عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-26-2010, 11:50 AM
هيثم بن علي البجالي هيثم بن علي البجالي غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: فلسطين الحبيبة حرسها الله
المشاركات: 210
افتراضي

أدلتهم:
الفريق الأول: استدل القائلون بجواز تشريح الجثة بالقياس والنظر المستند على قواعد الشريعة.
أولا: القياس وذلك من عدة وجوه:
الوجه الأول:
يجوز التشريح كما يجوز شق بطن الحامل الميتة، لاستخراج جنينها الذي رجيت حياته.
ونوقش هذا القياس بأن المقيس عليه مختلفٌ فيه وذلك لأن مصلحة الجنين مظنونة غير متيقنة.
الوجه الثاني:
يجوز تشريح جثة الميت لغرض التعليم وغيره كما يجوز تقطيع الجنين لإنقاذ أمه إذا غلب على الظن هلاكها بسببه.
الوجه الثالث:
يجوز تشريح جثة الميت كما يجوز شق بطنه لاستخراج المال المغصوب الذي ابتلعه. طلباً لمصلحة الحي المتمثلة في إنقاذه من الموت من أجل مصلحة حاجية وهي رد المال المغصوب إلى صاحبه.
الوجه الرابع:
استدل القائلون بجواز التشريح مطلقاً بقياسه على نبش قبر الميت لأخذ الكفن المغصوب.
الوجه الخامس :
قياساً على أكل المضطر للميت فقد قال النووي في الروضة: يجوز للمضطر قتل الحربي المرتد وأكله قطعاً وكذا الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة على الأصح منهم[1].
ثانيا: دليلهم من قواعد الشريعة:
1- قالوا: إن من قواعد الشريعة الكلية، ومقاصدها العامة أنه إذا تعارضت مصلحتان قدم أقواها، وإذا تعارضت مفسدتان ارتكب أخفهما تفادياً لأشدهما.
وجه تطبيق القاعدة:
أن المصلحة المترتبة على تشريح جثث الموتى لغرض التعليم تعتبر مصلحة عامة راجعة إلى الجماعة ، وذلك لما يترتب عليها من تعلم التداوي الذي يمكن بواسطته دفع ضرر الأسقام والأمراض عن المجتمع وحصول السلامة بإذن الله تعالى لأفراده فهذه مصلحةٌ مرسلة شهدت لها النصوص. ومصلحة الامتناع من التشريح تعتبر مصلحة خاصة متعلقة بالميت وحده ، وبناء على ذلك فإنه تعارضت عندنا المصلحتان ، ولا شك في أن أقواهما المصلحة العامة المتعلقة بالجماعة والتي تتمثل في التشريح فوجب تقديمها على المصلحة الفردية المرجوحة ، تقديماً لمصلحة الأمة لكونها كليةً عامةً وقطعيةً ، فالتشريح الطبي جائزٌ لأن فيه مصلحة حفظ النفوس فالمفاسد مغمورة في جانب المصالح.
ومما يدل على الجواز أن الشرع جاء بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأما إذا تعارضت المصالح فيؤخذ بأرجحها.
2- من قواعد الشرع: (( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب )). وتعلم الجراحة الطبية وغيرها من فروع الطب هو في سد حاجة الأمة إلى هذه العلوم النافعة ، وتحقيق هذا الواجب متوقف على التشريح الذي يمكن بواسطته فهم الأطباء للعلوم النظرية تطبيقياً ، فيعتبر مشروعاً وواجباً من هذا الوجه.
أدلة القول الثاني:
استدل القائلون بحرمة التشريح بدليل الكتاب والسنة، والقياس، والنظر المستند على قواعد الشريعة.
1- دليلهم من الكتاب: قوله تعالى: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا([2].
ووجه الدلالة من الآية: أن الآية الكريمة دلت على تكريم الله تعالى لبني آدم ، وهذا التكريم عام شامل لحال حياتهم ، ومماتهم. وتشريح جثث الموتى فيه إهانة لها ، نظراً لما تشتمل عليه مهمة التشريح من تقطيع أجزاء الجثة ، وبقر البطن ، وغير ذلك من الصور المؤذية فهي على هذا الوجه مخالفة لمقصود الباري من تكريمه للآدميين وتفضيله لهم ، فلا يجوز فعلها.
ونوقش: بأن إهانة الميت بتشريح جثته قد رخص فيها أصحاب هذا القول بناء على القياس أيضاً ، حيث استندوا على ما قرره بعض الفقهاء المتقدمين ـ رحمهم الله ـ من جواز نبش قبر الميت ، وأخذ كفنه المسروق أو المغصوب ، فقاسوا إهانته بالتشريح على إهانته بنبش كفنه ، وكشف عورته بجامع تحصيل مصلحة الحي المحتاج إليها.
وأيضاً فالتشريح لا ينافي الكرامة وإنما الذي ينافيها ما يكون بقصد الحقد والتنكيل والتشفي والانتقام ويكون بلا سبب فأما هنا فالدافع هو الرحمة وإحقاق الحق.

2- دليلهم من السنة: استدلوا بالأحاديث التالية:

أ- أحاديث النهي عن المثلة ، ومنها ما ثبت في الصحيح من حديث بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: " اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ، ولا تمثلوا"[3].
وجه الدلالة: أن تشريح جثة الميت في تمثيل ظاهر، فهو داخل في عموم النهي الوارد في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي ورد فيها نهي النبي صلى الله عليه وسلم الموجب لحرمة التمثيل ومنعه.
ونوقشت أحاديث النهي عن المُثلة بأنه قد ثبت ما يخصصها كما في قصة العرنيين[4] ، وآية المحاربين[5] . فإذا جاز التمثيل لمصلحة عامة وهي زجر الظلمة عن الاعتداء على الناس ، فكذلك يجوز التمثيل بالكافر طلباً لمصلحة عامة ينتظمها الطب الذي من أجله شرحت جثة الكافر ، إضافة إلى أن بعض العلماء يرى أن النهي للتنزيه.
ب- استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا"[6].
وجه الدلالة: أن هذا الحديث دل على حرمة كسر عظام المؤمن الميت والتشريح مشتمل على ذلك فلا يجوز فعله.
ونوقش حديث تحريم كسر عظم الميت بأنه خاص بالمؤمن كما هو منصوص عليه في نفس الحديث.
ج- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ "[7].
ونوقشت أحاديث النهي عن الجلوس على القبر بأنها تدل على تأذي الميت بذلك وهذا يتفق مع قول من خصص المسلم بالمنع ، وأما الكافر فإن إيذاءه بعد موته مقصود شرعاً ، فلا حرج في فعله.
3- دليلهم من القياس:
الوجه الأول: أن الأحاديث دلت على أنه لا يجوز الجلوس على القبر ، وأن صاحبه يتأذى بذلك ، مع أن الجلوس عليه ليس فيه مساس بجسد صاحبه ، فلأن لا يجوز تقطيع أجزائه ، وبقر بطنه الذي هو أشد انتهاكاً لحرمته من باب أولى وأحرى.
الوجه الثاني: أن من العلماء من نص على حرمة شق بطن المرأة الحامل الميتة لإنقاذ جنينها الذي رجيت حياته مع أن في ذلك مصلحة ضرورية ، فلأن لا يجوز التشريح المشتمل على الشق وزيادة أولى وأحرى.
4- دليلهم من القواعد الشرعية: استدلوا بالآتي:
1- قاعدة (( الضرر لا يزال بالضرر)).
2- قاعدة (( لا ضرر ولا ضرار )).
ووجه الاستشهاد بهاتين القاعدتين على حرمة التشريح:
أن القاعدة الأولى دلت على أن مفسدة الضرر ينبغي ألا تزال بمثلها ، والتشريح فيه إزالة ضرر بمثله ، وذلك لأن التعلم بواسطته موجب لإزالة ضرر الأسقام والأمراض بتعلم طرق مداواتها ، ولكن هذه الإزالة يترتب عليها ضرر آخر يتعلق بالميت الذي شرحت جثته ، وحينئذٍ يكون من باب إزالة الضرر بمثله ، وهو الذي دلت القاعدة على عدم جوازه.
وأما القاعدة الثانية فقد دلت على حرمة الإضرار بالغير ، والتشريح فيه إضرار بالميت فلا يجوز فعله.




الترجيح:
وبعد عرض الأدلة فإنه يتبين لنا أن القول بجواز التشريح هو القول الراجح، والأفضل في ذلك أن تكون في جثة الكافر دون المسلم للأسباب التالية:
أولا : لأن الأصل عدم جواز التصرف في جثة المسلم إلا في الحدود الشرعية المأذون بها والتشريح ليس منها ، فوجب البقاء على الأصل المقتضي للمنع ، وهذا الأصل يسلم به القائلون بجواز التشريح وإن كانوا يستثنون التشريح اعتبارا منهم للحاجة الداعية إليه .
ثانيا : أن الحاجة إلى التشريح يمكن سدها بجثث الكفار ، فلا يجوز العدول عنها إلى جثث المسلمين ، لعظيم حرمة المسلم عند الله حيا أو ميتا . فإن جثث الموتى من الوثنيين وغيرهم من الكفار ميسورة الشراء بأرخص الأسعار.
ثالثا : أن أدلة المنع يمكن تخصيصها بالمسلم دون الكافر ، فلا حرج في إهانته لمكان كفره ، كما قال تعالى :)وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ([8] ... ولا شك أن الكفار ممن أذلهم الله تعالى .
رابعا : أن استدلال القائلين بجواز التشريح مطلقا بقياسه على نبش القبر الميت لأخذ الكفن المغصوب مردود بكونه قياسا مع الفارق ...
خامسا : أن تشريح جثة المسلم يعطل عن فعل كثير من الفروض المتعلقة بها بعد الوفاة من تغسيلها وتكفينها والصلاة عليها ودفنها. والله تعالى أعلم.



[1] - النووي، محيي الدين يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين، 3 / 284، سنة النشر: 1405هـ.
[2] - سورة الإسراء، الآية: 70.
[3] - أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الجهاد والسير، باب: تَأْمير الْإِمام الْأُمراء عَلَى الْبعوث وَوَصيَّته إِيَّاهم بِآداب الْغَزو وَغَيْرها، رقم: 3261.

[4] - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الجهاد والسير، باب: إِذَا حَرَّقَ الْمُشْرِكُ الْمُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ، رقم: 2795.

[5] - سورة المائدة، الآية: 33.
[6] - أخرجه أحمد في مسنده، رقم: 24308، 40 / 354، وصححه الألباني في "إرواء الغليل"رقم: 763، 3 / 213.
[7] - أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الجنائز، باب: النهي عن الجلوس القبر والصلاة عليه، رقم: 1612.
[8] - سورة الحج، الآية: 18.
__________________
[CENTER][SIZE=6][COLOR=purple][FONT=PT Bold Heading]إذ سبني نذلٌ تزايدتُ رفعةً [COLOR=red]>>>[/COLOR] [/FONT][/COLOR][COLOR=purple][FONT=PT Bold Heading]وما العيبُ إلا أن أكونَ مساببُه[/FONT][/COLOR][/SIZE][/CENTER]


[CENTER][SIZE=6][COLOR=purple][FONT=PT Bold Heading]ولو لم تكن نفسي عليَ عزيزةً [COLOR=red]>>>[/COLOR] [/FONT][/COLOR][COLOR=purple][FONT=PT Bold Heading]لمكنتُها من كـلِ نذلٍ تحاربُه[/FONT][/COLOR][/SIZE][/CENTER]

[CENTER][FONT=PT Bold Heading][SIZE=6][COLOR=green]أبو البراء التعمري[/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
رد مع اقتباس