أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
92724 92655

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 05-26-2017, 08:18 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي تنازع العلماء في مسألة : " الخوض في الانتخابات البرلمانية "

تنازع العلماء في مسألة : " الخوض في الانتخابات البرلمانية "

(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)
الحلقة (11)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
تكلمت في حلقة البارحة عن المسألة السادسة التي حصل بسببها الاختلاف في صفوف السلفيين، وهي مسألة : " التعاون في المجال الخيري مع بعض مؤسسات المخالفين "،

واليوم سأتحدث عن المسألة السابعة التي حصل بسببها الاختلاف في صفوف السلفيين، وهي مسألة : " الخوض في الانتخابات البرلمانية "، فأقول وبالله التوفيق :

عامة مشايخ ودعاة السلفيين في العصر الحديث يرون أن الخوض في الانتخابات البرلمانية نوع من الخوض في الباطل وإقرار على جواز العمل وفق النظام الديمقراطي المنافي للشرع، وبالتالي فلا يخوض في ذلك إلا دعاة خرجوا عن منهج ودائرة السنة، ولدراسة هذه المسألة فتحرير محل النزاع مطلوب شرعاً بأدلة الكتاب والسنة بعيداً عن التأثر بأحداث ومشاكل العصر، فالإسلام دين صالح لكل زمان ومكان وهو مصدر الرقي والتقدم والازدهار مهما تغيرت الحياة بكافة وسائلها المستحدثة وتطورت بتطور الزمن.

ولذا : فلا شك أن الأصل في الانتخابات البرلمانية الحرمة لأنها نظام ديمقراطي مستحدث يتعارض مع نصوص الشريعة السمحة إلا أننا نستثني ونقول : إذا كانت لمصلحة راجحة فتكون الفتوى فيها بمحضر مجموعة من كبار العلماء حسب كل بلدة بعد النظر في المصالح والمفاسد، فما دعت له الضرورة فإنه يقدَّر بقدره دون تعميم الفتوى لكل زمان ومكان؛ بل تختلف البلدان وأحوالها، فالعلماء في بلدهم يدرسون واقعهم على ضوء الشريعة ومقاصدها، ويصدرون الفتوى الشرعية بمحضر أهل الفتوى في بلدهم وفق قاعدة « درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».

وبنحو ما ذكرت، قال الشيخ عبد المحسن العباد:« إذا كان دخول المسلمين يرجح جانب الخير للمسلمين فيدخلون، وإذا كان دخولهم لا يقدم ولا يؤخر فإنهم لا يدخلون، وإذا كان دخولهم يسهم في إبعاد من هو شر وتحصيل من هو أقل شرّاً وأخف ضرراً، وحتى لو كان من الكفار أنفسهم كما في البلاد التي فيها أقلية مسلمة، ويكون الأمر دائراً بين كافرين، أحدهما: شديد الحقد على المسلمين متى وصل إلى السلطة إذا حال بينهم وبين القيام بعباداتهم على الوجه الذي ينبغي، والثاني: ليس كذلك – متسامح مع المسلمين، [و] ليس عنده حقد شديد عليهم، ومعلوم :أن الكفر درجات كما أن الإيمان درجات، الكفر يتفاوت [فيه] الكفار، والإيمان يتفاوت الناس فيه، فإذا كان الأمر بين اثنين، ودخول المسلمين يرجح ذلك الهين على المسلمين فلهم أن يدخلوا، وإذا كان دخولهم لا يقدم ولا يؤخر فليتركوه، فدخولهم ليس لاختيار خليفة، فإن هؤلاء الكفار متسلطون، لكن بعض الشر أهون من بعض، وارتكاب أخف الضررين للتخلص من أشدهما مطلوب، ومعلوم أن الله ذكر في القرآن فرح المسلمين بانتصار الروم على الفرس، والاثنان كفار، لكن لماذا يفرح المسلمون بانتصار الروم على الفرس؟ لأن هؤلاء مجوس كفرهم شديد وكفرهم عظيم ، وأعظم الكفر ناحية المشرق كما قال رسول الله [عليه الصلاة والسلام]، وملك الفرس مزق كتاب رسول الله لما جاء إليه ، وأما ملك الروم احتفظ بالكتاب، ففرق بين كافر شديد الكفر على المسلمين وكافر خفيف الضرر على المسلمين، فإذا كان دخولهم ينفع في تحصيل من هو أخف ضرراً فإنهم يدخلون ، وإذا كان دخولهم لا يقدم ولا يؤخر فإنهم يبتعدون » ([1])اهـ.

وقالت اللجنة الدائمة وعلى رأسها الشيخ عبد العزيز بن باز: « لا يجوز للمسلم أن يرشح نفسه رجاء أن ينتظم في سلك الحكومة التي تحكم بغير ما أنزل الله، وتعمل بغير شريعة الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن ينتخبه أو غيره ممن يعملون في هذه الحكومة، إلا إذا كان من رشح نفسه من المسلمين ومن ينتخبون يرجون بالدخول في ذلك أن يصلوا بذلك إلى تحويل الحكم إلى العمل بشريعة الإسلام، واتخذوا ذلك وسيلة إلى التغلب على نظام الحكم، على ألا يعمل من رشح نفسه بعد تمام الدخول إلا في مناصب لا تتنافى مع الشريعة »([2]).

وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني:« ونحن لا ننصح مسلماً أن يُرشّح نفسه في هذه الانتخابات في كل البلاد اليوم، لأن الحكومات لا تحكم بما أنزل الله ، لكن أنا أعلم أن هذا الرأي لا يقتنع به كثيرون من طلبة العلم ومن الدكاترة ومن كذا إلى آخره ، حينئذ سنرى في الساحة ناسا يرشحون أنفسهم من الإسلاميين ، سواء كانوا من هؤلاء أو هؤلاء أو هؤلاء، حينئذ يجب علينا أن ختار من هؤلاء الذين نزلوا في ساحة الانتخابات ، نختار منهم الأصلح ، ولا نفسح المجال لدخول الشيوعيين والبعثيين والدهريين والزنادقة ونحو ذلك » ([3]).

ولعلي بما تقدم قد أزلت الغواش الذي عشعش في أذهان بعض المشايخ الفضلاء الذين لم يدرسوا هذه المسألة دراسة فقهية أصولية متأنية وفقاً لأدلة الشرع المطهر القائم على قاعدة " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، وكذا قاعدة : " ارتكاب أخف الضررين للتخلص من أشدهما"، ومما لا يخفى أن الشريعة الإسلامية بكل أحكامها وأوامرها ونواهيها جاءت لتحقيق المصالح للعباد وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، ولو كان في هذه الشريعة شيء خلاف المصلحة، لم يصح وصفها بأنها شريعة سمحة مطهرة.
ولا تفهموا من كلامي المتقدم أني أدعو المشايخ أن يرشحوا أنفسهم في الانتخابات فمقامهم أشرف واعلى وعليهم أن يتفرغو للدعوة وتعليم الناس الخير، وإنما أن يختار أفراد المجتمع الأصلح والأنفع للعباد والبلاد وفق ما تدعو له المصلحة، وتدفع به المفسدة.
وقد بلينا اليوم ببعض الفتاوى الارتجالية الطائشة التي لا تنزل على رأي مجتهدي العصر، فتفسد وتفرق أكثر مما تصلح وتوحد، وإلى الله المشتكى.

وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.

وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.


---------------------ء

([1])العباد، شرح سن الترمذي، كتاب الصلاة، شريط رقم:64.

([2]) فتاوى اللجنة الدائمة ( 23/407 فتوى رقم 4029).

([3]) الألباني، سلسلة الهدى والنور – الشريط رقم: (221).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 05-26-2017, 08:22 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي تشتت الصف السلفي بإنشاء الأحزاب السياسية تحت مظلة السلفية

تشتت الصف السلفي بإنشاء الأحزاب السياسية تحت مظلة السلفية
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)

الحلقة (12)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
نظام التعددية الحزبية ديمقراطي لا صلة له بالإسلام ، وقد رأى بعض المنتسبين للسلفية المتأثرين بسياسة العصر: أنه لا ممانعة من إنشاء حزب سياسي تحت مظلة سلفية لمجابهة الباطل، وقد ردَّ علماء كثر هذا الأمر الخطير؛ لكونه لا يتوافق مع منهج الكتاب والسنة، ولم يُبنّ على أصل صحيح، فهو منكر عظيم ما أنزل الله به من سلطان، وهو مسلك من مسالك اليهود والنصارى الذين فرق مجتمعاتهم إلى شيع وأحزاب، ولا يليق بسلفي يدعي السلفية ثم يخوض فيه تحت مظلة السلفية، أو ينسبه لمنهج السلف " منهج أصحاب القرون الثلاثة المفضلة"؛ لأن منهج السلف « منهج كتاب وسنة»، والتعددية الحزبية من النظام الديمقراطي المضاد للإسلام بل ولكل الأديان السماوية، مع أن إخواننا الذين خاضوا في التعددية الحزبية لا يقبلون الديمقراطية ويرفضونها جملة وتفصيلا؛ بل ويكفرون بمبادئها وأسسها، لولا ما يتشبثون به من دعوى أن « مشاركتهم في التعددية الحزبية من باب تخفيف الضرر» ورغم أنهم أيضاً كانوا بالأمس القريب من أشد الناس عداءً للتعددية الحزبية، وكانوا يرونه باباً من أبواب الفتنة المضلة.
وقد ثبت عن حذيفة رضي الله عنه قال: إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؟ فلينظر؛ فإن كان رأى حلالاً كان يراه حراماً، فقد أصابته الفتنة، وإن كان يرى حراماً كان يراه حلالاً فقد أصابته»([1]).
وقد سُئل سماحة الشيخ صالح الفوزان، فقال له السائل : هذا شخص من مصر يقول : لا يخفى عليكم الأحداث القائمة في مصر من مسارعة بعض الشيوخ المعروفين لدى الكثير من الناس من إنشاء حزب سموّه حزب النور السلفي من أجل مقاومة التيارات الليبرالية والعلمانية ، فهل يجوز للمسلم أن ينضم إلى هذه الأحزاب أو يعطيها صوته في الانتخابات ، أتمنى أن تبسطوا الجواب لحاجتنا لذلك بارك الله في أعمالك ؟
فأجاب بقوله : " الواجب: على المسلم في وقت الفتن أن يتجنبها وأن يبتعد عنها إلى أن تهدأ، ولا يدخل فيها ، هذا الواجب على المسلم.
والأحزاب هذه والتكتلات قد تجر إلى شر وإلى فتنة وإلى اقتتال فيما بينها، فالمسلم يتجنب الفتن مهما استطاع، ويسأل الله العافية ويدعو للمسلمين بأن يفرج الله عنهم ويزيل عنهم هذه الفتنة وهذه الشدة"([2]) انتهى كلام الشيخ.

ثم لو أن هؤلاء الفضلاء أقاموا الشرع في نفوسهم ومجتمعاتهم وأحسنوا التعامل مع إخوانهم المخالفين لهم وفق الشريعة السمحة لهابهم الملوك والأمراء ورؤساء الدول وأرباب السياسات والمقامات والرتب الرفيعة، ولزرع الله الهيبة لهم في قلوب المرجفين والمفسدين، ولنزلوا على رأيهم الشرعي بتدبير الله وفضله ورحمته طوعاً وكرهاً في مواطن أكثر مما يسعون لها من خلال التعددية الحزبية المنافية لأصول الشريعة، فإن عادة رجال الدولة والساسة ألا يعرفوا لفضلاء الدين قدراً أو إجلالاً أو احتراماً إذا نافسوهم في حقلهم السياسي الفاني، وبالتالي يؤلبون عليهم العامة والسفهاء، ويتهمونهم بأنهم دعاة دنيا وأصحاب مصالح وملذات وشهوات؛ بقصد نزع ثقة العلماء من قلوب الشعوب، لأنه يغلب على سياسة العصر النجس والبعد عن ضوابط الشرع المطهر، وحينها يحصد الدعاة من سوء أفعالهم التي جاروا عليها سفهاء الساسة غضب العامة وعدم النزول على فتاواهم واستشاراتهم، وفي الوقت نفسه يستغل سفهاء الإعلام المسير والمزيف هذه الخروق لتشويه سمعة العلماء والدعاة وأن ما يحملونه من علم الكتاب والسنة مجرد آراء كغيرها من آراء الآخرين، وأن على الساسة ورجال الدين – حسب تعبيرهم – احترام الرأي والرأي الآخر، ولو كان رأياً يتصادم مع أصول الدين، وهذا ما نعانيه اليوم بسبب انخراط هؤلاء الفضلاء في مستنقع التعددية الحزبية.
قال الفضيل: « لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم، وأعزوا هذا العلم، وصانوه، وأنزلوه حيث أنزله الله، إذاً لخضعت لهم رقاب الجبابرة، وانقاد لهم الناس، وكانوا لهم تبعاً، ولكنهم أذلوا أنفسهم وبذلوا علمهم لبناء الدنيا، فهانوا وذلوا » ([3]).
وقال ابن الجوزي رحمه الله:« إخواني، اسمعوا نصيحة من قد جرب وخبر، إنه بقدر أجلالكم لله عز وجل يجلكم، وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم، ولقد رأيت والله من أنفق عمره في العلم إلى أن كبرت سنه ثم تعدى الحدود فهان عند الخلق»([4]) .
وقال رحمه الله : « والله، لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت، ويتخشع في نفسه ولباسه، والقلوب تنبو عنه، وقدره في النفوس ليس بذاك،
ورأيت من يلبس فاخر الثياب ، وليس له كبير نفل، ولا تخشع، والقلوب تتهافت على محبته، فتدبرت السبب، فوجدته السريرة, كما روي عن أنس بن مالك: أنه لم يكن كبير عمل من صلاة وصوم، وإنما كانت له سريرة.
فمن أصلح سريرته، فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه، فالله الله في السرائر، فإنه ما ينفع مع فاسدها صلاح ظاهر »([5]).
ورحم الله القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني القائل :
ولِـمَ أقـض حـق الـعلم إن كان كلما
بـــــــدا طـمـع صـيـرته لــي سـلما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي
لأخـــــدم مــن لاقـيـت لـكـن لأخـدما
أأشـقـى بــه غـرسـاً وأجـنـيه ذلـةً
إذاً فــاتـبـاع الــجـهـل قـــد أحــزمـا
ولــو أن أهـل الـعلم صـانوه صـانهم
ولــو عـظموه فـي الـنفوس لـعُظِّما
ولــكــنْ أذلــــوهُ فــهــان ودنــسـوا
مـحـيـاه بـالأطـمـاع حــتـى تـجـهما
قال الشيخ اين عثيمين رحمه الله في كتابه الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات: " ليس في الكتاب ولا في السنة ما يبيح تعدد الأحزاب والجماعات، بل إنَّ في الكتاب والسنة ما يذم ذلك، قال الله تعالى: "إنَّ الذينَ فَرَّقُوا دينهم وَكانُوا شِيَعَاً لستَ مِنْهُم في شَئ إنَما أمْرُهُم إلى الله ثُمَّ ينبئهم بِمَا كانوا يَفعَلُون"، وقال تعالى: " كلُ حِزبٍ بمَا لَدَيْهم فَرِحُون"، ولا شك أن هذه الأحزاب تتنافى ما أمر الله به بل ما حث الله عليه في قوله: "وأنَّ هَذه أمَّتُكم أمَّةً وَاحدَة وَأنا رَبُكم فَاتَّقون".

وقول بعضهم: إنه لا يمكن للدعوة أن تقوى إلا إذا كانت تحت حزب؟!
نقول: هذا ليس بصحيح، بل إنَّ الدعوة تقوى كل ما كان الإنسان منطوياً تحت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم متبعاً لآثار النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين" انتهى كلامه.
ولا يعني ذلك ألا يعمل الصالحون والفضلاء في الوظائف الحكومية؛ بل مثل ذلك مطلوب لمن كان ورعاً وأهلاً لذلك، إذ هو أولى من غيره، عسى الله أن يصلح وينفع بمثله العباد والبلاد إذا أخلص في وظيفته الحكومية وأقام من خلالها الشرع المطهر، فقد تولى نبي الله يوسف منصب عزيز مصر، وقال لمليكها – وهو كافر على الراجح -:(اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْض إنِّي حِفِيظٌ عَلِيم)[يوسف:٥٥].
بل لو خالط الوظيفة الحكومية أثناء عمله شيء من المخالفات الشرعية فله أن يبقى في عمله متى ترجحت المصلحة على المفسدة، وقد نصت القاعدة الفقهية على أنه لو اجتمعت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما، وأيضا أن الأخذ بأعظم المصلحتين جائز عند دفع أعظم المفسدتين، وكذلك قاعدة " ارتكاب أخف الضررين للتخلص من أشدهما".
قال ابن تيمية: » الولاية إذا كانت من الواجبات التي يجب تحصيل مصالحها من جهاد العدو، وقسم الفيء، وإقامة الحدود، وأمن السبيل : كان فعلها واجباً؛ فإذا كان ذلك مستلزماً لتولية بعض من لا يستحق وأخذ بعض ما لا يحل، وإعطاء بعض من لا ينبغي، ولا يمكنه ترك ذلك؛ صار هذا من باب ما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به، فيكون واجباً أو مستحباً، إذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب أو المستحب؛ بل لو كانت الولاية غير واجبة، وهي مشتملة على ظلم؛ ومن تولاها أقام الظلم، حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها، ودفع أكثر باحتمال أيسره : كان ذلك حسناً مع هذه النية، وكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو أشد منها جيداً([6]) «.
لكنه يستثنى مما تقدم : من عاش في بلاد تحارب الدين علناً ولا تحكم بما أنزل الله ، وتمنع العلماء والدعاة من نشر العلم والدعوة إلى الله ، أو في البلاد الكافرة أو كان المسلمون فيها أقلية، ولا تتحقق حقوقهم الشرعية ودعوتهم الدينية إلا بإنشاء حزب لهم، فلا بأس بشرط إنكاره وكراهيته لولا الضرورة مع أمنهم من الفتنة، دفعا للأضرار المترتبة حال عدم خوضهم في ذلك وعملاً بقاعدة » درء المفاسد مقدم على جلب المصالح«.
قالت اللجنة الدائمة وعلى رأسها الشيخ عبد العزيز بن باز: »من كان لديه بصيرة في الإسلام وقوة إيمان وحصانة إسلامية وبعد نظر في العواقب وفصاحة لسان، ويقوى مع ذلك على أن يؤثر في مجرى الحزب فيوجهه توجيهاً إسلامياً – فله أن يخالط هذه الأحزاب، أو يخالط أرجاهم لقبول الحق، عسى أن ينفع الله به، ويهدي على يديه من يشاء، فيترك تيار السياسات المنحرفة إلى سياسة شرعية عادلة ينتظم بها شمل الأمة، فتسلك قصد السبيل ، والصراط المستقيم ، ولكن لا يلتزم بمبادئهم المنحرفة، ومن ليس عنده ذلك الإيمان ولا تلك الحصانة ويخشى عليه أن يتأثر ولا يؤثر، فليعتزل تلك الأحزاب؛ اتقاء للفتنة ومحافظةً على دينه أن يصيبه منه ما أصابهم، ويبتلى لما ابتلوا به من الانحراف والفساد([7])« اهـ.
وقالت أيضاً وعلى رأسها الشيخ عبد العزيز بن باز : »يشرع للمسلمين المبتلين بالإقامة في دولة كافرة أن يجتمعوا ويترابطوا ويتعاونوا فيما بينهم سواء كان ذلك باسم أحزاب إسلامية أو جمعيات إسلامية؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى« ([8]) اهـ.
ولا مزيد على ما تقدم، وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.

......................الحواشي.........
([1]) أخرجه الحاكم (4/514)، وصححه.
(2) مفرغ من شريط لقاء مفتوح مع الشيخ الفوزان برقم (21) في ذي القعدة 1432هـ
([3]) الأبشيهي، كتاب المستطرف في كل فن مستطرف(1/49).
([4]) أبو الفرج ابن الجوزي، صيد الخاطر (ص64).
([5]) أبو الفرج ابن الجوزي، المصدر السابق (ص220).
([6]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى (20/55).
([7]) فتاوى اللجنة الدائمة (12/385 فتوى رقم 6290).
([8]) المصدر السابق ( 23/408 فتوى رقم 5651).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 05-26-2017, 08:26 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي زيارة ومجالسة ومناصحة بعض الشخصيات المتهمة

زيارة ومجالسة ومناصحة بعض الشخصيات المتهمة

(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)

الحلقة (13)

بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
يرى البعض ممن ينتسب للسلفية أن من جالس سلفياً متهما بالحزبية، أو ساعده في شراء الدواء، أو إيجار منزل، أو سداد دين ،أو زاره ولو كان جاراً له، أو صديقاً كانت تربطه به علاقة زمالة أو صداقة قديمة، أو زاره ناصحاً له، أو قَبِلَ دعوته في وليمة، أو ضيافة، أو مشى في جنازته حال موته، أو كان في عزاء وهو متهم بالحزبية أو عضو في جمعية متهمة فهو يلحق به، وقد يصل الأمر إلى تبديعه.

هكذا يدندن بعضهم باسم السلفية لكن لو نظرنا إلى منهج السلف الصالح وهم أصحاب القرون المفضلة لوجدنا أن نسبة هذه الأفعال إلى منهجهم نسبة غير صحيحة، فكيف لو رجعنا إلى نصوص القرآن والسنة التي تتنافى مع هذه التصرفات الطائشة التي مزقت المجتمع الواحد وأوغرت الصدور.

إن هؤلاء الذين يدعون إلى الكتاب والسنة وهم يعتزلون كل من اختلفوا معه ولو في مسألة فرعية أو مسألة مستساغ فيها الخلاف، إنما يمنعون أنفسهم وإخوانهم الخير والنصح، فالمعوج يحتاج من ينصحه، فإذا اعتزلناه عظم اعوجاجاً، وربما دعا الناس إلى ما هو عليه من الشر فعظم الشر، وأنتم ساعدتموه على بقاء هذا المنكر لأنه عندكم ضال و مبتدع، وفي حقيقته أنه جهل شيئاً أو أخطأ في شئ ويحتاج من يبصره برفق وعلم وحلم.

فهناك فرق بين عالم أو داعية مبتدع على علم، وبين جاهل أو متحزب على جهل أو أخ ملتزم بالمنهج الشرعي الصحيح حدث منه خطأ.

لا يصلح أن نجعل الجميع في مربع واحد، ثم نحشر أقوال العلماء المتقدمين في المبتدعة ونحملها فوق ظهره ونقول عنه : مبتدع، ضال، حزبي، منحرف، فإنه فرَّ من البدعة وأهلها ومن التحزب وأهله، وحذر من مسالك المبتدعة والحزبيين، ومع ذلك رفضتم إلا أن تلبسوه ثوب البدعة والضلال ظلماً وعدوانا، فأين عقولكم يا إخواني في الله؟؟؟؟!!!!!!!!

هذا من الظلم الذي يعاقب الله عليه كل من استمر على هذا المنهج المنافي للشرع وإن زعم أنه عالم، وأعظم منه ظلماً أن يُنسب هذا المنهج لخيرة أصحاب القرون المفضلة الثلاثة الذين قال فيهم النبي عليه الصلاة والسلام : " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم"([1]).

فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يعتزل من هم أشد جرماً من هؤلاء الذين اعتزلتموهم، بل ذهب إلى مواطن الكفر وأنديتهم وأسواقهم ومجالسهم وبيوتهم وناصحهم وصبر على أذاهم وهم كفار ومنافقون ويهود، ويكنون له كل أنواع العداوات والأذى، لعل الله أن يهديهم، وكفى به قدوة وأسوة.

فقد زار ابن اليهودي ودعاه إلى الإسلام فأسلم، وقد أخرج حديثه الإمام البخاري في صحيحه عن أنس: "أن غلاماً من اليهود كان مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: "أسلم" فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: »الحمد لله الذي أنقذه بي من النار« ([2]).

ونزل عليه قوله تعالى: "وإِنْ أحَدٌ مِنَ المُشْركِينَ اسْتَجارَكَ فَأجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأمَنَه" [التوبة:٦].

فيا إخواني : أعطوا الأمان لإخوانكم بدلاً من تخويفهم منكم بسبب قسوتكم ودعوهم ليسمعوا كلامكم وارشادكم برفق ولين، لعلهم أن يهتدوا بنصحكم وتوجيهكم فهم أو أولى ممن ذكرتهم الآية بدلاً من البعد عنهم واعتزالهم وتضليلهم، فهم إخوانكم ويئنون كما تئنون.

كما نزل عليه قوله تعالى: "وَمِمَّنْ حَولَكُمْ مِّنْ الأعْرَابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أهْلِ المَدينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلَى عَذابٍ عَظِيم) [ التوبة: ١٠١]، فلم يخاطبه الله عز وجل أن يبتعد عن دعوتهم ونصحهم وهم كفار فضلاً عن إخواننا المسلمين الذين لهم حق الولاء والنصح.

ولم يعتزل عليه الصلاة والسلام دعوة هؤلاء المنافقين والمشركين مكتفياً بالتحذير منهم عن بُعد إلا عندما استباحوا دمه ودم صحابته رضي الله عنهم أشد الاستباحة، فكيف بمن هم مسلمون ينصرون مذهب الحق في الظاهر، وإن تخللتهم أخطاء لا يسلم منها أحد.

فهل سلمتم أنتم من الأخطاء والزلات؟! وصرتم ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أم أن الأخطاء والزلات عندكم وعند غيركم من بني آدم.

يا إخواني كونوا خير خلف لخير سلف، فقد أدى الخلاف في أوساط خيرة الناس إلى النفرة والفرقة وانقسام أصحاب المنهج الشرعي الواحد إلى جماعات وأحزاب وعلى رأس كل حزب أو جماعة شيخ أو طالب علم، فأنتم تحذرون من الحزبية لكنكم بصنيعكم هذا تحزبتم وصار كل حزب من أحزابكم يجرح الآخر بسبب كلمة صدرت منه غير مقصودة أو رأي مستساغ أو لم يوافقكم في مسألة فيها سعة، أو لم يوافقكم في تبديع شخص من العلماء بدعه شيخ مختلف معه أو مشايخ اختلفوا معه، بل للأسف تردني اتصالات ورسائل من العوام يقولون نحن لا نحب السلفيين لأنه لا شغل لهم سوى غيبة الناس وتبديعهم وتضليلهم والتحذير من المشايخ والنيل من كل إنسان بحق أو بغير حق، ولا شك أن بعض كلام العوام فيه مبالغة لكن فيه أيضا من الصدق ما رأيناه وسمعناه وقرأناه لبعض المتعجلين، ولا شك أنكم بهذه التصرفات تشوهون سمعة طلبة العلم والصالحين والدعاة ممن ينكرون عليكم وهم على الجادة، بل وتحملون بهذه التصرفات غير السوية أخلاقا غير أخلاق نبيكم الكريم وصحابته الأطهار، فلا تكونوا عونا للشيطان من حيث لا تشعرون، فإن شركم يعم وخيركم يخص.
يا إخواني : لقد استغلَّ بعض المغرضين وأصحاب النفوس الضعيفة، وصغار القوم هذه الخلافات لتوسيعها في المجتمع الواحد بنشر الإشاعات والأكاذيب للنيل من الدعاة والعلماء بحجة أن العالم الفلاني أخطأ في المسألة الفلانية، ووقع في بدعة مضلَّة، وفارق الحق، ثم ألحقوه بأهل الضلال قبل استيفاء الحكم وشروطه وانتفاء موانعه.

ويا ليت شعري :

من ذا الذي ما ساء قطُّ

ومن له الحسنى فقطْ

كل ابن آدم خطَّاء، ولا يُصْلِح الخطأ الخطأ، والعنف والقسوة والتحذير والهجر ونحوها من مسببات الفرقة، وإنما يصلحه النصح وإقامة الحجج مع لين العبارة.

قال الشيخ عبد المحسن العباد : "ولا شك أن الواجب على أهل السنة في كل زمان ومكان التآلف والتراحم فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى، وإن مما يؤسف له في هذا الزمان ما حصل من بعض أهل السنة من وحشة واختلاف، مما ترتب عليه انشغال بعضهم ببعض تجريحاً وتحذيراً وهجراً، وكان الواجب أن تكون جهودهم جميعاً موجهة إلى غيرهم من الكفار وأهل البدع المناوئين لأهل السنة، وأن يكونوا فيما بينهم متآلفين متراحمين، يذكر بعضهم بعضاً برفق ولين "([3]).

وقال الشيخ الألباني - رحمه الله تعالى - ناصحاً أحد الشباب: "انظر - يا أخي - أنا أنصحك - أنت والشباب الآخرين - الذين يقفون في خط منحرف - فيما يبدو لنا - والله أعلم -:
أن لا تضيِّعوا أوقاتكم في نقد بعضكم بعضاً، وتقولوا: فلان قال كذا، وفلان قال كذا، لأنه:
أولاً: هذا ليس من العلم في شيء.
وثانياً: هذا الأسلوب يوغر الصدور، ويحقق الأحقاد والبغضاء في القلوب.

إنما عليكم بالعلم، فالعلم هو الذي سيكشف: هل هذا الكلام في مدح (زيد) من الناس – الذي له أخطاء كثيرة - ؟!
وهل - مثلاً- يحق لنا أن نسميه: (صاحب بدعة) ؟!
وبالتالي: هل هو مبتدع ؟!

ما لنا ولهذه التعمُّقات ! !

أنا أنصحُ بأن لا تتعمّقوا هذا التعمُّق - لأننا - في الحقيقة - نشكو - الآن - هذه الفُرقة التي طرأت على المنتسبين لدعوة الكتاب والسنة"([4]).
وقال الشيخ – رحمه الله - : "لذلك فالمقاطعة وسيلة شرعية وهو تأديب المهاجر والمقاطع، فإذا كانت المقاطعة لا تؤدبه بل تزيده ضلالاً على ضلال، حينئذ لا ترد المقاطعة، لذلك نحن اليوم لا ينبغي أن نتشبث بالوسائل التي كان يتعاطاها السلف لأنهم ينطلقون من موقف القوة والمنعة" - ثم قال - رحمه الله - : "لو فتحنا باب المقاطعة والهجر والتبديع، للزم أن نعيش في الجبال، الهجر لا يحسن أن يطبق، لأن المبتدعة والفساق هم الغالبون.
إذا انحرف منحرف : ترفقوا به، انصحوه، صاحبوه، فإذا يُئس منه أولا، ثم خشي أن تسري عداوته، إلى غيره ثانيا، يقاطع إذا غلب على رأيه أن المقاطعة هي العلاج، وإنما واجبنا: [ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] (النحل: 125)" ([5]) هـ.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.

وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.

....................

(١) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في "صحيحه" [كتاب الشهادات ، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2/938 رقم 2508)] ، ومسلم في "صحيحه" [كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم ، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (4/1964 رقم 2535)] .

([2] ) أخرجه البخاري في صحيحه [ كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه... (٢/٩٤ حديث رقم ١٣٥٦)].

([3]) عبد المحسن العباد، رفقا أهل السنة بأهل السنة (ص3).

(4) الألباني، سلسلة الهدى والنور، شريط رقم (784).

(5) الألباني، سلسلة الهدى والنور، شريط رقم (666).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 05-28-2017, 07:22 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي المختلفون في جواز نقولات بعض الدعاة أثناء تأليف المصنفات مِنْ بعض مؤلفات مَنْ قيل فيه

المختلفون في جواز نقولات بعض الدعاة أثناء تأليف المصنفات مِنْ بعض مؤلفات مَنْ قيل فيه مبتدع أو حزبي.

(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)

الحلقة (14)

بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
ظهر في صفوف السلفيين من ينكر على إخوانه الذين ينقلون في كتبهم بعض الفوائد العلمية الموافقة للكتاب والسنة من كتب بعض من قالوا فيه مبتدع أو حزبي بغض النظر أصابوا في التهمة أم أخطأوا.

في الوقت نفسه يرون جواز نقل الحق والراجح من كتب المتقدمين حتى ولو كانوا من أهل الأهواء؛ طالما الفائدة موافقة للكتاب والسنة، والبعض يمنع ذلك مطلقاً، بل يقول لا يحل النقل حتى الفائدة الموافقة للكتاب والسنة لأن الإنسان لا يملك قلبه فقد يزيغ بسبب مقولة تعجبه.

والصواب : لا بد من تفصيل، فإذا سلم النقل من البدعة أو الدعوة إلى التحزب والضلالات، وكان الناقل من أهل العلم ولفائدة تنصر الحق وأهله فلا بأس بذلك، ولا يزال علماؤنا ينقلون العلم ويأخذونه من مشارب مختلفة، طالما لم يتعارض مع نصوص الشرع المطهر، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري يقول النبي عليه الصلاة والسلام : " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".

قال ابن تيمية في كتابه منهاج السنة (2/324- 325) : " ونحن إنما نرد من أقوال هذا وغيره ما كان باطلاً وأما الحق فعلينا أن نقبله من كل قائل".

ولنضرب أمثلة على ما تقدم :

أولاً : جميع من نعرف من علماء الاسلام المعاصرين والمتقدمين ينقلون في بعض كتبهم كلمات فيها زهد ونصح ووعظ لقتادة بن دعامة السدوسي وهو ثقة مدلس في الرواية ومتهم في عقيدته بالقدر، ومع ذلك قال عنه الذهبي رحمه الله في كتابه سير أعلام النبلاء (5/271) : " إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلـله ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك”اهـ

ومثل قتادة أيضاً مجموعة ممن عرفوا بالبدعة وما زال علماؤنا ينقلون عنهم في كتبهم ويستشهدون بكلامهم، ومن هؤلاء الحسن البصري وأبو الفرج ابن الجوزي صاحب كتاب صيد الخاطر، وهناك شعراء فحول أصحاب عقائد فاسدة، وكثيراً ما نستشهد بشعرهم في مواطن الحق كجميل بثينة وأبي نواس والمتنبي، بل ونثني على بعض كلامهم في الكتب وأثناء المحاضرات والخطب اقتداء بعلمائنا المعاصرين والمتقدمين.

ثانياً : ما زال علماء الاسلام المعاصرون والمتقدمون ينقلون في بعض كتبهم عن من تلوث ببدعة أو ضلالة كثيراً من الترجيحات اللغوية والفقهية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها ما هو تفسير للقرآن والسنة، فيقدمون القول الراجح في المسألة حتى وإن كان الحق والراجح مع من عرف بالبدعة طالما وقوله موافق لأدلة الشرع المطهر، ولذا قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمة الله عليه – في مقدمة أضواء البيان (1/4) : " ونرجح ما ظهر لنا أنه الراجح بالدليل من غير تعصب لمذهب معين، ولا لقول قائل معين، لأننا ننظر الى ذات القول لا إلى قائله"، ثم قال رحمه الله : "ومعلوم أن الحق حق ولو كان قائله حقيرًا ، ألا ترى أن ملكة سبأ في حال كونها تسجد للشمس من دون الله هي وقومها لما قالت كلاماً حقاً صدقها الله فيه، ولم يكن كفرها مانعاً من تصديقها في الحق الذي قالته" اهـ.

وقال ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/82): " فعلى المسلم أن يتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قبول الحق ممن جاء به من ولي وعدو وحبيب وبغيض وبر وفاجر، ويرد الباطل على من قاله كائنا من كان "اهـ

والحاصل يا إخواني : أنه يتم تحذير العوام وصغار الطلاب والذي ما زال متوسطاً في طلب العلم من قراءة كتب الضلال التي تدعو إلى التحزب أو إلى البدع أو إلى المذاهب الهدامة حتى لا يتأثر بها فيزيغ لقلة علمه، أما المتمكن في علوم الشريعة أو المثقف المدرك للواقع والأخطار او طالب العلم القوي وكذا من أراد من أهل العلم وطلابه المتمكنين أن يقرأها وينتقي بعض الفوائد وخاصة لو الكتاب في الفقه او التفسير او الأدب او الأنساب ونحوها او اراد ان يقرا للرد على مؤلفيها حتى يدفع ضلالهم عن الأمة فلا حرج في ذلك.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه شرح لمعة الاعتقاد صفحة (100) :" ومِنْ هَجْرِ أهل البدع : ترك النظر في كتبهم خوفاً من الفتنة بها ، أو ترويجها بين الناس ، فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب لقوله صلى الله عليه وسلم في الدجال "من سمع به فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات". "رواه أبو داوود ، لكن إن كان الغرض من النظر في كتبهم معرفة بدعتهم للرد عليها فلا بأس بذلك لمن كان عنده من العقيدة الصحيحة ما يتحصن به وكان قادراً على الرد عليهم ، بل ربما كان واجباً ، لأن رد البدعة واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب."اهـ

وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.

وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 05-28-2017, 11:06 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي تحرير النزاع العصري في مسالة إقامة المحاضرات والندوات ونحوها في المساجد والمراكز

تحرير النزاع العصري في مسالة إقامة المحاضرات والندوات ونحوها في المساجد والمراكز والجمعيات المتهمة بالبدعة الحزبية
( ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)
الحلقة (15)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
يرى بعض المشايخ أن إقامة الدرس أو المحاضرة أو الندوة ونحوها في أي مسجد أو مركز أو جمعية تحت أيدي من يتهمونهم بالحزبية أمر لا يجوز؛ بحجة أن حضور الفاضل إلى مثل هؤلاء يكثّر سوادهم ويعينهم على ما هم عليه، وبالتالي يظن العامي والمغرر به أنهم على المنهج القويم بمجرد حضور هذا الفاضل.
والقول الفصل : أن المساجد بيوت الله، وليست ملكاً لأحد، فإذا وعظ فيها الفاضل أو خطب أو درّس بعيداً عن البدعة والحزبية، فلا يحل لأحد أن يمنعه.
قال الله تعالى: (وأَنَّ المَساجِدَ لله فَلا تَدْعُو مَعَ الله أَحَدًا)[ الجن:١٨ ].
وقال سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدًوّ والأصَال) [النور : ٣٦].
وقال الله تعالى: (ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ الله أَنْ يُذكَرَ فيها اسْمُهُ وسَعَى فِي خَرابِها) [البقرة ١١٤].
أما من جاءها يدعو الناس إلى البدعة والضلالة والحزبية والشرك ونحوها من المخالفات الشرعية، فيلزم القائم عليها منعه من ذلك إن كانت لديه قدرة من غير مفسدة مترجحة حفظاً لعقيدة الأمة ومنهجها من الضلال والانحراف، ولا يُقدّر مثل هذه المسائل والمفاسد سوى العلماء، ولذا لزم استشارتهم حسب الزمان والمكان.
وأما إقامة المحاضرات والندوات والدروس ونحوها في مثل هذه الجمعيات والمراكز والمعاهد فإن هذا متاح شرعاً لكل من نشر العقيدة الصحيحة والمنهج السليم فيها وتعزى بمنهج أهل الحق من خلال دعوته وتدريسه، فإن الجامعات الإسلامية اليوم، ومثلها المعاهد والمراكز والمدارس النظامية لا تسلم من الدخن، فتجد فيها صاحب البدعة وصاحب السنة، ومع ذلك لا نجد صاحب السنة يعتزلها ويتركها لصاحب البدعة طالما استطاع نشر السنة من خلالها، فلماذا نفرق بين الأمرين، أم أن الجامعة ونحوها تُعطي راتبا ماديا مغريا، وأصحاب تلكم المراكز والجمعيات غير النظامية دون ذلك في العطاء (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمون(٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسون) [القلم : ٣٦، ٣٧].
ثم هذه الجمعيات والمراكز غير النظامية طالما أتاحت لكم الفرصة للدعوة من خلالها وأنتم تدَّعون وجود بعض المخالفات الشرعية فيها وفي القائمين عليها ، فأتوهم وناصحوهم وأظهروا لهم منهج الحق ولا تعتزلوهم وتعينوا الشيطان عليهم بالابتعاد عن إتيانهم للنصيحة، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يأتي نوادي أهل الكفر والشرك والفجور.
وقد سيق أن قلت أن النبي عليه الصلاة والسلام : " زار ابن اليهودي ودعاه إلى الإسلام فأسلم، وقد أخرج حديثه الإمام البخاري في صحيحه عن أنس: "أن غلاما من اليهود كان مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: "أسلم" فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: »الحمد لله الذي أنقذه بي من النار« ([1]).
ونزل عليه قوله تعالى: (وإِنْ أحَدٌ مِنَ المُشْركِينَ اسْتَجارَكَ فَأجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأمَنَه) [التوبة:٦]. فأعطوا الأمان لإخوانكم بدلا من تخويفهم منكم بسبب قسوتكم ودعوهم ليسمعوا كلامكم وإرشادكم لعلهم أن يهتدوا بنصحكم وتوجيهكم لو معكم حق عليهم، فهم أولى ممن ذكرتهم الآية بدلا من البعد عنهم.
كما نزل عليه قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَولَكُمْ مِّنْ الأعْرَابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أهْلِ المَدينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلَى عَذابٍ عَظِيم) [ التوبة: ١٠١]، فلم يخاطبه الله عز وجل أن يبتعد عن دعوتهم ونصحهم وهم كفار فضلا عن إخواننا المسلمين الذين لهم حق الولاء والنصح.
ولم يعتزل عليه الصلاة والسلام دعوة هؤلاء المنافقين والمشركين مكتفيا بالتحذير منهم عن بُعد إلا عندما استباحوا دمه ودم صحابته رضي الله عنهم أشد الاستحلال، فكيف بمن هم مسلمون ينصرون مذهب الحق في الظاهر، وإن تخللتهم أخطاء لا يسلم منها أحد.
أما أنه يُخشى على من أتاهم أن يصير حزبياً أو منحرفاً أو ماديّا ونحوها من الادعاءات، فالجواب: أن مثل هذا يجب عليه أن يقعد في بيته ولا يأتيهم أو ينتقدهم لأنه جاهل أو طالب علم هزيل لا يقوى على رد الشبه وبيان الحق، وقد يغرونه بالمال فيصير حزبيًّا لدى من صحَّت في حقهم الحزبية، ومثله لا يتكلم ولا ينقد عن بُعد لأن الخطاب موجه للدعاة الفضلاء المنصفين المتعلمين ممن يستطيع إقامة الحجج وإزالة الشُّبه عن المنحرفين والحزبيين وأصحاب البدع، ولديه أهلية لنشر مذهب الحق الذي هو دين الله في أرضه.
ولا يعني ذلك إلزام إتيان هذه الجمعيات والمراكز والمعاهد غير النظامية، وإنما بيان الشرع في ذلك كما تقدم، وأنه لا إنكار على من أتاها بنية الدعوة إلى الله مظهراً المنهج السليم.
كما لا يعني ذلك أن كل جمعيات العالم الإسلامي سلمت من الحزبية؛ بل هناك من حوَّل بعض الجمعيات إلى وكر للحزبية مضيقاً ما وسعه الله على هذه الأمة، إلا أنه ليس عدلاً وصف كل الجمعيات بهذا الداء المقيت إلا بدليل مشاهد.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.



([1] ) أخرجه البخاري في صحيحه [ كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه... (٢/٩٤ حديث رقم ١٣٥٦)].
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 05-29-2017, 05:57 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي خطر الحكم على المشايخ بالابتداع والتحذير منهم بمجرد وقوعهم في بدعة أو شبهة أو زلة

خطر الحكم على المشايخ بالابتداع والتحذير منهم بمجرد وقوعهم في بدعة أو شبهة أو زلة ونحوها

الحلقة (16)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
وقع بعض المشايخ في أخطاء لا تصل بهم لدرجة البدعة، ومِنْ المشايخ من وقع في لفظة وافقت قولاً لبعض المبتدعة من غير قصد لمعرفة الأمة باستقامة هؤلاء المشايخ وبأصولهم ودفاعهم عن السنة وأهلها، ومع ذلك نجد أن بعض المنتسبين للعلم يلحقهم بالمبتدعة ويحذر منهم قبل تحرير المسألة الواقعة، وقبل عرضها على نصوص الكتاب والسنة وأقوال أئمة الدين.
قال ابن تيمية رحمه الله: »ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع المنهي عنه في الكتاب والسنة، أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص، فقد يكون على وجه ويعذر فيه، لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته«([1])اهـ.
وقال رحمه الله: »وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وإما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله : "رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأنا" [ البقرة: ٢٧٦ ] وفي الصحيح يقول الله عز وجل: »قد فعلت«([2])اهـ.
وقال رحمه الله: » كما قررته في غير هذا الموضع وقررته أيضاً في أصل التكفير والتفسيق المبني على أصل الوعيد؛ فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يُستلزم ثبوت موجبها في حق المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع«([3])اهـ.
وقال رحمه الله: »هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني، أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أن قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية«([4])اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله: »وذو النون أحد الشيوخ الذين حضروا السماع تأويلاً ـ وليس ذو النون بأجلَّ من سفيان الثوري وشريك بن عبد الله ومسعر بن كدام ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم من أئمة الكوفة، الذين استحلوا النبيذ المسكر تأويلاً، ولا بأجلَّ من عطاء بن أبي رباح وابن جريج وغيرهما ممن استحل الأكل في رمضان بعد طلوع الفجر، ولا بأجلَّ ممن استحل أكل ذي الناب من السباع والمخلب من الطير، ولا بأجلَّ ممن استحل إتيان النساء في أدبارهن، ولا بأجلَّ ممن جوَّز للصائم أكل البرد، ولا بأجلَّ ممن جوَّز نكاح الزانية مع استمرارها على البغاء، وجوز نكاح البنت المخلوقة من مائة سفاحاً، وغير ذلك بالتأويل، وكذلك الذين استحلُّوا قتال على بن أبي طالب من أهل الشام، وكذلك الذين قاتلوا معه من أهل العراق والحجاز إلى أمثال ذلك مما تنازعت فيه الأمة، فليس لأحد أن يحتج لأحد القولين لمجرد قول أصحابه وفعلهم وإن كانوا من أهل العلم والدين، وليس لعالم أن يترك الإنكار عليهم وبيان ما بعث الله به رسوله لأجل محلهم من العلم والدين، ولا لأحد أن يقدح فيهم ويفسقهم، لما هم عليه من العلم والدين، فلا يحتج بقولهم ولا يؤثمهم ولا يترك الإنكار عليهم، فهذا ميزان أهل العلم والاعتدال« ([5]).
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : "وإذا وقع الخطأ يُبيَّن الخطأ بالأسلوب الحسن، والمفاهمة، بقصد الفائدة ليس بقصد التشهير والعيب، وبعض الناس يكتب نشرات في بعض الدعاة، نشرات خبيثة رديئة، لا ينبغي أن يكتبها طالب علم، لأنه أخطأ في كلمة، أو ظن أنه أخطأ في كلمة، فلا ينبغي هذا الأسلوب، طالب العلم الحريص على الخير يسأل عما أشكل عليه بالأسلوب الحسن، والدعاة ليسوا معصومين سواء كانوا مدرِّسين أو خطباء أو في محاضرة أو في ندوة"([6]).

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - : "نقول كل إنسان مهما بلغ من العلم والتقوى، فإنه لا يخلو من زلل، سببه إما الجهل أو الغفلة أو غير ذلك، لكن المنصف كما قال ابن رجب - رحمه الله - في خطبة كتابه (القواعد): المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه.
ولا أحد يأخذ الزلات ويغفل عن الحسنات إلا كان شبيهاً بالنساء، فإن المرأة إذا أحسنتَ إليها الدهر كله، ثم رأت منك سيئة واحدة قالت: لم أرَ منك خيراً قط.
ولا أحد من الرجال يحبُّ أن يكون بهذه المثابة أي بمثابة الأنثى، يأخذ الزلة الواحدة، ويغفل عن الحسنات الكثيرة"([7])اهـ.
وقال - رحمه الله - : "وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به الإنسان، ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق، فلا شك أن هذا خلاف السلفية"([8]).

وقال - رحمه الله - : "لكن بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا صار يُضلِّل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتخذها بعضهم منهجاً حزبياً كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى الإسلام"([9]).
وقال الشيخ صالح الفوزان سلمه الله : "من مفاسد التفرق كذلك حصول التفرقة بين المسلمين، بسبب اشتغال بعضهم ببعض في التجريح بالألقاب السيئة، و كلٌّ يريد أن ينتصر لنفسه من الآخر، فينشغل المسلمون بأنفسهم، وهذا يكون على حساب تعلُّم العلم النافع، فإن كثيرًا كثيرًا من طلبة العلم فيما يبلغنا أن همهم وشغلهم الشاغل هو الكلام في الناس، وفي أعراض الناس في مجالسهم، وفي تجمعاتهم، يخطّئون هذا، ويصوّبون هذا، ويزكون هذا، ويضلّلون هذا، فليس لهم شغل إلا الكلام في الناس"([10])اهـ.

ولا يعني ما تقدم أننا ندعو الفضلاء إلى ترك الردود العلمية على المخالفين من أهل الأهواء والبدع أو أهل الانحراف عن الدين أو غيرهم ممن ثبتت في حقه البدعة وتمسك بها ودعا إليها رغم قيام الحجج المفحمة عليه، بل القضية تتعلق بحق إخوانهم الذين وقعوا في خطأ غير مقصود أو اختلفوا معهم في مسائل يسوغ فيها الخلاف والاجتهاد سواء كانت مسائل عارضة في عصرنا الحاضر أو مسائل سبق الخلاف فيها مما لا يتصادم مع نصوص الشريعة.
ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا الباب: أنه يجب على المسلم الدفاع عن أعراض إخوانه العلماء والدعاة وغيرهم من عامة الناس إذا انتهكت أعراضهم أمامه.
وهذا واجب شرعي كاد أن يغيب اليوم في صفوف كثير من المتعلمين خلافاً لما كان عليه الأوائل.
وقد ثبت في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "مَنْ رَدَّ عن عرض أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة"([11])اهـ.
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم ردَّ غيبة مالك بن الدخشم، وقال للقائل الذي قال: إنه منافق لا يحب الله ورسوله: "لا تقل ذاك، ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"، فقال: الله ورسوله أعلم، أما نحن فوالله لا نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"([12]).
وردَّ معاذ بن جبل غيبة كعب بن مالك، لما قال الرجل فيه عند النبي صلى الله عليه وسلم: حبسه النظر في برديه، فقال معاذ: "بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً"([13])اهـ.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "والواجب - بارك الله فيك - لمن صدر منه ما يُنتقد عليه, أن يدافع الإنسان عن أخيه إذا سمع من ينتقده في هذا، ويقول: لعله اشتبه عليه الأمر، لعل له تأويلاً، لا سيما من عُرف بالصدق والإخلاص، وحب نشر العلم"([14])اهـ.
ومما ينبغي التنبيه عليه أيضاً: أن الخلائق غير مطالبة شرعاً بجرح فلان من الناس، فهذا شيء لم يكلفك الله به، فإن كلفت نفسك به وجرحت غيرك تعرضت للسؤال عنه يوم القيامة وحُق لمن ظلمته أن يقتص منك، نعم من واجب العالم الورع التقي الذي توفرت في حقه شروط الجرح أن يجرح المخالف للشرع – من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - جرحاً موازياً للخطأ على قدر الحاجة بما يزيل المفسدة بميزان العدل والإنصاف، ولديه جواب وحجة إذا عُرض يوم العرض على الله، وإلا اقتص منه حتى وإن كان أعلم الخلق وأتقاهم، فما بالكم بمن هو دون العلماء الورعين الأتقياء، فاتقوا الله وأعدوا الجواب والعدة ليوم العرض على الله، يا من جرحتم من غير روية، رحمني الله وإياكم.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.

..........الحواشي..........

([1] ) ابن تيمية، مجموع الفتاوى (١٠/٣٧٢).
([2] ) المصدر السابق، (١٩/٢٨٦). والحديث أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الإيمان، باب بيان قوله تعالى: (وإِن تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُم أو تُخْفُوه)[البقرة:٢٨٤] (١/١١٦ رقم الحديث ١٢٦)]، من حديث ابن عباس رضي الله عنه
([3] ) المصدر السابق، الموضع نفسه.
([4] ) ابن تيمية، مجموع الفتاوى ( ٣/٢٢٩ـ٢٣٠).
([5] ) ابن القيم، الكلام على مسألة السماع (ص ٢٦٥ ما بعدها).
(6) ابن باز، محاضرة صوتية بعنوان "نصيحة ووجوب حسن الظن بالدعاة والعلماء لسماحته".
([7]) ابن عثيمين، لقاءات الباب المفتوح، جمع الطيار (455 – 456/3).
([8]) ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح، السؤال رقم: (1322).
([9]) المصدر السابق.
([10]) الفوزان، كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة (69/3).
([11]) أخرجه الترمذي في سننه [كتاب البر والصلاة، باب "ما جاء في الذب عن عرض المسلم"، (4/327 رقم 1931)] من حديث أبي الدرداء، والحديث صحيح.
([12]) أخرجه البخاري في صحيحه [أبواب المساجد، باب المسجد في البيوت (1/164 رقم 415)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر (1/454 رقم33)] كلاهما من حديث محمود بن الربيع الأنصاري.
([13]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب المغازي]، باب حديث كعب من مالك وقول الله عز وجل: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) (4/1603)، ومسلم في صحيحه [كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه (4/2120 رقم 2769)].
([14]) ابن عثيمين، فتوى صوتية حول وجوب الدفاع عن أعراض المسلمين.
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 05-31-2017, 01:56 AM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي خوض بعض الفضلاء حول قاعدة »من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع«

خوض بعض الفضلاء حول قاعدة »من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع«
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)
الحلقة (17)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
مما يعاب على بعض الفضلاء القول بقاعدة »من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع« وقد نشروها على إطلاقها بين محبيهم، وكان هذا في بداية فتنة الاختلافات ثم تراجع عنها طابور كبير ممن كان يفتي بها وينشرها بعد أن ذاع بين كبار العلماء وطلبة العلم الورعين أن هذا مذهب الرافضة والخوارج وليس مذهباً لأهل السنة، فتراجع عامتهم وصاروا يحذرون منها لكن عند التطبيق يعمل بها جمعٌ حتى كتابة هذه الأحرف 4 رمضان عام 1438هـ.
وقد تسببوا في تبديع بعض إخوانهم ممن عرفوا بالعقيدة الصحيحة والمنهج القويم، إذ القول بهذه القاعدة من غير قيود يفضي إلى مخاطر كثيرة، منها :
الأول: إلزام العلماء جميعاً وطلاب العلم والعوام بتبديع كل من قيل فيه مبتدع، وقد حصل ذلك، حتى تجرأ بعضهم على كبار العلماء ممن رفض هذا الإلزام غير الشرعي، وتشاجر بعض العوام بسببها، بل طالب أحدهم تطليق ابنته من شاب رفض العمل بها ورفض أن يبدع من بدَّعه الشيخ الفلاني.
الثاني: امتحان الناس في الشخصيات التي قيل فيها مبتدع.
الثالث: إقامة الولاء لمن وافق على التبديع والبغض لمن لم يبدع.
الرابع: توسيع دائرة الفرقة والاختلاف في المجتمع الواحد.
الخامس: عدم التقيد بضوابط التبديع التي قام على مثلها الدليل والاعتماد على قواعد فكرية لم يقلها علماء السنة
السادس: نصب مذهب التقليد الأعمى.

يقول الشيخ صالح بن سعد السحيمي: "هذه القاعدة من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع بهذا الإطلاق قاعدة فاسدة ليست صحيحة وإنما لا بد لها من عدة قيود.
فإذا توافرت تلك القيود فعندها نقول: من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع.
القيد الأول: أن يكون هذا الأمر الذي بُدع به الشخص أمراً بدعيًّا بالفعل لم يدل عليه دليل لا من كتاب الله عز وجل ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ بل هو أمر مخترع في الدين كبدع التصوف وبدع التأويل، وبدع التحريف والتعطيل وبدعة الجهمية والمعطلة والمعتزلة والأشعرية والماتريدية وما إلى ذلك من البدع التي حدثت في الدين.
وضابط البدعة ... تستطيع أن تقول : كل ما أُحْدِث في الدين على أنه دين يتقرب به إلى الله فهو بدعة.
وقد عرفها الإمام الشاطبي رحمه الله بقوله : »البدعة هي طريقة مخترعة في الدين تضاهي الشرعية، ويُقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى«.
فما انطبق عليه هذا التعريف فهو بدعة.
إذاً لا بد أن نعلم: القيد الأول، لا نطبق هذا الأمر حتى نعلم أن هذا الأمر الذي اتصف به الشخص أمر بدعي لم يأت عليه دليل لا من كتاب ولا من سنّة، ولم يثبت عن أحد من سلف الأمة.
القيد الثاني: أن تنطبق هذه البدعة على ذلكم الشخص الذي وصف بأنه مبتدع يعني أن يكون معروفاً بمقارفة وممارسة هذه البدعة.
ثالثا: [القيد الثالث]: أن لا يكون لديه عذر كجهل أو إكراه أو نحو ذلك.
رابعا: [القيد الرابع]: أن تكون البدعة ديدناً له.
»أما من وقع في شيء من الأخطاء اليسيرة فلا يبدَّع بإطلاق، وإنما يكون عمله هذا بدعة، ونحن ما عرفنا أحداً بدَّع العلماء الذين صدرت منهم بعض المخالفات مثل النووي وابن حجر، ما عرفنا من يبدعهم بإطلاق وعندهم طوام في هذا الباب؛ بل لو طبقنا هذه القاعدة ما سلم حتى بعض التابعين مثل قتادة وغيره رحمهم الله.
لكن كما قلت لابد من هذه الضوابط أن يكون وصل إلى الحد الذي يُبَدَّع فيها كأن يكون داعية إلى تلك البدعة وأن يكون منهجه منهج المبتدعة.
أما من وقع في زلة أو خطأ أو نحو ذلك، فيقال: إن هذا العمل بدعة، لكن لا يوصف الشخص بشكل عام بأنه مبتدع.
القيد الخامس: أن يكون الذي يراد أن تطبق عليه هذه القاعدة »من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع« وأن يكون عالماً بأن هذا العمل بدعة، وأن ذلك المبتدع تنطبق عليه القيود السابقة.
أما أن تأتي إلى شخص فتمتحنه بصاحب بدعة وهو لا يعرفه أو لا يعرف بأن هذا الأمر بدعة.
وتقول: ما موقفك من فلان مثلا فإن بدَّعه ووافقك فهو سني عندك، وإن لم يبدَّعه وإن كان لا يعرفه ولم يعرف مقولاته، وربما كان جاهلا بذلك فأنت توقعه فيها، فعندها لا تبدعه.
لا تمتحن الناس بالأشخاص، فإن بعض الناس لا يعرفون بعض الأشخاص، فلو أن شخصاً لا يعرف مثلاً عقيدة الجهمية أو المعتزلة ولم يصدر عنه شيء في ذلك، ونحن نعلم الردود الكثيرة من علماء على تلك الفئات، لكنْ شخصٌ على فطرته أو أسلم لتوّه، فهل يجوز أن تمتحنه بهؤلاء؟
الجواب: لا، (لا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [ البقرة: ٢٨٦].
وهذا لا يدري، بل إنك ربما تشوش على الآخرين عندما تكون في مكان لا رواج فيه لتلك البدع والناس على فطرهم.
علّمهم الدين الصحيح المستمد من الكتاب والسنة ولا تدخلهم في تلك المتاهات، فإنك بهذا قد تضرهم وقد توقعهم في الحيرة، فإذا تمكنوا وعرفوا منهج السلف عند ذلك بيّن لهم أحوال أولئك المبتدعة.
والضابط السادس: أن لا يترتب على ذلك فتنة وخطر على المسلمين، فإن تأخير بعض الأمور قد يجوز لمصلحة معينة تُرعى فيها المصالح والمفاسد.
وأنبه حتى لا يُفْهَم عني خطأ على مسألة:
أنا لا أعني أن توازن إذا أردت أن ترد على مبتدع لا بد من الموازنات بين حسناته وسيئاته، أبدا هذا منهج فاسد، لم يقل به أحد إلا الحزبيون الضالون، لكن أقول: إذا كان يترتب على إزالة المنكر منكر أكبر منه فإنه يُجتهد في الإزالة بالطرق الأخرى، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يغير هيئة الكعبة مع أنها بُنيت على غير قواعد إبراهيم؛ بل قال صلى الله عليه وسلم لعائشة أمنا أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها ولعن الله من أبغضها وقلاها، قال عليه الصلاة والسلام: »لولا أن قومك حدثاء عهد بكفر لهدمت الكعبة ولبنيتُها على قواعد إبراهيم«([1]).
فلا تمتحن الناس بمثل هذه القاعدة بغير هذه الضوابط، فإذا توافرت هذه الضوابط ورأيناه يذوب مع أهل البدع ويدافع عنهم بعد علمه بخطورتها وبحكمها الشرعي، عند ذلك يُبدع ولا كرامة.
وهذا بشرط سابع: وهو أن تكون قد بذلت له النصح والتوجيه حتى لا يبقى للنصح مجال، ويصر على مماثلة أهل البدع ومصانعتهم والدفاع عنهم بعد علمه وإقامة الحجة عليه ومواصلة نصحه، فإذا أصر على ذلك، بعد هذا كله نقول: إنه مبتدع لأنه لم يبدّع أصحاب البدعة.
أرجو أن تُستوعب هذه الضوابط استيعاباً جيداً، وأن لا تؤول أو تصرف عن المقصود منها« ([2])اهـ.
وسئل الشيخ الألباني رحمه الله عن صحة هذه القواعد من لم يكفر الكافر فهو كافر، ومن لم يبدع المبتدع فهو مبتدع، ومن ليس معنا فهو ضدنا.
فأجاب بقوله:» من هو صاحب هذه القواعد ومن قعدها؟ ـ على سبيل الإنكار، ثم ذكر قصة أحد علماء ألبانيا الذي كفر من لم يهيئ له نعله للخروج من الدار حيث قال ـ واللفظ للألباني ـ : »هذا كفر لأنه لم يحترم العالم ومن لم يحترم العالم لا يحترم العلم، والذي لا يحترم العلم لا يحترم من جاء بالعلم، والذي جاء بالعلم هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا سلسلها إلى جبريل إلى رب العالمين، فإذاً هو كافر«.
ثم قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ : »ليس شرطاً أبدا أن من كفَّر شخصاً وأقام عليه الحجة أن يكون كل الناس معه في التكفير، لأنه قد يكون متأولاً، ويرى العالم الآخر أنه لا يجوز تكفيره، وكذلك التفسيق والتبديع، فهذه الحقيقة من فتن العصر الحاضر، ومن تسرع بعض الشباب في ادعاء العلم.
المقصود أن هذا التسلسل وهذا الإلزام غير لازم أبداً، هذا باب واسع قد يرى عالم الأمر واجباً ويراه الآخر ليس كذلك، وما اختلف العلماء من قبل ومن بعد إلا لأنه من باب الاجتهاد، لا يُلْزِم الآخرين أن يأخذوا برأيه، الذي يُلزم بأخذ رأي الآخر إنما هو المقلد الذي لا علم عنده وهو الذي يجب عليه أن يقلد، أما من كان عالمًا فالذي كفَّر أو فسَّق أو بدّع ولا يرى مثل رأيه فلا يلزمه أبدا أن يتابع ذلك العالم« ([3]).
وسئل الشيخ صالح الفوزان ـ عضو اللجنة الدائمة ـ : ما حكم الذين يلزمون الناس بتبديع بعض الدعاة وبناء الولاء والبراء على ذلك وهجر من لم يبدع؟
فأجاب بقوله: لا تلتزم بهذا ولا تطعهم في هذا، قل أنا بريء من هذا ومعافيني الله من هذا ولا أدخل فيه، ولا أعرف عنه [شيئا] «([4]).

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : »فما بالنا نمتحن الناس الآن ونقول: ما تقول في كذا؟ ما تقول في الرجل الفلاني؟ ما تقول في الطائفة الفلانية؟ أكان الرسول عليه الصلاة والسلام يمتحن الناس بهذا، أم كان الصحابة يمتحنون الناس بهذا؟! إن هذا من شأن الشُعَب الضالة التي تريد أن تفرق الناس«([5]).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد:» ومن البدع المنكرة ما حدث في هذا الزمان من امتحان بعض من أهل السنَّة بعضا بأشخاص، سواء كان الباعث على الامتحان الجفاء في شخص يُمتحن به، أو كان الباعث عليه الإطراء لشخص آخر، وإذا كانت نتيجة الامتحان الموافقة لما أراده الممتحن ظفر بالترحيب والمدح والثناء، وإلاَّ كان حظّه التجريح والتبديع والهجر والتحذير... ثم قال الشيخ العباد : ولو ساغ امتحان الناس بشخص في هذا الزمان لمعرفة مَن يكون من أهل السنة أو غيرهم بهذا الامتحان، لكان الأحقَّ والأولى بذلك شيخ الإسلام ومفتي الدنيا وإمام أهل السنة في زمانه شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المتوفى في ٢٧ من شهر المحرم عام ١٣٢٠ هـ، ـ رحمه الله وغفر له وأجزل له المثوبة ـ ، الذي عرفه الخاصُّ والعام بسعة علمه وكثرة نفعه وصدقه ورفقه وشفقته وحرصه على هداية الناس وتسديدهم، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً؛ فقد كان ذا منهج فذّ في الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، يتَّسم بالرّفق واللّين في نصحه وردوده الكثيرة على غيره، منهج سديد يقوّم أهلَ السنّة ولا يقاومهم، وينهض بهم ولا يُناهضهم، ويسْمو بهم ولا يسِمًهم، منهج يجمع ولا يُفرِّق، ويلمُّ ولا يمزق، ويُسدد ولا يبدد، ويُيسِّر ولا يُعسِّر، وما أحوج المشتغلين بالعلم وطلبته إلى سلوك هذا المسلك القويم والمنهج العظيم!؛ لِمَا فيه من جلب الخير للمسلمين ودفع الضَّرر عنهم.
والواجب على الأتباع والمتبوعين الذين وقعوا في ذلك الامتحان أن يتخلصوا من هذا المسلك الذي فرَّق أهل السنة وعادى بعضُهم بعضاً بسببه، وذلك بأن يترك الأتباعُ الامتحان وكلَّ ما يترتب عليه من بُغض وهجر وتقاطع، وأن يكونوا إخوةً متآلفين متعاونين على البر والتقوى، وأن يتبرَّأ المتبوعون من هذه الطريقة التي توبعوا عليها، ويُعلنوا براءتّهم منها ومِن عمل مَن يقع فيها، وبذلك يسلم الأتباع من هذا البلاء، والمتبوعون من تبعة التسبُّب بهذا الامتحان وما يترتَّبُ عليه من أضرار تعود عليهم وعلى غيرهم« انتهى كلام العباد ([6])، وقد نقلته بطوله لأهميته.
ومن العجب العجاب: أن بعض الفضلاء في عصرنا الحاضر يبني فتواه في تبديع غيره أو تحزيبه على فتوى بعض المشايخ؛ فتنتشر في أوساط محبِّيه مُورِّثهً في أوساطهم سوء التلقي للعلم الصحيح على أصوله وأسسه، ولا شك أن فتوى كهذه تُعد خارجة عن أصول الإفتاء الشرعي؛ إذ إن الفتوى الشرعية تقوم على الأدلة من الكتاب والسنة لا على أقوال الناس، فكل زلة أو ضلالة أو بدعة صدرت من المخالف، لا يحكم عليها بأنها بدعة أو ضلالة إلا بدليل شرعي لا بقول فلان من المشايخ وما رآه، فإن كان ولا بد من جواب على السؤال الوارد من المستفتين عن الأعيان وأحوالهم، -وكان ولا بد أن يتكلم ولا مجال للسكوت - فليقل ذلك الفاضل ـ مقلداً ـ : قال فيه الشيخ الفلاني كذا، وأما أنا فما أعلم عنها إلا خيراً أو ما سبق قرأت أو سمعت له، أما أن يقول قال فيه الشيخ الفلاني كذا وقال فلان فيه كذا فيجعل أقوال غيره كأنها أدلة شرعية ثم يخرج بفتوى بمثل ما قالوا حسب دعواه قبل سبر واستقراء ما وقع فيه المخالف وقبل ربط ذلك بأدلة الكتاب والسنة، فهذا منهج غير سوي؛ بل هو سبيل من جعلوا العصمة في مشايخهم كالرافضة وغلاة الصوفية وأضرابهم، حيث يجعلون أقوال أئمتهم حججاً على الخلق.
قال ابن تيمية: »ونقل ابن الصلاح عن الحليمي والروياني من الشافعية أنه لا يجوز للمفتي أن يفتي بما هو مقلد فيه« ([7]).
وقال ابن القيم:» لا يجوز للمقلد أن يفتي في دين الله بما هو مقلد فيه وليس على بصيرة فيه سوى أنه قول من قلَّده، هذا إجماع السلف وبه صرح الشافعي وأحمد وغيرهما« ([8]).
وقال ابن تيمية: »فلا يُنتصر لشخص انتصاراً مطلقاً عاماً إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لطائفة انتصاراً مطلقاً عاماً إلا للصحابة رضي الله عنهم أجمعين؛ فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا، فإذا أجمعوا لم يجمعوا على خطأ قط، بخلاف أصحاب عالم من العلماء، فإنهم قد يجمعون على خطأ، فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليس مسلمًا إلى عالم واحد وأصحابه، ولو كان كذلك لكان الشخص نظيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم « ([9]).
وقال الشيخ المعلمي اليماني رحمه الله: »من أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل؛ ومن أمضى أسلحته أن يرمي الغالي كل من يحاول رده إلى الحق ببغض أولئك الأفاضل ومعاداتهم«([10]).
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.


([1] ) أخرجه الشيخان.
([2] ) صالح السحيمي، فتوى مسجلة صوتيا لفضيلته تتعلق بجواب عن سؤال حول قاعدة: »من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع«، والفتوى منشورة على الشبكة العنكبوتية.
([3] ) الألباني، أشرطة سلسلة الهدى والنور، رقم (٧٧٨) الوجه الأول.
([4] ) الفوزان، شريط مسجل بعنوان »دروس التفسير بالحرم بتاريخ ١٤ رجب ١٤٣٣ هـ«.
([5]) بن عثيمين، شريط مسجل ضمن مجموعة ابن عثيمين الصوتية، وهو منشور على الشبكة العنكبوتية تحت عنوان »موقف ابن عثيمين رحمه الله من ظاهرة الامتحان بالأشخاص«.
([6] ) العباد، جريدة الوطن الكويتية، سلسلة مقالات بعنوان »الحث على اتباع السنة والتحذير من البدع وبيان خطرها (٥،٦) وقد نشر بتاريخ ٢٠١٣/٠١/٦.
([7] ) ابن تيمية، الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص٢٦٣).
([8] ) ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين (٤/١٩٥).
([9] ) ابن تيمية، منهاج السنة (٥/١٨١ – ١٨٢).
([10] ) المعلمي، التنكيل(١/٦). فتوى في عزل الحاكم
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 05-31-2017, 08:56 AM
الأثري العراقي الأثري العراقي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
الدولة: العراق
المشاركات: 2,016
افتراضي

جزاك الله خيراً
أين أجد هذا المقالات ؛ أريد أن أُرتبها في ملف واحد

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 05-31-2017, 11:09 PM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي الإنكار على السلطان في العلن وتأليب العامة للخروج عليه

الإنكار على السلطان في العلن وتأليب العامة للخروج عليه
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)

الحلقة (18)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني.
هذه مسألة شائكة انتشرت اليوم في أوساط الشعوب الإسلامية، موافقة للديمقراطيين والخوارج، وهي مسألة إظهار عوار الحاكم للأمة.
ومما لا شك فيه شرعاً أنه يجب إنكار المنكرات سواء كانت من السلطان أو من عامة الناس، إلا أن إنكار مثل ذلك على السلطان لا بد فيه من الحكمة ونصيحة السر؛ لأمرين اثنين:
الأول: أن هذه طريقة الصحابة وأصحاب القرون المفضلة وهي الموافقة للنصوص الشرعية.
الثاني: حرصاً على جمع الكلمة، وخوفا من فتك السلطان.
فأما الأول: فقد ورد في ذلك بعض الأحاديث والآثار العديدة، ومن ذلك:
ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: »من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية، وليأخذه بيده، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه« ([1]).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال:» قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه« ([2]).
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر فقال: »إن كنت فاعلاً ولابد ففيما بينك وبينه«([3]).
ولذا فحديث أبي سعيد الخدري الذي يقول فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر« ([4])، يؤكد نصيحة السر بقوله: »عند سلطان جائر«، ولم يقل: »عند العامة«.
ويستثنى من ذلك ما كانت المصلحة فيه جهرا أولى من السر، وذلك إذا كان تأثيره أعظم في الإزالة وأصلح، كما سيأتي بيانه.
وأما الثاني:
فالحرص على جمع الكلمة خير من تفريق الصف؛ فإن نصيحة الجهر أمام العامة علناً يفضي إلى الخروج على الحاكم؛ لأن عامتهم يجهل حقوق الولاة على ضوء الشرع المطهر كما يجهل قواعد المصالح والمفاسد، فيثق هؤلاء العامة بديانة الخطيب أو الواعظ فيخرجون على ولي الأمر بالمظاهرات أو الانقلابات أو ما يسمى بالعصيان المدني ونحو ذلك مما جلبه الكفار إلى بلاد المسلمين، وقد تقدم معنا أن »القاعدة الشرعية المجمع عليها: أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين« ([5]).
ومما لا شك فيه عند الأصوليين والفقهاء: أن كل وسيلة أدت إلى حرام فهي حرام«.
قال الخطابي رحمه الله: »ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يُدعى لهم بالصلاح«([6])اهـ.
قال ابن القيم رحمه الله : »ولهذا أمر الله تعالى أكرم خلقه عليه بمخاطبة رئيس القبط بالخطاب اللين، فمخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعاً وعقلاً وعُرفا، ولذلك تجد الناس كالمفطورين عليه، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب رؤساء العشائر والقبائل، وتأمل امتثال موسى لما أُمِر به كيف قال لفرعون: (فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تَزَكَّىٰ، وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ) [النازعات: ١٨،١٩] فأخرج الكلام معه مخرج السؤال والعرض، لا مخرج الأمر«([7]) اهـ.
قال الشوكاني رحمه الله: »ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل: أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد« ([8])اهـ.
وجاء في الدرر السنية:» إنكار المنكر على الولاة ظاهراً مما يوجب الفرقة والاختلاف بين الإمام ورعيته، فإن لم يقبل المناصحة خفية، فليرد الأمر إلى العلماء، وقد برئت ذمته«([9]) اهـ.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: »على من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سراً لا علناً بلطف وعبارة تليق بالمقام «([10]) اهـ.
وقال الألباني رحمه الله: »يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ؛ لأن في الإنكار جهاراً ما يُخشى عاقبته؛ كما اتفق في الإنكار على عثمان جهاراً؛ إذ نشأ عنه قتله« ([11]).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: »لما فتحوا الشر في زمن عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان رضي الله عنه جهرةً تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك، وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بسبب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس وليَّ أمرهم، وحتى قتلوه، نسأل الله العافية« ([12])اهـ.
وقال رحمه الله: »ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به؛ حتى يُوجه إلى الخير، أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها« ([13])اهـ.
وقال ابن عثيمين: »فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علنًا، وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك ليس من باب النصيحة في شيء، فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدى بهم، والله يتولى الهدى« ([14])اهـ.
وقال رحمه الله: »بعض الناس ديدنه في كل مجلس يجلسه الكلام في ولاة الأمور، والوقوع في أعراضهم، ونشر مساوئهم وأخطائهم معرضاً بذلك عما لهم من محاسن أو صواب، ولا ريب أن سلوك هذا الطريق والوقوع في أعراض الولاة لا يزيد في الأمر إلا شدة؛ فإنه لا يحل مشكلاً ولا يرفع مظلمة، إنما يزيد البلاء بلاءاً ويوجب بغض الولاة وكراهيتهم وعدم تنفيذ أوامرهم التي يجب طاعتهم فيها [بالمعروف]«([15]) اهـ.
وقال أيضا - رحمه الله - : «فالله الله في منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ م أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس، كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها، فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن، لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم، وإن تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم وحصل الشر والفساد، فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان وأن يضبط الإنسان نفسه وأن يعرف العواقب، وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام، فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال بل العبرة بالحكمة، ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطأ، بل معالجة الخطأ لنصلح الأوضاع لا لنغير الأوضاع، فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها»([16]) اهـ.
وقال الشيخ صالح الفوزان في خطبة جمعة: « نحن لا نقول أن الولاة معصومون، ولا يحصل منهم أخطاء، ولا يحصل منهم ظلم، لا نقول إن الشعوب ليس لها حقوق، لا نقول هذا؛ بل نقول: الشعوب لها حقوق والولاة ليسوا معصومين، ويحصل منهم ما يحصل، ولكن ليس العلاج بالفوضى والمظاهرات والتخريب وإحراق المرافق العامة، ليس حل المشكلة في هذا، المشكلة تحل بما ذكر الله جلَّ وعلا في قوله: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾[النساء:83].
فإذا جاءهم أمر من الخوف مثل ما يحصل الآن أو من الأمن فلا يستعجل العوام والغوغاء والدهماء وأصحاب الفكر المحدود، لا يستعجلون بالحث فيه ونشره وإبداء الآراء فيه، هذا ليس من شأنهم، هذا يرد إلى الرسول إليه صلى الله عليه وسلم في حياته وإلى سنته بعد وفاته، (وإلى أولي الأمر) وهم أهل العلم وأهل السياسة والعقل، ولاة الأمور، فيحلون هذه المشاكل ويضعون لها الحلول الناجحة بإذن الله عز وجل ، هذا هو طريق الحل في هذه المسألة ، ويتولى ذلك أهل العلم وأهل الرأي من الرعية - أهل الرأي والبصيرة والعقول - ما هو بالفوضى والدهماء والمظاهرات، هذه ما تزيد الأمر إلا شدة والعياذ بالله، وما العواقب بعدها؟
انفلات يحصل، انفلات في الأمر، وإذا انفلت الأمر ضاعت الحقوق، هم يطالبون بحقوق قد تكون يسيرة... لكن تضيع الحقوق عامة، ولا يبقى حق نسأل الله العافية ، فالواجب أن نتبصر في هذا الأمر، وأن نردَّه في هذا الشأن ليقوموا بحله وإبداء الآراء الناجحة فيه ، لا نتعجل في هذا الأمر، كلٌّ يبدي رأيه حديث المجالس، لا، هذا لا يجوز، هذه فوضى، فوضى فكرية تؤول إلى فوضى بدنية، نسأل الله العافية ([17])»اهـ.
وقال حفظه الله: «العصمة ليست لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحكام المسلمون بشر يخطئون، ولا شك أن عندهم أخطاء ليسوا معصومين، ولكن لا نتخذ من أخطائهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم، حتى وإن جاروا وإن ظلموا، حتى وإن عصوا، مالم يأتوا كفراً بواحاً، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان عندهم معاص وعندهم جور وظلم؛ فإن الصبر على طاعتهم جمع للكلمة، ووحدة للمسلمين، وحماية لبلاد المسلمين، وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة، أعظم من المنكر الذي يصدر منهم، ما دام هذا المنكر دون الكفر ودون الشرك، ولا نقول: إنه يسكت على ما يصدر من الحكام من أخطاء، لا، بل تعالج، ولكن تعالج بالطريقة السليمة، بالمناصحة لهم سراً، والكتابة لهم سراً، وليس بالكتابة التي تُكتب، ويُوقع عليها جمع كثير، تسلم لوي الأمر، أو يكلم شفوياً، أما الكتابة التي تكتب وتوزع على الناس، فهذا عمل لا يجوز ؛ لأنه تشهير، وما هو مثل الكلام على المنابر، بل هو أشد ، بل الكلام يمكن أن ينسى، ولكن الكتاب تبقى وتتداولها الأيدي، فليس هذا من الحق ([18])»اهـ.
وقال حنبل رحمه الله:« اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله [ يعني أحمد بن حنبل] وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا – يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ، ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يُستراح من فاجر، وقال: ليس هذا بصواب، هذا خلاف الآثار ([19])»اهـ.

ويستثني من ذلك ما إذا كانت المصلحة في العلن لا تؤدي إلى منكر أعظم، وهذه المصلحة يقدرها كبار العلماء، فلا يخوض الداعية في مسلك كهذا حتى يستشير كبار علماء عصره ولو بعضهم دفعاً للفتنة.
وقد قال الشيخ صالح بن محمد اللحيدان: «طالب العلم ينبغي أن يعتني بالمشاورة والمراجعة، وعرض ما يمر عليه من أفكار ، وآراء مشوشة، على ميزان الشرع – على دلالة الكتاب والسنة - فإذا التبس عليه الأمر رجع إلى من يراهم أرسخ منه في العلم »([20]) اهـ.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: «ولكن يجب أن نعلم أن الأوامر الشرعية في مثل هذه الأمور لها مجال، ولا بد من استعمال الحكمة، فإذا رأينا الإنكار علناً لا يزول به الشر، ولا يحصل به الخير بل يزداد ضغط الولاة على المنكرين وأهل الخير، فإن الخير أن ننكر سراً، وبهذا تجتمع الأدلة ، فتكون الأدلة الدالة على أن الإنكار يكون علناً فيما إذا كنا نتوقع فيه المصلحة، وهي حصول الخير وزوال الشر، والنصوص الدالة على الإنكار يكون سراً فيما إذا كان إعلان الإنكار يزداد به الشر ولا يحصل به الخير.
وأقول لكم: إنه لم يضل من ضل من هذه الأمة إلا بسبب أنهم يأخذون بجانب من النصوص ويدعون جانباً، سواء كان في العقيدة أو في معاملة الحكام أو في معاملة الناس، أو غير ذلك»، وقال أيضاً : «من الناس من يريد أن يأخذ بجانب من النصوص وهو إعلان النكير على ولاة الأمور، مهما تمخض عنه من المفاسد، ومنهم من يقول: لا يمكن أن نعلن مطلقاً، والواجب أن نناصح ولاة الأمور سراً كما جاء في النص الذي ذكره السائل، ونحن نقول:
النصوص لا يكذب بعضها بعضاً، ولا يصادم بعضها بعضاً ، فيكون الإنكار عند المصلحة معلناً عند المصلحة، والمصلحة هي أن يزول الشر ويحل الخير، ويكون سراً إذا كان إعلان الإنكار لا يخدم المصلحة، ولا يزول به الشر ولا يحل به الخير»([21]) اهـ.
وقال الشيخ عبد المحسن العباد: « وإذا ظهرت أمور منكرة من المسؤولين في الدولة أو غير المسؤولين سواء في الصحف أو في غيرها فإن الواجب إنكار المنكر علانية كما كان ظهوره علانية؛ ففي صحيح مسلم (177) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان »([22]) اهـ.
والمتتبع لما سبق من النقولات المختلفة يقطع أن الشريعة الإسلامية قائمة على قاعدة المصالح والمفاسد، وما هذه النقولات المتقدمة إلا شواهد لقاعدة " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" التي تعتبر من صلب الكتاب والسنة ، ولذا فإن الفتوى في هذا الباب ونحوه تتغير حسب المصلحة والمفسدة المبني عليها الحكم حسب الزمان والمكان من عالم مجتهد كبير القدر، وقد عقد ابن القيم في كتابه «إعلام الموقعين » فصلاً تحت عنوان : فصل في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد مبنية على مصالح العباد في المعاش والمعاد، ثم قال رحمه الله:« سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية –قدس الله روحه ونور ضريحه – يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبئ الذرية وأخذ الأموال فدعهم»([23]) اهـ.
وقد وردت أمثلة كثيرة للإنكار العلني على السلطان، لكنها اختلفت من حيث المآل والحال وواقع السلطان ، فكانت على جهتين:
الجهة الأولى: الإنكار العلني المرغوب ، وذلك إذا كان السلطان ممن عرف بتقواه وصلاحه وتقبله للنصيحة ولم يكن في تأديتها جهراً منابذته بالسيف أو الخروج عن طاعته، أو كان لعالم ما مكانة عنده، فلا يرد له طلباً، ولا يرفض له نصحاُ سراُ كان أو جهراً، وغلب الظن أن المصلحة فيها ستكون أعظم من المفسدة حسب الزمان والمكان، فلا بأس به، ومما يدل على ذلك حديث طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري قال: أخرَجَ مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنَّةَ؛ أخرجت المنبر في يوم عيد؛ ولم يُخرَجْ فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، فقال أبو سعيد: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان. فقال: أمَّا هذا؛ فقد قضى ما عليه؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [أخرجه مسلم في صحيحه، وأبو داود في سننه، واللفظ له، بإسناد صحيح على شرط مسلم]([24]).
الجهة الثانية: الإنكار العلني المرفوض؛ وذلك إذا كان السلطان ممن لا يُعرف بتقوى أو صلاح، أو يغلب عليه عدم الديانة وكراهية من ينصحه جهراً، أو لكونه قد يفهم م من نصيحة الجهر الخروج عن طاعته، وغلب الظن أن المفسدة ستكون أعظم من المصلحة، فهذه النصيحة لا تحل جهراً لأنها ستؤدي إلى مفسدة أعظم، وهذا الباب هو الذي لأجله شدد علماء الأمة حتى كادوا أن يطبقوا على حرمة نصيحة السلطان في الجهر، وذلك خشية فتك السلطان وسفك الدماء، خصوصاً أنها سفكت دماء بعض الصحابة والتابعين بسبب الإنكار العلني الذي صاحبه الخروج عن طاعة الأمير؛ فإن طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة رضي الله عنهم جميعا أنكروا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه جهراً تأخير القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، وتبعهم على هذا الإنكار جملة من خيرة الصحابة والتابعين، فسفكت الدماء بسبب هذه الفتنة في موقعة الجمل بالبصرة عام 36 هـ، وقبل هذه الفتنة حصلت فتنة قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان بسبب الإنكار عليه جهراً والخروج عن طاعته، فاجتمعوا عليه وقتلوه، ومثل ذلك أيضاً إنكار التابعي الكبير سعيد بن جبير علناً على الحجاج فقتله الحجاج صبراً، ثم ظهرت فتنه عبد الرحمن بن الأشعث الذي كان يجهر بالإنكار على السلطان حتى خرج عن طاعته، وقد فتن في هذ المحنة بعض العلماء وأفاضل التابعين وقتل بسببها أكثر من مائة ألف رجل، لذلك شدد علماء أهل السنة ومنعوا الإنكار العلني على السلطان في الجملة – كما سلف من أقوالهم-إلا إذا غلبت عليه المصلحة التي يراها كبار علماء ومجتهدو العصر، وقلَّ من يرجع إليهم في عصرنا الحاضر؛ لكون كثير من الناس تأثر بالإعلام المزيف وببعض الشخصيات التي تتأثر بما يدور حولها في الساحة من أحداث دون أن يربطوها بأدلة الشرع المطهر وفقه المصالح والمفاسد.
وفي عصرنا الحاضر ظهرت الفتنة العظمى المسماة بثورات الربيع والتي تم فيها إعلان النكير العلني على ولاة الأمر والخروج عليهم، وقد قتل بسببها حتى الآن أكثر من مليون في سوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول الإسلامية التي فُتِنَتْ بهذه الثورات، وتشرد بسببها ملايين البشر من أوطانهم، وتدمرت بلدان الثورات، وكثر فيها الفقر والفساد وتسلط عليها الأعداء من كل حدب وصوب وتفلت الأمن، وتزعزع الاستقرار، ورغم أنها كانت عام 2011م إلا أن سفك الدماء والحروب ما زالت مستمرة حتى كتابة هذه الأحرف في الخامس من رمضان عام 1438م، الموافق لتاريخ 31 مايو عام 2017م، فليت شعري متى يستيقظ المسلمون، ويعقلوا، ويراجعوا دينهم، وينتبهوا للأخطار التي هي بسبب بعدهم عن دين الله.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.
.............الحواشي.......
([1] ) أخرجه أحمد في مسنده (24/49 حديث رقم 15333)، كما أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، والحديث ثابت بحمد الله.
([2] ) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الزهد والرقائق، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله ( 4/22990 أثر رقم 2989)].
([3] ) ابن رجب ، جامع العلوم والحكم (ص83). والأثر أخرجه بمعناه البيهقي في " شعب الإيمان" (10/73 رقم 7186).
([4] ) أخرجه ابن ماجة في سننه [ كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(2/1329 حديث رقم 4011)].
([5] ) ابن باز، مجموع المقالات والفتاوى (8/204).
([6] ) النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم (2/227).
([7] ) ابن القيم، بدائع الفوائد (3/132 وما بعدها ).
([8] ) الشوكاني، السيل الجرار (4/556).
([9] ) عبد الرحمن بن قاسم، الدرر السنية (9/153).
([10] ) عبد الرحمن بن ناصر السعدي، الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة (ض 50).
([11] ) الألباني، مختصر صحيح مسلم، عند الحديث رقم (335).
([12] ) ابن بازـ المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم ( ص23).
([13] ) ابن باز، نصيحة الأمة في جواب عشرة أسئلة مهمة، سؤال وجواب رقم (10).
([14] ) ابن عثيمين ، كتاب مقاصد الإسلام (ص393).
([15] ) محمد بن ناصر العريني، وجوب طاعة السلطان (ص23-24).
([16]) عبد السلام البرجس، معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة (ص32).
([17]) الفوزان، خطبة جمعة مسجلة صوتيا بعنوان: " وجوب التمسك بمنهج أهل السنة والجماعة " ، منشورة على موقعه الإلكتروني.
([18]) جمال بن فُريحان الحارثي، الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة (ص24).
([19]) ابن مفلح، الآداب الشرعية (1/196) نقلا عن الخلال.
([20]) صالح اللحيدان، محاضرة صوتية بعنوان: « منهج أهل السنة والجماعة في الحكم على الآخرين».
([21]) الطيار، اللقاء المفتوح لابن عثيمين (ص814-816).
([22]) العباد، مقال بعنوان « حقول ولاة الأمر المسلمين، النصح والدعاء لهم والسمع والطاعة في المعروف»، جريدة الوطن الكويتية، بتاريخ 26/11/1433 هـ - 2012/10/14.
([23]) ابن القيم، إعلام الموقعين (3/6).
([24]) أخرجه مسلم في صحيحه [ كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان..(1/69 رقم 49)]، وأبو داود في سننه [ تفريع أبواب الجمعة، باب الخطبة يوم العيد (1/296 رقم 1140)].
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 06-02-2017, 02:36 AM
ابوخزيمة الفضلي ابوخزيمة الفضلي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2012
المشاركات: 1,952
افتراضي

إنشاء قنوات فضائية شرعية
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية والعقدية)
الحلقة (19)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني

قد يتعجب البعض لطرحي هذا الموضوع، لكني طرحته من واقع حياتي، فقد زرت قبل أربع سنوات أحد المشايخ الأجلاء ممن لهم قدم صدق وسبق في العلم والتربية ويُعد من مشايخي الذين استفدت منهم من خلال كتبه واستشاراته، ولما وصلت داره قال لي أعلن توبتك الآن، وكان المجلس مكتظاً بالفضلاء، فقلت له : أستغفر الله وأتوب إليه، ولكن ما هو الشئ الذي أعلن منه توبتي؟ فقال : من الظهور على القنوات ومن القناة الاسلامية التي تظهر فيها أنت وبعض المشايخ؟ ثم دار بيني وبينه نقاش طويل، خلاصته أنه يرى تحريم التصوير والظهور على القنوات الفضائية ولو لأجل تبليغ الدعوة.
فأحببت في هذا اللقاء أن أضع بين أيديكم هذه المسألة كي ندرسها من ناحية شرعية موجزة، فأقول وبالله التوفيق :
هناك بعض الفضلاء يرى في عصرنا الحاضر أن القنوات الفضائية محرمة ولا تجوز بحجة أن التصوير المرئي محرم، حتى وإن كانت قنوات شرعية خالية من المحظور الشرعي.
وبسبب هذا الرأي اتهم بعض الفضلاء من يقوم بإنشائها أو الظهور عليها بألفاظ كقول بعضهم: فيه نظر، أو أنه مفتون بمجالسة الحزبيين، أو مميع للدعوة، حسب اختلاف العبارات من شخص لآخر، ويستثنون من التهم بعض العلماء والدعاة الذين يرون أنهم أخطأوا بظهورهم في تلك القنوات، ولكن لا يُشْهِرون الكلام فيهم بحجة أن نقدهم على الملأ قد يكون سلبيًّا عليهم كمجرحين نظرا للتقليد أو مصلحة انتمائية أو لدفع مفسدة شخصية ونحوها من الأمور الأخرى.
وقد يكون لبعض العلماء رأي قديم بالمنع، ورأي جديد بالجواز، أو للعالم رأيان متباينان، فيظل المقلد على الرأي القديم، ويتعصب لرأي دون آخر ويعادي في سبيله، ويُجرِّح كل من خالفه، وكأن الحق معه وحده ليس غير، وهذا مرضٌ خال من الإنصاف والعدل الذي أمر الله به في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) [النحل:90].
ولا شك أن التصوير التلفزيوني ومثله الفوتوغرافي من الأمور المختلف فيها في عصرنا الحاضر، رغم أننا نميل للقول بترك التصوير التلفزيوني، ومن باب أولى الفوتوغرافي لولا المصلحة الدعوية في التصوير التلفزيوني– خصوصا في عصرنا الحاضر –.
فبتصوير المحاضرات والندوات والدروس وما ينفع الناس وبثها عبر القنوات الشرعية التي تم انشاؤها ندفع أعظم المفاسد وكذلك الظهور على شاشاتها بقصد تبليغ الدعوة وإنكار المنكرات وتربية المجتمعات تربية إيمانية على المنهج الوسطي، وخصوصا أن تلك البيوت قد دخلتها قنوات فاجرة، أفسدت على الناس عقائدهم وأخلاقهم وأبعدتهم عن وحي الكتاب والسنة، فدفعاً لهذه المفاسد تم إنشاء مثل تلك القنوات الشرعية المحافظة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز: «عند رجاء المصلحة العامة في تصوير الحفلة أو الندوة أو المجتمع الإسلامي الذي فيه الدعوة إلى الله، إذا رؤي في هذا أن المصلحة أكثر وأن هذا التصوير يترتب عليه الخير ونفع الناس، وانتفاعهم بهذا الحفل أو هذه الندوة، فلا حرج في ذلك إن شاء الله »([1])اهـ.
وقال رحمه الله: « الأشرطة التي تحتاج إلى التصوير مثل أشرطة الفيديو إذا دعت الحاجة إلى ذلك وسجل عليها من الندوات النافعة والمحاضرات النافعة ما ينفع الناس فلا حرج في ذلك، من باب تقديم المصلحة العظيمة على ما في التصوير من المضرة والمنكر، فالمقصود من هذا كله أن إيجاد فيديو ينفع الناس قد سُجِّلَ فيه، وقد جُعِلَ فيه من العلوم النافعة والمحاضرات المفيدة والندوات الصالحة خير من تركه وإتلافه بدون فائدة، هذا المقصود» ([2])اهـ.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: « إذا كان لحاجة أو لمصلحة فلا بأس، فالحاجة مثل أن يريد الإنسان إثبات واقع من الوقائع ويصورها بالفيديو، والمصلحة مثل أن يصور أشياء مفيدة لأبنائه بدلاً عن التلفزيون؛ لأن كثيراً من الناس صاروا يستعملون الفيديو فيصورون أشياء تلهي الصغار وتمنعهم من النظر إلى التلفزيون وما فيه من البلاء، أما لغير ذلك فإنها مضيعة للمال ومضيعة للوقت، مضيعة للمال لأن الأشرطة هذه لها قيمة، ثم عرضها على الشاشة أيضاً له قيمة، تأخذ من الكهرباء، ثم إنها مضيعة للوقت أيضاً، وعلى هذا إذا كان فيها مصلحة دينية صار أمراً مطلوباً كما لو أردنا أن نصور محاضراً يحاضر في أمر شرعي يوجه الناس ويرشدهم هذا أمر طيب »([3])اهـ.
وقال الشيخ عبيد الجابري: « الذين يظهرون في التلفاز من الموصوفين بالعلم والفضل، هؤلاء ما يقصدون الثاني، يقصدون منفعة الناس فلا تثريب عليهم إن شاء الله تعالى »([4])اهـ
ومن استطاع أن يربي أهله وأبناءه تربية شرعية صحيحة بحيث يستغنون عن القنوات الفضائية الشرعية فذاك، لأن جواز مثل هذه الوسائل إنما كان من باب « درء المفاسد وجلب المصالح» فإذا سلم الشخص وأهله وأبناؤه من المفسدة كان الاستغناء خيرا لهم من مشاهدتها، أما أن يمنعهم بلسانه ثم يتركهم يذهبون إلى بيوت الجيران والأقارب والأصدقاء لمشاهدة القنوات غير الشرعية فيشاهدون الغث والسمين مما يفسد الأخلاق والقيم والعقائد ويرون الرذيلة ونحوها من خلال الأفلام العربية والأجنبية فلا؛ بل عليه أن يقتني لهم تلفزيوناً ويقتصر فيه على القنوات التي تلتزم في برامجها منهج البرامج الشرعية والهادفة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: « الذي أرى أن يوجد قناة إسلامية يتكلم بها علماء راسخون في العلم، أهل عقيدة سليمة، ويبيِّنون الحق دون مهاترات أو منازعات أو سبٍّ للآخرين، فهذه إذا وجدت نفع الله بها، وأرجو الله عز وجل أن يتحقق هذا، لأن بقاء الناس لا يشاهدون إلا ما ينشر في هذه الفضائيات المدمرة ضرر عظيم، لكن إذا وُجِدَت قناة إسلامية يتكلم فيها علماء راسخون في العلم، أقوياء في بيان الحق، فلكل سلعة مشترٍ، اهل الباطل يذهبون للباطل، وأهل الخير يذهبون إلى الخير، وإذا كانت القناة الإسلامية هذه مشيقة في العرض، وفي طرح المسائل، وفي الإجابة عن الإشكالات سوف ينصرف إليها أناس كثيرون حتى ممن لا يريدون هذا، فأسأل الله أن يحقق هذا عن قريب حتى يشتغل الناس به عن مشاهدة القنوات الفضائية الفاسدة المفسدة.
[فقال] السائل: أيكون هذا مسوغاً لمن لم يحصل على الدش أن يشتري الدش بحجة هذا؟ الجواب: نعم يشتري الدش بهذه الحجة، أليس الآن عندنا إذاعة القرآن كلها سليمة، واناس عندهم راديو وما يستمعون إلا إلى إذاعة القرآن، وما دام عندنا مصلحة محققة فالأوهام هذه مطرحة ولا عبرة بها»([5])اهـ.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.

([1]) مجموعة من المشايخ، فتاوى إسلامية (٤/٣٦٧).
([2]) ابن باز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (٩/٢١٤).
([3]) ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح (١٤٨).
([4]) عبيد الجابري، فتوى صوتية لفضيلته حول ظهور بعض الفضلاء على القنوات الفضائية.
([5]) ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح، رقم (٢١١).
__________________
قال سفيان بن عيينة رحمه الله : ( من جهل قدر الرّجال فهو بنفسه أجهل ).


قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله- كما في «مجموع الفتاوى»:

«.من لم يقبل الحقَّ: ابتلاه الله بقَبول الباطل».

وهذا من الشواهد الشعرية التي إستشهد بها الشيخ عبد المحسن العباد في كتابه
رفقا أهل السنة ص (16)
كتبتُ وقد أيقنتُ يوم كتابتِي ... بأنَّ يدي تفنَى ويبقى كتابُها
فإن عملَت خيراً ستُجزى بمثله ... وإن عملت شرًّا عليَّ حسابُها
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:18 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.