عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 12-19-2011, 08:25 PM
طارق ياسين طارق ياسين غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: الأردن
المشاركات: 1,070
افتراضي

_

· قولُه تعالى: { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّه قانِتِيِنَ } البقرة: 238
- أخرج البخاري ومسلم، وغيرُهما، عن زيدِ بنِ أَرقمَ قال:
كنا نتكلم في الصلاةِ؛ يُكلِّمُ أَحدُنا أَخاه في حاجتِه، حتى نزلت هذه الآيةُ: {حافِظُوا على الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسْطى وقُومُوا للهِ قانِتِينَ } فأُمِرنا بالسكوت.

- وروى أحمدُ والبخاريُّ وغيرهما، واللفظ لأحمد، عن عبدِ الله بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال:
كنا نُسلِّمُ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فيَرُدُّ علينا السلامَ، حتى قدِمنا من أَرضِ الحَبَشةِ فسلَّمتُ عليه، فلم يرُدَّ عليَّ، فأَخذني ما قرُبَ وما بَعُدَ(1)، فجلستُ حتى إِذا قضى الصلاةَ قال:
إِنَّ اللهَ -عز وجل- يُحدثُ من أَمرِه ما يشاءُ، وإِنه قد أَحدثَ من أَمرِه أَنْ لا يُتَكَلَّمَ في الصلاةِ.

- قال الحافظ في " الفتح" تعليقا على حديث ابن مسعود:
ظاهرٌ في أَنَّ نسخَ الكلامِ في الصلاةِ وقع بهذه الآيةِ، فيقتضي أَنَّ النسخَ وقع بالمدينةِ؛ لأَنَّ الآيةَ مدنيةٌ باتفاقٍ، فيُشْكِلُ ذلك على قول ابنِ مسعودٍ أَنَّ ذلك وقع لما رجعوا من عندِ النجاشيِّ، وكان رجوعُهم من عندِه إلى مكةَ؛ وذلك أنَّ بعضَ المسلمين هاجر إلى الحبشةِ، ثم بلغهم أَن المشركين أَسلموا، فرجعوا إلى مكةَ فوجدوا الأمرَ بخلافِ ذلك، واشتدَّ الأَذى عليهم، فخرجوا إليها أَيضاً، فكانوا في المرةِ الثانيةِ أَضعافَ الأولى، وكان ابنُ مسعود مع الفريقين. واختُلِفَ في مرادِه بقوله: (فلما رجعنا) هل أراد الرجوعَ الأولَ أوِ الثاني؟ فجنحَ القاضي أبو الطيبِ الطبريُّ وآخرونَ إلى الأولِ، وقالوا: كان تحريم الكلامِ بمكةَ، وحملوا حديثَ زيدٍ على أنه وقومَه لم يبلُغْهمُ النسخُ، وقالوا: لا مانعَ أن يتقدمَ الحكمُ ثم تَنزلُ الآيةُ بوَفْقِه.
وجنح آخرونَ إلى الترجيحِ فقالوا: يترجّحُ حديثُ ابنُ مسعودٍ؛ لأنه حكى لفظَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بخلافِ زيدِ بنِ أرقمَ، فلم يحْكِه. وقال آخرونَ: إِنما أراد ابنُ مسعودٍ رجوعَه الثاني، وقد ورد أنه قدِمَ المدينةَ والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يتجهزُ إلى بدرٍ. وفي مستدركِ الحاكمِ من طريقِ أَبي إسحاقَ عن عبدِ الله بن عُتبةَ بنِ مسعودٍ عن ابن مسعودٍ قال: بعثَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى النجاشيِّ ثمانينَ رجلاً...، فذكر الحديثَ بطولِه، وفي آخرِه: فتعجَّلَ عبدُ الله بنِ مسعودٍ، فشهد بدراً.
وفي السيَرِ لابنِ إسحاقَ: أن المسلمين بالحبشةِ لما بلغهم أَنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- هاجر إلى المدينةِ رجع منهم إلى مكةَ ثلاثةٌ وثلاثون رجلاً، فمات منهم رجلانَ بمكةَ، وحُبِسَ منهم سبعةٌ، وتوجه إلى المدينةِ أَربعةٌ وعشرونَ رجلاً، فشهدوا بدراً. فعلى هذا كان ابنُ مسعودٍ من هؤلاءِ، فظهر أَنَّ اجتماعَه بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بعدَ رجوعِه كان بالمدينةِ.
وإلى هذا الجمع نحا الخطابيُّ. ولم يقفْ مَن تعقَّبَ كلامَه على مُستَنَدِه. ويُقوي هذا الجمعَ روايةُ كلثومٍ المتقدمةُ؛ فإِنها ظاهرةٌ في أَنَّ كلاً من ابنِ مسعودٍ وزيدِ بنِ أَرقمَ حكى أَنَّ الناسخَ قولُه تعالى: { وَقُومُوا للهِ قانِتِيِنَ }.

- وقال ابنُ حِبَّانَ:
هذه اللفظةُ عن زيدِ بنِ أَرقمَ: (كنا في عهدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يُكلِّمُ أَحدُنا صاحبَه في الصلاةِ ...) قد تُوهمُ عالَماً من الناس أَنَّ نسخَ الكلامِ في الصلاةِ كان بالمدينةِ؛ لأَنَّ زيدَ بنَ أَرقمَ من الأَنصارِ. وليس كذلك؛ لأَنَّ نسخَ الكلامِ في الصلاةِ كان بمكةَ عندَ رجوعِ ابنِ مسعودٍ وأصحابِه من الحبشةِ.
ولخبرِ زيدِ بنِ أَرقمَ معنيان:
أحدُهما: أَنه من المحتملِ أنَّ زيدَ بنَ أرقمَ حكى إسلامَ الأَنصارِ قبلَ قدومِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، حيث كان مصعبُ بنُ عُميرٍ يٌعلمُّهم القرآنَ وأحكامَ الدينِ، وحينئذٍ كان الكلامُ مباحاً في الصلاةِ بمكةَ والمدينة سواءٌ، فكان بالمدينةِ مَنْ أسلمَ من الأنصار قبلَ قدومِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم عليهم- يُكلمُ أحدُهم صاحبَه في الصلاةِ قبلَ نسخِ الكلامِ فيها، فحكى زيدُ بنُ أرقمَ صلاتَهم في تلك الأيامِ، لا أَنَّ نسخَ الكلامِ في الصلاة كان بالمدينةِ.
والمعنى الثاني: أنه أراد بهذه اللفظةِ الأنصارَ وغيرَهم الذين كانوا يفعلون ذلك قبل نسخِ الكلامِ في الصلاةِ، على ما يقولُ القائلُ في لغتِه: فقلنا كذا، يريدُ به بعضَ القومِ الذين فعلوا لا الكُلَّ.

- وقال الشيخُ الأَلباني تعليقاً على حديث ابن مسعود:
وهو يُقوي تأَويلَ مَنْ تأَوَّل حديثَ زيدِ بنِ أَرقمَ الثابتَ في الصحيحين: (كنا نتكلمُ في الصلاةِ حتى نزل قولُه تعالى: { وقُوموا للهِ قانتينَ } فأُمِرنا بالسكوتِ ونُهينا عن الكلام)
على أنّ المرادَ جِنسَ الصحابةِ؛ فإِنَّ زيداً أَنصاريٌّ مدنيٌّ، وتحريمُ الكلامِ في الصلاةِ ثبت بمكةَ، فتَعيَّنَ الحملُ على ما تقدم.
وأما ذِكرُه الآيةَ - وهي مدنية – فمُشكلٌ، ولعله اعتقد أَنها المُحرمةُ لذلك، وإنما كان المحرمَ له غيرُها معها، والله أعلم.
____________

(1) قال السِّندي: أَيْ: تفكّرتُ فيما يَصلُحُ للمنعِ من الوجوهِ القريبةِ أَو البعيدةِ أَيُّها كانت سبباً لتركِ ردِّ السلامِ.
رد مع اقتباس