أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
98806 89305

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-27-2009, 06:35 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي فقه أصل الاجتماع

(فقه أصل الاجتماع).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد:
فإن الجماعة مطلب شرعي، ومقصد أصلي، وضرورة فطرية إلا أن لها أسبابا لتحقيقها ودوامها، وموانع لانعقادها وانتظامها أحببت أن أدلي بدلوي – مع تقصيري – في بيان تجلية أهم أصولها وأسسها ومن الله التوفيق .
مقدمة :
إن التوحيد ينبني على شهادة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله .
فشهادة أن لا إله إلا الله تعني: أن لا معبود بحق إلا الله، ومعنى كونه – سبحانه وتعالى – المعبود بحق وحده: أنه لا محبوب ذلا وتعظيما إلا هو، ومعنى محبة الله : موالاته، ومعنى موالاته: موافقته في أن نحب ما يحب، ونبغض ما يبغض، والله يحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان .
وهذا هو حقيقة العبودية لله – تعالى – لذلك قال: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات:56]، أي ليفعلوا محبوبات الله، ويجتنبوا مبغوضاته، وهو معنى قول من قال: (إلا لآمرهم وأنهاهم) .
والشهادة الثانية: شهادة أن محمدا رسول الله، هي مع شهادة التوحيد تعد ركنا واحدا، وذلك أن معنى الشهادة بأن محمدا رسول الله: أنه لا سبيل لنا إلى معرفة ما يحبه الله مما يبغضه على التفصيل إلا عن طريق النبي – صلى الله عليه وسلم - ، لذلك كانت من لوازم التوحيد، فالنبوة والرسالة من لوازم التوحيد .
فكما أن العباد مضطرون إلى عبادة الله، فهم مضطرون إلى النبوة والرسالة، لأنه لا سبيل إلى دفع ضرورة العبادة إلا عن طريق الرسالة .
بيان المناسبة بين التوحيد والمتابعة وبين الاجتماع .
إن الله – سبحانه وتعالى- قد أجرى على عباده سننا كونية، وأمرهم بسنن شرعية، وعلى ضوء هذه السنن يحدث ما نراه في هذا الكون من أحكامه القدرية والشرعية، أي أنك ممكن أن تأخذ بيان حكم كوني أو حكم شرعي من معرفة سنن الله الكونية والشرعية في عباده .
فلما ذكرنا أن الله – سبحانه وتعالى – قد فطر العباد مجبولين على عبادته، ففيهم هذه الضرورة وهي طلب عبادة الله لكن بصورة مجملة، وتفصيلها يكون بالنبوة والرسالة – تفصيل هذه العبادة التي تصلح العبد في المعاش والمعاد موقوفة على رسالات الرسل – لذلك نجد أن الله – سبحانه وتعالى – إذا بعث الرسل بعثهم بتفصيل الأحكام الشرعية، كقوله – سبحانه - :{وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}[الأنعام:55]، وقوله :{كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}[هود:1].
فنجد أن كتاب الله – تعالى – وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – فيهما تفصيل أحكام العبودية التي يطالب بها العبد لتحقيق عبودية ودفع ضرورته .
فهذه الأحكام جعل الله – سبحانه وتعالى – من سنته فيها أن من اجتمعوا على أدائها بقلوبهم وجوارحهم أن الله يؤلف بين أبدانهم وقلوبهم .
فكلما كان تمسكهم بشرع الله أعظم كان ائتلافهم وتحابهم وتوادهم أعظم، وكلما نقص عندهم من تحكيم شرع الله، أو التفريط فيه حصل من التفرق والاختلاف ما يناسب هذا التقصير .
لذلك إذا وصل التفريط والتقصير إلى أشنع الصور ألا وهو الشرك صار وصف أصحابه – الوصف الملازم لهم – هو التفرق، كما قال – تعالى - :{ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}[الروم:31-32]، وقوله :{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}[الشورى:13]، أي لما استحكمت الغفلة، وعم بعدهم عن دين الله – سبحانه – بأن صار الناس مواقعين للشرك صار حالهم التفرق المقيت عند الله – تعالى - .
وإذا عظم توحيدهم عظمت ألفتهم ومحبتهم ومما يبن هذا تأليف الله بين الأوس والخزرج، - الذين طالت بينهم الحروب – كما ذكر الله ذلك في قوله:{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا}[آل عمران:103] ، فاجتمعوا على التوحيد وبسببه وقد تم التأليف على يد النبي – صلى الله عليه وسلم - {فبما رحمت من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك}، أي: بما حبا الله نبيه – عليه الصلاة والسلام – من اللين والحكمة التي سببها كمال التوحيد فيه جمعهم الله وألف بينهم، بل إن الآية صريحة {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، أي أن من كمل مراتب التوحيد فإن الله – تعالى – يجعل من ثمرة ذلك التأليف بين القلوب، وعدم التفرق .
وأخبر – تعالى – عن أهل الكتاب :{ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به أغرينا بينهم العداوة والبغضاء}[المائدة:14]، أي: بسبب تقصيرهم ببعض ما أمروا به كانت النتيجة أن الله جعل بينهم العداوة والبغضاء .
فإذا على قدر تكميلك للتوحيد يكون الاجتماع، وعلى قدر تقصيرك به يكون التفرق، وهذه سنة كونية وسنة شرعية .
السنة الشرعية أنه لا ينبغي لك أن تجتمع مع أحد يخالف أمر الله وأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – وينبغي أن تنكر عليه وأن تظهر له من العداء على قدر معصيته التي واقعها، هذا حكم شرعي أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فتحب المرء على قدر إيمانه، وتبغضه على قدر معصيته، فإنه يجتمع في الشخص الواحد موجبات الحب، وموجبات البغض، ويتفاوت الناس في ذلك .
ومن السنة الكونية أن الله – تعالى – يجعل في القلوب الألفة إذا كانوا عاملين بشرعه متمسكين به، و يجعل بينهم الفرقة إذا فرطوا أو قصروا في ذلك .
إذا هي سنة شرعية وسنة كونية، وترى الكثير منا يعتني بأحكام السنن الشرعية، ولا يعتني بأحكام السنن الكونية، وإننا لنجد بين بعض أهل التوحيد شيئا من العداء والفرقة وسبب ذلك معصية وقعا فيها أو أحدهما .
ولا سبب غير ذلك لأن الله لما خلق الناس خلقهم مجبولين على عبادة الله وبها صلاحهم في المعاش والمعاد، وهم في الآخرة لا يجتمعون في الجنة إلا مع صفاء القلوب، فكذلك هم في الدنيا لا يجتمعون إلا على ذلك، لماذا؟
لأن الاجتماع دليل العصمة، والعصمة لا تكون لمن له هوى، لأنه قد يتكلم وفق هواه، أو أغراضه، أو مراداته .
لذلك جعل الله من سنته الكونية أنه يحدث التفرق، ولا يجتمعون أبدا إذا كان فيهم حظوظ للأنفس أو الأهواء وما شابه ذلك، ولهذا كان الإجماع من الأدلة المعتبرة عند السلف، وإن كان المقصود به إجماع الصحابة – رضي الله عنهم وأرضاهم – لأنهم من جهة السنة الكونية هم الذين ثبت يقينا اجتماعهم على الحق .
فمن أراد تحقيق باب الاجتماع على وجه صحيح مقبول عليه أن يعتني بأحكام سنن الله الكونية والشرعية، ولهذا كانت القاعدة البدعية – قاعدة التعاون والمعذرة – (نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) قاعدة فاسدة من جهة الشرع، لأنه لا يجوز الاجتماع إلا على الحق، وأن الذي يخالف – فيما لا مجال للخلاف فيه – ينكر عليه، وإن خالف في مسائل الاجتهاد فإنه يناصح .
وهؤلاء كأنما يريدون بهذه القاعدة أن يعطلوا باب المعاداة في الله، من جهة الشرع، أما من جهة السنن الكونية فإن التفرق والعداء ماض شاء الناس ذلك أم أبوا .
حتى بين الموحدين إذا كان هناك تقصير في أحكام الله الشرعية، فإن شيئا من العداء والتفرق يكون في القلوب شئنا أم أبينا، هذه سنة الله في خلقه .
لكنهم أرادوا بهذه القاعدة أن يبطلوا السنة الشرعية، لذلك بين أهل العلم الكرام أن هذه القاعدة هي قاعدة فاسدة . وأن صنيع أولئك هو كصنيع الميازيب تجمع الماء كدرا ثم تفرقه هدرا، لأن الاجتماع لم يكن اجتماع تصفية على الحق الخالص، وإنما جمع للحق مع الباطل ولا شك أنه سيتفرق هدرا، لأن اجتماع الحق مع الباطل لا يكون، لأن من سنة الله الكونية والشرعية في مثل هذا حصول التفرق حتى لا يجتمع الحق مع الباطل، ولهذا كلما كان هناك شيء من الخطأ وشيء من التقصير حصل شيء من التفرق يناسبه
وهذا الفقه كان يعتني به السلف حتى قال بعضهم: "إني إذا عصيت الله رأيت أثر ذلك في خلق زوجتي ودابتي " لأنه من السنن الكونية أن الله يذهب عن الناس الألفة والتقارب بسبب المعصية وهذه سنة الله في عباده .
فكان السلف يفقهون إذا رأى الواحد منهم أن بينه وبين أخيه أو صديقه أو قريبه شيئا من الفرقة والنفور علم أن سبب ذلك هو المعصية والتقصير في حكم الله – سبحانه وتعالى - .
لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – تعالى – عند قوله:{ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به أغرينا بينهم العداوة والبغضاء}[المائدة:14]-: "فأخبر أن نسيانهم حظا مما ذكروا به – وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به – كان سببا لإغراء العداوة والبغضاء بينهم وهكذا هو الواقع في أهل ملتنا " . (مجموع الفتاوى:1/14).
أي أن كل إنسان حتى في هذه الملة من أهل التوحيد إذا كان عندهم تقصير ببعض ما أمر الله به، فإن الله يجعل على قدر التقصير شيئا من العداء والبغضاء، هذا من حيث حكم السنن الكونية، ويجب عليه من جهة حكم السنن الشرعية أن يبغض المرء على قدر معصيته، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر بحسب المخالفة .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أمثلة دقيقة في بيان هذا الأمر، موضحا أن الله – تعالى – قد أمر بطهارة الباطن وطهارة الظاهر، وطهارة الباطن أن تطهر قلبك من الرياء والغل والكِبْر والحسد وما شابه ذلك من أدواء وأمراض القلوب، وطهارة الظاهر على نوعين طهارة من الحدث وطهارة من النجس، وانقسم من المسلمين فرقتان فرقة اعتنت بطهارة الباطن، ولم تلتفت إلى طهارة الظاهر، والفرقة الأخرى اعتنت بطهارة الظاهر ولم تلتفت إلى طهارة الباطن ، فالفرقة الأولى هم المتصوفة والمتفقرة، والفرقة الثانية بعض المتفقهة .
فيقول شيخ الإسلام – رحمه الله - : "فنجد كثيرا من المتفقهة والمتعبدة إنما همته طهارة البدن فقط ويزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا، ويترك من طهارة القلب ما أمر به إيجابا أو استحبابا ، ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك .
ونجد كثيرا من المتصوفة والمتفقرة إنما همته طهارة القلب فقط حتى يزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا، ويترك من طهارة البدن ما أمر به إيجابا أو استحبابا".
(مجموع الفتاوى:1/15).
فنتيجة لذلك نشأ بين الطائفتين من العداء والتضليل والتبديع والتفسيق ما أشتهر وعرف عنهم في كتب العلماء .
وقال شيخ الإسلام – رحمه الله -:"وتقع العداوة بين الطائفتين بسبب ترك حظ مما ذكروا به، والبغي الذي هو مجاوزة الحد؛ إما تفريطا وتضييعا للحق، وإما عدوانا وفعلا للظلم . والبغي تارة يكون من بعضهم على بعض، وتارة يكون في حقوق الله، وهما متلازمان ."(مجموع الفتاوى:1/16).
فأخذك لبعض الدين وتركك للبعض الآخر سبب للفساد والضلال، وهو الحاصل اليوم في الفتنة الجارية في العالم الإسلامي من قضية التبديع بلا ضوابط شرعية، وكذلك التضليل والتفسيق .
فما كدنا أن ننتهي من فتنة التكفير المنفلت غير المنضبط بالضوابط الشرعية، وقعنا في فتنة التضليل والتبديع غير المنضبط المبني على الأهواء من جهة، والمبني في حقيقة الأمر على هذه السنة الشرعية والكونية التي توضح حقيقة الاجتماع .
فلما برَّزَ بعضُ هؤلاء جانب الجرح والتعديل على سائر علوم الشريعة، وصار ديدنهم هو هذه المسائل حدثت الفرقة وإلا لو أعطوا كل فن من فنون الشريعة وكل علم من علومها قدره في شريعة الله لما حدث اضطراب ولا اختلاف .
فإن أئمة الجرح والتعديل في الزمن الأول ما حصل بينهم مثل هذا التفرق رغم أنهم كانوا يترصدون لأهل الأهواء والبدع على كثرتهم الكاثرة، لأنهم أعطوا كل فن وعلم قدره الشرعي .
أما اليوم فلما صاروا يقدمون شيئا على حساب شيء آخر، ويعتنون بشيء ويفرطون بشيء آخر. لا شك أن سنة الله الشرعية والكونية موجبة لحدوث الفرقة والاختلاف، لماذا؟ لأنهم نسوا حظا مما ذكروا به .
وقد سئل الشيخ مقبل الوادعي – رحمه الله - : "يلاحظ على بعض من ينتسب إلى السلفية الاشتغال بالنقد والتحذير من الفرق، وإهمال طلب العلم، وآخر أهتم بالعلم، وترك التحذير حتى وصل بهم الأمر أنهم قالوا: إن النقد ليس من منهج أهل السنة في شيء، فما الصواب في ذلك؟
جواب: هؤلاء الذين يشتغلون بالنقد والتحذير يعتبرون مفرطين في طلب العلم، أجوبة على أسئلة إخواننا في الإمارات، ومفرطين في شأن النقد، فعلماؤنا إذا نظرت إلى ترجمة ابن أبي حاتم، وجدته حافظا كبيرا، بل لقب بشيخ الإسلام، وهكذا الإمام البخاري، والإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم، فقد أخرجوا المؤلفات النافعة في التفسير، وعلم الحديث، وألفوا الكتب النافعة، وحفظوا لنا سنة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وأخرجوا الكتب النافعة في الجرح والتعديل، فلابد من الجمع بين هذا وهذا، وإلا كان الشخص ناقصا ومفرطا .
وأنا أسألك بأي ميزان تزن الناس إذا كنت جاهلا بالعلم النافع، أتزنهم بالهوى أم بما قاله لك الشيخ فلان ؟
فإذا تراجع الشيخ فلان تراجعت، وإذا حمل على طائــفة حملت فلابد من الجمع بين هذا وهذا.
والطرف الآخر الذين يهتمون بالعلم ولا يرفعون رأسا إلى التعديل، فهذا الطرف في نظري أحسن من الطرف الأول، لأن الطرف الأول يتصدى لما ليس من شأنه أن يتصدى له، لكن هذا الطرف هدم جانبا مهما ."(فضائح ونصائح :ص/111_112).
فهذه الموازنة الشرعية عند إمام من أئمة الجرح والتعديل في هذا الزمن هي الموافقة للمقاصد الشرعية بلا إفراط ولا تفريط .
واليوم إذا رأينا التفرق الحاصل بين المسلمين بانشغال بعض الشباب منهم بنقد الرجال ليس على ضوابط علم الجرح والتعديل، وإنما كما قال العلامة الوادعي – رحمه الله – أخذا بأقوال الرجال فقط، فليس لديهم علم بضوابط أهل السنة في باب الجرح والتعديل، ومعرفة الأسباب الجارحة شرعا من غيرها، ما عندهم علم بهذا، وإنما يردد ما يسمعه، وقد يسمعه خطأ!! فقد لا ينقل له بصورة صحيحة .
وفي المقابل صار شيء من التفريط في باب النقد الشرعي عند البعض، على صورة ردة فعل مشوبة بشيء من الباطل، وهذا – أيضا – لا نرتضيه ، فعلى كل من يتكلم في هذه الفتنة أن يتقي الله – تعالى – وليحذر جانبي الضلال الإفراط والتفريط .
فإن علماءنا الأجلاء يميزون بين مراتب العلوم الشرعية، ويعرفون أن من مسائل الدين مسائل هي بمنزلة الغذاء، ومسائل هي بمنزلة الدواء .
فالتوحيد والمتابعة والاجتماع عليهما هذه بمنزلة الغذاء للروح، ولا يستقيم دينك إلا بهذا الغذاء، وهناك ما هو بمنزلة الدواء تحتاجه إذا عرض لك المرض، فإذا رأيت رجلا منحرفا دخيلا على المنهج تحذر منه من باب الدواء، ولا يكون إلا بأيدي العلماء – أيضا – فليس هو لكل أحد، وهذا ذكره الشيخ مقبل – رحمه الله - : "فلا بد أن يقيم أهل السنة علم الجرح و التعديل، ومن الذي يقوم بالجرح والتعديل؟ إنه العالم البصير الذي يخاف الله، وليس كل أحد يتصدر للجرح والتعديل"(فضائح ونصائح:ص/38).
(يخاف الله) هذا قيد مهم، ليس العلم فقط، بل معه الورع، وديننا قائم على الإيمان والتقوى، الإيمان العلم والتقوى الورع، فلابد لمن تصدى لهذا الباب أن يشتمل على الوصفين .
ومن قواعد السلف في هذا الباب ما قاله شيخ الإسلام – رحمه الله - :"والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم كحال أهل البدع" (منهاج السنة النبوية : 4/337).
فالكلام في الرجال ينبغي أن يكون بالعلم والعدل، والعدل يتضمن (التقوى والورع)، وإلا لصار المتكلم في هذا الباب كحال أهل البدع الذين يتكلمون بالجهل والظلم.
فالفتنة الحاصلة اليوم، والتي نقضت الاجتماع الشرعي المطلوب، نقضته شرعا – بسبب ترك بعض ما أمرنا به – وتحققت فيه سنة الله الكونية .
نعم نقضته شرعاً لما عظم بعضهم بعض مسائل الدين على حساب المسائل الأخرى، بل على حساب أصول الدين، فصار ديدن بعض الشباب في انتقاد بعض الأشخاص وأهملوا الدعوة إلى التوحيد .
نقول الكلام في أهل البدع مطلوب لكن من العلماء أصحاب العدل بالأدلة والبينات وينبغي أن تكون وجهة الدعوة السلفية هي تحقيق المقاصد العظيمة لدعوة الإسلام والتي خلقنا الله لأجلها، بأن نحقق التوحيد والمتابعة وأن ندعو الناس إلى ذلك .
وأما المسائل الأخرى فتكون بمنزلة الدواء تعالجها وأنت تسير إلى الله – تعالى – ما يعرض لك من مرض تعالجه وأنت تسير .
إذ ليس من الحكمة أن تهمل الغذاء وتنشغل بالدواء حتى يكون غذاؤك على الأدوية فإنك ستموت أو تهلك، وهذا هو الحاصل اليوم، إذ رأينا من أهمل التوحيد من بعض هؤلاء وقع في الفواحش والموبقات حتى خرج عن الأخلاق السوية .
ولا ريب أن هذه هي سنة الله في خلقه فمن فرط في الأحكام الشرعية جاءته العقوبات بأحكام السنن الكونية .
لذلك نقول إن فقه الاجتماع على التوحيد والمتابعة ينبغي أن يقوم على هذه الأصول العظيمة من عدم إهمال شيء من أمور الدين، وأن تميز بين مراتب الأحكام الشرعية فتقدم الأهم فالأهم وهكذا، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه – من حديث ابن عباس في الصحيحين :"إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله " الحديث .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :"فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين، والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به باطنا وظاهرا.
وسبب الفرقة ترك حظا مما أمر العبد به، والبغي بينهم .
ونتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه .
ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرسول – صلى الله عليه وسلم – منهم ".(مجموع الفتاوى:1/17).
فلا ريب أن مثل هذه الأمور التي نلحظها من نتائج الفرقة كتشتيت الدعوة، وإيقافها عن مسيرتها والآن لو نظرنا منذ سنتين أو أكثر إذا بأغلب حملة هذه الدعوة قد قصروا في أمر الدعوة تقصيرا شديدا لانشغالهم بغير العلم والتعلم، انشغلنا بالقيل والقال .
وهذا بسبب التقصير الحاصل في بعض ما أمرنا به، وإهمال صمام الأمان لاجتماع الأمة ألا وهو التوحيد، فلما أهملنا التوحيد حصل التشتت والتفرق بيننا .
فعلى كل واحد منا أن يعتني بهذا الأصل وأن يحققه علما وعملا، وأن نديم القراءة وطلب العلم لنتعلم مراتب الأحكام فإن الاجتماع من أصول الدين كما ذكره عدد من الأئمة في بداية مصنفاتهم في العقيدة كالآجري – رحمه الله – في كتاب الشريعة، والبربهاري – رحمه الله – في شرح السنة وغيرهما كثير .
ما السبب ؟
لأن الاجتماع من لوازم التوحيد فالاجتماع الشرعي المقبول عند الله – تعالى – هو القائم على التوحيد والمتابعة، وأن أي خلل في الاجتماع هو لخلل في التوحيد أو خلل في لوازمه و مكملاته .
فإذا رأيت تفرق وبغضاء وعداء فاعلم أن هناك خلل في أصل التوحيد أو كماله الواجب، ولهذا يعتني العلماء بذكر الاجتماع، لأنه الميزان الذي تزن به صواب ما عليه الجماعة أو خطأه من خلال ألفتهم ومحبتهم أو تفرقهم وتشتتهم .
فكلما وجد ضلال وانحراف حصل من الفرقة والبغضاء ما يناسبه في الأمة، فمن غير الممكن أن يأتيك من قصر علمه ويريد أن يجمعك اجتماعا صوريا – لا حقيقة له – وأنت تعلم أن هناك مخالفات شرعية في الحقيقة والواقع، وأن هناك شيئا من التفرق في أحكام الله الشرعية، فمن غير الممكن أن يكون اجتماع إلا صوريا وسرعان ما يضمحل لأن سنة الله الكونية تمنع مثل هذا التجميع، الذي عساه يكون مشابها لقوله :{تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى}[الحشر:14].
فإذا ينبغي للسلفي أن يحرص على الجماعة لكن على الحق، وهذا ما تعلمناه من نصوص الكتاب والسنة ومما فهمه سلفنا الكرام وعلماؤنا الأجلاء، أننا نحرص على الجماعة وندعو إليها، بل كما قال البغوي – رحمه الله - :"بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة، وترك الفرقة والمخالفة" (تفسير البغوي:7/178).
فالاجتماع على الحق دين جميع الرسل والأنبياء كما قال – تعالى - :{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}[الشورى:13].
فتأمل قوله:{أن أقيموا الدين، ولا تتفرقوا فيه} الجمع بين إقامة الدين، وعدم التفرق فيه، فيه دليل أن الجماعة الشرعية هي القائمة بالحق .
وتأمل قوله:{كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} فيه أن استحكام الضلالة بالشرك منافية أشد المنافاة للجماعة، ومنه يؤخذ أنه كلما حصلت معصية حصل من التفرق ما يناسبها في الجماعة، وهذه سنة الله في خلقه .
فمن أراد أن يدعوا إلى الجماعة والألفة والمحبة عليه أن يدعوا إلى الحق، بأن تكون جماعتهم وألفتهم ومحبتهم على الحق الثابت بالكتاب والسنة بفهم السلف، وأن ننبذ كل دخيل على المنهج، ودون ذلك – كما يقال – خرط القتاد .
دون تحقيق الحق والاجتماع عليه لن تكون هناك جماعة قلوب وأبدان، وعليه فالواجب على أهل العدل والإنصاف إذا نظروا في مسألة وقعت بين المسلمين من مسائل الخلاف أن لا يدعو إلى الاجتماع من باب العاطفة، وإنما يدعون إلى الاجتماع من باب تحقيق الحق وتمييزه عن شوائب الباطل، بأن يحكموا الكتاب والسنة في الخلاف ورد المتنازع فيه إليهما كما قال – تعالى - :{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}[النساء:59].
ودون هذا السبيل لن يكون لنا صلاح ولا فلاح، ولا نريد أن نكون مثل الطوائف المنحرفة التي تتظاهر بطلب الجماعة بدافع الحزبية أو العاطفة، فإن كان حزبيا فهو يريد مكاسب لحزبه حتى يكثر سواد هذا الحزب، وإن كان عاميا فهو يدعوا من باب العاطفة، وعلى كلا المقصدين لن يكون هناك اجتماع، لأن فيه منافاة لأحكام الله الشرعية والكونية .
فالواجب علينا أن نعرف أصول الدين على حقيقتها الشرعية، ولهذا كان منتهى الفقه عند السلف ما هو معلوم من قول ابن مسعود – رضي الله عنه - :"الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك".
أي أن الجماعة الشرعية هي موافقة الحق ولو كنت وحدك، وليست هي تكتيل الأبدان مع تشتت القلوب ووجود المخالفات .
والحق هو التوحيد والإتباع ولوازمهما، فالواجب علينا أن نحققهما أصلا وكمالا، وأن نعيد القراءة لهما من جديد، لأن الخلل الناشئ الآن هو في هذين الأمرين .
لو تأمل المتأمل بعين الناقد البصير العارف بأحكام الله – سبحانه وتعالى – فإنه سيدرك أن الخلل الحاصل في أمة الإسلام اليوم هو من هذين الأمرين: إما الجهل بالتوحيد وإما الجهل بالمتابعة .
وهذا يدعونا إلى أن نطلب العلم، لأنه بدون العلم لن نعرف الحق من الباطل، وبالعلم ندرك الأشياء على حقيقتها بصورة جازمة، فبالعلم نعرف التوحيد، وبالعلم نعرف المتابعة، وبالعلم نعرف الحق الذي تكون عليه الجماعة الشرعية، فأصل هذه الرسالة هو طلب العلم لأن أول ما أنزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله :{اقرأ باسم ربك الذي خلق}الآيات .
ومفتاح العلم القراءة لذلك قال :{اقرأ}.
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم :"طلب العلم فريضة على كل مسلم"، وقال – تعالى - :{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، وقال – تعالى - :{وقل رب زدني علما}، قال ابن حجر – رحمه الله – لم يأمر الله نبيه أن يطلب الزيادة من شيء إلا من العلم .
فالعلم ينبني عليه التوحيد، وتنبني عليه المتابعة، وينبني عليه الاجتماع .
قال الشاعر :
تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه المحافل
وقال غيره :
اصبر على مر الجفا من معلم فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة تذوق مر الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابه فكـبر عليـه أربعا لوفاتـه
وذات الفتى والله بالعلم والتقى إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته
وقال الآخر :
إذا رأيت شباب الحي قد نشئوا لا يحملون قلال الحبر والورقا
ولا تراهم لدى الأشياخ فيحلق يعون من صالح الأخبار ما اتسقا
فعـد عنهم وخلهم إنهم همج قد استبدلوا بعلـو الهمة الحمقا


اللهم فارزقنا فهما في كتابك وسنة نبيك، وعملا خالصا لوجهك وصوابا على السنة وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتبه
أبو زيد العتيبي
6/رمضان/1430
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-28-2009, 03:14 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي مهم !!!

[quote=أبو زيد العتيبي;38872]


واليوم إذا رأينا التفرق الحاصل بين المسلمين بانشغال بعض الشباب منهم بنقد الرجال ليس على ضوابط علم الجرح والتعديل، وإنما كما قال العلامة الوادعي – رحمه الله – أخذا بأقوال الرجال فقط، فليس لديهم علم بضوابط أهل السنة في باب الجرح والتعديل، ومعرفة الأسباب الجارحة شرعا من غيرها، ما عندهم علم بهذا، وإنما يردد ما يسمعه، وقد يسمعه خطأ!! فقد لا ينقل له بصورة صحيحة .
وفي المقابل صار شيء من التفريط في باب النقد الشرعي عند البعض، على صورة ردة فعل مشوبة بشيء من الباطل، وهذا – أيضا – لا نرتضيه ، فعلى كل من يتكلم في هذه الفتنة أن يتقي الله – تعالى – وليحذر جانبي الضلال الإفراط والتفريط .
فإن علماءنا الأجلاء يميزون بين مراتب العلوم الشرعية، ويعرفون أن من مسائل الدين مسائل هي بمنزلة الغذاء، ومسائل هي بمنزلة الدواء .
فالتوحيد والمتابعة والاجتماع عليهما هذه بمنزلة الغذاء للروح، ولا يستقيم دينك إلا بهذا الغذاء، وهناك ما هو بمنزلة الدواء تحتاجه إذا عرض لك المرض، فإذا رأيت رجلا منحرفا دخيلا على المنهج تحذر منه من باب الدواء، ولا يكون إلا بأيدي العلماء – أيضا – فليس هو لكل أحد، وهذا ذكره الشيخ مقبل – رحمه الله - : "فلا بد أن يقيم أهل السنة علم الجرح و التعديل، ومن الذي يقوم بالجرح والتعديل؟ إنه العالم البصير الذي يخاف الله، وليس كل أحد يتصدر للجرح والتعديل"(فضائح ونصائح:ص/38).
(يخاف الله) هذا قيد مهم، ليس العلم فقط، بل معه الورع، وديننا قائم على الإيمان والتقوى، الإيمان العلم والتقوى الورع، فلابد لمن تصدى لهذا الباب أن يشتمل على الوصفين .
ومن قواعد السلف في هذا الباب ما قاله شيخ الإسلام – رحمه الله - :"والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم كحال أهل البدع" (منهاج السنة النبوية : 4/337).
فالكلام في الرجال ينبغي أن يكون بالعلم والعدل، والعدل يتضمن (التقوى والورع)، وإلا لصار المتكلم في هذا الباب كحال أهل البدع الذين يتكلمون بالجهل والظلم.
فالفتنة الحاصلة اليوم، والتي نقضت الاجتماع الشرعي المطلوب، نقضته شرعا – بسبب ترك بعض ما أمرنا به – وتحققت فيه سنة الله الكونية .
نعم نقضته شرعاً لما عظم بعضهم بعض مسائل الدين على حساب المسائل الأخرى، بل على حساب أصول الدين، فصار ديدن بعض الشباب في انتقاد بعض الأشخاص وأهملوا الدعوة إلى التوحيد .
نقول الكلام في أهل البدع مطلوب لكن من العلماء أصحاب العدل بالأدلة والبينات وينبغي أن تكون وجهة الدعوة السلفية هي تحقيق المقاصد العظيمة لدعوة الإسلام والتي خلقنا الله لأجلها، بأن نحقق التوحيد والمتابعة وأن ندعو الناس إلى ذلك .
وأما المسائل الأخرى فتكون بمنزلة الدواء تعالجها وأنت تسير إلى الله – تعالى – ما يعرض لك من مرض تعالجه وأنت تسير .
إذ ليس من الحكمة أن تهمل الغذاء وتنشغل بالدواء حتى يكون غذاؤك على الأدوية فإنك ستموت أو تهلك، وهذا هو الحاصل اليوم، إذ رأينا من أهمل التوحيد من بعض هؤلاء وقع في الفواحش والموبقات حتى خرج عن الأخلاق السوية .
ولا ريب أن هذه هي سنة الله في خلقه فمن فرط في الأحكام الشرعية جاءته العقوبات بأحكام السنن الكونية .
لذلك نقول إن فقه الاجتماع على التوحيد والمتابعة ينبغي أن يقوم على هذه الأصول العظيمة من عدم إهمال شيء من أمور الدين، وأن تميز بين مراتب الأحكام الشرعية فتقدم الأهم فالأهم وهكذا، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه – من حديث ابن عباس في الصحيحين :"إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله " الحديث .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :"فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين، والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به باطنا وظاهرا.
وسبب الفرقة ترك حظا مما أمر العبد به، والبغي بينهم .
ونتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه .
ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرسول – صلى الله عليه وسلم – منهم ".(مجموع الفتاوى:1/17).
فلا ريب أن مثل هذه الأمور التي نلحظها من نتائج الفرقة كتشتيت الدعوة، وإيقافها عن مسيرتها والآن لو نظرنا منذ سنتين أو أكثر إذا بأغلب حملة هذه الدعوة قد قصروا في أمر الدعوة تقصيرا شديدا لانشغالهم بغير العلم والتعلم، انشغلنا بالقيل والقال .
وهذا بسبب التقصير الحاصل في بعض ما أمرنا به، وإهمال صمام الأمان لاجتماع الأمة ألا وهو التوحيد، فلما أهملنا التوحيد حصل التشتت والتفرق بيننا .
فعلى كل واحد منا أن يعتني بهذا الأصل وأن يحققه علما وعملا، وأن نديم القراءة وطلب العلم لنتعلم مراتب الأحكام فإن الاجتماع من أصول الدين كما ذكره عدد من الأئمة في بداية مصنفاتهم في العقيدة كالآجري – رحمه الله – في كتاب الشريعة، والبربهاري – رحمه الله – في شرح السنة وغيرهما كثير .
ما السبب ؟
لأن الاجتماع من لوازم التوحيد فالاجتماع الشرعي المقبول عند الله – تعالى – هو القائم على التوحيد والمتابعة، وأن أي خلل في الاجتماع هو لخلل في التوحيد أو خلل في لوازمه و مكملاته .
فإذا رأيت تفرق وبغضاء وعداء فاعلم أن هناك خلل في أصل التوحيد أو كماله الواجب، ولهذا يعتني العلماء بذكر الاجتماع، لأنه الميزان الذي تزن به صواب ما عليه الجماعة أو خطأه من خلال ألفتهم ومحبتهم أو تفرقهم وتشتتهم .
فكلما وجد ضلال وانحراف حصل من الفرقة والبغضاء ما يناسبه في الأمة، فمن غير الممكن أن يأتيك من قصر علمه ويريد أن يجمعك اجتماعا صوريا – لا حقيقة له – وأنت تعلم أن هناك مخالفات شرعية في الحقيقة والواقع، وأن هناك شيئا من التفرق في أحكام الله الشرعية، فمن غير الممكن أن يكون اجتماع إلا صوريا وسرعان ما يضمحل لأن سنة الله الكونية تمنع مثل هذا التجميع، الذي عساه يكون مشابها لقوله :{تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى}[الحشر:14].
فإذا ينبغي للسلفي أن يحرص على الجماعة لكن على الحق، وهذا ما تعلمناه من نصوص الكتاب والسنة ومما فهمه سلفنا الكرام وعلماؤنا الأجلاء، أننا نحرص على الجماعة وندعو إليها، بل كما قال البغوي – رحمه الله - :"بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة، وترك الفرقة والمخالفة" (تفسير البغوي:7/178).
فالاجتماع على الحق دين جميع الرسل والأنبياء كما قال – تعالى - :{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}[الشورى:13].
فتأمل قوله:{أن أقيموا الدين، ولا تتفرقوا فيه} الجمع بين إقامة الدين، وعدم التفرق فيه، فيه دليل أن الجماعة الشرعية هي القائمة بالحق .
وتأمل قوله:{كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} فيه أن استحكام الضلالة بالشرك منافية أشد المنافاة للجماعة، ومنه يؤخذ أنه كلما حصلت معصية حصل من التفرق ما يناسبها في الجماعة، وهذه سنة الله في خلقه .
فمن أراد أن يدعوا إلى الجماعة والألفة والمحبة عليه أن يدعوا إلى الحق، بأن تكون جماعتهم وألفتهم ومحبتهم على الحق الثابت بالكتاب والسنة بفهم السلف، وأن ننبذ كل دخيل على المنهج، ودون ذلك – كما يقال – خرط القتاد .
دون تحقيق الحق والاجتماع عليه لن تكون هناك جماعة قلوب وأبدان، وعليه فالواجب على أهل العدل والإنصاف إذا نظروا في مسألة وقعت بين المسلمين من مسائل الخلاف أن لا يدعو إلى الاجتماع من باب العاطفة، وإنما يدعون إلى الاجتماع من باب تحقيق الحق وتمييزه عن شوائب الباطل، بأن يحكموا الكتاب والسنة في الخلاف ورد المتنازع فيه إليهما كما قال – تعالى - :{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}[النساء:59].
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-08-2009, 10:51 AM
أبو عبد العزيز الأثري أبو عبد العزيز الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: العراق
المشاركات: 2,568
افتراضي

جزاك الله خيرا
__________________
قال الله سبحانه تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

قال الشيخ ربيع بن هادي سدده الله :
( الحدادية لهم أصل خبيث وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولاً هو بريء منه ويعلن براءته منه، فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج )

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-29-2009, 01:48 AM
ابو الحسين الأثري ابو الحسين الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
الدولة: العراق
المشاركات: 428
افتراضي

جزاك الله خيراً ورزقك الفردوس.

وسدد الله خطاك

ووفقك واخوانك القائمين على نشر الدعوة السلفية في العراق وتثبيت اركانها .
__________________

To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.



To view links or images in signatures your post count must be 10 or greater. You currently have 0 posts.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-25-2012, 11:31 PM
أبو عبد العزيز الأثري أبو عبد العزيز الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: العراق
المشاركات: 2,568
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد العزيز الأثري مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيراً
....................
__________________
قال الله سبحانه تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

قال الشيخ ربيع بن هادي سدده الله :
( الحدادية لهم أصل خبيث وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولاً هو بريء منه ويعلن براءته منه، فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج )

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-26-2012, 10:14 AM
أبو عائشة أشرف الموصلي أبو عائشة أشرف الموصلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,254
افتراضي

جزى الله الشيخ خير الجزاء
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03-30-2013, 10:47 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,602
افتراضي

أحبابي الكرام الذين شرفوني بمرورهم
جزاكم الله خيرا ونفع بكم
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04-24-2011, 09:43 PM
ابو العبدين البصري ابو العبدين البصري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 2,253
افتراضي

[center](فقه أصل الاجتماع).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد:
فإن الجماعة مطلب شرعي، ومقصد أصلي، وضرورة فطرية إلا أن لها أسبابا لتحقيقها ودوامها، وموانع لانعقادها وانتظامها أحببت أن أدلي بدلوي – مع تقصيري – في بيان تجلية أهم أصولها وأسسها ومن الله التوفيق .
مقدمة :
إن التوحيد ينبني على شهادة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله .
فشهادة أن لا إله إلا الله تعني: أن لا معبود بحق إلا الله، ومعنى كونه – سبحانه وتعالى – المعبود بحق وحده: أنه لا محبوب ذلا وتعظيما إلا هو، ومعنى محبة الله : موالاته، ومعنى موالاته: موافقته في أن نحب ما يحب، ونبغض ما يبغض، والله يحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان .
وهذا هو حقيقة العبودية لله – تعالى – لذلك قال: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات:56]، أي ليفعلوا محبوبات الله، ويجتنبوا مبغوضاته، وهو معنى قول من قال: (إلا لآمرهم وأنهاهم) .
والشهادة الثانية: شهادة أن محمدا رسول الله، هي مع شهادة التوحيد تعد ركنا واحدا، وذلك أن معنى الشهادة بأن محمدا رسول الله: أنه لا سبيل لنا إلى معرفة ما يحبه الله مما يبغضه على التفصيل إلا عن طريق النبي – صلى الله عليه وسلم - ، لذلك كانت من لوازم التوحيد، فالنبوة والرسالة من لوازم التوحيد .
فكما أن العباد مضطرون إلى عبادة الله، فهم مضطرون إلى النبوة والرسالة، لأنه لا سبيل إلى دفع ضرورة العبادة إلا عن طريق الرسالة .
بيان المناسبة بين التوحيد والمتابعة وبين الاجتماع .
إن الله – سبحانه وتعالى- قد أجرى على عباده سننا كونية، وأمرهم بسنن شرعية، وعلى ضوء هذه السنن يحدث ما نراه في هذا الكون من أحكامه القدرية والشرعية، أي أنك ممكن أن تأخذ بيان حكم كوني أو حكم شرعي من معرفة سنن الله الكونية والشرعية في عباده .
فلما ذكرنا أن الله – سبحانه وتعالى – قد فطر العباد مجبولين على عبادته، ففيهم هذه الضرورة وهي طلب عبادة الله لكن بصورة مجملة، وتفصيلها يكون بالنبوة والرسالة – تفصيل هذه العبادة التي تصلح العبد في المعاش والمعاد موقوفة على رسالات الرسل – لذلك نجد أن الله – سبحانه وتعالى – إذا بعث الرسل بعثهم بتفصيل الأحكام الشرعية، كقوله – سبحانه - :{وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}[الأنعام:55]، وقوله :{كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}[هود:1].
فنجد أن كتاب الله – تعالى – وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – فيهما تفصيل أحكام العبودية التي يطالب بها العبد لتحقيق عبودية ودفع ضرورته .
فهذه الأحكام جعل الله – سبحانه وتعالى – من سنته فيها أن من اجتمعوا على أدائها بقلوبهم وجوارحهم أن الله يؤلف بين أبدانهم وقلوبهم .
فكلما كان تمسكهم بشرع الله أعظم كان ائتلافهم وتحابهم وتوادهم أعظم، وكلما نقص عندهم من تحكيم شرع الله، أو التفريط فيه حصل من التفرق والاختلاف ما يناسب هذا التقصير .
لذلك إذا وصل التفريط والتقصير إلى أشنع الصور ألا وهو الشرك صار وصف أصحابه – الوصف الملازم لهم – هو التفرق، كما قال – تعالى - :{ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}[الروم:31-32]، وقوله :{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}[الشورى:13]، أي لما استحكمت الغفلة، وعم بعدهم عن دين الله – سبحانه – بأن صار الناس مواقعين للشرك صار حالهم التفرق المقيت عند الله – تعالى - .
وإذا عظم توحيدهم عظمت ألفتهم ومحبتهم ومما يبن هذا تأليف الله بين الأوس والخزرج، - الذين طالت بينهم الحروب – كما ذكر الله ذلك في قوله:{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا}[آل عمران:103] ، فاجتمعوا على التوحيد وبسببه وقد تم التأليف على يد النبي – صلى الله عليه وسلم - {فبما رحمت من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك}، أي: بما حبا الله نبيه – عليه الصلاة والسلام – من اللين والحكمة التي سببها كمال التوحيد فيه جمعهم الله وألف بينهم، بل إن الآية صريحة {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، أي أن من كمل مراتب التوحيد فإن الله – تعالى – يجعل من ثمرة ذلك التأليف بين القلوب، وعدم التفرق .
وأخبر – تعالى – عن أهل الكتاب :{ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به أغرينا بينهم العداوة والبغضاء}[المائدة:14]، أي: بسبب تقصيرهم ببعض ما أمروا به كانت النتيجة أن الله جعل بينهم العداوة والبغضاء .
فإذا على قدر تكميلك للتوحيد يكون الاجتماع، وعلى قدر تقصيرك به يكون التفرق، وهذه سنة كونية وسنة شرعية .
السنة الشرعية أنه لا ينبغي لك أن تجتمع مع أحد يخالف أمر الله وأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – وينبغي أن تنكر عليه وأن تظهر له من العداء على قدر معصيته التي واقعها، هذا حكم شرعي أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فتحب المرء على قدر إيمانه، وتبغضه على قدر معصيته، فإنه يجتمع في الشخص الواحد موجبات الحب، وموجبات البغض، ويتفاوت الناس في ذلك .
ومن السنة الكونية أن الله – تعالى – يجعل في القلوب الألفة إذا كانوا عاملين بشرعه متمسكين به، و يجعل بينهم الفرقة إذا فرطوا أو قصروا في ذلك .
إذا هي سنة شرعية وسنة كونية، وترى الكثير منا يعتني بأحكام السنن الشرعية، ولا يعتني بأحكام السنن الكونية، وإننا لنجد بين بعض أهل التوحيد شيئا من العداء والفرقة وسبب ذلك معصية وقعا فيها أو أحدهما .
ولا سبب غير ذلك لأن الله لما خلق الناس خلقهم مجبولين على عبادة الله وبها صلاحهم في المعاش والمعاد، وهم في الآخرة لا يجتمعون في الجنة إلا مع صفاء القلوب، فكذلك هم في الدنيا لا يجتمعون إلا على ذلك، لماذا؟
لأن الاجتماع دليل العصمة، والعصمة لا تكون لمن له هوى، لأنه قد يتكلم وفق هواه، أو أغراضه، أو مراداته .
لذلك جعل الله من سنته الكونية أنه يحدث التفرق، ولا يجتمعون أبدا إذا كان فيهم حظوظ للأنفس أو الأهواء وما شابه ذلك، ولهذا كان الإجماع من الأدلة المعتبرة عند السلف، وإن كان المقصود به إجماع الصحابة – رضي الله عنهم وأرضاهم – لأنهم من جهة السنة الكونية هم الذين ثبت يقينا اجتماعهم على الحق .
فمن أراد تحقيق باب الاجتماع على وجه صحيح مقبول عليه أن يعتني بأحكام سنن الله الكونية والشرعية، ولهذا كانت القاعدة البدعية – قاعدة التعاون والمعذرة – (نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) قاعدة فاسدة من جهة الشرع، لأنه لا يجوز الاجتماع إلا على الحق، وأن الذي يخالف – فيما لا مجال للخلاف فيه – ينكر عليه، وإن خالف في مسائل الاجتهاد فإنه يناصح .
وهؤلاء كأنما يريدون بهذه القاعدة أن يعطلوا باب المعاداة في الله، من جهة الشرع، أما من جهة السنن الكونية فإن التفرق والعداء ماض شاء الناس ذلك أم أبوا .
حتى بين الموحدين إذا كان هناك تقصير في أحكام الله الشرعية، فإن شيئا من العداء والتفرق يكون في القلوب شئنا أم أبينا، هذه سنة الله في خلقه .
لكنهم أرادوا بهذه القاعدة أن يبطلوا السنة الشرعية، لذلك بين أهل العلم الكرام أن هذه القاعدة هي قاعدة فاسدة . وأن صنيع أولئك هو كصنيع الميازيب تجمع الماء كدرا ثم تفرقه هدرا، لأن الاجتماع لم يكن اجتماع تصفية على الحق الخالص، وإنما جمع للحق مع الباطل ولا شك أنه سيتفرق هدرا، لأن اجتماع الحق مع الباطل لا يكون، لأن من سنة الله الكونية والشرعية في مثل هذا حصول التفرق حتى لا يجتمع الحق مع الباطل، ولهذا كلما كان هناك شيء من الخطأ وشيء من التقصير حصل شيء من التفرق يناسبه
وهذا الفقه كان يعتني به السلف حتى قال بعضهم: "إني إذا عصيت الله رأيت أثر ذلك في خلق زوجتي ودابتي " لأنه من السنن الكونية أن الله يذهب عن الناس الألفة والتقارب بسبب المعصية وهذه سنة الله في عباده .
فكان السلف يفقهون إذا رأى الواحد منهم أن بينه وبين أخيه أو صديقه أو قريبه شيئا من الفرقة والنفور علم أن سبب ذلك هو المعصية والتقصير في حكم الله – سبحانه وتعالى - .
لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – تعالى – عند قوله:{ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به أغرينا بينهم العداوة والبغضاء}[المائدة:14]-: "فأخبر أن نسيانهم حظا مما ذكروا به – وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به – كان سببا لإغراء العداوة والبغضاء بينهم وهكذا هو الواقع في أهل ملتنا " . (مجموع الفتاوى:1/14).
أي أن كل إنسان حتى في هذه الملة من أهل التوحيد إذا كان عندهم تقصير ببعض ما أمر الله به، فإن الله يجعل على قدر التقصير شيئا من العداء والبغضاء، هذا من حيث حكم السنن الكونية، ويجب عليه من جهة حكم السنن الشرعية أن يبغض المرء على قدر معصيته، ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر بحسب المخالفة .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أمثلة دقيقة في بيان هذا الأمر، موضحا أن الله – تعالى – قد أمر بطهارة الباطن وطهارة الظاهر، وطهارة الباطن أن تطهر قلبك من الرياء والغل والكِبْر والحسد وما شابه ذلك من أدواء وأمراض القلوب، وطهارة الظاهر على نوعين طهارة من الحدث وطهارة من النجس، وانقسم من المسلمين فرقتان فرقة اعتنت بطهارة الباطن، ولم تلتفت إلى طهارة الظاهر، والفرقة الأخرى اعتنت بطهارة الظاهر ولم تلتفت إلى طهارة الباطن ، فالفرقة الأولى هم المتصوفة والمتفقرة، والفرقة الثانية بعض المتفقهة .
فيقول شيخ الإسلام – رحمه الله - : "فنجد كثيرا من المتفقهة والمتعبدة إنما همته طهارة البدن فقط ويزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا، ويترك من طهارة القلب ما أمر به إيجابا أو استحبابا ، ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك .
ونجد كثيرا من المتصوفة والمتفقرة إنما همته طهارة القلب فقط حتى يزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا، ويترك من طهارة البدن ما أمر به إيجابا أو استحبابا".
(مجموع الفتاوى:1/15).
فنتيجة لذلك نشأ بين الطائفتين من العداء والتضليل والتبديع والتفسيق ما أشتهر وعرف عنهم في كتب العلماء .
وقال شيخ الإسلام – رحمه الله -:"وتقع العداوة بين الطائفتين بسبب ترك حظ مما ذكروا به، والبغي الذي هو مجاوزة الحد؛ إما تفريطا وتضييعا للحق، وإما عدوانا وفعلا للظلم . والبغي تارة يكون من بعضهم على بعض، وتارة يكون في حقوق الله، وهما متلازمان ."(مجموع الفتاوى:1/16).
فأخذك لبعض الدين وتركك للبعض الآخر سبب للفساد والضلال، وهو الحاصل اليوم في الفتنة الجارية في العالم الإسلامي من قضية التبديع بلا ضوابط شرعية، وكذلك التضليل والتفسيق .
فما كدنا أن ننتهي من فتنة التكفير المنفلت غير المنضبط بالضوابط الشرعية، وقعنا في فتنة التضليل والتبديع غير المنضبط المبني على الأهواء من جهة، والمبني في حقيقة الأمر على هذه السنة الشرعية والكونية التي توضح حقيقة الاجتماع .
فلما برَّزَ بعضُ هؤلاء جانب الجرح والتعديل على سائر علوم الشريعة، وصار ديدنهم هو هذه المسائل حدثت الفرقة وإلا لو أعطوا كل فن من فنون الشريعة وكل علم من علومها قدره في شريعة الله لما حدث اضطراب ولا اختلاف .
فإن أئمة الجرح والتعديل في الزمن الأول ما حصل بينهم مثل هذا التفرق رغم أنهم كانوا يترصدون لأهل الأهواء والبدع على كثرتهم الكاثرة، لأنهم أعطوا كل فن وعلم قدره الشرعي .
أما اليوم فلما صاروا يقدمون شيئا على حساب شيء آخر، ويعتنون بشيء ويفرطون بشيء آخر. لا شك أن سنة الله الشرعية والكونية موجبة لحدوث الفرقة والاختلاف، لماذا؟ لأنهم نسوا حظا مما ذكروا به .
وقد سئل الشيخ مقبل الوادعي – رحمه الله - : "يلاحظ على بعض من ينتسب إلى السلفية الاشتغال بالنقد والتحذير من الفرق، وإهمال طلب العلم، وآخر أهتم بالعلم، وترك التحذير حتى وصل بهم الأمر أنهم قالوا: إن النقد ليس من منهج أهل السنة في شيء، فما الصواب في ذلك؟
جواب: هؤلاء الذين يشتغلون بالنقد والتحذير يعتبرون مفرطين في طلب العلم، أجوبة على أسئلة إخواننا في الإمارات، ومفرطين في شأن النقد، فعلماؤنا إذا نظرت إلى ترجمة ابن أبي حاتم، وجدته حافظا كبيرا، بل لقب بشيخ الإسلام، وهكذا الإمام البخاري، والإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم، فقد أخرجوا المؤلفات النافعة في التفسير، وعلم الحديث، وألفوا الكتب النافعة، وحفظوا لنا سنة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وأخرجوا الكتب النافعة في الجرح والتعديل، فلابد من الجمع بين هذا وهذا، وإلا كان الشخص ناقصا ومفرطا .
وأنا أسألك بأي ميزان تزن الناس إذا كنت جاهلا بالعلم النافع، أتزنهم بالهوى أم بما قاله لك الشيخ فلان ؟
فإذا تراجع الشيخ فلان تراجعت، وإذا حمل على طائــفة حملت فلابد من الجمع بين هذا وهذا.
والطرف الآخر الذين يهتمون بالعلم ولا يرفعون رأسا إلى التعديل، فهذا الطرف في نظري أحسن من الطرف الأول، لأن الطرف الأول يتصدى لما ليس من شأنه أن يتصدى له، لكن هذا الطرف هدم جانبا مهما ."(فضائح ونصائح :ص/111_112).
فهذه الموازنة الشرعية عند إمام من أئمة الجرح والتعديل في هذا الزمن هي الموافقة للمقاصد الشرعية بلا إفراط ولا تفريط .
واليوم إذا رأينا التفرق الحاصل بين المسلمين بانشغال بعض الشباب منهم بنقد الرجال ليس على ضوابط علم الجرح والتعديل، وإنما كما قال العلامة الوادعي – رحمه الله – أخذا بأقوال الرجال فقط، فليس لديهم علم بضوابط أهل السنة في باب الجرح والتعديل، ومعرفة الأسباب الجارحة شرعا من غيرها، ما عندهم علم بهذا، وإنما يردد ما يسمعه، وقد يسمعه خطأ!! فقد لا ينقل له بصورة صحيحة .
وفي المقابل صار شيء من التفريط في باب النقد الشرعي عند البعض، على صورة ردة فعل مشوبة بشيء من الباطل، وهذا – أيضا – لا نرتضيه ، فعلى كل من يتكلم في هذه الفتنة أن يتقي الله – تعالى – وليحذر جانبي الضلال الإفراط والتفريط .
فإن علماءنا الأجلاء يميزون بين مراتب العلوم الشرعية، ويعرفون أن من مسائل الدين مسائل هي بمنزلة الغذاء، ومسائل هي بمنزلة الدواء .
فالتوحيد والمتابعة والاجتماع عليهما هذه بمنزلة الغذاء للروح، ولا يستقيم دينك إلا بهذا الغذاء، وهناك ما هو بمنزلة الدواء تحتاجه إذا عرض لك المرض، فإذا رأيت رجلا منحرفا دخيلا على المنهج تحذر منه من باب الدواء، ولا يكون إلا بأيدي العلماء – أيضا – فليس هو لكل أحد، وهذا ذكره الشيخ مقبل – رحمه الله - : "فلا بد أن يقيم أهل السنة علم الجرح و التعديل، ومن الذي يقوم بالجرح والتعديل؟ إنه العالم البصير الذي يخاف الله، وليس كل أحد يتصدر للجرح والتعديل"(فضائح ونصائح:ص/38).
(يخاف الله) هذا قيد مهم، ليس العلم فقط، بل معه الورع، وديننا قائم على الإيمان والتقوى، الإيمان العلم والتقوى الورع، فلابد لمن تصدى لهذا الباب أن يشتمل على الوصفين .
ومن قواعد السلف في هذا الباب ما قاله شيخ الإسلام – رحمه الله - :"والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم كحال أهل البدع" (منهاج السنة النبوية : 4/337).
فالكلام في الرجال ينبغي أن يكون بالعلم والعدل، والعدل يتضمن (التقوى والورع)، وإلا لصار المتكلم في هذا الباب كحال أهل البدع الذين يتكلمون بالجهل والظلم.
فالفتنة الحاصلة اليوم، والتي نقضت الاجتماع الشرعي المطلوب، نقضته شرعا – بسبب ترك بعض ما أمرنا به – وتحققت فيه سنة الله الكونية .
نعم نقضته شرعاً لما عظم بعضهم بعض مسائل الدين على حساب المسائل الأخرى، بل على حساب أصول الدين، فصار ديدن بعض الشباب في انتقاد بعض الأشخاص وأهملوا الدعوة إلى التوحيد .
نقول الكلام في أهل البدع مطلوب لكن من العلماء أصحاب العدل بالأدلة والبينات وينبغي أن تكون وجهة الدعوة السلفية هي تحقيق المقاصد العظيمة لدعوة الإسلام والتي خلقنا الله لأجلها، بأن نحقق التوحيد والمتابعة وأن ندعو الناس إلى ذلك .
وأما المسائل الأخرى فتكون بمنزلة الدواء تعالجها وأنت تسير إلى الله – تعالى – ما يعرض لك من مرض تعالجه وأنت تسير .
إذ ليس من الحكمة أن تهمل الغذاء وتنشغل بالدواء حتى يكون غذاؤك على الأدوية فإنك ستموت أو تهلك، وهذا هو الحاصل اليوم، إذ رأينا من أهمل التوحيد من بعض هؤلاء وقع في الفواحش والموبقات حتى خرج عن الأخلاق السوية .
ولا ريب أن هذه هي سنة الله في خلقه فمن فرط في الأحكام الشرعية جاءته العقوبات بأحكام السنن الكونية .
لذلك نقول إن فقه الاجتماع على التوحيد والمتابعة ينبغي أن يقوم على هذه الأصول العظيمة من عدم إهمال شيء من أمور الدين، وأن تميز بين مراتب الأحكام الشرعية فتقدم الأهم فالأهم وهكذا، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه – من حديث ابن عباس في الصحيحين :"إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله " الحديث .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :"فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين، والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به باطنا وظاهرا.
وسبب الفرقة ترك حظا مما أمر العبد به، والبغي بينهم .
ونتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه .
ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرسول – صلى الله عليه وسلم – منهم ".(مجموع الفتاوى:1/17).
فلا ريب أن مثل هذه الأمور التي نلحظها من نتائج الفرقة كتشتيت الدعوة، وإيقافها عن مسيرتها والآن لو نظرنا منذ سنتين أو أكثر إذا بأغلب حملة هذه الدعوة قد قصروا في أمر الدعوة تقصيرا شديدا لانشغالهم بغير العلم والتعلم، انشغلنا بالقيل والقال .
وهذا بسبب التقصير الحاصل في بعض ما أمرنا به، وإهمال صمام الأمان لاجتماع الأمة ألا وهو التوحيد، فلما أهملنا التوحيد حصل التشتت والتفرق بيننا .
فعلى كل واحد منا أن يعتني بهذا الأصل وأن يحققه علما وعملا، وأن نديم القراءة وطلب العلم لنتعلم مراتب الأحكام فإن الاجتماع من أصول الدين كما ذكره عدد من الأئمة في بداية مصنفاتهم في العقيدة كالآجري – رحمه الله – في كتاب الشريعة، والبربهاري – رحمه الله – في شرح السنة وغيرهما كثير .
ما السبب ؟
لأن الاجتماع من لوازم التوحيد فالاجتماع الشرعي المقبول عند الله – تعالى – هو القائم على التوحيد والمتابعة، وأن أي خلل في الاجتماع هو لخلل في التوحيد أو خلل في لوازمه و مكملاته .
فإذا رأيت تفرق وبغضاء وعداء فاعلم أن هناك خلل في أصل التوحيد أو كماله الواجب، ولهذا يعتني العلماء بذكر الاجتماع، لأنه الميزان الذي تزن به صواب ما عليه الجماعة أو خطأه من خلال ألفتهم ومحبتهم أو تفرقهم وتشتتهم .
فكلما وجد ضلال وانحراف حصل من الفرقة والبغضاء ما يناسبه في الأمة، فمن غير الممكن أن يأتيك من قصر علمه ويريد أن يجمعك اجتماعا صوريا – لا حقيقة له – وأنت تعلم أن هناك مخالفات شرعية في الحقيقة والواقع، وأن هناك شيئا من التفرق في أحكام الله الشرعية، فمن غير الممكن أن يكون اجتماع إلا صوريا وسرعان ما يضمحل لأن سنة الله الكونية تمنع مثل هذا التجميع، الذي عساه يكون مشابها لقوله :{تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى}[الحشر:14].
فإذا ينبغي للسلفي أن يحرص على الجماعة لكن على الحق، وهذا ما تعلمناه من نصوص الكتاب والسنة ومما فهمه سلفنا الكرام وعلماؤنا الأجلاء، أننا نحرص على الجماعة وندعو إليها، بل كما قال البغوي – رحمه الله - :"بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة، وترك الفرقة والمخالفة" (تفسير البغوي:7/178).
فالاجتماع على الحق دين جميع الرسل والأنبياء كما قال – تعالى - :{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}[الشورى:13].
فتأمل قوله:{أن أقيموا الدين، ولا تتفرقوا فيه} الجمع بين إقامة الدين، وعدم التفرق فيه، فيه دليل أن الجماعة الشرعية هي القائمة بالحق .
وتأمل قوله:{كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} فيه أن استحكام الضلالة بالشرك منافية أشد المنافاة للجماعة، ومنه يؤخذ أنه كلما حصلت معصية حصل من التفرق ما يناسبها في الجماعة، وهذه سنة الله في خلقه .
فمن أراد أن يدعوا إلى الجماعة والألفة والمحبة عليه أن يدعوا إلى الحق، بأن تكون جماعتهم وألفتهم ومحبتهم على الحق الثابت بالكتاب والسنة بفهم السلف، وأن ننبذ كل دخيل على المنهج، ودون ذلك – كما يقال – خرط القتاد .
دون تحقيق الحق والاجتماع عليه لن تكون هناك جماعة قلوب وأبدان، وعليه فالواجب على أهل العدل والإنصاف إذا نظروا في مسألة وقعت بين المسلمين من مسائل الخلاف أن لا يدعو إلى الاجتماع من باب العاطفة، وإنما يدعون إلى الاجتماع من باب تحقيق الحق وتمييزه عن شوائب الباطل، بأن يحكموا الكتاب والسنة في الخلاف ورد المتنازع فيه إليهما كما قال – تعالى - :{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}[النساء:59].
ودون هذا السبيل لن يكون لنا صلاح ولا فلاح، ولا نريد أن نكون مثل الطوائف المنحرفة التي تتظاهر بطلب الجماعة بدافع الحزبية أو العاطفة، فإن كان حزبيا فهو يريد مكاسب لحزبه حتى يكثر سواد هذا الحزب، وإن كان عاميا فهو يدعوا من باب العاطفة، وعلى كلا المقصدين لن يكون هناك اجتماع، لأن فيه منافاة لأحكام الله الشرعية والكونية .
فالواجب علينا أن نعرف أصول الدين على حقيقتها الشرعية، ولهذا كان منتهى الفقه عند السلف ما هو معلوم من قول ابن مسعود – رضي الله عنه - :"الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك".
أي أن الجماعة الشرعية هي موافقة الحق ولو كنت وحدك، وليست هي تكتيل الأبدان مع تشتت القلوب ووجود المخالفات .
والحق هو التوحيد والإتباع ولوازمهما، فالواجب علينا أن نحققهما أصلا وكمالا، وأن نعيد القراءة لهما من جديد، لأن الخلل الناشئ الآن هو في هذين الأمرين .
لو تأمل المتأمل بعين الناقد البصير العارف بأحكام الله – سبحانه وتعالى – فإنه سيدرك أن الخلل الحاصل في أمة الإسلام اليوم هو من هذين الأمرين: إما الجهل بالتوحيد وإما الجهل بالمتابعة .
وهذا يدعونا إلى أن نطلب العلم، لأنه بدون العلم لن نعرف الحق من الباطل، وبالعلم ندرك الأشياء على حقيقتها بصورة جازمة، فبالعلم نعرف التوحيد، وبالعلم نعرف المتابعة، وبالعلم نعرف الحق الذي تكون عليه الجماعة الشرعية، فأصل هذه الرسالة هو طلب العلم لأن أول ما أنزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله :{اقرأ باسم ربك الذي خلق}الآيات .
ومفتاح العلم القراءة لذلك قال :{اقرأ}.
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم :"طلب العلم فريضة على كل مسلم"، وقال – تعالى - :{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، وقال – تعالى - :{وقل رب زدني علما}، قال ابن حجر – رحمه الله – لم يأمر الله نبيه أن يطلب الزيادة من شيء إلا من العلم .
فالعلم ينبني عليه التوحيد، وتنبني عليه المتابعة، وينبني عليه الاجتماع .
قال الشاعر :
تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه المحافل
وقال غيره :
اصبر على مر الجفا من معلم فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة تذوق مر الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابه فكـبر عليـه أربعا لوفاتـه
وذات الفتى والله بالعلم والتقى إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته
وقال الآخر :
إذا رأيت شباب الحي قد نشئوا لا يحملون قلال الحبر والورقا
ولا تراهم لدى الأشياخ فيحلق يعون من صالح الأخبار ما اتسقا
فعـد عنهم وخلهم إنهم همج قد استبدلوا بعلـو الهمة الحمقا
اللهم فارزقنا فهما في كتابك وسنة نبيك، وعملا خالصا لوجهك وصوابا على السنة وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتبه
أبو زيد العتيبي
6/رمضان/1430
بديع وراقي وجميل ومؤصل ككاتبه[/center]
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:07 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.