أنت غير مسجل في المنتدى. للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

             
78608 73758

العودة   {منتديات كل السلفيين} > المنابر العامة > المنبر الإسلامي العام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 01-04-2014, 08:59 PM
أبو زيد العتيبي أبو زيد العتيبي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 1,603
افتراضي فطر العقلاء من أصول الحفظ والبقاء


فطر العقلاء من أصول الحفظ والبقاء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على إنعامه والصلاة والسلام على محمد وصحبه وآله . أما بعد :

فإن من أعظم البلايا ، وأشد الرزايا ذهاب العقل ، وطيش الحلم ، فإذا كان العقل ضعيفاً والفتنة شديدة صار الواقع مريراً مؤلماً تحرف فيه الأديان ، وتهلك الأبدان ، ويخرُب العمران .

والعقل الرشيد هو الأصل في نجاة العبد من المهالك ، فإذا ضُمَّ إليه نورُ الوحي من الكتاب والسنة كمل نصاب السلامة من الآفات والورطات والندامات كلها في الدنيا والآخرة .

فإن جودة القريحة وفرط الذكاء وسرعة البديهة في معرفة مآلات الأشياء مما يتمادح بها الناس ، لما تفضي إليه من حسن الاختيار ، فقد حكى الأصمعي – رحمه الله – قال : قلت لغلام حدث من أولاد العرب كان يحادثني فأمتعني بفصاحة وملاحة : أيسرك أن يكون لك مائة ألف درهم وأنت أحمق ؟ قال : لا والله . قال : فقلت : لم ؟ قال أخاف أن يجني علي حمقي جناية تذهب بمالي ، ويبقى علي حمقي "
( أدب الدنيا والدين : ص/9 ) .

فالعقل نعمة عظيمة تحول بين العبد وبين الإقدام على الشهوات إذا قبحت ، والمفاسد إذا كثرت ، والآراء إذا أظلمت . وقد حذرنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – من فتن تكون في آخر الزمان تسلب فيها العقول من أصحابها ، فيعظم في ذاك الزمن السفه والطيش والخبل والضلال .

فعن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " إن بين يدي الساعة الهَرْجُ ، قالوا : و ما الهَرْجُ ؟ قال : القتل ، إنه ليس بقتلكم المشركين ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا: حتى يقتل الرجل جاره ، ويقتل أخاه ، ويقتل عمه ، ويقتل ابن عمه. قالوا : ومعنا عقولنا يومئذ ؟ قال إِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ ، و يخلف له هباء من الناس ، يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء "
( السلسلة الصحيحة : 1682 ) .

ويسلب العقل من الناس بسبب داء خطير ، وآفة عظيمة هي ( الهوى ) : وحقيقته حب النفس وتقديم رأيها على أخبار الشريعة وأحكامها ، ومرادها على أوامرها ونواهيها .

وأخطر ما في الهوى تقديم الرأي على الشرع ؛ فهو الداء العضال الذي بسببه تراق الدماء وتسفك ، وتستباح المحرمات من الأموال والأعراض وتنتهك . وسبب ذلك ذهاب العقول .

كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " سيخرج في أمَّتي أقوامٌ تتجارى بهِم الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه ، ولا يبقى منه عرقٌ ولا مِفْصَل إلا دخله "( صحيح الترغيب والترهيب رقم : 48) .

فهو داء من نوع الجنون يصيب أهل الهوى ، كما قال الشافعي - رحمه الله - : " مَثَلُ الَّذِي يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ ثُمَّ يَتُوبُ مِنْهُ مَثَلُ الْمَجْنُونِ الَّذِي عُولج حَتَّى بَرِئَ " (جامع بيان العلم وفضله: 2034).

وقال الشاطبي – رحمه الله - : " فَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ إِذَا اسْتَحْكَمَتْ فِيهِمْ أَهْوَاؤُهُمْ لَمْ يُبَالُوا بِشَيْءٍ ، وَلَمْ يعدُّوا خِلَافَ أَنْظَارِهِمْ شَيْئًا ، وَلَا رَاجَعُوا عُقُولَهُمْ مُرَاجَعَةَ مَنْ يَتَّهِمُ نَفْسَهُ وَيَتَوَقَّفُ فِي مَوَارِدِ الْإِشْكَالِ ـ وَهُوَ شَأْنُ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُولِ ـ وَهَؤُلَاءِ صِنْفٌ مِنْ أَصْنَافِ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ ولم يعبأ بعذل العاذل فيه ، وثمَّ أصناف أخر يجمعهم مَعَ هَؤُلَاءِ إِشْرَابُ الْهَوَى فِي قُلُوبِهِمْ ، حَتَّى لا يبالوا بغير ما هم عَلَيْهِ " ( الاعتصام : 3/222 ) . وهذا منتهى السفه والخبال .

وقد قال علي – رضي الله عنه - : " أخاف عليكم اثنين : اتباع الهوى ، وطول الأمل ، فإن اتباع الهوى يصد عن الحق . وطول الأمل ينسي الآخرة " ( أدب الدنيا والدين : ص/ 17 ) .

والدواء النافع لأدواء الأهواء كلها لزوم طريق النبي – صلى الله عليه وسلم – وهديه وسنته فإن أعظم ما يقمع الهوى وينمي العقل لزوم السنة واقتفاء الآثار النبوية .

" قال شريح – رحمه الله -: " إن السنة قد سبقت قياسكم ، فاتبع ولا تبتدع ، فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر " . . . وجاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة ، فقال له : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : كذا وكذا ، فقال الرجل : أرأيت ؟ قال مالك : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [ النور : 63 ]. " ( شرح السنة للبغوي : 1/ 216 ) .

فالهوى كما أنه يفسد على العبد دينه كذلك يفسد عليه دنياه ويلبس عليه أموره ويمكن منه عدوه حتى قالوا : من أطاع هواه أعطى عدوه مناه .

إذا ما رأيت المرءَ يقتادُهُ الهوى *** فقد ثكلته عند ذاك ثواكله
وقد أشمت الأعداء جهلا بنفسه *** وقد وجدت فيه مقالاً عواذله
وما يردع النفس اللَجوج عن الهوى *** من الناس إلا حازمُ الرأي كاملُه


وكمال التوفيق أن يستعمل العبد عقله في النجاة من المهالك التي تدهمه . كما قال حاتم ابن إسماعيل المدني : " ما استودع الله عبداً عقلاً إلا استنقذه به يوماً ما " ( مختصر روضة العقلاء : ص/23 ) .

" فالعاقل - كما قال ابن حبان – رحمه الله - يقيس ما لم ير من الدنيا بما قد رأى ، ويضيف ما لم يسمع منها إلى ما قد سمع ، والعاقل يحسم الداء قبل أن يبتلى به ، ويدفع الأمر قبل أن يقع فيه ، فإذا وقع رضي وصبر . . . والعاقل لا يقاتل من غير عدة ، ولا يخاصم بغير حجة ، ولا يصارع بغير قوة " ( بتصرف من مختصر روضة العقلاء : ص/25 ) .

والهداية إلى المصالح المعيشية من الفطرة التي جبل الله عليها الخلائق ، فكل مخلوق يسعى إلى حفظ نفسه وتحصينها من الهلاك وتجنب ما يفسدها وهذا دليل على صحة الفطرة وعدم فسادها وقد ذكر الله – تعالى – لنا عدداً منها في القرآن ، فمنها :

أولا ً / حكاية النملة وهدايتها في انقاذ بني جنسها ، كما قال – تعالى - :{ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } [النمل : 18] .

قال ابن باديس – رحمه الله - : " عظة بالغة : هذه نملة وفت لقومها ، وأدت نحوهم واجبها !! فكيف بالإنسان العاقل فيما يجب عليه نحو قومه ؟!
هذه عظة بالغة لمن لا يهتم بأمور قومه ، ولا يؤدي الواجب نحوهم ، ولمن يرى الخطر داهماً لقومه ، فيسكت ويتعامى ، ولمن يقود الخطر إليهم ويصبه بيده عليهم .
آه ما أحوجنا - معشر المسلمين - إلى أمثال هذه النملة !
" ( تفسير ابن باديس : ص/263 ) .

ثانياً / عقل ملكة سبأ فعندما جاءها كتاب سليمان - عليه السلام – {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}" فمن حزمها وعقلها أن جمعت كبار دولتها ورجال مملكتها وقالت : { يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ } أي: ما كنت مستبدة بأمر دون رأيكم ومشورتكم . { قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي: إن رددت عليه قوله ولم تدخلي في طاعته فإنا أقوياء على القتال ، فكأنهم مالوا إلى هذا الرأي الذي لو تم لكان فيه دمارهم ، ولكنهم – أيضاً - لم يستقروا عليه بل قالوا : { وَالأمْرُ إِلَيْكَ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } . فقالت لهم - مثنية لهم عن رأيهم ومبينة سوء مغبة القتال - { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } قتلاً وأسراً ونهباً لأموالها ، وتخريباً لديارها ، { وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً } أي : فهذا رأي غير سديد ، وأيضا فلست بمطيعة له قبل الاختبار وإرسال من يكشف عن أحواله ويتدبرها، وحينئذ نكون على بصيرة من أمرنا . فقالت: { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ }
(بتصرف من تيسير الكريم الرحمن : ص/605 )
. فبحسن تدبيرها ورجاحة عقلها نجوا .

ثالثاً / القوم الذين كانوا من دون السدين ، فمن سلامة فطرهم وتمام عقولهم طلبوا من ذي القرنين بناء حاجز حماية يتمنعون به من إفساد يأجوج ومأجوج ، لأنهم لا طاقة لهم بقتالهم ، كما قال – تعالى - :{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا } [الكهف : 94 - 95] .

فهذه الآيات تدل على أن السلامة من الشر والهلاك من مقاصد الشريعة لأنها سبب في حفظ دماء الناس وأموالهم وأعراضهم . وأن ذلك موجَب الفطر السليمة والعقول المستقيمة .

قد يدرك الحازم ذو الرأي المنى *** بطاعة الحزم وعصيان الهوى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تابع لـ
سلسلة مقال الخطيب ( 28 ) : فطر العقلاء من أصول الحفظ والبقاء .
رابط : مجموع ( سلسلة مقال الخطيب ) الأولى .
http://kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=54032



رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:49 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.