أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
41097 91194

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر العقيدة و التوحيد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-19-2014, 09:21 AM
أسامة أسامة غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: غزة - فلسطين
المشاركات: 365
افتراضي الغيث دليل على المغيث سبحانه

الغيث دليل على المغيث جل جلاله)


إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. (آل عمران: 102)


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}. (النساء: 1)


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. (الأحزاب: 70، 71)


أما بعد: فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار، أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار.


الغيث دليل وبرهان على المغيث سبحانه وتعالى، ولعل هذه الجلسة المباركة، أو المحاضرة في هذا الأسبوع العلمي، هي الأولى، فبدأناها بهذا، وليس فيها أحكاما فقهية، وإنما هي توحيد الله عز وجل، الغيث يدل على توحيد الله سبحانه وتعالى، الغيث من الله، الذي لا إله إلا هو، فقد قال الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}. (الشورى: 28)


[والْمُغِيثُ: =بالإطلاق هو الله عز وجل، وفي اللغة:= هُوَ الَّذِي يُدْرِكُ عِبَادَهُ فِي الشَّدَائِدِ فَيُخَلِّصُهُمْ]. الاعتقاد للبيهقي (ص: 59)، فإذا أدركك الله في شدة من الشدائد وخلصك منها، فقد أغاثك، فاللهم أغثنا يارب.


[قَالَ الْمُصَنِّفُونَ فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى =وصفاته=: إنَّ الْمُغِيثَ بِمَعْنَى الْمُجِيبِ، =أغاثك أجابك= لَكِنَّ الْإِغَاثَةَ أَخَصُّ بِالْأَفْعَالِ، وَالْإِجَابَةَ أَخَصُّ بِالْأَقْوَالِ]. مجموع الفتاوى (1/ 105)، فالإغاثة تختص بالأفعال، لذلك عندما تسأل الله أن يغيثك، إذن ينزل المطر وتأتيك البركات، هنا فعل، أما إذا أجابك الله؛ فيكون هذا إجابة قول، على قولك يجيبك، ففرق بين الإجابة والإغاثة، وإن كان كلها إجابة.


و[يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ =كل مسلم= أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا غِيَاثَ وَلَا مُغِيثَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ كُلَّ غَوْثٍ فَمِنْ عِنْدِهِ، =سبحانه= وَإِنْ كَانَ جَعَلَ ذَلِكَ =الغوث= عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ، =من أحد مخلوقاته= فَالْحَقِيقَةُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِغَيْرِهِ مَجَازٌ. =من البشر إن فلان أغاثك وأجازك، فهذا يكون مجازا، فحقيقة الغوث من الله، فربما يغيثك الطبيب فيعالجك فتشفى، وإنما هو الله الذي أغاثك، وجعل الإغاثة على يدي مخلوقه الطبيب، وهكذا=


قَالُوا: مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى؛ الْمُغِيثُ وَالْغِيَاثُ.


وَجَاءَ ذِكْرُ الْمُغِيثِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. =والحديث فيه ضعف، لكن جاء إجماع المسلمين أن هذا بالإطلاق من أن المغيث هو الله سبحانه وتعالى= قَالُوا: وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ.


وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحليمي: الْغِيَاثُ هُوَ الْمُغِيثُ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ: غِيَاثُ الْمُسْتَغِيثِينَ، وَمَعْنَاهُ الْمُدْرِكُ عِبَادَهُ فِي الشَّدَائِدِ إذَا دَعَوْهُ، وَمُجِيبُهُمْ وَمُخَلِّصُهُمْ.


وَفِي خَبَرِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: {اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا}، يُقَالُ: =في اللغة= أَغَاثَهُ إغَاثَةً وَغِيَاثًا وَغَوْثًا، وَهَذَا الِاسْمُ فِي مَعْنَى الْمُجِيبِ وَالْمُسْتَجِيبِ]. مجموع الفتاوى (1/ 110، 111)


كيف يأتينا الغيث؟


الغيث يأتي محمولاً في السحاب، ومن معاني السحاب في اللغة: وجدت له أكثر من عشر معاني أو خمس عشرة أو عشرين، فنذكر من معانيه في اللغة: السحابة، والمزنة، والغيمة، والربابة، والغمامة، والغياية، والْمُعْصِرَة، وَالْعَنَانُ، و هذا كله وغيره بمعنى: السَّحَابُ. المزنة موجودة في القرآن، (المزن)، والمعصرات جاءت بالجمع في القرآن، بمعنى السحاب.


والمطر فـله أسماء، وله صفات فـمن أسمائه: الغيث، والسماء, والربيع، ,القَطْر، والودْق، والصيِّب، والحيا، كله بمعنى المطر، وغيره كثير.


أما صفاته:


من صفات المطر؛ غَدَق، عندما تدعو وتقول أو تسمع الإمام أو الخطيب يدعو: (غدقا)، وهو الكثير الماء والخير، وقال ابن الجزري: المطر الكبار القَطر.


مجلِّل: بكسر اللام: أي يجلِّل البلادَ والعباد نفعُه، ويتغشاهم بخيره.


سَحًّا: بفتح السين وتشديد الحاء المهملتين: أي شديد الوقع على الأرض، ينزل بشدة، معه البركة والخير، يقال: سَحَّ الماء يَسحُّ: إذا سال من فوق إلى أسفل، وساحَ الوادي يَسيحُ: إذا جرى على وَجْهِ الأرْضِ، والعام: الشامل.


طَبَق؛ أَيْ مالِئاً لِلْأَرْضِ مُغَطْيِّاً لَهَا. يقال أطبقت السماء على الأرض، أطبقت بمائها أي تغطيه، يُقَالُ غَيثٌ طَبَقٌ: أَيْ عامٌّ واسعٌ.


عَاجِل غَيْرَ رَائِثٍ؛ يعني الآن نريده، لا يتأخر علينا؛ أَيْ غيرَ بَطىء مُتأخِّر.


في بعض الروايات ورد: نَشَاص؛ فما معناه؟ النَّشَاصُ الطِّوَالُ من السَّحَاب، ليس سحابة صغيرة، بل سحابة طويلة جدا ممتدة.


رَذَاذ: أقَلُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَطَرِ، وَقِيلَ هُوَ كَالْغُبَارِ.


طَشٌّ: وَهُوَ الضعيفُ القليلُ مِنْ المطر.


غيثا: اسمٌ للمطرِ كلِّهِ.


مغيثٌ؛ من الإغاثة، وهي الإعانة.


مريئٌ أي: هنيئاً صالحاً؛ كالطعام الذي يمرؤ، ومعناه: الخلو عن كل ما ينغصه كالهدم والغرق ... ونحوهما.


مريع؛ أي: مخصباً نافعاً، ... ويقال: مكان مريع؛ أي: خصيب...


مُربِعًا؛ أي أنبت الكلأ والعشب وهو من قولهم: ارتبع البعير وتربع، إذا أكل الربيع. ... مُرتعًا؛ من ارتع الغيث: أنبت ما ترتع فيه الماشية.


بعد هذه المقدمة؛


الأمطار بين النعمة والنقمة


الآن ينتظر الناس في غزة منخفضا، وبعض الناس يدعو من الآن؛ (اللهم حوالينا لا علينا)، ولكن هذا الدعاء ندعوه عند اشتداد المطر، وعند عدم الحاجة إليه، لكن قبله لا ندعو هذا الدعاء، نقول: (غيثا، مغيثا، سحا، غدقا، طبقا)، فالأمطار بين النعمة والنقمة؛ فقد يكون فيه النعمة، وقد يكون فيه النقمة.


فمن النِّعم العميمةِ، والعطايا الجسيمة؛ ما جعله الله جلّ جلاله في الأمطار، من الأرزاق والبركات، فهو سبحانه؛ {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. (البقرة: 22)،


فيجعل الإنسان ندا لله، وهو خلقه وأنزل عز وجل له هذا المطر، ويقول: أنزل بفلان، أو أنزل بالنوء الفلاني، أو بالريح الشمالية، أو بالريح الجنوبية، هذا خطأ كله، إنما هذه أسباب.


ومن النعم الناتجة عن الغيث وآثاره؛ أنه شراب وينبت به النبات والأشجار، فـ{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} =تبعثون الدواب السائمة، وتستفيدون منها= {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (النحل: 10، 11)، نِعَمٌ عميمةٌ يتركُها الغيث، قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِه}=يخرج يانعا أخضر= {إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. (الأنعام: 99)، وفي الآية الأخرى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ}. (النمل: 60)


وفي المطر حياة الأرض الميتة {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}. (النحل: 65)


والمطر فيه الطهارة والسكينة للقلوب {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}. (الأنفال: 11)، كلها في نزول المطر هذه هي بعض النعم الناتجة عن الأمطار، فالمطر آية من آيات الله.


أمَّا النِّقمُ والمفاسدُ والمضارُّ الناتجة عن الأمطار؛ فإنما هي للمؤمنين ابتلاءٌ وتأديب، وللكافرين بلاءٌ وتعذيب.


إنّ المسلمَ المتمسكَ بدينه وبهديِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم لا يفرحُ إذا رأى تحرُّكَ الغيومِ، وزحفَ السُّحُب، وتواري ضوءِ الشمسِ خلفها، وهبوبَ الرياح، لأنّ هذه الآياتِ لا يُدرَى ما فيها؛ هل هي محمَّلةٌ بالخيرِ والبركةِ والرحمة؟ وهذا ما يتمناه المؤمنون.


أو هي محمَّلةٌ بدمارٍ وتدمير، ونارٍ وإغراق وأعاصيرَ؟ قَالَتْ عائشة رضي الله تعالى عنها: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، =يتغير وجهه ويعبس، ويحزن صلى الله عليه وسلم ويخاف= قَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الغَيْمَ فَرِحُوا؛ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ المـَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةُ!) فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ، فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}". البخاري (4829)، مسلم (899)


وفي رواية: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي»، وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ =نازلا=: «رَحْمَةٌ»، ="رحمة"، وفي رواية أخرى صيبا نافعا=. مسلم (899)


فقد عذَّبَ اللهُ قومَ نوحٍ بماذا؟ بالغرق بالمياه من السماء والأرض، عندما عاندوا وكفروا، فقال سبحانه: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} =قالوا: كأفواه القرب= {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}. (القمر: 11، 12)


قوم عاد؛ وعَادٌ قومُ هود عليه السلام: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} =رأوا الغيم الأسود، فماذا قالوا؟= {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}. (الأحقاف: 24، 25)


وقوم لوط عليه السلام، قال الله عنهم: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}. (الشعراء: 173، 174)


فـ[إذا نزل الغيثُ فإنَّ من السنَّة أن يقول المسلم عند نزوله: "اللهمَّ صيِّباً نافعاً". رواه البخاري (1032)... أي: اجعله، مطرا... "نافعاً"، ... =فـ= احتُرِز به عن =صيِّب آخر، وهو= الصيِّب الضارِّ، =لأنك عندما تقول: اللهم صيبا نافعا، يعني لا ينزل عليك إن شاء الله صيبا ضارا= وفي هذا دلالة على أنَّ المطر قد يكون نزولُه رحمةً ونعمةً، وهو النافع، وقد يكون نزوله عقوبةً ونقمةً، وهو الضارّ.


والمسلمُ يسألُ اللهَ عندَ نزولِ المطرِ أن يكونَ نافعاً غيرَ ضارٍّ، وهذا الدعاءُ المذكورُ يُستحَبُّ بعدَ نزولِ المطر؛ للازديادِ من الخيرِ والبركة، =بمجرد نزول أول قطرات المطر، تقول: (اللهم صيبا نافعا)،= مقيَّداً بدفعِ ما يُخشى ويُحْذَرُ من ضَرر]. من فقه الأدعية والأذكار بتصرف لعبد الرزاق العباد (3/ 244، 247)


الغيث آية من آيات الله تعالى:


حاولت بعض الدول المتقدمة -وهذا مقال قرأته قديما في فرنسا، تأخر عنهم المطر، وبدأ محصول القمح يفسد إذا ما جاءه مطر، فاستخدموا التقدم والرقي عندهم، أطلقوا الصواريخ، فجعلت الجو ملبد بالغيوم، أطلقوا صواريخ خلفها بردت الدخان، فنزل مطرا، فكلفهم أكثر ما لو استوردوا القمح لو فسد، فتوجهوا إلى بعض الجاليات الإسلامية قالوا: عندكم صلاة واسمها صلاة الاستسقاء تطلبون فيها من ربكم أو دعاء، ليدعو الله سبحانه، فصلوا صلاة الاستسقاء، وأخلص المسلمون ودعوا، ولم تمطر أول يوم، وثاني يوم، وفي اليوم الثالث بدأت المجلات والجرائد والإعلام الإلحادي، الذي لا يؤمن بالمسيح عليه السلام، ولا بمحمد صلى الله عليه وسلم، لا يؤمن بدين أصلا، فقال: أين ربكم؟ ها أنتم استسقيتموه ولم ينزل شيئا، وبعدها بأيام نزلت الأمطار غزيرة غير متوقعة، زاد بها المنسوب السنوي، فوق المقدر، فرد عليهم المسلمون: هذا هو ربنا، فأين صناعتكم وتقدمكم؟! إذن؛ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} =وكل هذا لمن؟ {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. (البقرة: 164)


فالغيثُ آيةٌ لها مقدِّماتُها ولها توابِعُها من الآيات:


فقبل الغيث لابد له من مقدمات، وبعد الغيث أيضا هناك آيات أخرى، فمن مقدماتها؛ رياحٌ وعواصفُ، ورعدٌ وبرقٌ، قال سبحانه: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}. (الحجر: 22)، [أي: وسخَّرنا الرِّياح؛ رياح الرحمة تلقِّح السحابَ كما يلقِّح الذَّكرُ الأنثى، فينشأ عن ذلك الماءُ بإذنِ الله، فيسقيهِ اللهُ العبادَ والمواشيَ والزروع، ويبقى في الأرض مدَّخراً =حتى يستفيد منه الناس في العيون= لحاجتهم وضروراتهم، فلهُ الحمدُ والنعمةُ لا شريك له].


ثم الرُّعود والبروق {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} =يعني اخترعوا في هذه الأيام تحمل أطنانا، السحابة كم تحمل؟ مئات أو آلاف الأطنان، بل جبال من برد، فيصيب به من يشاء، أوزان ثقيلة جدا= {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}. (الرعد: 12، 13)، {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ} =ليست هذه الآيات لكل الناس؛ بل= {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. (الروم: 24)


[وللمسلم أن يُسبِّح عند سماعه الرَّعد، =ورد= ففي الأدب المفرد للبخاري، =له كتاب اسمه الأدب المفرد غير كتابه الصحيح= عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أنَّهُ كَانَ إِذا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الحَدِيثَ، =إذا كان في حديث أو كلام يسكت= وَقَالَ: (سُبْحَانَ الَّذِي {يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}). صحيح الأدب المفرد (556) والموطأ (1822)


وروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّه كان إذا سمع صوت الرعد قال: (سبحان الذي سبَّحْتَ له). صحيح الأدب (555)، فالرعد يسبح.


وفي التسبيح في هذا المقام تعظيمٌ للربِّ سبحانه، الذي الرَّعدُ أثرٌ من آثارِ كمالِ قوَّتِه وقدرتِه، وفيه تجاوبٌ مع الرَّعد، يعني الرعد مخلوق يسبح، وأنت تجاوب الرعد، فهنا مناسبة، أنه مخلوق عظيم يمكن أن يسبب بلاءً في الأرض، يسبح الله!! وأنت عبد الله لا تسبح، فأنت أولى أن تسبح مع الرعد= الذي يسبِّحُ بحمدِ الله، ولكن لا نفقه تسبيحه، ...]. من فقه الأدعية والأذكار بتصرف لعبد الرزاق العباد (3/ 244، 247) تسمع صوته، لكن لا تعرف معنى التسبيح.


ومن توابعها: سيلان الأودية، وظهور (الْحِلْية): وهو ما يتخذ للزينة من الذهب والفضة وغيرهما، من متاع الدنيا، فهناك نافع يبقى وزبد يذهب، قال سبحانه: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}. (الرعد: 17)، (مَتَاعٍ): الْمتَاع كل ما ينتفع به من الطعام والثياب وأَثاث البيت، هذا في اللغة.


ويراد بالمتاع هنا أَثاث البيت المتخذ من نحو الحديد والنحاس والرصاص، كلها تتخذ من الأرض.


كذلك من نعم الله وآياته التي تتبع نزول الغيث؛ واخضرار الأرض، قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}. (الحج: 63)، فننظر بعد هذه الأمطار كيف اخضرت الأرض بالأعشاب المختلفة، وبعد ذلك يكون خروج الأزهار والنوار.


كذلك وخروج أنواع من النبات لا تعدُّ ولا تُحصى، للإنسان والحيوان، قال سبحانه: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا} =أي أنواعا كثيرة= {مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى}. (طه: 53، 54)، إذن هذه النتيجة للغيث؛ آية من الآيات.


ارتواء الأرض وظهور الينابيع، آية من الآيات التابعة لنزول الغيث، قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ يكبر ويملأ المكان فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} =بعد نضجه= {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}. (الزمر: 21)


ومن الآيات التابعة لنزول الغيث طهورية الماء؛ ماء السماء، وإحياء الأرض الميتة، وسقيا الأنعام والناس، قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} =يعني طاهرا مطهرا لغيره= {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}. (الفرقان: 48– 50)


فما معنى صرفناه؟ نعلم أن من آيات الله في المطر أن كميته التي تنزل على الأرض واحدة في كل عام، فلا تختلف من عام إلى عام، ولكنه يساق من أرض إلى أرض، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (مَا مِنْ عَامٍ أَمْطَرَ مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَصْرِفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمُ}. (الفرقان: 50) الْآيَةُ. المستدرك للحاكم (2/ 437، رقم 3520) وقال: [هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ] وأقرَّه الذهبي، وأورده الألباني في الصحيحة رقم (2461).


قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:


[الْمَطَرُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ؛ =يبين لك كيف يكون المطر= بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُهُ مِنَ الْهَوَاءِ، وَمِنَ الْبُخَارِ الْمُتَصَاعِدِ، لَكِنَّ خَلْقَهُ لِلْمَطَرِ مِنْ هَذَا؛ كَخَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ نُطْفَةٍ، وَخَلْقُهُ لِلشَّجَرِ وَالزَّرْعِ مِنَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، فَهَذَا مَعْرِفَةٌ بِالْمَادَّةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا، وَنَفْسُ الْمَادَّةِ لَا تُوجِبُ مَا خُلِقَ مِنْهَا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، =يعني يستطيع الإنسان أن يأتي بالمني مثلا، يضع في إناء، لكن هل يستطيع أن يخلق منه إنسانا؟ ما يستطيع، كذلك الحب والنوى، خلق من الله، {أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون}، تزرعونه أي تنبتونه منه،= بَلْ لَا بُدَّ مِمَّا بِهِ يَخْلُقُ تِلْكَ الصُّورَةَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ الْحَكِيمِ، =الغيث دليل على المغيث سبحانه وتعالى فـ= الَّذِي يَخْلُقُ الْمَطَرَ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ =متى؟= وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَالْبَلَدِ الْجُرُزِ =كما جاء في الآية= يَسُوقُ إِلَيْهِ الْمَاءَ مِنْ حَيْثُ أَمْطَرَ، =يعني بلد ليس فيها أمطار، الله يبعث إليها أن تمطر في بلاد أخرى، ثم يأتيها بالسيول أو الأنهار أو الأودية، حتى يصل إلى البلد الجرز، يسوق الماء إلى الأرض الجرز=، كَمَا قَالَ =سبحانه=: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ}. (سُورَةُ السَّجْدَةِ: 27)


=قال أيضا: ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه:= فَالْأَرْضُ الْجُرُزُ لَا تُمْطِرُ مَا يَكْفِيهَا؛ =جاء بمثال على ذلك= كَأَرْضِ مِصْرَ: لَوْ أَمْطَرَتِ الْمَطَرَ الْمُعْتَادَ لَمْ يَكْفِهَا; فَإِنَّهَا أَرْضٌ إِبْلِيزٌ =على وزن كلمة إبليس لكن آخرها زاي، فما معنى إبليز؟ الأرض الطينية= والْإِبْلِيزُ: الطِّينُ الَّذِي يُخَلِّفُهُ نَهْرُ النِّيلِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَعْدَ ذَهَابِهِ=.


=كذلك= وَإِنْ أَمْطَرَتْ كَثِيرًا مِثْلَ مَطَرِ شَهْرٍ =استمرت على مصر= خَرُبَتِ الْمَسَاكِنُ، =وكذلك إذا مطرت المطر المعتاد لا يكفيها، لأن الأرض تشربه، فما الذي ينقذ مصر من هذا؟= فَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ الْبَارِي =سبحانه= وَرَحْمَتِهِ؛ أَنْ أَمْطَرَ مَطَرًا أَرْضًا بَعِيدَةً، =وهذه أين؟ تسمى بحيرة فكتوريا، وهي في الحبشة= ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ الْمَاءَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ، =ذلك تقدير من؟ تقدير العزيز الحميد=.


فَهَذِهِ الْآيَاتُ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى عِلْمِ الْخَالِقِ وَقُدْرَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَإِثْبَاتِ الْمَادَّةِ الَّتِي خَلَقَ مِنْهَا الْمَطَرَ وَالشَّجَرَ، وَالْإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حِكْمَتِهِ =سبحانه=]. منهاج السنة النبوية (5/ 443- 444).


عن الْحَسَنِ =البصري= قال: (كَانُوا يَقُولُونَ -يَعْنِي أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّفِيقِ، =الذي يرفق بالأشياء= الَّذِي لَوْ جَعَلَ هَذَا الْخَلْقَ خَلْقًا دَائِمًا لَا يَتَصَرَّفُ؛ =يعني الخلق كله يسير على قالب واحد، لا يتصرف= لَقَالَ الشَّاكُّ =يعني الملحد= فِي اللَّهِ: (لَوْ كَانَ لِهَذَا الْخَلْقِ رَبٌّ يُحَادِثُهُ!)، =يعني تأتي أشياء حديثة له، يتصرف ويتغير، فيرد رحمه الله على هذا، ويقول:= وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَادَثَ بِمَا تَرَوْنَ مِنَ الْآيَاتِ: إِنَّهُ جَاءَ بِضَوْءٍ طَبَّقَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، وَجَعَلَ فِيهَا مَعَاشًا، وَسِرَاجًا وَهَّاجًا، =وهو النهار وفيه الشمس=.


ثُمَّ إِذَا شَاءَ ذَهَبَ بِذَلِكَ الْخَلْقِ، وَجَاءَ بِظُلْمَةٍ طَبَّقَتْ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، وَجَعَلَ فِيهَا سَكَنًا، وَنُجُومًا، وَقَمَرًا مُنِيرًا، =وهو الليل وفيه القمر=.


وَإِذَا شَاءَ نَبَاتًا جَعَلَ مِنْهُ الْمَطَرَ، وَالْبَرْقَ، وَالرَّعْدَ، وَالصَّوَاعِقَ مَا شَاءَ، وَإِذَا شَاءَ صَرَفَ ذَلِكَ الْخَلْقَ، =إلى أناس آخرين=.


وَإِذَا شَاءَ جَاءَ بِبَرْدٍ يُقَرْقِفُ النَّاسَ، =برد يجعل الواحد فينا يرتجف= وَإِذَا شَاءَ ذَهَبَ بِذَلِكَ، وَجَاءَ بِحَرٍّ يَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ النَّاسِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ؛ أَنَّ لِهَذَا الْخَلْقِ رَبًّا هُوَ يُحَادِثُهُ =يمر عليه أحداث جديدة= بِمَا تَرَوْنَ مِنَ الْآيَاتِ.


كَذَلِكَ إِذَا شَاءَ ذَهَبَ بِالدُّنْيَا وَجَاءَ بِالْآخِرَةِ). المطر والرعد والبرق لابن أبي الدنيا (ص: 80، رقم: 41)


الناسُ والغيثَ بين مؤمن وكافر


إذا هبَّت الرياحُ، وتجمَّعت السحب، وادْلَهَمَّ الجوُّ تفاءل الناس، فإذا نزلت الأمطار انقسموا إلى فئتين:


فئةٌ نسبت نزولَ الغيثِ إلى الرياحِ والأنواءِ والنجوم.


وفئةٌ أرجعَت الأمورَ إلى بارئِها، والأشياء إلى خالقِها، والأسبابَ إلى مسبِّبِها فـ[من الواجب على العبد في هذا المقام الكريم؛ أن يعرفَ نعمةَ الله عليه، وينسبَ الفضلَ إليه، فهو سبحانه مولي النِّعمِ ومُسديها، بيده العطاءُ والمنع، والخفضُ والرفع، لا ربَّ سواه ولا إله غيره.


ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: (صَلَّى لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصُّبح بالحُدَيْبِيَة، على إثر سَماء =أي أمطارٍ= كانت مِنَ اللَّيل، فلمَّا انصرفَ أَقْبَلَ على النَّاس، فقال: "هَل تَدرُون ماذا قال رَبُّكم؟" قالوا: (اللهُ ورسولُه أعلمُ!) قال: أَصْبَحَ من عبَادِي مؤمنٌ بِي وكافِرٌ، فأمَّا مَن قال: مُطرنا بفضل الله ورَحْمَتِه، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأمَّا مَن قال: مُطرنا بنَوْءِ كذا وكذا، فذَلكَ كافرٌ بِي مُؤْمنُ بالكَوْكَب". البخاري (1038)، ومسلم (71)


فالقائل عند نزول المطر: (مُطرنا بفضلِ اللهِ ورحمتِه)، فقد نَسبَ النِّعمةَ لمُعطيها، وأضاف المنَّة لموليها، واعتقدَ أنَّ نزولَ هذا الفضلِ والخيرِ والرحمةِ؛ إنَّما هو محضُ نعمةِ الله، وآثارُ رحمته سبحانَه.


وأمَّا القائل عند نزول المطر: (مُطرنا بنوءِ كذا وكذا =وكوكب كذا وكذا=)، فلا يخلو من أمرين، =يعني لا يكفر مباشرة، لابد أن ننظر إلى أمره=:


إمَّا أن يعتقدَ أنَّ المـُنْزِلَ للمطرِ هو النجمُ، =والكوكب=، وهذا كفرٌ ظاهرٌ ناقلٌ من ملَّة الإسلام.


أو يعتقدَ أنَّ المـُنْزِلَ للمطرِ هو الله، والنوءُ =والريح وما شابهه= سبب، فيضيف النعمةَ إلى ما يراه سبباً في نزولها، وهذا من كفر النّعمة، =لا يصل إلى الكفر المخرج من الملة، كفر النعمة يبقى مسلما، لكن يستغفر الله من هذا= وهو من الشرك الخفيِّ، =الذي لا يخرج من الملة=.


والأنواء ليست من الأسبابِ لنُزول المطر، =إذن ما هو سبب نزول المطر؟= وإنَّما سببُ نزول المطر؛ حاجةُ العباد، وافتقارُهم إلى ربِّهم، وسؤالُهم إيَّاه، واستغفارُهم وتوبتُهم إليه، ودعاؤهم إيَّاه بلسان الحال ولسانِ المقال، =أو صلاتهم صلاة الاستسقاء، هذه هي الأسباب، التي تنزل المطر، وليست الأمور الأخرى=، فيُنزِل عليهم الغيثَ بحكمته ورحمته، =سبحانه= بالوقتِ المناسبِ لحاجتِهم وضرورتِهم، ولا يتمُّ توحيدُ العبدِ حتى يعترفَ بنعَمِ اللهِ الظاهرةِ والباطنةِ عليه، وعلى جميع الخلق، ويُضيفها إليه، ويستعين بها على عبادته، وذِكْره وشكره. انظر: القول السديد لابن سعدي (ص: 108ـ 109)....]. فقه الأذكار


والرعد ملك من الملائكة، يعبد الله ويسبِّحُه، ويقوم بعمله الذي وكِلَ إليه، وهذا ما ثبت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: (يَا أَبَا القَاسِمِ! أَخْبِرْنَا عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟) قَالَ:


«مَلَكٌ مِنَ المَلَائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ، =وظيفته للغيوم والسحاب= مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ؛ =يعني لو نقول: عُصِيّ أو أسواط= يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ»، =فلذلك البرق الذي تراه، من ضربا الملك له= فَقَالُوا: (فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟!) قَالَ: «زَجْرَهُ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ». قَالُوا: (صَدَقْتَ)، سنن الترمذي (3117) وقال: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)، الصحيحة (1872) فالخبر عندهم من قبل عن هذا، فوافق ما عندهم، إنهم يهود...


وثبت أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَبَّحْتَ لَهُ)، قَالَ: (إِنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ يَنْعِقُ بِالْغَيْثِ، كَمَا يَنْعِقُ الرَّاعِي بِغَنَمِهِ). الأدب المفرد (722)، يقود ويسوق السحب، ويرسلها حيث شاء الله سبحانه وتعالى، كل قطرة مكتوبة أين تنزل.


كلمة (مطر) هل يمنع من التلفظ بها شرعا؟


وأنا أنظر في الشبكة العنكبوتية وجدت بعض الناس يقولون: (لا يصح أن نقول أو نتلفظ بكلمة مطر)، لماذا؟ قالوا: (لأن كلمة مطر لم تذكر في القرآن إلا للعذاب)، ننظر هذه الكلمة تستخدم في الخير، وتستخدم للعذاب وغيره، فقد روى البخاري في صحيحه تعليقًا -فالحديث المعلق: الذي ليس له سند-، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ:


(مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَطَرًا فِي القُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا، وَتُسَمِّيهِ العَرَبُ: الغَيْثَ)، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُنْزِلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا}. البخاري (6/ 62)


أنا أقول: وهذه الآيات التي وردت في القرآن بلفظ (المطر)؛ قال سبحانه: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}. (الأعراف: 84)


{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. (الأنفال: 32)


{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ}. (هود: 82)


{وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا}. (الفرقان: 40)، هذه الآيات التي وردت في المطر.


لكن ورد ما يدلُّ على جواز قول: (المطر، ومطرنا، وأمطرت الدنيا)، ولم يأت نهي عن التلفظ بالمطر، فقد ثبت عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنهم (قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ قَحَطَ الْمَطَرُ، وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ =أي حديث الذي ذكر فيه حوالينا لا علينا=، وَفِيهِ ... فَتَقَشَّعَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوَالَيْهَا، وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، =هكذا يقول الصحابي أنس رضي الله تعالى عنه= فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الْإِكْلِيلِ). مسلم (897)


وحديث: «إِقَامَةُ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؛ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فِي بلادِ الله». رَوَاهُ ابْن مَاجَه جوَّده في مشكاة المصابيح (2/ 1065، ح 3588)، إذن جاء صلى الله عليه وسلم بكلمة مطر دون حرج.


حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ). مسلم (705)


حديث ابْنِ عُمَرَ، =رضي الله تعالى عنهما أَنَّه= أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، فَقَالَ: (أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ)، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ، يَقُولُ: «أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ». مسلم (697)


حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ، إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ،..." إلخ. البخاري (3465)


وحديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟». قُلْنَا: (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ!) فَقَالَ:


"قَالَ اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي". البخاري (4147)


وحديث أَنَسٍ، قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ، =هذه رواية مسلم، وفي رواية أخرى: "حسر عن رأسه"، وفي رواية: "حسر عن ظهره صلى الله عليه وسلم، حتى ينزل المطر عليه= حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟) قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى». مسلم (898)


وفي حديث الاستسقاء يوم الجمعة ... (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ... فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ،..). مسلم (897)


وحديث صحيح تسمعونه كثيرا رواه البخاري: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ المَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ». سنن الترمذي (2869)، الصحيحة (2286)


والقرآنُ ذاته هو مطرُ القلوبِ؛ فيغيثها ويسقيها ويحييها، وشفاءٌ لما في الصدور.


قَالَ الشَّيْخُ ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ في الحديث الذي تحفظونه، واسمه حديث الاستغفار: [قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْكرب الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك، ابْنُ عَبْدِك، ابْنُ أَمَتِك، نَاصِيَتِي بِيَدِك؛ أَسْأَلُك بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَك، سَمَّيْت بِهِ نَفْسَك، أَوْ أَنْزَلْته فِي كِتَابِك، أَوْ عَلَّمْته أَحَدًا مِنْ خَلْقِك، أَوْ اسْتَأْثَرْت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَك؛ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي، إلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَغَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ بِهِ فَرَحًا}.


=قال:= الرَّبِيعُ: هُوَ الْمَطَرُ الْمُنْبِتُ لِلرَّبِيعِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ: {اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا رَبِيعًا مُرْبِعًا}، وَهُوَ الْمَطَرُ الوسمي الَّذِي يَسِمُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ =في الحديث=: "الْقُرْآنُ رَبِيعٌ لِلْمُؤْمِنِ".


فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ =القرآن= مَاءً يُحْيِ بِهِ قَلْبَهُ، كَمَا يُحْيِ الْأَرْضَ بِالرَّبِيعِ، وَنُورًا لِصَدْرِهِ، وَالْحَيَاةُ وَالنُّورُ جِمَاعُ الْكَمَالِ، كَمَا قَالَ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}، ..]. مجموع الفتاوى (18/ 310). فهذا هو القرآن ندعو أن يكون ربيعا، وندعو أن يكون مطرا، إذن ما في داعي لِلإنكار على من تلفظ بكلمة (مطر).


ونزولُ الأمطارِ منَ السماءِ استدَلَّ به العلماءُ على علوِّ اللهِ تعالى على خلقه، فأورده ابن أبي عاصم في كتابِ السنة (1/ 276)، والذهبي في كتاب علو العلي الغفار.


فمن السنة؛ أن يعرِّض بعض أعضائه للمطر النازل، قَالَ أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ =أي كشف= رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟!) قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى». =مسلم (898)=


[قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الدارمي: وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ =أن الله= فِي كُلِّ مَكَانٍ، مَا كَانَ الْمَطَرُ أَحْدَثُ عَهْدًا بِاللَّهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمِيَاهِ وَالْخَلَائِقِ]. الرد على الجهمية للدارمي (ص: 53، رقم: 77)


وقال الألباني رحمه الله: [وفي الحديث إشارةٌ صريحةٌ إلى علوِّ الله تبارك وتعالى على خلقه، ولذلك أورده الحافظ الذهبي في جملة الأحاديث الدالة على العلو في كتابة القيم "العلو للعلي الغفار"]. صحيح الأدب المفرد (ص: 214) حاشية رقم: (3)


[ولا يجوز للمسلم أن يسبَّ الريحَ؛ فإنَّها مسخَّرةٌ بأمر الله مدبَّرَةٌ مأمورةٌ، روى البخاري في الأدب المفرد (906) وأبو داود في السنن (5097) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالعَذَابِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلاَ تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذوا بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا".


وقوله: "من روح الله" أي من الأرواح التي خلقها الله، فالإضافة هنا إضافة خلق وإيجاد.


وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يقول إذا اشتدَّت الرِّيح: "اللهمَّ لاقحاً لا عقيماً". صحيح الأدب المفرد (رقم: 553)، =فهناك رياح لواقح، وهناك رياح عقيم، فالعقيم للعذاب، فكان يقول صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ لاقحاً لا عقيماً".=


ومعنى لاقحاً؛ أي: ملقِّحةً للسحاب، ومنه قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}. (سورة الحجر: 22)


أي: وسخَّرنا الرِّياح رياح الرحمة تلقح السحاب كما يلقح الذَّكر الأنثى، فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله، فيسقيه الله العباد والمواشي والزروع، ويبقى في الأرض مدَّخراً لحاجتهم وضروراتهم، فله الحمد والنعمة لا شريك له]. فقه الأذكار.


وفي النهاية سيخرج الدجال الكذاب، في آخر الزمان المولود من أبوين يهوديين، يخرج ويفتن الناس إلا من رحم الله تبارك وتعالى.


قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: "يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: =كم حياته ستكون في الأرض عندما يخرج؟ قال:=


«أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ:


«لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ:


"كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ"، =يعني يمشي في سرعة الريح= "فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ"، =فيقول لهم: أنا ربكم، فيقولون: نعم هذا ربنا=


"فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ"، =مطر بلاء، "وَ" =يأمر= "الْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ"، =يعني المواشي والإبل والأغنام، تسرح في الخلاء، وترجع عليهم آخر النهار= "أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا"، =سنامها مرتفعة، شباعا جدا= "وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا"، =أي مليئة باللبن= "وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ"، =مليئة باللحم= "ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ"، =كذاب، دجال، لا يؤمنون به= "فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ"،.... =إلى آخر الحديث، إذن هذا المطر مطر بلاء.=


وبعد أن يهلكه الله تعالى ويهلكَ مأجوج ومأجوج، "... فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ" =مسلمين= "إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ"، =عندما يموت يأجوج ومأجوج بأمر الله سبحانه في ليلة واحدة، انتفخوا وخرجت منهم روائح كريهة، فما الذي يرفعهم؟= "فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ"، =يتوجهوا إلى الله أن يعينهم في هذا الأمر، لا يوجد جرَّافات ولا بلديات ترفعهم عنهم وتبعدهم، أجسام عجيبة جدا= "فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ" =مثل رقاب الجمال= "فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ"، =في رواية تقول: (في البحر)، وفي رواية تقول: (في المشرق).=


"ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا" =هنا مطر ليس بلاءً ولا ابتلاء، وإنما مطر رحمة وخير= "لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ"، =البيت المبني من الطين، أوالبيت المبني من الوبر (الشعر)، لا يكن منه يعني يدخل كل البيوت= "فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ"، =كالمرآة يرى نفسه فيها= "ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ"، =عشرة أشخاص، حبة رمان واحدة تكفيهم= "وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا"، =القشرة يستظلون بها من الشمس= "وَيُبَارَكُ" =يبارك الله= "فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ". مسلم (2937).


ومن علامات يوم القيامة أن ينزل مطر لا تمتنع منه إلا بيوت الشعر، إذن في الحديث السابق، لا يوجد بيت يكن منه، لكن هنا علامة؛ الأرض ستملأها الأمطار، إلا بيوت الشعر كما ورد= عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُمْطَرَ النَّاسُ مَطَرًا لَا تُكِنُّ مِنْهُ بُيُوتُ الْمَدَرِ، وَلَا تُكِنُّ مِنْهُ إِلَّا بُيُوتُ الشَّعَرِ". مسند أحمد (13/ 11، ح 7564)، وبيوت المدر من الطين، يقول العلماء في تفسيرها: إن بيوت المدينة كانت من الطين، وعندما كانت تمطر شهرا على الطين يتلاشى، ويبقى بيت الشعر.


قال الألباني في الصحيحة (3266):


[ثم اعلم أن ظاهره =أي هذا الحديث "لا تكن منه بيوت المدر، ولا تكن منه إلا بيوت الشعر"، فيه ما= يخالف ما جاء في حديث النواس بن سمعان =السابق= في قصة يأجوج ومأجوج، وإهلاك الله تعالى إياهم حتى تنتن الأرض من زُهومتهم، وفيه: "ثم يرسل الله عليهم مطراً، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض، حتى يتركها كالزلقة". رواه مسلم وغيره، ... فقوله: "ولا وبر" ينافي قوله في حديث الترجمة: "إلا بيت الشعر!" فلعلَّ ذلك يكون في زمنين مختلفين. والله أعلم]. فذاك من علامات الدجال، وذاك من علامات الساعة بعد الدجال.


قال ابن القيم رحمه الله تعالى: [فصل: وقد جعل الله سبحانه وتعالى السحابَ وما يمطرُه سببا للرحمة، والحياة في هذه الدار.


ويجعله سببا لحياة الخلق في قبورهم؛ حيث يمطر على الأرض أربعين صباحا، مطرا متداركا =لا يتوقف= من تحت العرش؛ فينبتون تحت الأرض كنبات الزرع، =يوم تشقق الأرض عنهم سراعا، يخرجون كأنهم نباتات تخرج من الأرض=.


ويبعثون يوم القيامة، والسماء تطشُّ عليهم، وكأنه والله أعلم أثر ذلك المطر العظيم، كما يكون في الدنيا.


ويثير لهم سحابا في الجنة؛ يمطرهم ما شاؤوا من =أمطار الجنة كما يقول ابن القيم رحمه الله: أمطار عطورٍ= طيب وغيره.


وكذلك أهل النار؛ ينشئ لهم سحابا يمطر عليهم عذابا إلى عذابهم، كما أنشأ لقوم هود، وقوم شعيب سحابا أمطر عليهم عذابا أهلكهم، فهو سبحانه ينشئه =السحاب والمطر= للرحمة والعذاب]. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 273)


ونسأل الله الرحمن الرحيم الرحمة والسداد، ونعوذ به من الخذلان والعذاب، اللهم اجعل الأمطار سقيا رحمة وبركة، لا سقيا عذاب ونقمة.


هذا والله تعالى أعلم


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبارك الله فيكم.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته





مغرب يوم السبت 25/ صفر/ 1435هـ،


الموافق: 28/ 12/ 2013م،


بمسجد أهل السنة- خان يونس.
__________________
إن الدعوة السلفية دعوة بالحسنى، وليست حركةً حزبيَّة، دعوة لدين الإسلام دين السلم والسلام، والأمن والأمان، نسالم من يسالمنا، ونعادي من يعادينا.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:37 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.