أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
29815 88813

العودة   {منتديات كل السلفيين} > منابر الأخوات - للنساء فقط > منبر العقيدة والمنهج - للنساء فقط

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-16-2015, 09:44 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي المسيح عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام -... مزيد ومتجدِّد.

المسيح عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام -.

﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [سورة مريم: 34].

إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، منْ يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

قال الله - تعالى -: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [سورة البقرة 143].

من فضل الله - تعالى - على أمة الهداية، أمـــة محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أن جعلها خير أمةٍ أخرجت للناس، أمة وسطًا بين الأمم، ليكونوا شهداء على الناس، ويكونَ الرسول عليهم شهيدا. فعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ، والنبي ومعه الرجلان ، والنبي ومعه الثلاثة وأكثر من ذلك ، فيقال له: هل بلغت قومك ؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلـّـغكم هذا ؟ فيقولون: لا، فيقال له: من يشهد لك ؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون : نعم ؟ فيقال: وما علمكم بذلك ؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه، فذلك قوله جل شأنه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (حديث صحيح) رواه: (أحمد، والنسائي، وابن ماجه) انظر: [صحيح الجامع رقم : 8033]‌.

وفي رواية أخرى عنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يجيء نوح وأمته فيقول الله: هل بلغت ؟ فيقول: نعم أي رب، فيقول لأمته: هل بلغكم ؟ فيقولون: لا ما جاء لنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك ؟ فيقول: محمد وأمته، وهو قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ والوسط العدل فيدعون فيشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم) (صحيح) رواه: (أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه). انظر: [صحيح الجامع 8034].‌

ولا يكتمل إيمان عبد حتى يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالقضاء والقدر خيره وشره، وباليوم الآخر، وكل هذه الأمور الغيبية تلقيناها بالقبول والرضا والتسليم، لأنها جاءت من لدن خبير حكيم عليم.
نؤمن بها وبكل بما جاءنا في كتاب الله - تبارك وتعالى -، وما صح من سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما جاءت بلا غلوّ ولا مجافاة.

ونؤمن بأن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - كلهم حق، نجلـّهم ونقدِّرهم، ونؤمن بأن ما أنزل عليهم من كتبٍ سماويةٍ حق، وأنهم قد أقرّوا جميعًا بعبوديتهم لله - تعالى -، فبلغوا بها أسمى المقامات، فهم إخوةٌ لعَلاّت دينهم واحد، وأمهاتهم شتى، دعوتهم واحدة «دعوة التوحيد»؛ ويعبدون إلهاً واحداً لا يشركون به شيئا. ونؤمن أن عِيسَى بنُ مَرْيَمَ - عليه الصلاة والسلام - حق؛ وأنه بشرٌ مخلوق، رجلٌ، نبيٌ مباركٌ مرسلٌ من الله - تعالى - إلى بني إسرائيل كمن سبقه من إخوانه الأنبياء، وعبدٌ لله - تبارك وتعالى -، ليس إلهًا ولا إبنًاً لإلهٍ كما يدَّعي النصارى؛ فقد بيَّن الله جلّ شأنه – أنه لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا وذلك بقوله جلَّ شأنه: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ۞ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [سورة المؤمنون: 91].
نزه الله تبارك وتعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك، ولو قدر تعدد الآلهة لاختلفوا وانفرد كل إله منهم بما خلق، فما كان لينتظم الوجود؛ والمشاهد الملموس أن الوجود في غاية الكمال؛ ليس فيه نقصٌ ولا خلل؛ مُنتظم مُتسقٌ عُلويه وسُفليه مُرتبط بعضه ببعض،﴿مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ [سورة الملك : 3].
تفاوت: اختلاف.
فطور: شقوق؛ أو صدع.
قال عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة: [وإذا انتفى النقص من كل وجه، صارت حسنة كاملة، متناسبة من كل وجه، في لونها وهيئتها وارتفاعها، وما فيها من الشمس والقمر والكواكب النيِّرات، الثوابت منهن والسيارات. ولما كان كمالها معلومًا، أمر الله تعالى بتكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها، قال: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ أي: أعده إليها، ناظرًا معتبرًا ﴿هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ. أي: نقص واختلال.
﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ المراد بذلك: كثرة التكرار ﴿يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ أي: عاجزًا عن أن يرى خللا أو فطورًا، ولو حرص غاية الحرص]. اهـ. من "تفسير السعدي" (875).
وذلك من عظمة الله تعالى وكمال قدرته التي أوجد بها كل شيء ويقدر بها على كل شيء، ولو كان فيه آلهة أخرى لطلب كل منهما قهر الآخر ليعلو بعضهم على بعض؛ تعالى الله عما يقول الظالمون المعتدون وما يصفون في دعواهم الباطلة لله - جل في علاه - الولد أو الشريك علوًا كبيرا. فهو واحدٌ أحد، فردٌ صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
قال الله - تعالى -: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ۞ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ۞ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ۞ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ۞ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ۞ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ۞ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ۞ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [سورة الأنبياء: 29 - 22]. نفى الله - تبارك وتعالى - بالأدلة العقلية والبراهين الحسية أن يكون له شريك، أو زوجة، أو ولد. - تعالى الله سبحانه - عن الندّ والشريك، والشبيه، والمثيل، وهو الغني ذو القوَّة المتين؛ لا يعتريه ضعف ولا يعجزه شيئ ولا يحتاج إلى أحد، لا إله معه؛ ولا والد ولا زوجة ولا ولد.
قال البغوي في تفسير هذه الآية الكريمة: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا، يعني في السماء والأرض، ﴿آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ، يعني غير الله، ﴿لَفَسَدَتَا، لخربتا وهلك من فيهما بوجود التمانع بين الآلهة؛ لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لم يجر على النظام، ثم نزه نفسه فقال: ﴿فسبحان الله رب العرش عما يصفون، يعني: عما يصفه به المشركون من الشريك والولد]. ا هـ. «معالم التنزيل»

وعليه فإن ما ينسبونه لعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ من أنه إلهٌ وابن إله - تبارك الله عما يقولون علوا عظيما - إن يتبعون فيه إلا ظنا، وإنّ الظنّ لا يُغني من الحق شيئا.


من محاضرات اللجنة النسائية بمركز الإمام الألباني - رحمه الله تعالى -.

وكتبته : أم عبدالله نجلاء الصالح.


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-16-2015, 10:08 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام - حقيقة شخصيته وأمه.

عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام - حقيقة شخصيته وأمه.

وقد بين الله - تبارك وتعالى - في عدة مواضع من كتابه العزيز، والسنة النبوية المطهرة حقيقة شخصية المسيح عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عليه الصلاة والسلام، وأمه الصديقة مريم ابنة عمران - رضي الله عنها وأرضاها - :

1. ولد عيسى– عليه الصلاة والسلام - بمعجزة إلهية وبشارة ربانية؛ فهو مِن أم بلا أب؛ ينسب إلى أمه «مريم ابنة عمران» - عليها السلام - سيدة نساء العالمين، اصطفاها الله تعالى فهي من نسل طيبٍ من سلالة النبوة. وكان والدها عِمْرَانَ رجلاً صالحاً وعالماً من علماء بني إسرائيل، من سلالة داود - عليه الصلاة والسلام -.
قال محمد بن اسحق بن يسار - رحمه الله تعالى -: [هو عمران بن ياشم بن أمون ميشا بن حزقيا بن أحريق بن يويم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش بن أجريهو بن يازم بن يهفاشاط بن إنشا بن أبيان بن رخيم بن سليمان بن داود - عليهما الصلاة والسلام -.
فهي وابنها عيسى من ذرية إبراهيم - عليهما الصلاة والسلام - من أشرف نسب. قال الله - تعالى -: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة آل عمران 33 - 34].

نذرتها أمها لخدمة بيت الله - تبارك وتعالى - المسجد الأقصى -رده الله إلى المسلمين ردًا جميلا-، وأعاذتها بالله تعالى فحصنتها وذريتها من الشيطان الرجيم، فحفظهما ببركة دعاء أمها، وتقبلها بقبول حسن، ونشأت زاهدة عابدة ناسكة، وأجرى على يدها وابنها معجزات وكرامات باهرات؛ قال الله – تعالى -: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة آل عمران 35 - 37].

وسمى الله - تبارك وتعالى - في كتاب الله العزيز سورة باسمها (مريم)، دون سائر النساء، وذلك زيادة تشريفٍ وتكريمٍ لها، وأنزل فيها آيات تتلى، وشهد لها بالطهر والعفاف، وبرأها من فوق سبع سمواتٍ مما رمتها به يهود بقول الله - سبحانه -: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [سورة التحريم 12].
وامتنَّ الله عليها بقوله عنها أنها صدّيقة، والصديقية منزلة عالية رفيعة تلي منزلة النبوة؛ لها ولابنها صفات البشر؛ يأكلون كما يأكل البشر؛ ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًا؛ فلا ينبغي الغلوَّ فيهم كغلو النصارى؛ وإنزالهم منزلة الألوهية التي لا تليق إلا بالله تعالى وحده لا شريك له؛ وهو خالقهم ورازقهم؛ قال الله - تعالى -: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [سورة المائدة 77 ــ 75].

كلفها الله - تبارك وتعالى - بالطاعات، وبشرها بابنها، بكلمة منه - سبحانه - دالَّة على عظيم قدرته، وسماهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وذلك بقوله - تبارك اسمه -: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [سورة آل عمران: 42 - 43].

2. حملها بعيسى -عليه الصلاة والسلام-: حملت الصديقة بابنها المسيح -عليه الصلاة والسلام- بلا زوج على غير العادة؛ وهي العذراء البتول؛ واختصها الله - تبارك وتعالى - بمعجزات وكرامات فكانت هي وابنها آية للعالمين؛ قال الله - تعالى-: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء: 91].
وقال الله - تعالى -: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} [سورة مريم : 21 ــ 16].
ذكر ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: [إني لَأعْلَمُ خلقِ اللهِ لأيّ شيئ اتخذت النصارى المشرق قبلة، لقول الله - تعالى -: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} واتخذوا ميلاد عيسى قبلة]. انظر: [تفسير القرآن العظيم 2/ 156].

3. بيّنَ الله - جلّ شأنه - أن عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عليه الصلاة والسلام - بشرٌ مخلوق، رجلٌ، نبيٌ مباركٌ مرسلٌ من الله - تعالى - إلى بني إسرائيل كمن سبقه من إخوانه الأنبياء والمرسلين، وعبدٌ لله - تبارك وتعالى -، ليس إلهًا ولا إبنًا لإله.
جاء ليدعو إلى توحيد الخالق - سبحانه وتعالى -، ويصحح عقائد انحرفت عن المنهج الرباني، وليبيِّن لهم بعض الذي اختلفوا فيه من الحق بإذنه.
قال الله - تعالى -: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ} [سورة الحديد 27].
قال - سبحانه -: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ} [سورة الزخرف 63].
من مناجاة الصديقة مريم - رضي الله عنها -: لله - جلَّ في علاه - : {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} أرضاها الله - تبارك وتعالى - بعد خوفها، وبشرها لتزول وحشتها، وتقرّ عينها بابنها " المسيح عيسى بن مريم " بأن جعله الله - تعالى -: {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.
وأن له جاهٌ عند الله - تبارك وتعالى - بما اختاره لتبليغ رسالة ربه - سبحانه -، وبما يوحيه إليه من الشرع الحكيم، وما يُنَزّله عليه من كتاب، وما أكرمه من كرامات، واختصه من معجزات، ويشفع في الدار الآخرة لمن يأذن له الله - سبحانه -.

قال الله - تعالى - : {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [سورة البقرة 253].


يُتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-16-2015, 11:07 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام - حقيقة شخصيته وأمه.

4.
مدة الحمل بعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام: قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: [اختلف المفسرون في مدة الحمل بعيسى عليه الصلاة والسلام، فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر، حملت به كما تحمل النساء بأبنائهن...].
وقال: [... ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل عليها؛ وكان معها في المسجد رجل صالح من قراباتها يخدم البيت المقدس، يقال له: يوسف النجار، فلما رأى ثقل بطنها وكبره، أنكر ذلك من أمرها، ثم صرفه ما يعلم ما يعلم من براءتها ودينها وعبادتها؛ ثم تأمَّل ما هي فيه؛ فجعل أمرها يجوس في فكره لا يستطيع صرفه عن نفسه، فحمل نفسه على أن عرّض لها في القول فقال: يا مريم إني سائلك عن أمر فلا تعجلي عليّ، قالت وما هو ؟ قال: هل يكون قطّ شجر من غير حب ؟ وهل يكون زرع من غير بذر ؟ وهل يكون ولد من غير أب ؟ فقالت: نعم، وفهمت ما أشار إليه، أما قولك: هل يكون قط شجر من غير حب ؟ وهل يكون زرع من غير بذر ؟ فإن الله قد خلق الشجر والزرع أول ما خلقهما من غير حب ولا بذر، وهل يكون ولد من غير أب ؟ فإن الله - تعالى - قد خلق آدم من غير أب ولا أم فصدّقها وسلم لها حالها، ولما استشعرت مريم مِن قومها اتهامها بالريبة انتبذت منهم مكاناً قصيّا، أي: قاصياً بعيداً عنهم لئلاّ تراهم ولا يروْها] اهـ. انظر: [تفسير القرآن العظيم 3/ 157 - 158]. فولدَت عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - في بيت لحم بفلسطين على بعد أميال جنوبي بيت المقدس.

5. تاريخ مولد عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام -: إن قصص الأنبياء أمور غيبية لا سبيل إلى الجزم بها إلا بوحي من عند الله تعالى يدل عليها؛ وذلك لانقطاع الأسانيد بيننا وبين ذلك الزمان. وليس ثمة اتفاق بين طوائف اليهود والنصارى على تحديد يوم مولد عيسى – عليه الصلاة والسلام -؛ فهم على اختلافٍ فيما بينهم؛ كما أن الأخبار عنهم لا تثبت، فقد طالها التحريف والتبديل مع طول الزمان، فلا تعتمِد على نصوص موثوقة، ولا على أدلةٍ وبراهينَ لها أسانيد صحيحة قاطعة الثبوت.
وقد اختلف النصارى أنفسهم حول تحديد تاريخ ميلاد المسيح عيسى –عليه الصلاة والسلام– ويوم مولده؛ يرى النصارى الغربيون أنه في فصل الشتاء في الشهر «الثاني عشر» في نهاية السنة الميلادية؛ ويرى النصارى الشرقيون أنه في الشهر «الأول منها» على اختلاف في تحديد الأيام بينهم.
ومِن المسلمين مَن قال بخطئ هذه االمقولة؛ وقال بأن مولده عليه السلام كان في «الصيف» إشارة لما ورد في القرآن الكريم من ذكر الرطَب؛ وأن الشتاء ليس موسمه.
وليس هناك من يَجزم بهذا القول ولا ذاك من العلماء، إنما هو اجتهاد؛ لأن الله تعالى الذي خرق العادة وخلق المسيح عيسى ابن مريم بــمعجزة «كن فكان» فحملت به أمه بلا أبٍ، وجعله يتكلم في المهد؛ وخرقِ العادة لمريم لها عليها السلام- فقال جل شأنه: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة آل: عمران 37]؛ قادر على أن يخرق العادة، وينبت التمر وينضجه في غير أوانه، وفي أي وقت شاء -سبحانه-.

وقد ورد في الطبعة الخامسة عشرة من المجلد الخامس في الصفحة (642 - 643 أ) من «دائرة المعارف البريطانية» ما يلي: [لم يقنع أحدٌ مطلقاً بتعيُّن يومٍ أو سنةٍ لميلاد المسيح - ولكن صمَّم آباء الكنيسة في عام (340) بعد الميلاد على تحديد تاريخ للاحتفال بالعيد - اختاروا بحكمة يوم الانقلاب الشمسي في الشتاء، الذي استقر في أذهان الناس، وكان أعظم أعيادهم أهمية، ونظراً إلى التغيرات التي حدثت في التقاويم: تغير وقت الانقلاب الشمسي، وتاريخ عيد الميلاد بأيام قليلة]. ا هـ.

وإذا كان النصارى قد اختلفوا في أصل الاعتقاد في عيسى -عليه السلام- وما هو، فهل يتفقون على ما هو دونه ؟

أما إذا جاء الخبر من عند أهل الكتاب، فإنّ من الإنصاف أن لا نصدِّقهم ولا نكذبهم، ونقول: {آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيكم} لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام». فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: {آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}) (صحيح) رواه (البخاري).

وأما النصوص المتواترة من كتاب الله العزيز «القرآن الكريم»، فقد امتازت بأنها قطعية الثبوت، وكذلك الأدلة والبراهين من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، التي لها أسانيد صحيحة موثوقة، تعهَّد الله - تبارك وتعالى- بحفظها بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر: 9]؛ وقامت عليها دعوة التوحيد؛ وتلقتها أمة التوحيد؛ أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بالقبول.

وعلى ذلك فإنَّ شرعَ مَن قبلنا ليس شرعٌ لنا إلا بدليلٍ موافقٍٍٍ لشرعنا. وإلا فإن العمل به مردود؛ لحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). (متفق عليه). ولا دليلَ في شرعنا من الكتاب والسنة يثبت تحديد يومِ ولا سنةَِ مولد نبيٍ من الأنبياء؛ لا من قبلِ المسيح عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام- ولا من بعده، ولو كان في هذا أثارة من علم نافع؛ لبيَّنه لنا نبي الأمة وسيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يترك شيئًا يقربنا إلى الله تعالى إلا ودلنا عليه قبل أن يموت؛ فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما جزى به نبيا عن أمته.

وعليه؛ فلا ينبغي أن نُشغل أنفسنا فيما لا طائل منه؛ والعمل به مردود؛ وما ذكرتُ ما تقدم إلا للبيان؛ وليكون حجةً على المقلدة من المسلمين الذين يشاركون النصارى أعيادهم، ويهنئونهم بها، ومن يقلدون في الاحتفال ببدعة الموالد حتى جعلوه تشريعًا يرجى منه الأجر والثواب؛ أسأل الله جل في علاه أن يهدينا وإياهم سواء السبيل.

6. سمّاه الله - تبارك وتعالى - باسم «المسيح عيسى بن مريم» ليكون مشهورًا بهذا الإسم في الدنيا والآخرة، وبه يُعرَف أنه ابنٌ لِمريم الصِدّيقة؛ لا ابنٌ لإله.
قال بعض السلف: سماه «مسيحًا» لكثرة سياحته.
وقيل : لأنه كان «مسيح القدمين»، لا أخمص لهما.
وسماه : «ابن مريم» نسبة إلى أمه حيث لا أب له.
وذكره الله تعالى باسم: «عيسى» خمس وعشرون مرة.
وذكره الله تعالى باسم: «المسيح » إحدى عشرة مرة.
وذكره الله تعالى باسم: « ابن مريم» ثلاث وعشرون مرة.
وسماه اليهود: «يشوع» بالعبرية ويعني «المخلـّـص» إشارة إلى أنه سبب في تخليص الكثيرين من آثامهم وضلالاتهم -زعموا -.

7. نفخ الله فيها من روحه، فكان ميلاده حدثًا عجيبًا في بني إسرائيل، الذين غرقوا في الماديات وربط الأسباب بالمسببات.
إن الروح خلق من مخلوقات الله – تبارك وتعالى -، لا يعلم كنهها وماهيتها إلا خالقها الله -سبحانه وتعالى- وهي ليست جزءٌ منه – سبحانه -، ولا أن روحه حلت بمخلوقاته؛ كمن يقول بالاتحاد والحلول؛ نسأل الله العافية

وذلك كاعتقاد بعض فرق النصارى الذين يروْنَ أن لعيسى -عليه الصلاة والسلام طبيعتين: لاهوتيةً وناسوتيةً؛ لاهوتية -من الإله- لمّا كان يتكلم بالوحي، وناسوتية لأنه ولد من إنس وصُلِبْ؛ وأن اللاهوت: الله -جل وعلا - حلَّ بالناسوت فكان –عيسى عليه السلام -.
وكذلك اعتقاد بعض غلاة الرافضة كالنصيرية أن الله - عز وجل - حلَّ في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وأنه هو الإله؛ حيث حلَّت فيه الألوهية، وذلك من عقائدهم الأساسية الفاسدة. -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا-.

لقد أضيفت بعض النصوص إلى الله - تبارك وتعالى- إضافة تشريفٍ وتكريمٍ وتعظيمٍ لشأنه وشأنها، كإضافة البيت لله -تعالى- إضافة تشريف وتكريم وتعظيم في هذه الآية الكريمة: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [سورة الحج 26].
وإضافة الناقة لله -تعالى- إضافة تكريم بقوله -جلّ شأنه-: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [سورة الشمس: 13].
وإضافة الروح إلى الله -تعالى- في خلق آدم -عليه الصلاة والسلام- إضافة تشريفٍ وتكريمٍ في قوله -جلَّ وعلا-: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [سورة الحجر: 28 - 29].

قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي: النفخ إجراء الريح في الشيء، والروح جسم لطيف أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم، وحقيقته إضافة خلق إلى خالق، فالروح خلقٌ مِن خَلقه، أضافها إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا؛ كقوله: أرضي؛ وسمائي؛ وبيتي؛ وناقة الله؛ وعبدالله؛ وشهر الله، ومثله: كَلِمَتُهُ؛ وروح منه. اهـ.

خلق الله آدم -عليه الصلاة والسلام- من قبل بلا أب ولا أم، ونفخ فيه من روحه؛ ولم يقل أحدٌ عنه أنه إله أو ابن إله.
وخلق حواء من ضلع آدم -عليه الصلاة والسلام-، ولم يقل أحد أنها إله وابنة إله، – تعالى الله عما يقولون علوّاً عظيما -. بل إن الله -تعالى- يخلقُ ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة.

وفي عيسى -عليه الصلاة والسلام- قال الله - تعالى-: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [سورة النساء: 171].

وقال الله - تعالى -: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدم خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 59 - 64].

لو تأملنا هذه الآية العظيمة وتأملنا ما فيها لتبيّن لنا ما يلي :

1/ 7.
أن الله - تعالى - ذكر كل من «عيسى وآدم» معاً فقط في هذا الموضع في القرآن الكريم، ولم يجتمعا في موضع آخر غيره. ولم يدخل معهما اسم آخر غيرهما فيها، مما يدل على إعجاز القرآن وبلاغته في بيان الأدلة.

2/ 7. إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، كليهما خُلقا من تراب من دون أب، ونفخ فيهما الله –تعالى- من روحه، فكان كلاهما معجزة في الطريقة التي خُلقا بها، بشكل يختلف عن جميع البشر، وفوق إدراك البشر. إنهما خُلقا بكلمة منه، خلقا «بكن فيكون» .

قال الله -تعالى-: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَال كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سورة آل عمران 47 - 45].

3/ 7. إن آدم - عليه الصلاة والسلام خلقه الله –تبارك وتعالى– ونفخ فيه من روحه، فكان بلا أب ولا أم؛ ولم تحمله رحم، ولم يكبر شيئًا فشيئا؛ ولم يتطور في الأرحام كأي جنين سواه، بل كان على صورته التي خلقه الله عليها ستون ذراعا بذراع الجبار «بكن فكان».

فهل يَعجز الله – جل في علاه - أن يخلق «بكن فيكون» خلقًا بلا أبٍ كعيسى – عليه الصلاة والسلام– يكبُر ويتطوّر في الأرحام ؟، حاشا وكلا.

ولعيسى – عليه الصلاة والسلام – شبيه اسمه عروة بن مسعود الثقفي، فعن الشعبي مرسلا: (دحية الكلبي يشبه جبريل، وعروة بن مسعود الثقفي يشبه عيسى بن مريم، وعبد العزى يشبه الدجال). ‌(صحيح) (تحقيق الألباني). انظر : [صحيح الجامع حديث رقم: 3362] و [السلسلة الصحيحة 4/ 472 رقم 1857].‌


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-16-2015, 11:56 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام - حقيقة شخصيته وأمه.

8.
ولا ينبغي أن ينسب أتباعه له بأن يقال: مسيحيون، إنما هم نصارى كما سماهم الله - تبارك وتعالى -.

[وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله‏ عن إطلاق المسيحية على النصرانية‏ ؟‏ والمسيحي على النصراني‏؟‏.

فأجاب بقوله‏ :‏
[لا شك أن انتساب النصارى إلى المسيح بعد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - انتسابٌ غير صحيح؛ لأنه لو كان صحيحًا لآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن إيمانهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - إيمان بالمسيح عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام -؛ لأن الله - تعالى- قال‏:‏ {‏‏وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين‏‏‏} [سورة الصف‏:‏ 6‏].
ولم يبشرهم المسيح عيسى ابن مريم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، إلا من أجل أن يقبلوا ما جاء به؛ لأن البشارة بما لا ينفع، لغوٌ من القول، لا يمكن أن تأتي من أدنى الناس عقلا، فضلًا عن أن تكون صدرت من عند أحد الرسل الكرام "أولي العزم"، عيسى ابن مريم، -عليه الصلاة والسلام -.
وهذا الذي بشَّر به عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام - بنى إسرائيل هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقوله‏:‏ {فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ‏}‏ [سورة الصف‏:‏ 6‏].‏
وهذا يدل على أن الرسول الذي بشَّر به قد جاء، ولكنهم كفروا به وقالوا: {هذا سِحْرٌ مُبين}.
فإذا كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن هذا كفر بعيسى بن مريم الذي بشَّّرهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وحينئذ لا يصح أن ينتسبوا إليه فيقولوا: إنهم مسيحيون.
إذ لو كانوا مسيحيون حقيقة لآمنوا بما بشَّر به المسيح ابن مريم؛ لأن عيسى ابن مريم وغيره من الرسل قد أخَذَ الله عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله – تعالى -:‏ ‏{وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِين} [سورة آل عمران‏:‏ 81‏].
والذي جاء مصدقًا لما معهم هو محمد -صلى الله عليه وسلم- لقوله -تعالى-‏ :‏ {‏‏وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِما أنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ‏‏ ‏[سورة المائدة‏:‏ 48‏]‏‏.‏
وخلاصة القول أن نسبة النصارى إلى المسيح عيسى ابن مريم نسبة يكذبها الواقع؛ لأنهم كفروا ببشارة المسيح عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- وهو محمد -صلى الله عليه وسلم -، وكفرهم به كفرٌ بعيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام -]. ا هـ‏.‏

وسُئل فضيلة الشيخ ابن باز - رحمه الله- هل الصحيح يا سماحة الشيخ أن يقال: مسيحي أم نصراني ؟.

فأجاب قائلا:
[معنى مسيحي نسبة إلى المسيح ابن مريم - عليه السلام -، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه وهو بريء منهم، وقد كذبوا، فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله، ولكن قال: عبد الله ورسوله.
فالأوْلى أن يقال لهم نصارى، كما سمَّاهم الله - سبحانه وتعالى-، قال - تعالى -: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَاب} [سورة البقرة : 113]. ا هـ.


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-16-2015, 12:16 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام - حقيقة شخصيته وأمه. تتمـــّــــة

عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام - حقيقة شخصيته وأمه.

9. شهد له رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء الطاهرة البتول سيدة نساء العالمين الصديقة مريم ابنة عمران رضي الله عنها .
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) (متفق عليه) [مشكاة المصابيح جـ 1 رقم 27].

قال الله - تعالى - : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا ۞ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ۞ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [سورة النساء : 173 ــ 171].

10. وقد جاء عيسى - عليه الصلاة والسلام - مبشرًا بنبي يأتي من بعده، وهو نبينا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وكان المسيح عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - يعبّر عنه بلفظ : النبي، والرسول كما في قول الله – تعالى - : {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [سورة الصف 6].

وأحمد من أسماء التفضيل، ولقد ذُكِرَتْ صفاته في التوراة والإنجيل، ومحمد : هو كثير المحامد - الصفات الحميدة -.

ومن صفاته الحميدة يعرفونه في كتبهم حقًا كما يعرفون أبناءهم، قال الله - تعالى – وهو بهم أعلم : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۞ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [سورة البقرة 146 ــ 147].

وقال الله – تعالى - : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ۞ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ۞ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ۞ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ۞ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [سورة الأنعام 20 ـ 24].

ويعرف عند أهل الكتاب أيضًا بلفظ : مِسْيا.
وبلفظ : الفارقليط، وهو تعريب للفظ : " بيركليتوس اليونانية، ومعناها : هو الرجل، والذي له حمد كثير.
وعبر عنه في بعض كتب أهل الكتاب بلفظ :" إيليا ".

وما بعث الله - تعالى - من نبيٍّ إلا أخذ عليه العهد والميثاق أن يصدق رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن ينصره إن بُعِثَ وهو حيّ. قال الله - تعالى - : {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ۞ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران 81].

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : (ما بعث الله نبيًا إلا أخذ عليه الميثاق : لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق : لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه). (صحيح البخاري) .

من هذا يُعلم أن جميع الأنبياء بشروا به وأمروا باتباعه - صلوات ربي وسلامه عليه وجزاه الله عنا خير ما جزى به نبيًّا عن أمته.

11. امتنّ الله - تبارك وتعالى - على مَن آمنَ مِن أهل الكتاب بِنبيّه، ثمّ آمَنَ بخاتم الأنبياء والمرسلين رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - إن أدركه، أن يؤتيهِ أجره مرّتين، وذلك من فضل الله ومنِّهِ وكرمه، لقوله - سبحانه - : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ۞ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۞ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ۞ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [سورة القصص 52 – 56].

وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيه وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتبعه وصدقه، فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله وحق سيده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها، فأحسن غذاءها، ثم أدبها، فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران) (متفق عليه). وانظر : [صحيح الجامع 3073]. ‌


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-16-2015, 01:01 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي المسيح عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام - حقيقة شخصيته. تتمـــّــــة

المسيح عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام - حقيقة شخصيته.

12.
تكلم المسيح عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، وأقرّ بعبوديته لله - تعالى - منذ اللحظة الأولى لولادته، ليبلغ بها أسمى المقامات وأشرفها، إنه مقام العبودية لله - تعالى -، قال الله - تعالى - : {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ۞ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ۞ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ۞ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ۞ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ۞ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ۞ مَا كَانَ لِلهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۞ وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم} [سورة مريم 31 ــ 36].

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، ولم يقل : إني إلهٌ ولا ابن إله. لتكون شهادةً له بالتوحيد، وبراءةً من الشرك بالله، ومعجزةً تقرع القلوب، لعلها توقظ الأذهان على مَرِّ الزمان.
أرسله الله - تبارك وتعالى - رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وداعيا إلى عبادة الله رب العالمين، وتوحيده منذ اللحظة الأولى لولادته، ومن الصالحين.
{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ}، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله - تعالى - : [المراد بالتكليم هنا غير التكليم المعهود الذي هو مجرد الكلام، وإنما المراد بذلك التكليم الذي ينتفع به المتكلم والمخاطب، وهو الدعوة إلى الله.
ولعيسى - عليه السلام - ما لإخوانه من أولي العزم من المرسلين، من التكليم في حال الكهولة بالرسالة والدعوة إلى الخير والنهي عن الشر، وامتاز عنهم بأنه كلم الناس في المهد فــ{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ۞ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} انظر : [تيسير الكريم الرحمن1/ 528].

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يُقال له جُريج يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال : أجيبُها أو أصلّي، فقالت : اللهم لا تُمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعة، فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى، فأتت راعيًا فأمكنته من نفسها فولدت غلامًا فقالت : من جريج، فأتوه فكسروا صومعته، فأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال : من أبوك يا غلام ؟ قال : الراعي ، قالوا : نبني صومعتك من ذهب، قال لا إلا من طين، وكانت امرأة ترضع ابنًا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت : اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأتى على الراكب فقال : اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، ثم مرت بأمَـةٍ فقالت : اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها وقال : اللهم اجعلني مثلها، فقالت : لم ذاك ؟ فقال : الراكب جبار من الجبابرة، هذه الأمة يقولون : سرقت، زنت ولم تفعل) (صحيح رواه : أحمد، والبخاري ومسلم) انظر : [صحيح الجامع رقم : 5199].

13. وأيّده الله - تبارك وتعالى - بعدد من المعجزات الخارقة للعادة، والآيات الدالة على عظيم قدرة الله - سبحانه -، فقد بعث الله - تبارك وتعالى - كل نبي بما يناسب أهل زمانه، وبعث عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام في زمن كثر فيه الأطباء، فجاءهم مؤيدًا بالمعجزات والآيات البينات من الشارع الحكيم، بما لا سبيل لأحد منهم القدرة عليه.

ومن هذه المعجزات إضافةً لما تقدّم أعلاه :

1.
أنه يبرئ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِ الله - تعالى -.
و الأكمه : هو الأعمى.

2. وَيحيي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله. وهل للطبيب قدرة على أن يمنع الموت عن نفسه، فضلاً على أن يُحْيِيَ الموتى، ويُبْرئَ الأكمه والأبرص إلا بإذن الله - جلّ في علاه - ؟؟.

3. ويخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَينْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ، وذلك كله بإذن الله - تعالى -.

4. ويخبر الناس بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم، وهي من أمور الغيب التي امتنَّ الله - تعالى - بها عليه.

5. وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيهَ مِنَ التَّوْرَاةِ، وهدىً ورحمة لبني إسرائيل، وليحلّ لهم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهمْ.

6. وأَيَّدْه الله - جلَّ في علاه - بِرُوحِ الْقُدُسِ " الملك جبريل " - عليه الصلاة والسلام -، وعَلَّمْه الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ : قال الله - تعالى - : {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [سورة المائدة 110].

7. وأيد اللهُ - تبارك وتعالى - المسيحَ عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - بمعجزة المائدة التي أنزلها من السماء، وإليها تنسب سورة المائدة، فيقال : [سورة المائدة].

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - بعد أن أورد آثارًا عديدة حول معجزة المائدة في كتابه القيّم "تفسير القرآن العظيم" (2/ 163) : [... وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل أيام عيسى بن مريم، إجابة من الله لدعوته، كما دلَّ على ذلك ظاهر السياق من القرآن العظيم {قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ}.

قال الله – تعالى - : {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۞ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ۞ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ۞ قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [سورة المائدة 112 ــ 115].


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-21-2015, 06:04 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

والحواريون هم تلاميذ المسيح – عليه الصلاة والسلام :

14.
قال الله - تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [سورة الصف 14].

والحواريون هم :

1. سمعان المعروف بإسم (بطرس). وهو صياد من بيت صيدا في الجليل.
2. أندرواس. وهو صياد من بيت صيدا في الجليل. (ذكر في إنجيل متّى ولوقا بأنه أخو سمعان).
3. يعقوب بن زبدي وهو صياد من بيت صيدا في الجليل. (حسب إنجيلي مرقس ومتى).
4. يوحنا. وفي (إنجيل مرقس ومتّى يذكران أن يوحنا أخو يعقوب، وأنهما يلقبان بابنَيْ الرعد).
5. فيليبس. وهو صياد من بيت صيدا في الجليل.
6. برثو لماوس. وهو صياد، وسمي (نثنائيل في إنجيل يوحنا).
7. متى العشّار. وهو متى المُبَشِّر، (ويدعى لاوي في إنجيلي لوقا ومرقس). من كفر ناحوم بالجليل. وكان عشّارا يجمع الجباية.
8. توما. ولقبه (ديديموس) أي : التوأم، واسمه آرامي مشتق من (توماس)، ويعني التوأم.
9. يعقوب بن حلفى. (يعقوب الصغير) وهو صياد من بيت صيدا في الجليل.
10. سمعان القانوي ويدعى (لوقا أو سمعان الغيور). (حسب الأناجيل مرقس ومتى ولوقا).
11. لبَّاوس الملقب (تداوس). أخو يعقوب بن حلفى. وذكر اسمه يهوذا بن حلفى في بعض الأناجيل، وهو ليس يهوذا الإسخريوطي.
12. يهوذا سمعان الإسخريوطي، وبحسب الأناجيل فإنه التلميذ الذي اختاره المسيح عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - ثم خانه وسلّمه لليهود، مقابل ثلاثين قطعة فضة، ويعرف بالتلميذ الخائن للمسيح - عليه الصلاة والسلام -. انظر: [يوحنا 6 : 71] و [متى 10 : 4] و [مرقس 3 : 19] و [لوقا : 6 : 16].

وكلمة إسخريوطي تشير إلى عدة احتمالات منها :

أنه من مدينة قريوت، إذ أن المقطع الأول من اسمه "إس أو إش" تعني "رجل بالعبرية" فيكون : "الرجل القريوتي" نسبة إلى قريوت"، هذا هو أشهر تفسير، وكان كَتَبَةُ الأناجيل يُركِّزون على ذكر لقبه "الإسْخَرْيوطي" لتمييزه عن يهوذا (تداوس). انظر : [الموسوعة المسيحية العربية الألكترونية].
أنه الشخص الذي يحمل كيس الدراهم، وهو بالأرامية سيكار يوتا.
اشتق من العِبْرانية أسكار، وقد تعني قاتِل أو ذبّاح.

وقيل بأن هناك رسلًا سبعون اختارهم المسيح وأرسلهم ليعلموا الناس دينِ النصرانية.

قال الله - تعالى - : {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ۞ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ۞ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [سورة آل عمران 52 ــ 54].


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 11-21-2015, 10:33 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلّ

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ}

15. حذّر المسيح عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - من أعرض عن هديهِ وتعاليمه من مغبّة الشرك، وذكّرهم بعبادة الله وحده لا شريك له : قال الله - تعالى - : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ اللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ۞ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۞ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ اللهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۞ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ۞ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا اللهِ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۞ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [سورة المائدة 72 - 77].

وكان أول من أدخل فكرة التثليث، والقول بألوهية المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام " بولس الشمشاطي" (شاول) وقد كان يهوديا خبيثًا دخل النصرانية، فكان له دور كبير في تحطيم الإتجاهات الصحيحة للنصرانية.

وهو أول من ابتدع في شأن المسيح : اللاهوت والناسوت، وكانت النصارى قبله كلمتهم واحدة أنه عبد، رسول، مخلوق، مربوب، لا يختلف فيه اثنان منهم. انظر : [كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ص 173].

وقال بالقيامة، ذلك يعني عنده : بأن المسيح قام من الموات، وصعد ليجلس عن يمين أبيه – تبارك الله وتعالى عما يقول الظالمون علوا عظيما -.

كما ابتكر فكرة العشاء الرباني، وغفران الذنوب. مستمدًا ذلك من الفلسفات الإغريقية والوثنية.

ونادى بألوهية روح القدس، ودعا إلى عدم الختان، واخترع قصة الفداء، وهو الذي نقل المسيحية من كونها دينًا خاصًا ببني إسرائيل إلى جعلها دينًا عالميا، إذ كتب أربعة عشر سِفراً تعليميًا من أصل إحدى وعشرين رسالة تشكل مصدرًا تشريعيًا في النصرانية. انظر : [الموسوعة الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص501].

وقال عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - في إنجيل متىّ 15 ص 46 ومرقس [117 – 13] : [هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فبعيد عني، وهو باطلًا يعبُدُني بتعاليم وضعها البشر].

ويتبرأ المسيح عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - من شركهم يوم القيامة، وَيُلَقّى حجته عندما يسأله الله - تبارك وتعالى - عنهم، وفي سؤاله - سبحانه - تهديدٌ لمن اتخذ المسيح وأمه إلهين من دون الله من النصارى، وتوبيخ وتقريع لهم على رؤوس الأشهاد :

قال الله - تعالى - : {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ۞ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۞ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة المائدة 16 - 118].

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (تلقى عيسى حجته فلقّاه الله في قوله : {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ} فلقاه الله {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} الآية كلها . (حسن صحيح) انظر : [السلسلة الصحيحة 5/ 582 رقم 2454].

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسير االقرآن العظيم 2/ 165 : [وقوله - عليه الصلاة والسلام - : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. هذا الكلام يتضمن ردٌّ المشيئةِ إلى الله - عزَّ وَجَلّ - فإنه الفعّال لما يشاء، الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، ويتضمّن التبرّي من النصارى الذين كذبوا على الله وعلى رسوله، وجعلوا لله نِدّا وصاحبةً وولدا، - تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا -.

وهذه الآية لها شأنٌ عظيم، ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قام حتى الصباح يرددها]. ا هـ.

فعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح بآية، والآية : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة المائدة 118]. [بها يركع، وبها يسجد، وبها يدعو، فلما أصبح قال له أبو ذر - رضي الله عنه - : يا رسول الله ! ما زلتَ تقرأ هذه الآية حتى أصبحت، تركع بها، وتسجد بها، وتدعو بها، وقد علمك الله القرآن كله، لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه ؟، قال : (إني سألت ربي - عز وجل - الشفاعة لأمتي فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله، لمن لا يشرك بالله شيئا). [صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ص 121].


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-22-2015, 07:47 PM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}

16. أنجى الله - تعالى - عيسى - عليه الصلاة والسلام - من كيد يهود وبطشهم، وكفهم عنه عندما حاولوا قتله، فرفعه الله - تعالى - إليه جسدًا وروحًا، فلم يمسسه أحد بسوء. ثم ينزل في آخر الزمان، ويموت بعد ذلك الموته التي كتبها الله عليه.
قال - الله تعالى - : {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مبين} [سورة المائدة : 110].

ومن ذلك قوله - تعالى - : {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [سورة النساء : 157].

وصريح القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يَرُدّان قوْلَ من قال بقتله وصلبه ويبطله، والأدلة على ذلك كثيرة - كما سيأتي بإذن الله - لقوله - تعالى - على لسان المسيح عيسى - عليه الصلاة والسلام - : {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ۞ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [سورة مريم 33 - 34].

الله أكبر ... صدق الله - تعالى - إذ قال : {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}
وقول عيسى - عليه الصلاة والسلام - {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} يدحضان قول من زعم : أنه مات على الصليب، إذ كيف يكون موت من مات مصلوبًا معذبا مُسمَّرًا بالمسامير عليه سلاما ؟؟؟.

انظر : [إنجيل متىّ ص 584. فيموثاوس 4] : قول المسيح - عليه الصلاة والسلام : [... وسينجيني الربّ من كل شر ويحفظني لملكوته السماوي، فله المجد إلى أبد الدهور. آمين].

قال الله - تعالى - : {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ۞ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ۞ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ۞ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ۞ بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ۞ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [سورة النساء 154 ــ 159].

ولا تناقض بين هذه الآية الكريمة وقول الله - تعالى - : {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ۞ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [سورة آل عمران 55 ــ 56].
إذ أن الله - تعالى - حفظ عبده ونبيه عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام - من مكر يهود، فرفعه الله – تعالى - إليه جسدًا وروحا، ولم يقتلُوهُ، ولم يصَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ، ولم يمت ولم يدفن، ولم يقم بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ قبره كما يظنون.

وأما قول الله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} فهي الوفاة الصغرى لا الموت، كما يَرْفع الله - تعالى - الأرواح إليه بقدرته عند النوم وهو بارئها - سبحانه - وهو على كل شيئ قدير، فيُمْسِك التي قضى عليها الموت وانتهى أجلها فتبقى عنده، ويردَّ من لم ينتهي أجلها إلى أجسادها إلى الوقت المعلوم عنده.
يدل على ذلك قوله تعالى : {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الزمر 42].

والفرْق بين رفع الأرواح عند النوم، ورفع المسيح عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام - : أن الأرواح تُرفع عند النوم دون الجسد، فَيُمْسِكُ الله الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ، وَيُعيد الْأُخْرَى إِلَى الجسد فيفيق، وهكذا، حتى يحين أَجَلها المقدَّر لها.
وأما المسيح عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام - فإن الله - تعالى - رفعه إليهِ روحًا وجسدًا، وأنه سيعود في آخر الزمان، فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يُتوفى، ويُصلي عليه المسلمون.


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11-23-2015, 12:13 AM
أم عبدالله نجلاء الصالح أم عبدالله نجلاء الصالح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: عمّـــان الأردن
المشاركات: 2,647
افتراضي

{وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ}

17. لا دليل في الكتاب والسنة بالنص القطعي الصحيح على أنه دفن وقام من قبره، كما يعتقدون، أو هل صُلِبَ شخصٌ بدلًا عن عيسى - عليه الصلاة والسلام -، وما اسمه، ولو كانت فائدة ترجى من معرفة ذلك لبيّنها الله - تبارك وتعالى -.

وكما اختلفوا فيه وفي مولده، اختلفوا في هديه، فقالوا : إلهٌ وابن إله، وقالوا ثالث ثلاثة، فضلوا وأضلوا خلقًا كثيرا.

قال - الله تعالى - : {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ۞ مَا كَانَ لِلهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۞ وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ۞ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [سورة مريم 34 -37].

وضلالهم حصل لأنهم حادوا عن سبيل الاستقامة، وبسبب ظلمهم لأنفسهم بالشرك والكفر، كما قال - تعالى : - {وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ} [سورة إبراهيم 27].

وقال - سبحانه - : {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [سورة الروم 29].

قال السعدي - رحمه الله تعالى - : أي : لا تعجبوا من عدم هدايتهم، فإن الله - تعالى أضلهم بظلمهم، ولا طريق لهداية من أضل الله؛ لأنه ليس أحد معارضًا لله أو منازعًا له في ملكه]. اهـ.

إن هداية التوفيق للإيمان والعمل الصالح مِنَّةٌ مِنْ الله - تعالى - لا ينالها كل أحد، وإنما يدركها من كان أهلًا لها، والله - تعالى - أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه، قال – جلّ في علاه - : {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [سورة القصص 56].

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - : [أي : هو أعلم بمن يستحق الهداية وبمن يستحق الغواية]. اهـ.

وقال السعدي - رحمه الله تعالى - : [هو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه، ممن لا يصلح لها فيبقيه على ضلاله]. اهـ.

قال - الله تعالى - : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ۞ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ۞ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۞ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [سورة المائدة 15 - 18].

آياتٌ بيّنات، وقوارع تقرع القلوب، تَرُدُّ ادّعاء النصارى بنوة المسيح عيسى بن مريم - عليه الصلاة والسلام - لله - تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرا -، إنما هو عبد من عباد الله، وخلقٌ ممن خلَق، وهو القادر، وجميع خلقه تحت قهره وسلطانه، لا يُسأل عما يَفعل وَهُم يُسألون.

وَرَدَّ على اليهود والنصارى قولهم : {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} على وجه الحظوَةِ والتشريف والإكرام عنده، بقوله - سبحانه - {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.

فما أحرانا ونحن نسأل الله - تعالى - الهداية في كل ركعة نصليها، أن نحمده على نعمة الإسلام، وأن نسلك سبيل الإستقامة، سبيل المؤمنين الموحدين، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، ونسأله الثبات على ذلك.


يتبع إن شاء الله - تعالى -.
__________________
يقول الله - تعالى - : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [سورة الأعراف :96].

قال العلامة السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية الكريمة : [... {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا} بقلوبهم إيمانًاً صادقاً صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله - تعالى - ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم الله؛ لفتح عليهم بركات من السماء والارض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيشٍ وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كدٍّ ولا نصب ... ] اهـ.
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:17 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.