبحث لطيف حول حُكم الكراهة النفسية وما يتعلَّق بها من فوائد.
وهذه المسألة مهمة لأن كثيراً من مآلات الأفعال تتعلَّق بها ، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات .

والمقصود بالكراهة النفسية : المقت والبغض للغير بأمر باطني لا يُعرف سببه .
وقد يكون الباعث للكراهة سوء الطبع أو العادة أو التربية أو الغَيرة ، أو المذهب والمعتقد ، أو وحر الصدر وسوء النية والطوية .
وقد تكون الكراهة جلية وقد تكون خفية ، وقد تكون دائمة وقد تكون لحظية ، وقد تزول من نفسها وقد لا تزول إلا بالعلاج .

ومن أمثلة الكراهة النفسية في واقع الناس اليوم :
كراهةُ الداخلِ إلى المجلس ، كراهة شخصٍ يتكلَّم في جماعة من الناس ، كراهة تسوية الصف ، كراهة الجالس بين اثنين ، كراهة من يَنصح أو يُصلح في خصومة ، كراهة أحد الأقارب لغير مُوجبٍ شرعي ، ونحوها .

ومثل ما ذكره المؤرِّخون عن بعض العرب أنه كان رجل في سفر فضلَّ الطريق، فرأى بيتاً في الفلاة، فأتاه، فإذا بأعرابية فيه، فلما رأته قالت: أهلاً ومرحباً بالضيف، انزل على الرحب والسعة، وأرسلت إليه طعاماً، فأكل وشرب، فبينما هو كذلك أقبل صاحب البيت، فقال لزوجته: ما هذا؟ قالت: ضيف، فَسمعهُ يقول لها: لا أهلاً، ولا مرحباً بالضيف، مالنا وللضيف، فلما سمع كلامه ركبَ وسار، فلما كان في الغد رأى بيتاً آخر فقصده، فإذا أعرابية، فلما رأته قالت: لا أهلاً، ولا مرحباً، مالنا وللضيف، فبينما هي تُكلِّمه أقبل صاحب البيت، فقال: أهلاً ومرحباً بالضيف، ثم أتاه بطعام حسن، فأكل وشرب، فتذكَّر الرجلُ ما مر به بالأمس؛ فتعجب وتبسم، فقال صاحب الدار: مم تتبسم؟ فقصَّ عليه ما حدث له بالأمس مع الأعرابية تلك وزوجها، فقال صاحب الدار: لا تعجب؛ إن تلك الأعرابية هي أختي، وإن بعلها هو أخو امرأتي هذه، فغلب كل على طبع أهله! .

وما تقدَّم قد يكون شِبه قاعدة مُطرِّدة ، فقد جاء في الحديث المرفوع:
” إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود، وبين ذلك، والسهل والحزْن، والخبيث والطيب” . رواه الترمذي، وإسناده صحيح .

وقد تحاورتُ بالأمس مع بعض المحبِّين في قول الله تعالى : ” كُلَّما دخلت أمةٌ لعنت أُختها ” ( الأعراف :38 ) وسألني المحبٌّ : هل يُستأنس لكل أحد؟ .
فأجبتُه : أن هذه المسألة قضية حملية كما يقول المناطقة ، ليس لها جواب بعينه لا يتغيَّر ، غير أن لهذا المعنى نظائر في الدنيا ،كقول الأحيمر السعدي ( ت: 170هـ ) وهو من مشاهير هوازن ، عفى الله تعالى عنه :

عَوى الذِئبُ فَاِستَأنَستُ بِالذِئبِ إِذا عَوى *** وَصَوَّتَ إِنسانٌ فَكِدتُ أَطيرُ
يَرى اللَهُ إِنّي لِلأَنيسِ لَكارِهٌ *** وَتُبغِضُهُم لي مُقلَةٌ وَضَميرُ
فَلِلَّيلِ إِن واراني اللَيلُ حكمُهُ *** وَلِلشَمسِ إِن غابَت عَلَيَّ نُذورُ
وَإِنّي لَأستَحيي مِنَ اللَهِ أَن أُرى **أجَرِّرُ حَبلاً لَيسَ فيهِ بَعيرُ
وَأَن أَسأَلَ المَرءَ اللَئيمَ بَعيرَهُ **وَبَعرانُ رَبّي في البِلادِ كَثيرُ .
وهي قصيدة فائقة وفيها من المعاني النفيسة والأدبية ما يحتملُ صفحات كثيرة .

قد يتعجب البعضُ من الميل لصوت الذِّئب والنُّفرة من صوت الإنسان ، وقد وقع هذا قديماً كحال الشاعر الذي كان مُطارداً وغريبا ً،ويقع الآن في زمننا بين الأفراد والجماعات بل حتى بين الأقارب والأصهار.

وأكثر ما يظهر حاله للمكلومين والمحرومين والمظلومين أو لغيرهم ممن ينجذبُ لهم . وهذا مشاهد اليوم في الشام والعراق واليمن وبورما وأفريقيا الوسطى ، نسأل الله العافية .
لكن كما قال الإمام الفتوحي( ت: 972هـ) رحمه الله تعالى : ” أكثر العمومات مخصوصة ” .
فهناك أسباب كثيرة للاستئناس كالاحسان والعطف ولين الجانب والنجدة وتفريج الكربات الشخصية ونحوها من المعاني .

وليس عكس هذه المعاني فحسب هو ما يضعف الاستئناس أو يُخفِّفه ، بل يزيد عليها العرف الفاسد الذي درج عليه المرء مع أهله أو بيئته أو أقرانه – مع نسيان تعديل الطبع – ككراهية الغريب أو البعيد ، أو الإمتعاض من أهل الدِّين ، وكالطمع فيما في يد الغير وعدم الرِّضا عن النفس ، أو مقت كل مستطاب عند الناس لمرض نفسي ، والغيرة من الأقران ونحوها من المعاني الرديفة .

ولهذا من يتأمل قصة يوسف عليه السلام وخبره مع إخوته يجد في ثناياها من المعاني المتقدِّمة ما يُناسب حالهم مع التسليم بتوبتهم وتصحيح مقصدهم .
ومن قرأ في السيرة النبوية وتأمل وتدبر حال المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الناس والأقارب والأباعد يلحظ أنه كان يجمع بين الرِّفق والشدة أحياناً ، ليعرف الناس فضل الإحسان وشؤم الكراهة والهجران ، والأجر الحاصل في بذل المعروف بين الاخوان ، وضرورة الجمع بين القوة والرفق لمعرفة أحوال الناس وطبائعهم .

وكراهية الطبع لا إثم فيه إذا كان من ينقده لا يؤذي صاحبه ، لكن الواجب المداومة على الرفق واللِّين بتعديله إلى ما يوافق الوحي .

وقصة المرأة الشهيرة لا تخفى على كل لبيب حين قالت :” زوجي لحمُ جملٍ غثِّ، على رأس جبل وعر”، والمعنى : قليل من لحم جمل على قمة عالية، ومن الذي سيصعد ويجهد نفسه ويتسلق الجبل لأجل قليل من لحم غث ؟ فمقصدها أنه :” لا سهل فيرتقى ، ولا سمين فينتقى” أي: ليس جبلاً سهل المرتقى، فيمكن الصعود عليه لنأكل اللحم الذي عليه، وليت الجبل إذ هو وعر أن يكون هذا اللحم لحم ضأن مثلاً أو نحوه! .
وهي تريد بهذا أن تقول : إن الرجل جمع ما بين سوء الخلق وسوء المعشر، فأخلاقه سيئة جداً فلا يستأنس به ، لدرجة أنك إذا أردت أن تُرضيه كأنك تتسلَّق جبلاً ! .
وهناك بعض الناس هكذا، إذا أردت أن تُرضيه تبذل جهداً عظيماً حتى يرض عنك ، فأخلاقه وعرة كوعورة الجبل ! .

لكن عند التربويين قد يكون ما تقدَّم ضرب من ضروب التهذيب والتأديب وشحذ الهمم ، كالتبسُّم عند الغضب والهجر الجميل والتدريب على تحمل الشدائد ، وقد يظنه بعض الناس قسوة أو تكبراً أو غروراً بالنفس كما يقع من بعض الجهال .
وقد كان سمت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على هذا النحو ، لكنه على فطرة سليمة وصالحة ، من غير ظلمٍ لأحد .

من الناحية الحكمية ضيق الأخلاق أو البلاد لا أثر له في الحكم الشرعي لأنه قد يكون أمراً نفسياً أو أمرا كونياً ، فالعبرة بالعمل ومآل الفعل ،سواء كان في بلده أو في بلدٍ غريب عنه ، أو في مفازةٍ أو في بئرٍ . وقد قال الشاعر :

لعمري ما ضاقت بلادٌ بأهلها
ولكن أخلاق الرجال تضيقُ .
فالراحة النفسية لا يجوز شرعاً قصرها على البلد أو الوطن، لأن الأرض لا تُقدِّس أحدًا إنما يُقدِّس الإنسان عمله، كما روي عن سلمان رضي الله عنه .

أما الاستدلال بحديث : ” إن الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها ” أخرجه مسلم ، على أن البلد يُؤنس صاحبه فهو بعيد ، لأن المقصود أن الفساد يعم كل البلاد في آخر الزمان حتى يعود الإيمان إلى المدينة كما بدأ منها ، فكل إنسان مرهون بعمله لا ببلده .
ولهذا تظافرت النصوص والسِّير على هذا الفقه الذي ضعف اليوم في واقعنا بسبب نعمة التقنية التي اغترَّ بها الناس وبسبب الغفلة عن نور الإيمان .

وقد جاء في المرفوع : ” ليِنوا بأيدي إخوانكم ” أخرجه أبو داود بإسناد صحيح ، و” المؤمن كالجمل الُأنف حيثما قِيد انقاد ” أخرجه ابن ماجة بإسناد صحيح .
والنصوص في ذم البداوة التي تُفسد الأخلاق لا تخفى على ذي بصيرة . فالحمد لله على نعمة الإسلام والعافية .
ومن لطائف ابن قدامة (ت: 620هـ )رحمه الله تعالى الفقيه المربِّي : أنه كان لا يُناظر أحداً إلا وهو يبتسم، حتى قال بعض الناس: هذا الشيخ يقتل خَصمه بتبسُّمه .
فيُفهم مما تقدَّم وجوب الإستئناس للمؤمنين مهما كانت منازلهم وأحوالهم ، وقد قال جرير البجلي رضي الله عنه : ” ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي ” أخرجه البخاري .
والعلاج الناجع للكراهة النفسية تكون بتهذيب النفس على مراحل حتى تكون على ما أمر الله وأحبَّ .
وقد روى الأحنف بن قيس في تعلُّمه للحلم : بينما نحن عند قيس بن عاصم، وهو قاعد بفنائه مُحتبٍ بكسائه أتته جماعة فيهم مقتول ومكتوف، فقالوا: هذا ابنك -القتيل- قتله ابن أخيك، فو الله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه التفت إلى ابن أخيه، فقال: يا ابن أخي، بئس ما فعلتَ؛ أثمت في دينك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمِّك، ورميتَ نفسك بسهمك، ثم التفت إلى ابنٍ آخر له، فقال: قم يا بني فأطلق ابن عمِّك، وواري أخاك، واحمل إلى أُمِّه مائة من الإبل؛ فإنها غريبة تزوجتها من قوم بعيدين ! .

والإنسان مثلاً إذا ثار به الغضب فكَّ سورته بالحزم، وأطفأ ثائرته بالحلم فهو المرجو، وقد كان بعض الملوك أوصى إذا غضب أن تُلقى بين يديه مفاتح مقابر الملوك، فكان إذا غضب ألقيت بين يديه؛ فيسكن.
وقد ذكر الإمام ابن حزم (ت: 456هـ ) رحمه الله تعالى أنه كان فيه نحواً من اثني عشر مرضاً باعثُها الكراهة النفسية ، وقد كَبح جماحها بفضل الله ثم بالمجاهدة وترويض النفس على الخير .

والمقصود أن الاستئناس أو الكراهة النفسية قد تنموان بين النَّظير ونظيره ، وقد تضعفان أو تنعدمان فيكونان بالضدِّ من ذلك على حسب الحال ، وقد تقرَّر عند الأصولييِّن أن من لوازم الامتثال للأمر المطلق تحصيل المعيَّن ، لكن كما قيل :

لكل شيٍ آفةٌ من جِنسه
حتى الحديد سطى عليه المِبرد !

وأخيراً فإن الكراهة النفسية لا حُكم شرعيِّ لها إن لم تكن كلاماً أو فعلا يضرُّ الناس ، فما دامت في القلب فهي في حكم المسكوتِ عنه شرعاً .
وقد جاء في المرفوع : ” إن الله تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلَّم به ” أخرجه مسلم في صحيحه ، وفي لفظ للبخاري في صحيحه : “إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلّم ” .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
30/ 1/ 1439
__________________
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا

قال ابن عون:
"ذكر الناس داء،وذكر الله دواء"

قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى :
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له"

السير6 /369

قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم
فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم
ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة
والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره"

الفتاوى السعدية 461

https://twitter.com/mourad_22_
قناتي على اليوتيوب
https://www.youtube.com/channel/UCoNyEnUkCvtnk10j1ElI4Lg
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-22-2017, 10:34 PM
أحمد الأغواطي أحمد الأغواطي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 335
افتراضي

من أدق المواضيع
ومنذ زمن و انا أصارع هذه الأشياء
وسبحان الله القلب عجيب في تقلبه بين الحب و البغض
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-23-2017, 08:51 AM
عبدالله المقدسي عبدالله المقدسي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: القدس
المشاركات: 544
افتراضي

جزاكم الله خيراً، مقال ماتع لكن بحاجة إلى ترتيب.
__________________
[COLOR="Purple"][FONT="ae_Cortoba"][CENTER]كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض يوما خيلا وعنده عيينة بن حصن بن بدر الفزاري فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أفرس بالخيل منك فقال عيينة وأنا أفرس بالرجال منك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وكيف ذاك قال خير الرجال رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم جاعلين رماحهم على مناسج خيولهم لابسو البرود من أهل نجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت [COLOR="Red"]بل خير الرجال رجال أهل اليمن والإيمان يمان إلى لخم وجذام و عاملة[/COLOR][/CENTER][/FONT][/COLOR]
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:28 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.