أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
4405 84309

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 04-19-2013, 12:39 AM
مختار طيباوي مختار طيباوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 182
افتراضي الانتِعَاش لاستِخْرَاج أخطَاء الشَّيخ رَبِيع العِلمِيَّة بِالمِنْقَاش

الانتِعَاش لاستِخْرَاج أخطَاء الشَّيخ رَبِيع العِلمِيَّة بِالمِنْقَاش

الوقوف على أخطاء الشَّيخ ربيع في كتاب(فتاوى الشَّيخ ربيع)

الحلقة الأولى(01)

البدعَةُ المُفَسِّقَة عند الشَّيخ ربيع وإشكاليات التَّمثيل للتَّأصيل


بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده.
الموضوع:
أمَّا بعد؛ يجد من يتتَّبع كلام الشِّيخ ربيع بتمعُّن و تدبُّر أنَّه يتكلَّم كثيرا ـ خاصَّة في الأشرطة ـ بكلام مُطلقٍ مجملٍ، وقلَّما يُفصِّل المسألة على وجهها ،أو يذكر العتبة الفارقة بينها وبين المسائل الَّتي تشبهها، ولذلك يكثُر في كلامه التَّناقض بحيث يحارب بعض كلامه بعضه الأخر أشدَّ المحاربة، فحقيقةً ليس له منهج علميٌّ في الكلام بحيث ينطلق من الأخصِّ إلى الأعمِّ، أو حتَّى من الأعمِّ إلى الأخصِّ، فلا هو استنتاج، ولا هو استدلال(!)
فإذا لم يُحصِّل كلِّيَّات الموضوع بجميع أجزائها كيف له أن يردَّ إليها محلَّ النِّزاع (؟)
لذلك يوجد في كلامه من البسط العامِّ المشترك أكثر ممَّا في التَّعليل العلميِّ الخاصِّ الَّذي من المفروض أن يعقبَهُ قبل الحكم على النَّاس بالبدعة، فهو يشرع في ديباجة الدَّليل فقط، لا يستكمله كما يجب، ثمَّ يقفز للحُكمِ الَّذي يَبنِيه على تقدير الحالات، لا على إحصائها.
أقصد أنَّ تعليلاته عامَّة وأحكامه خاصَّة فما يذكره من الأدلَّة معللا بها الحكم أكثرها أدلَّة عامَّة مشتركة تتنزَّل على أيَّة قضيَّة تخصُّ البدعة.
وعليه، فهذه جولة طويلة في علم الشَّيخ ربيع في كتابه (فتاوى الشَّيخ ربيع) نقف عند المسائل الَّتي اضطرب فيها، والَّتي ـ في تقديري ــ كانت سبب منهجه الجديد الَّذي خالف به المعهود عند أئمَّة السُّنَّة المتقدِّمين والمتأخِّرين، نحاول أن نبسطه تصاعديا تدريجيا حتَّى نفهم من أين جاءه الخطأ.
فالَّذي ظهر لي أنَّه يهجم على القضايا العلميَّة (الأجوبة) بعجالة، ولا يقف عندها متأمِّلا فيها، محاولا ردِّها إلى أصلها، ومراجعة الكتب، والبحث في أقوال العلماء حتَّى إذا أحاط بها تصوُّرا، وعرف كلِّيَّاتها وجزئياتها، وأصولها العامَّة، وقواعدها الاستثنائية، بوَّبها وقسَّمها بحسب ما تقبله قسمتها، بل يجيب بالإجمال الَّذي ينتج عن علمه بالمشترك منها دون القدر المميِّز، أي: لا ينتبه للفروق، وغلبت عليه الشِّعارات حتَّى صار يحشرها في كلِّ شيء، وعلى أيٍّ شيء.
والمقصود من هذا المقال بالدَّرجة الأولى تبيين أنَّ الشَّيخ ربيعا لم يجد مثالا على البدعة المفسِّقة إلاَّ مثالا مختلفا فيه بين علماء السُّنَّة، والاختلال في التَّمثيل عواقبه وخيمة على الشَّباب السَّلفيِّ، ولهذا يتجرَّأ و أتباعه على التَّبديع في مسائل الخلافُ فيها قديم من زمن السَّلف الصَّالح، وهذا انحراف فضيع في فهم منهج أهل السُّنَّة سببه الانسياق خلف الاشتراك اللَّفظيِّ.
ولهذا ـ كذلك ـ نفهم لمَ يرمون من يخالفهم في اختياراتهم الفقهيَّة بالفسق، فالخطأ في الأصل يكون شبرا ثمَّ يصيرا في التَّفريع سَنَة ضوئية، ومن سرق بيضة يسرق بقرة (!)
ومن هنا أقول: ضبط التَّأصيل بأمثلة قطعيَّة واضحة مهمٌّ جدًّا لأنَّه بين التَّأصيل والتَّنزيل تذوب القواعد، وتتلاشى الفوارق، وبعض المسائل العلميَّة الخلاف فيها قديم، والتَّرجيح فيها على شعرة رفيعةٍ، ولا يكاد المرجِّح المنصف يجزم فيها بقول جَزْمًا تقوم به حجَّةٌ تُسوِّغ التَّبديع والتَّفسيق، فاستبعاد مثل هذه القضايا عن التَّمثيل شرط في التَّأصيل الصَّحيح حتَّى لا نقع في تضليل وانحراف عن المنهج الحقِّ.
فيجب أن نراعي في التَّأصيل البيان الَّذي يتَّضح معه المعنى، ويُغني طالب العلم عن التَّفصيل الَّذي لا نهاية له، أو الَّذي تقوم معه الاحتمالات المتعارضة، وذلك باجتناب الأمثلة المختلف فيها، والألفاظ المشكلة والمشتركة تحديدا للمدارك والمقاصد، ولأنَّنا لا نستطيع بناء القاعدة على المحتملات، ولهذا نجد الأصوليِّين يحملون اللَّفظ على الغالب، فيحمل على الحقيقة حتَّى يثبت دليل المجاز، وعلى العموم حتَّى يثبت دليل التَّخصيص، وعلى الإفراد حتَّى يثبت دليل الاشتراك، وعلى الاستقلال بالدَّلالة حتَّى يثبت دليل الإضمار، وعلى الإطلاق حتَّى يثبت دليل التَّقييد، وعلى الإحكام حتَّى يثبت دليل النَّسخ، وعلى التَّأسيس حتَّى يثبت دليل التَّأكيد، وعلى المعنى الشَّرعيِّ حتَّى يثبت الدَّليل اللُّغويُّ، وعلى المعنى العرفيِّ حتَّى يثبت الدَّليل اللُّغويُّ، وهكذا يردُّ الكلام إلى الغالب، وإلى المشهور، وإلى المتَّفق عليه، وإلى واضح الدَّلالة، ولا يمثل بالمختلف فيه لأنَّه يصير قاعدة عند بعضهم فقط، والقواعد هي عبارة عن كلِّيَّات يعود إليها جميع أهل السُّنَّة وليس بعضهم فقط.
وإليك الأمثلة :
قال في شريط (وجوب الإتباع لا الابتداع) نقلا عن (فتاويه)(1/149) وقد سُئِل عن الضوابط الشَّرعيَّة في الفرق بين السُّنَّة و البدعة: ((الضوابط الشرعية للفرق بين السنة والبدعة هي ما قاله الله :{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول}[النساء]{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}[الشورى] فنحاكم هذه البدعة أو السُّنَّة هل هي مأخوذة من كتاب الله تعالى أو من سُنِّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟
فإن كانت أخذت من كتاب الله ومن سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فعلى الرَّأس والعين، وإذا كانت جاءت خارجة مخالفة لكتاب الله و لسنَّة رسول الله ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ وتصدى الأئمة لها ، وبينوا أنها بدعة ضلالة، فإن هذا هو الفيصل بين السُّنَّة والبدعة.
... السُّنَّة تجد أدلتها و شواهدها من كتاب الله تعالى، ومن سنَّة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم ومن تفسير السَّلف، والبدعة تجد ما يرفضها من كتاب الله تعالى ومن سنَّة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلم، ومن مواقف السَّلف ـ رضوان الله عليهم ـ
))
قلتُ:
1 ـ فأنت كما ترى يذكر كلامًا مجملا، وكان المفروض منه وهو العلاَّمة... ربيع السُّنَّة ....الخ أن يذكر كلام العلماء التَّأصيلي، فيبدأ بتعريف البدعة ما هي، لأنَّه بدون تحديد البدعة، ومعرفة ماهيَّتها (التَّمييز لا الذَّاتيَّات) الَّتي تُميِّزها عن غيرها من المنهيات كالمعصيةِ مثلاً، أو الاجتهاد في الرَّأي فيما لا نصَّ فيه، ثمَّ أقسامها، وحكم كلِّ قسم منها لأنَّه بدون هذا سيجعل كلُّ واحدٍ من النَّاس ما يراه هو خطأً بدعةً ثمَّ يتبادل السَّلفيُّون التَّبديع (كما هو حاصل الآن) فهذا سببه غياب المنهج العلميُّ للكلام في هذه القضايا، بل سببه ـ عند بعضهم ـ ضحالة علم من يتكلَّم في هذه المسائل حتَّى سمَّم عقول الشَّباب السَّلفيِّ بكلام مرسل ليس له حدٌّ، ولا ضابط، كهذا الكلام.
فسبب كلِّ هذه الفوضى الَّتي أحدثها الشَّيخ ربيع ـ أصلح الله عاقبته ـ في السُّنَّة هو غياب المنهج العلميٍّ فلا مراعاة لأغراض التَّصنيف، بل يكتبون وحسب، ولا لمستويات الشَّرح، ولا لطبقات الخطاب والمخاطبين، وكلُّ مقدِّماتهم العلميَّة تتشابه، بل هي تكرار لكلام موحَّد فالمقدِّمة لا غرض منها إلاَّ ملء الصَّفحات، ومغالطة الأتباع، لا يُجملون فيها محتوى الرَّسائل والكتب والمقالات كما هي عادة أهل العلم، ولا هي مفاتيح لما بعدها (؟!)
وهنا يحتار العاقل كيف يتكلَّم ـ بعض النَّاس ـ عن المنهج السَّلفيِّ من لا يعرف المنهج العلميِّ في البحث والتَّأليف والمناظرة، فكيف يعرف الخاصَّ من لم يعرف العامَّ (؟!)
وكيف يضبط التَّنزيل من لم يدقِّق التَّأصيل (؟!)
2 ـ البدع لا تؤخذ من كتاب الله فكيف تكون بدعة ويأمر بها القرآن أو السُّنَّة(؟ !) ولعله يقصد: لنحكم على القول أو العمل بأنَّه بدعة أو سنَّة بجب أن ننظر في الكتاب والسُّنَّة فما لم يكن له أصل في شريعتنا فهو بدعة، ومع ذلك في هذه تفصيل وضوابط أصوليَّة ليس هذا موضعها.
ثمَّ ما بال القيد الثَّاني، فالأوَّل(إذا كانت خارجة مخالفة لكتاب الله ولسُّنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم) عرفناه ومجمع عليه لكن هذا القيد ما صالحيته (؟)
فهل يوجد ما دلَّ القرآن والسُّنَّة على أنَّه بدعة، ولم يتصدَّ له الأئمَّة(؟)
نعم، هو قيد في غاية الجودة إذ ما لم يكن بدعة عند الأئمَّة ـ خاصَّة ـ من السَّلف لا يكون بدعة في زماننا، ولو تتبعنا قيود الشَّيخ ربيع الَّتي اعتبرها فيصلا بين السُّنَّة والبدعة، وهي كالتَّالي: (1 ـ أخذت من كتاب الله ومن سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ2 ـ و تصدى الأئمة لها، وبينوا أنها بدعة ضلالة) وحاولنا تطبيقها على المسائل الَّتي بدَّع بها ـ مثلا ـ الشَّيخ الحلبي، وعلى الأمثلة الَّتي سيسوقها على البدعة المفسِّقة سنجد قيوده(الصَّحيحة) في واد، وهذه المسائل في واد آخر.
فهل مثلا: "ترك الموازنة"، و"وجوب قبول الجرح المفسَّر"، و"وجوب الأخذ باجتهاد الثِّقة"، و"النَّهي عن حمل المجمل على المفصَّل"، و"لزوم التَّجريح للتَّصحيح ـ بالنِّسبة لأهل السُّنَّة، أو في كلِّ حال"، يوجد في كتاب الله وسنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما يوجبها، أو ينهي عن ضدِّها(؟)
وهل تصدَّى لها الأئمَّة و بيَّنوا أنَّها بدع، أم أنَّها مسائل محدثة لم يعرفها السَّلف والأئمَّة، وهي من اختراعات هذا العصر فاعتبرها الشَّيخ ربيع بالقياس الَّذي يبرع فيه، ويعرف شروطه بدعًا(؟!)
وإذا عرفنا أنَّ كلام العلماء في بعضهم بعضا ترجمةً ليس من اختراعات هذا العصر، وهو من ضرورات الحياة البشريَّة، وكذلك الجرح المفسَّر، وعرفنا بالأدلَّة الكثيرة الَّتي تكاد تنطق أن التَّفسير للجرح شرط للنَّظر و ليس للقبول، وأنَّ التَّفسير وصف خارجيٌّ للجرح و ليس علَّة في حدِّ ذاته، وأنَّ الحكم في قبول هذا الجرح من عدمه هو العلَّة الَّتي يجب أن تكون مؤثِّرة "مقنعة".
بل كلُّ أصوله السَّبعة الَّتي ذكرها في رسالته (التَّنكيل) لا وجود لأثر لها منطوق أو مفهوم في الكتاب والسُّنَّة، ولا في كلام السَّلف، بل هي مفاهيم فهمها هو وحده من كلام بعض العلماء، وبالتَّعسُّف.
وباختصار شديد كلُّ هذه المسائل عرفها السَّلف وقالوا بعكس ما يقوله الشَّيخ ربيع، بل والأدلَّة الشَّرعيَّة تؤكِّدها كما بيَّناه مرارا، ومع ذلك يصرُّ الشَّيخ ربيع على التَّبديع بها(؟!)
وقد بيَّنتُ ـ سابقا ـ في مقال خاصٍّ أنَّ الشَّيخ ربيعا لا يطرد ضوابطه في التَّبديع، وها هو في هذا الموضع يذكر قيودا صحيحة للتَّبديع، ومع ذلك لا يُطبِّقها، ولا يراعيها ممَّا يعني أنَّ التَّأصيل شيء، والمعارك مع خصومه شيء آخر يستحلُّ فيه توظيف الأحكام الشَّرعيَّة المجرَّدة من عللها وأسبابها للقضاء على خصومه(!)
وعليه، فلست أدعو من يحسن الظنَّ به من أتباعه إلاَّ أن يُعمل هذه القيود على الشُّيوخ الَّذين بدَّعهم ـ هذا إن كان قدوتهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعندهم خشية من الله ويؤمنون باليوم الآخر، وأنَّهم سيعرضون على الله مع خصومهم الَّذين بدَّعوهم تقليدًا للشَّيخ ربيع، وصدوا النَّاس عنهم ظلما وبهتانا.
وقد يظنُّ بعضُهم أنَّه غير ملزم بهذه الإلزامات العلميَّة لأنَّ الكلام يديره اللِّسان، وهو مخطئ لأنَّ العلم اعتقاد محلّه القلب، والدَّليل لا يستأذن للهجوم على قلبك والاستقرار فيه ومهما أبديت من حجج فاعتقادك الباطن هو ما سيوجب الحكم عليك عند الله.
3 ـ كثير من السُّنن لم يدل عليها القرآن، ولا أخبر بها، إنَّما وردت بها السُّنَّة، والسَّلف يفسِّرون السُّنَّة يخبرون عن معانيها وحكمتها، ليسوا مصدرا لها، والفرق بين السُّنِّيِّ والمبتدع أنَّ السُّنَّة منقولةٌ، والبدعة منشأة.
المثال الثَّاني: قال في فتاويه (1/151) وهو يتحدَّث عن الفرق بين البدع المفسِّقة والبدع المكفِّرة: ((أمَّا البدع المفسِّقة فهي غير هذه، ترى معه سبحة هذه السُّبحة يا إخوة أصلها مأخوذ من النَّصارى والهندوك، هذه السُّبحة ما يعرفها المسلمون.....هذه ما نقول مكفِّرة، ما تكفِّر إلاَّ بدليل، ولا تُفسِّق إلاَّ بدليل، ثمَّ هي بدعة، إذن أنت لا تفسِّقه بهذه البدعة، هي مفسِّقة بعد أن تُبيَّن له، إذا بيَّنت له و أصرَّ عليها فسِّقه))
قلتُ: سبب خطأ الشَّيخ ربيع الحصر، وأنَّه لا يعرف معاني العبارات، وقيود استعمالها، بين الاستعمال اللُّغويِّ، والاستعمال الشَّرعيِّ، كما قال في (1/150) : ((مخالفة السنة أعم من البدعة، مخالفة السنة قد تكون معصية وقد تكون بدعة، فمخالفة السنة أعم، البدعة في حد ذاتها مخالفة للسنة)).
فلا يستعمل السَّبر و التَّقسيم فيذكر جميع أقسام المسالة، فبهذا المعنى كلُّ مخالفة للقرآن أو للرَّسول هي مخالفة للسُّنَّة لانَّ الرَّسول لا يأمر بمخالفة القرآن و سنَّتِه، فمن كفر خالف، ومن ابتدع خالف، ومن فسق خالف، لكن كذلك من تأوَّل فاخطأ، ومن اجتهد فاخطأ هو مخالف للسُّنَّة .
ومعلوم أنَّ ضدَّ السُّنَّة البدعة، وبهذا المفهوم العامِّ أضداد السُّنَّة كثيرة، و الأمر بالشَّيء نهي عن ضدِّه على الأقلِّ عن أحد أضداده، وضدُّ المعصية المباشر أو المقابل هو الطَّاعة، ولا يمكن أن نعتبر شيئا من أضداد شيء إلاَّ إن كان يتعاقبان على نفس الموضوع، وينافي كلُّ واحد منهما الآخر، ولا يدور عليه، وكانا جنسهما القريب واحدًا.
فالتَّضادُّ قد يكون بوسط وبغير وسط، فالشرك ضدُّ الإسلام، والكفر ضدُّ الإسلام، والنفاق الأكبر ضدُّ الإسلام، ومع ذلك فالمشهور في الاستعمال أنَّ مقابل الإسلام النَّصرانيَّة واليهوديَّة والمجوسيَّة، وضدَّ الكفر الإيمان، وضدَّ الشِّرك التوحيد، وضدَّ النِّفاق الإخلاص.
و المقصود أنَّ البدعة وإن كانت في حقيقتها معصية مطلقة مادام الشَّرع قد ورد بالنَّهي عنها لكنَّها ليست المعصية الَّتي هي ضدُّ الطَّاعة، إذ الفرق بينها و بين المعصية قصد التَّقرُّب، فالمبتدع لا يتقرَّب ببدعته الَّتي هي في عرفه وظنِّه طاعة لله، فيجب أن نلاحظ الفرق حتَّى لا نعتقد أنَّ المبتدعة عصاة المعصية الَّتي هي فسق "مخالفة اعتقاد التَّحريم" فنعتبرهم فسقة، كما يجب أن نفرِّق بين التَّفسيق بعد إقامة الحجَّة في البدعة، والتَّفسيق في المعصية، إذ الأوَّل صار فاسقا لمخالفته و عناده للدَّليل الشَّرعيِّ المأمور باتِّباعه، فهو في الحقيقة يخالف اعتقاد التَّحريم لدى المعاند، ومن هنا صار فاسقا.
ثانيا: حتَّى لو سلَّمنا له ـ جدلا ـ أنَّ السُّبحة بدعة لم نسلِّم له أنَّها مفسِّقة، ولم يسبقه إلى هذا الحكم أحدٌ، فحتَّى من اعتبرها من العلماء بدعة أو مكروهة لم يفسِّق مستعمليها، لأنَّها مسائل خلافيَّة من قسم ما لا يجوز فيه مثل هذا الإنكار، فكيف جعل هذه المسألة من القطعيَّات مع أنَّها من الشَّرع المؤوِّل الَّذي ينتفي فيه القطع و الجزم ،ولا وجه لكونها بدعة إلاَّ أنَّ الأمم الَّتي سبقتنا تستعملها، وهذا غير كاف للقول ببدعيَّتها، وليس كل تشابه غير مقصود مع غير المسلمين يكون محرَّمًا، أو منهيا عنه، إذ يجب أن ننتبه إلى أنَّ بعض أوجه التَّشابه الجزئيَّة بيننا وبينهم في بعض المسائل هو تشابه خارجيٌّ له أسباب مختلفة لأنَّه نابع من ديننا وحاجتنا وليس مجرَّد تقليد لهم أو تشبُّه بهم، أقصد: ما لم يكن التَّشابه تامًّا سببه تقليدهم لا يكفي لإثبات التَّحريم لأنَّ بعض الأمور هي من المشترك الإنسانيِّ العامِّ الَّذي تتلاقى فيه العقول وحاجات النَّاس، يدلُّك على ذلك أنَّ المسلمين من زمن الصَّحابة احتاجوا إلى عدِّ التَّسبيح كما احتاج إلى ذلك غيرهم، فبدأ الصَّحابة باستعمال النَّوى و الحصى، وهو استعمال غير عملي ،فانتهوا إلى جعل هذا النَّوى في خيط كما انتهى إليه غيرهم، وكون هذه الأمم أسبق منَّا في استعمال بعض الأمور ضرورة وجوديَّة وليست شرعيَّة، فتسبيح المسلمين بالسُّبحة لحاجتهم النَّابعة من دينهم، وليس تشبُّها بغيرهم.
ومن هنا نفهم أنَّ ما يذكره الشَّيخ ربيع من علَّة التَّشبُّه ليس له معنى محصَّل.
خاصَّة وأنَّ النَّصوص تفيد خلاف ذلك، فضلا عن كونها مفسِّقة بعد إقامة الدَّليل، فأي دليل يعرفه الشَّيخ ربيع، ولم يعرفه العلماء الَّذين لم يعتبروها بدعة(؟)
وأي زيادة في العلم عندك ليست عندهم، وأي فهم فهمته لم يفهموه (؟)
فأي حجَّة ستقيمها عليهم، ونحن أمامك أقم علينا الحجَّة في هذه المسألة أو غيرها(؟!)
وهنا أتذكَّر تفريقهم بين الشُّيوخ الَّذين بدَّعهم في هذا العصر، وبين إلزامه بطرد قواعده على الحافظ والنَّوويِّ وغيرهما ممَّن لا يُبدِّعهم(؟)
فيقول لك: من بدَّعتهم أقمت عليهم الحجَّة، وأولئك لم تقم عليهم الحجَّة (؟)
فأقول: إذا كان العلم الموجود عندك لا يزيد ـ بل ينقص ـ عن العلم الَّذي كان عند الحافظ فكيف تزعم أنَّه لم تقم عليه الحجَّة إن كنتَ تقصد بالحجَّة ظهور الدَّليل و التَّمكُّن منه، فقد ثبت يقينا لدينا ،ومن كتب الحافظ أنَّه اطَّلع على كتب شيخ الإسلام ابن تيميَّة، بل يناقشه في بعض المسائل كالتَّوسل و شدِّ الرِّحال، و يذهب مذهبًا غير مذهبه(؟!)
وهل تتخيَّل أنَّه لم يكن يعرف مذهب البخاريِّ و ابن خزيمة و الإمام أحمد فلم تبلغه الحجَّةُ أم أنَّه رجَّح مذهبا غير مذهبهم عن علم ، نعم لم يحقِّق مسائل الكلام العقليَّة، لكن مذهب السَّلف متواتر عند أمثاله فمعرفته بالمنقولات تكاد تكون تامَّة.
وعليه، فيجب التَّفريق بين عدم تبديعه لأنَّنا بالنَّظر إلى مجمل حاله و علاقته بالشَّرع، وعلمه بالسُّنَّة، وقصده لها حالا ومقالا نعدُّ ذلك أخطاء نعذره عليها بنفس القواعد الَّتي نعذر بها ابن منده، وابن خزيمة، وغيرهما ،وبين أن نعتبره جاهلا لم يتمكَّن من العلم الَّذي تمكَّن منه ابن خزيمة والدارميُّ وأحمد، والبربهاريُّ، و الإسماعيليُّ، و الصابونيُّ، و غيرهم، وهو أعلم من كثير من هؤلاء بالنُّصوص و الروايات والآثار (؟)
أمَّا في مسألة " السُّبحة" ما هي الحجَّة الَّتي كنتَ ستقيمها على العثيمين، و المباركفوري ، والشوَّكانيِّ، والصَّنعانيِّ، والحافظ ابن حجر، وابن القيِّم ، وابن تيميَّة، وابن الصَّلاح، ومئات العلماء والفقهاء ممَّن لا يعدُّها بدعة، هذا فضلا عن التَّابعين و الصَّحابة الَّذين صحَّ عنهم التَّسبيح بالنَّوى والحصى (؟!)
هل عندك علم لم يكن عندهم، أو فهم لم يفهموه، أم أنَّك تخلط بين إطلاق لفظ البدعة بمعنى التَّنفير والَّتي يطلقها بعض العلماء عند عدم الدَّليل السَّمعي الصَّريح، وبين البدعة الَّتي تضاهي الشَّريعة ويُفسَّق صاحبها بعد العلم(؟)
وضابط البدعة المفسِّقة عند كثير من العلماء: هي كل ما لم يلزم منه تكذيبٌ بالكتاب ،أو بالسُّنَّة، كبدع الخوارج والروافض غير الغلاة، وبدع الطوائف المخالفين لأصول أهل السُّنَّة، ولهم مستند في تأويلاتهم.
قال ابن حجر في ( فتح الباري)(1/385) : ((والمفسَّق بهَا كبدع الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض الَّذين لَا يغلون ذَلِك الغلو وَغير هَؤُلَاءِ من الطوائف الْمُخَالفين لأصول السّنَّة خلافًا ظَاهرا لكنَّه مُسْتَند إِلَى تَأْوِيل ظَاهِرَ سَائِغ)).
وهو نفسه في (فتح المغيث)(2/62).
وهذا يعني أنَّ تصوُّره ( الشَّيخ ربيع) الأصولي لمسألة البدعة مضطرب فلم يحدد أنواعها، وجعل الحكم (التَّكفير أو التَّفسيق) ملحقا ضرورة بالاسم، فما سمَّاه هو بدعة ألحق به الحكم دون اعتبار إن كان الاسم متحقِّقًا بشروطه، أو هو مجرَّد ظنٍّ، فكونك تُسمِّي الشَّيء بدعة لا يعني انَّه بدعة، فالحقائق لا تلحق التَّسميَّة ضرورة ،بل الشُّروط و الأوصاف الشَّرعيَّة هي المعتبرة.
يوضِحُه: إذا ثبت خطؤه في هذه المسألة " اعتبار السُّبحة بدعة مفسِّقة" فهذا يعني أنَّ تبديعه العلماء بقضايا لم تكن بدعة عند السَّلف قد عرفنا مصدره، و أنَّه سوء فهم للشَّريعة و لتأصيلات العلماء ارتدَّ على منهجه كلِّه فراح يبدِّع لمجرَّد أنَّه يرى القول خطأً في نظره، وليس لأنَّه خطأ في الشَّريعة، معارض لها بوجه من الوجوه .
ولنبدأ بتعريف البدعة ثمَّ نقيس المسائل الَّتي يُبدِّع بها الشَّيخ ربيع ،وأوَّلها السُّبحة على هذا التَّعريف ،فأقول:
البدعة اسم يطلقه العلماء على العمل المحدث ذاته، وهذا تعريف لغويٌّ مطلق لو أخذنا به لصار كثير من الدِّين بدعًا، فكثير من المسائل العلميَّة محدثة، بمعنى لم يخض فيها الصَّحابة وإن كانت حقًّا، ففي (مختار الصِّحاح)(1/30): ((البدعة الحدث في الدِّين بعد الإكمال)).
وعند الجرجاني في (التَّعريفات)(1/43): ((هي الفعلة المخالفة للسُّنة؛ سُمِّيَت: البدعة، لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام. هي الأمر المحدث الذي لم يكن عليه الصحابة والتابعون، ولم يكن مما اقتضاه الدَّليل الشَّرعيُّ.)) .
وقال الشَّاطبي في (الاعتصام)(1/49): ((ابْتَدَعَ فَلَانٌ بِدْعَةً، يَعْنِي ابْتَدَأَ طَرِيقَةً لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهَا سَابِقٌ. وَهَذَا أَمْرٌ بَدِيعٌ، يُقَالُ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَحْسَنِ الَّذِي لَا مِثَالَ لَهُ فِي الْحُسْنِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ وَلَا مَا يُشْبِهُهُ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى سُمِّيَتِ الْبِدْعَةُ بِدْعَةً، فَاسْتِخْرَاجُهَا لِلسُّلُوكِ عَلَيْهَا هُوَ الِابْتِدَاعُ، وَهَيْئَتُهَا هِيَ الْبِدْعَةُ، وَقَدْ يُسَمَّى الْعِلْمُ الْمَعْمُولُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بِدْعَةً.
فَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى سُمِّيَ الْعَمَلُ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ بِدْعَةً، وَهُوَ إِطْلَاقٌ أَخَصُّ مِنْهُ فِي اللُّغَةِ حَسْبَمَا يُذْكَرُ بِحَوْلِ اللَّهِ.)) .
قلتُ: وكلُّ هذا كلام مطلق مجمل لا يُعيِّن الفروق بين البدعة المقصودة شرعا وبين المصالح المرسلة و الاستحسان و المعصية وغير ذلك.
وإذا نظرنا في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((فإنَّ كلَّ محدثة بدعة)) فهمنا أنَّ لفظ "البدعة" المراد به العمل المحدث في الدِّين على خلاف سنَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سواء ورد فيه نهي خاصٌّ، أو لم يرد ،فصار تعريف البدعة مقرونا مشروطا بتعريف السُّنَّة، لأنَّنا لو وقفنا هنا لقلنا : كلُّ ما لم يعمله النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فهو بدعة، وقد عرفنا أنَّ الصَّحابة و السَّلف قد عملوا أعمالا لم يعملها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لكنَّنا وجدنا لها أصلا في الشَّريعة فوجب حينئذ أن نقول : البدعة هي كلُّ عمل محدث بقصد التَّقرب ـ لإخراج المعصية ـ لا دليل عليه من الشَّرع ثمَّ نحصر الأدلَّة الشَّرعيَّة لانَّ الشَّرع يدلُّ بأدلَّة مختلفة.
قال ابن تيميَّة في (مجموع الفتاوى)(4/174): ((وَقَدْ قَرَّرْنَا فِي قَاعِدَةِ " السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ ": أَنَّ الْبِدْعَةَ فِي الدِّينِ هِيَ مَا لَمْ يَشْرَعْه اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ. فَأَمَّا مَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ وَعُلِمَ الْأَمْرُ بِهِ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ: فَهُوَ مِنْ الدِّينِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ وَإِنْ تَنَازَعَ أُولُو الْأَمْرِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ. وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا مَفْعُولًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَمَا فُعِلَ بَعْدَهُ بِأَمْرِهِ - مِنْ قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ وَالْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ وَفَارِسَ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَإِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَغَيِّ ر ذَلِكَ - هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ. ))
ومن هنا جاءت المسألة الأصوليَّة الكبيرة "متى يشترط الدَّليل السَّمعيّ"(؟) .
قال ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ في (الاقتضاء)(2/84):((فَمَنْ نُدِبَ إلَى شَيْءٍ يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ أَوْ أَوْجَبَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَرِّعَهُ اللَّهُ: فَقَدْ شَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه)) .
فجعل قيدين: 1 ـ القربة ـ2 ـ عدم تشريع الله .
ولحد الآن لا ينطبق هذان القيدان على السُّبحة، لانَّ المسبِّح بها يتقرَّب إلى الله بالتَّسبيح و ليس بالسُّبحة، ولأنَّه لم ينه عنها الشَّرع، بل أجاز التَّسبيح بالحصى و النَّوى في حديثين صحيحين، ولا فرق عند العلماء ـ سمعا وعقلا ـ بين المنظوم في خيط و بين المنثور.
كذلك لم يدخل في هذين القيدين ردُّ الجرح المفسَّر غير المقنع، بل العكس ربَّما هو الصَّحيح، وحمل المجمل على المفصَّل، ونصحِّح ولا نجرح، و الموازنة، فمن أين للشَّيخ ربيع أنَّها بدع(؟!)
وقال ـ أيضًا ـ ممثلا لأنواع البدع (18/347): ((الْبِدْعَةُ: مَا خَالَفَتْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَوْ إجْمَاعَ سَلَفِ الْأُمَّةِ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ. كَأَقْوَالِ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّة وَكَاَلَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِالرَّقْصِ وَالْغِنَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَاَلَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِحَلْقِ اللِّحَى وَأَكْلِ الْحَشِيشَةِ وَأَنْوَاعِ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي يَتَعَبَّدُ بِهَا طَوَائِفُ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّة)) .
وهنا يعرِّف السُّنَّة لأنَّه بدون تعريف السُّنَّة يصعب تحديد البدعة، فيقول(21/317): ((وَمَيَّزْنَا بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَبَيَّنَّا أَنَّ السُّنَّةَ هِيَ مَا قَامَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ سَوَاءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فُعِلَ عَلَى زَمَانِهِ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَمْ يُفْعَلْ عَلَى زَمَانِهِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي حِينَئِذٍ لِفِعْلِهِ أَوْ وُجُودِ الْمَانِعِ مِنْهُ. فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ أَوْ اسْتَحَبَّهُ فَهُوَ سُنَّةٌ. كَمَا {أَمَرَ بِإِجْلَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ} وَكَمَا جَمَعَ الصَّحَابَةُ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ وَكَمَا دَاوَمُوا عَلَى قِيَامِ رَمَضَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَكْتُبُوا عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ} فَشَرَعَ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ؛ وَأَمَّا كِتَابَةُ الْحَدِيثِ فَنَهَى عَنْهَا أَوَّلًا وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ بِإِذْنِهِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنْ يَكْتُبَ عَنْهُ مَا سَمِعَهُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَبِإِذْنِهِ لِأَبِي شاه أَنْ يَكْتُبَ لَهُ خُطْبَتَهُ عَامَ الْفَتْحِ وَبِمَا كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مِنْ الْكِتَابِ الْكَبِيرِ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى نَجْرَانَ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ)) .
وبهذا الأصل نضبط مسألة اشتراط الدَّليل السَّمعيِّ، ونقول للشيخ ربيع: السُّنَّة ليست ما دلَّ عليه النَّصُّ بالمنطوق الصَّريح فقط.
ثمَّ بيَّن رحمه الله أنَّ الشَّيء يكتسب وصفه البدعي متى لم يدل عليه دليل من الشَّرع، و اتُّخذ دينا ،ولو كان صاحبه متأوِّلا، فقال (الاستقامة)(1/42): ((فَإِن الْبِدْعَة مَا لم يشرعه الله من الدّين فَكل من دَان بشيء لم يشرعه الله فَذَاك بِدعَة وَإِن كَانَ متأولا فِيه))
وهنا نفهم أن كون الشَّيء لا يرفع عنه التَّأويلُ وصف البدعة لا يلزم منه إلحاق حكم المبتدع بصاحبه ضرورة، بل هنا تدخل شروط أخرى لا يقف عندها الشَّيخ ربيع خلافا لعقيدة أهل السُّنَّة في قاعدة "التَّكفير و التَّبديع و التَّفسيق".
وهنا يجب أن نعرف أنَّ أهل البدعة صنفان: أهل إيمان اجتهدوا فأخطئوا أو لم يبلغهم من العلم ما يصونهم عن البدعة، و أهل نفاق درجوا على الطعن في السُّنَّة، و الإعراض عن الكتاب و السُّنَّة، ولا يجمعهما حكم واحد إلاَّ عند الشَّيخ ربيع.
قال الحافظ ابن حجر(فتح الباري)(13/253):
((المحدثات بِفَتْحِ الدَّالِّ جَمْعُ مُحْدَثَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا أُحْدِثَ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، وَيُسَمَّى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ "بِدْعَةً"، وَمَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ، فَالْبِدْعَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَذْمُومَةٌ، بِخِلَافِ اللُّغَةِ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ يُسَمَّى "بِدْعَةً" سَوَاءٌ كَانَ مَحْمُودًا أَوْ مَذْمُومًا، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمُحْدَثَةِ وَفِي الْأَمْرِ الْمُحْدَثِ الَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَد")) .
ونفس الشَّيء يقوله ابن رجب و الهيثمي و أبو شامة و غيرهم.
وبهذه التَّعريفات الَّتي تضمَّنت قيودا مهمَّة يكاد يتفق عليها كلُّ العلماء تبيَّن لنا أنَّه لا معنى للبدعة إلاَّ أن يكون الفعل أو القول في اعتقاد المبتدع مشروعا، وهو في حقيقته غير مشروع ويقصد به التقرُّب إلى الله تعالى، فإن لم يقترن به هذان القيدان كان معصية أو عفوا .
والمقصود بـ"القربة" إلحاق حكم شرعي به كالاستحباب و الايجاب أو الكراهة و التَّحريم.
قال أبو شامة في (الباعث على إنكار البدع والحوادث)(1/19): ((فَكل من فعل أمرا موهما أَنه مَشْرُوع وَلَيْسَ كَذَلِك فَهُوَ غال فِي دينه مُبْتَدع فِيهِ قَائِل على الله غير الْحق بِلِسَان مقاله أَو لِسَان حَاله ))
وقد مرَّ عليك قول شيخ الإسلام ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ في (الاقتضاء) أنَّ البدعة يشترط لها القربة و المخالفة للشَّريعة ، فلا يجوز أن تتلَّقى أحكام البدعة من أحكام الخطأ بإطلاق، أو من الاجتهاد السَّائغ، أو من تكافؤ الدلالة النَّصيَّة بحيث يكون المدلول مختلفا فيه من زمن السَّلف مع اختصاص البدعة بأحكام تفارق بها هذه الأقسام، فإنَّه إذا كانت البدعة تشارك المعصية في حكم، وتشارك الخطأ النَّاجم عن اجتهاد سائغ في حكم وتفارقهما في حكم، لم يمكن إلحاق مورد النِّزاع بأحدهما إلاَّ بدليل، فليس جعل الخطأ من موارد الاشتراك بأولى من جعله من موارد الافتراق.
وهذا الشَّيخ صالح الفوزان يتكلَّم عن مسألة " فناء النَّار" المنسوبة لابن تيميَّة فيقول:: (( ... وغاية ما يقال إنَّه قول خطأ، أو رأي غير صواب، ولا يقال بدعة، وليس قصدي الدَّفاع عن هذا القول ولكن قصدي ببيان أنَّه ليس بدعة ولا ينطبق عليه ضابط البدعة وهو أنَّه من المسائل القديمة" الَّتي وقع الخلاف فيها قبل ابن تيميَّة)).
ثم التَّسبيح بالمسبحة دلَّت عليه الآثار: ليس بدعة في الشَّريعة، وإن اعتبر بعض العلماء القول بالجواز خطأ ترجيحيا.
ومن هنا لم يفهم الشَّيخ ربيع اطلاقات بعض العلماء كالألباني ـ رحمه الله ـ عندما اعتبر القبض بعد الرفع من الركوع أو السُّبحة بدعة فإنَّه لا يقصد أنَّها من قسم البدعة المفسِّقة بعد قيام الحجُّة،إذ هو أصلا لا يملك دليلا على مخالفتها الشَّريعة فإمَّا يعمل باستصحاب حكم البراءة الأصليَّة و المقصود هنا الاستصحاب اللَّفظيَّ لا الحكمي، أو استدامة الحال في محلِّ النِّزاع، أو شبهة مشابهة الكفار كما في المثال الثَّاني، أو التمسُّك بحديث ابن مسعود ،وكلُّها أدلَّة قابلة للردِّ عليها بقوَّة و للتَّوجيه ،ولا تفصِّل النِّزاع تفصلا يميِّز السُّنَّة عن البدعة.
إنَّ غالب المسلمين قديما وحديثا يستعمل السُّبحة عند الذِّكر، و هي خرزات منظومة بخيط أو ما قام مقامها، خاصَّة العجائز و الشُّيوخ.
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة اختلافا يسيرا، لا يضر إن شاء الله، فأجازها معظمهم، في حين كرَّهها بعضهم، و بعضهم الآخر قال عنها:إنَّها بدعة، مثل الشَّيخ المحدث محمَّد ناصر الدِّين الألباني ـ رحمه الله .
وفي هذا الفصل سأردُّ بعجالة قول الشَّيخ ربيع بأنَّها بدعة مفسِّقة بعد قيام الحجة، وأبيِّن أنَّ استعمال المسبحة ليس ببدعة، لا من حيث ما تدلُّ عليه النُّصوص، ولا من حيث صنيع الأئمَّة، و أنَّ القول بكونها مفضولة، عقد التَّسبيح بالأصابع أفضل منها، هو القول الرَّاجح المؤيَّد بالنُّصوص و فتاوى الأئمَّة الأعلام، وكون الشيء مفضولا، لا يعني عدم جواز استعماله، بل أحيانا يكون المفضول أفضل في حقِّ الشَّخص إذا كان لا يقدر على الأفضل، فكون الإنسان لا يقدر على أن يقوم اللَّيل بالصَّلاة لا يعني أنَّه لا يجوز له أن يقوم بالذِّكر أو تلاوة القرآن، فما وجد نفسه مستعدة وراغبة فيه فهو الأفضل بالنِّسبة إليه، ولو كان مفضولا شرعا، المهمُّ أن يكون مشروعا، و الإنسان لا يجد نفسه يتعبَّد بكلِّ ما هو الأفضل، فهذا لا يقدر عليه إلاَّ آحاد النَّاس.
وليس المقصود التَّفصيل و لا الترجيح ولكن إظهار المسألة على حقيقتها العلميَّة لنستشف منها جرأة الشَّيخ ربيع ومن يجري خلفه بلا هدى على التبديع والتفسيق يعلم من هو أقل منه علما أنها فاقدة لكل شروط التبديع و التفسيق بها، فوصفها بالبدعة محتمل ممكن نسبي بناء على تفصيل حديثي أما اعتبارها بدعة مفسقة فهذا غير مسبوق.
المهم، ليس القصد تخريج الحديثين، فقد حكم بضعفهما بعض العلماء وحكم بصحتهما آخرون، وقد صحَّت في ذلك آثار كثيرة ذكرها السُّيوطيُّ و الشَّوكانيُّ وغيرهما يشهد بعضها لبعض.
وفي هذين الحديثين النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم دلَّها إلى أفضل أنواع الذكر و إن قلَّ،و لم يتعرض للتَّسبيح بالنَّوى و الحصى ، فالحديث خاصٌّ بنوعية التَّسبيح لا بكيفيَّته ،وهذا واضح جدًّا كما قاله أهل العلم.
وقالوا: وفيه دليل على جواز عدِّ التَّسبيح بالنَّوى أو الخرز فإنَّه في معناه ،ومن قال بسوى ذلك فهو فهمه لا غير ، و أبعد منه من اعتبرها بدعة فإنَّ البدعة منهي عنها ،ولم ينه النَّبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم عن التَّسبيح بالحصى و النَّوى ،فلا تكون السُّبحة بدعة.
وإلى هذا الفهم ذهب كثير من العلماء ،واتَّفق بعض أقوالهم لأنِّي لم أجد طول بحثي بدعة يقول بها جمع من علماء السُّنَّة، فهذا لم يحدث في تاريخ الإسلام، ولا وجود له في كتب العلم، نعم، ممكن أن يقول إمام متبوع مما يمكن اعتباره بدعة أمَّا أن يجتمع عليه عدد كبير من أئمَّة السُّنَّة ، ثمَّ نعتبره بدعة مفسِّقة بعد قيام الحجَّة ،فهذا خلط فاحش في الأصول.
جاء في ( حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح){213/1}: )) قال ابن حجر: والروايات بالتَّسبيح بالنَّوى و الحصا كثيرة عن الصَّحابة وبعض العالمين المؤمنين، بل رآها صلَّى الله عليه و سلَّم و أقرَّ عليه، وعقد التَّسبيح بالأنامل أفضل من السُّبحة)).
وجاء في(عون المعبود){257/4} بعد ذكر حديث المرأة: ((وهذا أصل صحيح لتجويز السُّبحة بتقريره صلَّى الله عليه و سلَّم، فإنَّه في معناها، إذ لا فرق بين المنظومة و المنثورة فيما يعد به، ولا يعتدُّ بقول من عدَّها بدعة .
والحديث دليل على جواز عدِّ التَّسبيح بالنَّوى و الحصى، وكذا بالسُّبحة لعدم الفارق، لتقريره صلَّى الله عليه و سلَّم للمرأة على ذلك، وعدم إنكاره، والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز، وقد ورد بذلك آثار)).
وفي( تحفة الأحوذي){38./9}: (( قال القاري: هذا الحديث أصل صحيح لتجويز السُّبحة بتقريره صلَّى الله عليه و سلَّم، فإنَّه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة و المنثورة فيما يعدُّ به، ولا يعتدُّ بقول من عدَّها بدعة)).
وفي(سبل السَّلام){88/2}: ((و أمَّا خياطة الثوب بخيط الحرير ولبسه، وجعل خيط السُّبحة من الحرير، وليقة الدواة، وكيس المصحف، وغشاية الكتب فلا ينبغي القول بعدم جوازه لعدم شموله النَّهي له)).
وقد سئل ابن الصَّلاح ـ رحمه الله ـ هذا السُّؤال: "هل يجوز للإنسان أن يسبِّح بسبحة خيطها حرير؟".
فأجاب(فتاوي ابن الصَّلاح){191/1}: (( ولا يحرم ما ذكره في السُّبحة المذكورة، و الأولى إبداله بخيط آخر)).
أمَّا شيخ الإسلام ابن تيميَّة فقد قال في( مجموع الفتاوى){625/22} مجيبا على سؤال يتعلق باستعمال السُّبحة: (( إن كان المراد بهذا السُّؤال أن يعدَّ الآيات أو يعدَّ تكرار السُّورة الواحدة مثل قوله: قل هو الله أحد بالسُّبحة فهذا لابأس به)).
وقال في موضع آخر:{506/22}: ((وَعَدُّ التَّسْبِيحِ بِالْأَصَابِعِ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: {سَبِّحْنَ وَاعْقِدْنَ بِالْأَصَابِعِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ} . وَأَمَّا عَدُّهُ بِالنَّوَى وَالْحَصَى وَنَحْوُ ذَلِكَ فَحَسَنٌ وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُسَبِّحُ بِالْحَصَى وَأَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُسَبِّحُ بِهِ.
وَأَمَّا التَّسْبِيحُ بِمَا يُجْعَلُ فِي نِظَامٍ مِنْ الْخَرَزِ وَنَحْوِهِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ وَإِذَا أُحْسِنَتْ فِيهِ النِّيَّةُ فَهُوَ حَسَنٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَأَمَّا اتِّخَاذُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ إظْهَارُهُ لِلنَّاسِ مِثْلُ تَعْلِيقِهِ فِي الْعُنُقِ أَوْ جَعْلِهِ كَالسُّوَارِ فِي الْيَدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا إمَّا رِيَاءٌ لِلنَّاسِ أَوْ مَظِنَّةُ الْمُرَاءَاةِ وَمُشَابَهَةِ الْمُرَائِينَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ: الْأَوَّلُ مُحَرَّمٌ وَالثَّانِي أَقَلُّ أَحْوَالِهِ الْكَرَاهَةُ فَإِنَّ مُرَاءَاةَ النَّاسِ فِي الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَصَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ)).
وذكر ابن القيِّم في(مدارج السَّالكين){12./3}: ((قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الدَّقَّاقَ يَقُولُ: رُئِيَ فِي يَدِ الْجُنَيْدِ سُبْحَةٌ. فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ مَعَ شَرَفِكَ تَأْخُذُ بِيَدِكَ سُبْحَةً؟ فَقَالَ: طَرِيقٌ وَصَلْتُ بِهِ إِلَى رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا أُفَارِقُهُ أَبَدًا. .)).
وقال الزَّين بن إبراهيم في ( البحر الرَّائق شرح كنز الدقائق){31/2} بعد كلام طويل: ((ثمَّ هذا الحديث ونحوه ممَّا يشهد بأنَّه لا باس باتِّخاذ السُّبحة المعروفة لإحصاء عدد الأذكار إذ لا تزيد السُّبحة هذا الحديث إلاَّ بضمِّ النَّوى ونحوه في خيط، ومثل هذا لا يظهر تأثيره في المنع، فلا جرم أن نقل اتِّخاذها و العمل بها عن جماعة من الصُّوفية الأخيار وغيرهم، اللَّهم إلاَّ إذا ترتب عليها رياء و سمعة، فلا كلام لنا فيه)).
و سئل فضيلة الشَّيخ محمَّد بن صالح العثيمين عن المسبحة؟
فأجاب: ((المسبحة ليست بدعة دينيَّة، وذلك لأنَّ الإنسان لا يقصد التَّعبُّد بها، وإنَّما يقصد ضبط عدد التَّسبيح الَّذي يقوله أو التَّهليل أو التَّحميد أو التَّكبير فهي وسيلة وليست مقصودة.
ولكن الأفضل منها أن يعقد الإنسان التَّسبيح بأنامله أي بأصابعه، وعلى هذا فإنَّ التَّسبيح بالمسبحة لا يعدُّ بدعة في الدِّين، لأنَّ المراد بالبدعة هي البدعة المنهى عنها.
و تسبيح بالمسبحة إنَّما هي وسيلة مرجوحة مفضولة في الدِّين، والأفضل منها أن يكون عقد التَّسبيح بالأصابع))
وسئل الشَّيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ فقال:" تركها أولى" وكرهها.
قال الشَّوكانيُّ في( نيل الأوطار){358/2}: (( فكان عقدهن بالتَّسبيح من هذه الحيثية أولى من السُّبحة و الحصى.
و الحديثان الآخران يدلان على جواز عدِّ التَّسبيح بالنَّوى و الحصى وكذا بالسُّبحة، لعدم الفارق لتقريره صلَّى الله عليه و سلَّم للمرأتين على ذلك، وعدم إنكاره، و الإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز، وقد وردت بذلك آثار)) ثم ذكر بعضا منها.
وقد ذكر العلماء روايات كثيرة عن الصَّحابة فيها التَّسبيح بالحصى و النَّوى ليس هذا مجال سردها، قد ساق السُّيوطيُّ كثيرا منها في الجزء الَّذي سمَّاه "المنحة في السُّبحة" وهو من جملة كتابه في الفتاوى، وقال في آخره: ((ولم ينقل عن أحد من السَّلف، ولا من الخلف المنع من جواز عدِّ الذِّكر بالسُّبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها [ولا يعدون] ذلك مكروها)).
وباختصار ما سبق: ليس المقصود تحقيق القول الرَّاجح في هذه المسألة، لكن بيان سبب شيوع التَّبديع المنفلت في أتباع الشَّيخ ربيع بحيث يبدِّعون بأيِّ شيء، وأنَّه ضعف التَّأصيل عند الشَّيخ ربيع، وعدم خضوعه لأيِّ ضوابط، بل يتكلَّم بما يسبق إلى ذهنه دون تمحيص و لا تحقيق، فينطبع في وعي أتباعه استسهال التَّبديع.
أما جرأة القوم ـ كبارهم ـ على الكذب على الناس فلا مثيل له إلا عند الرافضة، سلفية موتِنٌ لا تضعهم إلا منكوسين.

أرزيو/ الجزائر،في 27/03/2013
مختار الأخضر طيباوي
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:36 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.