193- [...غير واضح...] كيف يكون -يا فضيلة الشَّيخ- الرجل مِن أهلِ السُّنة والجماعة وهو يُناصر عن قُطب والبنَّا، ويُناصر عن المنحرِفين -أمثال الصَّاوي، وغيره-؟
ثم -يا فضيلةَ الشَّيخ- أريد أن أعرفَ منكم شيئًا -بارك الله فيكم-؛ وهو: متى يَخرج الرَّجلُ مِن دائرة أهل السُّنَّة والجماعة إذا كان يعتقدُ هذا -أو أقل منه، أو أكثر-؟ بارك الله فيكم وعليكم.
وأُشهِد الله -عزَّ وجلَّ- أنَّني ما تكلمتُ فيما أنا بِصددِه -الآن- حتى لا يأخذ كلامَكم بعضُ المتسرِّعين، ومِن ثَم يَحكُمون عليكم أنَّكم تُزكُّون هذا الرَّجلَ(*) وأمثاله، وكما تَعرِفون أنَّ بلديَّ الرجلِ أعلم به؛ فنحن نعلمُ عن الرَّجل -هُنا- طوام وخفايا كثيرة جدًّا.
وبارك الله فيكم...
الجواب:
الحقيقة أنَّ الصوتَ -صوتَ أخينا سَمير- جاء متقطِّعًا؛ وبالتَّالي: لَم أفهم مِنه بعضَه -وإن كنتُ فهمتُ منه مُجمَله-.
وفهمتُ منهُ أنَّه سرَدَ عددًا مِن المآخِذ نحنُ معهُ فيها جَميعًا، أو: فلأقل -مِن باب التحفُّظ- في أكثرها، وقد تكون فيها جميعًا.
ولكن الأمرُ هنا ليس في المآخذ؛ وإنَّما الأمرُ في تنزيل هذه المآخذِ حُكمًا على صاحبِها.
فنحن مع الأخ في هذه المآخِذ، وقد يكون عندنا غيرُها، وأكثر منها، وأنا ناقشتُ الشَّيخ محمَّد حسَّان -شخصيًّا-في أمريكا-قبل سنوات-، ورأيتُ منه رخاوةً في المسائل المنهجيَّة؛ لكنْ هذا لا يجعلني أقول إنَّه ليس سلفيًّا، ولا أخاف أن يقولَ عني بعضُ المتسرِّعين إنَّني أدافع عنه أو لا أدافع، فأنا عندما أتكلَّم أتكلَّم وأنا أعلمُ أنَّ ربِّي يَسمعُني ويرانِي، وأنَّ ملائكتَه تكتبُ ما أقول.
وبالتَّالي: فأولئك المتسرِّعون لا يضرُّون إلا أنفسهم، {وَسَيَعْلَمُ الذين ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
لكن -في الوقت نفسِه-: إذا وجدنا هذه المؤاخذاتِ؛ فإنه لا يُكتفى بها لنزعِ السَّلفيَّة منه، أو السُّنَّة -وهذا أوسع-؛ لا بُد مِن إقامة الحُجة، لا بدَّ من المواجهة والمناصَحة.
فإذا أخبرتُمونا أنَّ بعضَ أهل السُّنَّة المعروفين مِن أهل العلم الثِّقاة الأكابر ناصحه وواجَهَه، ثم أصرَّ واستكبر -بعد البيانِ الكافي، والقولِ الشَّافي-؛ فحينئذٍ نقول: إنَّ بعضًا من هذه المؤاخذاتِ -فضلًا عنها جميعًا- قد يكونُ كافيًا في نزع وصفِ السَّلفيَّة عنه.
لكن: اعلموا -إخواني- أنَّ السلفيَّة ليست حركةً، وليست حزبًا، وليست بطاقةً شخصيَّة -ننزعها مِمَّن نشاء، ونَمنحُها مَن نشاء-، ولنتذكر -جميعًا- قول النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «لا يُؤمنُ أحدُكم حتَّى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحبُّ لنَفسِه».
وأنا أقول هذا وأنا أعلمُ أنَّه نالني من الأخ محمَّد حسَّان شيءٌ من النَّقد والغمز -في شريطهِ «غُلاة التَّجريح»-، وأشار إشارةً -الحقيقة- غير دقيقة إلى ما حدث بيني وبينهُ في أمريكا.
ونقل لي بعضُ الإخوةِ أنَّه سُئل -مرَّةً-في بعض القنوات الفضائيَّة- عما جرى في الأردن -من تفجيراتٍ، أو تقتيل، وما أشبه-، فقال: كيف تسألوننا وعندكم العلماء في الأردن -وإن كانوا تكلَّموا فينا، وطعنوا فينا، أو غمزوا بنا؟ -أو كما قال-.
وأنا أقول: هذه الكلمة لا تكفي لأن تكونَ سبيلًا للتَّعاونِ بين محمَّد حسَّان وإخوانِه في الأردن؛ لأنَّ الأردن فيها -مِمَّن يُقال إنَّهم عُلماء- صوفيَّة، وفيها -مِمَّن يُقال إنَّهم عُلماء- حزبيُّون، وفيها -مِمَّن يُقال إنَّهم عُلماء- أشاعرة، وفيها -مِمَّن يُقال إنَّهم عُلماء- دكاترة -هكذا- أكاديميُّون، فكلٌّ سيسمع هذه الكلمةَ؛ فسيُفسِّرها على ما يرى، وعلى ما يهوَى، وبخاصَّة أن محمَّد حسَّان لا يُركِّز -وللأسفِ- أقول هذا -وللأسف-وأضم صوتي إلى صوت الأخ سَمير -في ذلك-وللأسف- أنَّه لا يُظهر دعوتَه السَّلفيَّة -التي هو يقول إنَّه ينتسب إليها- إظهارًا واضحًا بيِّنًا -بلا خفاء، وبلا مُواربة-، ويُركِّز على القضايا المنهجيَّة والعقائديَّة، حتى إذا قال قولًا مثل هذا يُحمل على الدَّعوةِ السلفيَّة، وعلى علمائِها السَّلفيِّين.
أقول -ومع هذا كلِّه-: فرضي اللهُ عن عمرَ بنِ الخطَّاب القائلِ: «لا يُجزئُ مَن عصى اللهَ فيكَ بأحسنَ مِن أن تُطيع اللهَ فيه».
وأنا -إن شاء الله-بعد أقل من عشرةِ أيَّام- سأزور القاهرة -بمناسبة معرض الكتاب الدَّولي-، ولعل الله ييسر لي لقاء الأخ محمَّد حسَّان، وأناصحه، فأنا أقول: إنَّه على ثغرةٍ طيِّبة -لو أنَّه أحسن عرضَ الدعوةِ السَّلفيَّة، ولَم يكن منه هذه الأغلاط -التي نحن مع الأخ سَمير فيها-؛ لكن: لا نُريد أن نتعجَّل، ولا نُريد أن نتسرَّع -كما يتسرَّع غيرُنا- في أن نَسلبَ وصفَ السُّنة والسَّلفيَّة منه؛ فـ«لا يُؤمنُ أحدُكم حتَّى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحبُّ لنَفسِه».
وعسى أن يكونَ هذا اللقاءُ قريبًا، والمجالُ فيه مفسوحًا، والوقتُ فيه مفتوحًا؛ إنه -سبحانهُ- قريبٌ مجيب.
المصدر: لقاء البالتوك (16/1/2007) -من لقاءات البالتوك القديمة، في غرفة مركز الإمام الألباني-، (50:10). من هنـا لسماع اللقاء كاملًا.
(*) يشير إلى الشيخ محمَّد حسان.