عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-14-2013, 11:05 AM
عبد الكريم بن أحمد بن السبكي عبد الكريم بن أحمد بن السبكي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2013
الدولة: ورقلة جنوب الجزائر
المشاركات: 1,230
افتراضي

قال الامام ابن قدامة في المغني (9/ 448)
[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَ أُضْحِيَّته وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا]
(7877) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَالِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَ أُضْحِيَّتِهِ، وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا، وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا، وَلَوْ أَكَلَ أَكْثَرَ جَازَ قَالَ أَحْمَدُ: نَحْنُ نَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: يَأْكُلُ هُوَ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ مَنْ أَرَادَ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِالثُّلُثِ. قَالَ عَلْقَمَةُ: بَعَثَ مَعِي عَبْدُ اللَّهِ بِهَدِيَّةٍ، فَأَمَرَنِي أَنْ آكُلَ ثُلُثًا، وَأَنْ أُرْسِلَ إلَى أَهْلِ أَخِيهِ عُتْبَةَ بِثُلُثٍ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا ثُلُثٌ لَك، وَثُلُثٌ لِأَهْلِك، وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينِ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْآخَرِ: يَجْعَلُهَا نِصْفَيْنِ، يَأْكُلُ نِصْفًا، وَيَتَصَدَّقُ بِنِصْفٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: مَا كَثُرَ مِنْ الصَّدَقَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَأَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلَ هُوَ وَعَلِيٌّ مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسِيَا مِنْ مَرَقِهَا. وَنَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، أَوْ سِتَّ بَدَنَاتٍ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ. وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا» . وَلَنَا، مَا رُوِيَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي صِفَةِ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ،

وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَّالِ بِالثُّلُثِ.» رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ، فِي الْوَظَائِفِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] .
وَالْقَانِعُ: السَّائِلُ يُقَالُ: قَنِعَ قَنُوعًا. إذَا سَأَلَ وَقَنِعَ قَنَاعَةً إذَا رَضِيَ. قَالَ الشَّاعِر:
لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنْ الْقَنُوعِ
وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيك. أَيْ يَتَعَرَّضُ لَك لِتُطْعِمَهُ، فَلَا يَسْأَلُ، فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا. وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْمَأْكُولِ مِنْهَا وَالْمُتَصَدَّقِ بِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي آيَتِنَا، وَفَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلِهِ، وَابْنُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ بِأَمْرِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، فَهُوَ فِي الْهَدْيِ، وَالْهَدْيُ يَكْثُرُ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْإِنْسَانُ مِنْ قَسْمِهِ، وَأَخْذِ ثُلُثِهِ، فَتَتَعَيَّنُ الصَّدَقَةُ بِهَا، وَالْأَمْرُ فِي هَذَا وَاسِعٌ، فَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا أَوْ بِأَكْثَرِهَا جَازَ، وَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا إلَّا أُوقِيَّةً تَصَدَّقَ بِهَا جَازَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يَجُوزُ أَكْلُهَا كُلِّهَا. وَلَنَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] . وَقَالَ: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَجِبُ الْأَكْلُ مِنْهَا، وَلَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهَا؛ لِلْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مِنْهَا. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا، وَقَالَ " مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ ". وَلِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ يُتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِهَا فَلَمْ يَجِبْ الْأَكْلُ مِنْهَا، كَالْعَقِيقَةِ، وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ، أَوْ الْإِبَاحَةِ، كَالْأَمْرِ بِالْأَكْلِ مِنْ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ، وَالنَّظَرِ إلَيْهَا.
رد مع اقتباس