أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
91757 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > منبر الرد على أهل الأهواء و الشيعة الشنعاء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-18-2009, 09:58 PM
مداد مداد غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 2
Exclamation الحالة الإخوانية في الخليج.. رؤية نقدية

ربما كانت صدمة النتائج الانتخابية لكتلة الإخوان المسلمين الممثلة بالحركة الدستورية الإسلامية بالكويت الأعنف في تاريخ الصعود السياسي للحركة، والأهم من ذلك ما تحملهُ من دلالات عن موقف الرأي العام الخليجي من حركة الإخوان المسلمين، رغم أن هذه النتائج على مستوى البرلمان أكدت صعود شعبية المشروع الإسلامي ولكن من خلال تزكية طرفٍ إسلاميٍ آخر وهو تحالف التجمع السلفي في الكويت والذي حصدَ أكبر نتائج الفوز في انتخابات مايو 2008.

وقد يعترض البعض بقوله إن هذه النتائج إنما تمثل حالة قُطرية للكويت ولا تنسحب على جميع دول الخليج، غيرَ أنَّ المراقب الفكري والسياسي الذي يعيش في نسيج هذه المنطقة يُدرك تمامًا أن هذا التراجع في شعبية الإخوان ليس محصورًا في الحالة الكويتية حتى لو تحسن الأداء والموقف للكتلة البرلمانية في الكويت، فأعتقد أن الأزمة أكبر من ذلك، وعلى كل حال فهي قراءة تُحاول أن تُجيب على بعض الأسئلة المركزية في هذا الملف الحساس في صعود أو إخفاق المشروع الإسلامي في الخليج من خلال المشاركة الإخوانية.

ولأنني أدرك ما قد يُثيره هذا المقال من حساسيات لبعض الأخوة والأصدقاء وغيرهم من المجتمع الإخواني الممتد في الخليج أذكر بالأساسيات المهمة في تعاطي القلم الإسلامي في مثل هذه القضايا:

الأولى: إنني ومن يُشاركني في تيار النقد والمراجعة لمسيرة الفكر الإسلامي في الوطن العربي إجمالا وفي إقليم الخليج العربي خصوصًا لا نُعمم هذه الحالة النقدية على كل أبناء المدرسة الإخوانية، وإنما نستهدف الحالة التي تستحق النقد وتستوجب التصحيح بغض النظر عمن هم شخوصها أو هيئاتها.

الثانية: النقد للحالة السياسية للحركة الإسلامية في الخليج لا يُلغي الكفاح الماضي والحاضر من جيل النضال التربوي والاجتماعي والذي كان يهدف ولا يزال إلى التبشير بالأخلاق الإسلامية والإيمان بالرسالة فكرًا وبرنامجًا للمشروع الاجتماعي والفكري في هذا المجتمع خاصة إذا قرن هذا النضال وهذا الكفاح بالترفع عن القيود الحزبية والانفتاح على أبناء المجتمع الوطني وعامة الناس بروح الأخوة الشاملة.

الثالثة: إن الإيمان بمسئولية النقد والمراجعة والتصحيح واجب إسلامي شرعي أولا ثم وطني يندرجُ تحت الأصول الشرعية وقولِ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها".

ومع الأسف الشديد فإن بعض الشخصيات في المجال التربوي أو السياسي يضيق صدرها بأي نقد أو نُصح ضيقًا يكاد يتطابق مع ضيق أركان الحكم في النظام الرسمي العربي من الرأي الحُر.

ربما تشمل الحالة السياسية الراهنة في منطقة الخليج كل أقطاره بلا استثناء من حيث جموح المشروع الأمريكي منذ حرب الخليج 1991 حتى الآن وصعود الجموح الإقليمي الإيراني من طرف آخر واتحادهما في العراق، أو صراعهما الإعلامي السياسي وتفاعل هذه القضية على الصعيد الوطني في كل الأقطار، لكن الاختلاف يبرز في قضية الهامش السياسي المتاح للديمقراطية في هذه الدول خاصة في ميدان التعبير وحق إنشاء التجمعات الفكرية والنقابات المهنية، وإن كان هذا الهامش -وكما أؤكد دائمًا- لا يتجاوز نطاق المُحرمات الثلاث للإستراتيجية الأمريكية وهي: الديمقراطية المقاربة للشورى الإسلامية المُلزمة التي تختار نظام الحكم بصورة شاملة، والوجود الإستراتيجي الأمني لواشنطن وإدارة الثروة النفطية والمصالح الاقتصادية الكبرى لها، ويبقى ما دون ذلك تحكمه حالة المدافعة بين المطالب الشعبية وتصورات الحاكم.

هل الإخوان هم إخوان..؟!

لقد شهدت الساحة الشعبية وتوجهات القاعدة الإسلامية لفكر الإخوان تحولات كبيرة في العهد الأخير وصلت إلى حد التصفية السلمية الطوعية في بعض المناطق كوسط المملكة العربية السعودية وجزئيًا في بعض مناطقها الأخرى وبعض أقطار الخليج؛ أي أن المفاهيم الأساسية لمدرسة الإخوان لم تعد قائمة لدى هذه الجماعات ولكنها قررت بالفعل التحول نحو فكر التيار السلفي المحافظ في الغالب ولو بشيءٍ من الاختلاف في النظرة إلى قيم الحياة والمجتمع.

وهذا التحول إنما نقصد به أركان الفهم الأساسي لمدرسة الإخوان؛ لكونها أبرز مدرسة فكرية معاصرة تحتضن منهج أهل السنة وتنطلق للتبشير بالمشروع الإسلامي الحديث بغض النظر عن انحرافات هذا التنظيم أو ذلك التنظيم من أقطار الوطن العربي، ولذا فإن بعض الصراعات إنما تتم في أحيان كثيرة على مصالح حزبية وليس على خلافات فكرية مع التيار السلفي.

وأما في عُمان فإن الحركة لا تزال تعيش مرحلة انتقالية منذ خرجت السلطنة عن خطاب المواجهة مع الفكر الإخواني بعد الأزمة بين الدولة والحركة إثر معارضة شخصيات الحركة لزيارة شمعون بيريز إلى السلطنة، ومن ثمَّ فُجِّر الملف الأمني في وجهها ولكن الحركة -وفي موقف تاريخي- رفضت الانجرار للصراع المذهبي غير المعهود في عُمان بين الشافعية وأشقائهم الإباضية بعد أن طورت بعض الجهات الأمنية هذا الملف نحو هذا الاتجاه وهو الموقف الذي ضمن الاستقرار الاجتماعي وتجاوز تلك المرحلة الخطيرة في تاريخ عمان المعاصر، وتبقى مسألة نقد الحالة العمانية تستوجب بروزا يرصد لحالة مغيبة حتى الآن.

أما في الإمارات فقد برز لدى صفوفها وشبابها قدراتٌ منهجية تجديدية في التفكير ونقدية في التصور ولكن التعقب الأمني والوظيفي العنيف يحجب فُرص الاختبار لحجم الوعي وقدرات الإبداع بين المحافظة على أصالة الفكرة وتجديد الرؤيا والارتباط بالعمل الشعبي العام ومصالح الوطن والأمة الإستراتيجية.

وفي مملكة البحرين سجل الحضور السلفي صعودا أمام الإخوان وهيمنت حالة المخاطر الإقليمية، ووجود البحرين في بؤرة الصراع بين المحور الدولي والجموح الإقليمي على الحالة السياسية فيها، غير أنه بالإمكان أن نُسجل أن الحالة الإسلامية التنظيمية فشلت في أن تجمع بين حصانة الخطاب والعمل السياسي المناهض لاستهداف الهوية العربية الإسلامية وبين الانطلاق إلى ميدان الإصلاح السياسي في شراكة وفاعلية محسوسة تنتزع المصالح الاقتصادية والسياسية الوطنية من خلال المشاركة البرلمانية.

أما في قطر فإذا كان المقصود الاتجاه المدرسي العام لفكر الإخوان بما فيهم الأشقاء العرب فبالإمكان أن يُعتبر حضورهم الإعلامي والفكري بارزًا ولكن دون أي استقلال للرؤيا الإسلامية تُقدَّم في صورة مشروعٍ واضح المعالم خاصة انحسار أبناء المدرسة في شريحة اجتماعية محدودة، أما خط مشروع النهضة الذي يقوده د. جاسم السلطان فقد تمحور كليا نحو جوانب الإبداع الإداري وتسويق الفكرة الجماعية والرؤية النقدية لمراحل التنظير الإسلامي وصولا إلى ما يخدم التفكير النهضوي في هذه الجوانب، ولا يُمكن أن يُحمَّل هذا الجهد للدكتور جاسم وإخوانه أكثر من هذا السقف، ويبقى أن فكرة المشروع الإسلامي النهضوي الشامل بما فيها حماية الأمن الإستراتيجي للأمة وصعود فكر الإصلاح السياسي قضايا مركزية تحتاج إلى اجتماع كل الجهود والأفكار التي صبَّت في الدعوة والتنظير لمشروع النهضة الإسلامية الكبرى.

إذن هذه الدراسة تتركز على الحالة الخليجية إجمالا وليس الكويت فحسب التي تعيش حالة استقطاب حاد بين تيارات العمل الإسلامي والليبرالي والحالة السياسية التي تعيشها الكويت، أكانت اضطرابا في إعادة تنظيم الديمقراطية الكويتية، أو تصحيحا وإصلاحا؟

لكنه وبكل تأكيد يُدلل على أن الحركة الإسلامية الكويتية كانت لديها فرصٌ أكبر من نظرائها في الخليج فتدفع بمشروعٍ إسلامي مختلف يتجاوز القالب الحزبي وأطر التفكير التقليدية ومحاضنها العتيقة، إلى بروز مقدمات أولى للمشروع السياسي الإسلامي الإصلاحي في الخليج على صعيد الموقف من المُعسكر الدولي والإقليمي المعادي، أو على صعيد فكر الإصلاح الإسلامي التجديدي في حياة الفرد وحقوقه السياسية والاقتصادية.
ولقد لاحظت باهتمام وجود أفواجٍ شبابية داخل جمهور الحركة الإسلامية الكويتية تمتلك رؤية نقدية واضحة وقدرة على التحرك نحو المشروع الذي ذكرت، ولكن أقانيم العمل الحزبي التي تهيمن على الخليج كله تعزل هذه المجموعات والقدرات عن تحقيق الاختراق الزمني المطلوب لمشروع النهضة الإسلامي.

تأثيرات الخارج على الخليج

ومن هنا يبرز سؤال مهم؛ ما أثر الحركة الإسلامية العالمية وبالذات في مصر على الحالة الخليجية؟.

والحقيقة أن المسألة تحتاج إلى دقة في التفصيل؛ فمعَ أن المصريين ليس لهم أي دور في التوجيه السياسي وغيره في منطقة الخليج، وتعيش هذه الحركات حالة اندماج كلي مع الحالة الوطنية لمجتمعاتها، فإنه ومن طرف آخر هناك تأثير لطريقة التعاطي الفكري والسياسي وتخزين العزل الحزبي الذي اكتسبه الإخوان في العالم من التجربة المصرية.

ومعَ أن إخوان مصر يعيشون في الأجيال الشبابية حركة نهوض ومراجعة حقيقية في الفكر والكفاح الإصلاحي السياسي فإن المنهجية التربوية لا تزال تبدو ظاهرة على السطح، وتبقى الحالة المصرية في مسئولية نقدها ترجع لأبناء مصر في تقييمها الشامل، غير أن التأثير المباشر على وضعِ إخوان الخليج كان في المواقف السياسية المعلنة من التنظيم وقياداته عن القضايا الإقليمية والعربية والدولية، وهي التي أثرت تأثيرًا سلبيًا كارثيًا على الشارع المتعاطف معَ الإخوان في كل الخليج يتركز أبرزها في التالي:

أولا: فوجئ الرأي العام الإسلامي وفي الخليج خصوصا بموقف التنظيم الدولي من مشاركة الحزب الإسلامي العراقي في مجلس الحكم الذي أسسه بول بريمر عشية الاحتلال للعراق في التاسع من أبريل وما أعقبه من تواصل قوي مع العملية السياسية والعلاقة المباشرة مع الأمريكيين، ولقد أكد الإخوان الدوليون أكثر من مرة على أن هذا التنظيم وبقيادته الحالية -أي د. طارق الهاشمي والمكتب السياسي للحزب- يمثلون جماعة الإخوان المسلمين.

وفي نفس السياق كان الموقف من المقاومة الإسلامية الوطنية العراقية والتي كان يُشكل المنتسبون لفكر الإخوان تأثيرا مباشرا -في أربع فصائل منها- سيئا للغاية؛ فأحيانا تُذكر المقاومة العراقية عرضًا وأحيانًا تُـغفَل وأحيانًا بعبارات عائمة، مما عزز لدى الناس أن الجماعة –وبالفعل- تتبنى موقف الحزب الإسلامي، وإن كانت مواقع التيار الشبابي في الإخوان وبعض فعالياته -والمقصود في مصر- لا يندرجُ عليهم هذا الموقف.

ثانيًا: الموقف من الخلاف والصراع بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وقيادة فتح المرتبطة بمشروع أوسلو؛ فقد كان حسم الإخوان غير واضح في مساندة حماس في الحركة التصحيحية في غزة مررت الجماعة من خلاله الكثير من التصريحات الموهمة للموقف والتي تفتُّ في عضد قيادة حماس في أحلك أوقات الشدة؛ إضافة إلى أن موقف الجماعة من حصار غزة وتحريك وسائل الدفع الشعبي والسياسي لإسقاط الحصار مقارنة ببعض ملفات الصراع الداخلي كان ولا يزال أقل من المتوقع، وهو ما أثار علامات الاستفهام العديدة في الجمهور الخليجي الذي عايش الدعم السلفي الحاسم لمواقف حماس بلا تردد.

ثالثًا: فوجئ الرأي العام الإسلامي في الخليج من أن حجم التأييد لحزب الله في لبنان كان أقوى بمراحل من تأييد حركة حماس، وكان تجييش الشارع لمصلحة حزب الله أقوى من تجييشه لحركة حماس، وبالذات ما نعنيه هنا تصريحات المسئولين في الإخوان وبعض الفعاليات الشعبية، ثم تلا ذلك تصريحات الأستاذ محمد مهدي عاكف في تأييده لاجتياح بيروت وما صاحبه من أعمال، وانتهى إلى الاتفاق السياسي بين أطراف النزاع الذي بيَّن فيه أن اجتياح بيروت كان لملف صراع سياسي بين الطوائف وليست حربًا يخوضها الحزب كما هو الحال في حرب تموز في مواجهة العدو الصهيوني، وإيمان الرأي العام العربي بدعم الحزب في مقابل إسرائيل ومن ثمَّ تفهم الناس موقف الإخوان.

ولقد تعززت هذه الصورة لدى الرأي العام الإسلامي والشعبي إجمالا في الخليج عن مواقف الإخوان من خلال وسائل إعلام معروف أنها تُعبر عن رأي الجماعة؛ إضافة لما يصدر عن قيادتها مباشرة لوسائل الإعلام، ومن هُنا كان لموقع "إسلام أون لاين.نت [1]" النصيب الأكبر في تسويق هذه المواقف المناهضة للشارع الإسلامي وقاعدته هم أهل السنة بكل تأكيد، خاصة أن هذا الموقع كان قريبا من أطروحات الموقف الإيراني أو فصائله الثقافية في منطقة الخليج وهو ما دعا إلى التساؤل: ما موقف الإخوان المسلمين من مشروع ضم البحرين للنفوذ الإيراني الذي تطرحهُ جماعات نافذة في إيران وتابعة لها في الخليج؟ وماذا عن موقف الإخوان من خلال تغطيات موقع إسلام أون لاين مع الجماعات ذات الثقافة الطائفية الموالية لإيران في المنطقة الشرقية السعودية؟ وبالتالي أين خطابهم مما طرحهُ الأمريكيون في أكثر من مناسبة عن فكرة "فـدرلـة" المنطقة الخليجية وعزل مناطق منها تُعطى لنفوذ هذه الحركات التي رعاها الأمريكيون سياسيًا والإيرانيون أيدلوجيًا، في وقت كشف الموقع المذكور عن حالة متقدمة من مناهضة التيار الإسلامي السني وتقاربٍ مع الطرف الآخر؟.. (وإن كان الموقع له إنجازات واضحة على صعيد تطوير الخطاب الإسلامي ومساندة الموقع للحقوقيين والإصلاحيين ومعاناتهم، لكننا هنا نتحدث عن علاقته بموضوع الدراسة) أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة، وسواء أجيبَ عليها أم لم يُجب فإن تأثيراتها كانت كبيرة على شعبية الإخوان في منطقة الخليج.

الخلل الذاتي في البناء والقيادة

والوقوف عند أزمة التقدم في ميدان الإنجاز الفكري والإخفاق في العمل السياسي للإخوان في الخليج يقود تلقائيا إلى فقدانهم الرؤية الإستراتيجية الواعية والشاملة لدراسة موقع التيار وواقع الخليج سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وفكريا، وهذا يتطلب أن يكون فريق الوعي المتشكل في صفوف الحركة الإسلامية ينطلق من أرضية صلبة تولدت عن حالة الوعي والانفتاح والقدرة على التقدم في هذه الميدان الحساس من التاريخ السياسي للخليج ككل وليس للإخوان المسلمين وحسب، فلماذا أصلا لم يتشكل هذا الفريق الواعي بمتطلبات الوعي السياسي والنهوض الفكري؟ الإجابة على هذا التساؤل ستبرز في تحليل حالة هذه التنظيمات بصورة إجمالية حسب الرصد وليست تسقط بالضرورة على كل فرد من أبناء الحركة.

إن إحدى الإشكالات الرئيسية التي تسببت في تعثر حركة النهوض الإسلامي في صفوف الحركة هو في الأصل في طريقة مناقشة وعرض الأزمات السياسية والفكرية للحالة الوطنية مستقلة أو موحدة مع أقطار الخليج، أو من خلال علاقتها بمفهوم الأمن الإستراتيجي للأمة إجمالا، فالسائد حتى الآن أن من يتداول في هذه القضايا لا يخرج عن مدرسة التربية التقليدية بمفهومها القديم لدى الإخوان، وهكذا تنشأ حالة من الضمور للبناء الفكري للقاعدة المولدة للموهوبين في القدرة على الاختراق الفكري والسياسي المشارك في العملية السياسية المتاحة في القطر الخليجي أو البناء الفكري للمتطلبات الرئيسية للقيام بواجب المسئولية للحركة الإسلامية في شئون الوطن والأمة بحسب متطلبات أدبيات هذه الحركة نفسها التي تحولت مع الوقت إلى محاضن تربوية تعيد إنتاج نفسها وتعزلها في جزر مستقلة بعيدة عن الشراكة الكاملة مع المجتمع الثقافي الإسلامي والوطني، وهذا بحد ذاته مانع رئيسي كافٍ لوأد حركة التفكير والإبداع ليس في المشاركة وحسب ولكن حتى بالقدرة على التفكير الراشد والمستقل عن دوائر النفوذ وتأثيراتها.

قمع الإبداع الفكري والمبادرة الفردية

ومع هذا التأطير الضيق لأفق الفرد في البناء الإخواني في الخليج إلا أنه كان بالإمكان أن يترك لذوي القدرة على التفكير الإبداعي والتنظير السياسي ورسم الرؤى التي يحتاجها العمل الإسلامي للدولة الوطنية والمنطقة، وبقاء جوانب العمل التربوي والخيري لمن يحسنه ولا يحسن غيره، إلا أن ذلك الفسح لمساحة التفكير المُرتجى من المبدعين داخل المدرسة كان يصطدم بقوة بمواجهة القيادات التقليدية، ولم تكن هذه المواجهة محصورة في عامل واحد وإن كان متوفرا وهو فكرة الانعزال التي ذكرناها ورفض الشراكة مع الآخرين للعمل الوطني الإصلاحي، لكن هذه الحالة الانعزالية كانت تدفع كذريعة لمواجهة المبدعين من جيل الشباب لأهداف من بعض القيادات المنحرفة لنوازع سيطرة ذاتية وحب الهيمنة على القرار، خاصة أنها أصبحت تعيش حالة تضخم ذاتي لأنها تقود عشيرة حركية تخضع لها، وما يترتب على ذلك من جموح مرضي تتعقد فيه الحالة أكثر إذا اقترنت بعدة أشخاص تبادلوا السيطرة على هذه الجموع من واقع تبادل المصالح أو توحد العمق الفئوي الذي ينتمون إليه.

وبالتالي فإن شعور هذه الشخصيات (ونحن لا نعمم إنما نتحدث عن ظواهر قائمة لها تأثير على قضية هذه الدراسة) التي أحكمت الهيمنة بأن نفوذها قد يتعرض للخطر يدفعها إلى حالة قتالية عنيفة فكريا وإقصائيا ضد أي بروز إبداعي في التفكير النهضوي، ولذ تتم التصفية الفورية تجاه هذا المبدع من جيل الشباب أو الشيوخ المراجعين للمسيرة بإخراجهم وإطلاق حملة عنيفة تستهدفهم لضمان عدم تسرب فكرهم الإصلاحي.

هذه الحالات من القمع تسود بقوة في المجتمع الحركي المغلق لغياب الشورى الحقيقية التي تكفل تدوير المسئولية للمستحق للقيادة وتكفل عرض الفكرة الجديدة للجيل الشبابي من أبناء الدعوة مما يشكل بالفعل جدارًا مصمتًا أمام أي نموذج أو قوة صاعدة تسعى مخلصة للتجديد الواجب شرعا وحالا.

ومع تطور الأوضاع في الخليج على مستوى حركة المطالبة الشعبية بالإصلاح الوطني أو توتر الأوضاع من حيث الوجود الأجنبي المكثف في الخليج ورغبة حكومات المنطقة باحتواء هذه الحركات واستثمارها لتكريس الموقف السياسي للحكم في كلا الاتجاهين الإصلاح والنفوذ الأجنبي فقد كان مناسبًا أن تتقاطع مصالح هذه القيادات الحركية لتغطية الموقف الحكومي وهي حالة واسعة في الخليج، فتحول هذا الاحتواء إلى تأثيرات قوية على القدرة الذاتية لبعض المجاميع الإسلامية إجمالا والإخوانية خصوصا وجعلتها مرتبطة بنسبة كبيرة في هذا الواقع القائم وفقا لهذا التقاطع مع تجاذبات محدودة لا تغير من أصل المبدأ وتأثيراته السلبية على سمعة الصورة الإسلامية الإخوانية.

وبناء على ما تقدم يتبين جليا حال الأزمة داخل إخوان الخليج وتعذر القدرة على الخروج من المأزق، ولكن السؤال: أين تكمن رؤية تصحيح للحالة الإخوانية في الخليج؟ وهل هناك تصور يبقي على المفاصل الحيوية للعمل التربوي بوعي نهضوي؟ نقول: نعم، مع انطلاق جاد من المدرسة الإخوانية تجاه مشروع تجديد تشترك فيه مع التيار السلفي وتيارات الإصلاح الوطني.

وضع الخليج إلى أين يسير؟

هذه الرؤية الإصلاحية يفترض أن يدفعها وضع الخليج الخطير الذي أصبح بالفعل ميدان التقاطع الأكبر للمواجهات والصفقات بين المحورين الدولي والإقليمي؛ إضافة إلى الحالة الوطنية العامة في الحقوق السياسية والاقتصادية للفرد، فإذا أدرك المعنيون هذا الوضع وتجردوا بإخلاص اهتدوا إلى الطريق عبر الأسس التالية:

أولا: إن حالة النقد هي منهج إسلامي رشيد يختصره قول عمر رضي الله عنه: رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا، فتصحيح النظرة إلى دوائر النقد من الداخل والخارج ركن أساسي للانطلاق.

ثانيا: من حق تلك المجاميع أن تحافظ على كيانها خاصة أنها تعتني بالتنشئة الإسلامية والعمل الخيري مقابل عواصف تغريب ضخمة تجتاح الخليج؛ فهذا أمر طبيعي، لكن ملف المعالجة للبناء التربوي وطريقة صناعة الفرد هو الذي يحتاج أن يصحح ولا يدفع هذا البناء بقدراته إلى عالم التفويج السياسي فيصطدم مع الواقع وهو لا يملك القدرة على التقييم لافتقاده عناصر العمل السياسي الأولى.

ثالثا: الخروج من التنظير لمصلحة الجماعة المحدودة إلى المصلحة الوطنية العليا بالمفهوم الإسلامي، وضمان أن لا تكون المواقف المتخذة والثقافة الموجهة تعزل هذا الإطار عن مصالح الناس -كل الناس- بمفهوم الشراكة للجميع.

رابعا: وهو مهم للغاية: أن تكون قاعدة الأمن الإستراتيجي للأمة في محل المراقبة عند كل مشروع سياسي وموقف متخذ، فلا تشكل الحركة أي قنطرة للمشروع الأجنبي في استهدافه للأمة، إذا ما حددت الرؤية وفق هذا المنظور، مع الأخذ بالاعتبار ما ذكرناه من تحقيق وسائط الشورى الحقيقية وعزل المنغمسين في عالم الصفقات الخاصة على الصعيد الشخصي أو من خلال العلاقة بالأطراف الأخرى سيكون الباب مفتوحًا للقيام بالمسئولية التاريخية.

وعلى كل حال فهذه الرؤية اجتهاد وتحليل يقرؤه الفرد بوعيه الخاص أيا كان موقعه، ثم هو ينظر إلى أين يتجه الخليج وأين تقف أقدامه في هذا الاتجاه.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:09 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.