أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
3603 163566

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر التاريخ و التراجم و الوثائق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-19-2016, 12:38 AM
ابوعبد المليك ابوعبد المليك غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 4,441
افتراضي قصة نبوغ عالم - أبو جعفر : محمد بن جرير بن يزيد الطبري

قصة نبوغ عالم


مطالعة تراجم العلماء النابغين ، مدرسة تشحذ الهِمم الى الترقِّي في أعلى المراتب . والعلماء الربانيون معهد يُعزِّز القِيم والأخلاق في قلوب العامة والخاصة . وتتبُّع مواطن النبوغ في سِير العلماء طريق لاحب لتحصيل المعالي والصعود الى مدارج الفالحين .

ومن العلماء النَّابهين النابغين : أبو جعفر : محمد بن جرير بن يزيد الطبري ( ت: 310هـ ) ، من أئمة أهل السنه والجماعة ، علاَّمة في التفسير والتاريخ والفقه والحديث ، ولد في (أمل طبرستان ) في بلاد فارس ، واستوطن بغداد . وعرض عليه القضاء فامتنع . كان حصورا لا يعرف النساء . وتوفي ببغداد . رحمه الله تعالى .

من أشهر مؤلفاته : (جامع البيان عن تأويل آي القرآن ) وفيه قال أبو حامد الاسفراييني(ت: 406هـ ) رحمه الله تعالى :” لو سافر رجل الى الصين في تحصيل تفسير ابن جرير لم يكن كثيرا ” .

و(تهذيب الآثار ) ، لم يُتمَّه و(تاريخ الرسل والملوك ) و( صريح السنة ) وقد بسط فيه مذهب اهل السنه والجماعة . و(تبصير أُولي النهى معالم الهدى ) و( جزء في الاعتقاد ) . قال عنه الامام الذهبي ( ت: 748هـ )رحمه الله تعالى : ” كان من أفراد الدهر علما وذكاء ، قلَّ ان ترى العيون مثله ” .

*معالم نبوغ الامام الطبري :

1-الاستعداد الفطري : ظهرت ألمعية الطبري منذ نعومة أظفاره ، فكان مُنكبَّا على العلم والاجتهاد وتحصيل الفضائل منذ صغره . وكان يحكي أن والده رأى له رؤيا، كانت حافزا له على الظفر بالرُّقي في ُسلَّم العِلم ، واستجلاء غوامض الفنون . قال رأى أبي في النوم أنني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعي مِخلاة مملوءة بالحجارة وأنا أرمي بين يديه . وقد عُبِّرت له على النُّصح في دين الله والتفوق على أقرانه .

ومن عناية الله بالطبري أنه كان في طفولته يؤم الناس في الصلاة وهو ابن ثماني سنين . وقد أتم حفظ القران وعمره تسع سنين .

2-الجلد في التحصيل : من دلائل نبوغ الطبري أنه بدأ الرحلة والسفر الى الأمصار لطلب العلم منذ أن بلغ الثانية عشر من عمره ، فرحل إلى بلاد فارس ومدنها طبرستان والري . ثم رحل الى العراق ومدنها بغداد وواسط والبصرة والكوفة . ثم يمَّم نحو الشام وزار الساحل ومُدنه . ثم قصد مِصر وقرأ على علمائها . ثم عاد الى مسقط رأسه بعد أن تفنَّن في كل العلوم والفنون وقابل العلماء والشيوخ . وكانت مدة رحلاته في طلب العلم أربعين عاما .

وقد ذكر تلاميذه أنه مكث أربعين عاما يكتب في كل يوم أربعين ورقة . فيكون مجموع ما كتبه ستمائة الف ورقة . ومن جلده في الفهم والحفظ أنه سئل عن علم العروض فاعتذر ، فلما كان من الغد حفظه وفهمه كله في يوم واحد . وقد قصَّ على تلاميذه بعض ما كابده في طلبه للعلم فقال : ” كنا نمضي الى أحمد بن حماد الدولابي( ت: نحو270 هـ ) رحمه الله تعالى ، وكان في قرية من قُرى الريِّ ، بينها وبين الريِّ قطعة ، ثم نغدو كالمجانين حتى نصير الى ابن حُميد ، فنلحق مجلسه ” .

3-العناية بالتحليل والاستقصاء : ويظهر ذلك جليا في استيعابه للمسائل والتصانيف . ومعرفته للقراءآت بأنواعها ، واستظهار أقوال الصحابة والتابعين ، وتحقيقه للآثار في كتب الفقه والحديث ، وعنايته بالتأريخ وحوادثه ودول الاسلام ومراحلها . والمطالع لتصانيفه يلحظ عليها النفس الطويل في سرد الاقوال والمقارنة بين الأدلة ، وترجيح المسائل المختارة مع العناية بالضبط والمناقشة والتحقيق في أغلب أبحاثه . ويروي تلاميذه عنه أنه قبل وفاته بشهور قصد الى تأليف كتابٍ في القياس ، وجمع لذلك نيِّفا وثلاثين كتابا ، لكن الموت اختطفه قبل تصنيفه ، وقد وجد في مصادره التي أعدَّها علامات بِحُمرة قد علَّم عليها . وهذا يدل على حرصه على جمع الاقوال والمقارنة بين المذاهب ونقد الآراء والموازنة بين الراجح والمرجوح . وهي عملية ذهنية لا تحصل بالتمنِّي والدعة .

4- نقد المذاهب : تميَّزالامام الطبري بتمحيص الأقوال وتحريرها والبحث في مسالك الادلة ومناطها وتنقيحها . وأثمرت رحلاته
الطويلة على وزن الآراء بالميزان الدقيق المعتمد على النصوص الشرعية . ونظريته التي يؤمن بها عدم التسليم بالثناء المطلق على مذهب متبوع من الائمة المشهورين ، مع حفظ حقه في أسبقية العلم والفضل . ولما صنف كتابه : ( اختلاف الفقهاء) لم يُعرِّج على قول الامام أحمد(ت: 241هـ) رحمه الله تعالى ، في المسائل الخلافية ، ونبَّه الى أنه مُحدِّث ضليع، لكنه ليس بفقيه . وقد أثار عليه هذا النقد شغب الحنابلة في بغداد، في قصة دوَّنها المؤرخون . وللطبري ردود قوية على مذهب الظاهرية ومؤسِّسها داود الظاهري (ت: 270هـ ) رحمه الله تعالى ، ومناظرة مشهورة مع الامام المزني (ت: 264هـ) رحمه الله تعالى ، تلميذ الشافعي ، وردود على المعتزلة والقدرية . وردود على من ضعَّف حديث غدير خُمّ وغيرها من الاحاديث . وقد خلط ذلك كله بأدب جمِّ ونفس مهذَّبة .

5-التفرغ وقطع الشواغل : المتأمِّل لسيرة الامام الطبري يلحظ التفرغ الكامل منه للعلم ، والاقبال عليه بنهمة لا تعرف الكلل والملل . ويتضح ذلك جليا في أمرين : ترك الزواج – وقد يكون سبب ذلك عارض صحي – ، وكثرة الأسفار والترحال في البلاد لاقتناص العلوم والفوائد . وقد أثمر ذلك تصنيفاته الواسعة والمحققة مثل : كتاب التفسير في ثلاثين الف ورقة ، الذي أملاه في ثمان سنوات ، وكتاب التاريخ في نحو حجم كتاب التفسير . اضافة الى تخريجاته واستنباطاته واختياراته في المسائل الشرعية .

6-الافادة من القريحة الذهنية : لم يكن الامام الطبري ناقلا لأقوال الرجال فحسب ، أو جامعا للمسائل حاشدا لها بين ثنايا صفحاته . بل كان يستعمل الأدوات العقلية التي تدرَّب عليها ذهنه في رحلاته ولقائه بشيوخه ومناظراته في المجالس . والشواهد على ذلك لا حصر لها . فقد كان يسلك في الترجيح في المسائل التفسيرية الأدوات الخمسة التي اختطَّها لنفسه وهي : الترجيح بتفسير القران بالقران ، والترجيح بالاستدلال بالسنة ، والترجيح بالمنقول عن السلف ، والترجيح بالاجتهاد والرأي ، والترجيح باللغة .

وكان الامام الطبري معتنيا بالاستنباط ، ويظهر ذلك جليا في اختياراته الفقهية ومناقشته للمسائل الاصولية . ومن طالع كتابه ( تهذيب الأثار ) عرف قيمته العلمية التي تدل على النضوج في فهم المسائل والأبحاث .

7- الصبر على أذى المخالفين : ابتلي الامام الطبري ببلايا ومِحن من العامة، وبعض المخالفين لمذهبه ، فقد أتُّهم رحمه الله بالرفض ( مذهب الرافضه ) ، واستدلوا بأدلة باطله منها : تصحيح الطبري لحديث غدير خُمّ ، ونصُّه : ” من كنتُ مولاه فعليُّ مولاه ” .

وقالوا إن الطبري ينتمي الى أهل بلدة قديمي التشيع ، وإن أكثر شيوخه مُتَّهمون بالرفض ، وأنه انفرد بمذهبٍ مستقل ،أسماه المذهب الجريري ، فلم يتبع المذاهب الفقهية المعروفة ، وأنه استشهد في تفسيره بأبيات للشاعر الشيعي ( الكميت بن يزيد) ( ت :126هـ ) عامله الله بعدله .

والصحيح أنَّ كل ما استدلوا به لاتهام الطبري بالرفض لا حُجة لهم فيه . فتصحيح الطبري لحديث خُمّ ، تبع فيه غيره من مشاهير الحفاظ الذين صحَّحوه وجمعوا طرقه كـ : أحمد في مسنده ، وابن أبي عاصم( ت: 287هـ ) ، وابن أبي شيبة (ت: 235هـ )رحمهم الله تعالى .

أما الدليل الثاني فإن الطبري رحل عن بلدته في سنِّ مبكرة جداً، وعندما رجع اليها وجد الرفض منتشرا بين أهلها ، فكتب في فضائل أبي بكر وعمر – رضى الله عنهما – للذّبِّ عنهما . أما عن شيوخه فلا يلزم أن يقلِّد من ضلَّ منهم في عقيدته ، فكثير من التلاميذ خالفوا شيوخهم في مذاهبهم واتجاهاتهم . أما عن انفراده بمذهبٍ مستقل ، فهذا ليس بدليل على انتمائه إلى مذهب الشيعة، وكثير من العلماء خالفوا المذاهب الاربعه كالليث بن سعد (ت: 175هـ ) والاوزاعي( ت: 157هـ ) رحمهما الله تعالى ، ولم يقل أحد عنهم إنهم شيعة . أما عن استدلاله بأبيات ( الكميت ) فهو أوهن الادلة وأضعفها .

ولعل من أسباب اتِّهام الامام الطبري بالرفض كون ذلك نشأ نتيجة لتشابه اسمه وكنيته مع أبي جعفر ” محمد بن جرير بن رستم الطبري الرافضي “(ت: القرن الرابع الهجري ) وهذا دليل قوي لنفي تهمة الرفض عن شيخ المفسرين .

إنَّ تلك المعالم القيمة هي التي صبغت الامام الطبري بعد توفيق الله تعالى بصبغة الذكاء العلمي ، والنبوغ الذهني، والتوقد العقلي الباهر ، وصيَّرته اماما يبقى أثره في الخالدين . فأين شبابنا اليوم من سيرة ذلك النابغة ، أين من يعجر عن المشي الى المكتبات أو الندوات ، لاقتناص فائدة أو تحقيق مسألة أو حفظ شاردة ؟! ، أين من يُضِّيعون الأوقات والأعمار في الملاهي الفارغة والمشاغل الكاذبة ؟! نسأل الله صلاح الحال والمآل . هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .


المصادر :
1–تاريخ بغداد 2/162-169 .
2- البداية والنهاية 11/146. وفيه أن من الجهلة من رماه بالإلحاد وأن بعض العوام اتهمه بالرفض .
3- الكامل لابن الاثير 8/134 وفيه قصة فتنته مع العامة
4- درء التعارض 7/406-418 . وفيه فوائد مهمه .
5- الفِصل لابن حزم 4/67 وفيه ( ذهب محمد بن جرير الطبري و الأشعرية الى أنه لا يكون مسلما الا من استدلَّ ، وإلا فليس مسلما. وقال الطبري: من بلغ الاحتلام او الاشعار من الرجال و النساء او بلغ المحيض من النساء ولم يعرف الله عز وجل بجميع اسمائه وصفاته من طريق الاستدلال فهو كافر حلال الدم والمال وقال : انه اذا بلغ الغلام أو الجارية سبع سنين وجب تعليمها وتدريبهما على الاستدلال على كل ذلك …) أ.هـ
6- منهج أهل السنه والجماعة ومنهج الاشاعرة في توحيد الله تعالى 2/4247-425 .
7- طبقات أعيان الشيعة / للطهراني .
8- معالم العلماء 106 وفيه أن هناك رافضي آخر يُدعى ( أبي جعفر محمد بن أبي القاسم بن على الطبري ) من علماء الامامية في القرن السادس .
9- روضات الجنات للخوانساري 7/295.
10- التاريخ العربي والمؤرِّخون / لشاكر مصطفى / 261 وفيه تتبُّع للمآخذ على تأريخه .
11- تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة / أمحزون / 1/198 .
12- أصول مذاهب الشيعه / للقفاري/ 3/1196 .
13- منهج الطبري في الترجيح / تمام الشاعر/ رسالة لم تنشر/ مطبوعه على الراقمه .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
__________________
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا

قال ابن عون:
"ذكر الناس داء،وذكر الله دواء"

قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى :
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له"

السير6 /369

قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم
فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم
ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة
والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره"

الفتاوى السعدية 461

https://twitter.com/mourad_22_
قناتي على اليوتيوب
https://www.youtube.com/channel/UCoNyEnUkCvtnk10j1ElI4Lg
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:30 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.