أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
25473 102069

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر القرآن والسنة - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 12-20-2010, 06:33 PM
ام عباده ام عباده غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
الدولة: الاردن
المشاركات: 196
افتراضي

جزاك الله خيرا اختي أم زيد ..
__________________
تَفنى اللَذاذَةُ مِمَّن نالَ صَفوَتَها
مِنَ الحَرامِ وَيَبقى الإِثمُ وَالعارُ

تُبقي عَواقِبَ سوءٍ في مَغَبَّتِها
لا خَيرَ في لَذَةٍ مِن بَعدِها النارُ
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 04-16-2011, 11:56 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157]
قال الإمام السعدي في تفسيره:
(( أخبر -تعالى- أنه لا بد أن يَبتلي عباده بالمحن، ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، وهذه سنَّته -تَعالى- في عباده؛ لأن السرَّاء لو استمرت لأهل الإيمان ولم يحصل معها محنة؛ لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر.
هذه فائدة المحن؛ لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان الله ليضيع إيمان المؤمنين.
فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} من الأعداء {وَالْجُوعِ} أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله، أو الجوع، لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك.
{وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ} وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية، وغرق، وضياع، وأخذ الظلمة للأموال من الملوك الظلمة، وقطاع الطريق وغير ذلك.
{وَالأنْفُسِ} أي: ذهاب الأحباب من الأولاد، والأقارب، والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد، أو بدن من يحبه، {وَالثَّمَرَاتِ} أي: الحبوب، وثمار النخيل، والأشجار كلها، والخضر ببرد، أو برد، أو حرق، أو آفة سماوية، من جراد ونحوه.
فهذه الأمور، لا بد أن تقع؛ لأن العليم الخبير أخبر بها فوقعت كما أخبر.
فإذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين.
فالجازع: حصلت له المصيبتان؛ فوات المحبوب، وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر؛ ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل [له] السخط الدال على شدة النقصان.
وأما مَن وفَّقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب؛ فحبس نفسه عن التَّسخُّط -قولًا وفعلًا-، واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يُدركه من الأجر بِصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له؛ بل المصيبة تكون نعمة في حقه لأنها صارت طريقًا لحصول ما هو خير له وأنفع منها؛ فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب؛ فلهذا قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
فـ{الصَّابرين} هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة.
ثم وصفهم بقوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره.
{قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ} أي: مملوكون لله، مدبَّرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها؛ فقد تصرَّف أرحم الراحمين بمماليكه وأموالهم؛ فلا اعتراض عليه؛ بل مِن كمال عبودية العبد علمه بأن وقوع البليَّة من المالك الحكيم الذي أرحم بعبدِه مِن نفسه؛ فيوجب له ذلك: الرضا عن الله، والشُّكر له على تدبيره لما هو خير لعبده -وإن لم يشعر بذلك-، ومع أننا مملوكون لله، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمُجازٍ كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا؛ وجدنا أجرَنا موفورًا عنده، وإن جزعنا وسخطنا؛ لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله، وراجع إليه، من أقوى أسباب الصبر.
{أُولَئِكَ} الموصوفون بالصبر المذكور {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} أي: ثناء وتنويه بحالهم {وَرَحْمَةٌ} عظيمة، ومن رحمته إياهم، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع، علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله.
ودلت هذه الآية، على أن مَن لم يصبر؛ فله ضد ما لهم، فحصل له الذَّم من الله، والعقوبة، والضلال والخسار.
فما أعظم الفرق بين الفريقين!
وما أقل تعب الصابرين، وأعظم عناء الجازعين!!
فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها؛ لتخف وتسهل إذا وقعت، وبيان ما تقابل به إذا وقعت؛ وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابر من الأجر، ويعلم حال غير الصابر بضد حال الصابر.
وأن هذا الابتلاء والامتحان سُنة الله التي قد خلت، ولن تجد لسنة الله تبديلا وبيان أنواع المصائب )).
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 04-18-2011, 10:29 PM
أم سـيف أم سـيف غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
المشاركات: 36
افتراضي

جزاك الله خيراً
هل تسمحين بشرح الأحاديث الوارده في الصبر
فأنا لم أفهم المقصود بـ"حبيبتيه"
فلو أنك تشرحين شرحاً مبسطاً لكان أفضل لمن هم أقل علماً وفقهاً
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 04-18-2011, 11:50 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم سـيف مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيراً
هل تسمحين بشرح الأحاديث الوارده في الصبر
فأنا لم أفهم المقصود بـ"حبيبتيه"
فلو أنك تشرحين شرحاً مبسطاً لكان أفضل لمن هم أقل علماً وفقهاً
وإياك أختي الكريمة! حياك الله!
الكلمة التي تسألين عنها؛ وردت في بعض الأحاديث السابقة، ومنها ما أخرجه الإمام البخاري -في "صحيحه" (كتاب المرضى، باب: فضل مَن ذهبَ بصرُه): مِن حديث أنس أنَّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم- قال:
" إِذا ابْتَلَيْتُ عَبدِي في حبِيبَتَيْه ثُمَّ صبَر؛ عوَّضتُه مِنهُما الجنَّةَ "، قال بعد ذِكر الحديث: (( يُريد: عَينَيه )).
قال الإمام ابن حجر -رحمهُ الله-:
((والمراد بالحبيبتين: المحبوبتان؛ لأنَّهما أحبُّ أعضاء الإنسان إليه؛ لما يحصل له بِفقدِهِما مِن الأسف على فواتِ رُؤية ما يُريد رؤيته مِن خيرٍ فيُسرُّ به، أو شرٍّ فيَجتنبه)).

وإن يسر الله نقلتُ لكِ المزيد من شروحات أهل العلم حول هذا الحديث وغيره.
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 06-15-2011, 03:42 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

قال الله -سُبحانه وتَعالى-: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155-157].

وقال -سُبحانه وتَعالى-: {يا أيُّها الذين آمَنُوا اصبِرُوا وصَابِرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفلِحُونَ} [آل عمران: 200].

وعن أمِّ سلمةَ -رضيَ اللهُ عنها- قالت: قال رسول اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: " ما مِن عبدٍ تُصيبُه مُصيبةٌ فيقولُ: إنَّا لله وإنَّا إليهِ راجِعونَ، اللهمَّ اؤجُرني في مُصيبَتي وأَخلِف لي خيرًا مِنها؛ إلا آجرهُ اللهُ في مُصيبتِه، وأخلفَ له خيرًا منها ". [رواه مسلم (918)]

وعن أبي سعيدٍ -رضيَ اللهُ عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " ومَن يصبِر يُصبِّرهُ الله، وما أُعطِي أحدٌ عَطاءً خيرٌ وأوسعُ من الصَّبر ". [رواه البخاري (1469)، ومسلم (1053)، وأبو داود (1644)]

وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " واعْلَم أن النَّصر مع الصَّبرِ، وإنَّ مع العُسرِ يُسرًا ". [صحيح، أخرجه أحمد (2669)، (2803)]

فالعبدُ وما يملكهُ لله -سُبحانه- حقيقةً؛ لأنَّه أوجدهُ مِن عدمٍ ويُعدِمه -أيضًا- ويحفظُه في حال وُجوده، ولا يتصرَّف فيه العبدُ إلا بما يُتاحُ له، وأن مرجعَه إلى الله -ولا بُدَّ-، وأنَّ ما أصابهُ لم يكنْ لِيُخطِئه، وما أخطأه لم يكنْ ليُصيبَه، وإن اللهَ لو شاءَ جعل مصيبتَه أعظم مما هي، وإنه إن صبرَ أخلف اللهُ عليه أعظمَ مِن فوات مُصيبتِه، وإنَّ المصيبةَ لا تختصُّ به فيتأسَّى بأهل المصائب، ومُصيبةُ بعضِها أعظم، وإن سرور الدنيا مع قِلَّته وانقطاعه منغَّص ...

["الآداب الشرعية" بواسطة "تهذيبها" (194-195)].
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 02-14-2012, 02:21 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

(( الصَّبرُ على البلاء ينشأ من أسبابٍ عديدة:
الأوَّل: شهودُ جزائِها وثوابِها.
الثَّاني: شُهودُ تكفيرِها للسيِّئات ومحوِها لها.
الثَّالث: شُهود القدر السَّابق الجاري بها، وأنَّها مقدَّرة في أمِّ الكتاب قبل أن يُخلق، فلا بُدَّ منها؛ فجزعُه لا يزيدُه إلا بلاء.
الرَّابع: شُهودُه حقَّ اللهِ عليه في تلك البلوى، وواجبُه فيها الصبرُ -بلا خلاف بين الأمة-، أو الصَّبر والرضا -على أحد القولين-؛ فهو مأمورٌ بأداءِ حقِّ الله وعبوديَّته عليه في تلك البلوى، فلا بُد له منه؛ وإلا تضاعفت عليه.
الخامس: شُهودُ ترتُّبها عليه بذنبه؛ كما قال -تعالى-: {وما أصابَكُم مِّن مُّصيبةٍ فبِما كسبتْ أيديكُم} [الشورى: 30]؛ فهذا عام في كلِّ مصيبةٍ -دقيقةٍ وجليلة-، فشغله شهود هذا السَّبب بالاستغفار الذي هو أعظم الأسباب في دفع تلك المصيبة.
قال علي بن أبي طالب: "ما نزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولا رُفعَ بلاءٌ إلا بتوبةٍ".
السَّادس: أن يعلمَ أن الله قد ارتضاها له، واختارها وقسمها، وأنَّ العبوديَّة تقتضي رضاه بما رضيَ له به سيِّدُه ومولاه.
فإن لم يوفِ قَدرَ المقام حقَّه؛ فهو لضعفِه؛ فلينزل إلى مقام الصبر عليها، فإن نزل عنه؛ نزل إلى مقام الظُّلم وتعدِّي الحق.
السَّابع: أن يعلمَ أن هذه المصيبةَ هي دواءٌ نافعٌ ساقه إليه الطبيبُ، العليم بمصلحته، الرحيمُ به؛ فليصبِر على تجرُّعه، ولا يتقيَّأهُ بتسخُّطه وشكواهُ؛ فيذهب نفعُه باطلًا.
الثَّامن: أن يعلمَ أن في عُقبى هذا الدَّواء مِن الشِّفاء والعافية والصحة وزوال الألم ما لم تحصل بدونه.
فإذا طالعتْ نفسُه كراهةَ هذا الدَّواء ومرارتَه؛ فلينظرْ إلى عاقبته وحُسن تأثيره.
قال -تعالى-: {وعَسى أن تَكرَهُوا شَيئًا وهو خيرٌ لكُم وعَسَى أن تُحبُّوا شَيئًا وَهُو شرٌّ لكُم واللهُ يعلمُ وأنتُم لا تَعلَمونَ} [البقرة: 216]، وقال -تعالى-: {فعَسَى أن تَكرَهُوا شيئًا ويجْعَلَ اللهُ فيهِ خَيرًا كثِيرًا} [النساء: 19].
وفي مثل هذا قولُ القائل:
لعل عتبكَ محمودٌ عواقبُه /// وربَّما صحَّت الأجسامُ بالعِللِ
التَّاسعُ: أن يعلمَ أن المصيبةَ ما جاءت لتُهلكَه وتقتله؛ وإنَّما جاءتْ لتمتحنَ صبرَه وتبتليَه؛ فيتبيَّن -حينئذٍ- هل يصلحُ لاستخدامِه وجعلِه مِن أوليائِه وحزبه؟ أم لا؟
فإن ثبت؛ اصطفاهُ واجتباه، وخلع عليه خِلعَ الإحرام، وألبسهُ الفضلَ، وجعل أولياءَه وحزبَه خدمًا له وعونًا له.
وإن انقلبَ على وجهه، ونكص على عقبَيه؛ طُرد، وصُفع قفاهُ، وأُقصِي، وتضاعفت عليه المصيبةُ، وهو لا يشعر في الحال بتضاعُفِها وزيادتها، ولكن سيعلمُ بعد ذلك بأنَّ المصيبةَ في حقِّه صارت مصائب، كما يعلم الصَّابرُ أن المصيبةَ في حقِّه صارت نعمًا عديدة.
وما بين هاتين المنزلتَين المتباينتَين إلا صبرُ ساعة، وتشجيعُ القلب في تلك الساعة.
والمصيبةُ لا بُد أن تُقلع عن هذا وهذا؛ ولكن تقلع عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات، وعن الآخر بالحرمان والخذلان؛ لأن ذلك تقدير العزيز العليم، وفضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضلِ العظيم.
العاشر: أن يَعلمَ أن الله يُربِّي عبدَه على السَّرَّاء والضَّراء، والنِّعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديَّته في جميع الأحوال.
فإن العبدَ -على الحقيقةِ- مَن قام بعبوديَّة الله على اختلاف الأحوال.
وأمَّا عبدُ السَّراء والعافية، الذي يعبُد الله على حَرفٍ، {فإن أصابَهُ خيرٌ اطمأنَّ بهِ وَإن أصابتهُ فتنةٌ انقلبَ على وجْهِهِ}؛ فليس من عبيدِه الذين اختارهم لعبوديَّته.
فلا ريب أن الإيمان الذي يثبتُ على محلِّ الابتلاء والعافية هو الإيمان النافعُ وقت الحاجة.
وأما إيمان العافية؛ فلا يكادُ يصحبُ العبدَ، ويُبلغه منازلَ المؤمنين؛ وإنما يصبحه إيمانٌ يثبتُ على البلاء والعافية.
فالابتلاءُ كِيرُ العبد، ومحكُّ إيمانه: فإمَّا أن يخرجَ تِبرًا أحمر، وإمَّا أن يخرج زغلًا محضًا، وإمَّا أن يخرجَ فيه مادتان: ذهبيَّة ونحاسيَّة، فلا يزالُ به البلاء حتى يخرج المادَّة النُّحاسيَّة من ذَهَبه، ويبقى ذهبًا خالصًا.
فلو علم العبدُ أن نعمةَ الله عليه في البلاءِ ليست بدون نعمةِ الله عليه في العافية؛ لشغلَ قلبَه بشُكره، ولسانُه [يُردِّد]: "اللهم أعِنِّي على ذِكرك، وشُكرك، وحُسن عبادتِك".
وكيف لا يَشكر مَن قيَّض له ما يَستخرج خبثَه، ونحاسَه، وصيَّره تِبرًا خالصًا يصلح لمجاورتِه والنَّظر إليه في داره؟!
فهذه الأسبابُ -ونحوها- تُثمرُ الصَّبر على البلاءِ، فإن قويتْ؛ أثمرتْ الرضا والشُّكر.
فنسأل الله أن يسترنا بعافيتِه، ولا يفضحنا بابتلائِه؛ بمنِّه وكرمِه )).
"طريق الهجرتين" (328-329)، ورحم الله ابن القيِّم رحمةً واسعةً.
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 02-15-2012, 02:13 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
(( فعُلم مِن هذا:
أنه لا سبيلَ إلى الفلاح بدون الصَّبر والمصابرة والمرابطة -المذكورات-.
فلم يُفلحْ مَن أفلحَ إلا بِها.
ولم يَفت أحدًا الفلاحُ إلا بالإخلالِ بِها أو ببعضها )). تفسير السعدي.
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 02-15-2012, 03:49 PM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

الصبر واقترانه بالإيمان واليقين:
(( والصَّبر نوعان: نوعٌ على المقدور؛ كالمصائب، ونوع على المشروع، وهذا النَّوع -أيضًا- نوعان: صبر على الأوامر، وصبر عن النواهي.
فهذا صبرٌ على الإرادة والفِعل، وهذا صبرٌ عن الإرادة والفعل.
فأمَّا النوعُ الأوَّل من الصبر: فمشترَكٌ بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر، لا يُثابُ عليه لمجرَّده إن لم يقترن به إيمان واختيار، قال النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-في حق ابنتِه-: "مُرها فلْتصبِر ولْتحتسِب"، وقال -تَعالى-: {إلا الذينَ صبَروا وعمِلوا الصَّالحات أولئكَ لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبير} [هود: 11]، وقال -تَعالى-: {بلى إن تَصبِروا وتتَّقوا} [آل عمران: 125].
فالصبرُ بدون الإيمان والتَّقوى بمنزلة قوَّة البدن الخالي عن الإيمان والتَّقوى، وعلى حسب اليقين بالمشروع يكون الصَّبر على المقدور.
وقال -تَعالى-: {فاصبِر إنَّ وعدَ اللهِ حقٌّ ولا يسْتَخِفَّنَّكَ الذين لا يوقِنون} [الروم: 60]: فأمرَه أن يصبرَ، ولا يتشبَّه بالذين لا يَقينَ عندهم في عدم الصَّبر؛ فإنَّهم لعدمِ يقينِهم عدم صبرُهم، وخفوا واستخفُّوا قومَهم.
ولو حصل لهم اليقين والحقُّ؛ لصبروا، وما خفوا ولا استخفوا.
فمَن قلَّ يقينُه؛ قلَّ صبرُه، ومَن قلَّ صبرُه خفَّ واستخفَّ!
فالموقنُ الصَّابر رزينٌ؛ لأنَّه ذو لُبٍّ وعقل، ومَن لا يقينَ له، ولا صبرَ عنده؛ خفيفٌ طائشٌ تلعبُ به الأهواءُ والشَّهوات كما تلعب الرِّياحُ بالشيء الخفيف. والله المستعان )) اهـ. "بدائع تفسير ابن القيم"، (5/330-331).
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 03-28-2013, 01:42 AM
أم زيد أم زيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 5,264
افتراضي

{....وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 22-24].
(( { وَالَّذِينَ صَبَرُوا } على المأمورات بالامتثال، وعن المنهيات بالانكفاف عنها والبعد منها، وعلى أقدار الله المؤلمة بعدم تسخطها.
ولكن بشرط أن يكون ذلك الصبر { ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } لا لغير ذلك من المقاصد والأغراض الفاسدة، فإن هذا هو الصبر النافع الذي يحبس به العبد نفسه، طلبًا لمرضاة ربه، ورجاءً للقرب منه، والحظوة بثوابه، وهو الصبر الذي من خصائص أهل الإيمان.

وأما الصبر المشترك الذي غايته التجلد ومنتهاه الفخر؛ فهذا يصدر من البر والفاجر، والمؤمن والكافر، فليس هو الممدوح على الحقيقة.
{ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ } بأركانها وشروطها ومكملاتها ظاهرا وباطنا، { وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً } دخل في ذلك النفقات الواجبة كالزكوات والكفارات والنفقات المستحبة وأنهم ينفقون حيث دعت الحاجة إلى النفقة، سرا وعلانية، { وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } أي: من أساء إليهم بقول أو فعل، لم يقابلوه بفعله، بل قابلوه بالإحسان إليه.
فيعطون من حرمهم، ويعفون عمن ظلمهم، ويصلون من قطعهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان، فما ظنك بغير المسيء؟!
{ أُولَئِكَ } الذين وصفت صفاتهم الجليلة ومناقبهم الجميلة { لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } فسرها بقوله: { جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي: إقامة لا يزولون عنها، ولا يبغون عنها حولا؛ لأنهم لا يرون فوقها غاية لما اشتملت عليه من النعيم والسرور، الذي تنتهي إليه المطالب والغايات.
ومن تمام نعيمهم وقرة أعينهم أنهم { يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ } من الذكور والإناث { وَأَزْوَاجِهِمْ } أي الزوج أو الزوجة وكذلك النظراء والأشباه، والأصحاب والأحباب، فإنهم من أزواجهم وذرياتهم.

{ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ } يهنئونهم بالسلامة وكرامة الله لهم ويقولون: { سَلامٌ عَلَيْكُمْ } أي: حلت عليكم السلامة والتحية من الله وحصلت لكم، وذلك متضمن لزوال كل مكروه، ومستلزم لحصول كل محبوب.
{ بِمَا صَبَرْتُمْ } أي: صبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه المنازل العالية، والجنان الغالية، { فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }.
فحقيق بمن نصح نفسه وكان لها عنده قيمة، أن يجاهدها، لعلها تأخذ من أوصاف أولي الألباب بنصيب، لعلها تحظى بهذه الدار التي هي منية النفوس، وسرور الأرواح الجامعة لجميع اللذات والأفراح، فلمثلها فليعمل العاملون وفيها فليتنافس المتنافسون )).
"السعدي"
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:53 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.