بين الجهاد السني والجهاد البدعي

[أبومعاذ الحضرمي الأثري]

بين الجهاد السني والجهاد البدعي

لقد فرقَّ علماء الإسلام بين الجهاد السني والجهاد البدعي، فعلى المسلم الحريص على نصرة الإسلام أن لا يجعل عاطفته هي المقياس دون النظر في الأدلة على ضوء قواعد الشرع الكلية ، مع النظر في عواقب الأمور التي لا يحسنها في الغالب إلا من آتاه الله الرسوخ في العلم والفهم من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل العلم.

قال شيخ الاسلام بن تيمية-رحمه الله- : "وفي الجملةِ فالبحثُ في هذه الدقائق من وظيفة خواصِّ أهل العلم" أ.هـ. (منهاج السنة:4/405)

وقال-رحمه الله- مفرقاً بين الجهاد السني والجهاد البدعي:(والكتاب والسنة مملوءان بالأمر بالجهاد وذكر فضيلته، لكن يجب أن يعرف الجهاد الشرعي الذي أمر الله به ورسوله من الجهاد البدعي جهاد أهل الضلال الذين يجاهدون في طاعة الشيطان وهم يظنون أنهم يجاهدون في طاعة الرحمن كجهاد أهل البدع والأهواء كالخوارج ونحوهم الذين يجاهدون في أهل الإسلام ) الرد على الاخنائي ص 205

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – "وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْمٍ أَرَادُوا بِزَعْمِهِمْ نَصْرَ الشَّرْعِ بِعُقُولِهِمْ النَّاقِصَةِ وَأَقْيِسَتِهِمْ الْفَاسِدَةِ . فَكَانَ مَا فَعَلُوهُ مِمَّا جَرَّأَ الْمُلْحِدِينَ أَعْدَاءَ الدِّينِ عَلَيْهِ فَلَا الْإِسْلَامَ نَصَرُوا وَلَا الْأَعْدَاءَ كَسَرُوا" مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 253).

وعن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : « قال حذيفة لأبي موسى: أريت لو أن رجلا خرج بسيفه يبتغي وجه الله فضرب فقلت: كان يدخل الجنة؟

فقال له أبو موسى: نعم.

فقال حذيفة : لا ، ولكن إذا خرج بسيفه يبتغي به وجه الله ثم أصاب أمر الله فقتل دخل الجنة».

ومعنى قوله: «أصاب أمر الله »، أي كان جهاده بحق، ويوضحه قول ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كما في «البدع والنهي عنها لابن وضاح» « على سُنة ضرب أم على بدعة؟!


واعلم أن من أسباب ضلال أصحاب الجهاد البدعي أنهم جعلوا الكتاب تابعا للسيف ولم يجعلوا السيف تابعا للكتاب .

فكيف ينصر الشريعة من ليس عالماً بالشريعة؟
وكيف يقيم دولة الإسلام من لا يعرف أصول ومقومات قيام دولة الإسلام؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- (ودين الإسلام: أن يكون السيف تابعا للكتاب. فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعا لذلك كان أمر الإسلام قائما ...) (مجموع الفتاوى ٢٠- ٣٩٣)


فعلى المسلم الصادق أن لا يغتر بالشعار والأقوال بل ينظر الى نتيجة الأفعال .. وكما يقال من ثمارهم تعرفونهم.

قال الإمام ابن تيمية-رحمه الله-: " نَصَبَ كثيرٌ من أهل البِدَع والأهواء نفسه للأمر والنهي كالخوارج ... فكان فساده أعظم من صلاحه ".
( الاستقامة ٢ / ٢١٥ )


ولهذا أمر الجهاد لا يعتبر إلا برأي أهل الدين الصحيح ، فالجهاد بلا علم راسخ صحيح يعني انحرافاً أو فساداً.


قال شيخ الإسلام ابنِ تيمية -رحمه الله-:
((والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يؤخذ برأيهم ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا)). الاختيارات الفقهية ص609. 


فالجهاد البدعي فساده عظيم ولا يصلح به دنيا ولا آخرة

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-:" ولو قووا هؤلاء –الخوارج- لأفسدوا الأرض كلها، عراقاً، وشاماً، ولم يتركوا طفلاً، ولا طفلةً، ولا رجلاً، ولا امرأة، لأن الناس عندهم قد فسدوا فساداً لايصلحهم إلا القتل جملةً ".
أنظر: "البداية والنهاية" (10 / 584 – 585)

وقال شيخ الإسلام ابنِ تيمية -رحمه الله-: "فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة"
منهاج السنة النبوية - (ج 5 / ص 169)


وقال -رحمه الله-:(وهؤلاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم؛ لأن معهم دينا فاسدا لا يصلح به دنيا ولا آخرة ...) (مجموع الفتاوى ٢٨- ٢٩١)

[نجيب بن منصور المهاجر]

هذا عصر فتن تجعل الحليم حيرانا فاللهمّ سلّم