أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
17873 139530

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 05-30-2011, 10:41 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,046
Lightbulb

جزى الله شيخنا الطيباوي خيرا ..
ولعلّي أدلي بشيئ يسير للتيسير ..
فملخص شيخنا الطيباوي من كتاب الربوبية لشيخ الإسلام والناظر في كتابه هذا وفي كثير من الأجوبة النافعة يركز شيخ الإسلام ـ وكذا تلميذه النجيب ابن القيم ـ على بيان أسباب تحصيل العلم النافع ..
ويحرصان على بيان أن الوقوف عند توحيد الربوبية والفناء فيه محض مزلة ،إنما يجب على المرء أن يعرف طرق الاستدلال الشرعية بعيدا عن التزيد على الشرع الحنيف ..وهو مثال فقط..
فوالله درر نافعة على إخواننا طباعة هاته الورقات للشيخ الطيباوي وتكرار قراءتها ..
فجزاه الله خيرا ..
وهو بدوره ينقل إخواننا إلى التزيد من العلم النافع على منهج النبوة بعيدا عن التشدق أو التقليد أو العصبية أو خوض ضمار مظلمة في تيه عظيم..
بورك فيكم..
__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 05-31-2011, 11:45 AM
عبيدالله الأثري عبيدالله الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 568
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد أحمد المراكشي مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على الهدية وان كانت موجهة لشيخنا عمر حفظه الله قد نهلنا منها أيضا فجزاكم الله خيرا
اشتقنا لمقالاتك..
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 05-31-2011, 11:52 AM
مختار طيباوي مختار طيباوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 182
افتراضي توحيد الربوبية

الحمد لله رب العالمين،والصلاة و السلام على سيد المرسلين،وبعد...
بارك الله في جميع إخواني ،وسخرهم لخدمة دينه بالعلم و الحلم،مما ينبغي التذكير به ،وقد أشار إليه أخي الفاضل:عمر البومرداسي ان نتصور جيدا مفهوم توحيد الربوبية فإنه و إن كان واجبا فإنه لا يكمل إلا بتوحيد الألوهية،ولكن يخطيء كثير ممن قرأت لهم وهم يتحدثون عنه في عدم اعتبارهم لتفاوته بين المسلمين و غيرهم،اوضح:
أول الواجبات عند أهل السنة الإيمان،وللدقة نقول :أول الواجبات معرفة الله،وبطبيعة الحال تكون معرفة الله أولا بالإقرار به ربا خالقا مدبرا .
كما علمنا من القرآن أن مثل هذه المعرفة فطرية ضرورية مغروسة في بني البشر فكلهم يعرف أنه لم يخلق نفسه ،ولكن هذه المعرفة لا تكفي،ولذلك كان هذا النوع من توحيد الربوبية غيركاف،فالمعرفة الفطرية تكمل بالمعرفة الشرعية لان القرآن جاء ليكمل الفطرة.
فهاهنا معرفتان:معرفة سابقة ومعرفة لاحقة،الأولى فطريةوبعضهم يقول:قد تكون كذلك نظرية،ومعرفة لاحقة او تابعة هي المعرفة الشرعية
لدى فإن توحيد الربوبية عند المسلم اكمل و أشمل من توحيد الربوبية عند مشركي العرب أو اليهود والنصارى،لان المسلم عرف من القرآن من صفات الربوبية ما لا يدرك بالفطرة،وهو كل ما يتحدث عنه القرآن و السنة من افعال الله بخلقه،و أحوال القيامة و النشر وغير ذلك.
ومنها فإن الدعوة إلى تكميل هذا التوحيد جزء من الدعوة إلى التوحيد العملي الإرادي وهو توحيد الألوهية من خلال مشهد أسماء الله الحسنى و صفاته المتعلقة بهذا التوحيد.
كما علمنا ان اعظم قصة في القرآن هي قصة موسى وفرعون وهي قصة تتمحور حول توحيد الربوبية،فهذه ملاحظ صغيرة لها إطرادات في بعض المسائل العلمية و الدعوية سأفصلها قريبا إن شاء الله عند تفصيل مسألة منزلة الإيمان عند الشيخ ربيع.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 05-31-2011, 02:54 PM
أبو أويس السليماني أبو أويس السليماني غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 2,750
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مختار طيباوي مشاهدة المشاركة
الحمد لله رب العالمين،والصلاة و السلام على سيد المرسلين،وبعد...
بارك الله في جميع إخواني ،وسخرهم لخدمة دينه بالعلم و الحلم،مما ينبغي التذكير به ،وقد أشار إليه أخي الفاضل:عمر البومرداسي ان نتصور جيدا مفهوم توحيد الربوبية فإنه و إن كان واجبا فإنه لا يكمل إلا بتوحيد الألوهية،ولكن يخطيء كثير ممن قرأت لهم وهم يتحدثون عنه في عدم اعتبارهم لتفاوته بين المسلمين و غيرهم،اوضح:
أول الواجبات عند أهل السنة الإيمان،وللدقة نقول :أول الواجبات معرفة الله،وبطبيعة الحال تكون معرفة الله أولا بالإقرار به ربا خالقا مدبرا .
كما علمنا من القرآن أن مثل هذه المعرفة فطرية ضرورية مغروسة في بني البشر فكلهم يعرف أنه لم يخلق نفسه ،ولكن هذه المعرفة لا تكفي،ولذلك كان هذا النوع من توحيد الربوبية غيركاف،فالمعرفة الفطرية تكمل بالمعرفة الشرعية لان القرآن جاء ليكمل الفطرة.
فهاهنا معرفتان:معرفة سابقة ومعرفة لاحقة،الأولى فطريةوبعضهم يقول:قد تكون كذلك نظرية،ومعرفة لاحقة او تابعة هي المعرفة الشرعية
لدى فإن توحيد الربوبية عند المسلم اكمل و أشمل من توحيد الربوبية عند مشركي العرب أو اليهود والنصارى،لان المسلم عرف من القرآن من صفات الربوبية ما لا يدرك بالفطرة،وهو كل ما يتحدث عنه القرآن و السنة من افعال الله بخلقه،و أحوال القيامة و النشر وغير ذلك.
ومنها فإن الدعوة إلى تكميل هذا التوحيد جزء من الدعوة إلى التوحيد العملي الإرادي وهو توحيد الألوهية من خلال مشهد أسماء الله الحسنى و صفاته المتعلقة بهذا التوحيد.
كما علمنا ان اعظم قصة في القرآن هي قصة موسى وفرعون وهي قصة تتمحور حول توحيد الربوبية،فهذه ملاحظ صغيرة لها إطرادات في بعض المسائل العلمية و الدعوية سأفصلها قريبا إن شاء الله عند تفصيل مسألة منزلة الإيمان عند الشيخ ربيع.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما شاء الله تفصيل -على وجازته- أشبه ما يكون بالتّأصيل لهذه المسألة الدّقيقة في بيان أهميّة توحيد الرّبوبيّة من جهة تحقيقه و إتمامه ، و أنّ الدّعاة السلفيّين مُطالبون أيضا بالدّعوة إلى هذا التّوحيد ، دون اكتفاء بقول: أنه لا يُنجي وحده أو أنه مغروز في الفطر ، أو أنّ مشركي العرب كانوا يُقرّون به ...إلخ.
مع أن كثيرا من المسلمين ممن وقع في الشّرك في هذه الأيام قد كان الخلل عنده واقعا -ابتداء -في توحيد الربوبية ، فيطلبون -مثلا- من الميّت الولد ، على أنه قادر على الإعطاء ! ، و يستخيرون أصحاب القباب و يستشيرونهم في أمور هي من الغيبيات ، و لا يقدمون على فعل شيئ حتى يُعطيهم شيخ القبة رأيه و قوله! ، كثير من آرائه تلك لا علاقة لها بالتخصّص العلمي في واقعه ، فقد يستشيره بعضهم في أمور ليس لها علاقة لا بالفقه و لا بالدين ، و لكن بأمور دنيوية ، يُستشار فيها فقط أهل الإختصاص!.
و خاصة في مثل هذا الزمان ، و الذي تعلّق أهله بالمادة ، فوجب تحقيق هذا النوع من التوحيد بين الناس ، حتى يصفو لهم توحيد الألوهية .
ملاحظة : قد كان للصوفية دورا كبير جدا في بثّ ما يُضادّ هذا التوحيد -الربوبية-.
و كذلك العنصر المادي في هذه الأزمان ، و تعلّق النّاس بالمادة ، ممّا سهّل عليهم الوقوع في كثير من المحرّمات ، و الابتعاد عن دين الله تعالى ، و الانبهار بدنيا الكفار و الفسقة ، حتى أصبح المسلم بين عشية و ضحاها يغيّر دينه و العياذ بالله ، يُصبح مسلما و يُمسي كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدّنيا .
جزاك الله خيرا فضيلة الشيخ مختار و حفظك الرحمن .
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 05-31-2011, 06:01 PM
ياسين نزال
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو أويس السليماني مشاهدة المشاركة
ما شاء الله تفصيل -على وجازته- أشبه ما يكون بالتّأصيل لهذه المسألة الدّقيقة في بيان أهميّة توحيد الرّبوبيّة من جهة تحقيقه و إتمامه ، و أنّ الدّعاة السلفيّين مُطالبون أيضا بالدّعوة إلى هذا التّوحيد ، دون اكتفاء بقول: أنه لا يُنجي وحده أو أنه مغروز في الفطر ، أو أنّ مشركي العرب كانوا يُقرّون به ...إلخ.
مع أن كثيرا من المسلمين ممن وقع في الشّرك في هذه الأيام قد كان الخلل عنده واقعا -ابتداء -في توحيد الربوبية ، فيطلبون -مثلا- من الميّت الولد ، على أنه قادر على الإعطاء ! ، و يستخيرون أصحاب القباب و يستشيرونهم في أمور هي من الغيبيات ، و لا يقدمون على فعل شيئ حتى يُعطيهم شيخ القبة رأيه و قوله! ، كثير من آرائه تلك لا علاقة لها بالتخصّص العلمي في واقعه ، فقد يستشيره بعضهم في أمور ليس لها علاقة لا بالفقه و لا بالدين ، و لكن بأمور دنيوية ، يُستشار فيها فقط أهل الإختصاص!.
و خاصة في مثل هذا الزمان ، و الذي تعلّق أهله بالمادة ، فوجب تحقيق هذا النوع من التوحيد بين الناس ، حتى يصفو لهم توحيد الألوهية .
ملاحظة : قد كان للصوفية دورا كبير جدا في بثّ ما يُضادّ هذا التوحيد -الربوبية-.
و كذلك العنصر المادي في هذه الأزمان ، و تعلّق النّاس بالمادة ، ممّا سهّل عليهم الوقوع في كثير من المحرّمات ، و الابتعاد عن دين الله تعالى ، و الانبهار بدنيا الكفار و الفسقة ، حتى أصبح المسلم بين عشية و ضحاها يغيّر دينه و العياذ بالله ، يُصبح مسلما و يُمسي كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدّنيا .
جزاك الله خيرا فضيلة الشيخ مختار و حفظك الرحمن .

بارك الله فيكم فضيلة الشيخ أبي هارون وحماكم الله.

فوائد غزيرة وعزيزة..
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 05-31-2011, 06:28 PM
أبو عبد العزيز الأثري أبو عبد العزيز الأثري غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: العراق
المشاركات: 2,568
افتراضي

جزاك الله خير شيخنا أبا هارون الجزائري
__________________
قال الله سبحانه تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

قال الشيخ ربيع بن هادي سدده الله :
( الحدادية لهم أصل خبيث وهو أنهم إذا ألصقوا بإنسان قولاً هو بريء منه ويعلن براءته منه، فإنهم يصرون على الاستمرار على رمي ذلك المظلوم بما ألصقوه به، فهم بهذا الأصل الخبيث يفوقون الخوارج )

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 05-31-2011, 07:21 PM
مختار طيباوي مختار طيباوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 182
افتراضي لماذا معرفة الله أول الواجبات؟

[الحمد لله وحده، و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده، وبعد...
يعتبر أهل الكلام أن أول الواجبات هو النظر،وقال المعتزلة بالاستدلال بناء على مذهبهم في العلم و انه متولد أي لا يكون إلا بالنظر،وتبعهم الأشاعرة فقالوا بالنظر.
بينما يعتبر أهل السنة أول الواجبات الإيمان،ولكن بعض أئمة السنة كانوا أكثر دقة فقالوا أول الواجبات: معرفة الله ،وهي المعرفة التي تكون سابقة للإيمان إذ بدونها لا يحصل الإيمان،ومن هنا قال شيخ الإسلام في (الدرء)(4/53): }: ((إن النظر واجب وجوب الوسيلة، من باب ما لا يتم الواجب إلا به، و المعرفة واجبة وجوب المقاصد، فأول واجب وجوب الوسائل هو النظر، و أول واجب وجوب المقاصد هو المعرفة))
وهنا أقول:دائما العلة الغائية أي المقاصد تسبق الوسائل في العلم وتتخلف عنها في الوجود،مثل ذلك في العبادة فهناك غاية مرادة بالعبد،وغاية مريدة من العبد،المراد به السعادة،والمراد منه عبادة الله،فالعبادة وسيلة و السعادة في الاخرة مقصد،وهكذا قس من بعض الأوجه،في كثير من المسائل،وهنا مسألة عظيمة تتعلق بمحبة الله نفسه وما تبعها من إحسان وجود على الخلق.
فأول واجب عليه النظر في الدليل الهادي لا النظر في اصطلاح المتكلمين و الدليل الهادي القرآن و السنة، وهذا واجب وجوب الوسائل الذي يقود إلى الواجب وجوب المقاصد وهو معرفة الله.
فأول واجب على العباد بإطلاق هو الإيمان بالله و برسوله وهو لا يتم إلا بمعرفة تسبقه سواء كانت ضرورية أو نظرية.
معرفة الله فطرية، و أن وجوده لا يحتاج إلى دليل لأنه من المعارف الضرورية، ولكنه في الوقت نفسه يبيّن أن المعرفة الفطرية غير كافية بحيث يستوي فيها المؤمن و الكافر، و يجب النظر في المعرفة الشرعية التي جاءت لتكمل المعرفة الفطرية.
والمعرفة و العلم تسبق العمل ضرورة، و بالتالي أصبحت معرفة الله مقدمة على الإيمان.
قال ابن تيمية :قال أبو محمد عبد الله بن أحمد الخليدي : في كتابه( شرح اعتقاد أهل السنة ) لأبي علي الحسين بن أحمد الطبري ،قال في معرفة الله هي أول الفرض الذي لا يسع المسلم جهله.
وقال شيخ الإسلام الأنصاري في أول( اعتقاد أهل السنة ، وما وقع عليه إجماع أهل الحق من الأمة) : (( أول ما يجب على العبد معرفة الله لحديث معاذ رضي الله عنه الذي رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له: (( إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله ، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله افترض عليهم )) واللفظ للإمام مسلم.
ولهذا كانت طائفة من الأئمة المصنفين للسنن على الأبواب إذا جمعوا فيها أصناف العلم ابتدؤها بأصل العلم والإيمان ، كما ابتدأ البخاري ( صحيحه) ببدء الوحي ونزوله ، فأخبر عن صفة نزول العلم والإيمان على الرسول أولا ثم اتبعه بكتاب ( الإيمان) الذي هو الإقرار بما جاء به ، ثم بكتاب العلم الذي هو معرفة ما جاء فرتبه الترتيب الحقيقي.
وكذلك الإمام الدارمي صاحب ( السنن) ابتدأ كتابه بدلائل النبوة.
ومما نقله ابن تيمية عن بعض الشيوخ قوله:
أما معرفة الوحدانية فهي معرفة الصانع القديم المخترع لأعيان الأشياء، والمتمم تصويره لها على غير مثال، ولا بد لكل مخترع أن يعرف المنعم عليه بالإخراج من العدم إلى الوجود، وهي غير مكتسبة، لأنها تعم من يصح منه الكسب ،ومن لا يصح منه، وهي ضرورة لا اختيار فيها، كما لا كسب فيها، ولا يتوصل إليها بالأسباب.
دليل ذلك قوله سبحانه وتعالى : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } يعني : وما من شيء إلا يسبح قال ابن عباس : حتى النبات الذي خلقه يسبح بحمده.
وقال عكرمة : لا يسبن أحدكم ثوبه ولا دابته فما من شيء إلا يسبح بحمده، وروي أن صرير الباب بالتسبيح.
وقال سبحانه : { يا جبال أوبي معه والطير } وقد روي : سبحي.
وقال سبحانه : { أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون } يعني : صاغرون.
وقال سبحانه : { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب } الآية
وقوله سبحانه : { سبح لله ما في السماوات والأرض } وسبح إخبار عن ماض وآت، وإعلام لنا أن كل شيء يسبح بحمده، ويسجد لعظمته، ويعترف بألوهيته ووحدانيته، ولا يجوز أن تسجد الأشياء وتسبح لمجهول.
وكذلك اعترافها بفضائل رسله، وما استفاض من مخاطبات الجمادات له صلى الله عليه وسلم، وسلامها عليه، وحنينها إليه، ومخاطبة الأنعام والوحوش والطير والصغار في المهود وغير ذلك.
... وهذا ظاهر جلي، ينفي وجود هذه المعرفة بالوسائط، لأنها حق له عز وجل، ينفي عن نفسه ما شمل سائر البرية من المعلوم والمجهول لأنه سبحانه خلق الأشياء مجهولة، ثم جلاها بالأسماء، فعرفت من بعد جهلها، وذلك دليل الحدث فعز عن أن يكون كالحوادث التي عرفت بغيرها.
وقال بعض الحكماء كلمات لا سبيل إلى نقضها : وهو أن (( كل معروف بغير نفسه مجهول، وكل تام بغيره معلول))
ولقد أحسن فيما قال وأصاب إذ معرفته بغيره شهادة قاطعة على وجود علة المجهول فيه، الذي ارتفعت عنه تغيره الذي لولاه لم يعرف، فصارت معرفته بغيره صارخة بفقره إلى من ارتفعت عنه علة المجهول، والغير علة، والعلة لا تصحب إلا معلولا.
قال ابن تيمية : وقد قرر كلامه صاحبنا الشيخ أبو العباس الواسطي فقال : ( المعنى : أنه لولا وجود زيد ما عرف عمرو، وبوجود زيد زالت الجهالة عن عمرو، فصار زيد مفتقرا إلى وجود عمرو، واسمه لزوال الجهالة عنه به وباسمه.
والمعنى : أن المخلوق مفتقر إلى علة يعرف بها، بخلاف الواحد الذي لا نظير له، ولا هو مفتقر إلى علة يعرف به، ويقوم بها، بل العباد مفترقون إليه وإلى معرفته ).
قال : وهذا إشارة إلى المعرفة الفطرية، فإنه سبحانه لم يعرف فيها بغيره، بل كان هو المعروف بها بنفسه إلى خلقه ).
قال الشيخ أبو محمد بن عبد البصري : ( فعز ربنا أن يقوم بالعلل، فيصير دليلا بعد ما كان مدلولا ) هكذا رأيته في الكتاب وإنما أراد : ( فيصير مدلولا بعد ما كان دليلا )
ثم دخلوا في تفصيل أنواع المعرفة و أنها خمسة أنواع في بحث دقيق طويل قد أنزله مشروحا مختصرا عندما يسمح وقتي ـ إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 05-31-2011, 09:33 PM
مختار طيباوي مختار طيباوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 182
افتراضي الخطا في الاستشكال جر بقية الأخطاء

الحمد لله رب العالمين،و الصلاة والسلام على سيد المرسلين،وبعد...
قد اجبت في آخر تعليق بناء على ان استشكالك هو من قال من اهل السنة ان اول الواجبات:معرفة الله،فاجبتك بحسبه.
أما وقد بينت في هذا التعليق انك فهمت من كلامي انني اقول:"وبطبيعة الحال تكون معرفة الله أولا بالإقرار بالله ربا مدبرا"انني اعتبر هذا أول الواجبات،فهذا استشكال خاطيء للسبب التالي:
1 ـ كنت بصدد بيان حقيقة توحيد الربوبية و انه لا يكون بالمعرفة الفطرية "الضرورية"فقط،فهذه معرفة مغروسة في الفطر ،وقد تكون بالضرورة و بالنظر،ولكنها في الناس مشتركة بالضرورة أي الفطرة،لكنها معرفةناقصة لانها معرفة فطرة تكملها المعرفة الشرعية التي تاتي بالنظر في الكتاب و السنة،وهنا تصيرالمعرفة بهذا التوحيد كاملة بخلاف ما هي عليه عند غير المسلمين.
2 ـ هذه المعرفة التي نستمدها من الفطرة و النظر هي معرفة سابقة ،و المعرفة الثانية لاحقة تعقب النظر في الدليل الهادي:الكتاب و السنة.
ومن هنا فانا لم اقول بان هذه المعرفة السابقة هي أول الواجبات،لانني بينت قبلها بكلام ابن تيمية أن النظر"معرفة سابقة" يجب اولا وجوب الوسائل،ومعرفة الله "المعرفة الكاملة التي تجمع بين الضرورية الفطرية التظرية والمعرفة الشرعية"تجب وجوب المقاصد.
3 ـ وفي تعليقي الاخير بينت أن المقاصد تسبق الوسائل في العلم تتاخر عنها في الوجود.
وعليه، لم اقل هذا ابدا،ولعله سوء فهم،ومعرفة الله ليست هي توحيد العبادة وحده،لان توحيد العبادة قصدي إرادي و ليس علمي،ولكن التوحيد الكامل هو توحيد العبادة لانه يكمل توحيد الربوبية.
4 ـفإن قصدت الواجب في المقاصد فهو توحيد العبادة المتضمن للمعرفتين :السابقة و اللاحقة :الفطرية و الشرعية.
و إن اردت الواجب في الوسائل فهو النظر في المعرفة السابقة و اللاحقة ،هدا هو القصد مختصرا،فارجو انه اتضح لك و إلا فانتظر تفصيلا أكثر من هذا،والله اعلم.
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 06-01-2011, 04:11 PM
عمربن محمد بدير عمربن محمد بدير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: الجزائر
المشاركات: 12,046
Lightbulb

جزى الله إخواننا،طلبة العلم خيرا على هذه الإفـادات الرائقة ،ولعلّي أزيد الموضوع انفتاحـا :
ـ فموضوع تعريف النّاس بربهم في جانب ربوبية الله وأسمائه وصفاته ،مسألة عظيمة كما قرره أئمتنا رحمهم الله تعالى :
ـ ولربما يقول أحدهم ،إن توحيد الربوبية مركوز في الفِطَر ،فيقال أيضا وتوحيد الألوهية كذلك ،إنما يحصل اللبس فيه كثيرا ويقل اللبس في توحيد الربوبية ،إذ نادرا ما يتعرض للتنقيص من ربوبية الله عزّ وجل ..
وبالتالي :
فإن دعوة الأنبياء عليهم السلام جميعا ـ إلى توحيد الله ـ التوحيد العام ـ ربوبيته وألوهيته وأسماءه وصفاته ـ كما قرره شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله ..
ومنهج الرسل في تقرير التوحيد هو استنهاض الفطرة وتحريكها ،لإلزامهم بالاقرار بتوحيد الألوهية ..
فينبغي الاعتناء بهذا الأصل ،ألا وهو تعريف الناس بخالقهم ،خاصة في هذه الأزمان المتأخرة التي قل الكلام فيها عن التوحيد والاشتغال بالطرق الكلامية المنفرة ..
قال الشيخ صالح آل الشيخ :
والإيمان بتوحيد الربوبية ونَفْيِ الشَّرِكَةْ في الربوبية على درجتين:
أ - الدرجة الأولى: واجبة على كل مُكَلَّف، ومن لم يأتِ بها فليس بموحّد، بل هو مشرك، وهو ما ذكرنا من الاعتقاد بأنَّ الله واحدٌ في ربوبيته؛ في أفعاله سبحانه، فهو الخالق وحده، وهو الرزّاق وحده، وهو المحيي المميت وحده، وهو النافع الضار وحده - عز وجل -، وهو مُدَبِّرُ الأمور وحده، وهو خالق الخَلق وحده، إلى آخر أفراد ذلك، وهذه واجبة على كل أحد.
ب - الدرجة الثانية: وهي مرتبةٌ للخاصة وأهل العلم وهي شهود آثار الربوبية في خَلْق الله - عز وجل -، وهذه بحيث لا يَرَى غير الله - عز وجل - مُؤَثِراً في هذا الملكوت، ولو كان تأثير معلولات عن عِلَلْ، أو تأثير مُسَبَّبَاتْ عن أسباب، فإنّه يَرَى أنْ لا مؤثر في الحقيقة ولا خالق إلا الله - عز وجل -، وينظر لذلك في الملكوت متفكراً، متدبراً.اهـ
ـــــ
فالرسل دعت إلى جميع أنواع التوحيد :
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
[الدرء:8/124]:
<<ثم دعاهم عليه السلام إلى معرفة الله عز وجل وإلى طاعته فيما كلف تبليغه إليهم بقوله تعالى : { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } [ التغابن : 12 ] وعرفهم أمر الله بإبلاغه ذلك وما ضمنه له من عصمته منهم بقوله تعالى : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } [ المائدة : 67 ] فعصمه الله منهم مع كثرتهم وشدة بأسهم وما كانوا عليه من شدة عنادهم وعداوتهم له حتى بلغ رسالة ربه إليهم مع كثرتهم ووحدته وتبري أهله منه ومعاداة عشيرته وقصد الجميع المخالفين له حين سفه آراءهم فيما كانوا عليه من تعظيم أصنامهم وعبادة النيران وتعظيم الكواكب وإنكار الربوبية وغير ذلك مما كانوا عليه حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة وأوضح الحجة في فساد جميع ما نهاهم مما كانوا عليه ودلهم على صحة جميع ما دعاهم إلى اعتقاده وفعله بحجج الله وبيناته وأنه عليه السلام - لم يؤخر عنهم بيان شيء مما دعاهم إليه عن وقت تكليفهم فعله لما يوجبه تأخير ذلك عنهم من سقوط تكليفه لهم وأنه جوز فريق من أهل العلم تأخير البيان فيما أجمله الله من الأحكام قبل لزوم فعله لهم فأما تأخير ذلك عن وقت فعله فغير جائز عن كافتهم..

ـ فجزى الله إخواننا خيرا على هذه النفائس والدرر ..
وبخاصة الشيخ الطيباوي ،والأستاذ عمر الكرخي

__________________
قال ابن تيمية:"و أما قول القائل ؛إنه يجب على [العامة] تقليد فلان أو فلان'فهذا لا يقوله [مسلم]#الفتاوى22_/249
قال شيخ الإسلام في أمراض القلوب وشفاؤها (ص: 21) :
(وَالْمَقْصُود أَن الْحَسَد مرض من أمراض النَّفس وَهُوَ مرض غَالب فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَد من حسد لَكِن اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه).
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 06-02-2011, 01:14 PM
مختار طيباوي مختار طيباوي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 182
افتراضي و إن لم أكن شيخا لكم.....فما أنا إلا مثلكم....

الحمد لله رب العالمين،و الصلاة والسلام على سيد المرسلين،وبعد...
الشيخ شاء أم أبى يعتقد نفسه وصل،فإن غلبها مرة غلبته مرات،ولكن طلبة العلم هم من يستخرج من الشيخ أفضل ما عنده،وهم من يدفعه لمزيد من التعلم و التحرير،من خلال مشاركتهم ،و تعقيباتهم،و إلا نام إذا ناموا،بارك الله في الجميع.
تفصيل مسألة أول الواجبات


بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وحده، و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده، وبعد...
الكلام على المسائل العلمية الكبيرة تفريعا يحتاج إلى كمال تصورها، و الإحاطة بجميع مسالكها،وبدون ذلك يكون النقل عن الأئمة مربكا للفهم، و يزيدها تعقيدا لأن ما ننقله من كلامهم قد يكون من تفريعات المسألة أي من الاستطراد ،وهي ترتبط فيما بينها ارتباطا يختلف قوة وضعفا بحسب القدر المشترك بينها.
ولهذا لا يكون النقل مفيدا في تجليتها حتى نعرف أنه يدل على المطلوب، لا على بعضه.
ولهذا سأتكلم عن هذه المسألة ومسالكها بالمقدمات المكونة لها بحسب درجة تعلقها بها، و أبدا بطرح سؤال، ثم الكلام على هذه المقدمات حتى إذا فرغت منها أجبت عن السؤال لأنه حينئذ نكون قد تصورنا مختلف المقدمات.
ولكن قبل ذلك ننظر في استشكال الأخ الفاضل الكرخي، ووجه التناقض بين كلامه و كلامي، و سببه، وما ينبني عليه كتوطئة بين يدي الموضوع.
صورة الاستشكال وبيان وجه الخطأ فيه:
ظن أخونا الكرخي أني جعلت الإقرار بالله خالقا مدبرا هو أول الواجبات؟!
فأقول: إذا كان توحيد الربوبية هو الإقرار بالله خالقا مدبرا، وهو ضروري فطري أي: مغروس في النفس، لا كسب للإنسان فيه من هذه الجهة، مشترك بين المؤمن و الكافر، فكيف أجعله أول الواجبات؟!
فهذا كأنني أجعل التنفس أو ضربات القلب واجبة على الناس، يكلفون بها!
الذي قلته : (( بينما يعتبر أهل السنة أول الواجبات الإيمان،ولكن بعض أئمة السنة كانوا أكثر دقة فقالوا أول الواجبات: معرفة الله ،وهي المعرفة التي تكون سابقة للإيمان إذ بدونها لا يحصل الإيمان،ومن هنا قال شيخ الإسلام في (الدرء)(4/53): }: ((إن النظر واجب وجوب الوسيلة، من باب ما لا يتم الواجب إلا به، و المعرفة واجبة وجوب المقاصد، فأول واجب وجوب الوسائل هو النظر، و أول واجب وجوب المقاصد هو المعرفة))
فهنا أبيّن أولا أن أهل السنة يعتبرون أول الواجبات:الإيمان، وبعضهم كانوا أكثر دقة فقالوا: معرفة الله.
فسأبيّن هل يوجد فرق بين قولنا: الإيمان، و قولنا: معرفة الله عند أهل السنة،ومن أي جهة حتى تتبيّن المقاصد؟
وهل يوجد بينهما تقديم وتأخير؟
وما معنى المعرفة سابقة للإيمان ،هل ذلك في الوجود أم في المطالبة؟
كما سأبيّن أنواع المعرفة ، المقصودة عند أهل السنة، وغير المقصودة، ، وأنواع النظر، وأنواع الإيمان ، و أيّها له تعلق بأول الواجبات .
كذلك مما قلته في التعليق المنتقد عليه : ((فأول واجب على العباد بإطلاق هو الإيمان بالله و برسوله وهو لا يتم إلا بمعرفة تسبقه سواء كانت ضرورية أو نظرية.))
فلمَ قلت: بإطلاق، فهل هناك بتقييد؟
وما المقصود من قولي : ((سواء كانت ضرورية أو نظرية ))
كما قلت: ((أن المعرفة الفطرية غير كافية لأنه يستوي فيها المؤمن و الكافر، ويجب النظر في المعرفة الشرعية))
فما معنى ذلك؟ ، وكيف يكون؟
فأظن هذا سبب الالتباس،ومن هنا انطلق الأخ الفاضل في بيان وجه الخطأ في هذا القول، ولم يخطئ في كلامه،ولكنه كان في غير محل، غير دقيق التفاصيل.
ولأن هذه المسألة لها أبواب عديدة، وتطبيقات مختلفة، يتوقف الفهم الشامل لها على الباب الذي تدخل منه.
على أنه يجب أن نقول: إن المسائل التي فيها حق وباطل،أو تعدد أوجه،الكلام فيها بالعموم يقتضي مثل هذا اللبس.
فهذا مما على الكاتب السعي لاجتنابه، ولو أن الكتابة المستوفية تختلف عن التعليقات التي يحكم عليها سياق و اتجاه الموضوع.
بين يدي الموضوع:
هل يوجد تضارب بين قولنا: أول الواجبات الإيمان، أو قولنا: معرفة الله، أو قولنا:الشهادتان ؟!
فأن نقول: أول الواجبات الإيمان أو معرفة الله فلا تعارض بينهما، وكلاهما صحيح لأن من قال:المعرفة، فيقصد المعرفة الشرعية وهي متضمنة أصلا في الشهادتين، فبدونها لا يكون إيمان واجب، ولا أصل إيمان أي: الشهادتان..
ومعلوم أن الإيمان يتركب من أصل وفرع، أصل الإيمان، و تتضمنه الشهادتان وهو في حقيقته عبارة عن معرفة، وتصديق، وما يلزمهما من محبة وتعظيم ،نسميه "الاعتقاد"، و إقرار باللسان، ثم فرع ،وهو العمل.
ولهذا كان قولهم:أول الواجبات المعرفة إذا فهمنا أنهم يقصدون الشرعية أي المستقاة من الوحي، و المتضمنة في الشهادتين، ومَن يقصدون: المسلم أم غير المسلم؟
و إذا فهمنا أن هذه المعرفة مكملة، و تأتي لاحقة أي بعد المعرفة الفطرية، السابقة عليها وجودا، الناقصة عنها علما وكمالا.
يوضحه:
أننا لا يجب أن نطلب من الناس إلا ما طلب الله منهم ،وهو أن آمنوا بربكم،ولكن هذا مجمل لأن الإيمان أنواع،ولم يطلب الله منا بعض أنواعه ابتداء، فنقول: المطلوب منه ما تقوم به الشهادتان.
فيقال : وما معنى الشهادتان؟
فنقول: أن تشهد أن لا إله إلا الله، و أن محمدا رسول الله .
فيقال: وما معنى ذلك؟
فنذكر ما تتحقق به الشهادتان، وما يلزم عنها إنشاءً من عمل واجب كالصلاة و الصوم و الزكاة و الحج، و فروع أخرى للإيمان كالإيمان بالملائكة، والكتب المنزلة، والرسل، و القدر، و اليوم الآخر.
وما يلزم عنها اجتنابا ،أي ما يناقضها، و يبطلها.
و هذا الشرح للشهادتين،هو المعرفة الشرعية، أو جزء من المعرفة الشرعية ، ولذلك قال العلماء: إنها متضمنة في الشهادتين.
فالشهادتان هي أول الواجبات على من يريد الدخول في الإسلام، ولا يمكن أن يعرفها بحقوقها و نواقضها إلا من خلال المعرفة الشرعية.
وهنا يجب أن ننتبه لهذا: من قال من أهل السنة :أول الواجبات :معرفة الله المعرفة الشرعية فليس يعني أن من يريد الدخول في الإسلام نقول له: اذهب و اعرف الله!
أو قل: أعرف الله!
نعم، يجب أن تكون هذه المعرفة في قلبه،لأن حقيقة الإيمان هو معرفة القلب التي يلازمها التصديق.
ولكن هذا لا يكون به مؤمنا( أي مسلما) حتى تستلزم المحبة و التعظيم.
وهذا كذلك لا يكون به مؤمنا حتى يأتي الإقرار، فبالإقرار يعلن إسلامه، وبه نحكم عليه أنه مسلم.
ولا يقول عاقل: الإقرار يسبق معرفة القلب الملازم لها التصديق وجودا!
و الإقرار يطالب به من يريد دخول الإسلام، لأن الشريعة أوجبته، مع أن المقر بلسانه قد يكون كافرا بقلبه، ذلك أنه به يحصل التفريق بين المسلم وغيره، وعليه تجري الأحكام الشرعية.
فهذا وجه التدقيق في المسألة.
و عليه، فسواء قلنا: أول الواجبات الإيمان، أو الشهادتان، أو معرفة الله (الشرعية) فهي نفس الشيء دلالة ، تختلف من حيث الدقة و الوسيلة،و إن كان اللفظ الذي يدخل به العبد في الإسلام هو الشهادتان.
فالكلام باعتبار المقاصد و الوسائل، و باعتبار الشيء في نفسه، و باعتبار تعلقه بغيره، و باعتبار المخاطب إن كان مسلما أو غير مسلم.
وهنا ملاحظة دقيقة: فمن جعل المطلوب ممن يريد الدخول في الإسلام هو المعرفة فعبارته غير دقيقة، ولا موافقة للمطلوب في الشرع، لان الشرع يطالبه بالنطق بالشهادتين.
وإن أراد أن المعرفة الشرعية لازمة للشهادتين تحقيقا و نقضا فهو مصيب، وهذا حق، و إلا صارت الشهادتان كلاما بدون معنى شرعي.
وهذه المسألة أول الواجبات لا علاقة لها بالخطأ في تصور توحيد الربوبية ،و إنما ذكرت استطرادا لفهم معنى المعرفة الفطرية و الشرعية .
ومن هنا، ولهذه الأسباب، ومن أجلها لم يكن الإيمان الذي يدعو إليه الإخوان مجرد توحيد الربوبية فقط،بل معه كثير من توحيد العبادة، ولكنه ناقص عن الإيمان الذي يدعو إليه السلفيون.
فوجه الاتفاق أو القدر المشترك بين الإخوان و أهل الكتاب في هذا الباب أصول توحيد الربوبية أي جانبه الفطري الضروري.
و القدر المميز بينهم شيئان:
1 ـ ما تكمله المعرفة الشرعية منه، ولا يوجد عند أهل الكتاب، من أسماء وصفات تتعلق به (أفعال الرب بخلقه)و أخبار في الرزق و التدبير و القدر و الموت و البعث و النشور وغيرها، مما يكمل به هذا التوحيد، وهي عند المسلمين أكمل.
2 ـ ما عند الإخوان من توحيد العبادة و إن كان ناقصا عن توحيد العبادة عند السلفيين للمسائل الخلافية فيه التي سأوضحها.
ومن هنا كان انتقاد الشيخ ربيع عليهم ناقصا ،مخالفا للحق و الحقيقة في هذا الشطر من انتقاده،و إن ينم هذا عن شيء فإنما ينم عن نقص في تصور هذه المسألة الجليلة.
و النتيجة: الشيخ ربيع ينتقد بما لم يتصوره جيدا، و سأحشد مسائل أخرى مثلها ليعلموا أن انتقاده لغيره ليس دقيقا لا في قواعد الجرح، ولا في قواعد أصول الدين.
سؤال المسألة التعليمي:
هل أول الواجبات سواء قلنا:الإيمان، أو المعرفة، أو النظر، هو بالنسبة للمسلم الذي نطق بالشهادتين، أم لغير المسلم الذي يريد الدخول في الإسلام، أم لغير المسلم الآخر؟
و السؤال أتي بهذه الصيغة لأنه لا يوجد في الدنيا إلا مسلم أو كافر.
و لأنه إذا نطق المسلم بالشهادتين مصدقا بها، معتقدا لها، فما هو أول واجب عليه ؟
هل هو الإيمان أم المعرفة الشرعية، أو إن شئت قلت: هل هو الإيمان أم القرآن؟
فإن قلنا: الإيمان، فعن أي إيمان نتحدث؟ وقد أتى بأصله، ولا ينقصه إلا العمل حتى يكتمل إيمانه أي : يصير واجبا.
و إن قلنا:القرآن، فهذا يعني الوحي،أي: المعرفة الشرعية.
ومعلوم أن توحيد العبادة هو من المعرفة الشرعية، لا الفطرية الضرورية أي:أنها تستوجبه، و تدل عليه، و تفصّله المعرفة الشرعية.
أما غير المسلم فعليه أولا النطق بالشهادتين مصدقا بها، معتقدا لها، وهذه ليست هي الإيمان الواجب، ولكنها أصل الإيمان.
فالداخلون في الإسلام يتفاضل علمهم بمقتضى الشهادتين، ويلزمهم أولا العلم بهذا المقتضى، كما تلزمهم بقية مسائل الإيمان، التي لا يكون الرجل بدونها مؤمنا، وهي ما تضمنه حديث جبريل.
أما من جهة الإسلام فيجب عليه أولا بعد الشهادتين: الصلاة، فهي أول واجب عملي.
ولكن هنا توجد مسألة خلافية بين من يعتبر الإسلام إسلامين: إسلام الكلمة و الإسلام الواجب( المتضمن الأركان).
ومن يعتبر الإسلام و الإيمان شيئا واحدا.
ومن يعتبر الإسلام الكلمة فقط، و إن أدخل الإسلام في الإيمان، وجعل الأعمال من الإيمان.
قال ابن تيمية في {المجموع}{258/7}: (( فلهذا قال الزهري: الإسلام الكلمة، وعلى ذلك وافقه أحمد و غيره، وحين وافقه لم يرد أن الإسلام الواجب هو الكلمة وحدها، فإن الزهري أجل من أن يخفى عليه ذلك، ولهذا أحمد لم يجب بهذا في جوابه الثاني خوفا من أن يظن أن الإسلام ليس هو إلا الكلمة)).
قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى)(7/375): ((والمقصود هنا : أن هنا قولين متطرفين : قول من يقول : الإسلام مجرد الكلمة والأعمال الظاهرة ليست داخلة في مسمى الإسلام وقول من يقول : مسمى الإسلام والإيمان واحد[ يقصد بعض أهل السنة] ؛ وكلاهما قول ضعيف مخالف لحديث جبريل وسائر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم . ولهذا لما نصر محمد بن نصر المروزي القول الثاني : لم يكن معه حجة على صحته)).
ثم قال(7/377) : ((قال محمد بن نصر : فمن زعم أن الإسلام هو الإقرار، وأن العمل ليس منه فقد خالف الكتاب والسنة.
وهذا صحيح ؛ فإن النصوص كلها تدل على أن الأعمال من الإسلام .
قال : ولا فرق بينه وبين المرجئة إذ زعمت أن الإيمان إقرار بلا عمل.
فيقال : بل بينهما فرق، وذلك أن هؤلاء الذين قالوه من أهل السنة كالزهري ومن وافقه [ يقصد مالك و الشافعي و سفيان الثوري ممن لا يكفر بترك الفرائض] يقولون : الأعمال داخلة في الإيمان، والإسلام عندهم جزء من الإيمان، والإيمان عندهم أكمل، وهذا موافق للكتاب والسنة.
ويقولون : الناس يتفاضلون في الإيمان، وهذا موافق للكتاب والسنة.
والمرجئة يقولون: الإيمان بعض الإسلام، والإسلام أفضل : ويقولون إيمان الناس متساو، فإيمان الصحابة وأفجر الناس سواء ،ويقولون : لا يكون مع أحد بعض الإيمان دون بعض، وهذا مخالف للكتاب والسنة))
و السؤال: ماذا تمثل الشهادة في الإيمان الواجب؟
و الجواب: تمثل أصل الإسلام الذي يكون به الرجل مسلما حكما أو حقا بحسب الاختلاف المذكور سابقا، و الذي ليس هذا موضع تفصيله.
لكن مم يتكون هذا النوع من الإيمان، المسمى: أصل الإيمان؟
الجواب: يتكون أولا من المعرفة، وما تستلزمه من خشية، ومحبة، و تعظيم ، ومن تصديق، وهذا كله يتفاضل فيه الناس ،فنفس المعرفة تختلف بالإجمال و التفصيل،و القوة و الضعف،و الحضور و الغفلة.
ثم الإقرار باللسان ، فسبقت المعرفةُ التصديق و الإقرار،قال ابن تيمية في (المجموع)()7/377 : ((فإن الإيمان أصله معرفة القلب، وتصديقه وقوله ؛ والعمل تابع لهذا العلم، والتصديق ملازم له، ولا يكون العبد مؤمنا إلا بهما.))
وهنا البحث مع من اقتصر في تعريف الإيمان على المعرفة فقط ،وهم الجهمية.
قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى)(7/538) نقلا عن الأشعري: ((اختلف المرجئة في الإيمان ما هو ؟ وهم " اثنتا عشرة فرقة " . " الفرقة الأولى " منهم : يزعمون أن الإيمان بالله هو المعرفة بالله وبرسوله وبجميع ما جاء من عند الله فقط وأن ما سوى المعرفة من الإقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة لله ولرسوله والتعظيم لهما والخوف والعمل بالجوارح فليس بإيمان وزعموا أن الكفر بالله هو الجهل به، وهذا قول يحكى عن الجهم بن صفوان قال : وزعمت الجهمية أن الإنسان إذا أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه أنه لا يكفر بجحده، وأن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل أهله فيه، وأن الإيمان والكفر لا يكونان إلا في القلب دون الجوارح))
المقدمة الثانية:
ما هي هذه المعرفة، وما طبيعتها،و أنواعها؟
أولا: الإشكال في المعرفة:
المعرفة التي يتكلم عنها أهل العلم في أول الواجبات ثلاثة أنواع أصلية، ونوعان فرعيان:
1 ـ المعرفة الفطرية الضرورية، وهذا خطا عند بعض المتكلمين.
2 ـ المعرفة بالله الخاصة، وهي التي يقصدها الصوفية، وهي في الحقيقة أعظم الواجبات، لا أول الواجبات.
3 ـ المعرفة الشرعية، أي المعرفة بالله الشرعية، وهي التي تتضمنها الشهادتان.
أما الفرعية فقد يقصدون بالمعرفة النظر.
وقد يقصدون بالمعرفة:المعرفة التي تعقب النظر، أو التجرد كما عند الصوفية.
فإن قلنا: أول الواجبات الإيمان فنقصد الشهادتين، و إن قلنا المعرفة الشرعية قصدنا في هذا الباب المعرفة الشرعية بالشهادتين.
قال ابن تيمية في ( الاستقامة)(141/1): ((ثم قال أبو القاسم ـ رحمه الله ـ سمعت أبا حاتم يقول: سمعت أبا نصر السراج ـ رحمه الله ـ يقول: سئل رويم عن أول فرض افترضه الله على خلقه ما هو؟
قال: المعرفة، يقول الله عز و جل:{ و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[ سورة الذاريات] قال ابن عباس: ليعرفون.
قلت: هذا الكلام صحيح، فإن أول ما أوجبه الله على لسان رسوله هو الإقرار بالشهادتين، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن (( إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله)) أخرجاه في الصحيحين.
قلت [ الطيباوي]: فقد أقره شيخ الإسلام على صحة كلامه، وبيّن أن المعرفة هنا هي الإقرار بالشهادتين .
نتابع كلام ابن تيمية : (( و كذلك قال المشايخ المعتمدون مثل الشيخ عبد القادر و غيره و الإقرار بالشهادتين يتضمن المعرفة.
لكن ذهب طائفة من أهل الكلام و ممن اتبعهم من الفقهاء والصوفية إلى أنه يجب على العبد المعرفة أولا قبل وجوب الشهادتين.
ومنهم من قال: يجب على العبد النظر قبل المعرفة.
ومنهم من قال: يجب القصد إلى النظر، ومن غالبيتهم من أوجب الشك، وقد بسطنا القول في هذه المسألة في غير هذا الموضع
فهذا القول يوافق هؤلاء، لكن في صحة الحكاية بهذا اللفظ عن رويم نظر فإن رويما من أهل العلم والمعرفة، وما ذكره من الحجة لا يدل على هذا الجواب فليس في قوله إلا ليعبدون ما يدل على أن المعرفة أول الواجبات سواء فسر يعبدون بيعرفون أو فسر بغير ذلك فإن خلقهم لشئ لا يدل على أنه أول واجب إن لم يبين ذلك بشئ آخر.
وأما التفسير المذكور عن ابن عباس فالذين ذكروه عنه جعلوا هذه المعرفة هي المعرفة الفطرية التي يقربها المؤمن والكافر، ومقصودهم بذلك أن جميع الإنس والجن قد وجد منهم ما خلقوه له من العبادة التي هي مجرد الإقرار الفطري وجعلوا ذلك فرارا من احتجاج القدرية بهذه الآية
ولا ريب أن هذا ضعيف ليس المراد أن الله خلقهم لمجرد الإقرار الفطري، وقد تكلمنا على الآية في غير هذا الموضع
ولعل السائل سأله عن أعظم واجب فقال: المعرفة لقوله إلا ليعبدون أي يعرفون واعتقد رويم أن هذه المعرفة هي المعرفة التي يشير إليها مشايخ الطريق وهي معرفة الخواص، فيكون جوابه عن أعظم واجب، لا عن أول واجب فهذا كما ترى))
قلت: فالإشكال هنا هو أن المعرفة "الشرعية" و إن كانت متضمنة في الشهادتين،فإن الإنسان الكافر يدخل في الإسلام بالشهادتين، ولا نقول: يدخل فيه بالمعرفة.
فهذا من حيث النطق، ولذلك قال شيخ الإسلام في هذا النقل : "و الإقرار بالشهادتين يتضمن المعرفة" ، و إلا فمعرفة الشهادتين تسبق النطق بهما ، وهذا واضح بيّن، فلا ينطق الإنسان بما لا يعرف معناه إلا إن كان مجنونا أو جاهلا.
إذا المسألة برمتها: من أين تنظر للشهادتين؟
من حيث الشهادتين، و ما تقتضيه و تعنيه في نفسها، وما يتعلق بها في نفس العبد.
أو من حيث شرط الدخول في الإسلام، وكيف يعلن عما في قلبه، هذا هو الفارق الدقيق بين قولنا: الشهادتان، وقولنا: المعرفة الشرعية.
فإذا أطلقنا التعبير بالشهادتين فأنهما تتضمنان المعرفة، و إذا أطلقنا التعبير بالمعرفة الشرعية فإنها تحتاج للإقرار.
قال في (الدرء)(4/52): ((ذهب كثير من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية ومن وافقهم من الطوائف من أصحاب أحمد و مالك و الشافعي و أبي حنيفة وغيرهم إلى أنها لا تحصل إلا بالنظر، وهؤلاء يقولون في أول واجب على العبد : هل هو النظر، والاستدلال المؤدي إلى معرفة الله أو المعرفة ؟
وقد تنازعوا في ذلك على قولين ذكرهما هؤلاء الطوائف من أصحاب أحمد وغيرهم.
والنزاع لفظي فإن النظر واجب وجوب الوسيلة، من باب ما لا يتم الواجب إلا به والمعرفة واجبة وجوب المقاصد، فأول واجب وجوب الوسائل هو النظر، وأول واجب وجوب المقاصد هو المعرفة.
ومن هؤلاء من يقول : أول واجب هو القصد إلى النظر، وهو أيضا نزاع لفظي فإن العمل الاختياري مطلقا مشروط بالإرادة ،وحكى عن أبي هاشم أنه قال : أول الواجبات الشك.
وقال كثير من أهل الكلام والصوفية والشيعة وغيرهم : إن المعرفة يبتديها الله اختراعا في قلوب العقلاء البالغين من غير سبب يتقدم، وغير نظر وبحث، وأنها تقع ضرورة، ويذكر ذلك عن صالح قبة، و فضل الرقاشي وغيرهما.
وعن الجاحظ أنه قال : معرفة الله ضرورية، وأنها تقع في طباع نامية عقب النظر والاستدلال، وأن العبد غير مأمون بها ،ويذكر نحو ذلك عن ثمامة بن أشرس.
وذكروا عن الجهم أنه قال : معرفة الله واقعة باختيار الله لا باختيار العبد، لأن العبد لا يفعل شيئا.
وقال جمهور طوائف المسلمين : يمكن أن تقع ضرورة ،ويمكن أن تقع بالنظر، بل قال كثير من هؤلاء : إنها تقع بهذا تارة، وبهذا تارة، فالذين جوزوا وقوعها ضرورة هم عامة أهل السنة، وسائر المثبتين للقدر كالأشعري وغيره
وتنازع نظارهم : هل ذلك بطريق خرق العادة أو هو معتاد ؟
على قولين ،ومن هؤلاء القائلين بأنها تحصل تارة بالضرورة، وتارة بالنظر أبو حامد و الرازي و الآمدي وغيرهم.
ولهذا لما أوردوا عليهم في مسألة وجوب النظر : أن المعرفة قد تحصل بغير الحس والخبر والنظر، بطريق تصفية النفس، وأنها طريق الصوفية، وأنهم جازمون بما هم عليه من العقائد في المعارف الإلهية، بخلاف أصحاب النظر، فإنه قد لا يحصل لهم هذا الجزم.
وإذا كان كذلك فالرياضة إن لم تتعين طريقا إلى تحصيل معرفة الله، فلا أقل من أن تكون هي من جملة الطرق المفيدة لمعرفة الله تعالى ))
مسألة:
وقول ابن تيمية : النظر واجب وجوب الوسائل يجب أن نفهمه جيدا،فإنه لا يقصد بكلمة"النظر" معناه عند المتكلمين.
لأن النظر نوعان: نظر في الدليل وهو حق، ومطلوب شرعا.
ونظر بمعنى طلب الدليل، وهو من جنس الشك ، قال شيخ الإسلام في (الدرء)(4/82): ((أحدهما : النظر المتضمن طلب الدليل، وهو كالنظر في المسؤول عنه ليعلم ثبوته أو انتفاؤه، كالنظر في مدعي النبوة : هل هو صادق أو كاذب ؟
والنظر في رؤية الله تعالى : هل هي ثابتة في الآخرة أم منتفية ؟
والنظر في النبيذ المسكر : أحلال هو أم حرام ؟
فهذا الناظر طالب، وهو في حال طلبه شاك، وليس هذا النظر هو النظر المقتضي للعلم.
فإن ذلك هو النظر فيما يتضمن النظر فيه للعلم، وهو النظر في الدليل كالنظر في الآية والحديث أو القياس الذي يستدل به، فهذا النظر مقتض للعلم مستلزم له، وذلك النظر مضاد للعلم مناف له.
ولما كان في لفظ ( النظر ) إجمال كثر اضطراب الناس في هذا المقام، وتناقض من تناقض منهم فيوجبون النظر لأنه يتضمن العلم ثم يقولون : النظر يضاد العلم فكيف يكون ما يتضمن العلم مضادا له لا يجتمعان؟
فمن فرق بين النظر في الدليل، وبين النظر الذي هو طلب الدليل تبيّن له الفرق والنظر في الدليل لا يستلزم الشك في المدلول، بل قد يكون في القلب ذاهلا عن الشيء ثم يعلم دليله، فيعلم المدلول، وإن لم يتقدم ذلك شك وطلب، وقد يكون عالما به ومع هذا ينظر في دليل آخر لتعلقه بذلك الدليل، فتوارد الأدلة على المدلول الواحد كثير، لكن هؤلاء لزمهم المحذور لأنهم إنما أوجبوا عليه النظر، فإذا أوجبوه لزم انتفاء العلم بالمدلول، فيكون الناظر طالبا للعلم، فيلزم أن يكون شاكا فصاروا يوجبون على كل مسلم : أنه لا يتم إيمانه حتى يحصل له الشك في الله ورسوله بعد بلوغه، سواء أوجبوه، أو قالوا : هو من لوازم الواجب.
ومن غلطهم ـ أيضا ـ أنه لو قدر أن المعرفة لا تحصل إلا بالنظر فليس من شرط ذلك تأخر النظر إلى البلوغ، بل النظر قبل ذلك ممكن ،بل واقع، فتكون المعرفة قد حصلت بذلك النظر، وإن لم يكن واجبا كما لوتعلم الصبي أم الكتاب، وصفة الصلاة قبل البلوغ، فإن هذا التعلم يحصل به مقصود الوجوب بعد البلوغ.
والنظر إنما هو واجب وجوب الوسائل فحصوله قبل وقت وجوبه أبلغ في حصول المقصود .
ونظير ذلك : إن يتوضأ الصبي قبل البلوغ، والبالغ قبل دخول وقت الصلاة فيحصل بذلك مقصود الوجوب بعد البلوغ والوقت)).
و النتيجة: عندما نقول: النظر واجب وجوب الوسائل، والوسيلة تسبق المقصد في الوجود، تتأخر عنه في العلم،أي الإنسان يقصد ثم يطلب الوسيلة لحصول المقصد،والمقصد معرفة الله المعرفة الشرعية التي تأتي ضمن الشهادتين،فإنما نعني النظر في الدليل، لا طلب الدليل،أي لا نقصد ما يذهب إليه المتكلمة، فنحن نقصد النظر الذي يتضمن العلم، لا النظر الذي هو بمعنى الشك.
ومن لا يفرق بين أول واجب في الوسائل، و أول واجب في المقاصد يضطرب و تقع عليه إشكالات كثيرة، فبحث هذه المسألة من جهة واحدة غير بحثها من كل الجهات.
وهذا لا يتناقض مع قولنا أول واجب الشهادتان، لأن قبل الشهادتان مرحلة هي معرفة القلب وقوله التي يلازمها التصديق، و النطق أو الإقرار مرحلة، وما بعده مرحلة أخرى.
فالأولى النظر، و الثانية الشهادتان، و الأخيرة المعرفة الشرعية، الأولى وسيلة، و الثانية مقصد أول، و الأخيرة مقصد أعظم.
يوضح هذا الأمر أن نقول، وهذا سبق و بيّنت بعضه في أول المقال:
أول واجب على الإنسان في نفسه، ما هو؟
و أول واجب على من يريد الدخول في ديننا ما هو؟
أقصد أن أول واجب في دعوتنا لغيرنا هو أن ينطق بالشهادتين لأنه بدونها لا يكون مسلما، أم في نفسه فأن يبحث عن الحق.
فاليهودي، و النصراني، و المجوسي، أول واجب في نفسه أن يهتدي للدين الحق، وهذا لا يقع له إلا بعلم ومعرفة يهديه الله إليها، بها يتبيّن له فضل الإسلام، و أحقيته على سائر الأديان.
أما بالنسبة لنا و له للدخول في الإسلام فأول واجب عليه أن ينطق بالشهادتين، يدخل بهما في الإسلام، ويعرف بها ما تضمنته من معرفة الله الشرعية، وهي إفراده بالعبودية، و اتباع رسوله، وعبادته بما شرع .
وهذا نقل يجلي المسألة، و يفصل النزاع فيها نهائيا ، فانتبه إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( الدرء)(4/107): ((النبي صلى الله عليه و سلم لم يدع أحدا من الخلق إلى النظر ابتداء، ولا إلى مجرد إثبات الصانع، بل أول ما دعاهم إليه الشهادتان، وبذلك أمر أصحابه ، كما قال في الحديث المتفق على صحته لمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ لما بعثه إلى اليمن : (( إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ))
وكذلك سائر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم موافقة لهذا كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابن عمر : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ))
وفي حديث ابن عمر : (( حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ))
وهذا مما اتفق عليه أئمة الدين، وعلماء المسلمين، فإنهم مجمعون على ما علم بالاضطرار من دين الرسول أن كل كافر فإنه يدعى إلى الشهادتين [ إذًا أول الواجبات على غير المسلم،وليس على المسلم كما يقوله المتكلمون] ،سواء كان معطلا أو مشركا أو كتابيا، وبذلك يصير الكافر مسلما، ولا يصير مسلما بدون ذلك.
كما قال أبو بكر بن المنذر : (( أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذ قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام - وهو بالغ صحيح يعقل - أنه مسلم فإن رجع بعد ذلك فأظهر الكفر كان مرتدا يجب عليه ما يجب على المرتد))
لكن تنازعوا فيما إذا قال : أشهد أن محمدا رسول الله : هل يتضمن ذلك الشهادة بالتوحيد أو لا يتضمن ؟
أو يفرق بين من يكون مقرا بالتوحيد، ومن لا يكون مقرا ؟
على ثلاثة أقوال معروفة من مذهب أحمد وغيره من الفقهاء، ولهذا قال غير واحد ممن تكلم في أول الواجبات كالشيخ عبد القادر وغيره : أول واجب على الداخل في ديننا هو الشهادتان.
واتفق المسلمون على أن الصبي إذا بلغ مسلما لم يجب عليه عقب بلوغه تجديد الشهادتين .
والقرآن العزيز ليس فيه أن النظر أول الواجبات، ولا فيه إيجاب النظر على كل أحد، وإنما في الأمر بالنظر لبعض الناس، وهذا موافق لقول من يقول : إنه واجب على من لم يحصل له الإيمان إلا به، بل هو واجب على كل من لا يؤدي واجبا إلا به ،وهذا أصح الأقوال. [ قلت: فهذه حالة أخرى]
فقوله تعالى : { أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون } ،وهذا بعد قوله : { ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون }.
ثم قال تعالى : { أولم يتفكروا في أنفسهم } فالضمير عائد إلى الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون.
وقوله تعالى : { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين * أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون }
فهذا مذكور بعد قوله : { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين }.
ثم قال : { أولم يتفكروا ما بصاحبهم } فالضمير عائد إلى المكذبين، فإنه قال تعالى : { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة } ثم قال تعالى : { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون }.
فقول هؤلاء كأبي المعالي وغيره : ( أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ أو الحلم شرعا القصد إلى النظر الصحيح المفضي إلى العلم بحدث العالم ) هو في الأصل من كلام المعتزلة، وهو كلام مخالف لما أجمع عليه أئمة الدين، ولما تواتر عن سيد المرسلين، بل لما علم بالاضطرار من دينه.
وإذا قدر أن أول الواجبات هو النظر أو المعرفة أو الشهادتان، أو ما قيل، فهذا لا يجب على البالغ أن يفعله عقب البلوغ إلا إذا لم يكن قد فعله قبل البلوغ.
فأما من فعل ذلك قبل البلوغ فإنه لا يجب عليه فعله مرة ثانية، لا سيما إذا كان النظر مستلزما للشك المنافي لما حصل له من المعرفة والإيمان فيكون التقدير : اكفر ثم آمن، واجهل ثم أعرف، وهذا كما أنه محرم في الشرع، فهو ممتنع في العقل، فإن تكليف العالم الجهل من باب تكليف ما لا يقدر عليه، فإن الجاهل يمكن أن يصير عالما، فإذا أمر بتحصيل العلم كان ممكنا.
أما العالم فلا يقدر أن يصير جاهلا، كما أن من رأى الشيء وسمعه لا يمكن أن يقال: لا يعرفه، فمن كان الله قد أنعم عليه، وشرح صدره للإسلام قبل بلوغه فحصل له الإيمان المتضمن للمعرفة، لم يمكن أن يؤمر بما يناقض المعرفة من نظر ينافي المعرفة، أو شك أو نحو ذلك ،بل الأمر لمن حصل له علم ومعرفة أن يقدم ذلك ثم يحصله، مثل تكليف من حصل له قصد الصلاة ونيتها بأن يقدم ذلك ثم تحصل النية، وهذا مع أنه من باب الجهل والسفه والضلال فهو من باب تكليف العباد ما يعجزون عنه، ولهذا يقال : الوسوسة لا تكون إلا من خبل في العقل أو جهل بالشرع.
وقد اتفق الفقهاء على أن الصبي إذا تطهر قبل البلوغ لم يجب عليه إعادة الوضوء إذا بلغ، وكذلك لوكان عليه ديون فقضاها أو قضاها وليه لم يجب عليه إعادة القضاء بعد البلوغ، بل لو صلى الفرض في أول الوقت ثم بلغ ففي إعادة الصلاة عليه نزاع معروف بين العلماء، ومذهب الشافعي لا تجب الإعادة، وهو قول في مذهب أحمد.
ومن الناس من يضعف هذا القول، ولعله أقوى من غيره فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يأمر أحدا من الصبيان بإعادة الصلاة مع العلم بأن كثيرا منهم يحتلم بالليل، وقد صلى العشاء مع بقاء وقتها.
والمقصود هنا أن السلف والأئمة متفقون على أن أول ما يؤمر به العباد الشهادتان ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب البلوغ.
والشهادة تتضمن الإقرار بالصانع تعالى وبرسوله، لكن مجرد المعرفة بالصانع لا يصير به الرجل مؤمنا ،بل ولا يصير مؤمنا بأن يعلم أنه رب كل شيء حتى يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يصير مؤمنا بذلك حتى يشهد أن محمدا رسول الله.
ثم كون ما يجب من المعرفة لا يحصل إلا بالنظر أو يمكن حصوله بدونه ؟
وهل أصل المعرفة فطرية ضرورية أو نظرية ؟
أو يحصل بهذا تارة ولهذا تارة ؟
والنظر المحصل لها : هل يتعين في طريق معين أو لا يتعين ؟ هذه مسائل أخر))
قلت: بعد أن فهمنا الفرق بين ما يجب على غير المسلم في نفسه، وبين ما يجب على من يريد الدخول في ديننا، وما هو أول واجب بالنسبة لنا فيما نأمر به الناس، ومن يريد الدخول في ديننا.
وبعد أن فهمنا أن الشهادتين تتضمنان المعرفة الشرعية.
و فهمنا أن النظر نظران،نظر يقول به المتكلمة ومن اتبعهم يقصدون به الشك المضاد للعلم.
ونظر نقصد منه النظر في الدليل، فإن الله أنزل القرآن، وبعث الأنبياء للنظر في القرآن، في أدلته، و نسمع من أنبيائه، و القرآن يدل على شيئين:
على صدق أنبيائه، وعلى وجوب اتباعهم.
وفهمنا كذلك أن المعرفة إذا قصد منها النظر و العلم، فتكون أول واجب وجوب الوسائل، وهنا النزاع يكون لفظيا.
ويقصد بها الفطرية، وهذه لا نقصدها بحال.
ويقصد بها الشرعية المتضمنة في الشهادتين .
ويقصد بها الكاملة التامة التي تأتي بالنظر في القرآن و السنة،و بعبادة الله، وهذه أعظم الواجبات، وليست أول الواجبات.
وفهمنا أن بعض الناس يجب عليهم النظر، وليس هذا عاما لكل الناس.
وفهمنا أن حقيقة الشهادتين عند التفكيك: معرفة القلب وقوله يلازمها التصديق، يعلن عنه بالإقرار.
فكذلك يجب أن نفهم أن ما أوجب الله فيه العلم وجب فيه ما أوجبه الله من ذلك كقوله :{ فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}(محمد) فهذا إخبار بأنه لا إله إلا الله لا ينافي الأمر بالعلم بها.
قال الطبري في (تفسيره)(22/173): ((يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اله عليه و سلم : فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهة، ويجوز لك وللخلق عبادته، إلا الله الذي هو خالق الخلق، ومالك كل شيء، يدين له بالربوبية كل ما دونه))
لكن قد تقرر في الشريعة أن الوجوب معلق باستطاعة العبد كما في قوله تعالى:{فاتقوا الله ما استطعتم}(التغابن).
قال شيخ الإسلام في (الدرء)(1/32): ((إذا كان كثير مما تنازعت فيه الأمة من هذه المسائل الدقيقة قد يكون عند كثير من الناس مشتبها، لا يقدر فيه علي دليل يفيد اليقين، لا شرعي، ولا غيره : لم يجب علي مثل هذا في ذلك مالا يقدر عليه، وليس عليه أن يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قول غالب علي ظنه لعجزه عن تمام اليقين بل ذلك هو الذي يقدر عليه، لا سيما إذا كان مطابقا للحق، فالاعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ،ويثاب عليه، ويسقط به الفرض إذا لم يقدر علي أكثر منه))
لابد أن نفهم أن الحجج التي ندفع بها قول من يقول النظر، و يقصد النظر الكلامي، غير الحجج التي ندفع بها قول من يقول بالحالة التي يجب فيها النظر الشرعي.
وغير الحجج التي ندفع بها قول من يقول: المعرفة، ويقصد المعرفة التامة لا المتضمنة في الشهادتين.
فهذا مثل من يحتج على من يقول الإسلام الكلمة بما يحتج به على المرجئة، ومثل من يحتج بما ينقض قول غلاة المرجئة الجهمية على من لا يكفر بترك المباني من أهل السنة.
و الخلاصة : أول الواجبات بالنسبة لمن يريد الدخول في ديننا الشهادتان المتضمنتان للمعرفة بالله ورسوله.
و أول واجب على المسلم ـ من نطق بالشهادتين ـ المعرفة الشرعية، وفي العمل: الصلاة.
وبعد أن فهمنا أن الناس أنواع مختلفة، منهم من يجب عليه النظر، ومنهم من لا يجب عليه النظر،وهذه سأزيدها إيضاحا إن شاء الله تعالى.
بعد فهم كل هذا، نفصل من وجه آخر هو أليق بمسألتنا"توحيد الربوبية" فأقول:
هناك معرفة فطرية ضرورية، قد تكون تارة نظرية كسبية، أو قد تختلط بها، و هي التي نسميها :" توحيد الربوبية"، ولكنها تكتمل بالمعرفة الشرعية التي تكون بالنظر في القرآن و السنة ،وهذه المعرفة الشرعية واجبة على المسلم.
أما من يريد الدخول في الإسلام، فيجب عليه أولا الشهادتان ،و بعبارة أخرى: أصل الإيمان،و بعبارة أخرى : الاعتقاد، فإن حصل منه ذلك، وصار مسلما وجب عليه الإيمان الواجب ،وهو أصل الإيمان: الشهادتان مع أركان الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج.
ومن هنا قلنا: توحيد الربوبية عند المسلم أكمل من توحيد الربوبية عند غير المسلم بسبب المعرفة الشرعية التي يمتاز بها المسلم عن غيره.
ولما لم يكن توحيد الربوبية الواجب كافيا بمفرده، أقصد المعرفة به و تحقيقه حتى تتبعه المعرفة الشرعية فتضيف عليه، و تستلزم منه توحيد العبادة ، فتوحيد الربوبية أصله لا كماله فطري،و توحيد العبادة شرعي أي طلبي قصدي عملي،و توحيد الأسماء و الصفات علمي خبري، و عقلي على تفصيل.
ومعلوم أن الأسماء و الصفات تتكون من صفات الكمال، وصفات الأفعال،و الأفعال نوعان: أفعال الله بخلقه كالخلق، و الرزق، و النصر،و الإماتة، و الإحياء، و البعث،وغيرها.
و أفعاله بنفسه التي نسميها"الأفعال الاختيارية" كالنزول و المجيء و الكلام وغيرها.
وصفات الأفعال المتعلقة بالخلق هي التي تدخل في توحيد الربوبية ، وبكمال العلم بها يكمل توحيد الربوبية.
ومن هنا كان توحيد الربوبية يستلزم ضرورة توحيد العبادة أو الألوهية، لأن الشرك هضم لحق الربوبية، و تنقيص لعظمة الإلهية.
و عندما نأتي إلى الإنسان كإنسان قبل بعثة الأنبياء أو العلم بها،نجده لا يعرف الله و إن كان يشعر بوجوده بفطرته و ضرورة نفسه، لأنه عندما ينظر في سلسلة الأسباب التي يراها في الأكل أو الشرب أو اللباس أو التوالد يجد أنها ولابد أن تنتهي إلى سبب أول، ثم يقيس بعقله و فطرته على الأسباب الأخرى .
لكن في جميع أحواله تكون معرفته هذه معرفة مطلقة غير معيّنة، و لذلك يجسدها في شيء يراه عظيما أو مهما بالنسبة له، إما في القمر، أو الشمس، أو البحر وغير ذلك.
ومن هنا كان الذكر الصوفي المطلق المحدث مذموما ، ويقود إلى معرفة مطلقة بحسبه تقود إلى وحدة الوجود، فالذكر بضمير الغيبة "هو" أو بالاسم المجرد غير المعرف"حي" هو ذكر بالمطلق يحدث معرفة مطلقة.
بينما الذكر الشرعي الذي يعيّن المذكور بذكر أسمائه و صفاته كالتسبيح، و التهليل، و الحمد، و الاستغفار، و الحوقلة، يحدث معرفة معينة ، يتعيّن بها المعبود بصفات ثبوتية.
فهؤلاء عندهم توحيد الربوبية، وهو أن الله هو الخالق المدبر، لكن لا يعرفون أوصافه،و أسماءه ، فلا يستطيعون تعيينه حتى تأتيهم الأنبياء بالخبر، فيكتمل هذا التوحيد الفطري بالتوحيد الشرعي، أي: بالمعرفة الشرعية من جهتين:
من جهة العلم بصفات الربوبية الذي يمتاز به الأنبياء ،و التي لا نعرفها من الفطرة.
ومن جهة توحيد العبادة الذي يكمل توحيد الربوبية فيجعله منجيا للعبد،فخبر الأنبياء( الأسماء و الصفات و غيرها) يكمل توحيد الربوبية علميا، و توحيد العبادة يكمله عمليا، يجعله منجيا عند الله.
فما يجدونه في الوحي من تعريف الله بنفسه لعباده من أسماء و صفات و أخبار عن الإنسان، و أحواله، والدنيا و الآخرة، وكل ما يتعلق بالإنسان، يجعله متعيّنا في علمهم بعدما كان مطلقا.
وعندما نقول: المعرفة الشرعية تكمل المعرفة الفطرية، فنقصد أنها تكملها من جهة العلم، فالكتاب يكمل الفطرة ويكمل العقل.
ومن جهتها العملية إذ تجعلها مستجيبة لما تستلزمه، وهو عبادة الله بإخلاص "توحيد العبادة".
وهنا يلتبس على بعض الناس هذا الفرق، فيظن أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد العبادة بمجرده، وهذا غير دقيق لأن توحيد الربوبية لا يستلزم إلا إلها مطلقا ،ولكن بخبر الأنبياء الذي يعيّن المطلق يستلزمه.
فوجود الأنبياء ضروري في المطالب الإلهية و معرفة الربوبية.
فالله تعالى احتج على المشركين بتوحيد الربوبية الذي يقرون به على توحيد العبادة بواسطة خبر الأنبياء،وفي خبر الأنبياء، وليس في فطرتهم أو عقولهم.
و الإنسان الذي ليس عنده خبر الأنبياء عندما يبدأ في التفكير في الموت ،وما هو المصير بعد الموت؟، ولم لم ينزل المطر؟،وكيف أصنع لينزل؟ ،ومثل هذه الأسئلة فيتخذ مظهرا من مظاهر الطبيعة يعبده، فهذه الأسئلة و البحث و الفحص هو كسبي نظري، إنما هيجه عنده معرفته الفطرية الضرورية.
و النتيجة لكل هذا: أول الواجبات على من يريد الدخول في الإسلام، ليس هو أول الواجبات على المسلم.
و المتكلمة عندما يقولون: "النظر" فيقصدون المسلم، ولذلك انتقدهم ابن تيمية بأن هذا جهل، فكيف بمن نطق بالشهادتين، وحصلت له معرفة وعلم بالله ، يتخلص منها ـ وهو متعذر ممتنع لأن العالم لا يصير جاهلا ـ ليعود ويشك في الله، وفي الرسول ،ثم يطلب الأدلة على وجود الله، و على صدق الرسول في دعواه النبوة، وفي إخباره عن الله؟!
وحسم الأمر الشيخ عبد القادر الجيلاني، فقال: أول الواجبات على من يريد الدخول في الإسلام : الشهادتان.
و الإنسان منه الموقن، ومنه الشاك، و منه الشاك المائل للإقبال، و الشاك المائل للإدبار، ولذلك لا يأتي الناس الإسلام من طريق واحد، فمنهم من يأتيه بعد البحث و التفتيش و المقابلة، كما حصل لسلمان الفارسي في رحلته.
ومنهم من يأتيه بصدق قلبه، وعلم قلبه، كما حصل لأبي بكر الصديق،كما في قوله تعالى:{ من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
فإما يفكر و ينظر في نفسه ، و إما باتباع خبر غيره الصادق( ألقى السمع) وقلبه حاضر(شهيد).
وعندما أقول: المعرفة الشرعية تتضمنها الشهادتان فلأن المعرفة يقصد بها أحيانا النظر، و أحيانا ما يعقب النظر، و ليست هذه المقصودة.
و يقصد بها ما يعقب النظر في الدليل السمعي، وليس الدليل العقلي،وهذه المقصودة للنوعين،للمسلم، ولمن يريد الدخول في الإسلام باعتبار فرق صغير، سأفصلها بعد قليل.
والكلام عن المعرفة عند علماء الإسلام قد يطول، و قد اختلف نظار الإسلام و فقهاؤه في بعض متعلقاتها، و الذي يهمنا الآن هو معناها العام المرادف للعلم، و إن كان بينهما في الحقيقة فرق، فهناك معرفة سابقة و هناك معرفة لاحقة، الأولى قبلية و الثانية بعدية.
و قد بيّن ابن القيم الفرق بين المعرفة و العلم في مواضع من كتبه، وفي بحث لغوي في ( بدائع الفوائد){295/2} قال: ((قولهم عرفت كذا أصل وضعها لتمييز الشيء و تعيينه حتى يظهر للذهن منفردا عن غيره، و هذه المادة تقتضي العلو و الظهور كعرف الشيء لأعلاه، ومنه الأعراف، ومنه عرف الديك.
و أما علمت فموضوعة للمركبات لا لتمييز المعاني المفردة، و معنى التركيب فيها إضافة الصفة إلى المحل، وذلك أنك تعرف زيدا على حدته، وتعرف معنى القيام على حدته، ثم تضيف القيام إلى زيد، فإضافة القيام إلى زيد هو التركيب وهو متعلق العلم، فإن قلت: علمت، فمطلوبها ثلاثة معان :محل و صفة و إضافة الصفة إلى المحل{...} الفرق بين إضافة العلم إليه تعالى، و عدم إضافة المعرفة لا ترجع إلى الإفراد و التركيب في متعلق العلم، و إنما ترجع إلى نفس المعرفة و معناها فإنها في مجاري استعمالها إنما تستعمل فيما سبق تصوره من نسيان و ذهول أو عزوف عن القلب، فإذا تصور و حصل في الذهن قيل: عرفه أو و صف له صفته ولم يره فإذا رآه بتلك الصفة و تعيّنت فيه قيل: عرفه.
ألا ترى أنك إذا غاب عنك وجه الرجل ثم رأيته بعد زمان فتبيّنت أنه هو قلت: عرفته، و كذلك عرفت الديار، و عرفت الطريق.
و سر المسألة أن المعرفة لتمييز ما اختلط فيه المعروف بغيره فاشتبه، فالمعرفة تمييز له و تعيين، و من هذا قوله تعالى:{يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}"البقرة" فإنهم كان عندهم من صفته قبل أن يروه ما طابق شخصه عند رؤيته و جاء كما يعرفون أبناءهم من باب ازدواج الكلام، و تشبيه أحد اليقينين بالآخر فتأمله)).
قال ابن تيمية: (( و الأرجح في كلام أئمة الإسلام و نظاره و فقهائه استعمال لفظ المعرفة تارة بمعنى العلم الذي يكون معلومه معينا خاصا، و تارة بالعلم الذي يكون هو قسيم المعرفة ما يكون المعلوم به كليا عاما، و قد يراد بلفظ المعرفة ما يكون معلومه الشيء بعينه، و إن كان لفظ العلم يتناول النوعين في الأصل))(الدرء){138/3}.
قلت: ولهذا قال العلماء: معرفة الله، ولم يقولوا: العلم بالله، لأن ما حدث في نفوس الناس من معرفة فطرية مطلقة بالخالق هي معرفة مشتبهة عليهم تتميز و تتعين بالمعرفة الشرعية.
وعندما نقول: أول الواجبات المعرفة بالله،و هي المعرفة الشرعية ـ وفق التفصيل السابق ـ فإنما نقصد وهو واضح من كلمة" شرعية" أنها تكون بالسمع ،و ليس بالعقل،و إنما العقل فرع عليها، مستمد منها.
و لذلك ـ كذلك ـ قلنا: إنها متضمنة في الشهادتين،لأنه بمعرفة الشاهدتين نعرف بعض المعرفة الشرعية و أهمها، وهو أصل الإيمان.
قال شيخ الإسلام في ( الدرء)(4/116): ((دلالة السمع تتناول الأخبار، وتتناول الإرشاد، والتنبيه، والبيان للدلائل العقلية، وأن الناس كما يستفيدون من كلام المصنفين والمعلمين الأدلة العقلية التي تبين لهم الحق، فاستفادتهم ذلك من كلام الله أكمل وأفضل.
فتلك الأدلة عقلية باعتبار أن العقل يعلم صحتها إذا نبه عليها، وهي شرعية باعتبار أن الشرع دل عليها، وهدى إليها، فعلى هذا التقدير تكون الدلائل حينئذ شرعية عقلية .
وعلى هذا فقد يقال: الأدلة الشرعية نوعان : عقلي وسمعي، فالعقلي ما دل الشرع عليه من المعقولات، والسمعي ما دل بمجرد الإخبار، وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن أئمة النظار معترفون باشتمال القرآن على الدلائل العقلية))
فالناس منهم من يقول: أول الواجبات النظر،ومنهم من يقول: المعرفة الحاصلة من النظر أو من الوجد و التجرد، و ليس هذا مقصود أهل السنة بالمعرفة الشرعية.
ويتضح هذا بالتالي: أول ما تعرضه على الكافر من الإسلام ليدخل فيه هو نبوة محمد صلى الله عليه و سلم بلفظها التام أي ضمن الشهادتين، فعليه أن يقر بالتوحيد و النبوة، و تشرح له الشهادتين، و تحاول إقناعه به ، وهذا كله تأخذه من القرآن و السنة، سواء عبرت عنه باللفظ السمعي، أو بالمعنى العقلي.
ثم تطالبه بالشهادتين أي بالنطق بهما، فالعمل الأول هو معرفة شرعية لأنها مأخوذة من الشرع، وهذا في الوقت نفسه هوالشهادتان مشروحة مفسرة.
و العمل الثاني: الشهادتان منطوقة.
الأول باعتبار الدعوة، و الثاني باعتبار إرادة الدخول في الدين.
الخلاصة المتعلقة بموضوع الشيخ ربيع:
عندما يقول بعضهم: إن اليهود و النصارى يقبلون على الإخوان لأن الإيمان الذي يدعو إليه الإخوان إيمان مشترك بين المسلمين و أهل الكتاب، وهم يقصدون توحيد الربوبية، فهذا خطا جسيم سببه عدم تصور توحيد الربوبية تصورا كاملا.
لان توحيد الربوبية عند الإخوان أكمل و أفضل من توحيد الربوبية عند أهل الكتاب، ولا يشتركون معهم إلا فيما يشترك فيه معهم بقية المسلمين.
فالإخوان عندهم من الأخبار في القرآن و السنة ما ليس عند أهل الكتاب.
وعندهم من توحيد العبادة ما ليس عند أهل الكتاب، فهم يعبدون الله، ويصلون لله،و يصومون له، و يزكون له، و يجاهدون في سبيله قولا أو فعلا،ويبرون والديهم له،وغير ذلك.
يفارقهم السلفيون بالنسبة للقبورين منهم في المسائل الخلافية بين السلفيين و القبوريين كالاستغاثة، و التوسل، وتحري الدعاء عند القبور و مثلها.
فنحن أكمل في توحيد العبادة منهم، وفي التوحيد بمجموعه،لأننا نصرف جميع عبادتنا لله تعالى، وهم يصرفون بعضا منها لغيره معتقدين أن ذلك من الدين، وهذه مسألة أخرى.
وعليه، فارقَ الإخوان أهل الكتاب في توحيد الربوبية، و في الإيمان عموما من الناحية العلمية، و من الناحية العملية، فكيف نجعلهم مشتركين مع أهل الكتاب، و نقول: إنهم يدعون إلى إيمان يقبله اليهود و النصارى؟!
نعم، نقصان توحيد العبادة يستلزم نقصا في توحيد الربوبية لا محالة، وكماله يستلزم كماله، فمن يخلق وحده، ويرزق وحده يجب أن يعبد وحده.
قال ابن القيم في ( الفوائد)(ص:70): ((وجماع ذلك انه سبحانه يتعرف إلي العبد بصفات آلهيته تارة وبصفات ربوبيته تارة فيوجب له شهود صفات الآلهية المحبة الخاصة والشوق إلى لقائه والأنس والفرح به والسرور بخدمته والمنافسة في قربه والتودد إليه بطاعته واللهج بذكره والفرار من الخلق إليه ويصير هو وحده همه دون ما سواه ويوجب له شهود صفات الربوبية التوكل عليه والافتقار إليه والاستعانة به والذل والخضوع والانكسار له وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته في إلهيته وإلهيته في ربوبيته وحمده في ملكه وعزه في عفوه وحكمته في قضائه وقدره ونعمته في بلائه وعطاءه في منعه وبره ولطفه وإحسانه ورحمته في قيوميته وعذله في انتقامه وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه ويشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه وعزه في رضاه وغضبه وحلمه في إمهاله وكرمه في إقباله وغناه في إعراضه ))
والسلفيون توحيدهم أكمل في الربوبية لأنه أكمل في الإلهية ،ولكن هذا بين السلفيين و الإخوان ، ليس بين الإخوان و أهل الكتاب.
فمن جعل الإخوان كاليهود و النصارى في الإيمان فقد ناقض الرسول في دينه مناقضة ظاهرة لكل عاقل،لأن من كان إلى الرسول أقرب كان عند الله أفضل،فكيف بالمقارنة بين مسلم وكافر؟!
قال ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى)(3/516):
(( كل من كان مؤمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو خير من كل من كفر به ؛ وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة، سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم ؛ فإن اليهود والنصارى كفار، كفرا معلوما بالاضطرار من دين الإسلام، والمبتدع إذا كان يحسب أنه موافق للرسول صلى الله عليه وسلم، لا مخالف له، لم يكن كافرا به، ولو قدر أنه يكفر، فليس كفره مثل كفر من كذب الرسول صلى الله عليه وسلم.))
هذا كان جوابه في الرافضة فكيف بالإخوان؟!
ولا أريد أن أنقل ما ذكره بعض أئمة السنة في هذا العصر في ترتيبهم و أحوالهم حتى لا أفتح بابا، لي فيه رأي مخالف لهم من بعض الأوجه.
وتوحيد الربوبية له أهميته بخلاف تزهيد بعض الناس فيه باعتباره فطريا مشتركا بين البشر، لأن العظمة، و الكبرياء، و القهر، و الجبر، و استعباد الخلق، من صفات الربوبية،و لذلك قال النبي صلى الله عليه و سلم كما في الحديث الصحيح : ((أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون)) رواه البخاري و مسلم
وفي رواية عندهما ((إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم))
وقال الله تعالى: ((ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا ذرة أوليخلقوا حبة ،أوشعيرة)) البخاري.
ومن يقدح في خصائص الربوبية كالمعطل و الملحد أعظم إثما عند الله من المشرك ( الجواب الكافي)(ص:100).
لان الشرك في الإلهية مع إثبات الصانع و صفاته و أفعاله أفضل من تعطيلها فإن التعطيل لا يكون إلا مع شرك أكبر من الأول.
قال ابن القيم في ( الصواعق المرسلة)(3/1110): ((إن التوحيد الذي دعى إليه هؤلاء الملاحدة، وذكروا أنه التوحيد الحق، هو من أعظم الإلحاد في أسماء الرب وصفاته وأفعاله، وهو حقيقة الكفر به، وتعطيل العالم عن صانعه، وتعطيل الصانع الذي أثبتوه عن صفات كماله، فشرك عباد الأصنام، والأوثان، والكواكب، والشمس، والقمر، خير من توحيد هؤلاء بكثير، فإنه شرك في الإلهية مع إثبات صانع العالم ،وصفاته، وأفعاله، وقدرته، ومشيئته، وعلمه بالكليات والجزئيات وتوحيد هؤلاء تعطيل الربوبية والإلهية، وسائر صفاته.
وهذا التوحيد ملازم لأعظم أنواع الشرك، ولهذا كلما كان الرجل أعظم تعطيلا كان أعظم شركا، ولا تجد معطلا نافيا إلا وفيه من الشرك بقدر ما فيه من التعطيل وتوحيد الجهمية والفلاسفة مناقض لتوحيد الرسل من كل وجه، فإن مضمون توحيد الجهمية إنكار حياة الرب، وعلمه، وقدرته، وسمعه، وبصره، وكلامه واستوائه على عرشه، ورؤية المؤمنين له بأبصارهم عيانا من فوقهم يوم القيامة وإنكار وجهه الأعلى، ويديه، ومجيئه، وإتيانه، ومحبته، ورضاه، وغضبه وضحكه، وسائر ما أخبر به الرسول عنه، ومعلوم أن هذا التوحيد هو نفس تكذيب الرسول فيما أخبر به عن الله وجحده ))
على كل حال الكلام على توحيد الربوبية، وتقريره في القرآن ،و منزلته في مشهد الأسماء و الصفات و ما دار بين السلف و خصومهم في هذه المسألة، و أثره على أعمال القلوب كالتوكل و اليقين،و الرضا ، و الصبر و غيرها شيء كبير و عظيم، ليس هذا موضع تفصيله.
نعم،الإخوان لهم مواقف مع النصارى في مصر ، وفي حوار الأديان، ولكنها مواقف سياسية لا تعني بحال الاشتراك في الإيمان، وهذه سأفصلها لاحقا إن شاء الله تعالى.
كما سأفصل مسألة المراد، و أبيّن خطأ من استدرك بها في هذه المسألة.
فهذه المسألة برمتها سقتها لكم كأنها قصة حتى لا ندخل في متاهات التفريعات و مسالكها المختلفة، و الله أعلم.

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:55 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.