أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
29911 93958

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر العقيدة والمنهج - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-15-2009, 04:55 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي الاستغاثة بغير الله شرك - عجبت لمن يقول : [ يا رسول الله أغثنا ]

الإستغاثة بغير الله شرك

عجبت لمن يقول : [ يا رسول الله أغثنا ]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد : ــ

عجبت لمن يقول : [ يا رسول الله أغثنا ] والله - تعالى - في كتابه العزيز يقول : {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ۞ أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ۞ أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ۞ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ۞ أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ۞ أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ۞ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ۞ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [سورة النمل 59 – 66].
آيات كريمة، آيات عظيمة، تقرع القلوب، تذكر بالله العظيم الذي خلق السموات والأرض وما بث فيهما !!.

ما أجمل أن يتفكر العبد في هذه الآيات الكريمة، وما أجمل أن يستشعر المسلم الغاية التي من أجلها خلق، لتتحرك مشاعره الإيمانية نحو حب الله - تبارك وتعالى -، وحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والتزام شرعه، وتحقيق التوحيد الذي جاء به ، وعبادة الله وحده لا شريك له على النحو الذي أراده. قال الله - تعالى - : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ۞ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ۞ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} [سورة الذاريات 56 ــ 58].

ما أجمل أن يستشعر المؤمن عظيم حرمته وكرامته عند الله - تبارك وتعالى -، ولو كان في نظر بعض الناس لا شأن له ولا مكانة، لكن لا ندري لعله يكون له عند الله - تعالى - شأن ومكانة، وقد يتولاه برحمته لعظيم عبوديته لله – تبارك وتعالى - فيكون عظيما.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) (صحيح) (أحمد ومسلم) . انظر : [صحيح الجامع حديث رقم : 3484].‌

ما أجمل أن يستشعر أنه مخلوقٌ مهيأ لعظائم الأمور في دار إختبار وابتلاء، يبلوَ الله بها عباده أيّهم أحسن عملا. فيستشعر العبد أن الله – تعالى - لم يبتليه ليعذبه، فيصبر ويحتسب ويحمد الله – تعالى – أنها ليست بدار بقاء، إنما هي إلى فناء، فتهون الأمور عند استشعار عظم الأجور.
قال الله - تعالى - : {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [سورة الأنفال 37].

ما أجمل أن يستشعر أن الله – تعالى - كتب المقادير قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة، فيرضى بالقضاء، ويسابق بالخيرات، ولا يأسى على ما فات، ولا يفرح بما هو آت. قال الله - تعالى - : {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ۞ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۞ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [سورة الحديد21 ــ 23].

ما أجمل أن يستشعر أن الله - سبحانه - خلق العباد وأكرّمهم وكلفهم بما يطيقونه، ولم يتركهم هملا، فأنزل الكتب، وأرسل الرسل، ليعبده العباد على مراده – سبحانه - ليعلم من يخافه بالغيب فيؤمن به، ويوحده حق توحيده - سبحانه -، ومن يتنكب عن الصراط ، فيُعرض عن هديه، ليكون ذلك حجة إما له أو عليه بين يدي الله - تعالى - يوم القيامة.

وليحذر من أول شرك وقع على وجه الأرض في قوم نوح - عليه الصلاة والسلام - بعد ألف سنة من التوحيد الخالص .
ليحذر من أول إنحراف عن الفطرة التي فطر الله - تعالى - الناس عليها، وذلك بتعظيم الأولياء والصالحين وتماثيلهم، وتوجيه العبادة والدعاء لهم من دون الله – تبارك وتعالى –. إذ جعلوهم واسطة بينهم وبين خالقهم ورازقهم " الله – تبارك وتعالى –". والله – تعالى – يقول : (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [سورة الزمر 3].

فينبغي على المؤمن أن يكون أهلاً لهذه الكرامة، فيشحذ همّـته، ويُحَدّد غرضه، ويستشعر لذة القرب من الله - سبحانه -. فلا يجعل بينه وبين الله واسطة كما فعل المشركون والنصارى وغيرهم.

وليستشعر لذة مناجاته، والإستغاثة به، والإستعانة به فيما لا يستطيعه إلا الله - جلّ في علاه -، ويربّي النفس على ُحسن الصلة بالله - تبارك وتعالى -، ويُوطّنها على الرضا، والصبر، والتقبـّل، والتحمـّـل، ويجاهدها في ذات الله - تعالى -، فإن لم يصبر فليتصبر، وليتكلّف الصبر، فإن ذلك يُهدّئ من روعه، ويُطمئِن نفسه، ويجعل طاقاته وقدراته تعود عليه وعلى أمته بالخير والسداد بإذن الله - تعالى -.

فالرضا بالله - سبحانه - أصل في الرضا عنه " والرضا به وعنه " موقوف على كَوْنِ المَرْضيّ عنه أحبّ إلى العبد من كل حبيب، وأولى بالتعظيم، وأحق بالطاعة والتسليم من كل عظيم، لأنه - سبحانه - بكل شيئ عليم، وأنه عليه رقيب سميع مجيب، وبهذا يجد العبد حلاوة الإيمان فيرضى بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد – صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولا. فيعبد الله - تبارك وتعالى - بحبٍ تام، وإخلاصٍ تام، ويُحبّ من يُحبه الله - تبارك وتعالى -.

وأولى الناس بذلك رسولنا وحبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم -، وخير دليلٍ على صدق المحبة " حُسْن الإتباع " والتمسك بهذا الدين، والعضّ عليه بالنواجذ، وعلى هذا ربّى رسولنا وحبيبنا – صلى الله عليه وسلم - أصحابه - رضي الله عنهم أجمعين -، فرضيَ الله عنهم ورضوا عنه.

إنهم علموا أن لذة الرضا لا يستشعرها إلا من ذاق حلاوة الإيمان، ولذة القرب من الكريم المنان، وإن الدعاء الحار يأتي مع الألم والمعاناة، فناجَوْهُ وَدَعَوْهُ مخلصين له الدين، فأنار الله لهم بصائرهم، وأمدّهم بقوة وبنصر من عنده، وكفـّـر عنهم سيئاتهم، فسعدوا في الحياة الدنيا وفي الاخرة.
قال الله - تعالى - : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [سورة البقرة 186].

علموا أن من أهم ما تقتضيه الألوهية والربوبية : حسن الظن بالله - تبارك وتعالى -، واليقين بما عند الله - سبحانه - فأفرَدوهُ بالدعاء، والإستعانة، والإستغاثة فيما يحتاجونه من أمر دينهم ودنياهم، وتبرأوا من حولهم وقوتهم، مستشعرين عجزهم وذلهم وفقرهم إلى الله - تبارك وتعالى - فناجوه، واستعانوا به، واستغاثوا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.

{أمّن يجيب المضطر إذا دعاه وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَــــــهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}.

لجأوا لأعظم الأسباب في تحصيل الخير، ودفع الشر عنهم، فدعوا سميعاً عليماً مجيبا، دعوا الله - تعالى - راغبين راهبين موقنين بالإجابة، مقرّينَ بأنه لا ملجأ ولا مَنجى من الله إلاّ إليْه.

خاطبهم الله – تعالى - بقوله : {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۞ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران 139 ــ 140].
فزكت نفوسهم وزادهم الله إيمانا، بل وامتدحهم الله – تبارك وتعالى - فقال فيهم : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ۞ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ۞ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران 173 ــ 175 ].
فتحوا البلاد وقلوب العباد، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. أما من ظلم نفسه واتخذ له أرباباً شركاءَ يعبدها ويدعوها من دون الله، فقد نكص على عقبيه حيرانَ أسفاً محطما، مصاباً بألوان من الأمراض النفسية والجسدية، ناهيك عن الذل والهوان للمخلوقين أحياءً وأمواتا. لأنه رضي بأن يكون لهم عبدا، وقد عطّل إمكانياته الإيمانية، فمضى به عمره هدرا، ثم يعضّ على يديه يوم القيامة حسرةً وندامةً وخسرا.
قال الله تعالى : {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام 71].

نَعم ... َأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ... رحم الله الرعيل الأول من سلفنا الصالح ورضي عنهم أجمعين، كانوا أعظم إيمانا، وأعمق علما، وأشدّ ابتلاء، وأرقّ قلوبا، وأصدق لهجة.
عاشوا الألم والمعاناة والغربة " أذى، فقر، تجويع، تقتيل، تشريد، هجرة، لكنهم أحسنوا الإيمان بالله - تعالى - كما علّمهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قولاً باللسان، وعملاً بالأركان، وتصديقاً بالجنان.

أحسنوا الظن بالله - سبحانه - عندما رسخت العقيدة السليمة الخالية من كل شوائب الشرك في قلوبهم، فعبدوه صدقاً ويقينا، وتوكلا، خوفاً ورجاء، ودعاء، وحياء، ومحبة، وتعظيما، وصبرا، وشكرا، فكانوا بحقّ الصفوة الصافية، لأنهم جعلوا الرضا بالله رباً أساسا للإيمان، والذي تضمن توحيده - سبحانه - بألوهيته وربوبيته، وأسمائه وصفاته، ولم يدعو معه - سبحانه - أحدا، لا نبيٌ مرسل، ولا ملكٌ مقرب.

ولنا في قصة أبينا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وبراءته من عبادة الأصنام ومن يدعونها من دون الله ـ تعالى ـ أسوة حسنة. قال الله - تعالى - : {وَاتلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ۞ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ۞ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ۞ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ۞ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ۞ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ۞ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ۞ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ۞ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ۞ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ۞ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ۞ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ۞ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ۞ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ۞ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ۞ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ۞ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ۞ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۞ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة الشعراء 69 ــ 89].

وقال الله – تعالى - لرسوله محمد – صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته، وقد كان حيٌ يرزق : {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون} [سورة الأعراف 188].
رسول الله – صلى الله عليه وسلم -لا يملك لنفسه نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، فهل يملك لنفسه أو لأمته نفعاً أو ضراً بعد وفاته ؟؟؟. كما أنه لم ينقل لنا عن القرون الثلاثة المفضلة، ولم يثبت بدليلٍ واحدٍ صحيح، ولا حسن عنهم أنهم استغاثوا بالنبي – صلى الله عليه وسلم - أو استعانوا به فيما لا يقدر عليه إلا الله - تبارك وتعالى -، سواء في حياته أو بعد وفاته، لإشفاء مريض، أو رد غائب، أو تفريج كربة.

ولم يقل أحد منهم - رضوان الله عليهم - أجمعين : [يا رسول الله أغثنا].

إنما كانوا إذا اشتد الخطب قال الصحب - رضي الله عنهم - : " يا رسول الله ! ادع الله لنا " يتوَسّلون بدعائه قبل وفاته. فلما قبض أمسكوا لانقطاع الدعاء.

إنها التربية الإيمانية التي ربّى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عليها صغار أبناء الصحابة، فضلاً عن كبار الصحب الكرام - رضوانُ الله تعالى عليهم أجمعين – القائمة على صفاء العقيدة لتبقى ناصعة بيضاء نقية، لا تشوبها شائبة شركية ؟؟!! .
فعن بن عباس - رضي الله عنهما - قال : [كنت خلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يوما فقال : يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف] رواه الترمذي وقال : حديث صحيح . انظر : [جامع الترمذي 4 / 667 رقم 2516].

هذا هو المقياس الحقيقي لتوحيد العبادة الذي جاءت به دعوة الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - أجمعين، وأنزلت من أجله الكتب، وتوجيه هذه العبادة إلى الرب -تبارك وتعالى – " إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله " .
وقد أنكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - على الصحابي الذي قال له : (ما شاء الله وشئت يا رسول الله) بقوله : (أجعلتني لله ندا ، قل ما شاء الله وحده) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وابن خزيمة - رحمهما الله تعالى -. انظر: [صحيح ابن خزيمة 4 / 106 رقم 2461].

فهل يرضى نبي الأمة – صلى الله عليه وسلم - بأن يستعان به، ويستغاث به من دون الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله - تبارك وتعالى - لو كان حيا ؟؟.

وهل يرضى بعد الوفاه بقولهم : [ يا رسول الله أغثنا ] ؟؟.

لا والله لن يرضى بذلك، لأن الله - تعالى - أرسله لتصحيح دعوة التوحيد،
فكيف بمن يقول :
يا أكرم الخلق مالي من ألــــــــوذ به *** سواك عند حلول الحادث العمم
ما سامني الدهر ضيما واستجرت به *** إلا ونلت جــــوارا منه لم يُضم.

نعوذ بالله من الضلال والخذلان، ونستغفره - سبحانه - ونقول :

لذ بالإلــــــــه ولا تلذ بسواه *** من لاذ بالملك الجليـــــل كفاه.

نعم ... من لاذَ بالملك الجليل " الله - سبحانه وتعالى - " كفاه ... فتأمل كفاه !! ... وتأمل قولهم هذا الذي يتغنون به !!. أليس هذا من الغلو الذي حذر منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أن يستغاث أو يستعان به، أو بغيره فيما لا يقدر عليه إلا الله - تبارك وتعالى - ؟؟.

أليس هذا هو الشرك بعينه الذي حذر منه الله - تبارك وتعالى - أن يُصرف الدعاء، وتصرف العبادة لغيره، وهو الخالق الرازق القادر الحي القيوم الذي لا يموت. والإنس والجن يموتون ؟؟.

قال الله - تعالى - : {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ۞ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ۞ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ۞ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سورة سبأ 22 ــ 25].

إنّ مَن كان مرتبطاً بمددٍ من السماء، بمددٍ من عند الله - تبارك وتعالى - مرتبطا بحبل الله الممدود : كتاب الله – تبارك وتعالى – وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - يتوَجـّه إلى الله - سبحانه - وحده لا شريك له، على نور من ربه تتوحّد فيه الرؤية، في السراء والضراء، وتتوحّد فيه العبادة، وتتوحد فيه المفاهيم، لأنها من لدن خبير عليم حكيم.

ما أجمل أن نتأسى ونتصبر، ونعتبر بوفاة سيد الخلق وإمام المرسلين نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - حتى لا تتعلق القلوب بالمخلوقين من دون الله - تبارك وتعالى -، فمن كان يعبد محمداً – صلى الله عليه وسلم - فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله – تعالى - حيّ لا يموت.

وقد قال – صلى الله عليه وسلم - : (أتاني جبريل فقال : يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت، فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن : قيامه بالليل، وعزّهُ استغناؤه عن الناس) (حديث حسن) رواه : (الشيرازي في الألقاب. والحاكم. والبيهقي) عن سهل بن سعد، وجابر (وابو نعيم في الحلية) عن علي - رضي الله عنهم - أجمعين . [انظر : صحيح الجامع 73] .

إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قد جاء ليحقق دعوة التوحيد ثم مات، وبموته انقطع عن العبادة، انقطع عن الدعاء، والدعاء هو العبادة، فعن النعمان بن بشير- رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ :{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [سورة غافر60]) (صحيح). [انظر : صحيح أبي داود 1329].

قوله عن عبادتي : أي عن دعائي، ولا ينبغي أن توجه هذه العبادة، وهذا الدعاء إلا لله - وتعالى -. وأما ما رُوِيَ بلفظ : (الدعاء مخ العبادة) فهو حديث ضعيف لم يصح. انظر : [المشكاة 2230].

ونحن - بفضل الله تعالى - نؤمن أن الله - تعالى - حرم على الأرض أجساد الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - فهم أحياء في قبورهم يرزقون، ونؤمن بأنها حياة برزخية غيبية لا يعلم كنهها إلا الله - تبارك وتعالى -، ولا ننكرها.

قد ورد في عدة أحاديث صحيحة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي) قالوا : يا رسول الله ! وكيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ قال : - يقولون : بليت - قال : (إن الله حرّم على الأرض أجساد الأنبياء) (صحيح الإسناد) رواه أبو داود (1047) والنسائي وغيرهما عن أوس بن أوس وإسناده (صحيح) انظر : [المشكاة 1361].
ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : (الأنبياء أحياء في قبورهم يُصَلّون) (صحيح الإسناد) رواه أبو يعلى والبزار وغيرهما عن أنس بن مالك وإسناده صحيح.

وُنقِرّ يقينا بما أخبرنا عنها الصادق الأمين، سيد الأنبياء والمرسلين رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم - بأحاديث صحيحة أو حسنة.
ونعلم أن الله – تعالى - امتنّ على نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم - بأن سخر له ملكاً عند رأسه يُبلغهُ عن أمته السلام، وسخّر له أيضاً ملائكةً سيارةً تبلغهُ عن أمته السلام. تبلغه السلام ... السلام فقط، وهذه خاصية به – صلى الله عليه وسلم - دون سائر الأنبياء.

أما غير ذلك فإنه لا يدري عن أمته شيئا، بدليل قوله في الحديث الذي رواه أبو سعيد وسهل ابن سعد - رضي الله عنهما - مرفوعا : (إني فرطكم على الحوض، من مرّ بي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ولَيَرِدَنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يُحال بيني وبينهم، فأقول : إنهم مني، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي) (متفق عليه).

وبدليل قول الله - تبارك وتعالى - لرسوله – صلى الله عليه وسلم - لما قنتَ شهراً يدعو على قبائل المشركين الذين قتلوا القراء : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ۞ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران 127 ــ 128].

فمن كان يظن أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - حي في قبره يغيث الملهوف، ويفرج الكروب، ويكشف السوء، ويشفي المرضى، وغيره، فيكون قد أعطاه حقاً من حقوق الربوبية لا ينبغي إلا لله – تبارك وتعالى -، لأنه – سبحانه - مالك الملك ، وملك الملوك يتصرف في ملكه كيف يشاء، ولا يحتاج إلى من يعينه في ذلك، فهو – سبحانه - الغني، بيده الخير وهو على كل شيئ قدير.

فإنْ دعاه من دون الله، فقد أعطاه حقاً من حقوق الألوهية، لا ينبغي أيضاً إلا لله - تعالى -، ألا وهو : "العبادة". ولو كان – صلى الله عليه وسلم - حَيــّـاً لتبرّأ من أقوالهم وأفعالهم.

أما من يعتقد أن الموتى يسمعون، وأن الأنبياء والأولياء يجيبون ويغيثون، فقد أخطأ وجانب الصواب، لقول رب العالمين :
{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ۞ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ۞ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة النمل 79 ــ 81].

فالأمر كله بيد الله وهو – سبحانه - علام الغيوب. وعالم البرزخ عالم غيب، لا نعلم منه إلا ما أخبرنا به رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

وأما ما كان من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في أهل القليب – قليب بدر - فهي خاصية برسول الله – صلى الله عليه وسلم - : فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه : " أن - النبي – صلى الله عليه وسلم - قام على القليب الذي فيه أبو جهل وأصحابه ببدر بعد قتلهم بثلاث ليال، فنادى يا أبا جهل ابن هشام ! يا عتبة بن ربيعة ! يا شيبة بن ربيعة ! يا أمية بن خلف ! هل وجدتم ما وُعدتم حقا ؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا، فخرج من أصحابه من شاء الله أن يخرج، فقالوا : يا رسول الله ! تناجي أقواما قد جيفوا منذ ثلاث ؟ فقال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، إلا إنهم لا يستطيعون أن يجيبوا) صحيح . انظر : [ظلال الجنة جــ 2 رقم 878].

إن المؤمن ليشعر بسعادةٍ ما بعدها سعادة، وطمأنينةٍ ما بعدها طمأنينة، لأنه يشعر أنه يعيش في كنف الله - تبارك وتعالى - ورعايته وحمايته، في كنفِ إلهٍ واحدٍ ربٍ واحدٍ لا أربابَ متفرقين، فلا يخشى على رزقٍ ولا على أجل.
إن ذهبَ الأحِبـّـــة، فهو - سبحانه - ربّنا وربّ الأحبة، وإن ذهب المال، فهو الغني عن العالمين، وهو الذي يتولىّ عباده الصالحين.


إنني إن عشت لست أعدم قوتا *** وإذا متّ لست أعــــــــــــــدم قبرا
همّتي همــــــة الملوك ونفسي *** نفس حرّ ترى المذلة لغير الله كفرا
وإذا قنعت بالقوت عمــــــــري *** فلماذا أخــاف زيــــدا وعمــــــــرا .

نعم بفضل الله - تعالى - لا أخــاف زيــــداً وعمـــراً، ولا أدعو زيــــداً وعمـــراً، ولا علياً ولا حسناً ولا حسيناً ولا فاطمة - رضي الله عنهم -، ولا أدعو من دون الله – تبارك وتعالى – أرباباً ولا أنبياء، ولا أقطاباً وأبدالاً ولا أولياء وشركاء – كما يزعمون -.

لا ... لا لن أدعو خضراً، ولا رفاعياً، ولا شاذلياً، ولا بدوياً، ولا نقشبندياً، ولا دسوقياً، ولا تيجانياً، ولا جيلانياً، ولا مولوياً ولا غيره، إنمــــا أدعو ربي ولا أشرك بربي أحدا.

قال الله - تعالى - : {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [سورة الأحقاف 5].

(ومن) : للإستفهام الإستنكاري، بمعنى : النفي، أي : لا أحد .
(أضل ممن يدعو) : أضل ممن يعبد.
(من دون الله) أي : غير الله .
(من لا يستجيب له إلى يوم القيامة) : وهم الأصنام لا يجيبون عابديهم إلى شيء يسألونه أبدا.
(وهم عن دعائهم) : عبادتهم .
(غافلون) : لأنهم جماد لا يعقلون.

فلا أحد أضل منهم، لأنهم وجهوا الدعاء والإستغاثة والإستعانة، لمن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعا، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشورا.
ومثله من يدعو أصحاب القبور من الأنبياء، والصحابة، والأولياء، والصالحين لجلب نفع، أو دفع ضر، فإن هذا لا يستطيعه إلا الله - تبارك وتعالى -.

لا أحد أضل منهم لأنهم دعواْ أمواتاً وتركوا الحي الذي لا يموت، وبقدر تعظيمهم لأوليائهم يكون الشرك أكبرا، فهم على خطر عظيم، زيّنَ لهم الشيطان سوء أعمالهم، ويحسبون أنهم مهتدون.
إنهم على شفا هلكة إلا أن يتداركهم الله برحمة منه - سبحانه -.

فليتقوا الله – تعالى - في أنفسهم، فقد ضلّوا وأضلوا كثيرا، تشبّـثوا بأدلة باطلة، وأحاديث واهية، فقالوا بجواز الإستغاثة بغير الله - تعالى -، وأنها ليست شركاً .
ليتقوا الله في أنفسهم وفيمن أضلوهم، لأن الله - تعالى - يقول : {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [سورة الأعراف 194].

ومِثلهُم من َيتبرّكون بالمخلوقين وذواتهم وتربتهم، وينسكون لهم، ويطوفون بهم، ويصلون إليهم، ويحلقون رؤوسهم عندهم، وإن ادّعو أنهم أهل البيت، لأن أهل البيت أوْلى بطاعة ربّ البيت وبتوحيده على مراده لو كانوا يعلمون.

وليعلموا، ومن قلدهم من الطرقية وأصحاب الفرق ممن يدّعون أنهم دعاة سُنة أنّ عملهم وأدلتهم مخالفة لدعوة التوحيد وصفائها، ولو تمعنوا فيها لوجدوها مناقضة لنصوص الوحْيَيْن الكتاب الكريم، والسنة النبوية المطهرة.

وليعلموا أنها أدلة أوهى وأوهن من بيت العنكبوت، ولن تنفعهم بين يدي الله - تعالى -، وإن كانوا يقولون بأنهم يعظمونه ويوحدونه !!.
فقد تكفل الله - تبارك وتعالى - بحفظ هذا الدين، ويسّر بفضلهِ وَمَنـّهِ وكرمه الجهابذة مِن العلماء على مدى السنين، مَن يُصَفّونَهُ تصفية، ويُغربلونهُ من هذه الشوائب غربلة، جزاهم الله - تعالى - عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأثقل لهم الموازين في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يجعل قولنا وعملنا خالصا ابتغاء مرضاته وابتغاء وجهه الكريم.

وكتبته : أم عبدالله نجلاء الصالح

من محاضرات اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني – رحمه الله – تعالى - .


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:17 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.